أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
106033 | 86507 |
#1
|
|||
|
|||
سلسلة مقال الخطيب (8) : الايناس في بيان معنى:{ قِيَاماً لِلنَّاسِ }
الايناس في بيان معنى: { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ } [المائدة : 97]. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه . أما بعد : فإن الله – جل في علاه – قد شرع لعباده شرائع الإسلام ، وأحكم مبانيه العظام ، وجعل كل شعيرة منها تتضافر مع أخواتها في تشييد بنائه الشامخ ، و عمارة صرحه الخالد . فالشرائع الإسلامية من الواجبات والمستحبات روافد إيمانية ومنابع يقينية تسقي شجرة محبة الله – تعالى – في قلوب الصالحين والصالحات . ولب هذه الشجرة توحيد الله وإخلاص الدين له ، وهو حقيقة الأمر والغاية من الخلق ، كما قال – تعالى - :{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] . ومن رحمة الله – تعالى – بعباده أن جعل لهم من الأزمنة والأمكنة مواسم للطاعات ، وأماكن للقربات ، يظهرون فيها مكنون قلوبهم ، ومحبوس صدورهم من التأله والتعبد . فمحبتهم لله – تعالى – تجري مع نبض قلوبهم ، ودمع عيونهم شوقاً ووجداً ، فيخرجون مكنون المودة ، وينفسون عن زفرات الشوق والمحبة بالقيام بالواجب والسنة . ومن تمام منة الله ، وعظيم رحمته ، وكمال لطفه أن جعل لعباده بيتاً لتوحيده ، تراق بفنائه الأشواق ، وتسبل بفيض دموع محبتها الأحداق ، تتعلق القلوب برحابه ، وتأنس النفوس بجنابه . سر أودع في القلوب تسمو به إلى علام الغيوب . بيت لا يكل الناظر إليه ، ولا يمل الطائف به ، ولا يستحسر العاكف عنده ، لانجذاب قلوبهم إليه ، وتعلق نفوسهم به ؛ لأنه بيت العبادة والإنابة . ولما رأت أبصارهم بيته الذي *** قلوب الورى شوقا إليه تضرم كأنهم لم ينصبوا قط قبله *** لأن شقاهم قد ترحل عنهم فلله كم من عبرة مُهَراقة *** وأخرى على آثارها لا تقدم إذا عاينته العين زال ظلامها *** وزال عن القلب الكئيب التألم ولا عجبا من ذا فحين أضافه *** إلى نفسه الرحمن فهو المعظم كساه من الإجلال أعظم حلة *** عليها طراز بالمُلاحة مُعْلم ومن لطيف حكمة الله – تعالى – أن أجرى سننه الكونية في صلاح الدنيا وفسادها على مقتضى تعظيم هذا البيت وتبجيله ورعاية حرمته تفخيماً لشأنه ، وقياماً بحقه . فأسعد الناس قلباً ، وأشرحهم صدراً ، وأقومهم بأمر دينه ودنياه من كان أكثر تعظيماً للبيت الحرام ، كما قال - سبحانه - : { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ } [المائدة : 97]. قال ابن كثير – رحمه الله - : " أي: يُرْفَع عنهم بسبب تعظيمها السوءُ، كما قال ابن عباس: لو لم يحج الناسُ هذا البيت لأطبق الله السماءَ على الأرض " ( 1/ 413 ) . قال السعدي – رحمه الله - : " يقوم بالقيام بتعظيمه دينُهم ودنياهم " ( التفسير ) . والسر في ذلك أنه بيت التوحيد الذي تم بناؤه وعلت أركانه على أسس الإخلاص ، فهو أول مكان وضع لبث الوجد والمحبة : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ }[آل عمران:96] . ولعظيم شأنه عند الله – تعالى - ، وكمال فخره تولى الله – سبحانه – تعليم إبراهيم الخليل موضع بنائه المشرف ، كما قال : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ }[الحج : 26] . " أي: أرشده إليه ، وسلمه له ، وأذن له في بنائه " ( تفسير ابن كثير : 5/413 ) . وفي هذا كمال الفخر وعظيم الشرف أن يكون الله - تعالى - هو الذي تولى تحديد مكانه وتعليم إبراهيم موضع بنائه . وشيء هذا شأنه يكون مقصوده من أجل المطالب ، وغايته من أرفع المراتب . وذلك المقصود يتحقق بأمرين اثنين : الأمر الأول / نفي الشرك ، والكفر بالأنداد ، والبراءة من الطواغيت ، كما قال – تعالى - :{ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا }. الأمر الثاني / تحقيق التوحيد ، كما قال – تعالى - :{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } " أي : طهره لهؤلاء الفضلاء ، الذين همهم طاعة مولاهم وخدمته ، والتقرب إليه عند بيته ، فهؤلاء لهم الحق ، ولهم الإكرام ، ومن إكرامهم تطهير البيت لأجلهم ، ويدخل في تطهيره ، تطهيره من الأصوات اللاغية والمرتفعة التي تشوش المتعبدين ، بالصلاة والطواف " قاله السعدي . فبيت هذا مقصود قيامه ، وعمارة أركانه لهو في غاية الجلال ، وعظيم الحرمة :{ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } ثم شرع الله – تعالى – لعباده أن يقصدوه ، ويتكلفوا الوصول إليه – حسب الطاقة والمكنة – وجعل في قلوبهم مقتضى قصده قائماً – محبة وشوقاً – لأنه ادعى لتعظيمه وتبجيله ، فالقلوب ترحل إليه قبل أبدانها ، والنفوس تكاد من الشوق تخرج من أجسادها . { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } دعاهم فلبوه رضا ومحبة *** فلما دعوه كان أقرب منهم تراهم على الأنضاء شعثا رؤوسهم *** وغبرا وهم فيها أسر وأنعم وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة *** ولم تثنهم لذاتهم والتنعم يسيرون في أقطارها وفجاجها *** رجالا وركبانا ولله أسلموا نداؤهم في هذا المشهد العظيم ، وهم قاصدين الكعبة المشرفة : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . تعلو بها أصواتهم ، وتعج بها حناجرهم . أما والذي حج المحبون بيته *** ولبوا له عند المهل وأحرموا وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعا *** لعزة من تعنوا الوجوه وتسلم يهلوان بالبيداء لبيك ربنا *** لك الحمد والملك الذي أنت تعلم فالمقصود من هذا البيت بشعائره ، ومشاعره ، وأحكامه ، وسننه ، وآدابه هو إقامة التوحيد وإفراد الله بالعبادة وهذا هو المقصود من إيجاد الخليقة ، فإذا عبدوا الله وحده ، وامتثلوا أمره ، وحققوا تقواه أصلح الله لهم أمر معاشهم ومعادهم . وعلامة قيامهم بما خلقوا له هو تعظيمهم البيت الحرام الذي قام على هذا الأصل المتين ، والمطلب الرفيع . فإن فرطوا في شأن هذا البيت ولم يعظموه دل على تفريطهم في حق الله وعدم تعظيمه والاستهانة بحقه وتعلق قلوبهم بغيره من القبور والمشاهد ونحوهما . وعندها يفسد عليهم أمر دينهم ودنياهم ، وتنتابهم المخاوف ، ويتيهون في الضلال {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج : 31] . يا مالكا ما أعدلك مليك كل من ملك *** لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك عبدك قد أهل لك أنت له حيث سلك *** لولاك يارب هلك لبيك إن الحمد لك |
#2
|
|||
|
|||
يرفع للمناسبة . . .
|
|
|