أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
59416 103191

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-21-2017, 11:56 PM
يسين التاهرتي يسين التاهرتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
الدولة: ما خلق الرحمن من طرفة..اشهى من الشمس بتاهرتي
المشاركات: 137
افتراضي أيام الشتات في جمع السلفيين على ثبات

أيام الشتات

الحمد لله وكفى، والصلاة والسَّلام على عباده الذين اصطفى؛ وبعدُ:

فهذه قصيدة من وحي الأسى والنَّصيحة على حَدٍّ سواء، نكتبها كوصفَةٍ طبيَّةٍ تدل على الدَّواء، وسلوةٍ أدبيَّة عما خَيَّم من سوادٍ على الأجواء، وبلاءٍ ضرب بأطنابه على العامة والطلبةِ والعلماء، وانتهى في آخر أمره وما جاء به مِنَ الحرمان؛ إلى تشتيت الإخوة المتحابين المتمسكين بأوثق عرى الإيمان، فكانت الاستجابة للمؤثر على نحو قوله تعالى وهو يُحذِّر عُصبَةَ المؤمنين من عِصابَةِ المنافقين والمدخولين ومَن لفَّ لَفَّهُم؛-: {وفيكم سمَّاعون لهم} [التوية: 47]، إنَّها الاستجابة التي أنتجت النكبة، وأورثت الخيبة، وأفقدت في كثير من النفوس كبيرا من الأمل!

أجل؛ هذا الذي كان وليت شعري كيفَ كانَ، ولِمَ كان!!

وإذَن؛ فتحتَ هذهِ الجُمَلِ الآتية من أبيات؛ شيء من التاريخ عن أيَّام مواضٍ طواها الكرب والفتون، وداخلها الصفاء والأجون وجمعها الشَّتات (!! نتكلَّمُ فيها عن واسطَةِ العِقدِ وعن طرفي قصدِ الأمور ([1])؛ ونجلي بعض ما كان في غياهب الظُّلَم، إظهارا للحقائق في ثوبِ نُور.

فقد ترسَّمنا من القصيدَةِ خُطاها؛ إلى أن بلغنا منتهاها، ولكن في الأخير؛ {إلى الله المصير} [النور: 42].

هي لوحةٌ ترسم ذلك الوجه الشاحب ليراه أهله على حقيقته وملامحه وألوانه، لعلهم بذا يعطفون على

جماله الضَّائع، ويستردون شيئا من نَضَارته الذاهبة. ألا رحم الله وجوها تعملُ وتَكِدُّ لتستدركَ ما فات وتسابقَ الزَّمن ساعيَةً طالبَة، وقلوبا تشفِقُ وتَحِنُّ داعِيَةً راغِبَة، فإن أدركت المنى وإلاَّ كانت قريرة العين مرتاحة الضَّمير، في عالم يموج فيه البؤس والهوى، ويُفتَنُ بظلامه صغار النُّفوس والأحلام، ليتصدَّرَ الأوباش من فوقِ أمواجه!

ونحن بإزاء هذا كلِّه إنما نخافُ على سفينتنا وقد تزورَقَت؛ وعلى عيون الغارقين منا وقد اغرورقت، ونحمد الله على من شعر بحاله فسخُنت عيناه فذلك أحرى أن يمسك بحبلٍ أرخيَ إليه فينجو، إنما البلية كلها أن لا يشعر المرء بحاله وهو على شفى هلكة، وعلى حين مزلقَةٍ في وادِي السباع، والكفر والظلم والابتداع، ومتى يبرأُ المريض إذا استيقن بوهمه وبسوء فهمه أن ليست به علَّةٌ البتَّة، فإذا به على وشكِ الموتِ والحِمام، وإذا بتلك السفينة في هذا البحر الهائج تقتربُ من صخرَةٍ تودُّ الارتطام، نعوذ بالله أن ينالها الحُطام. ألا وإنَّ أعظَمَ مِن البلِيَّة دائما؛ هو عدمُ الإحساس بالبلِيَّة!!!

وإنَّنا لَنودُّ صادقين لكُلِّ أحدٍ مِن إخواننا أن يُدرك بإحدى طريقي الإدراك؛ إمَّا بعلمه ودَرسِه، وإمَّا بشعورِه وحِسِّه، ولن نَعدِمَ إن شاء الله من كثيرين إحدى هاتين على الأقل.

