أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
82378 89305

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-28-2016, 09:38 AM
الشيخ أكرم زيادة الشيخ أكرم زيادة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 403
افتراضي إسداء الهديّة من فوائد الرحلة الكنديّة ( تورنتو 2016)

إسداء الهديّة من فوائد الرحلة الكنديّة
الحلقة الأولى
الحمد لله الذي جعل الدعوة إليه وإلى دينه أحسن الأقوال فقال:
(ومن أحسن قولا ممّن دعا إلى الله ...)
والصلاة والسلام على المبعوث (شاهدا ومبشّرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا..)
وبعد...
فقد قدّر الله تعالى ويسّر في هذه الرحلة المتجدّدة إلى الديار الكنديّة صحبة فضيلة الشيخ علي الحلبي الذي كان مقرّرا أن أسبقه إلى كندا بنحو عشرة أيام..
ولكن زواجي المبارك والميمون إن شاء الله أجّل سفري المزمع ليوافق سفرة فضيلة الشيخ الحلبي..
ذلك أنّني أجّلت سفري بالتشاور مع الإخوة في جمعيّة القرآن والسنّة في (تورنتو) (كندا) عشرة أيّام على أمل استخراج تأشيرة لزوجتي لتصحبني في رحلتي الحاليّة ولكن قدّر الله وما شاء فعل..
حيث اعتذرت السفارة (الكنديّة) عن منح التأشيرة لزوجتي كونها تحمل الجنسيّة اللبنانيّة من جهة!!!
وليس عندها عمل أو إقامة في الأردن تعود إليهما أو إلى أحدهما - بحسبب مبرّرات الرفض من السفارة-!!
غادرت عمّان بعد أن صليت الظهر والعصر تماما وجمع تقديم في مسجد حامد أبو جاموس والذي يعمل فيه ولدي الأكبر "محمّد علي" مؤذّنا وخادما أصالة، وإماما نيابة وتكليفا في حيّينا، كون إقلاع الطائرة من عمّان سيكون في وقت صلاة العصر تقريبا
وكذلك كان.......
غادرت الطائرة السعوديّة مطار الملكة علياء الدوليّ ، في ضواحي العاصمة عمّان، بعد الساعة الثالثة عصرا متوجّهة إلى العاصمة السعودّية الرياض والتي وصلتها في وقت الغروب تقريبا ممّا أتاح لي أثناء استعداد الطائرة للهبوط من الإتيان بأذكار المساء على وجهها قبيل الغروب..
وَمِمَّا لفت انتباهي وأعجبني في الطائرة السعوديّة (إير باص ٣٢٠) عدم وجود شاشات عرض سينمائيّة وتلفزيونيّة أمام كل راكب ممّا أراحني من التحديق بها وأشغلت نفسي بذكر الله تعالى وبالاستغفار..
وعدم وجود خمور توزّع وتباع على وللمسافرين..
وعدم وجود تبرّج فاضح للمضيفات، وإن كان لباسهنّ غير شرعيّ بالتأكيد!!
وَمِمَّا لفت انتباهي ولم يعجبني وأثار حوقلتي واسترجاعي وحزني وغضبي كثرة الفتيات - هدانا الله وإياهنّ وأهاليهنّ - المسافرات بغير محارم... الكاسيات العاريات ... المتبرّجات بموضات الحجاب!!!!
وما أن وصلنا مطار الملك خالد - رحمه الله تعالى - في الرياض حتى سمعنا الأذان من منارة مسجد المطار..
وما أن دلفنا إلى أول قاعة وصول حتّى رأينا المنظر الذي تنشرح له نفوس المؤمنين الموحّدين أهل السنّة والجماعة!!!
وتشمئزّ منه نفوس الذين في قلوبهم مرض من المنافقين والمشركين والعصاة والمذنبين من المبتدعة والكافرين ...
منظر موظفي المطار من طيّارين وملاّحين وشرطة وعاملين يصطفّون جماعات تلو الجماعات في مصلّى مفتوح على عشرات النوافير المتفاوتة الأحجام وقوّة ضخّ الماء ملتفّة من جهات ثلاث حول نافورة كبيرة وقويّة تتوسّطها أحواض الورود الطبيعيّة الدائريّة من كل شكل ولون!!!!
تتعانق أصوات خرير ماء النوافير مع تكبيرات وتأمينات المصلّين وتلاوة الأئمّة في خليط لذيذ تطرب له الآذان
وتنشرح له النفوس المتعبة من رحلات الطيران القادمة من مختلف بلدان وأقطار المعمورة...
مع عبارات الترحيب والتهنئة بسلامة الوصول ولوحات الإرشاد بلغات عديدة (إنجليزيّة، وفرنسيّة.. أورديّة وإندونيسيّة.. تركيّة وهنديّة.. وربّما غير ذلك !!!
بادرت المطار بالوضوء وصلاة المغرب والعشاء - رغم معرفتي المسبقة بطول فترة انتظاري المقرّرة، والتي تزيد عن ستّ ساعات في مطار الرياض قبل توجّهي بعد منتصف الليل إلى مطار الملك عبد العزيز في جدّة، والتي زادت عن المقرّر في المطارين أيضا - ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم..
حاولت وكرّرت اتباع تعليمات مطار الملك خالد لوصل خاصيّة (الواي فاي) للكتابة والتواصل ولكنّني لم أفلح أبدا !!!
والظاهر أنّهم يفترضون أنّ المستهدف من الوصل هو من يحمل رقم جوّال سعوديّ دون غيره!!!!
وأرجو أن أكون مخطئا في هذا الظنّ!!!!
توجّهت - بعد فشلي الذريع في وصل (النت)!!! وعدم وجود مساحة كافية على حاسوبي اللوحي لتصوير النوافير وأحواض الورود والأزهار، وانتهاء شحن جوّالي بالطاقة، وعدم حملي لأدوات الشحن، وبعد أذان العشاء - إلى قاعة المرور (الترانزيت) بعد سؤال الشرط المهذّبين عن طريقها، حيث تفاجأت بالموظف المنتظر وصولي لاستقبالي وإلحاقي بالقاعة المذكورة، مستنكرا تأخري في الوصول إليه!!!
فاعتذرت له بانشغالي بالصلاة ممّا حداه - جزاه الله خيرا - لقبول عذري، والدعاء لي بالقبول، والترحيب بي، وإرشادي إلى بعض حقوقي في قاعة الانتظار وأهمّها وجبة العشاء التي أستحقها عند الساعة العاشرة، والتي كان لي معها قصة أخرى أذكرها بعد قليل...

