أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
70012 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-18-2012, 03:52 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي [ تفريغ ] (الدرس الثالث عشر) شرح منظومة القواعد الفقهية/للسعدي - مشهور بن حسن

بسم الله الرحمن الرحيم

شـرح
«منظومة القواعد الفِقهيَّة»
-للإمام السَّعدي-
-رحمهُ الله-

[الدَّرس الثَّالث عشر]

لفضيلة الشَّيخ
مشهور بن حسن آل سلمان
-حفظه الله-
إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
فما زال الكلام موصولا -وصلني الله وإياكم برحمته- عن ألفاظ العُموم، وألفاظ العموم منها ما عُرف وضعًا أي في اللغة العربية، ومنها ما عُرف عقلا.
وذكرنا فيما مضى من ألفاظ العموم، الأمر الأول [مداخلة..].
1. المفرد المحلى بالألف واللام [التي تفيد الجنس وليست التي للعهد].
2. والجمع المحلى بالألف واللام.
والصيغة الثالثة: النكرة في سياق الشرط.
والرابعة: النكرة في سياق النفي.
والخامسة: النكرة في سياق النهي.
والسادسة -كما وصلنا في الدرس الماضي-: (مَن) و(ما)، قال:
34. كَذاكَ (مَـنْ) وَ(مَـا) تُفيـدانِ مَعَـا ... كُلَّ الْعُمـومِ يَـا أُخَــيَّ فَاسْمَـعَــا
فـ(مَن) التي هي للاستفهام، و(مَن) التي هي للشرط، و(مَن) التي هي بمعنى (مَن) الموصولة، وكذلك (ما) هذه كلها تفيد العموم وضعًا -أي: لغة-، فهي كذلك عند علماء اللغة.
تلحق بـ(مَن) و(ما) أشياء، فـ(مَن) التي بمعنى الذي يلحق بها (الذين) من باب أولى، ويلحق بها (التي) ويلحق بها (اللواتي) ويلحق بها (اللوائي)، فهذه كلها إن وردت في كتاب ربنا أو في أحاديث نبينا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فهي تفيد العموم.
والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} هذه إيش؟ عدة المتوفى عنها زوجها، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} العدة حق لمن؟ حق للرجل، ولذا لَما كان حق النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عظيمًا ما أحل الله تعالى نساءه لأحد من المؤمنين بعده، ولذا مَن تزوجت في عدَّة وفاةٍ دون إتمامِها؛ فالواجب أن تُطلَّق ثم تكمل العدة الأولى عدة الوفاة.
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} (الذين) هذه تشمل كل الأزواج، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} هذه تشمل جميع الأزواج من غير خلاف من العلماء -سواء الزوج قد بنى ودخل بزوجته، أو كان الزوج قد عقد ولم يدخل بزوجته-.
رجل عقد على امرأة فمات بعد العقد وقبل البناء، مات وقد عقد ولكنه لم يدخل بالمرأة، فجاءتنا زوجته، زوجته ولا خطيبته؟ نحن نقول في أعرافِنا: (خطيبته)، لكن عند الله -عزَّ وجلَّ-: (زوجته)، فجاءتنا زوجتُه، فاستفتتْ فأفتاها جاهل -مثلا-، أفتاها جاهل، وكانت هذه المرأة تفهم في اللغة، والحُكم الشرعي مبني على فهم اللغة، ولا يجوز لِمُفتٍ أن يفتي بخلاف اللغة إلا إن ورد نصٌّ ولا يوجد نص خلاف اللغة، فالمرأة ليست فقيهة لكنها تفهم في اللغة، فأفتاها جاهل فقال لها: أنتِ لم يدخل بك زوجك، وبالتالي ليش العدة؟ العدة حتى تطهر المرأة، وحتى تبرأ بالرحم!
طيب؛ المرأة التي دُخل بها ويئست من المحيض، عليها عدة ولا ليس عليها عدة؟ عليها عدة.
طيب؛ المرأة التي دُخل بها ويئست من المحيض؟ ما فيه الآن حمل.
امرأة نُزع رحمُها، امرأة زوجها مجبوب عقيم، امرأة عقيم..إلخ.
فالأحكام لا تدور مع هذه الأشياء، فالله يقول: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قال لها المفتي: أنتِ لستِ بحاجة لعِدة. طيب؛ لم؟ فاستشكلت عليه فقالت: الله يقول: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} وهذا زوجي مات وتركني، فبماذا تجيبني؟ وأنا التي لم يُدخل بي بعد؟ أدخل تحت عموم: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}.