ثم إنَّ الحكم على الشيء يَستَوجِبُ معرِفَتَه، ومَعرِفَتُهُ تَستوجِبُ بَيانَه، فها نحن نبيِّنُ الحال وإن كانت الكئيبة؛ والأحوال وإن غَدَت عصيبَة، وإنَّ مَن أردتهُ أن يشعُرَ معك بالحال ليُصَحِّحَ المآل لا بُدَّ أن تصوِّرَه له وترسُمهُ لخياله حتَّى يحسَّ فيعِيَ ويستجيب، وإنَّ أنبَلَ جُهدِكَ في الحياة –كما يقول العلامة محمود شاكر- أن توقِظَ إنسانا حتَّى يُحِس.

تُوقُظُه من شركٍ لتوحيد، ومن ضلال لهدى، من بدعة لسنة، من دناءَةٍ لمروءَة، من مَهانَةٍ لرجولة، ومن غفلةٍ لرشاد، المُهِمُّ أن توقظه وتجمعَ له قدْرا من اليقظات حسب الأولويَّةِ والحاجَةِ والإمكان، {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

فهاك الواقعَ بكل مرارته وسواده، أحاول رصده من جوانبه لأضَعَهُ في قوالِبِه بشتى أشكاله وأجسادِه، واللهُ المأمول، أن يحقِّقَ الوصول، ويسدِّدَنِي لأَقُول –عن " أيَّام الشَّتات" -:

رَسَخَـت أُخُـوَّتُهُــم رسُـــــوخَ جِـبالِ *** واليومَ لا حَسَـدا على ذي الحال ([2]).

فتقطَّعُـــــوا وتدابَـــــــروا وتَحَــــــولـــوا *** مِن عِـــــزِّ أيمَـــــــانٍ لِــــــذُلِّ شِمـــــــال.

كــــان اختيارهُـــــمُ يوافِـــــــق حُجَّــة *** وجِـــــدالهُــــــم كــــان أرق جِـــــــــدال.

لا وُدَّ يَفسُـــدُ في إطـــــــار تناصِـحٍ *** حتى إن اختلفُـــــــوا على الأقـــــوال.

حُبٌّ تغلغُلٍ في النُّفوسِ تَراحُـــمًا *** يذكي اجتهادهُــــــم النفيس الغالي.

فالحَــــقُّ أعلى مــــا يَـــدور بِلُبِّهِــــم *** والآنَ في الألبــــاب بعضُ رجــــــال!

الآنَ تقليـــــــــدٌ قَضَــــــى بِوبالِهِــــــــم *** جعلوه دهـــــرا مصـــــــدر الأغـــــلال!!

كــــان التَّعَصُّـــــب بالتَّمــــام مذَمَّةً *** والـيــــــــــوم يَعتَنِقـــــــــوهُ بالأفـعــــــــــــال!!!

مقيـــــاسُ عِرفـــــان المُصاب بفتنةٍ *** تَغييـــــــرُ آراءٍ ونَقْــــــــضُ خِـــــــــــــلال.

وتَبَــدُّلٌ مُخْـــــــزٍ وسُـــــــوءُ تَحَـــــوُّلٍ *** لحــــــــوادثٍ وتَقَلُّـــــــبِ الأحـــــوال.

ذي حكمَــةٌ لابن اليمانِ حُذيفَـــةٌ *** أنعِــــــــم بــه من ثـابـــــــتٍ بجــــــــــلال ([3]).

من قال قولا حتى أحدثَ رُغْــــوَةً *** لا بُــــدَّ معـــــــــروضا على الغـربــــــال. ([4])

فقد ادَّعى زهدا صحابُ تصوُّفٍ *** خُذِلوا امتحانا يا لذي الأعمــــــال!!

جَشَــــعٌ يَقُودُهُــــــمُ لِهَمِّ بُطُونِهِــــم *** فَبُلُـــــــوا بأكــــــــلِ دِيـــــــانةٍ بالمـــــال.

ورَوافِضٌ رَمَــــــوا الطَّهُـــورَةَ بالزِّنَى *** فــإذا الزِّنـــــــــاءُ تَمَتُّـــــــــــعٌ بِحـــــــــلال!!! ([5])

وقد ادَّعــــى أهلُ التَّفلسفِ دِقَّـــةً ***في العقل تَهدي صاحبَ الإشكال.

