أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
47364 82974

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر التاريخ و التراجم و الوثائق

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05-21-2017, 08:03 PM
عبد الرحمن عقيب الجزائري عبد الرحمن عقيب الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 759
افتراضي رسالة أديب أندلسي طوّف وتوغل في بلاد العجم وقتل ببخارى على يد التتار

قال الأديب الحسيب عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن سعيد
... ثم تغلغلت في بلاد العجم بلداً بلداً ، غير مقتنع بغاية ولا قاصد أمداً ، إلى أن حللت ببخارى قبة الإسلام، ومجمع الأنام، فألقيت بها عصا التسيار، وعكفت على طلب العلم واصلاً في اجتهاده سواد الليل وبياض النّهار، انتهى.

وكتب إليهم أيضاً من هذه الرسالة: كتبت وقد حصلتني السعادة، وحظ الأمل والإرادة، بحضرة بخارى قبة الإسلام.
وأجابه أهله من الغرب بكلام من جمله: وإن كنت قد تحصنت بقبة الإسلام، فقد تعجلت لنا ولك الفقد قبل وقت الحمام. وأتبعوا ذلك بما دعاه لأن خاطبهم بشعر منه:
عتبتم على حثّي المطيّ وقلتم ... تعجّلت فقداً قبل وقت حمام
إذا لم يكن حالي مهمّاً لديكم ... سواء عليكم رحلتي ومقامي وقتل المذكور ببخارى، حين دخلها التتر، وهو عمّ علي بن سعيد الشهير.
وكان لعبد الرحمن المذكور أخٌ يسمى يحيى قد عنى الجنديّة، فلمّا بلغه أن أبا القاسم عبد الرحمن قتل ببخارى قال: لا إله إلاّ الله، كان أبداً يسفّه رأيي في الجنديّة، ويقول: لو اتبعت طريق النجاة كما صنعت أنا لكان خيراً لك، فها هو ربّ قلمٍ قد قتل شرّ قتلة بحيث لا ينتصر وسلب سلاحه، وأنا ما زلت أغازي في عبّاد الصليب وأخلص، فما يقدر أحد يحسن لنفسه عاقبة، انتهى.
قال أبو الحسن علي بن سعيد: ثمّ إن يحيى المذكور بعد خوضه في الحروب صرعه في طريقه غلام كان يخدمه، فذبحه على نزرٍ من المال، أفلت به، فانظر إلى تقلّب الأحوال كيف يجري في أنواع الأمور لا على تقدير ولا احتياط، انتهى.

ووصلت رسَالَته من بُخَارى فِيهَا هَذِه البيات
إذَا هَبَّتْ رِيَاحُ الغَرْبِ طَارَتْ ... إِلَيْهَا مُهْجَتِي نَحْوَ التَّلاقِ
فياليت التَفَرُّقَ كَانَ عَدْلاً ... فَحُمِّلَ مَا نُطِيقُ مِنَ اشْتِيَاقِ
وَلَيْتَ العُمْرَ لَمْ يَبْرَحْ وِصَالاً ... وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْنَا بِالفِرَاقِ
وقال في رسالة أرسل بها إلى الأندلس : -
وما ظنّكم بمشوق طَرِيح ، في يد الأشواق طَلِيح (الطليح الهزِيل التَّعِب) يقطع مسافات الآفاق يتقلّب تقلّب الأفياء، ويتلّون تلوّن الحرباء ، حتى كأنّه يخْبُرُ مساحات الأرض ، ذات الطّول والعرض، ويجوب أهوية الأقاليم السبع، خارجاً بما أدخله فيه اللّجاج عن الشرع، فكان خليفة الإسكندر، لكن ما يجيش من هموم الغربة بفكري قائمة مقام الجيش والعسكر؛ جزت إلى برّ العدوة من الغرب الأقصى، فطمحت نفسي إلى مشاهدة الغرب الأوسط فلاقيت فيما بينهما من المسافة من المشاق ما لا يحصر ثم تشوقت إلى إفريقية درب بلاد الشرق، فاستشعرت من هنالك ما بينها وبين بلادي من الفرق، واختطفت من عيني تلك الطلاوة، وانتزعت من قلبي تلك الحلاوة:
فلله عينٌ لم تر العين مثلها ... ولا تلتقي إلاّ بجنّات رضوان ثم نازعتني النفس التواقة إلى الديار المصرية، فكابدت في البحر ما لا يفي بوصفه إلا المشافهة إلى أن أبصرت منار الإسكندرية، فيا لك من استئناف عمر جديد، بعد اليأس من الحياة بما لقينا من الهول والتنكيد، ثمّ صعدت إلى القاهرة قاعدة الديار المصرية، لمعاينة الهرمين وما فيهما من المعالم الأزلية، وعاينت القاهرة المعزّية، وما فيها من الهمم الملوكية، غير أنّي أنكرت مبانيها الواهية، على ما حوت من أولي الهمم العالية، وكونها حاضرة العسكر الجرّار، وكرسيّ الملك العظيم المقدار، وقلت: أصداف فيها جواهر، وشوك محدق بأزاهر، ثم ركبت النيل وعاينت تماسيحه، وجزت بحر جدة وذقت تباريحه، وقضيت الحج والزيارة، وملت إلى حاضرة الشام دمشق والنفس بالسوء أمّارة، فهنالك بعت الزيارة بالأوزار، وآلت تلك التجارة إلى ما حكمت به الأقدار، إذ هي كما قال أحد من عاينها :
أمّا دمشق فجنّات معجّلة ... للطالبين بها الولدان والحور فلله ما تضمن داخلها من الحور والولدان، وما زيّن به خارجها من الأنهار والجنان، وبالجملة فإنّها حمى تتقاصر عن إدراكها أعناق الفصاحة، وتقصر عن مناولتها في ميدان الأوصاف كل راحة، ولم أزل أسمع عن حلب، أنّها دار الكرم والأدب، فأدرت أن يحظى بصري بما حظي به سمعي، ورحلت إليها وأقمت جابراً بالمذاكرة والمطايبة صدعي، ثم رحلت إلى الموصل فألفيت مدينة عليها رونق الأندلس، وفيها لطافة وفي مباينها طلاوة ترتاح لها الأنفس، ثم دخلت إلى مقر الخلافة بغداد، فعاينت من العظم والضخامة ما لا يفي به الكتب ولو ان البحر مداد، ثم تغلغلت في بلاد العجم بلداً بلداً، غير مقتنع بغاية ولا قاصد أمداً، إلى أن حللت ببخارى قبة الإسلام، ومجمع الأنام، فألقيت بها عصا التسيار، وعكفت على طلب العلم واصلاً في اجتهاده سواد الليل وبياض النّهار، انتهى.
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:35 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.