أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
77426 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-19-2014, 03:41 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
Lightbulb سلسلة مقال الخطيب ( 42 ) : العذاب المهين بين أسباب اجتلابه وأسباب اجتنابه .



تنبيه : رقم المقال ( 42 ) .

العذاب المهين بين أسباب اجتلابه وأسباب اجتنابه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد :

فقال – تعالى - : {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ, مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ} [الدخان:30-31].

يبين الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه نجَّى بني إسرائيل من العذاب المهين وهو العذاب المقترن بالذل والهوان . وكان عذاباً سيئاً للغاية موغلاً في استذلالهم . أسرف فيه فرعون وقومه، فكان منه ما ذكره الله - تعالى – بقوله : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [البقرة : ] .

وتمادى هذا الطاغية في علوه وعتوه حتى استعبدهم ؛ فوصل بهم الحال من الذل والهوان أن صاروا عبيدا له يسخرهم كيف شاء ومتى شاء ، وعاب عليه موسى – عليه السلام – ذلك فقال : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ } [الشعراء:22].

قال الشنقيطي – رحمه الله – في الأضواء - : " فتعبيده إياهم من أنواع عذابه لهم " .

وهذا العذاب المقترن بالذل والهوان لا حيلة عند العبد في دفعه ، فهو يحتمله لعجزه عن رفعه ، وعجزُه أوجبته ذنوبه وما اكتسبته جوارحه ؛ فحقيقته أن الله – تعالى يبتلي عبده بتسليط عدوه عليه بسبب ذنوبه وهو عاجز عن رده وصده ، فلا يقوى على رد عداه ولا كف أذاه . فهو مبتلى به ؛ فكلما زاد هذا العبد احتمالاً زاد ذاك العدو عتواً وإفساداً .

وهذه الحال يقال لها : ( الذل والمهانة ) ؛ لأنها احتمال من العبد لأذى من لا يقدر على دفع أذاه أو رفعه لعدم أخذه بالأسباب الإيمانية المزيلة له . وقد بين ابن حزم – رحمه الله – أن صبرك عمن يقدر عليك ولا تقدر عليه ذل ومهانة وليس من الفضائل .

وما أشبه الليلة بالبارحة ، ففي أرجاء كثيرة من بلدان الأمة المسلمة اليوم يعيش أبناؤها هذه الحال من الذل والمهانة وتسلط الأعداء من الداخل والخارج ؛ فيعيش كثير من الناس حال الاستذلال فدماؤهم مستباحة وأعراضهم منتهكة وأموالهم منهوبة .

إنِّي تذكرتُ والذكرى مؤرقةٌ *** مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
أنَّى اتَّجهتَ إلى الإسلامِ في بلدٍ *** تجدهُ كالطيرِ مقصوصاً جناحاه
كم صرفتنا يدٌ كُنَّا نُصَرِفها *** وباتَ يملكُنا شعبٌ ملكناه


واعلموا – رحمكم الله – أن هذه الحال لها أسباب توجبها ، وأسباب تنجي منها :

فأما الأسباب التي توجبها ؛ فهي مخالفة أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بترك التوحيد وفعل الشرك ، وبترك المتابعة وفعل البدع ، وبترك الطاعة وفعل المعاصي .

فقد صح عند الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « وجُعِلَ الذِّلَّةُ والصَّغَارُ على مَن خَالفَ أَمري » .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " إن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه " ( الداء والدواء : 91) .

وجاء عند الإمام أحمد بسند صحيح عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُصُ فُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِهَا فَبَكَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، وَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ – رضي الله عنه - جَالِسًا وَحْدَهُ يَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ ؟ قَالَ: « وَيْحَكَ يَا جُبَيْرُ مَا أَهْوَنَ الْخَلْقِ عَلَى اللهِ إِذَا هُمْ تَرَكُوا أَمْرَهُ ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمُ الْمُلْكُ تَرَكُوا أَمْرَ اللهِ فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى » .

فالمعصية تجعل العزيز ذليلاً ، والغني فقيراً ، والمالك مملوكاً ، والرئيس مرؤوساً . وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد كما قال الله - تعالى - :{ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ } [الحج : 18] .

وجاء عن ابن مسعود – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " أَمَّا بَعدُ يا معشرَ قريش ! فإنكم أهلُ هذا الأمرِ ما لم تعصوا الله ، فإذا عصيتموه بعثَ إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب - لقضيب في يده " ( السلسلة الصحيحة : 1552 ) . والقضيب الغصن .

قال الألباني – رحمه الله - : " ( يلحى ) : أي يقشر ، و هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ، فقد استمرت الخلافة في قريش عدة قرون ، ثم دالت دولتهم ، بعصيانهم لربهم ، و اتباعهم لأهوائهم ، فسلط الله عليهم من الأعاجم من أخذ الحكم من أيديهم و ذل المسلمون من بعدهم ، إلا ما شاء الله " ( السلسلة الصحيحة : 4/69 ) .

وقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – حقيقة هذا الداء ( ذل الناس وهوانهم ) : من استذلالهم بالسنين الصعاب ، وشدة المؤنة ، وجور السلطان ، وتسلط الأعداء عليهم بأخذ بعض ما في أيديهم من نعم وخيرات ، وجعل بأسهم بينهم حتى يقتل بعضهم بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً . وأن سبب ذلك كله بعض ذنوبهم وما كسبته أيديهم .

فعن عبد الله ابن عمر قال : أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا معشر المهاجرين ! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " ( السلسلة الصحيحة : 106 ) .

نون الهوان من الهوى مسروقة *** فإذا هويت فلقد لقيت هوانا

وأما أسباب النجاة من الذل والهوان فجماعها : الرجوع إلى دين الله – تعالى – ، بالتوبة والإنابة والاستقامة على شرعه بالقول والعمل والحال إخلاصاً ومتابعة .

فعن ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما - ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، يَقُولُ : " إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ " ( صحيح رواه أبو داود : 3462 ).

ومن أسباب النصر مزج احتمال الأذى بالإيمان ، والثقة بالله – تعالى – والاعتماد عليه وحده والقيام بشرعه فعلاً لما يحبه ويرضاه وتركاً لما يكرهه ويأباه .

فإن دولة الظلمة والطغاة إذا أراد الله – تعالى – إزالتها هيأ أسباب ذلك ، بقيام الأمة بأسباب التمكين ، كما فعل ذلك بفرعون وقومه ، فقال – سبحانه - : { نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ }[القصص : 3 - 6] .

فأول أسباب التمكين الصبر الإيماني كما قال – سبحانه - : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}[الأعراف : 137].

ومن الأسباب أن يقترن هذا الصبر باليقين بالله – تعالى – وبشرعه ، كما أخبر الله - أن سبب تمكين بني إسرائيل كان بالصبر واليقين - : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة : 24].

ومن الأسباب أن يقترن الصبر بالاستعانة بالله وحده ؛ فيلجأ الناس إلى ربهم تضرعاً ودعاء ، كما قال موسى – عليه السلام – لبني إسرائيل - : { اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }[الأعراف : 128] .

ومن الأسباب أن يقترن الصبر بالعمل بالشريعة وامتثال أوامر الله – تعالى – واجتناب نواهيه وهي حقيقة التقوى ، كما قال – تعالى – :{ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } .

فيا رب كن لنا ناصراً ومعيناً




رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:44 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.