فـــإذا بِهِـــــمْ لا يَعْتَلُـــــــونَ تَفَــــوُّقًا *** فَيُجَرجِـــــــــرون تَناقُــــضَ الأَسْمـــال!!

ما جاوزا عَقْــــــل العَـــــوام تَحَــــرُّقا *** وتَشَــــدُّقًا يَـرمـــــي الهُــــــدَى بِنِصال.

ونهــايةَ السَّعي الحثيثِ تَوَصَّلــوا *** لخــــلافِ حَـــــــــــقٍّ قـــــــادَهُم لِوَبــال.

هـــلاَّ أَخَـذتُــــــم من أُولئِــكَ عِبـــرَةً *** ورجعتُــمُ لِنَـــــدى الزَّمــــــــانِ الخالي.

وتركتمُ هَـمَّ الشُّخُـــــوصِ لدعـــــوَةٍ *** أنتُـــــــم لهـا مِــن خِيــــــــرَةِ العُمَّــــــــالِ.([6])

ومُناقِضُوكُـــم بالتَّمَيُّـــــــعِ يرجِعُــــــوا *** لجميـــــــلِ عهـــــدٍ نـــــادِرِ الأمثـــــــالِ.



لا تُفْرِطـــــــوا وهُـــــمُ يَكفُّـــــوا بَتَّـــــةً *** عن فَرطَــــــــةٍ وقَعَت لفعــــلٍ غـــــالٍ ([7]).

ما قَلَّـــدَت لكن تَعَـــــدَّت حَـــدَّها *** فَغَـدَت لِتُفْتي نَفسَـــــــها بِخَــــــــبال.

ضَرَرانِ أهونُهُـــم يُقَلِّــــــدُ عالِــــما *** شَـــــــرَدَت مَسائلُـــــــه بـــلا إقـبــــــــال! ([8]).

وكَبِيــــــرُ ضُـــــــرٍّ إجتهـــــــادُ مُقَلِّـــــــدٍ *** حَـثَّ الخُــــــطا حَثًّــــا بـــلا إمــــــهال.

بل صــار طائفَــــةً تُرَجِّــــحُ وحـدَها *** وصِحـــابُها مــالــــــــوا إلى الإضلال.

أو خَيَّـروا نَهجَ التَّحَزُّبِ دِقَّــةً (!) *** نَــزَلُــــــــــوا بــــها من مَركَبٍ لِنِعـــــــــالِ!! ([9]).

أو فَضَّلُوا التَّكفِيـــرَ عِنـدَ حماسَةٍ *** لمقاطِــــــــعِ اليوتُــــــوبِ في إنـــــــزالِ!!! ([10]).

أو أُعجِبُـــــوا بكــلابِ نارِ جهَنَّــــمٍ *** أين العقـــــول وذي القُلُـوبُ توالِي؟!!! ([11])

لم يحسِبُوا من كان يوما عندهم *** في العلــم نجما ضاءَ وَسْطَ هلالِ. ([12])

أو لجنَـــةً دامَــت لإفتـــاءِ الـــــورى *** أو شَيـــــخَ شـــــامٍ قامِـــــــــعَ الأنـذالِ ([13]).

هَرَبُـــــوا من التبديــــعِ يَـــومَ تدابــــرٍ *** مَرَقــــــوا وقالــــــــوا أسْمَجَ الأقــــوالِ.

لم يقبلــــــوا تجريـــــح أهــــل تسنُّنٍ *** فتعلَّقـــــــــــوا بِدكـــــــــاتـرٍ جــهَّــــــــــــــال! ([14])

والجِســـرُ مَــــدودٌ لِهَـــــرجٍ مُعلِـــــنٍ ***-في الحِلِّ- بالفوضى، وفي التِّرحالِ.

أَحَمِيَّــــةً للحـــــقِّ يُحمى باطِــــــــلٌ، *** بِجَـناحِـــــــهِ يُــؤتـــــــى لــــــه بِظِـــــــــلالِ!

فتساهلوا في النَّقد حتَّى أدخلـوا *** بعضَ الخوالف في المحلِّ العالي.

بل أَوصَلوهُـم حَتَّى صاروا قُــدوَةً *** بل قُـــــــــــوَّةً تهــــــوي برأسِ المــــــال.

بَعـــدَ العِمـــــارة والتَّنَــــــــوُّرِ نكسَــةٌ *** أَودَت سُــــدًى؛ بِفُتُــــوَّةٍ وجمــــــالِ.