ولذا: مما أجمع عليه الفقهاء أن المراد بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} سواء الزوجة تَحمل أو لا تَحمل، حائض أو يائسة من الحيض، عقيم أم تَلِد، دُخل بها أو لم يُدخَل بها، فأنت أيها الولي، أيها الأخ الكريم، إذا مات زوج بنتك قبل ما يدخل ببنتك؛ فيجب على بنتك العِدة، من غير خلاف بين الفقهاء، ابنتك وهي لم يُدخل بها بعد، وهي في بيتك عليها عدَّة الوفاة، تمكث أربعة أشهر وعشرا، كيف أربعة أشهر وعشرا؟ كيف نحسب الأربعة أشهر وعشرا؟ لنقلْ مثلا: [مات] في العاشر من رجب، تمكث: عشرة رجب، عشرة شعبان، عشرة رمضان، عشرة شوال، صار كم عندنا؟ أربعة أشهر، متى تنتهي عدتها؟ تنتهي عِدتها عشرين شوال، الأشهر تكون بالهجري بالقمري لا بالميلادي، وهذا مما لا خلاف فيه بين الفقهاء، نعد أربعة أشهر عربية في مثل اليوم الذي [مات] فيه، ونزيد على هذه الأربعة أشهر عشرة أيام، فبانتهاء اليوم العاشر نقول: انتهت عدتها، إيش عدتها؟ عدتُها لا تخرج من بيتها إلا للضرورة.
أم السنابل بنت بعكك [بل الصحابية هي: سبيعة بنت الحارث، والصحابي: أبو السنابل بن بعكك] قصتها في «الصحيح» مات زوجها، فخرجت بعد وفاته تستفتي النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فقال لها النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وأقرها على خروجها للفتوى، قال لها: «امكثي في بيتك» فقال العلماء: كل حاجة، كل ضرورة تجعلها تخرج لا حرج، حتى لو تعود أمها أو أباها الكبير المريض تتفقده في الرعاية، امرأة موظفة لا تستطيع أن تأخذ إجازة، فتخرج للعمل ثم ترجع، كل حاجة، كل ضرورة، تخرج فقط بمقدار الحاجة، ثم لا تطلب الأزواج، لا تكتحل إلا تطبُّبًا لا تجمُّلا، لا تختضب يعني تتحنَّى بتعبيرنا اليوم إلا تطبُّبًا لا تجملا، لا تتطيَّب، لا تلبس المنمَّق من الثياب والزاهي منها، لا تتشوَّف للأزواج.
أم السنابل.. الصحابيات رضي الله تعالى عنهن آدميات وعندهن كمال العفَّة وكمال الحياء، و-أيضًا- كمال الوضوح والصراحة، لما انتهت عدتها اكتحلت وخرجت، إيش يعني اكتحلت وخرجت؟ يعني لعل امرأة تنظر إليها فتعجبها فتطلبها لأخيها ما أقول لزوجها! طيب.
فأقول -بارك الله فيكم-: الشاهد أن قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} هذه لفظ عموم يشمل كل زوجة حتى الزوجة التي لم يُدخل بها.
وكذلك قول الله -عزَّ وجلَّ- مثلا: {واللائي تَخافون نُشوزَهُنَّ فعِظُوهنَّ} هذه تدخل تحت كل نساء، أي امرأة تنشز فالواجب على الزوج أن يعِظها، فالمرأة الناشز التي لا تطيعك من حقها عليك أن تُعلِّمها، ومن حقها عليك أن تحلم بها، ومن حقها عليك أن تُذكِّرها بالله، لعل الرجل يعيش ويموت ولا يُذكِّر امرأته بالله بكلمة! بعض الناس يعيش ويموت ولا يُذكِّر زوجته ولا أولاده ولا بناته بكلمة يقول فيها: يا فلانة اتق الله، أنا جنتكِ وأنا نارك، فإن بقيتِ على المعصية لا تدخلين الجنة، فطاعتكِ إلي أوجبها الله -عزَّ وجلَّ-، فيُذكِّرها، يعظها، هذا يشمل كل امرأة تنشز.
وكذلك قول الله -عزَّ وجلَّ-: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} كل من يئست من المحيض، كل امرأة يائسة من المحيض فهذه إن طُلقت فتنقلبُ عدتُها من الحيضات إلى الشهور {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} فـ(اللائي) تُدلِّل على العموم.
وكذلك من ألفاظ العموم: عموم أسماء الاستفهام، كل اسم استفهام يُدلِّل على العموم، {متَى نصرُ الله} هذا عام، في أي نوع من أنواع نصر الله، {أين المفرُّ} هذا عام -أيضًا-.
وكذلك يلحق بـ(مَن) و(ما): (حيث) و(أين) فهذه تُدلِّل على عموم الأمكنة، كقول الله -عزَّ وجلَّ-: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} فهذه (أينما) تشمل عموم المكان، و(حيثما) كذلك؛ لقول -عزَّ وجلَّ-: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}.
فـ(حيثُ) و(أين) تلحق بـ(مَن) و(ما) من حيثية عُموم المكان.
إذن: من ألفاظ العموم: (مَن) و(ما) وما يلحق بها، وكذلك عموم أسماء الاستفهام (متى، وأين) وكذلك (حيث وأين)، (متى وأين) (أين) التي هي للاستفهام وأين التي هي للمكان.
بقي البيت الخامس والثلاثون في ألفاظ العموم، والبيت الخامس والثلاثون فيه -أيضًا- صِيغة من صِيَغ العموم ويُستدرك عليه -أيضًا- صيغة أخرى قال الناظم رحمه الله في البيت الخامس والثلاثين:
(وَمِثْـلُـــهُ) أي: مثل ما سبق من ألفاظ العموم.