دخلت قاعة الانتظار الغاصّة بالمسافرين من مختلف الجنسيّات... ذكورا وإناثا.. صغارا وكبارا.. مرضى وأصحّاء.. وأكيد مسلمين وغير مسلمين.. وفيها عشرة أبواب!!!! لكلّ باب منهم جزء مقسوم!!!
جلست على مقعد فارغ تقريبا من الجيران مستندا بظهر مقعدي إلى ظهر مقعد بعض الجيران وسرعان ما جاء رجل وجلس في المقعد الذي يلي المقعد الذي بجانبي، وحين تكلّم هاتفيّا من جوّاله تبيّن لي من لهجته وتضاعيف كلامه أنّه لبنانيّ، وسرعان ما جاء شاب في مقتبل العمر.. ودون العشرين في تقديري وجلس بيني وبينه، فشعرت بحنين وقرب منهما بسبب لهجتهما ولبنانيّتهما الظاهرة في كلامهما وجوازات سفرهما أيضا بعد حين، ممّا أثار لديّ الحنين إلى زوجتي الفاضلة الجديدة!!!!
مع استمرار الحنين طبعا لقرّة عيني أم محمد علي الغالية !!!!
بدأت بتصفّح الموسوعة الشاملة وما فيها من كتب متعلقّة "بالموطّأ"
حين لفت انتباهي وسمعي ما دار من حوار بين الرجل والشاب سرعان ما تحوّل إلى نكت بذيئة تبيّن لي بعد بضع دقائق أنّ المستهدف من تلك النكت هو والد الشاب الذي سرعان ما حضر واعتنق الرجل السابق بشوق وحنان ومحبّة، وهو رجل رياضيّ البنية، كريم النفس، حسن العشرة - على ما يبدو من مظهره - حيث سارع إلى (الكافتيريا) فور وصوله وأحضر أربعة أكواب من قهوة (الكابتشينو) أثار رابعها دهشتي واستغرابي، الذي سرعان ما زال حين حضرت زوجته بعد قليل سافرة حاسرة الرأس متبرّجة - نوعا ما - ترطن (بالفرنسيّة) مخلوطة باللبنانية!!!
وتوجّهت إلى جانب صديق زوجها من الجهة الأخرى!!!
في هذه الأثناء كان الرجل الذي خلفي، والمستند ظهر مقعده إلى ظهر مقعدي - وهو لبنانيّ أيضا - يستمع إلى رسالة صوتيّة عبر هاتفه الجوّال تتحدّث عن قضيّة طلاق شائكة في بيروت!!!
فقلت لنفسي:
قم من بين أنسبائك وأصهارك قبل أن يفسدوا نظرتك لأهل لبنان!!!!
قمت متوجّها إلى مصلّى قاعة (الفرسان)!!!!
وهو اسم القاعة التي لها أكثر من عشرة أبواب!!!!
لكلّ باب منهم جزء مقسوم!!!
فإذا هو ثلاجة من شدّة برودة المكيّف!!!
وقفت أصلّي وردي في المصلّى
وتوارد المصلّون يصلّون جماعات و أفرادا
منهم المتقن صلاته وقراءته
ومنهم غير ذلك
منهم حسن السمت وحسن الصوت
ومنهم عكس ذلك
ومنهم خليط من الصفتين!!!!
جاء رجل وتمدّد قريبا منّي فأشفقت عليه من كثرة حركته وململته إن نام أن يقرصه برد المكيّف الشديد!!!
وأشفقت على نفسي أيضا
ثم على سوداني ثالث كان يدور في المصلّى يبحث عمّا ينقص برودة المكيّف!!!
فلمّا لم يجد!!
أخرج عمامته السودانية الطويلة التي تميز (الزول) السودانيّ وتدثر بها!!!
وأنّى منها الدثار!!!!
وندمت ولمت نفسي أنّني لم أحمل من الطائرة التي أقلتني من عمّان إلى الرياض البطانيّة الصوفيّة التي ربّما نفعتني أو نفعت بها أحد الرجلين البردانين!!!!
انتهيت من وردي قبل العاشرة - موعد العشاء الموعود - بعشر دقائق!!
توّجهت إلى قاعة البوّابة رقم (٢١) حيث العشاء الموعود!!!
لم أر عشاء ولا ما يحزنون!!!
مسحت القاعات والبوّابات القريبة بناظري وقدمي!!!
لم أر.. لم أشم .. لم أسمع شيئا!!!
جائع وبردان!!!
سألت عاملا غير عربيّ بعربيّة وإنجليزيّة مكسّرة!!!
