أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
102355 107599

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الأخوات العام - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-15-2014, 04:01 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي ودنا الرحيــــل

ودنا الرحيــــل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

الحمد لله الذي الذي جعل الفردوس الأعلى لعباده نزلا، ويسّر لهم الأعمال الصالحة الموصلة إليها، فلم يتخذوا في هذه الحياة الدنيا سواها شغلا، ويسّر لهم السبيل المؤدية إليها، وحفها بالمكاره ليبلوهم في دار الإبتلاء أيهم أحسن عملا؛ فهنيئـًـا لمن أجاب الداعي وعَمَرَ الدارَيْن، ولدار الآخرة خير ثوابًا وخير أملا.

في دار الدنيا يَعزّ علينا التحوّل والانتقال إلى مسكنٍ جديد، والبعد عن أحبة ألفناهم، ووطن عشنا في أحضانه، والرحيل إلى موطن جديد لا نعلم ما قدر الله لنا فيه، عسى أن يجعله ربي خيرا؛ وأن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر أينما حللنا، وأن يجعل بيوتنا عامِرةً بذكر الله وتقوى الله؛ على نور من الله - تعالى -؛ ونحن نعلم علم اليقين أنه مع كل نَفَسٍ أو كل لحظةٍ تمُرُّ بنا يدنو الرحيل؛ فإننا لسنا بدار مقامة، وكل منا يومًا ما سيرحل، سواءً رضِيَ أم أبى، فإما أن يكون رحيلاً مؤقتًا ثم يواصل المسير حتى يبلغ مأمنه؛ وإما أن يبغته الأجل على عجلٍ فيحلَّ تحت أطباق الثرى وما قدّم من عمل، بقبرٍ إما أن يكون روضةً من رياض الجنة، وإما أن يكون حفرةً من حفر النار - والعياذ بالله - فماذا أعددنا له ؟.

ولن يصحب الإنسان من بعد موتِهِ *** إلى قبره إلا الذي كان يعمل
ألا إنمــــا الإنسـان ضـيفٌ لأهلِــــهِ *** يقيم قليلًا عندهــم ثم يرحـل.

القبر سكن في عالم البرزخ، وليس مثوًىً أخيرًا كما يقولون. المثوى الأخير: إما أن يكون: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت، وإما يا أهل النار خلود فلا موت.

الحياة لقاءٌ ووداع، بدايتها سكن، ونهايتها سكن، وما يكون بين البداية والنهاية يحدد المصير، فالحياة في حركةٍ دائمةٍ ليس من شأنها السكون، تجارة مع الله - جلَّ في عُلاهُ -؛ إلا أن يشاء ربي شيئا؛ أيامٌ وليالٍ تنقضي من عمر الإنسان، وكل يومٍ ينقصُ يدنيه من أجله، وخلال هذه الأيام؛ إما أن يكسب في تجارته ويثقل ميزانه؛ وإما أن يخسر.

رحل أناس هلكوا بظلمهم وصدِّهم عن سبيل الله، فخسروا أنفسهم وديارهم فهي خاوية على عروشها، تنفر النفس من المرور بها، ومن ذكرهم {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [سورة القصص 58 - 59].

وحرص أناس على أن يأووا إلى مساكنَ عامِرَةً بذكر الله جلَّ في عُلاه وتقواه، وعلى نور منه سبحانه، ترفرف عليها ظلالٌ وارفةٌ من السعادة والمحبة؛ والسكينة والطمأنينة والهناء، في ديارٍ ها هي محط أنظارِ العالمينَ منذ آلاف السنين، تهوي إليها القلوب وتشتاق، نمر بديارهم فنقول: من هُنا مَرّوا، ونذكرهُم فندعو لهم بخير.

ماتوا وغُيّب في التراب شخوصهم *** والنشر مسك والعظام رميم.