35. وَمِثْـلُـــهُ المـُفْـــرَدُ إِذْ يُـضـــافُ ... فَافْهَـمْ هُدِيتَ الرُّشْـدَ ما يُضــافُ
المفرد المضاف من ألفاظ العموم، لفظ المفرد إذا أضيف فهو من ألفاظ العموم.
وكذلك من ألفاظ العموم مما يستدرك على الناظم: الجمع المُضاف، فالمفرد إذا كان مضافًا وأُلحق به مضاف إليه، أو الجمع إذا كان مضافًا وأُلحق به مضاف إليه؛ فهاتان صيغتان من صِيَغ العموم في كتاب ربنا وفي حديث نبينا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
الله يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} إيش النِّعمة؟ مفردة، وهي مضافة، (وربِّك) مضاف إليك، أي نعمة تحدث يا عبد الله؟ بأي نعمة، العموم، إن كنتَ سليمًا صحيحًا فحدِّث بنعمة الصحة، وإن كنتَ غنيًّا فحدِّث بنعمة الغنى، وإن كنتَ وجيهًا فحدِّث بنعمة الوجاهة، وإن كنتَ مسلمًا؛ فاحمد الله وحدِّث بنعمة الإسلام.
{الذين أنعمتَ عليهِم}، {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يا الله! تمام النعمة أن يقول الله {دِينَكُمْ} ولم يقل: اليوم أكملتُ لكم (الدين)؛ يعني من تمام النعمة أن يُضيف الدِّين لكم، ما قال: أكملتُ لكم (الدين)، قال: {أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} أنتم يا من تشعرون بهذه النعمة، يا من تحمدون الله -عزَّ وجلَّ- على نعمة الإسلام، فهذه نعمة هي لكم، هذا الدين هو لكم أنتم، مع أن الدين دِين الله، فاللهُ أضاف الدِّينَ للمخاطَبين، وقال: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} قال: {نِعْمَتِي} فالنعمة نسبَها لنفسه، ولكن -أيضًا- قال: (لَكُم).
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (نعمة ربك) تشمل جميع أنواع النِّعَم، من الغنى، من الجاه، من الصحة، من سلامة الدِّين، سلامة المنهج، سلامة المعتقَد، هذه كلها نِعَم لله -عزَّ وجلَّ- على العبد المؤمن.
الله يقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (نعمة الله) مفرد مضاف، تشمل كل نعمة، فنِعَم الله جل وعلى تترى وغزيرة.
الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (الأمر) مفرد، والهاء: مضاف إليه، أمر مَن؟ الهاء تعود إلى مَن؟ فليحذر الذين يخالفون عن أمر رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فمخالفة أي أمر؛ هذه تشمل جميع أوامر الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
لذا لو قرأنا أدلة علماء الأصول في مبحث الأمر، لما قالوا: الأمر يفيد الوجوب يستدلون بهذه الآية قالوا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} فـ(أمره) مفرد مضاف، والهاء مضاف إليه، فهي دالة على جميع أوامر النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فأي أمر من أوامر النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- تدل على الفرض، وتدل على الوجوب؛ لأن الله حذَّرنا أن نخالفَها، هذا الأصل في الأمر إلا إذا جاءت قرائن ذكرنا لكم مثلا الأمر الوارد بعد الحظر، وهنالك قرائن كثيرة مذكورة، لكن الأصل في الأمر أنه للوجوب.
كذلك في الحديث الحديث النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وهذا الحديث فيه فوائد جميلة وكثيرة:
جاء مجموعة من الملاحين ممن يعملون في البحر، فسألوا النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن الماء، لا يجدون الماء، يكون معهم ماء قليل، الماء العذب ليشربوه، فهل لهم أن يتوضؤوا بِماء البحر؟ فبماذا أجابهم النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؟ قال: «هو الطهور ماؤُه، الحِل ميتته» (ماؤه) إيش يعني؟ البحر «الطهور ماؤُه، الحِل ميتته».
طيب؛ أسأل: هل هم سألوا عن ميتة البحر؟ لم يسألوا، قال الإمام النووي رحمه الله في مقدمة «المجموع»: يُسن للمفتي إن سُئل عن فتوى أن يُجيب عنها وما يلحق بها من مثيلاتها مما يحتاجه السائل.
فالنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- علِم من حالهم أنهم اليوم سألوا عن حِل الماء، وغدا ستقفز سمكة في السفينة فتموت فسيسألون عن ميتة البحر، فالنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أجابهم عن سؤالهم وما يلحق به مما يحتاج المُستفتي.
فالذي يحتاجه المستفتي يُسنُّ أن يُجاب على سؤاله وإن لم يَسأل عنه.
إذا سُئلتَ عن مسألة فالأجدرُ بك أن تجيب عنها وعن ملحقاتِها، وعما يحتاجه الإنسان، فإن فعلتَ ذلك؛ فإنك تكون قد أصبتَ هدي نبيِّك -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
طيب؛ نرجع للحديث، وللتطبيق على القاعدة، قلنا القاعدة: المفرد المضاف، والجمع المضاف من ألفاظ العموم.
