أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
8862 139530

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-12-2013, 10:02 PM
أحمد غدير أحمد غدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: الوادي ـ الجزائر
المشاركات: 286
Thumbs up إعلام الحائر بحرمة الخروج على الحاكم الجائر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد :

فلقد قرأت كلاما خاويا ليس له أثارة من علم ، خطه من ينسب نفسه لطلاب العلم!! ليس فيه سوى التذرع بأن المسألة فيها خلاف بين السلف و العلماء، وكأن المسألة لا يصار إلها إلا بإزالة هذا الخلاف .

فأقول وبالله التوفيق:

أولا:

إِنَّ من المتفَقِ عَليهِ بَيْنَ العُلَماءِ قَاطبَةً الرَّدّ إِلى الله وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِندَ التَّنَازُعِ، وأنَّ كُلَّ قَوْلٍ خَالَفَهُما مَرْدُودٌ على صَاحِبهِ كَائِناً مَنْ كَان، لِقَوْلِه تَعَالَى: ﮋ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِﮊ وقَوْلِه : [ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ].
وغَايةُ مَا يُقَالُ فِي المسْأَلَةِ عَلَى سَبِيل التَّنَزُّل للْمُخَالِفِ: إنَّه تَنَازَعَ فيهَا السَّلَف!! ؛ فَوَجَبَ الرَّدُّ إلى الكِتَاب والسُّنّة، ومَا أَجْمَعَتْ علَيه الأُمَّة، ولاشكَّ أنَّ السُّنَّة المستَفِيضَة عَلى خِلاَفِ الخُروجِ على الحُكَّام الظلَمَة مَا لم نَرَ كُفْراً بَوَاحاً.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلام:

«وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحَدٍ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ، وَدَلِيلٌ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ ذَلِكَ تُقَرَّرُ مُقَدِّمَاتُهُ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِأَقْوَالِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ يُحْتَجُّ لَهَا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ»( 2).

وَقَالَ الخَطَّابِي : «وَلَيْسَ الاخْتِلاف حُجَّة، وَبَيَانُ السُّنَّةِ حُجَّة عَلَى المُخْتَلِفِينَ مِنَ الأَوَّلِينَ وَ الآخِرِين»(3 ).


ثانياً إجْمَاعُ عُلَمَاء الأُمَّة عَلَى حُرْمَةِ الخُرُوجِ


وَقَدْ نَقَل إِجْماعَ الأُمَّةِ عَلَى حُرْمَةِ الخُروجِ عَلَى الحَاكِمِ الجَائِر جَمْعٌ مِن أَهْلِ العِلْمِ المحَقّقِينَ، وَإِلَيْكَ أَقْوَالهم مَعْزُوَّةً إِلَى مَضَانّها:

قَالَ الإمَامُ أَحْمَد بنُ حَنْبَل: « أَجْمَعَ سَبْعُونَ رَجُلاً مِن التَّابِعِينَ وأَئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَأَئِمَّة السَّلَفِ وفُقَهاء الأَمْصَارِ، عَلى أنَّ السُّنّة التي تُوُفّي عَلَيْهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ـ وَذَكَر مِنْهَاـ : والصّبر تحتَ لِوَاء السُّلطان عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ عَدْلٍ أو جَوْرٍ، ولا نَخرُج عَلَى الأُمرَاء بالسَّيْفِ وَإنْ جَارُوا»(4 ).

وقَالَ الإمَام أبُو الحَسَن الأشْعَرِي:
«الإجمَاعُ الخَامِسُ وَالأرْبَعُونَ:
وَأَجْمَعُوا عَلى السَّمْعِ والطَّاعَةِ لِأئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمورِهِم عَنْ رِضَى أَوْ غَلبَةٍ وامتَدَّتْ طاعَتُه مِن بَرّ وفَاجرٍ لاَ يَلْزَمُ الخرُوج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ جَارَ أَو عَدَلَ، وعَلَى أَنْ يَغْزُوا مَعَهُم العَدُو، ويحجّ مَعهم البَيت، وتُدفَع إِلَيهِمْ الصَّدَقَات إِذَا طَلَبُوهَا ويُصَلَّى خَلْفَهُم الجُمع والأَعْيَاد»(5 ).

وقَال الإمَام المُزَنِي صَاحِب الإمَام الشَّافِعِي:
«وَالطَّاعَة لأُولي الْأَمر فِيمَا كَانَ عِنْد الله عَزَّ وَجل مَرْضِيًّا وَاجْتنَاب مَا كَانَ عِنْد الله مسخطا وَتَركُ الْخُرُوج عِنْد تَعَدِّيهِم وَجَوْرِهِمْ وَالتَّوْبَة إِلَى الله عز وَجل كَيْمَا يعْطف بهم على رَعِيَّتِهِمْ»( 6).

ثُمَّ قَال بَعْدُ :

«هَذِه مَقَالاتٌ وأَفْعَالٌ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الماضُونَ الْأَوَّلونَ مِن أَئِمَّة الْهدَى وَبِتَوْفِيقِ الله اعْتَصَمَ بهَا التابعون قدْوَة ورِضَى وَجَانَبُوا التَّكَلُّف فِيمَا كفوا فسُدِّدُوا بِعَوْنِ الله وَوُفِّقُوا لم يَرْغَبُوا عَن الِاتِّبَاع فيقَصّرُوا وَلم يُجَاوِزُوهُ تَزَيُّدا فيعتدوا فَنحْن بِالله واثِقُون وَعَلِيهِ مُتَوكِّلُون وَإِلَيْهِ فِي اتِّبَاع آثَارِهِم رَاغِبُونَ»( 7).
وقَالَ ابْنُ بَطَّة رَحِمَه الله: «وقَدْ أجْمَعَت العُلماءُ مِن أَهْلِ الفِقْهِ والعِلْم والنُّسَّاك والعُبَّاد والزُّهَّاد مِن أوَّل هَذِهِ الأُمَّةِ إلى وَقْتِنَا هَذا: أنَّ صلاةَ الجمُعَة وَالعِيدَيْنِ ومِنَى وعَرَفَات وَالغَزْو مَع كلِّ أَميرٍ بَرٍ وفَاجِرٍ... والسَّمْع والطَّاعَة لِمن وَلُّوه وَإنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِياً إِلا فِي مَعْصِيةِ الله تَعَالى، فَلَيْسَ لمخْلُوقٍ فِيهَا طَاعَة»( 8).

وقَالَ ابنُ المُنْذِر: «كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ»( 9).

وقَالَ الإِمَامُ النَّوَوِي رحمه الله: « أَمَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ، وَحُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا فَغَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ »( 10).

ثُمَّ نَقَل الإِمَام النَّوَوِي عَن القَاضِي عِيَاض قَوْله: « وَقَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ وَلَا يُخْلَعُ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدِ ادَّعَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فِي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقِيَامِ الحَسَن( 11) وبن الزُّبَيْرِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَبِقِيَامِ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الأشْعَث وتَأَوَّلَ هَذا القَائِل قَولَه أَنْ لا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ فِي أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ قِيَامَهُمْ عَلَى الْحَجَّاجِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ مِنَ الْكُفْرِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ»( 12).

قَالَ شَيْخُ الإسْلاَمِ ابْن تَيْمِيَّةَ :«وَلِهَذَا (اِسْتَقَرَّ) أمْرُ أَهْل السُّنَّة عَلَى تَرْكِ القِتَال في الفِتْنَة للأحَادِيثِ الصَّحِيحَة الثَّابِتَة عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وصَارُوا يَذْكُرُونَ هَذَا في عَقَائِدِهِم ويأمرون بالصَّبرِ على جور الأئِمَّة وترك قِتَالهِم وإنْ كَانَ قَد قَاتَلَ في الفِتْنَة خلقٌ كثيرٌ مِن أهل العِلْمِ والدِّينِ»( 13).

وقَالَ الحُسَيْن بْنُ عَبْدِ الله بن مُحَمد الطَيبِي: « وأمَّا الخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَتنَازعهِم (هكذا) فَمُحرَّمٌ بِإِجْمَاعِ المسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمينَ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُنَّة عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ لاَ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ؛ لِتَهْيِجِ الفِتَنِ فِي عَزْلِهِ، وَإِرَاقَة الدِّمَاءِ، وَتَفَرُّق ذَاتِ البَيْنِ، فَتَكُونُ المفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ »( 14).

وقَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في ترجمة : الحَسَن بْن صَالِح بن حَي»: وقَوْلهم : »وَكَانَ يَرَى السَّيْفَ » يعني أنَّهُ كَانَ يرَى الخرُوجَ بِالسَّيْف عَلى أَئِمَّة الجوْرِ , وَهَذَا مَذْهَبٌ للسَّلَفِ قَدِيمٌ!!( 15). لكنَّ» اسْتَقَرَّ» الأمرُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ لِما رَأَوْهُ قد أَفْضَى إِلَى أَشَدَّ منه؛ فَفِي وَقْعَةِ الحرّة وَوَقْعَة ابن الأَشْعَث وغيرهما عِظةٌ لمنْ تَدَبَّر!»( 16).

وَقَالَ ابْنُ القَطَّان الفَاسِي : »و أَجْمَعُوا أَنَّ السَّمْعَ و الطَّاعَةَ وَاجِبَة لِأَئِمَّة المسْلِمِين، وَ أَجْمَعُوا عَلَى أنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِن أُمُورِهِم عَن رِضَا أَوْ غَلَبةٍ وَاشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ مِنْ بَرّ وَ فَاجِرٍ لاَ يَلْزَمهُم الخُرُوجُ عَلَيْهم بِالسَّيْفِ، جَارُوا أَوْ عَدلُوا».(17 )


تحرير القول في خروج بعض السلف:

وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بَعْضُهُمْ بِمُنَازَعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وبِقِيَامِ الحُسَيْن بنِ عَلِي رَضَيَ اللهُ عَنْهُ، وكَذَلكَ بِقِيَامِ بَعْضِ التَّابِعِينَ رَحِمَهم الله مَعَ ابن الأَشْعَث عَلَى الحَجَّاج بْن يُوسف الثَّقَفِي.

وَلِلرَّدِّ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ نَقُولُ:

أَوَّلاً:

أنَّ الأحَادِيثَ الوَارِدَة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ المتَضَافِرَة وَالتِي سَبَقَ نَقْلُهَا آنِفاً تَمْنعُ صَرَاحةً الخُرُوجَ وَلَوْ ظَلَمَ و فَسَقَ و عَصَى، ولم تَسْتَثْنِ إلاَّ الكُفْرَ الصَّرِيحَ. فَيَكُون هَذَا اجْتِهَاد مِنْهُم في مُقَابِل تِلْكَ النُّصُوصِ، فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمٌ على قَوْلِ وفِعْلِ كُلِّ أَحِدٍ حتَّى لوْ كَانَ مِن الصَّحَابَةِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُم. قال تعالى:[ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ].
ثُمَّ لِيُعْلَم أَنَّ ذَلِكَ الخِلافَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تُقَرّرَ وتُدوَّن عَقَائِدُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجمَاعَةِ، وَلما بُيِّنَت العَقَائِد وقُرِّرَتْ وَأَوْضَحَهَا الأَئِمَّةُ وتَتَبَّعُوا فِيهَا الأَدِلَّة وَقَرَّرُوهَا، تَتَابَعَ الأَئِمَّةُ أَهْلُ الحدِيثِ وَ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ دُونِ خِلاَفٍ بَيْنَهُم، كَما سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فَتَنبَّه.