ماتوا ولكنهم أحياء بطيب ذكرهم، وعِطر سِيَرهم، فهم القدوة الصالحة، والأسوة الحسنة أنبياء وصالحين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال أحد السلف الصالح رحمهم الله - تعالى -: [شتان بين أقوامٍ موتى تحيى القلوب بذكرهم، وبين أقوامٍ أحياءَ تموت القلوب بمخالطتهم].

فلنحذر من مصاحبةِ من هم أحياءَ ولكنهم بين الناس أموات، ولنحرص على مصاحبة الصالحين ومجالستهم ومخالطتهم، فإنها تُعين على البر والتقوى، وتُحْدِثُ عند العبد همَّـةً لأداء الطاعاتِ والمسابقة إلى الخيرات.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) . رواه أحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي في شعب الإيمان. انظر : [مشكاة المصابيح جـ 3 رقم 5019].

وعن عبد الله أبن مسعود - رضي الله عنه – قال: قالت أم حبيبة - رضي الله عنها - زوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم –: «اللهم أمتعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية» فقال: (سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، والأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئا منها قبل أجله ولا يؤخر، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من النار، وعذاب القبر كان خيرًا وأفضل) (صحيح) رواه (مسلم).

إنها التربية الإيمانية التي ربى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أهله وأصحابه، التربية التي تربط حياتنا الدنيا برباط وثيق مع الدار الآخرة، ذكَّرَ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أم المؤمنين أم حبيبة - رضي الله عنها - إلى ما هو خير وأبقى بقوله: (ولو كنتِ سألتِ الله أن يعيذكِ من النار، وعذاب القبر كان خيرًا وأفضل)؛ الآجال مضروبة، والأيام معدودة، والأرزاق مقسومة، لن يعجل الله شيئَا منها قبل أجله ولن يؤخر؛ فلا ينبغي أن تضيع رحلة العمر هدرًا بغير عمل، فإننا غدًا عنها سنسأل.

فمن الناس من باع نفسه ابتغاء مرضاة الله، فسابق إلى الخيرات، واتقى الشبهات وأعدَّ نفسه للقاء الله - تعالى - بعد الممات؛ ومنهم من باع نفسه بشهوة، برشوة، بمنصب، بجاه، أو بأكلة، بثوب، بمسكن، بوعد كاذب ليحصل على ما يتمناه من زخرف الحياة الدنيا وزينتها، فإذا هي عرض زائل، متاع زائل ... سراب.... كان فيه هلاكه، وأي هلاكٍ أعظم من غضب الجبار، وعذاب النار ؟؟؟. نسأل الله العافية، فشتّان شتان !!!.

فلا ينبغي أن يغترّ جاحدٌ ولا عاصٍ بما يتمتع به من أموال، وأزواج، وأولاد ... قد يكون ظاهرها نِعَمْ وَباطِنُها نِقَمْ، والعياذ بالله.

قال الله - تعالى -: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [سورة الكهف 46].


وكتبته: أم عبد الله نجلاء الصالح.

من محاضرات اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله تعالى

يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-15-2014, 11:37 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي ودنا الرحيــــل - تتمــَّــــة -.

ودنا الرحيــــل

سكَنَ أبونا آدم - عليه الصلاة والسلام - وأمّنا حواء الجنة، وأخرجا منها بمعصية واحدة، (الأكل من الشجرة التي نهاهما الله – تعالى- عنها)، بعد أن وسوَس لهما الشيطان - أعاذنا الله وإياكم منه - فزيَّنَ بوعدٍ كاذبٍ وأنسى، فكانت هذه المعصية سببًا في تبديل السَّكَن الذي هو أدنى بالذي هو خير.

قال الله - تعالى -: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ * يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [سورة الأعراف 19 ــ 27].

انظري أختـــــاه! كانت الفتنة بالحرص وحب الشهوات، الخلــــد أرادا فأبعدا، وإلى دار الإبتلاء أهبطـــــا.
وكانت المعصية فكان الرحيل، وكشف العورات، وتقلب الأحوال. ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمــــانه.
قال الله - تعالى -: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}.