النبي يقول: «هو الطهور ماؤُه» (ماؤُه) إيش؟ مفرد مضاف، أي ماء من مياه البحر؟ كل أنواع المياه، ما دام الماء اسمه ماء بحر إذن إيش؟ ما لم يُسلب أوصافه، إذا كان طعمه ورقَّته ولونه ورائحته ماء؛ فالماء الكثير لا يحمل الخبَث، النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول: «إذا بلغ الماءُ قُلَّتين لم يحمل الخبث».
لذا أعجبني الإمام الذهبي لما تكلَّم عن أئمَّة الإسلام مثل الإمام البُخاري محمد بن إسماعيل ومثل الإمام علي بن المَدِيني شيخ البخاري ترجمهم في كتابه «ميزان الاعتدال في نقد الرجال»، البخاري طُعن فيه، الله! البخاري إمام الدنيا طُعن فيه! والإمام علي بن المَدِيني طُعن فيه، وشرطه في كتابه أن لا يدع أحدا إلا ويَذكره فيه، فلما طُعن في البخاري والمديني ترجَمهم، وترجم لعددٍ كبير -كالنسائي وكأحمد بن صالح جزرة- ترجم لعدد كبير من كبار الثقات من الأئمة النُّقاد، لماذا؟ الإنسان لا يُصبح إماما حتى يُطعن فيه، لذا قال ابن عيينة رحمه الله: إذا رأيتُم الناسَ قد أجمعوا على مدح رجل؛ فاتَّهموه هذا منافق، وإذا رأيتم الناس قد أجمعوا على قدح رجل؛ فاتهموه، فالمؤمن بين مادح وقادح.
فإذا سمعتَ قدحًا، وسمعتَ مدحًا، ورأيت علمًا؛ فقل هذا على السابلة، هذا على الطريق، هذا على طريق العلماء، هذا شأن العلماء، فالعلماء ما من أحد إلا وطُعن فيه حتى البخاري.
فالشاهد: أن الإمام الذهبي لما كان يذكر البخاري وعلي المديني ومَن في طبقتهم كان يتكلَّم كلامًا كثيرًا ثم يذكر فضلَهم وحِفظهم ودِينَهم ويختم المقولة بقوله: (هؤلاء بَلغُوا القُلَّتَين، لا يَحملون الخبَث)! هؤلاء لا يُقبل كلام الطاعن فيهم، أنتَ يا من تطعن من أنت؟ من يعرفك؟! من يسمع بك؟! ما مقدار عِلمك حتى تَطعن؟! فطعنُك في أمثال هؤلاء يزيدهم رِفعة، واللهُ يرفعهم بِمثل كلامِك..
وإذا أراد اللهُ نشر فضيلةِ طُويتْ ... أتاح لها لسانَ حسودِ
فالحُسَّاد هؤلاء يتكلمون كي يضع الله -عزَّ وجلَّ- الذِّكرَ لهؤلاء مِمَّن رفع الله -عزَّ وجلَّ- ذِكرَهم، وهذا سُنة لله، من سُنن الله في كونِه أنه يَنشر فضائل المحقِّين على ألسنة المُبطِلين، هذه سُنة لا تتخلف لله سبحانه وتعالى.
الشاهد: هذا الماء إذا بلغ القُلتين فأكثر، يعني كان كثيرا، والقلة والكثرة كما قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- القُلتين خمسة قلال من قلال هجَر القِلال الكبيرة، الحنفية يقولون: إذا حُرِّك أحد طرفَي الماء لا يتحرك الطرف الثاني، إذا بلغ الماءُ لهذه الكثرة؛ فهو لا يحمل الخبث، «هو الطهور ماؤُه» ماؤه يشمل كل ماء، البحر، النهر..إلخ.
لو صُب في الماء، فأصبحت تأخذ من البحر فتجد الماء غير الماء، لا تجد رقة الماء، لا تجد له طعم الماء، لا تجد له لون الماء، لا تجد له رائحة الماء، كأن يكون مثلا ماء أصبح كله كبريت، أو ماء كله ملح أجاج، فهذا ليس بمُطهِّر، هذا طاهر لكنه ليس بمطهِّر.
مثل ماء البحر اليوم مثلا اليوم، لو تأخذ شيئا من البحر الميت وتفحص الماء هل يكون ماء البحر الميت ماء خالصا من حيث الرقة واللون والطعم والرائحة؟ الجواب: لا، لو أخذت كوبًا فجعلتَ أربع أخماس الكوب أو ثلاث أرباع الكوب ملحا، ثم سكبتَ عليه ماء، هذا ما أصبح ماء خالصا، صار مثل العصير، العصير مُطهر ولا طاهر؟ يعني لو جاء على ثوبك تصلي؟ صلاتك صحيحة، لكن هل يجوز لك أن تتوضأ بعصير؟ ليس لك أن تتوضأ بعصير، طاهر ليس بمُطهِّر.
النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول عن ماء البحر فما دام على وصفه لا تضره النجاسة، لو ألقيت فيه جيفة، بول، براز، ماء البحر طهور ماؤه لا تؤثِّر فيه «هو الطَّهور ماؤه».
و-أيضًا-: «الحِل ميتَتُه» إيش يعني «الحِل ميتَتُه»؟ يعني: أي ميتة من ميتات البحر حلال، سواء كان سمكا صغيرا، سمكا كبيرا، مهما سُمِّي؛ عجل البحر، فرس البحر، مهما سُمِّيَ.
الحيوان البرمائي هذا ليس له حُكمه، الكلام على ميتة البحر، فميتة البحر، فإن ماتت حتف أنفِها دون تذكية ما لم تُنتِن، كما ورد في المرفوع وهو ضعيف، وورد في المقطوع والموقوف، فالميتة ما لم تُنتِن، يعني ما لم تكن ضارة؛ فهي حلال؛ لعموم قول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن البحر: «هو الطَّهور ماؤه، الحِل ميتَتُه».
هذا بالنسبة إلى صيغة المفرد المضاف.
وأما الجمع المضاف، فورد -أيضًا- في أحاديث كثيرة، وفي آيات كثيرة، ونصوص كثيرة، وسأذكر بعض النصوص، وأذكر نصا فيه مجموعة من الصِّيغ، فأرجو منكم أن تنتبهوا:
فمثلا: ربنا يقول: {فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ} (آلاء) إيش؟ جمع مضاف، آلاء: مضاف، واسم الجلالة سبحانه وتعالى: مضاف إليه، فإذن: آلاء الله؛ اذكروا جميع الآلاء، جميع النعم، النِّعم الظاهرة والباطنة.
الله -عزَّ وجلَّ- يقول: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} من مات ذكرًا كان أم أنثى وله أولاد إيش نصيب أولاده؟ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.
رجل تزوج امرأة ثم طلَّقها، ثم الثانية وماتت، ثم ثالثة، وله أولاد من الثلاثة، وترك وعنده مال، أي الأولاد الذين يرِثون؟ الأولاد من النساء الثلاثة، لماذا؟ لأن الله يقول: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (أولادكم): جمع مضاف، فتعم جميع الأولاد.
كذلك المرأة: امرأة عندها مال، تزوجت الأول فمات، ولها منه أولاد، وتزوجت الثاني وطلَّقها ولها منه أولاد، وتزوجت الثالث، ثم ماتت هذه المرأة وهي على ذمة هذا الزوج الثالث، من الذي يرثُها من أولادها؟ كل الأولاد، يرثها أولادها من الذي مات، وأولادها من الذي طلَّق، وأولادها ممن هي على ذمته حال وفاته فـ{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إيش هذه؟ العموم، ما دام اسمه ولد، من الأب أو الأم؛ فهي تشمل، تعم جميع الأولاد مرة واحدة {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.
هل قاعدة: أن الذكر يرِث مثل حظ الأنثيين صحيحة بإطلاق؟ قطعًا ليست صحيحة بإطلاق.
كثير من المبشِّرين، كثير من الطاعنين في الدين يواجهونا بأشياء لجهلِنا لا نحسن الكلام، يقولون: ليش الإسلام ورَّث المرأة نصف الرجل؟ نقول: من قال لك أن المرأة ترِث نصف الرجل؟ هذا الكلام غير صحيح في ديننا، ليس في شرعنا المرأة ترِث نصف الرجل، في شرعِنا: أن من مات وله ذكور وإناث فإن الأنثى تأخذ نصف الذكر فقط، أما المرأة لا تأخذ دائما نصف الرجل.
يعني: رجل مات وعنده ابنتان وعنده عشرون أخًا، كيف نوزِّع الميراث؟ الابنتان لهما الثلثان، والعشرون أخا؟ لهم الثلث، من يأخذ أكثر؟ [البنتان].
طيب؛ رجل مات وعنده بنت واحدة وعشرون أخا شقيقا، البنت كم تأخذ؟ النصف، والعشرون شقيقا؟ يأخذون واحد على عشرين من المرأة، العشرون ولدًا كل واحد يأخذ.. النصف الآخر يوزَّع على العشرين، إذا لم يكن له والدان.
فقاعدة أن المرأة تأخذ نصف الذكر، غلط، قاعدة ما أنزل الله بها من سلطان، قاعدة غير موجود في دين الله -عزَّ وجلَّ-، نعم البنت تأخذ نصف أخيها فقط، إذا كانت لها إخوة تأخذ نصف إخوانها، نصف أخيها، أما إذا أعمام لا، تأخذ أكثر من أعمامها، وهكذا.
فطالب العلم دقيق، لما يسمع الكلمة يدقق فيها ولا يعمِّمها، يُنزِّلها في المكان التي أرادها الله -عزَّ وجلَّ-.
وذكرتُ لكم أن الشرعَ لم يأتِ بالمساواة، والمساواة ليست من دينِنا -نقولها ونحن رافعو رؤوسنا فخرًا-، الإسلام جاء بالعدل، فراعى حال كل إنسان وأعطاه نصيبه، المساواة مذهب غربي، ليس من ديننا، إسلامنا جاء بالعدل، والعدل أن تضع كل شيء في مكانه، وأما المساواة تجعل الفاجر مثل التقي.