ثانيا:

أَنَّ الذِينَ خَرَجُوا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الحُكَّامِ؛ لَمْ يُحْمَدُوا بِخُرُوجِهِمْ، وَلَم يَنْقُلْ العُلَماءُ خُرُوجَهُمْ عَلَى وَجْهِ المنَاقِبِ!؛ وَإِنَّما نَقَلُوهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْطِئَة مَع اعْتِذَارِهِمْ لِكَوْنِ خَطَأهم مَغْفُورٌ لاجْتِهَادِهِم، ولَيْسَ مَعْنَى أَنَّنَا اِلْتَمَسْنَا لهُمْ العُذرَ فَعَدَدْنَاهُم مُتأوِّلِينَ أَوْ مُجتَهِدِينَ؛ لَيْسَ مَعْنَى ذَلكَ أَنَّنَا نُبَرِّرُ ما فَعَلُوا، أو نَصْبِغُه بِصِبْغَة الشَّرْعِ؛ حَاشَا وكَلاَّ!.فَخُرُوجُهُمْ كَانَ -بِلاَ شَكٍّ- خَطَأ مِنْهُم، وهَذَا الخَطَأُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّن وَقَعَ مِنْهُ هذا الخطأ.فلا حُجَّة لِقَوْلِ أحَدٍ -كائنًا مَنْ كَانَ - في مُقَابِل النُّصُوصِ الشَّرعِيَّة (القَاطِعَة).

قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ فِي مَعْرِضِ ذِكْرِهِ مَفَاسِد خُرُوجِ الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْره:
» وَأَمَّا أَهْلُ الْحَرَّةِ وَابْنُ الْأَشْعَثِ وَابْنُ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرُهُمْ فَهُزِمُوا وَهُزِمَ أَصْحَابُهُمْ، فَلَا أَقَامُوا دِينًا وَلَا أَبْقَوْا دُنْيَا. وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَا صَلَاحُ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَيْسُوا أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُحْمَدُوا مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْقِتَالِ، وَهُمْ أَعْظَمُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَحْسَنُ نِيَّةً مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرَّةِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَلْقٌ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ ابْنِ الْأَشْعَثِ كَانَ فِيهِمْ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ [كُلِّهِمْ] ... وَكَانَ أَفَاضِلُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَامَ الْحَرَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ، وَكَمَا كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ. وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَارُوا يَذْكُرُونَ هَذَا فِي عَقَائِدِهِمْ، وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَاتَلَ فِي الْفِتْنَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ.
وَبَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ يَشْتَبِهُ بِالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَاعْتَبَرَ أَيْضًا اعْتِبَارَ أُولِي الْأَبْصَارِ، عَلِمَ أَنَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ خَيْرُ الْأُمُورِ... وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِالصَّلَاحِ لَا بِالْفَسَادِ، لَكِنَّ الرَّأْيَ يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَهُ أُولَئِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْخُرُوجِ لَا مَصْلَحَةُ دِينٍ وَلَا مَصْلَحَةُ دُنْيَا، بَلْ تَمَكَّنَ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ الطُّغَاةُ مِنْ سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَتَلُوهُ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَكَانَ فِي خُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَمْ يَكُنْ حَصَلَ لَوْ قَعَدَ فِي بَلَدِهِ، فَإِنَّ مَا قَصَدَهُ مِنْ تَحْصِيلِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ زَادَ الشَّرُّ بِخُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ، وَنَقَصَ الْخَيْرُ بِذَلِكَ، وَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشَرٍّ عَظِيمٍ. وَكَانَ قَتْلُ الْحُسَيْنِ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ، كَمَا كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ هُوَ أَصْلَحُ الْأُمُورِ لِلْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ صَلَاحٌ بَلْ فَسَادٌ، ولهَذَا أَثْنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحَسَن بِقَوْلِهِ»: إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَينَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَينِ مِنَ المسْلِمِين» وَلَمْ يُثْنِ عَلَى أَحَدٍ لَا بِقِتَالٍ فِي فِتْنَةٍ وَلَا بِخُرُوجٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا نَزْعِ يَدٍ مِنْ طَاعَةٍ وَلَا مُفَارَقَةٍ لِلْجَمَاعَةِ.
وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا... وَهَذَا يُبَيِّنُ .. وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ الَّتِي أَثْنَى بِهَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا لَمْ يُثْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ. وَلِهَذَا لَمْ يُثْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ بِمَا جَرَى مِنَ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَضْلًا عَمَّا جَرَى فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْحَرَّةِ، وَمَا جَرَى بِمَكَّةَ فِي حِصَارِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَا جَرَى فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ وَابْنِ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَن( 18)«.

ثالثا:

أنَّ ما فَعَله الحُسَين لمْ يَكُنْ خرُوجاً؛ لأَنَّهُ لَم يَكُن قَدْ بَايَعَ ليَزِيدَ أَصْلاً، فَإِنَّه لم يَكُنْ يَرَى شَرْعِيَّة تَوْلِيَة يَزِيدَ الخِلافَةَ، ولِذَا أَبَى أَنْ يُبَايِعَ لِيَزِيدَ، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ : »وَلَمَّا أُخِذَتِ الْبَيْعَةُ لِيَزِيدَ فِي حَيَاةِ مُعَاوِيَةَ، كَانَ الْحُسَيْنُ مِمَّنِ امْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَتِهِ هُوَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍٍ«( 19)، وبَقِيَ مُعْتَزِلاً فِي مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ إِلَيْهِ رُسُل أَهْلِ الكُوفَةِ تَطْلُبُ مِنْهُ القُدُومَ، فَلَمّا رَأَى كَثْرَةَ المبَايِعِينَ ظَنَّ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أَهْلَ الكُوفَةَ لا يُرِيدُونَ يَزِيدَ فَخرَجَ إِلَيْهِم.

وَمِمّا يَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحًا أَنَّ الحُسَيْنَ اعْتَذَرَ فِي خُرُوجِهِ «أَنَّهُ قَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ إِمَامٌ، وَإِنْ أَنْتَ قَدِمْتَ عَلَيْنَا بَايَعْنَاكَ وَقَاتَلْنَا مَعَكَ»( 20) .

وَهُوَ مَعَ هَذَا مَا خَرجَ لِقِتَالٍ، قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم : «وَالْحُسَيْنُ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ مَا خَرَجَ يُرِيدُ الْقِتَالَ، وَلَكِنْ ظَنَّ أَنَّ النَّاسَ يُطِيعُونَهُ، فَلَمَّا رَأَى انْصِرَافَهُمْ عَنْهُ، طَلَبَ الرُّجُوعَ إِلَى وَطَنِهِ، أَوِ الذَّهَابَ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ إِتْيَانَ يَزِيدَ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا [وَلَا مِنْ هَذَا]، وَطَلَبُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ أَسِيرًا إِلَى يَزِيدَ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ ابْتِدَاءً أَنْ يُقَاتِلَ»(21 ).

وقَالَ: «وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَأْمُرُ فِيهَا بِقِتَالِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ ; فَإِنَّهُ ت لَمْ يُفَرِّقِ الْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا وَهُوَ طَالِبٌ لِلرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ [إِلَى] الثَّغْرِ، أَوْ إِلَى يَزِيدَ، دَاخِلًا فِي الْجَمَاعَةِ، مُعْرِضًا عَنْ تَفْرِيقِ الْأُمَّةِ . وَلَوْ كَانَ طَالِبُ ذَلِكَ أَقَلَّ النَّاسِ لَوَجَبَ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا تَجِبُ إِجَابَةُ الْحُسَيْنِ إِلَى ذَلِكَ؟! وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ هُوَ دُونَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا إِمْسَاكُهُ، فَضْلًا عَنْ أَسْرِهِ وَقَتْلِهِ»( 22).

إِذَنْ فَآخِرُ الأَمْرَيْنِ مِن الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ هُوَ تَرْكُ الخُرُوجُ ـ هَذَا إنْ كَانَ خُرُوجا تَنَزلاً ـ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ المسْلِمِينَ.وَبِهَذَا يَتَّضِحُ فَسَادَ مَنْ اسْتَدَلَّ بِخُرُوجِ الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ بِمَا لاَ يَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكّ.

وقال: « وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ إِنَّمَا تَرَكَا الْقِتَالَ [فِي آخِرِ الْأَمْرِ] لِلْعَجْزِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْصَارٌ، فَكَانَ فِي الْمُقَاتَلَةِ قَتْلُ النُّفُوسِ بِلَا حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ.
قِيلَ لَهُ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْحِكْمَةُ الَّتِي رَاعَاهَا الشَّارِعُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَنَدَبَ إِلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُونَ لِذَلِكَ يَرَوْنَ أَنَّ مَقْصُودَهُمُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، كَالَّذِينَ خَرَجُوا بِالْحَرَّةِ وَبِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ عَلَى يَزِيدَ وَالْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِمَا»(23 ).

رَابِعًا:

أَنَّ ابْنَ الزُّبَير والحُسَيْن قَدْ خَالَفَهُم فِي ذَلِكَ عَامَّة الصَّحَابَةِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ، كَما أَنْكَر بَعْضُ كِبَار التَّابِعِينَ عَلَى مَنْ خَرَجَ مَع ابْنِ الأَشْعَث.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم ابْنِ تَيْمِيّة:
«وَكَانَ أَفَاضِلُ المسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَامَ الْحَرَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ، وَكَمَا كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ»( 24).

وفيما يلي بيان لمخالفة الصحابة للحُسَيْنِ وابن الزُّبَيْر رَضَيَ اللهُ عَنْهُم أجمعين:

* عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ المَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ، حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ: « إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ» وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ القِتَالُ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِلَّا كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ».(25 ).

* عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «اسْتَشَارَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي الْخُرُوجِ فَقُلْتُ: لَوْلَا أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ لَشَبِثْتُ يَدِي فِي رَأْسِكَ»(26 ).

* وأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: « يَا ابْنَ عَمِّ، إِنَّهُ قَدْ أَرْجَفَ النَّاسُ أَنَّكَ سَائِرٌ إِلَى الْعِرَاقِ، فَبَيِّنْ لِي مَا أَنْتَ صَانِعٌ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَجْمَعْتُ الْمَسِيرَ فِي أَحَدِ يَوْمَيَّ هَذَيْنِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي إِنْ كَانَ قَدْ دَعَوْكَ بَعْدَ مَا قَتَلُوا أَمِيرَهُمْ وَنَفَوْا عَدُوَّهُمْ وَضَبَطُوا بِلَادَهُمْ، فَسِرْ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَمِيرُهُمْ عَلَيْهِمْ قَاهِرًا لَهُمْ، وَعُمَّالُهُ تَجْبِي بِلَادَهُمْ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا دَعَوْكَ لِلْفِتْنَةِ وَالْقِتَالِ، وَلَا آمَنُ عَلَيْكَ أَنْ يَسْتَنْفِرُوا إِلَيْكَ النَّاسَ، فَيَكُونُ الَّذِينَ دَعَوْكَ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَيْكَ» ( 27).