أكد لي قرب وقوع الحدث العظيم!!!
وجبة العشاء!!!
جلست أداعب حاسوبي اللوحيّ عساه يشبك مع (الواي فاي) الذي تملأ لوحات الإعلان عنه قاعة الفرسان!!!
لم أفلح مرّات ومرّات!!!
جاء العمّال - وهم غير عرب - بالعشاء في مقدّمة القاعة!!!
قام الناس ببطاقات صعود الطائرة إلى العشاء في طابور طويل!!
خجلت أن أقوم معهم... ذكورا وإناثا.. من مختلف الأعمار والجنسيّات والمظاهر!!!
تيقنت أنّني أحد الجياع ولست أوحدهم!!!
انتظرت حتى قاربوا انتهاءهم من أخذ حصصهم ووجباتهم!!
تذكّرت طوابيرنا على مطاعم وكالة الغوث في مخيّمات اللجوء بعد النكبة!! وبعد النكسة!!!
تذكّرت مخيّمات الدهيشة والعروب والفوّار!!
مخيّمات غور النمرين ودامية وحطّين!!!
تذكّرت من هذا الطابور رفاق الصبا والفقر والكدح؛ وأنا أنظر وأنتظر تناقص الطابور حتّى أقوم لاستلام وجباتي كالمئات الذين سبقوني!!
ولكن للأسف حين قمت لاستلام وجبتي فاجأني العامل على التوزيع برفض تسليمي وجبتي ولم أفهم منه ولم يفهم مني ولكنّه ظنّ أنّني سعوديّ ولا حقّ لي في وجبة ركّاب العبور (الترانزيت) ممّا سبب لي إحراجا شديدا، ولكن كرامتي أوّلا!!
ثمّ الجوع ثانيا!!
ثمّ فترة الانتظار القادمة ثالثا!!!
ثمّ طوارئ التأخّر التي اعتدنا عليها في المطارات عموما؛ والعربيّة منها خصوصا!!!
كلّ ذلك دفعني للتعامل مع هذه الأزمة بهدوء وبرود أعصاب أشدّ من برد المطار!!
توجّهت إلى أقرب موظفي الخطوط السعوديّة وكانوا ثلاثة على البوّابة رقم (٢٣) وشرحت لهم الموقف بتفاصيله فحاول أحدهم (زحلقتي!!)
وأمّا الآخر فاستفصل منّي أكثر ..
وأمّا الثالث فقام من خلف الحاجز وطلب منّي اتباعه إلى حيث التوزيع عند البوابة رقم (٢١)وسأل العامل بتأنيب وجفاء عن سبب عدم تسليمي وجبتي وحينها فهمت أنّ العامل كان يظنّني سعوديّا، لأنّه لم ينظر أصلا في بطاقة صعود الطائرة، وحين تبيّن له خطؤه أنّبته وسألته بشيء من القسوة والشماتة بعد استلامي وجبتي:
إنت ما في بفهم؟!
فاعتذر!!
ممّا أطمعني أن أعاوده مرة أخرى لاستلام وجبة أخرى بعد أن حشوت بالوجبة الأولى (طواحيني) على تعبير أخي وصديقي وجاري القديم تيسير الغليظ حفظه الله!!
حشوت أضراسي بتلك الوجبة الخفيفة بعد جوع نهار طويل، ولم أشعر بالشبع، وبين الرحلة والعشاء فيها أكثر من ثلاث ساعات قادمة، فقرّرت معاودة العامل وطلب وجبة أخرى تعزّز الوجبة السابقة، فسارع بالاستجابة بلا تردّد بوجبة خير من سابقتها أشعرتني بالشبع بعد ذلك.
جلست قرب مزود للكهرباء لشحن حاسوبي المحمول حين جاء أحد ذوي الاحتياجات الخاصّة على كرسيّ متحرّك باكستانيّ أو هنديّ وسلّم عليّ بحرارة ووضع هاتفه المحمول في الشحن وطلب منّي الانتباه له، وذهب على كرسيّه المتحرّك بأسرع ممّا جاء جاعلا منّي في لحظات قليلات، وابتسامات سريعات، وتسليمات محيّرات، حارسا لهاتفه المحمول!!!
جلست أنتظر صاحب الكرسيّ المتحرّك والهاتف المحمول سريع الحركة والكلام مع شلله الواضح متذكّرًا عدّة أشخاص بمثل حالته مرّوا في حياتي بمثل حركته و(فهلوته)، فسبّحت الله كثيرا، وحمدته على العافية!!