ومن رحمة الله – تبارك وتعالى - بأبينا آدم وأمنا حواء أن امتنّ الله عليهما بالتوبة فتابا إلى الله تعالى {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة الأعراف 23]. ظلما نفسيهما بالأكل من الشجرة التي نهاهما الله – تعالى - عنها، فكيف بمن ظلم نفسه فأعرض عن الله تعالى وعن ذكر الله بشرك وكفر، أو بدعة ومعصية ؟؟.

وقوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورةالبقرة 35 - 37].
إن الشيطان زيّنََ ووسوَس، فأزلَّ ولبَّس؛ وأمنا حواء أعانت، فنزع العِرْقُ في بناتها، ابتلاءً واختبارًا؛ فقد تندفع المرأة أحيانًا بعواطفها الجياشة دون النظر في العواقب؛ فالله ... الله ينبغي الإنتباه؛ واحتساب الأجر في مجاهدة النفس، وأخذ الحيطة والحذر من هواها، ومن صحبة السوء، ومكايد الشيطان وإغوائه، حتى لا تكون سببًا في خراب بيتها ورحيلها منه، رحيلًا تَعُضُّ عليه أصابع الندم حين لا ينفع الندم.

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –: (لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام، ولم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر) (متفق عليه).

قال شيخنا الألباني رحمه الله - تعالى - في التعليق على الحديث: [لم يخنز اللحم، أي: لم يتغير ولم ينتن، قال العلماء معناه: أن بني إسرائيل لما أنزل الله عليهم المنّ والسلوى نُهوا عن ادّخارهما، فادخروا، ففسد وأنتن، واستمر من ذلك الوقت.
ولولا حواء لم تخُن أنثى زوجها الدهر: أي: لولا أن حواء خانت آدم في إغرائه وتحريضه على مخالفة الأمر بتناول الشجرة وسنّت هذه السنة، لما سلكتها أنثى مع زوجها، وذلك منها خيانة له، فنزع العرق في بناتها، وليس المراد بالخيانة هنا الزنا]. انظر : [مختصر صحيح مسلم رقم (846) الحاشية].

قال الله - تعالى -: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سورة طه 123 - 126].


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-17-2014, 09:12 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي ودنا الرحيــــل - تتمــَّــــة -.

ودنا الرحيــــل

رحل الأنبياء من أوطانهم فرارًا بدينهم، وحفاظًا على إيمانهم، فتركوا الوطن والعزّ والجاه والمال ابتغاء مرضاة الله، فتولاهم الله بحفظه ورعايته، ورباهم على نور منه، صلحوا وصلحت ذرياتهم، وأمم كانت معهم؛ ولنا في قصة رحلة الخير وهجرة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام – وزوجه هاجر أسوة حسنة، ومثال رائع في مسيرة الحياة، في الحلّ والترحال، في الطاعة وتمام التسليم والرضى وحسن التوكل على الله - سبحانه وتعالى -.

روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء. ثم قفـّى إبراهيم مُنطلقا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم ! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟! فقالت له: ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليه. فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يَرَوْنَه استقبل بوجهه البيت، ثمَ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [سورة إبراهيم 37] .... قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا). قال: فشربت وأرضعت ولدها فقال لها المَلَك: (لا تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيت الله، يبني هذا الغلام وأبوه فإن الله لا يضيع أهله). انظر: [صحيح السيرة النبوية ص 41].

ترك إبراهيم - عليه الصلاة والسلام – زوجه هاجر ورضيعها في مكـــــة، إمرأة غريبة ضعيفة في أرض قفراء، لا إنس فيها ولا أنيس، ولا شجر ولا ماء، فقالت له : (يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ !. فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا ؟ قال : (نعم)؛ فأجابت إجابة الواثق بالله – تبارك وتعالى-، وبعظيم قدرته سبحانه؛ وسعة رحمته قائلة: إذًا لا يضيعنا اللـــــــه، ثم رجعت؛ رجعت ... طاعةً لأمر الله - تعالى - ثمَّ لزوجها برضًى وطمأنينة ! وهدوءٍ نفسيٍّ ! وتسليمٍ بلا تسخط، ولا تذمرٍ، ولا امتعاض ولا اعتراض. أين نحن منها!!.