* وعن الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضَيَ اللهُ عَنْهُما ، أَنَّهُ كَانَ بِمَاءٍ لَهُ، فَبَلَغَهُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ لَهُ: الْعِرَاقَ. وَإِذَا مَعَهُ طَوَامِيرُ وَكُتُبٌ. فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ. فَقَالَ: لَا تَأْتِهِمْ. فَأَبَى، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا ; إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ، وَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا، وَإِنَّكَ بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وَاللَّهِ لَا يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ أَبَدًا، وَمَا صَرَفَهَا اللَّهُ عَنْكُمْ إِلَّا لِلَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ. قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَبَكَى وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ».(28 ).

* وقَالَ لَهُمَا ابْنُ عُمَرَ ـ أَيْ لِلْحُسين وَابْنِ الزُّبَير ـ : «اتَّقِيَا اللَّهَ، وَلَا تُفَرِّقَا بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ».

* وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: «غَلَبَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقَدْ قُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَالْزَمْ بَيْتَكَ، وَلَا تَخْرُجْ عَلَى إِمَامِكَ».

* وَقَالَ أَبُو وَاقَدٍ اللِّيثِيُّ: «بَلَغَنِي خُرُوجُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَأَدْرَكْتُهُ بِمَلَلٍ، فَنَاشَدْتُهُ اللَّهَ أَنْ لَا يَخْرُجَ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي غَيْرِ وَجْهِ خُرُوجٍ، إِنَّمَا خَرَجَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ. فَقَالَ: لَا أَرْجِعُ».

* وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «كَلَّمْتُ حُسَيْنًا فَقُلْتُ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَضْرِبِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَوَاللَّهِ مَا حُمِدْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ. فَعَصَانِي».

* وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: « لَوْ أَنَّ حُسَيْنًا لَمْ يَخْرُجْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ».( 29).

* عن سليمان ابن عَلِيٍّ الرَّبْعِيُّ قَالَ: « لَمَّا كَانَتِ الْفِتْنَةُ فِتْنَةُ ابْنِ الأَشْعَثِ إِذْ قَاتَلَ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ انْطَلَقَ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ فِي نَفَرٍ مِنْ نُظَرَائِهِمْ فَدَخَلُوا عَلَى الْحَسَنِ فَقَالُوا: يَا أبا سعيد ما تقول في قتال هذه الطَّاغِيَةِ الَّذِي سَفْكَ الدَّمَ الْحَرَامَ وَأَخَذَ الْمَالَ الْحَرَامَ وَتَرَكَ الصَّلاةَ وَفَعَلَ وَفَعَلَ؟ قَالَ: وَذَكَرُوا مِنْ فِعْلِ الْحَجَّاجِ. قَالَ:
فَقَالَ الْحَسَنُ: «أَرَى أَنْ لا تُقَاتِلُوهُ فَإِنَّهَا إِنْ تَكُنْ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ فَمَا أَنْتُمْ بِرَادِّي عُقُوبَةِ اللَّهِ بِأَسْيَافِكُمْ. وَإِنْ يَكُنْ بَلاءً «فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ ... وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ». قَالَ: فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: نُطِيعُ هَذَا العِلْجَ! قَالَ: وَهُمْ قَوْمٌ عَرَب. قَالُوا: وَخَرَجُوا مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ. قَالَ: فَقُتِلُوا جَمِيعًا».( 30).

* وَهَاهُوَ الشَّعْبِيُّ يَعْتَرِفُ بِما صَنَعَ بَعْدَ أَنْ خَلَعَ البَيْعَةَ ودَخَلَ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، قَالَ:
«أَيُّهَا الْأَمِيرُ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَمَرُونِي أَنْ أَعْتَذِرَ إِلَيْكَ بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُ اللهُ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَايْمُ الله لَا أَقُولُ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِلَّا الْحَقَّ، قَدْ وَالله تمَرَّدْنَا عَلَيْكَ، وَحَرَّضْنَا وَجَهَدْنَا كُلَّ الْجَهْدِ، فَمَا آلَوْنَا، فَمَا كُنَّا بِالْأَقْوِيَاءِ الْفَجَرَةِ، وَلَا بِالْأَتْقِيَاءِ الْبَرَرَةِ، وَلَقَدْ نَصَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا، وَأَظْفَرَكَ بِنَا، فَإِنْ سَطَوْتَ فَبِذُنُوبِنَا، وَمَا جَرَّتْ إِلَيْكَ أَيْدِينَا، وَإِنْ عَفَوْتَ عَنَّا فَبِحِلْمِكَ، وَبَعْدُ فَالْحُجَّةُ لَكَ عَلَيْنَا... » ( 31).

خَامِساً :

ثُمَّ إنَّ مِمنْ خَرَجَ مِنْهُمْ قَدْ نَدِمَ وتَحَسَّرَ عَلى مَا كانَ مِنْهُ عَلَى خُرُوجِهِ لِظُهُورِ غَلَطِهِ، لَيْسَ جُبْناً أَوْ خَوْفاً مِن بَطْشِ الحَجَّاج، وإنَّما الرُّجُوعُ لِلْحَقِّ الذِّي اسْتَبَانَ لَهُم، كَمَا هُوَ صَريح كَلاَمِ الإمَامِ الشَّعْبِي رَحِمَهُ اللهُ، وَغَيْره مِمَّا سَنَذْكُرُه، وَلوْ كانَ مَا فَعَلوهُ سُنَّة لَمَا نَدِمُوا ولَقَدَّمُوا أرْوَاحَهُم رَخِيصَة.

«قِيلَ لِلشَّعْبِيِّ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ: أَيْنَ كُنْتَ يَا عَامِرُ؟ قَالَ: كُنْتُ حَيْثُ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
عَوَى الذِّئْبُ فَاسْتَأْنَسْتُ بِالذِّئْبِ إِذْ......عَوَى وَصَوَّتَ إِنْـسَانٌ فَكِـدْتُ أَطِيرُ.
أَصَابَتْنَا فِتْنَةٌ لَمْ نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلَا فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ»(32 ).
و رَوَى ابنُ سَعْدٍ : عَنْ حَمَّاد بْن زَيْدٍ قَالَ : « ذُكِرَ لأيُّوب السَّخْتِيَانِي القُرَّاء الذِينَ خَرَجُوا مَعَ ابنِ الأَشْعَث، فَقَالَ : لا أَعْلَمُ أَحَداً مِنْهُم قُتِلَ إِلا وَقَدْ رَغِبَ عَن مَصْرَعِه ، وَلا نَجَا أَحَدٌ مِنْهُم إِلا حَمِدَ اللهَ الذي سَلَّمَهُ ، وَنَدِمَ عَلى مَا كَانَ مِنْهُ. وقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: لما وَقَعَتْ الفِتْنَة زَمَنَ ابنِ الأشْعَث، خَفَّ مُسْلِم فِيهَا، وأَبْطَأَ الحَسن، فَارْتَفَع الحسَن، واتَّضَع مُسْلِم»( 33).

* وعَنْ عَلِيّ بْنُ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ حَنْبَلًا يَقُولُ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ: اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَطْبَخِيُّ، وَفَضْلُ بْنُ عَاصِمٍ، فَجَاءُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الله، هَذَا الْأَمْرُ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا، يَعْنُونَ إِظْهَارَهُ لِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: أَنْ نُشَاوِرَكَ فِي أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ، وَلَا سُلْطَانِهِ، فَنَاظَرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَاعَةً، وَقَالَ لَهُمْ: «عَلَيْكُمْ بِالنَّكِرَةِ بِقُلُوبِكُمْ، وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمُ، انْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ» ، وَدَارَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ لَمْ أَحْفَظْهُ وَمَضَوْا، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَمَا مَضَوْا، فَقَالَ أَبِي لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: نَسْأَلُ الله السَّلَامَةَ لَنَا وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَمَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا، وَقَالَ أَبِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا عِنْدَكَ صَوَابٌ، قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافُ الْآثَارِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِالصَّبِرِ»(34 ).

وفي هذا ردٌّ على مَن زَعَم أَنَّ الخُروجَ مُعَلَّلٌ بِالمصلَحةِ والمفْسَدَة.

* وهَذَا طَلْحَة بن مصرّف يَقُول: «شَهِدْتُ الجَمَاجِمَ( 35)، فما رَمَيْتُ، ولا طَعَنتُ، ولا ضَرَبتُ، وَلَوَدِدْتُ أنَّ هَذِه سَقَطتْ هَا هُنَا وَلَم أكُنْ شَهِدْتُها» ( 36).

* و«أَتَى مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ زَمَانَ ابْنِ الأَشْعَثِ نَاسٌ يَدْعُونَهُ إِلَى قِتَالِ الْحَجَّاجِ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ هَذَا الذي تدعُوني إِلَيْهِ. هَلْ يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فَإِنِّي لا أُخَاطِرُ بَيْنَ هَلَكَةٍ أَقَعُ فِيهَا وَبَيْنَ فَضْلٍ أُصِيبُهُ»( 37).

سادساً:

أَنَّ بَعْضَ الذِينَ خَرَجُوا عَلَى الحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الأَشْعَث لَيْسَ مُوجِبُهُ الفِسْق، بَلْ كَانَ الدَّافِعُ عِنْدَهُمْ الكُفْرَ، فَقَدْ قَالَ القَاضِي عِيَاض:
«وحُجَّة الآخَرِينَ أنَّ قِيَامَهُم عَلَى الحَجَّاجِ لَيْسَ لِمجَرَّد الفِسْقِ ، بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ الكُفْرَ لِبَيعَة الأَحْرَار ، وتَفْضِيلُهُ الخَلِيفَةَ عَلَى النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وَقَوْلُه المشْهُور المنْكَر فِي ذَلِكَ»( 38).

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَر:« وكَفَّرُه جَماعَةٌ مِنْهُم سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ والنَّخَعِي ومُجاهِد وعَاصِم بْنُ أَبِي النَّجُود والشَّعْبِي وغَيْرِهم »( 39).

قَالَ الإِمَامُ الشَّعبِي: « أشهدُ أنه مؤمنٌ بالطَّاغوتِ، كافرٌ باللهِ ـ يعني الحجَّاج ـ»(40 ). لكنَّه تَابَ مِن ذَلك كَما سَبقَ النَّقْل عَنه.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ: اخْتَلَفُوا فِي الْحَجَّاجِ فَسَأَلُوا مُجَاهِدًا فَقَالَ: «تسألون عَنِ الشَّيْخِ الْكَافِرِ» ( 41).

وَعَنْ طَاوُوسَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «عَجَباً لإخْوَانِنَا مِنْ أهْلِ العِرَاق يُسمُّون الحَجَّاج مُؤمناً» ( 42).
وَقَالَ سَعِد بنُ جُبَيرٍ: «وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ عَلَى الْحَجَّاجِ حَتَّى كَفَرَ»(43 ).