شرعُنا مش قائم على الانتخابات والديمقراطية، شرعُنا قائم على أهل الحَل والعقد، مَن أهل الحل والعقد؟ العلماء والصلحاء، بصيرة وعلم وعقل رجل أحسن من عقل أمَّة، وهؤلاء هم أهل الحل والعقد.
لو أتينا بألف عقل حمار فجمعناهم إيش يظلوهم؟ نفس الحاجة، ما زادوا ولا نقصوا!
فشرعنا جاء بالعدل ما جاء بالمساواة، شرعُنا لا يسوِّي بين التقي والفاجر، وبين المؤمن والكافر، ونقول هذا تيهًا وفخرًا، لا نقول هذا ذبًّا ودفاعا.
طيب؛ الله يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} أي أموال التي يأخذها الساعي لبيت مال المسلمين؟ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} كل ما يسمى مالا يؤخذ، ليش؟ لأن (أموالهم) إيش تشمل؟ جمع مضاف، ولذا هذا كان هذا دليل جماهير أهل العلم على وجوب الزكاة في عروض التجارة، قالوا: عروض التجارة مال، وهي تدخل تحت عموم قوله سبحانه: {أَمْوَالِهِمْ} فلا يلزم للأموال أن تكون الذهب.
اليوم الذين يقولون الدنانير والدراهم التي بين أيدينا لا يوجد فيها رِبا هم مُلزَمون بأن يقولوا: لا زكاةَ فيها، وهي بلا شك بمعنى الذهب، فكما أن الإنسان لا يشبع إن كان عنده وادٍ من ذهب حتى يكون له واديان، وإن كان عنده واديان حتى يكون ثلاثة، وكذلك المال، فلا فرق بين المال والذهب من حيث تعلُّق النفس بها، فهي في معنى {الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} في «آل عمران»، فقد زُينت للنفوس، وجُبلت النفوس على حُبها، {وتُحبون المالَ حبًّا جمًّا} سواء كان معدنا أو كان ورقًا أو كان ذهبًا، فكله مال، وكله يدخل تحت {خُذ من أموالِهم}، فـ(أموالهم) في الآية: جمع مضاف، والجمع المضاف من ألفاظ العموم، فيشمل جميع أنواع الأموال، والمال كل ما له قيمة في أعراف الناس إلا ما استثنى الشرعُ، فالشرع إن استثنى شيئا فعلى العين والرأس، فالأصول لا زكاة فيها: سيارتك الخاصة، وبيتك الخاص، وآلات الحدادة، وآلات الصناعة، ورفوف المحل، وديكور المحل، وخلو المحل، هذه ما فيها زكوات، أما أي مال الشرع ما يريد يقول لك: إذا عندك كذا وعندك كذا وعندك كذاوعندك كذا وعندك كذا؛ زكِّ! الشرع قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فتشمل جميع الأموال المعروضة للبيوع، أو الأموال النقد التي بين يديك، بغض النظر عن نوع المال.
يعني: لو واحد قال: يا شيخ شو الدليل على أن أنا والله عندي عشرة آلاف دولار، وعندي عشرة آلاف جنيه إسترليني وعندي عشرة آلاف دينار أردني، إيش أزكِّي فيهم؟ إيش نقول له؟ زكيهم كلهم، طيب ليش؟ لأنها كلها تخضع تحت (أموالهم)، وكل هذه الأشياء تخضع تحت {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فهذه (أموالهم) تشمل جميع الأموال.
طيب؛ وأرجو الآن أن نُخرج -بكلام أصولي في دقة الأصوليين- ألفاظ العموم في هذه الآية:
{إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} كم صيغة أصولية في هذه الآية؟ كم لفظ من ألفاظ العموم في هذه الآية؟ ثلاثة، تمام.
اللفظ الأول: (عِبَادِي) ليش عام؟ جمع مضاف، {إنَّ عِبَادِي} يعني: جميع عباد الله الصادقين المخلِصين المتَّقين هؤلاء جميعهم بغض النظر عن جنسياتهم، عن أماكن وجودهم، بغض النظر عن أمصارهم، عن أعصارهم، عن هل هم ذكر أم أنثى، هل هم أصحاء أغنياء فقراء علماء غير علماء، (عِبَادِي) من يحقق عبودية الله، هذه عامة جميع العباد.
{لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} أي سلطان منفي؟ أي نوع من أنواع السلطان المنفي بحيث لا يتمكن الشيطان أو إبليس وأعوانه من التحكم بعباد الله -عزَّ وجلَّ-؟ كل أنواع السلطان، لماذا؟ لأن (سلطان) نكرة في سياق النهي.