توجّهت إلى البوابة رقم (٢٧) حيث سأغادر إلى جدّة ثمّ إلى تورنتو في رحلة تزيد عن خمس عشرة ساعة مضى عليها حتّى لحظة كتابة هذه الكلمات أكثر من عشرين ساعة!!
ولا ندري متى ستنتهي ونحن محصورون في شمال الولايات المتّحدة الأمريكيّة في مطار (واشنطن دي سي) بسبب الأحوال الجويّة السيّئة في (تورنتو) ومحيطها!!! حيث سيكون لهذا الموضوع عودة قريبة إن شاء الله.
توجّهت إلى البوّابة رقم (٢٧) بعد الحادية عشرة والنصف على أمل الصعود إلى الطائرة مباشرة حسب الموعد غير المحترم!!!
تفجأت - كما غيري - من الإجراءات الأمنيّة المشدّدة في فحص الأمتعة والأشخاص عند بوّابة الصعود للطائرة ممّا أنذرنا بتأخير جديد وكذلك كان، واعتذر قائد الطائرة عن التأخير الذي هو خارج عن إرادته ممّا جعل هذه العبارة تتكرّر كثيرا خلال الرحلة ولا زالت حتى لحظة كتابة هذه الكلمات!!!!
صعدنا الطائرة الفارهة، وكنت من أوائل الصاعدين حتّى أرتاح فيها انتظارا للتأخيرات المتوقّعة والمتتالية حتّى الآن!!!
كان مقعدي في مؤخّرة الطائرة تقريبا قرب المصلّى المخصّص للصلاة على هذه الطائرة الكبيرة وقرب الحمّامات ممّا خفّف عنّي سآمة الرحلة وتعبها بعد ذلك!!
ارتحت في المقعد الثلاثي على يمين الطائرة، ولم يكن معي أحد، فدعوت الله باستمرار هذا الحال ونمت قرير العين ذاكرا وحامدا وشاكرا لله قبل وبعد أن أيقظوني لتزويدي (بسندويشة) تصلح أن تكون حشوة ضرس فعليّ لا حشوة بطن!!!
استيقظت في مطار جدّة على يد تربّت على كتفي لإفساح المجال لفتاة ستجلس بجانبي طيلة ثلاث عشرة ساعة مقرّرة على الأقل!!!
وفي نفس اللحظة كان محرمها يجلس بجانب فضيلة الشيخ الحلبيّ في الصفّ المتوسّط بجانبي تقريبا والذي لم ينتبه لوجودي إلا بعد أن طلبت من محرمها أن يبادل مقعدها بمقعد فضيلة الشيخ الحلبي ممّا أوجد الرضا والسرور من الطرفين المتبادلين، واجتمع شملي برفيق رحلتي القادم توّا من عمّان إلى جدّة (فتورنتو)، والذي كان قد وضع حقيبتيه في المصلّى خلفي، والذي نبهني له، وعدّه -كما سبق وعددته - من ميزات الطيران السعوديّ، إضافة لما سبق التنويه إليه من خلو هذا الطيران المبارك - إن شاء الله - من الخمر.
أقلعت الطائرة شبه الممتلئة من جدّة في ساعة متأخّرة من الليل فوق البحر الأحمر، وحين تنبّهنا لضرورة الوضوء لصلاة الفجر، كانت حمّامات الطائرة والممرّات المؤدّية إليها مليئة بالمتوضّئين والمحتاجين للوضوء وغيره..
تناقشت وفضيلة الشيخ الحلبي حول مشروعيّة التيمّم بدل الوضوء في مثل هذه الحالة فأخبرني بلسان الفقيه الأصوليّ: أنّه لا عبرة بخروج الوقت من أجل الوضوء كونهما شرطا صحّة للصلاة لا يقل أحدهما عن الآخر!!
وأخبرني قبلها بأنّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى ما قاله حول مشروعيّة التيمّم بدل الغسل؛ وكلاهما - الوضوء والغسل - لهما نفس الحكم..
أخذت قارورة ماء صغيرة، وطويت عمامتي ..(شماغي) عدّة طيّات وتوضّأت عليها في المصلّى وضوء سائغا كاملا وأدركت الركعة الثانية مع الجماعة التي ضمّت صفين في كلّ صفّ أربعة في مصلّى الطائرة المخصّص لذلك..
