تفسير سيد قطب صرف كثيراًمن المسلمين عن فهم الدين وفق فهم السلف=الشيخ عبدالله العبيلان

[ابوعبد المليك]

قال تعالى:
{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[العنكبوت:51]

وقال تعالى:
{ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا }
[الفرقان:33].

وقال تعالى:
{يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}
[الأنعام:112].

وفيها من العلم أنّ القرآن العزيز كافٍ شافٍ لمن أراد الهداية وفسرّه النبي ﷺ وبينه أكمل بيان، وحمل الصحابة تفسيره للناس ، ودونه التابعون وتابعوهم ، فكان حفظ الله لحروفه ومعانيه ، في كافة جوانب الدين العقيدة والشريعة والعبادة والأخلاق والسلوك،

وعلى ذلك سار الناس في القرون المفضلة، ثم طرأ التحريف لمعانيه لمن كتبوا في التفسير وهم ليسوا على صلة بالموروث عن السلف من علم ، سواء كان ذلك في العقيدة أو الشريعة أو العبادة ، وعمدتهم في ذلك كتب اللغة والأدب ،

وكان من أساليبهم للتأثير على القاريء أسلوب الإيحاء، والإيحاء: هو التأثير على معتقدات شخص او سلوكه من غير الاعتماد على الاقناع او الأمر او الإجبار ، وذلك بتكوين اتجاهات معينه ، وتقوية أخرى، او بإثارة استجابات كامنه ، و من غير تفكير كبير من جهة الشخص الموحى إليه ، فيعظم في قلبه أموراً ، ويهوّن أخرى ، وربما كان الواقع الذي يعيشه الإنسان سبب مساعد لقبوله فينساق وراءه وينتصر له حتى يصير عقيدة له، ولعله من أهم الأسباب لافتراق المسلمين ،

ومن هذه التفاسير التي صرفت كثيراً من المسلمين عن فهم الدين وفق فهم الجيل الأول ، حتى تهاون المنتسبون للعلم فضلاً عن المثقفين بملة إبراهيم التي فارقنا فيها الملل الاخرى ، تفسير الظلال لسيّد قطب ،

وذلك أنّه حرّف المفاهيم التي ورثناها عن السلف الصالح وكانت جنايته العظمى على العقيدة ، حيث يقول عند تفسيره سورة هود (4/1846 ) :
" فقضية الألوهية لم تكن محل خلاف !! إنما قضية الربوبية هي التي كانت تواجهها الرسالات !! وهي التي كانت تواجهها الرسالة الأخيرة " انتهى ،

وهذا يناقض القرآن مناقضة صريحة ، بل لا يقوله من شم رائحة ملة إبراهيم ، ويقول في الظلال (5/2707) في سورة القصص عند قوله تعالى :{ وهو الله لا إله إلا هو }
( أي فلا شريك له في خلق ولا اختيار ) انتهى، ففسر معناها بالربوبيّة وهذا مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح ،

بل تفسيره كله قائم على هذا التصور الفاسد ، وينتج عن هذا التصور الفاسد لكلمة التوحيد تحريف مفاهيم الدين التي ورثناها عن السلف في العقيدة والشريعة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ، وتتكون عقيدة فاسدة هي خليط بين عقائد الخوارج والمعتزلة والشيعة والإباضيّة تجمعهم السياسة ،ويتحول الصراع من الصراع في العقيدة إلى الصراع على السياسة و الملك ،

قال في الظلال (3/1451) :
" أن يحدث هذا الإنقلاب الشامل في جميع المعمورة ، هذه غايته العليا ومقصده الأسمى ، الذي يطمح إليه ببصره ، إلا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الإنقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها " انتهى،

وبهذا يتبين سر ضعف الغيرة على العقيدة عند أصحاب هذه الطريقة حتى مع اليهود والنصارى فضلاً عن عُبّاد الأضرحة والقبور ، وكذا تقاربهم مع الرافضة والصوفيّة ، ألا وهو فساد تفسيرهم لمعنى التوحيد ، فإن ّ سيّد قطب يعتقد انّ الحاكميّة " باصطلاحهم " متعلقة بالربوبيّة ، وقد ظهرت هذه الامور على بعض من تربوا في بلاد التوحيد والسنّة وإن لم يكونوا مثل الجماعات خارج هذه البلاد في مواقفهم من الرافضة والصوفيّة ، ولكنّهم عند النزاع مع أهل السنّة والجماعة في الموقف من بعض الرموز سواء كانوا حكٌاماً أو من أهل العلم يطغى عندهم الجانب السياسي ، فيفضلونهم على حكّام وعلماء أهل السنّة ، سيراً على ماقرره سيّد قطب في تفسيره ، وتعظيماً لجانب السياسة على العقيدة ،

وهؤلاء يصدق عليهم قوله تعالى { سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.

والله أعلم
٢٦-١٢-١٤٣٩هـ