الله أكبر ... ويأتي الملَك بالردّ من عند الله تعالى مطمئِنا:
[لا تخافوا الضيْعة، فإن ها هنا بيتَ الله، يبني هذا الغلام وأبوه، فإن الله لا يُضَيّع أهله].

نعم والله ... «إن الله لا يُضَيّع أهله» !!. بشارة بطول عمر، وتشييد بناء، وحفظٍ من رب الأرض والسماء !.

تعلمْ أن الأجل مُقدر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الخلق بخمسين ألف سنة، وكذلك الرزق مقدر مكتوب. فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (الرزق أشد طلبًا للعبدِ من أجله) (حديث حسن) انظر: [صحيح الجامع 3551]؛ يرزق الله بفضله ومنِّه وكرمه من يشاء من عباده بغير حساب، يرزق البرّ منهم والفاجر، والمؤمن والكافر ... فكيف بأوليائه ؟!!.

انطلق إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ودعا بدعاء المضطر الذي يعلم أن لا ملجأ من الله إلا إليه، دعا بدعاء الوالد الحنون، والزوج المشفق، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : (... فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثمَ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال : {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [سورة إبراهيم 37]؛ ودعا أيضا فقال: {رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ قال وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ االنَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [سورة البقرة : 126]؛ فاستجاب الله – تبارك وتعالى - الدعاءَ وبدّل الوحشة فيها أمنا، والقحط رخاءً ونماء؛ ليقوم الناس على طاعته وعبادته سبحانه وحده لا شريك له في هدوء واطمئنان وأمن وأمان؛ قال – تعالى-: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف} [سورة قريش 1 - 4].

‌فها هي ذي «مكــــــــة المكرمــــــة» بفضل الله - تعالى - محطّ أنظار الناس على مدى الزمان، تهفو إليها القلوب المؤمنة وتشتاق، ويجبى إليها ثمرات كل شيء، وتشدّ إليها الرحال، ويهون الفراق، فراق الأهل والأحبة، لأداء شعيرة من شعائر الله – جلّ في عُلاه -، تزكو بها النفوس وتطهر، لتكون أهلًا لكرامة الله - تبارك وتعالى - في جنة عرضها كعرض السموات والأرض.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-17-2014, 09:41 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي ودنا الرحيــــل - تتمــَّــــة -.

ودنا الرحيــــل

رحل الحبيب المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم – من مكـــــة المكرَّمة أحب البلاد إليه وإلى الله - جلّ في عُلاه –؛ إلى المدينة المنوَّرة، راضيًا بقضاء الله تعالى وقدره، مطمئنًا إلى أمره وحكمه، فأرسى فيها قواعد دولة الإسلام، ودان به أهل الجزيرة العربية، وعمّ نور الهداية أرجاء المعمورة بعد أن عاد فاتحًا فتحًا مُؤزّرًا مبينًا إلى مكـــــة المكرَّمة.
وقد يضيع أناس إيمانهم وهم في أوطانهم، فها هو ذا فرعون يقول : «أنا ربكم الأعلى»، فيُقتل خاسئًا ذليلًا في أرضه خنقًا بالماء والطين، فما أغنى عنه ادعاؤه الربوبية من دون الله تعالى؛ ولا منصب تباهى به؛ ولا مال ولا جاه ولا وطن، ولم ينفعه إيمانه لما غرغرت روحه بالحلقوم، بل جعله الله – تبارك وتعالى– عبرةً لمن خلفه وآية؛ وأنجى موسى -عليه الصلاة والسلام – وقومه من الغرق. {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [سورة يونس 90].

وضرب الله – تعالى – مثلا للذين آمنوا بآسيا زوجة فرعون، التي أوتد لها أوتادًا في يديها ورجليها ليردها عن دينها أو أن تموت في أرضها، فاختارت الجار قبل الدار، وكانت من سيدات أهل الجنة. قال الله - تعالى -: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة التحريم 11].