سابعاً:

أنَّهُ وإنْ كَانَتِ الأَدِلَّة دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الخُرُوجِ؛ فَغَفَل عَنْهَا أَوْ تَأوَّلَهَا بَعْضُ السَّلفِ؛ فَخَرَجُوا!؛ إِلاَّ أَنَّ الإِجْمَاعَ اسْتَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ الخُرُوجِ عَلَى الحَاكِمِ؛ إلاَّ فِي حَالَةِ الكُفْرِ الصَّرِيحِ فَقَطْ.
وَحِكَايَةُ هَذَا الإِجْمَاعِ مُتَأخِّرَة زَمَناً -وَهَذَا ظَاهِرٌ-؛ مِمَّا يُوجِبُ المصِيرَ إِلَيْهِ وَالضَّرْبَ صَفْحًا عَن فِعْلِ مَنْ خَرَجَ مِنَ السَّلفِ؛ فَالإِجْمَاعُ يَرْفَعُ الخِلاَفَ، وَالقَاعِدَةُ المُقَرَّرَةُ فِي بَابِ الإِجْمَاعِ: « أَنَّ الْمَاضِي لَا يُعْتَبَرُ وَالْمُسْتَقْبلُ لَا يُنْتَظَرُ»
( 44).

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَنْقُلُونَ الإِجْماعَ، وَقَدْ خَالفَ فِي هَذِهِ المسْأَلَة جَمعٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ!!

نَقُولُ كَما قَالَ العَلاَّمَة الشَّيْخُ صَالِح آل الشَّيْخِ فِي تَفْصِيلٍ مَاتعٍ:

«الإِجْماعُ الذِي يُذْكَر فِي العَقائِدِ غَيْر الإِجْماع الذِي يُذْكَرُ فِي الفِقْه .
إِجْماعُ أَهْلِ العَقَائِدِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لاَ تَجِدُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَذْكرُ غَيرَ هَذَا القَوْل وَيُرَجِّحه، هَذَا مَعْنَاهُ الإجْمَاع ، وَإِذَا خَالَفَ أَحَدٌ ، وَاحِد أَوْ نَحْوهُ فَلاَ يُعَدُّ خِلافًا ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ خَالَفَ الإِجْمَاعَ، فَلاَ يُعَدُّ قَوْلاً آخَرَ،
فَنَجِدُ أَنَّهُ مَثَلاً: أَنَّهُم أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ لَهُ «صُورَة» وَذَلِكَ لأَنَّهُ لاَ خِلافَ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلّهمْ يُورِدُون ذَلِك ، فَأَتَى «ابْنُ خُزَيْمَة» رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً فَنَفَى حَدِيثَ الصُّورَةِ وَتَأَوَّلَهُ ؛ يَعْنِي حَدِيث الخَاص «أَنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَن» وحَمَلَ حَدِيثَ «خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» يَعْنِي عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهَذَا عُدَّ مِنْ غَلَطَاتِهِ رَحِمَهُ اللهُ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلافٌ لِلإجْمَاعِ ، أَوْ إِنَّهُ قَوْلٌ آخَر.

فَإِذَنْ الإِجْماعُ فِي العَقَائِدِ يَعْنِي أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ تَتَابَعُوا عَلَى ذِكْرِ هَذَا بِدُونِ خِلافٍ بَيْنَهُمْ، مِثْل: مَسْأَلة الخرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الجَوْرِ، عَلَى وُلاةِ الجَوْرِ مِنَ المسْلِمِينَ، هَذَا كَانَ فِيهِ خِلافٌ فِيهَا عِنْدَ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَحَصَلَتْ مِن هَذَا وَقَائِع، وَتَبَعُ التَّابِعِينَ، وَالمسْألَةُ تُذْكَر بِإجْمَاع، يُقَالُ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجمَاعَةِ عَلَى أَنَّ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَعَدَم الخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الجَوْرِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَعَ وُجُودِ الخِلافِ عِنْدَ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَتَبع التَّابِعينَ لَكِنَّ ذَلكَ الخِلاف قَبْلَ أَنْ تقَرّرَ عَقائِد أَهْلِ السَّنةِ وَالجَماعَة، وَلَمّا بُيِّنَتْ العَقَائِدُ وَقُرِّرَتْ وَأَوْضَحَها الأَئِمَّة وتَتَبَّعُوا فِيهَا الأَدِلَّة وَقَرَّرُوهَا تَتَابعَ الأئِمَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَأَهْلُ الحَدِيثِ دُونَ خِلافٍ بَيْنَهُمْ، فَفِي هَذِهِ المسْأَلَة بِخُصُوصِهَا رُدَّ عَلَى مَنْ سَلَكَ ذَلِكَ المسْلَكَ مِنَ التَّابِعِينَ وَمِنْ تَبَعِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلأدِلَّةِ فَيكُونُ خِلافُهم غَيْرَ مُعْتَبرٍ؛ لأَنَّهُ خِلافٌ لِلدَّلِيلِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ الجمَاعَةِ عَلَى خِلافِ ذَلكَ القَوْل.

إِذَنْ الخُلاصَة: أَنَّ مَسْأَلَةَ الإِجْمَاعِ مَعْنَاهَا أَنْ يَتَتَابعَ العُلَماءُ عَلَى ذِكْرِ المسْأَلَةِ العَقَدِيَّة، إِذَا تَتَابَعُوا عَلَى ذِكْرِهَا بِدُونِ خِلاَفٍ فَيُقَالُ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ عَلَى ذَلِكَ »( 45).

فَتَبَيَّن مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ هَذَا الخُرُوجَ خَطأٌ مُخَالفٌ لِلنُّصُوصِ، وَقَدْ عَارَضَهُ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَامْتَنَعَ كَثِيرٌ مِنَ الخُرُوجِ، وَهُمْ يَسْتَنِدُونَ فِي التَّرْكِ إِلَى سُنَّةِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، التِي تَقَدَّمَ الإشَارَة إِلَى طَرَفٍ مِنْهَا .

وَلَوْ تَنَزَّلْنَا جَدَلاً بِأَنَّهُ لاَ إِجْماعَ فِي المسْأَلَةِ، فَإِنَّ الوَاجِبَ المَصِيرَ إِلَى حَدِيثِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الصَّرِيح:« مَا لَمْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً »، فَهُوَ الفَيْصَلُ فِي هَذِهِ المسْأَلَة، وَيُعْجِبُنِي مَا قَرَّرَهُ الإِمَامُ المجَدِّدُ المحَقِّقُ الأَلْبَانِي ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ فِي مُحَاوَرَةٍ لَهُ مَعَ أحَدِ السَّائِلِينَ وَهَذَا نَصُّهَا:

قَالَ السَّائِل: « إِجْمَاعُ الأُمَّةِ عَلَى عَدَمِ الخُرُوجِ عَلَى الحَاكِمِ الفَاسِقِ، هَلْ الإِجْمَاع ُعَلَى ذَلِكَ؟
الشَّيْخُ الأَلْبَانِيّ:الخُرُوجُ عَلَى الحَاكِمِ الفَاسِق؟
السَّائِل: عَدَمُ الخُرُوجِ عَلَى الحَاكِمِ الفَاسِقِ.
الشَّيْخُ الأَلْبَانِيّ:مَا تُؤَاخِذْنِي أَنَا بِدِّي أَصَارْحَك.
السَّائِل:الله يُبَارِك فِيكَ، أَنَا أَنْقُلُ كَلاَم ـ الله يُبَارِك فِيكَ ـ فَقَطْ.
الشَّيْخُ الأَلْبَانِيّ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، وَهَذَا أَهْوَنُ عَلَيَّ.
السَّائِل: أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ.
الشَّيْخُ الأَلْبَانِيّ:وَإِلَيْكَ.
يَا أَخِي: حَدِيثُنَا السَّابِقِ عَن الرَّسُول يَكْفِينَا، وَهُوَ مُقَيَّد أنَّ الخُرُوجَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِشَرْطِ الكُفْرِ الصَّرِيحِ.
فَشُو مَعْنى حِينَئِذٍ الفَاسِق يَجُوزُ الخُرُوجُ وَلاَّ لا؟!.
شُو مَعْنَى إِجْمَاع وَلاَّ مَا إِجْمَاع؟!!
أَقُولُ لَكَ: مَا فِيهِ إِجْمَاع!
طَيِّب: أَيُّ مَسْألَةٍ فِيهَا إجْمَاع ،وَاللهُ يَقُولُ ـ وَأَنْتَ بِتْقُول عَن الرَّجُل: طَالِب عِلْم ـ فَهُوَ يَقْرَأ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﮋفَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِﮊ.
طَيِّب، اخْتَلَفَ العُلَماءُ( 46) فِي مِئَاتِ الأُلُوفِ مِن المَسَائِلِ؛ هَلْ نَخْلُصُ مِن المُشكِلَةِ إنَّه فِيهِ إجْمَاع وَلاَّ مَا فِيهِ إِجْمَاع؟!! فإِذَا كانَ الجوَابُ:مَا فيه إجْماع، خَلَصْنَا؟، وَلاَّ لجَأْنا إلى قَوْلِهِ تَعَالى؟!
إذَنْ: لماذَا يَطْرَح هَذَا السُّؤَال ذَاكَ السَّائِل؟! مَا دَامَ هُو أَمَامَ الحدِيث:« مَا لَمْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً ».
أَنَا مَا بِيْهِمْنِي كثِيراً فهْمُ المسْأَلة مِنْ جِهَة الإجْمَاع؛ لأنَّ الإجْمَاعَ فِيهِ أَقَاوِيل كثِيرَة وكَثِيرة جِدًّا.
مَا هُوَ الإجْماعُ الذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ؟
هَلْ هُو إجْمَاعُ الأُمَّةِ بِكُلِّ طَبَقَاتِها؛ منْ عُلمَاء، مِنْ طُلابِ عِلْمٍ، مِنْ عَامَّة المُسْلِمِين ؟
أَمْ الإجْمَاع: هُو إِجْمَاعُ خَاصَّةِ المُسْلِمينَ وعُلَمَائِهِم؟ أمْ .. أَمْ .. إلخ .. هُو إجْمَاعُ أَهْلِ المَدِينَةِ؟ ولاَّ إِجْمَاعُ أَهْلِ الكُوفَةِ؟ ولاَّ و ... إلخ
اللهُ عزَّ وجلَّ يقُولُ: ﮋ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًاﮊ ، أَنَا أَعْتَقدُ أَنَّ طالِبَ العِلْمِ الذِي يَتَساءَل في أَيِّ مَسْالةٍ عَلَيْهَا إجْمَاعٌ أَمْ لا؟، هَذا مَا قَنَعَ بِدِلالَة ِ الآيَةِ المذْكُورةِ ـ آنِفًا ـ ﮋ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﮊ ؛ لأَنِّي أَنَا سَأَعْكِسُ السُّؤالَ، وَ أَجْعَلُهُ عَلَى الصُّورَةِ التَّالِيَةِ:
فَأنَا أَتَسَاءلُ، وَأَقُولُ: هَلْ مِنْ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ أَنَّ رَجُلاً نَصَبَ نَفْسَهُ بِقُوَّةِ السِّلاحِ حَاكِمًا عَلَى المُسْلمِينَ، هَلْ يَجُوزُ الخُرُوجُ علَى هَذَا الخَارِجِ، والذِي نَصَبَ نَفْسَهُ حَاكِمًا عَلَى المُسْلِمِينَ؟.
الذِي نَعْرِفُه فِي كُلِّ هَذِهِ القُرُونِ أّنَّ العُلَمَاءَ يُفْتُونَ بـِ (لا، لاَ يَجُوزُ)؛ لِمَاذَا؟.
لِلمُحافَظَةِ عَلَى دِمَاءِ المُسْلِمِينَ مِنَ الفَرِيقَيْنِ، الذِينَ مَعَ الخَارِجيّ، وَالذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى هّذَا الْخَارِجِيِّ.
..فَسَبيلُ المُؤْمِنينَ هُوَ عَدَمُ الخُرُوجِ لِلْمُحافَظَةِ عَلَى دِمَاءِ المُسْلِمِينَ.
ثُمَّ أَعُودُ إِلَى نَفْسِ السُّؤَالِ السَّابِقِ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الخُرُوجُ عَلَى الحَاكِمِ الفَاسِقِ بِرَأْيِ أَهْلِ الحلِّ وَ العَقْدِ يَتَطَلَّبُ إِرَاقَةَ قَلِيلٍ مِنَ الدِّمَاءِ؛ كَيْفَ يَنْضَبِطُ هَذَا الْقَلِيلُ؟! وَهَلْ هَذَهِ مِن الأُمُورِ المَادِّيَّةِ التِي يُمْكِنُ لِلْإِنْسانِ أَنْ يُقَنِّنَهَا؟ وَ لاَّ هَذِهِ أُمُورٌ فَوْضَوِيَّةٌ مَحْضَة؟، فَإذَا فُتِحَ بَابُ القِتَالِ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ، مَا تَعْرِف مُنْتَهَى هَذَا القِتَال إِلَى أَيْنَ!