تتابع المصلّون المباركون إن شاء الله في التناوب على المصلّى لصلاة الفجر ممّا أثلج صدري، وأراح نفسي، ودفع لساني بالدعاء الخالص للقائمين على شركة الطيران السعوديّة المهتمّين بصلاة المسلمين على متن هذه الطائرات.
بعد أذكار الصباح التي اضطررنا لذكرها بعد صلاة الفجر لا قبله، انشغل كلّ منّا ببعض شأنه حينا، وبالنوم المتقطّع أحيانا، ومن خلال مذاكرة أحوال أسفارنا الأخيرة حمدنا الله كثيرا بمبادرة وتنبيه من فضيلة الشيخ الحلبي بعدم سفرنا هذه المرّة - وفي المرّات التالية إن شاء الله - عن طريق (أوروبا) خاصّة بعد الحوادث الإرهابيّة الأخيرة المؤسفة والمدانة في (بلجيكا)، وقبلها في (فرنسا).
اقتربنا من الوصول إلى (تورنتو) وبقي بيننا وبينها أقلّ من ساعة بدقائق معدودة حين بدأ عدّاد انتهاء الرحلة يزداد بدل أن يتناقص، فقلت لفضيلة الشيخ:
الطائرة تحوم وتحلّق في السماء بحثا عن مهبط، والظاهر أنّ سوء الأحوال الجويّة في (تورنتو) يحول دون هبوطنا، وبعد لحظات جاء الخبر اليقين من قائد الطائرة يؤكّد ما خمّنته!!
وأكثر من ذلك أخبرنا باحتمال أن نتحوّل إلى مطار (واشنطن دي سي) في الولايات المتّحدة الأمريكيّة للهبوط اضطراريّا هناك ريثما تتحسّن الأحوال الجويّة في (تورنتو) فقلت في نفسي:
فرصة تزور أمريكا وتذكر الله على ترابها دون رغبة من حكّامها وأهلها!!!
توجّهنا إلى مطار ( واشنطن دي سي) الدوليّ، ومررنا من فوق بلاد مليئة بالماء والخضرة، من أنهار، وبحيرات، وبرك ضخمة كبيرة، وتضاريس أبدع الخالق سبحانه في خلقها وصنعها ممّا دفعني للتسبيح بحمده بتدبّر وعمق وتفكّر وحبّ..
جزيرة وسط النهر على شكل ورقة شجر بديعة، وغير بعيد عنها جزيرة وسط النهر كحيّة ضخمة عملاقة، وأشكال، وألوان، وطرق وأنفاق، وجبال تسبّح بحمد مولاها ومولانا القهّار...
هبطنا في المطار المذكور، وبعد هبوطنا بقليل هبطت طائرة الإمارات الضخمة ذات الطابقين ثمّ سرعان ما أقلعت، وبعد وقت ليس بالقصير، وماء، و(بسكويت) الشوفان، (وشيبس) البطاطا الأمريكي الذي كتبه الله لنا في تلك البلاد ، أقلعنا من المطار المذكور نعدّ ونحصي الطائرات التي كانت مصطفّة أمامنا وخلفنا كما تصطفّ سيارات (السرفيس) في مجمّع رغدان القديم والجديد!!!
حتّى أحصيت إقلاع ما لا يقل عن عشر طائرات أمامنا في أقلّ من ربع ساعة!!
وها نحن الآن في طور الهبوط إن شاء الله الأخير نحو مطار (تورنتو) في أجواء ضباب كثيف شديد في رابعة النهار، وبعد منتصفه بقليل ندعو الله بالسلامة والعافية لنا وللمسلمين ونقول:
ربّ سلّم سلّم..
لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله
نردّدها أملا أن تكون آخر كلامنا ونحن نهبط بسلامة من الله وبسلاسة من قائد الطائرة جزاه الله خيرا حسب تعبير فضيلة الشيخ الحلبي، وسط عاصفة جليديّة، وأجواء جليديّة بامتياز، بعد الساعة الثانية والربع ظهرا، حيث مضى عليّ منذ مغادرتي بيتي أكثر من اثنتين وثلاثين ساعة لم أنم فيها إلا قليلا.....
والحمد لله رب العالمين
__________________
«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-28-2016, 10:47 AM
عصام شريف ابو الرُّب عصام شريف ابو الرُّب غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 323
افتراضي