{إنَّ عِبَادِي} (عبادي) جمع مضاف، {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (سلطان) نكرة في سياق النفي فعمَّت جميع أنواع السلطان، لا يستطيع أن يلعب بهم، لا يستطيع أن يصرعهم، لا يستطيع أن يحرفهم، ما دمت أنك متحصن بالله -عزَّ وجلَّ- بالحصون الشرعية فالشيطان ليس له عليك سبيل، ليس له عليك أي مدخل من مداخل الغواية، ولا أي مظهر من مظاهر أن يلعب بك، فليس له عليك سلطان.
{إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (الغاوين) إيش؟ جمع محلى بالألف واللام، فجميع أصحاب الغواية، والغِواية عكس الهداية، فكل غاوٍ هو متَّبع للشيطان، فكل الغاوين متَّبعون للشياطين {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}، طيب؛ {إِلَّا مَنِ} (مَن) إيش هذه؟ هذه (مَن) الموصولة بمعنى (الذي)، فالذي يتبع الشيطان من الغاوين، فالغاوون الشيطان له عليهم سبيل، ومَن اتَّبع الشيطان فله عليه سبيل.
فهذه الصيغ الواردة في الآية.
إذن: هذه صِيَغ العموم التي ذكرها الناظم رحمه الله تعالى في البيت الخامس والثلاثين.
نأتي إلى البيت السادس والثلاثين، يقول الناظم:
36. وَلا يَتِــمُّ الحُكْــمُ حَتَّـى تَجْتَمِــعْ ... كُلُّ الشُّـرُوطِ وَالمَـوانِـعْ تَـرْتَـفِــعْ
الحكم على الشخص المتلبِّس بمعصية، أو الذي يريد أن يفعل فعلا ما، سواء كانت هذه الأحكام أصولية أو فروعية في التصورات أو في التطبيقات، فالأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين:
الأمر الأول: وجود الشروط.
والأمر الثاني: انتفاء الموانع.
فالأحكام لا تتم أبدا حتى تتحصل الشروط وتنتفي الموانع.
وعليه -وهذا من الأمور المهمة عند العلماء-: (ليس كل من وقع في الكُفر كافر).
لو سمعتم عالما أو طالب علم يقول: فلان قال كُفرا، أو فعَلَ كُفرًا، فخرج رجل فقال: اليوم الشيخ كفَّر فلانا! إيش نقول عن هذا الناقل؟ نقول عنه: جاهل!
يعني: لو قلنا: فلان فعَلَ كُفرًا، فخرج واحد يقول: الشيخ اليوم كفَّر فلانا، نقول هذا الذي يتكلم جاهل لم يفهم كلام العالِم، فلا يَلزم من الوقوع في الكُفر أن يكون الواقعُ كافرًا، ولا يلزم من الوقوع في الفِسق أن يكون الواقع فاسقًا، ولا يلزم من الوقوع في البدعةِ أن يكون الواقعُ مبتدِعًا، وهكذا.
بل لا يَلزم من الوقوع في الظلم أن يكون الواقع ظالمًا.
أنا أكلتُ حقكَ وأنا متيقِّن أني مصيب، أنا وقعتُ في ظلم لكن لستُ بظالم؛ لأني متأوِّل، أنا مُخطئ، واقع في الظلم، لكن أنا غالب ظني أن مُحق، وأنت ترى ديانتي، وترى عِلمي، وتحس وتتيقن على أني وقعتُ في الظلم، فإذا أردتَ أن تكون دقيقا فإيش تقول؟ تقول: فلان وقع في الظلم، لا تقول: فلان ظالم، فلان وقع في الفسق..
واحد درس في المسائل إلى آخره؛ فقال: حلق اللحية مش فسق، اللحية ليست واجبة، قال: ليش؟ قال النبي يقول: «خالِفوا المشركين» والمشركون لهم لِحى، والنبي يقول: «خالِفوا المشركين» فلازم نخالف المشركين فالنصارى اليوم والرهبان لهم لِحى، تارك الواجب فاسق، فليس كل من حلقَ لحيتَه نقول عنه: فاسق، حتى تتوفر الشروط وتنتفي الموانع.
طيب؛ أنا يا حبيبي في الجيش لا أستطيع أربي لحية، أقول: عندك مانع، فلا يتم الحكم في حقكَ.
أنا مريض أتعالج وتقتضي المعالجة أن أحلق لحيتي مثلا، فهذا مانع.
فلا يتم الحكم على عبد حتى تتحقق الشروط وتنتفي الموانع.
نقول هذا لمن يقول مثلا: يا جماعة النبي يقول: «خالِفوا المشركين»، والكفار لهم لِحى، نقول: الكفار عدد قليل لهم لحى، أولا، ثانيا: لو الكفار لهم لِحى، النبي قال حتى يقطع عليك هذا الاستدلال قال: «خصال الفطرة عشر» وقال: «اللحية»، اللحية من الفطرة، فإذا وافقَنا الكافرُ في الفطرة فلا يجوز لنا أن نخالفَه في الفطرة، النبي يريد أن يقول: «خالِفوا المشركين» المشركون خرجوا عن فطرة الله، فخالفوهم وابقوا على الفطرة، وإلا لو كان «خالِفوا المشركين» بإطلاق، مُطلَق، هذا المشرِك إذا دخل الإسلام لازم نحن نكفر! لَما المشرك يدخل الإسلام النبي يقول «خالِفوا المشركين»؛ فهل يجوز لنا أن نكفر؟ نقول: لا، طيب؛ لماذا لا نَكفُر إن دخلوا الإسلام؟ لأنهم وافَقُونا في الفطرة، طيب؛ لو التحوا؟ وافَقونا في الفطرة، فإن وافَقونا في الفطرة فلا يجوز لنا أن نخالفهم.