لِذَلِكَ فَالمَسْأَلَةُ ـ أَوَّلاً ـ : فِيهَا مُخَالَفَةٌ لِلنَّصّ الصَّرِيحِ لِلحَدِيثِ السَّابقِ ذِكْرُه: « مَا لَمْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً ».
وَ ـ ثَانِيًا ـ : لا يُمْكِنُ ضّبْطُ المَفْسَدَةِ القَلِيلَةِ حِينَمَا يُثَارُ القِتَالُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ المُسْلمِينَ» ( 47).

هذه الكلمات هي مقتطفات مما كنت كتبته حال فتنة الخروج التي تأججت في بلاد المسلمين في بحث أسميته: " إعلام الحائر بحرمة الخروج على الحاكم الجائر"
نسأل الله القبول والإخلاص في القول والعمل، وأن نكون مفاتيح للخير مغاليق للشر.




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ

( 2) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (26/202).
(3 ) أَعْلامُ الحَدِيث لِلْخَطَّابِي (3/292).
( 4)جَلاءُ العَيْنَيْن في مُحاكَمَةِ الأَحْمَدَيْنِ، نُعمان بن مَحمُود الأَلُوسِي (226).
( 5)رِسَالَة لأَهْلِ الثُّغُورِ بِبَابِ الأَبْوَاب لِأَبِي الحسَن الأَشْعَرِي (168).
( 6)شَرْحُ السُّنةِ مُعْتَقَدُ إِسْماعِيل بن يَحْيَى المزَنِي (84).
(7 )شَرْحُ السُّنةِ مُعْتَقَدُ إِسْماعِيل بن يَحْيَى المزَنِي (89).
(8 )الإبَانَةُ الصُّغْرَى (ص: 279).
( 9) فَتْحُ البَارِي لابن حَجَر (5/124)، وسُبُلُ السَّلامِ (2/379).
( 10) شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِم لِلإمَامِ النَّوَوِي (12/229).
( 11) كذا! وصَوَابُه الحُسَين.
(12 )شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِم لِلإمَامِ النَّوَوِي (12/229).
( 13)مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ لابن تَيْمِيَّة (4/ 529 (.
( 14)الكَاشِفُ عَنْ حَقَائِقِ السُّنَنِ (7/181 ـ 182).
( 15) قَالَ الشَّيْخُ صَالِح آل الشَّيْخ في شَرْحِه لِلْعَقِيدَة ِالوَاسِطِيَّةِ (2/609) مُعَلِّقاً عَلَى كَلامِ الحَافِظِ ابْن حَجَر: »وهَذَا القَوْلُ ـ مِنْ أَنَّه ثَمَّ قَوْلانِ فِيهِ لِلسَّلَفِ ـ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ بَل السَّلف مُتَتَابِعُون علَى النَّهْيِ عَن الخرُوجِ ، لَكِن فِعْلُ بَعْضِهِم مَا فَعَل مِن الخرُوجِ، وهذا يُنْسَبُ إليه ولا يُعَدُّ قولاً ؛ لأنَّهُ مخالفٌ للنُّصُوصُ الكَثِيرة في ذَلِكَ ، كَما أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ نَنْسِبَ إلى مَنْ أَحْدَثَ قَوْلاً فِي العَقَائِد وَلَوْ كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا قَوْلٌ لِلسَّلَفِ ، فَكَذَلكَ فِي مَسَائِل الإمَامَةِ لاَ يَسُوغُ أَنْ نَقُولَ هَذَا قَوْلٌ لِلسَّلَفِ؛ لأَنَّ مَنْ أَحْدَثَ القَوْل بِالقَدَر كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَنْ أَحْدَثَ القَوْلَ بِالإِرْجَاء كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ ـ مِنْ جِهَة لُقِيِه للصَّحَابة ـ ، لَكِن رُدَّتْ تِلْكَ الأَقْوَال عَلَيهِ ولم يَسغْ أحَدٌ أَنْ يَقُول : (كَانَ ثَمَّ قَوْلان لِلسَّلَف فِي مَسْأَلة كَذَا)، فَكَذلِكَ مَسَائِل الإِمَامَةِ أَمْرُ السَّلَف فِيهَا وَاحد ومَنْ تَابَعَهُمْ ، وَإنَّما حَصَلَ الاشْتِباَه مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ بَعْضِ الأَفْعَالِ مِن التَّابِعِينَ أَوْ تَبَع التَّابِعِين أَوْ غَيْرِهِم فِي ذَلِكَ ، والنُّصُوصُ مُجتمِعَة علَيهِم لا حَظَّ لَهُمْ مِنْهَا» .
(16 ) تَهْذِيبُ التَّهْذِيب لابْن حَجَر (1/399).
( 17) الإِقْنَاع فِي مَسَائِل الإِجْمَاعِ لابْن القَطَّان الفَاسِي (1/61).
( 18)مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/ 528 ـ 532).
(19 ) البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (11/477)، وانْظُر تَارِيخ الطَّبَرِيّ (5/343)، وَحِقْبَة مِنَ التَّارِيخِ لِعُثْمَانَ الخَمِيسِ (229).
( 20)البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ لابْنِ كَثِيرٍ (8/172).
(21 )مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/42).
(22 )مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/586).
( 23)مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/ 536).
( 24)مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ (4/529).
( 25) صَحِيحُ البُخَارِي (7111).
( 26)البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (11/494).
( 27)البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (11/495).
( 28)البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (11/497).
( 29) يُنْظَر تِلْكَ الرِّوَايَاتِ وَغَيْرِهَا البِدَايَة وَالنِّهَايَة (11/ 503).
(30 ) الطَّبَقَاتُ الكُبْرَى لابْن سَعْد (7/ 120).
( 31) البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 341).
( 32) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (4/529).
( 33)الطَّبَقَاتُ الكُبْرَى لابْن سَعْد (7/ 140).
(34 )السُّنَّة لأَبِي بَكْر بْن الخَلال (1/133).وَطَبَقَاتُ الحنَابِلَة لابْن أَبِي يَعْلَى (1/144).
( 35) مَوْضِعٌ فِي العِرَاقِ قَرِيبٌ مِنَ الكُوفَةِ نَشَبتْ عِنْدَهُ مَعْرَكَة سَنَةَ: 82 أو 83 هـ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَن ابْن الأَشْعَثِ وَالحَجَّاجِ بْن يُوسف الثَّقَفِي. انْظُرْ الكَامِل فِي التَّارِيخ لابْن الأَثِيرِ(3/ 494).
( 36) سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ (5/ 192).
(37 )الطَّبَقَاتُ الكُبْرَى لابْن سَعْد (7/104).
(38 ) إِكْمَالُ المعْلِم شَرْح صَحِيح مُسْلِم لِلْقاضِي عِيَاض (6/128).وَانْظُر شَرح صَحِيح مُسْلِم لِلنَّوَوِي (12/229).
( 39) تَهْذِيبُ التَّهْذِيبِ لِلْحَافِظِ ابْن حَجَر( 2 / 211).
( 40) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الإِيمَانِ (ص39) ، وَاللالَكَائِيّ فِي شَرْحِ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ (1823)وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيّ.
(41 )البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/547).
(42 )رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الإِيمَانِ (ص39)، وَاللالَكَائِيّ فِي شَرْحِ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ (1821) وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيّ.
لَكِنَّ الذَّهَبِيَّ عَلَّقَ عَلَى هَذَا الأَثَرِ فِي سِيَر أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ (5/ 44)بِقَوْلِهِ: «قُلْتُ: يُشِيرُ إِلَى المُرْجِئَةِ مِنْهُم، الذِينَ يَقُولُونَ: هُوَ مُؤْمِنٌ كَامِل الإِيمَانِ مَعَ عَسفِهِ، وَسَفْكِه الدِّمَاء، وَسَبِّهِ الصَّحَابَة».
( 43) التَّمْهِيد لابْن عَبْد البَر (12/262)، وَ البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ لابْنِ كَثِير(12/ 545)، وَتَارِيخ دِمَشْق (12/ 183).
( 44) المُسْتَصْفَى لِلْغَزَالِي (150)، وَمَعَالِم أُصُولِ الفِقْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ، لِمُحَمَّد بنْ حُسَيْن بن حَسن الجِيزَانِي (169).
( 45) شَرْحُ العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّة، صَالِح آل الشَّيْخ ، الشَّرِيطُ : 05 .
( 46) والبَعْضُ ـ لِلأسَفِ ـ عِنْدَمَا تُنْكِرُ عَلَيْهِ بَعْضَ المسَالِكِ البِدْعِيَّة ؛ كَالحِزْبِيَّة وَ المُظَاهَرَاتِ ..، يَتَذَرَّعُ بِأَنَّ المسْأَلَةَ خِلافِيَّة،وَ الأمْرُ فِيهَا وَاسِعٌ.
(47 ) سِلْسِلَةُ الهُدَى وَ النُّور
(799).
__________________
ومن الظلم والجور الناتج في الغالب عن قلة العلم، أن يُخرج السني من السنة بمسألة يسوغ فيها الخلاف.
قال الإمام أحمد: ( إخراج الناس من السنة شديد) رواه الخلال في السنة.[2/ 373]

]
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-12-2013, 11:23 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,046
افتراضي


بارك الله فيك ونفع
أحسنت جمعاً..........
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-13-2013, 02:52 AM
احمد رجا ابراهيم احمد رجا ابراهيم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 44
افتراضي

كلام جميل ..................

بارك الله فيك..........................
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-13-2013, 10:23 AM
أبو الأزهر السلفي أبو الأزهر السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,172
افتراضي

نفع الله بكم أيها الفاضل الكريم !