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: (أن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكان إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة، فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فكشف لها عن بيتها في الجنة). [حديث موقوف إسناده صحيح على شرط مسلم]. [السلسلة الصحيحة 6/ 35 رقم 2508].

فشتان ..... شتان بين رحيل فرعون ورحيل زوجه.

أختــــاه ! أنت السكن في السكن، بالكلمة الطيبــــة، بالبسمة الحانيــــة، والخلق الحسن، قال الله – تعالى -: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم 21].

أختــــاه! أنت الصاحب بالجنب ورفيقة الدرب، أنت راعية في بيتك ومسؤولة عن رعيتك، تعاهدي الزوج وانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك، وتعاهدي الأبناء فإنهم الغراس فيه، فإن صلح النبات صلح الثمر؛ احرصي على تعاهد المسكن الصالح الحلال، وتنقيته وتطهيره أولا بأول من أي حرام يدخله، وإغلقي الباب بحزمٍ أمام الفتن والمعاصي التي تكون سببًا في دماره وتقويض أركانِهِ إن دخلت، واعلمي أن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.

أختــــاه! أنت عتبة باب البيت الذي تحلين فيه، أوصيك ونفسي بتقوى الله والرضا بقضاه، فقد أوصى إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – ابنه على لسان امرأته أن يغير عتبة بابه، إذ لم تكن حامدة شاكرة، ولم تكن عونًا لزوجها على نوائب الدهر، فكانت امرأة شؤم أمره بتغييرها.
وأوصاه بتثبيت عتبة بابه التي كانت آمنة مطمئنة راضية بما قسم الله لها، سترت على الزوج رغم الفاقة والحاجة وحمدت الله وشكرته. فكانت نعم الزوجـــة، نعم السكن، مما كان سببًا من أسباب تثبيتها.

فعن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (... فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس).
فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم ؟ فقالت: نحن بشر نحن في ضيق وشدة. فشكت إليه قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له: يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد ؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني: كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء ؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك: غير عتبة بابك. قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك. فطلقها وتزوج منهم أخرى.
فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه؟ فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بخير وسعة. وأثنت على الله عز وجل فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء ... قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم حب دعا لهم فيه). قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد ؟ قالت : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة - وأثنت عليه - فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا بخير قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ...) [صحيح السيرة النبوية ص 42 - 43].

أثنت على الله - جلَّ في علاه - بما هو أهله، ولم تَشْكُهُ إلى عباده، فكانت أهلًا لأن يُمْسِكَ عليها زوجها وَيُثَبِّتْها في بيت شرَّفهُ الله - وأكرمه بالنبوة، فكانوا لنا الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحــــة، وكان لنا في قصصهم عظات وعبر، جزاهم الله عنا خيرًا.
فما أجمل أن نقتفي طيب الأثر، لعلَّ الله - تعالى - أن يتقبل منا، ويُدْعى لنا بخيرٍ ويُترَحَّم علينا مِمَّن بعدنا.

إخوتــــاه ! الرحيل وإن تعددت أشكاله فهو رحيل؛ وما يمَيِّزه تحديد الهدف وسلوك سواء السبيل؛ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة الأنعام 153].
فالله ... الله؛ أوصيكم ونفسي بتقوى الله جلَّ في علاه؛ وإخلاص التوحيد له سبحانه في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته؛ والمسارعة إلى الطاعات والبعد عن المعاصي والمنكرات؛ والتبرج والسفور، والمبادرة إلى التوبة، والتحلل من الحقوق وردِّها إلى أصحابها، والبقاء دائما على وَجَلْ، فإننا لا ندري متى تحط الرحال ويأتي الأَجَل؛ قال الله - تعالى -: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [سورة البقرة: 281].


ربـــــــــــاه !! الزاد قليل، والسبيل طويل، وقد دنا الرحيـــــــل؛ فاجعل خير أعمالنـــــا خواتيمهـــــا، وخير أيامنــــــا يوم نلقــــــاكَ يا رب العالمين.