ذا كُلُّــــــه جَـــــــــــــــرَّاءَ رَدَّةِ فِعْلَــــــــــةٍ *** ذا دائــما فِعْـــلُ الصَّفيقِ الخــــــالي!!

ولعلَّــــــــه يَــومــــــــا يَكـــــــــــونُ بِنِيَّــــــةٍ *** بَلهــــــــاءَ زوجٌ للهــــــوى القَتَّـــــــــــــالِ.

ضَـــررانِ يختلفان عِنــــدَ تَـوجُّـــــــــهٍ *** ذاك الغُلُـــــوُّ وذا الجفـــــاءُ البـــــالي.

وكلاهُما قد ضَيَّــــعَ الحَــــقَّ النَّفيـــ *** ــسَ بخَــرجَــــــةٍ عن مَـــــــــوردٍ وزُلالٍ.

مرقـــــوا جميعًـا والتوسُّــــطُ صارخٌ *** كــي يرجـعـــــــوا عن مَسلَكٍ مَيَّـــــالٍ ([15]).

فالله يَشـــــرَحُ صَدرَهُـــــــم لمتابَـــــةٍ *** تُنقِـــي مرايـــا القلــــــبِ بالأَغســـــالِ.
ويَسُــــلُّ سُخْمًا قد تطاولَ عَهــدُه *** ويَزينُهُــــــم بجـلائــــــــــلِ الأعمـــــــالِ ([16]).

ويُنيـــــرُ فِكـــــرا للثَّبَـــاتِ أُصُـــــــولُه *** فالفَـــرْعُ طـــالَ، وأُكْلُهُ في الحـــالِ.
ويُقِــــرُّ عَينًا بالتَّـوحُّــــــدِ والهُـــــدى *** فالإجتمـــــــــاعُ سَلامَـــــــــــةٌ للـبــــــــــالِ.
والجُهدُ يُصبِحُ نحو كُلٍّ مخالِفٍ*** للنهــــــجِ أصـــــلاً قائـــــــــما بجـــــلالِ.
ومَـزَلَّـــــةُ الأفــــــــرادِ تَبقَــــى دائـــــما *** قَيـــــدَ التَّناصُــــحُ شيمَــةُ الإفضـالِ ([17]).
أمَّا التَّناطُـــــحُ فالبلاءُ مَـع الـرَّدى *** ما العَــــــدلُ يُرجى ما الرَّدَى بِمُزالِ.
يا ربِّ لسنا مَن يُريــــدُها جَـــذْعَـةً *** كـــــانَ الفنــــــاءُ لهــا مَـــعَ الإعــــلالِ ([18]).
يا ربِّ صَــــلِّ على النَّبِـــيِّ وأهلِــــه *** وصِـحــــــــــــابِــــهِ إخــــــــــــــوانِــــهِ والآلِ.

في كُــــلِّ حِيــــنٍ معْ سَلامٍ غامِــــرٍ *** لِمُنـــاصِـــــــــرٍ ومُهـــاجِــــــــــرٍ لِنِضَــــالِ.

وكتب: أبو الربيع سعد بن العربي عيسات.

ليلةَ الخميس 21 ربيع الثاني 1438 من هجرة خير البريات،

الموافق19 كانون الثاني (جانفييه)2017 من ميلاد عيسى عليه وعلى نَبِيِّنا السَّلام والصَّلوات،

والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصَّالحات.


[1] - إشارة إلى قول الأوَّلِ:
عَلَيْك بأوساط الْأُمُـــــور فَإِنَّهَا *** طريـــقٌ إِلَى نهج الصَّوَابِ قويـمُ.
وَلَا تَكُ فِيهَا مفرطاً أَو مفرطاً *** كلا طرفِي قصد الْأُمُــورِ ذَمِيمُ.

[2]- إنَّها الحال التي صارت الأيَّامُ فيها ليالٍ، توالَفَت ووَجْهُ السَّلَفِيَّة بالٍ، ورأسُ عمومِ أتباعِها –إلاَّ مَن رَحِمَ الله- من مَصلَحَةِ الدَّعوَةِ خالٍ، والصِّدقُ عزيزُ نَوالٍ، والفَهمُ للحَقِّ غالٍ، والإنصافُ حَلِيفُ خَيالٍ!!