نسخة إلى بعض المفتونين الذين صاروا يقرون ما كانوا ينكرون, وينكرون ما كانوا يقرون !!
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-13-2013, 05:06 PM
أبو سلمى رشيد أبو سلمى رشيد غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجــــــــــــزائـــــر
المشاركات: 2,576
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد غدير مشاهدة المشاركة
... خطه من ينسب نفسه لطلاب العلم!! ليس فيه سوى التذرع بأن المسألة فيها خلاف بين السلف و العلماء، ...
كَانَ أَتبَاعُ السّلََفِِ الصَّالِحِ في القَدِيمِ: يحتَجُّونَ بِالإِجمَاعِ
أمّا في أَزمَانِنَا المتَأَخِّرَةِ هَذِهِ
فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم مَنْ يَنتَسِبُونَ إِلى العِلمِ: يحتجُّون بِالخِلافِ
__________________
https://www.facebook.com/abbsalma
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-13-2013, 11:58 PM
عبد الكريم بن أحمد بن السبكي عبد الكريم بن أحمد بن السبكي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2013
الدولة: ورقلة جنوب الجزائر
المشاركات: 1,230
افتراضي

بارك الله فيك يا اخي على النقل الطيب
من المعلوم يا اخي ان مسائل الشرع مسائل مجمع عليها من اهل السنة لا يجوز الاحتهاد فيها ولا احداث قول ثالث
ومسائل خلافية متنازع فيها فيقدم الراجح ويترك المرجوح منها ولا يترتب على هذه المسائل هجر وبغضاء ورمي بسوء الالقاب لان القائل به ائمة ولهم حق الاجتهاد بين الاجر والاجرين كما يتفرع عن الاصل الثاني فرع وهو اذا اجتهد اناس ليسوا من اهل الاجتهاد وليس لهم اهلية وانما اتوا اقوال محدثة بارائهم واجتهادهم ليس لها مستند ولا دليل ولامام مجتهد قال برايه فهذا صاحبه صاحب هوى لابد ان ينصح ويذكر
من خلال هذا الطرح نناقش مسالة الخروج على الحاكم الجائر فلابد من التفصيل اذا كان الخارج على الحاكم الجائر لايراعي لا الى المصلحة ولا الى المفسدة فهذا القول هو راي المعتزلة الذين عندهم الاصول الخمسة والاصل الخامس هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكرويقصدون به الخروج على الحكام وان جاروا ولا يراعون لا الى مصلحة ولا الى مفسدة
اما القول الذي قال به بعض اهل السنة والجماعة يجوز الخروج على الحاكم الجائر بشرط اذا لم يرتب عليه مفسدة وجمع بين النصوص التي والقواعد العام التي تعتر حجة بالاحتجاج بها كدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى فيرتكب ادنى المفسدتين ضررا لتحقق مصلحة اعظم من المفسدة التي ارتكبت وللتنبيه انا اتكلم على مسالة التاصيل لا مسالة التنزيل على الواقع المعاش لان مسال التنزيل تكون لاهل العلم الراسخي
قال المعلمي في التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (1/ 187)
وقد جرب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر ، خرج الناس على عثمان يرون أنهم إنما يريدون الحق ثم خرج أهل الجمل يرى رؤساهم ومعظمهم أنهم إنما يطلبون الحق فكانت ثمرة ذلك بعد اللتيا والتي أن انقطعت خلافة النبوة وتأسست دولة بني أمية ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه فكانت تلك المأساة ، ثم خرج أهل المدينة فكانت وقعة الحرة ، ثم خرج القراء مع ابن الأشعث فماذا كان ؟ ثم كانت قضية زيد بن علي وعرض عليه الروافض أن ينصروه على أن يتبرأ من أبي بكر وعمر فأبى فخذلوه ، فكان ما كان ، ثم خرجوا مع بني العباس فنشأت دولتهم التي رأى أبو حنيفة الخروج عليها ، واحتشد الروافض مع إبراهيم الذي رأى أبو حنيفة الخروج معه ولو كتب له النصر لاستولى الروافض على دولته ، فيعود أبو حنيفة يفتي بوجوب الخروج عليهم !
هذا والنصوص التي يحتج بها المانعون من الخروج والمجيزون له معروفة ، والمحققون يجمعون بين ذلك بأنه إذا غلب على الظن أن ما ينشأ عن الخروج من المفاسد أخف جداً مما يغلب على الظن أنه يندفع به جاز الخروج وإلا فلا . وهذا النظر قد يختلف فيه المجتهدان ، وأولاهما بالصواب من اعتبر بالتاريخ وكان كثير المخالطة للناس والمباشرة للحروب والمعرفة بأحوال الثغور ، وهكذا كان أبو إسحاق
ولهذا عقب الشيخ الالباني في فهرسته على التنكيل بقوله "بحث جيد في الخروج على ائمة الظلم "
وان كان التعليق فصله وبينه في اشرطته في سلسلة الهدى والنور كما نقله الاخ
ويقول المفسر الشهير محمد رشيد رضا في تفسير المنار (1/ 375)
وَإِذَا كَانَ فُقَهَاؤُنَا يَقُولُونَ: بِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُنْبَذُ عَهْدُهُ إِلَّا بِالْكُفْرِ الصَّرِيحِ دُونَ الظُّلْمِ وَالْفِسْقِ، فَإِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ؛ لَا لِأَنَّ الظَّالِمَ أَهْلٌ لِلْإِمَامَةِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ
فِي اخْتِيَارِهِ وَبَيْعَتِهِ الْعَدَالَةَ، وَمِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ
وقال الحافظ في فتح الباري (13/ 8)
وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي أُمَرَاءِ الْجَوْرِ أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى خَلْعِهِ بِغَيْرِ فِتْنَةٍ وَلَا ظُلْمٍ وَجَبَ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الصَّبْرُ
وقال الحافظ في فتح الباري (13/ 11)
قال بن بطال وفي هذا الحديث أيضا حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار لأنه صلى الله عليه و سلم أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء آبائهم ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع اخباره ان هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد في الهلاك وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم فاختار اخف المفسدتين وأيسر الأمرين
فهولاء المجيزون من اهل العلم بجواز الخروج على الحاكم الجائر اذا لم يترتب عليه مفسدة اعظم من جلب المصلحة اما من يجيز الخروج مطلقا سواء تعلقت مصلحة او مفسدة فهذا القول كما ذكرنا هوالاصل الخامس من اصول المعتزلة
وانما ذكرت اقول هؤلاء المجيزين الخروج على الحاكم الجائر أ، تحققت مصلحة لا لأني اتبنى قولهم بل للذب عن اجتهادهم وان مأجورن على اجتهادهم لكن لا نتابعهم على زللهم وخطأهم
فاني كنت اتبنى هذا الرأي ثم تراجعت عنه بعد النظر في كلام اهل العلم وبالذات سماع شريط الشيخ الالباني ـرحمه الله ـ ثم بعد البحث وقفت على كلام الحافظ في الفتح انه يشترط شرطين كما ذكرذالك الالباني ،
قال الحافظ في فتح الباري (13/ 8)
فَإِنْ أَحْدَثَ جَوْرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ إِلَّا أَنْ يَكْفُرَ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ
وقال الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ في تفسير المنار (12/ 152)
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَوْ جَارَ
وقال الحافظ في فتح الباري (13/ 7)
وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَتَسْكِينِ الدَّهْمَاءِ وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْخَبَرُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُسَاعِدُهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا وَقَعَ مِنَ السُّلْطَانِ الْكُفْرُ الصَّرِيحُ فَلَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ بَلْ تَجِبُ مُجَاهَدَتُهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا كَمَا فِي الحَدِيث