فانتبهوا لهذه النقطة، هذه نقطة مهمة جدا.
الذي يقول: «خالِفوا المشركين» والمشركون لهم لِحى، نقول: نعم، لهم لِحى، لو وُجد الأحبار وغيرهم لهم لِحى فهم رجعوا للفطرة، فنحن أسعد بالفطرة منهم، فلا يجوز لنا أن نخالفهم فيما وافقوا فيه الفطرةَ.
لذا: الحكم لا يتم في شرع الله سبحانه وتعالى حتى تتحقق الشروط وتنتفي الموانع.
الأمثلة كثيرة جدا، فمثلا: رجل فعل معصية، فعل كبيرة من الكبائر؛ لا يجوز لي أن أسقط نصوص الوعيد عليه؛ لاحتمال انتفاء الموانع؛ لعله تاب، لعله أصيب بمصيبة فتكفِّر عنه، لعله استغفر، فملَك اليمين ومَلَك الشمال، ملَك الشمال إذا فعل الإنسان المعصية كما أخبر النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لا يكتب حتى يبقى يستأذن ملَك اليمين ست ساعات فإن استغفر لم يَكتب، وإن لم يستغفر؛ كَتب، فالحسنات يُذهبن السيئات، فمن وقع في نص من نصوص الوعيد لا يَلزم أن نحكم عليه [...]، لعله تاب، لعل مصيبة قد أصابته، لعله استغفر، لعل له من الحسنات الكثيرة ما تغفر له، لعل الله -عزَّ وجلَّ- يعامله بعدلِه.
عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة الوعد والوعيد، فإذا وعدك الله بخير فعقيدتنا لا بد أن يتم هذا الخير، وإذا أوعدك الله بشر فعقيدة أهل السنة الأمر إليه، فأن يُخلفَ الله شرًّا خوَّفك به من كرمه، وليس نكوث الوعد.
كذلك: إنسان عنده مال، وبلغ النصاب، وحال عليه الحول، ولم يزكِّ، فلا يجوز لنا أن نقول هو فاسق حتى تنتفي الموانع، لعل عليه دَينا يستغرق ماله.
يعني: إنسان عنده 10 آلف دينار وحال عليه الحول وبلغ النصاب، وعليه 20 ألف دينار، ما عليه زكاة، فلا يجوز أن نحكم على من ملَك النصاب وحال عليه الحول بأنه ارتكب كبيرة حتى تنتفي الموانع.
مسلم حديث عهد بالإسلام شرب الخمر وهو في بلاد بعيدة عن بلاد المسلمين ولا يعرف حُرمة الخمر لا نقول أنه ارتكب كبيرة ولا نقيم عليه الحد لماذا؟ حتى يقع الشرط أنه يعلم حكم الله في الخمر، فإن لم يكن يعلم حكم الله في الخمر؛ فلا نحكم عليه بالفسق.
رجل مات أبوه فهل يرِث من أبيه؟ نعم، لكن بشرط انتفاء الموانع، إيش انتفاء الموانع؟ فيه موانع من الميراث، مثلا: المانع الأول أن لا يكون قاتلا، فإن كان قد قتل أباه فتأتي القاعدة التي ذكرناها سابقا: (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه)، فليس كل ولد يرث من أبيه حتى تنتفي الموانع.
كذلك: تغيُّر الدِّين، رجل ارتد وأبوه مسلم، لا يرث من أبيه، الكافر لا يرث المسلم.
فلا يتم الحكم بالميراث حتى تنتفي الموانع.
كذلك إذا أصبح رقيقا، فالرقيق لا يرث الحُر، وهكذا.
كذلك: الصوم مثلا، المرأة قد تُفطر، تراها تأكل في نهار رمضان، لا يجوز لها أن تقول: هي فاجرة فاسقة تاركة أوامر الله حتى تنتفي الموانع، فالشرع حرَّم على النفساء أن تصوم، وحرَّم على الحائض أن تصوم، فإن رأيت امرأة تأكل في نهار رمضان ما يجوز لك أن تحكم بفسقها ومخالفتها أو إثمها حتى تنتفي الموانع من الحكم.
حتى الرجل إن رأيتَه يأكل، تقول: لعله مسافر، لعله مريض، فبعض الأمراض يبقى صاحبها متماسكا يمشي ويذهب ويجيء لكن هو يحتاج إلى الشراب الدائم، أو القرحة نسأل الله لنا ولكم العافية يحتاج للطعام الدائم.
فليس كل من أفطر، ليس كل مَن أكل لا نحكم عليه بالفسق حتى تنتفي الموانع في حقه.

انتهى (الدرس الثالث عشر).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:33 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.