ربــــــــــاه !! إنا نبرأُ إليك مِنَ الحَوْلِ والقوة؛ فأنزِلنا منزِلًا مُباركًا ترضاه لنا وأنت خير المنزلين؛ امنن علينـــــا، أثقل لنا الموازين، واجعلنــــــا من الفائزين، اغفر لنا خطيئاتنــــا يوم الدين، وارحمنـــا وآباءنا وأزواجنــا وذرياتنــا والمسلمين الموحِّدين أجمعين، برحمتك التي وسعت كل شيئ، يا الله يا أرحم الراحمين.


وكتبته : أم عبدالله نجلاء الصالح

مِن محاضرات اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-19-2014, 08:44 AM
أم محمد السلفية أم محمد السلفية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
الدولة: فلـسـطـيـن/ رام الله
المشاركات: 673
Thumbs up

جـــزاكِ الله خـيـراً وجـعـلهُ في مـيـزانِ حسنـاتكِ
أسـألُ الله لي ولـكم حُسنَ الخـتـام
__________________
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتى ****** بأن يدى تفنى ويبقى كتابها
فإن عملت خيراً ستجزى ***** وإن عملت شراً عليَ حسابها


***********
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-20-2014, 12:42 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم محمد السلفية مشاهدة المشاركة
جـــزاكِ الله خـيـراً وجـعـلهُ في مـيـزانِ حسنـاتكِ
أسـألُ الله لي ولـكم حُسنَ الخـتـام
آمين ... آمين، ولكم بمثل ما دعوتم وزيادة ابنتي الحبيبـة " أم محمد السلفية "، رؤية وجه الله الكريم في جنة عرضها كعرض السموات والأرض.

مرورك أسعدني والدعاء، جعلك الله وأحبتك من سعداء الدنيا والآخرة.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-22-2014, 02:23 AM
أم حارث الجزائرية أم حارث الجزائرية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 184
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم محمد السلفية مشاهدة المشاركة
جـــزاكِ الله خـيـراً وجـعـلهُ في مـيـزانِ حسنـاتكِ










__________________
زوجة كمال الابراهيمي الجزائري
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-22-2014, 11:37 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم حارث الجزائرية مشاهدة المشاركة








شكر الله لك أبنتي الحبيبــــة " أم حارث الجزائرية " مرورك والدعاء وبارك الله فيك وعليك.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يثبتني وإياكم بالقول الثابت في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يجمعنا في جناتٍ ونهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.



__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-25-2014, 04:56 PM
غنى ابو الكاس غنى ابو الكاس غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2014
الدولة: يوماً ما سأرحل دون أمتعة فيارب اجعل وجهتي الجنة
المشاركات: 28
افتراضي

جزاك الله الجنة أمي الغالية على هذا الموضوع الرائع وجعله الله في ميزان حسناتك
واتمنى من الله أن يغفر لنا ويرحمنا
بوركت أمي الغالية
__________________
قال أحد الحكماء:تنفّس بالحمد لله,وتعجّب بسبحان الله, وافرح بالصلاة على رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم, واحزن بإنّا لله وإنّا إليه راجعون, واكسر سُمّ عينك بما شاء الله تبارك الله, وابدأ ببسم الله, واختم بالحمد لله , فليس بعد رضى الله الّا الجنّة جعلنا الله وإياكم من أهلها
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12-06-2014, 01:59 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غنى ابو الكاس مشاهدة المشاركة
جزاك الله الجنة أمي الغالية على هذا الموضوع الرائع وجعله الله في ميزان حسناتك
واتمنى من الله أن يغفر لنا ويرحمنا
بوركت أمي الغالية


وإياكم وفيكم بارك الله ابنتي الحبيبــــة

" غنى أبو الكاس "

أسأل الله - تعالى - أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاه - سبحانه -.

شكر الله لك المرور والدعاء، وجزاك الله خير الجزاء.





__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:47 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.