ولحديث النبي ـصلى الله عليه وسلم ـلا ان تروا كفرا بواحا "فهذا شرط والشرط الثاني ان تكون مصلحة راجحة برهان ذالك مكثه ـصلى الله عليه وسلم ـفي مكة يرى الكفرالصراح ولم يؤذن له بالجهاد وكلام اهل العلم كشيخ الاسلام وغيره من اهل العلم
قال شيخ الاسلام في ((مجموع الفتاوى)) (4/ 442 - 443).
((أن القتال إذا كانت مفسدته أكبر من مصلحته: فهو قتال فتنة ... ))
ولهذا انصح طلبة ان يتكلموا بلسان العلم والحكمة وانصحهم بنصيحة الشيخ محمد رشيد رضا
في تفسير المنار (12/ 153)
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَى الظَّلَمَةِ وَمُنَابَذَتِهِمُ السَّيْفَ وَمُكَافَحَتِهِمْ بِالْقِتَالِ، بِعُمُومَاتٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَاهَا أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ مُطْلَقًا، وَهِيَ مُتَوَاتِرَةُ الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَنَسَةٌ بِعِلْمِ السُّنَّةِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحُطَّ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنَ السَّلَفِ
الصَّالِحِ مِنَ الْعِتْرَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، فَإِنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَتْقَى لِلَّهِ وَأَطْوَعُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
كذلك لا ينبغي ان نحط من قدر اهل العلم الذين ذهبوا الى هذا الرأي لان مستند وتعليل باحام معللة والعلة تدور مع الحكم وجودا وعدما
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10-14-2013, 07:07 PM
أحمد غدير أحمد غدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: الوادي ـ الجزائر
المشاركات: 286
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم السبكي مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك يا اخي على النقل الطيب
من المعلوم يا اخي ان مسائل الشرع مسائل مجمع عليها من اهل السنة لا يجوز الاحتهاد فيها ولا احداث قول ثالث
ومسائل خلافية متنازع فيها فيقدم الراجح ويترك المرجوح منها ولا يترتب على هذه المسائل هجر وبغضاء ورمي بسوء الالقاب لان القائل به ائمة ولهم حق الاجتهاد بين الاجر والاجرين كما يتفرع عن الاصل الثاني فرع وهو اذا اجتهد اناس ليسوا من اهل الاجتهاد وليس لهم اهلية وانما اتوا اقوال محدثة بارائهم واجتهادهم ليس لها مستند ولا دليل ولامام مجتهد قال برايه فهذا صاحبه صاحب هوى لابد ان ينصح ويذكر
من خلال هذا الطرح نناقش مسالة الخروج على الحاكم الجائر فلابد من التفصيل اذا كان الخارج على الحاكم الجائر لايراعي لا الى المصلحة ولا الى المفسدة فهذا القول هو راي المعتزلة الذين عندهم الاصول الخمسة والاصل الخامس هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكرويقصدون به الخروج على الحكام وان جاروا ولا يراعون لا الى مصلحة ولا الى مفسدة
اما القول الذي قال به بعض اهل السنة والجماعة يجوز الخروج على الحاكم الجائر بشرط اذا لم يرتب عليه مفسدة وجمع بين النصوص التي والقواعد العام التي تعتر حجة بالاحتجاج بها كدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى فيرتكب ادنى المفسدتين ضررا لتحقق مصلحة اعظم من المفسدة التي ارتكبت وللتنبيه انا اتكلم على مسالة التاصيل لا مسالة التنزيل على الواقع المعاش لان مسال التنزيل تكون لاهل العلم الراسخي
قال المعلمي في التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (1/ 187)
وقد جرب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر ، خرج الناس على عثمان يرون أنهم إنما يريدون الحق ثم خرج أهل الجمل يرى رؤساهم ومعظمهم أنهم إنما يطلبون الحق فكانت ثمرة ذلك بعد اللتيا والتي أن انقطعت خلافة النبوة وتأسست دولة بني أمية ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه فكانت تلك المأساة ، ثم خرج أهل المدينة فكانت وقعة الحرة ، ثم خرج القراء مع ابن الأشعث فماذا كان ؟ ثم كانت قضية زيد بن علي وعرض عليه الروافض أن ينصروه على أن يتبرأ من أبي بكر وعمر فأبى فخذلوه ، فكان ما كان ، ثم خرجوا مع بني العباس فنشأت دولتهم التي رأى أبو حنيفة الخروج عليها ، واحتشد الروافض مع إبراهيم الذي رأى أبو حنيفة الخروج معه ولو كتب له النصر لاستولى الروافض على دولته ، فيعود أبو حنيفة يفتي بوجوب الخروج عليهم !
هذا والنصوص التي يحتج بها المانعون من الخروج والمجيزون له معروفة ، والمحققون يجمعون بين ذلك بأنه إذا غلب على الظن أن ما ينشأ عن الخروج من المفاسد أخف جداً مما يغلب على الظن أنه يندفع به جاز الخروج وإلا فلا . وهذا النظر قد يختلف فيه المجتهدان ، وأولاهما بالصواب من اعتبر بالتاريخ وكان كثير المخالطة للناس والمباشرة للحروب والمعرفة بأحوال الثغور ، وهكذا كان أبو إسحاق
ولهذا عقب الشيخ الالباني في فهرسته على التنكيل بقوله "بحث جيد في الخروج على ائمة الظلم "
وان كان التعليق فصله وبينه في اشرطته في سلسلة الهدى والنور كما نقله الاخ
ويقول المفسر الشهير محمد رشيد رضا في تفسير المنار (1/ 375)
وَإِذَا كَانَ فُقَهَاؤُنَا يَقُولُونَ: بِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُنْبَذُ عَهْدُهُ إِلَّا بِالْكُفْرِ الصَّرِيحِ دُونَ الظُّلْمِ وَالْفِسْقِ، فَإِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ؛ لَا لِأَنَّ الظَّالِمَ أَهْلٌ لِلْإِمَامَةِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ
فِي اخْتِيَارِهِ وَبَيْعَتِهِ الْعَدَالَةَ، وَمِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ
وقال الحافظ في فتح الباري (13/ 8)
وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي أُمَرَاءِ الْجَوْرِ أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى خَلْعِهِ بِغَيْرِ فِتْنَةٍ وَلَا ظُلْمٍ وَجَبَ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الصَّبْرُ
وقال الحافظ في فتح الباري (13/ 11)
قال بن بطال وفي هذا الحديث أيضا حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار لأنه صلى الله عليه و سلم أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء آبائهم ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع اخباره ان هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد في الهلاك وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم فاختار اخف المفسدتين وأيسر الأمرين
فهولاء المجيزون من اهل العلم بجواز الخروج على الحاكم الجائر اذا لم يترتب عليه مفسدة اعظم من جلب المصلحة اما من يجيز الخروج مطلقا سواء تعلقت مصلحة او مفسدة فهذا القول كما ذكرنا هوالاصل الخامس من اصول المعتزلة
وانما ذكرت اقول هؤلاء المجيزين الخروج على الحاكم الجائر أ، تحققت مصلحة لا لأني اتبنى قولهم بل للذب عن اجتهادهم وان مأجورن على اجتهادهم لكن لا نتابعهم على زللهم وخطأهم
فاني كنت اتبنى هذا الرأي ثم تراجعت عنه بعد النظر في كلام اهل العلم وبالذات سماع شريط الشيخ الالباني ـرحمه الله ـ ثم بعد البحث وقفت على كلام الحافظ في الفتح انه يشترط شرطين كما ذكرذالك الالباني ،
قال الحافظ في فتح الباري (13/ 8)
فَإِنْ أَحْدَثَ جَوْرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ إِلَّا أَنْ يَكْفُرَ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ
وقال الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ في تفسير المنار (12/ 152)
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَوْ جَارَ
وقال الحافظ في فتح الباري (13/ 7)
وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَتَسْكِينِ الدَّهْمَاءِ وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْخَبَرُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُسَاعِدُهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا وَقَعَ مِنَ السُّلْطَانِ الْكُفْرُ الصَّرِيحُ فَلَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ بَلْ تَجِبُ مُجَاهَدَتُهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا كَمَا فِي الحَدِيث

ولحديث النبي ـصلى الله عليه وسلم ـلا ان تروا كفرا بواحا "فهذا شرط والشرط الثاني ان تكون مصلحة راجحة برهان ذالك مكثه ـصلى الله عليه وسلم ـفي مكة يرى الكفرالصراح ولم يؤذن له بالجهاد وكلام اهل العلم كشيخ الاسلام وغيره من اهل العلم
قال شيخ الاسلام في ((مجموع الفتاوى)) (4/ 442 - 443).
((أن القتال إذا كانت مفسدته أكبر من مصلحته: فهو قتال فتنة ... ))
ولهذا انصح طلبة ان يتكلموا بلسان العلم والحكمة وانصحهم بنصيحة الشيخ محمد رشيد رضا
في تفسير المنار (12/ 153)
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَى الظَّلَمَةِ وَمُنَابَذَتِهِمُ السَّيْفَ وَمُكَافَحَتِهِمْ بِالْقِتَالِ، بِعُمُومَاتٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَاهَا أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ مُطْلَقًا، وَهِيَ مُتَوَاتِرَةُ الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَنَسَةٌ بِعِلْمِ السُّنَّةِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحُطَّ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنَ السَّلَفِ
الصَّالِحِ مِنَ الْعِتْرَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، فَإِنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَتْقَى لِلَّهِ وَأَطْوَعُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
كذلك لا ينبغي ان نحط من قدر اهل العلم الذين ذهبوا الى هذا الرأي لان مستند وتعليل باحام معللة والعلة تدور مع الحكم وجودا وعدما
بوركتم جميعا على مروركم، ونفع بكم.

وَلِي عَلَى كَلام السّبكِي مُلاحَظاتٍ:

القَوْلُ بِأَنَّ مَسألَةَ الخُرُوج مَبْنِيَّة عَلَى مُرَاعَاة المَصَالح وَالمَفَاسِدِ، يَعْنِي أَنَّها اجْتِهَادِيَّة، وَبِالتَّالِي سَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي المَصْلَحةِ وَالَمفسَدَة المُتَرَتِّبَة عَلَيْهَا، وَنَخْلُصُ أَخِيراً إلَى أََّن المَسألَةَ مُعَلَّلة أَصَالةً بِالمَصلَحَة وَالمْفسَدَة كَمَا قَرَّرَ هَذَا الحُكْمَ بَعْضُ الحِزْبِيّين عَلَى بَرْنامج تلفِزْيُونِي [ إِلَى غُلاةِ التَّجْرِيحِ!!! ]..
وَهَذَا الحُكْمُ بَاطِلٌ أَسَاساً؛ إِذْ المَسْألَةُ مَْبنِيَّةٌ أسَاساً عَلَى حُكْمٍ نَبَوِي قَطْعِي الثُّبُوت وَالدلاَلَة (إَلَّا أَنْ تَرَوا كُفْراً بوَاحاً ...) فَأَصْلُ المَنْعِ مِنَ الخُرُوج قَائِمٌ عَلَى النُّصوصِ لاَ عَلَى النَّظر فِي المَصْلَحَة وَالمَفْسَدَة.

قَالَ الإِمَامُ مُحمَّد الأَمِين الشَّنْقِيطِي:
«فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مُرْتَكِبًا لِمَا لَا يَجُوزُ، إِلَّا إِذَا ارْتَكَبَ الْكُفْرَ الصَّرِيحَ الَّذِي قَامَ الْبُرْهَانُ الشَّرْعِيُّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كُفْرٌ بَوَاحٌ؛ أَيْ: ظَاهِرٌ بَادٍ لَا لَبْسَ فِيهِ»( 1).

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلاَّمَة ابْن عُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللهُ - : قَالَ أَحَدُ طُلاّبِ العِلْمِ لِطُلاَّبِهِ: إِنَّهُ يَجُوزُ الخُرُوجُ عَلَى وَلِيّ الأَمْرِ (الفَاسِقِ)، وَلَكِنْ بِشَرْطَيْنِ:
الأَوَّل: أَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا القُدْرَة عَلَى الخُرُوجِ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ نَتَيَقَّنَ أَنَّ المفْسَدَةَ أَقَلَّ مِنَ المصْلَحَةِ رُجْحَانًا.
وَقَالَ: هَذَا مَنْهَجُ السَّلَفِ!! ، نَرْجُو تَوْضِيحَ هَذِهِ المسْأَلَةَ حَيْثُ أَنَّهُ ذَكَر (الفَاسِقَ)، وَلَم يَقُلْ: مَا رَأَيْنَا عَلَيْهِ الكُفْرَ البَوَاحَ، أَوْضِحُوا مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا -يَرْعَاكُم الله-.
وَقَالَ: إِنَّ مَسْأَلَةَ تَكْفِير مَنْ لَمْ يَحْكُم ْبِمَا أَنْزَلَ الله مِنَ الحُكَّامِ اجْتِهَادِيَّة!!
وَقَالَ: إِنّ أَكْثَرَ أَئِمَّة السَّلَفِ يُكفِّرُونَ مَنْ لَم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مُطْلَقًا، أَيْ: لَم يُفَصِّلُوا فِيمَنْ حَكَمَ!!
وَالسُّؤَالُ مُهِمٌّ جِدًا؛ حَيْثُ أَنَّهُ اتَّصَلَ بِي شَبَابٌ مِنْ دَوْلَةٍ أُخْرَى وَيُرِيدُونَ الجَوَابَ هَذِهِ اللَّيْلَة.

