أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
1741 103191

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-29-2014, 05:06 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
Lightbulb سلسلة مقال الخطيب ( 39 ) : صراع الشح والإنفاق بين الإصلاح والإفساد .



صراع الشح والإنفاق بين الإصلاح والإفساد .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد :

فلا يزال البلاء ينزل على أنحاء كثيرة من الأمة الإسلامية في بلدنا هذا وفي غيره من البلدان فانعدم الأمان وذهب الاطمئنان وحلت المخاوف في القلوب ونزلت المصائب على الأبدان .

ولا ريب أن هذه نتائج وثمار لها مقدمات وأسباب ، وهي كثيرة لكن من بينها سبباً خطيراً يغفل عنه كثير من الناس ألا وهو : ( البخل ، والشح ) الداء الذميم ، والخلق اللئيم ، قال – تعالى - : { هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ }[محمد : 38] .

وقد حذر الله – تعالى - من عاقبته الوخيمة ، وأخبر أن مآل البخلاء شر في دينهم ودنياهم ، فقال : {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [آل عمران : 180] .

فإن من أسباب تلف العباد - تلفاً يعم الأبدان والأموال – ومن أسباب فساد معيشتهم وتنغصها عليهم بالشدائد المكروهات والمحن والكُرُبات ، هو عدم الإنفاق في سبيل الله وترك التصدق بالأموال والمنافع والتمسك بها بخلاً وشحاً ، فقد جاء عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزلانِ ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً ، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً " ( متفقٌ عَلَيْهِ ) .

فبالله عليكم إذا كان ملكاً أرصد يدعو بهذا الدعاء كيف سيكون حال البخلاء .

قال القرطبي – رحمه الله – في المفهم : ( 9/25 ) - : " وقوله : ( اللهم أعط ممسكًا تلفًا ) ؛ يعني : الممسك عن النفقات الواجبات ، وأما الممسك عن المندوبات ، فقد لا يستحق هذا الدعاء ؛ اللهم إلا أن يغلب عليه البخل بها ، وإن قَلَّت في أنفسها ؛ كالحبة واللقمة وما شاكل هذا . فهذا قد يتناوله هذا الدعاء ؛ لأنه إنما يكون كذلك لغلبة صفة البخل المذمومة عليه ، وقلَّ ما يكون كذلك إلا ويبخل بكثير من الواجبات ، أو لا يطيب نفسًا بها " .

وقال ابن عثيمين – رحمه الله - : " والتلف نوعان: تلف حسي، وتلف معنوي .

1 - التلف الحسي : أن يتلف المال نفسه بأن يأتيه آفة تحرقه أو يسرق أو ما أشبه ذلك .

2 - التلف المعنوي : أن تنزع بركته بحيث لا يستفيد الإنسان منه في حياته
" ( شرح رياض الصالحين : 1/580) .

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في الفتح : (3/305) - : " وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال " .

والبخل من أسباب تعسير الأمور وشدتها وزوال يسر الحياة وسهولتها ، فتعسر على البخيل أموره وتضطراب أحواله كما قال – تعالى – في سورة الليل - : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) }

قال الحافظ – رحمه الله – في الفتح : ( 3/305 ) - : " وتضمنت الآية الوعد بالتيسير لمن ينفق في وجوه البر والوعيد بالتعسير لعكسه والتيسير المذكور أعم من أن يكون لأحوال الدنيا أو لأحوال الآخرة " .

وقال السعدي – رحمه الله - : " { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } أي : لكل حالة عسرة في معاشه ومعاده " .

والبخل سبب موجب لنكد حياة البخيل – هماً وغماً وحزناً - وضنك عيشه وبؤس معيشته لما جاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، قَدِ اضْطُرَّتْ أَيْدِيهِمَا إلى ثُديِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا؛ فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كَلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ حَتَّى تَغْشَى أَنَامِلَهُ، وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ؛ وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ، وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ بِمَكَانِهَا . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ هكَذَا فِي جَيْبِهِ، فَلَوْ رَأَيْتَهُ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَوَسَّعُ " ( متفق عليه ) .

قال المنذري – رحمه الله - : " فالمنفق كلما انفق اتسعت عليه النعم وسبغت ووفرت حتى تستره ستراً كاملاً شاملاً. والبخيل كلما أراد أن ينفق منعه الشح والحرص وخوف النقص فهو بمنعه يطلب أن يزيد ما عنده ، وإن تتسع عليه النعم فلا تتسع ولا تستر منه ما يروم ستره " ( مرعاة المفاتيح : 6/574 ) .

والشح الذي هو أشد البخل من أعظم الأسباب الجالبة لإفساد العباد والبلاد وإهلاك الحرث والنسل وسفك الدماء وانتهاك المحرمات فعن جابر - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " اتَّقُوا الظُّلْمَ ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ . وَاتَّقُوا الشُّحَّ ؛ فَإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُمْ عَلَى أنْ سَفَكُوا دِمَاءهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ " ( رواه مسلم ) .

ولا فلاح للعباد ولا نجاة من هذا الواقع الأليم والمرير إلا بالتخلص من شح النفوس وبخلها وهو حرصها على الأموال والمناصب ، كما قال – تعالى - : { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [ الحشر : 9 ] .

قال الشنقيطي – رحمه الله – في أضوائه - : " ومفهوم الشرط أن من لم يوق شح نفسه لم يفلح وهو كذلك " .

واعلموا – رحمكم الله – أن البخل كما أنه سبب للبلاء والشدة فالجود والسخاء والكرم والبذل والعطاء من أعظم أسباب دفع البلاء ورفعة فما استدفعت البليات بمثل الصدقات .

قال ابن القيم - رحمه الله -: " فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه " ( الوابل الصيب : ص/ 49) .

فالصدقة تفتح لك أبواب الرحمة ، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: « الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك و تعالى : ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " ( صحيح الجامع : 3522 ) .

وكل الخير - الديني والدنيوي - في النفقات والصدقات الواجبة والمستحبة كما قال – تعالى - : { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 280 ] . وقال – تعالى - : { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ } [ النساء : 114 ] .

والصدقات ونفع الآخرين من الأسباب التي تجلب محبة الله – تعالى – للعبد ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : " أحب الناس إلى الله - تعالى - أنفعهم للناس و أحب الأعمال إلى الله - عز وجل - سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربة ، أو يقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ، ( يعني مسجد المدينة ) شهرا " ( السلسلة الصحيحة : 906 ) .

والصدقات من أعظم الأسباب التي تدفع مصارع السوء فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة خَفياً تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم زيادة في العمر ، وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة " (صحيح الجامع : 3796).

وفي الصدقات شفاء المرضى ومداواتهم وذهاب أسقامهم ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " داووا مرضاكم بالصدقة " ( صحيح الجامع : 3358 ) .

وصح وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بلال وعنده صبرة من تمر فقال : " ما هذا يا بلال ؟ " قال : شيء ادخرته لغد . فقال : " أما تخشى أن ترى له غدا بخارا في نار جهنم يوم القيامة أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا " (الصحيحة : 2661).


فتصدقوا وأحسنوا وانفقوا ولا تخشوا من ذي العرش إقلالاً .




رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:21 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.