جزاك الله خيراً شيخنا أكرم ، وأسأل الله - جل في علاه - أن يكرمك ، ورفيقك ، بالدارين.

أمتعتنا بأسلوبك الشيق مَتَعَكَ الله بالصحة والسداد ، وكتب لكما الاجر.

لَوْ تكتب لنا تاريخ اليوم الذي تقصه علينا شيخنا.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-28-2016, 12:12 PM
أبو المعالي بن الخريف أبو المعالي بن الخريف غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 1,032
افتراضي


حياكَ الله شيخَنا؛ غصنٌ رطيبٌ من أدبِ الرحلةِ يحلُو ويطيبُ؛ فبينَا لِلأنيسِ في سُندسياتِكُم المشرِقيةِ -الأندونِيسيَّة- ملهًى ومنظرٌ "أنيقٌ لعينِ الناظرِ المتوسِّمِ"؛ إذا بنِحلِكُم المغربيَّةِ تُوقظُ العيونَ النُّعسَ؛ وكنتُ كلَّمَا رُمتُ الكتابةَ -من قبلُ- في هذَا الفنِّ -أدبِ الرِّحلة- لا يَنطلقُ لِسانِي؛ وَلَم أَدرِ لمَ؛ إلاَّ أنِّي إذا جَاريتُ فُرسانَ القَلمِ والكَلِمِ؛ وَجدتُ في أرضِهِم مُراغمًا كَثيرًا وَسَعَة؛ فَتارةً أَبغِي، وتَارةً أُلغِي!؛ حَتَّى رَأيتُ مِن (الفَوائِد -الأندونيسيَّة-)، والرَّوافِد ("الهدايَا" -الكَندِيَّة-)، مَا نشطَ به عِندِي تَقحُّمُ هذَا الخَبارِ، ولَا آمنُ عَلى نَفسِي العِثارَ!.
جاءَت سُطوركُم هذه شيخَنا؛ كأنَّها "لآلئُ فِي دُرج، أَو كواكبُ في بُرج"، وَقَد:

فاتَنِي أن أرَى الدِّيارَ بطرفِي *** فلعلِّي أرَى الديارَ بسمعِي

فَحفِظكُم اللهُ شيخنَا وأزواجكَ وبنيكَ؛ بالمُعقِّباتِ من أَمرِه؛ وأَسألُه جلَّ وعلَا أن ييسِّرَ لكُم زيارةَ بلدِ مُحبِّيكُم -المغرمينَ بكلِّ شآميٍّ- الجزائِر؛ فإنَّا حَريصونَ على ذلك؛ لولَا أمورٌ عرقلَت،
ألسِنتُنا منهَا حوقَلَت، لا قِبلَ لنا بِها؛

فإِنَّ قُدرةَ مِثلِي غيرُ خافيةٍ *** والنَّملُ يُعذرُ في القَدرِ الذِي حمَلَا

ولكن؛ عسَى أن يكونَ ذلكَ قريبًا.
واسلَم لنا وبقيةَ أشياخِنا إخوانَك في المركزِ الميمونِ.

[محبُّ علماءِ الشامِ، على مرَّ الليالِي والأيَّام].



رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-28-2016, 04:11 PM
الشيخ أكرم زيادة الشيخ أكرم زيادة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 403
افتراضي بوركتما

بوركتما أخي
عصام شريف أبو الرب
والتاريخ كان يوم
الأربعاء 14 جمادى الآخرة 1437هجرية
الموافق 23 آذار 2016 م
والخميس 15 جمادى الآخرة 1437هجرية
الموافق 24 آذار 2016 م
وجزاك الله خيرا على مرورك وتنبهك وتنبيهك


وأما أخي الجزائري الحر
أبو المعالي بن الخريف!!!
فأسأل الله أن يجعلك للمعالي أبا ديمة
في هذه الدنيا والتقادير القديمة!!!
وأن يجعل خريفك يمانيا!!!!!!
لأن الخريف اليماني
تماما كربيع الشام والمغرب الكبير
__________________
«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-28-2016, 08:22 PM
أبو المعالي بن الخريف أبو المعالي بن الخريف غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 1,032
افتراضي


أحسنَ اللهُ إليكَ شيخَنا أكرم،
وجمَّل حياتكُم بالشَّريعَة، وجمَّلَ الشريعةَ بحياتِكُم.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-29-2016, 10:03 AM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
افتراضي

لم أفرغ لقراءة رحلتكم شيخنا أكرم إلا الساعة ،فقد رحلت معك و رحت و صعدت و نزلت و انتظرت ،بحسي ،فكانت حقا متعبة فكيف بمن كابد مشاقها بنفسه..

حفظك الله و أقر عينك بزوجتيك
رفع قدرك
و نفع بكم و بعلمكم
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:09 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.