فَأَجَابَ الشِّيْخ:

قُلْ لَهُمْ -بَارَكَ اللهُ فِيكَ: - إنَّ هَذَا الرَّجُلَ لاَ يَعْرِفُ عَنْ مَذْهَبِ السَّلَفِ شَيْئًا!!
وَالسَّلَفُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الخُرُوجُ عَلَى الأَئِمَّةِ أَبْرَارًا كَانُوا أَوْ فُجَّارًا، وَأَنَّهُ يَجِبُ الجِهَادُ مَعَهُمْ، وَأَنَّهُ يَجِبُ حُضُور الأَعْيَادِ وَالجُمَعَ التِي يُصَلُّونَهَا هُمْ بِالنَّاسِ -كَانُوا فِي الأَوَّلِ يُصَلُّونَ بِالنَّاسِ-وَإِذَا أَرَادُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا، فَلْيَرْجِعُوا إِلَى (العَقِيدَة الوَاسِطِيَّة) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ يَرَوْنَ إِقَامَةَ الحَجِّ وَالجِهَادِ وَالأَعْيَادِ مَعَ الأُمَرَاءِ أَبْرَارًا كَانُوا أَوْ فُجَّارًا، هَذِهِ عِبَارَتُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-
فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ مَنْهَجُ السَّلَفِ، هُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا كَاذِبٌ عَلَى السَّلَفِ!!، أَوْ جَاهِلٌ بِمَذْهَبِهِمْ!!.
فَإِنْ كُنْتَ لاَ تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ مُصِيبَةٌ .... وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالمصِيبَةُ أَعْظَمُ

وقُلْ: إِذَا كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللهِ بُرْهَانٌ»، فَكَيْفَ يَقُولُ: هَذَا الأَخُ أَنَّ مَنْهَجَ السَّلَفِ الخُرُوجُ عَلَى الفَاسِقِ؟!!
يَعْنِي أَنَّهُمْ خَالَفُوا كَلاَمَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَرَاحَةً.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الأَخ -فِي الوَاقِعِ- مَا يَعْرِف الوَاقِع!!( 2) الذِينَ خَرَجُوا عَلَى الملُوكِ سَوَاءٌ بِأَمْرٍ دِينِيّ أَوْ بِأَمْرٍ دُنْيَوِيّ، هَلْ تَحَوَّلَتْ الحَالُ مِنْ سَيّءٍ إِلَى أَحْسَنَ؟!!
نَعَمْ، أَبَدًا.
بَلْ مِنْ سَيّءٍ إِلَى أَسْوَأَ بَعِيدًا، وَانْظُرْ الآنَ الدُّوَلَ كُلّهَا تَحوَّلَتْ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ.
أَمَّا مَنْ لَم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله:
فَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لَيْسَ أَكْثَر السَّلَف عَلَى أَنَّهُ يَكْفُر مُطْلَقًا، بَلْ المشْهُورُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ (كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ)، وَالآيَاتُ ثَلاَثَةٌ، كُلُّهَا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ، نَسَقٍ وَاحِدٍ: (الكَافِرُونَ)، (الظَّالِمُونَ)، )الفَاسِقُونَ(
وَكَلاَمُ الله لاَ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَيُحْمَلُ كُلّ آيةٍ مِنْهَا عَلَى حَالٍ يَكُونُ فِيهَا بِهَذَا الوَصْفِ: تُحمَلُ آيَةُ التَّكْفِيرِ عَلَى حَالٍ يَكْفُرُ بِهَا، وَآيَةُ الظُّلْمِ عَلَى حَالٍ يظْلِم فِيهَا، وَآيَةُ الفِسْقِ عَلَى حَالٍ يَفْسُقُ فِيهَا.
عَرَفْتَ.. فَأَنْتَ انْصَحْ هَؤُلاَءِ الإِخْوَان.. طَالِبُ العِلْمِ الذِي (...) قُلْ لَهُ: يَتَّقِي اللهَ فِي نَفْسِهِ، لاَ يَغُرّ عَلَى المسْلِمِينَ: غَدًا تخْرجُ هَذِهِ الطَّائِفَة ثُمّ تُحَطَّم!! أَوْ يَتَصَوَّرُونَ عَنْ الإِخْوَةِ الملْتَزِمِينَ تَصَوُّرًا غَيْرَ صَحِيحٍ!! كُلّهِ بِسَبَبِ هَذِهِ الفَتَاوَى الغَيْرِ صَحِيحَة.. فَهِمْتَ؟! طَيِّب( 3).

وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِح اللّحِيدَان مُؤَكِّدًا أَنّ الخُرُوجَ عَلى وُلاةُ الأَمْرِ مُحَرّمٌ لِذَاتِهِ، وَلَيْسَ لِما يَتَرتَّب عَلَيْهِ مِنَ المفَاسِدِ فَحَسْب، فَقَدْ سُئلَ السُّؤَال التَّالي:

أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكُمْ، هَذَا سَائِلٌ مِنْ مِصْرَ، يَقُولُ: أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكُمْ شَيْخَنَا: هَل الخُرُوجُ عَلَى وُلاَّةِ الأُمُورِ مُحَرّمٌ لِذَاتِهِ أَمْ لأَجْلِ مَا يَتَرتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ مَفَاسِدَ عَظِيمَة؟!

الجَوَابُ : هُوَ مُحرّمٌ لِذَاتِهِ وَلِلْمَفَاسِدِ، وَلاَ تَجِدُ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ وَأَنَّ التَّحْرِيمَ لِمصْلَحَةِ البَشَرِ.( 4).

ثُمّ إِنَّ مَنْ جَوَّزُوا الخُرُوجَ مِنَ القُدامَى مِمَّنْ خَالفُوا النُّصُوصَ المُتَوَاترَة، وَالإجْمَاعَ ، إِنَّمَا اسْتَدَلُّوا بِعُمُومَاتٍ ، يَقوُلُ الإِمامُ الشَّوْكانِي :
« وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَى الظَّلَمَةِ وَمُنَابَذَتِهِمْ السَّيْفَ وَمُكَافَحَتِهِمْ بِالْقِتَالِ بِعُمُومَاتٍ(5 ) مِن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَاهَا أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ مُطْلَقًا، وَهِيَ مُتَوَافِرَةُ الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَنَسَةٌ بِعِلْمِ السُّنَّةِ» ( 6).

وكَلامُ الشَّوْكَاني ـ كما يُقَال ـ : قَطَعَ جَهِيزَة قَوْل كُلِّ خَطِيبٍ.

فَأَيْنَ تَعْلِيل الحُكْمِ بِالمصْلَحَةِ وَالمفْسَدَةِ؟!، فَهِيَ لاَ تَعْدُ عَنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّة ثَانَوِيَّة لِبَيَانِ الحِكْمَة مِنَ النَّهْيِ عَنِ الخرُوجِ المعَلَّلِ أصَالةً بالكُفْرِ البَوَاحِ، ولهذا إذَا كَانَت العِلَّةُ المسْتَنْبَطَةُ (المصْلَحَة وَالمفْسَدَة) تَعُودُ عَلَى الأَصْلِ (الكُفْرُ البَوَاح) بِالإبْطَالِ دَلَّ ذَلِكَ علَى فَسَادِهَا .

جَاءَ فِي شَرْحِ الكَوْكَبِ المنِيرِ: «وَ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا «أَنْ لا تَرْجِعَ عَلَيْهِ» أَيْ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ «بِإِبْطَالٍ» حَتَّى لَوْ اُسْتُنْبِطَتْ مِنْ نَصٍّ، وَكَانَتْ تُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا، وَذَلِكَ؛ لأَنَّ الأَصْلَ مَنْشَؤُهَا، فَإِبْطَالُهَا لَهُ إبْطَالٌ لَهَا؛ لأَنَّهَا فَرْعُهُ، وَالْفَرْعُ لا يُبْطِلُ أَصْلَهُ؛ إذْ لَوْ أَبْطَلَ أَصْلَهُ لأَبْطَلَ نَفْسَهُ»(7 ).

وعَنْ عَلِيّ بْنُ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ حَنْبَلًا يَقُولُ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ: اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَطْبَخِيُّ، وَفَضْلُ بْنُ عَاصِمٍ، فَجَاءُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الله، هَذَا الْأَمْرُ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا، يَعْنُونَ إِظْهَارَهُ لِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: أَنْ نُشَاوِرَكَ فِي أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ، وَلَا سُلْطَانِهِ، فَنَاظَرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَاعَةً، وَقَالَ لَهُمْ: «عَلَيْكُمْ بِالنَّكِرَةِ بِقُلُوبِكُمْ، وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمُ، انْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ» ، وَدَارَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ لَمْ أَحْفَظْهُ وَمَضَوْا، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَمَا مَضَوْا، فَقَالَ أَبِي لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: نَسْأَلُ الله السَّلَامَةَ لَنَا وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَمَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا، وَقَالَ أَبِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا عِنْدَكَ صَوَابٌ، قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافُ الْآثَارِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِالصَّبِرِ»( 8).

وفي هذا ردٌّ على مَن زَعَم أَنَّ الخُروجَ مُعَلَّلٌ بِالمصلَحةِ والمفْسَدَة.

وَالله تَعَالَى أَعْلَى وَأَعلَم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
( 1) أَضْواءُ البَيَانِ (1/30 ـ 31).
( 2) إِذَنْ فَهُمْ جَهَلَة بـ(الشَرْعِ) وَ (الوَاقِع)، وَاللهُ المُسْتَعَان.
( 3) شَرْحُ كِتَاب السِّيَاسَة الشَّرْعِيَّة ، الشَّرِيط رَقَم: 05.
(4 ) مَقْطَع صَوْتِي.
( 5) إِذَنْ فَمَنْ جَوَّزَ الخُرُوجَ إِنَّمَا يَسْتَنِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى نُصُوصٍ عَامَّةٍ وَلَيْسَ عَلَى تَرْجِيحِ المصْلَحَةِ عَلَى المفْسَدَةِ ، كَما يَدَّعِي ذَلِكَ مَنْ يُرِيدُ تَغْيِيرَ أُصُولِ الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ!!.
( 6) نَيْلُ الأَوْطَار لِلشَّوْكَانِي (7/ 208).
( 7) شَرْحُ الكَوْكَبُ المنِير لابْنِ النَّجَّارِ الحنْبَلِي (4/80 ـ 81).
(8 )السُّنَّة لأَبِي بَكْر بْن الخَلال (1/133).وَطَبَقَاتُ الحنَابِلَة لابْن أَبِي يَعْلَى (1/144).
__________________
ومن الظلم والجور الناتج في الغالب عن قلة العلم، أن يُخرج السني من السنة بمسألة يسوغ فيها الخلاف.
قال الإمام أحمد: ( إخراج الناس من السنة شديد) رواه الخلال في السنة.[2/ 373]

]
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10-19-2013, 06:32 PM
أحمد غدير أحمد غدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: الوادي ـ الجزائر
المشاركات: 286
افتراضي

للـتـذكــيـــر
__________________
ومن الظلم والجور الناتج في الغالب عن قلة العلم، أن يُخرج السني من السنة بمسألة يسوغ فيها الخلاف.
قال الإمام أحمد: ( إخراج الناس من السنة شديد) رواه الخلال في السنة.[2/ 373]

]
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10-21-2013, 12:16 AM
سمير المسيلي سمير المسيلي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: May 2013
الدولة: الجزائر
المشاركات: 77
افتراضي

سؤال لابد أن نطرحه بل هو شبهة يجب أن نرد عليها وهي :
بما ذا نفسر خروج الحسين رضي الله عنه على يزيد بن معاوية رضي الله عن أبيه خاصة اذا علمنا أنّ بعض الصحابة أنكروا عليه ؟
أيضا نجد الصحابي الذي خرج على عبد الملك بن مروان وكان على رأس الجيش -التوابين- يسعون للأخذ الثأر بدم الحسين .وطبعا من كان معه يسمون بلتابعين .
وأيضا نجد الصحابي عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قد خرج على يزيد بن معاوية بلرغم انّ النبي صلى الله عليه وسلم بشر أّن أول جيش يغزون البحر مغفور لهم وطبعا كان يزيد على رأسهم .
كيف يسمى الاجماع على عدم الخروج على الحاكم المسلم وقد نقضه بعض الصحابة ؟
أجيبونا بارك الله فيكم .وخاصة شيخنا الحلبي
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:14 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.