[3] - فلقد قال حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه وأرضاه: "إنَّ الضلالة كل الضلالَة؛ أن تعرِفَ ما كُنتَ تُنكِر، وأن تُنكِرَ ما كُنتَ تعرِف" وصَدَقَ وبَرَّ كاتم سرِّ رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام، وفقيه الفتن والخبير بها، فهذا قوله فعليك به، وافهمه وتفقَّه في معانيه وإيحاءاته، فإن في طواياه توجيها كبيرا، وإرشادا منيرا، وتأمَّل قوَّة التحذير المُبِين؛ من الانتكاس وتغيير المشرب بعد الهدى واليقين؛ حيثُ قال "إنَّ الضَّلالَة كُلَّ الضَّلالَة" أي التي لا ضلال بعدها ولا عمايَة وراءَها، فهي"كُلُّ" الضلالة، وليست مُجَرَّدَ ضلالا حسبُ، فاعتَصِم بالله وتَضَرَّع إليه ولا تكن من الغافلين، فالأمر خطير جليل، والله سُبحانه الهادي إلى سواء السَّبيل.

[4] - والرُغْوَةُ فيها ثلاث لغات: رُغْوَةٌ ورَغْوَةٌ ورِغْوَةٌ. أي هي لفظ مثلث الرَّاء كما بينه إسماعيل بن حماد الجوهري رحمه الله في "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية" ت: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط4 سنة1407ه‍ -1987م، مادة (رغا)، (ج6/ص2360).

[5] - يقال زنى الزاني زناءً، فالزنى لفظٌ يُقصَرُ ويُمَدُّ، وإذا قُصِرَ كُتِبَ بالياء، ومثلُه الشِّراءُ والضَّواءُ والوَناءُ والبُكاء.

[6] - أي تركتم الاهتمام بالأشخاص واهتممتم بأمرِ الدعوة، كما قال العلامة الألباني رحمه الله "نحن لا يمهنا الأشخاص بل تهمنا الدعوة".

[7] - غالٍ: من الغلوِّ وهو تجاوُزُ العَدلِ وخَرقُ الحدود لا مِن الغلاء وارتفاع الثَّمن، فتنَبَّه!

[8] - والحقُّ أن نرَدِّدَ في هذا المقام ما قاله العلامة الأديب المفسر المحدث اللغوي محمود محمد شاكر في ردِّه على سيد قطب حين انتقدَ شَيخَهُ الجليل العلامة الرافعي، والحال نفسها تماما مع المشايخ جميعا كالشيخ ربيع مثلا، فأَقول مع شاكر عن شيخه: إنِّي "إذا أحببتُ لا أغلو, ولا أتجاوز حَدَّ الحُبِّ الذي يصل القلبَ بالقلب، فهذا أَخْلَقُ الحُبِّ أن يخلو من سوء العصبية وفساد الهوى، فلا يجدني أرفعُ الرَّافعي [ولا الشيخَ ربيعا ولا غيرَه] عن الخطأ، ولا أُجِلُّه عن الضَّعف، ولا أُنَزِّهُه عَمَّا هو مِن عَمَلِ كُلِّ إنسانٍ حَيٍّ ناطِقٍ يَأمَلُ ويَشتَهي". انظر "المعارك الأدبيَّة" أحمد أنور سيد أحمد الجندي (ت: 1422هـ)نشرمكتبة الأنجلو المصرية، طبعة 1983، ص 268-269.
ذلك أنَّ الأمر أوَّلا وأخيرا كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يقلِّدَن رجُلٌ مِنكُم دِينَهُ رجلاً، إنْ آمَن آمَن وإنْ كفر كفر، فإنْ كنتم لا بد فاعلين فالأموات، فإن الحي لا يُؤمَن عليه الفتنة" انظر "نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد؛ على المريسي الجهمي العنيد؛ فيما إفترى على الله عزوجل من التوحيد" لأبي سعيد عثمان بن سعيد الدَّارمي رحمه الله، تحقيق: د.رشيد بن حسن الألمعي نشر مكتبة الرشيد- الرياض، ط1، 1998م، (ج2/ص665-666).
فالأحرى أن يدعو كل طالب حق ونجاةٍ فيقول: اللهم أرني الحق حقًّا فأتَّبِعْهُ وأَرِنِي المنكر منكراً وارزقني اجتنابه، وأَعِذني من أن يُشتَبه عليّ.

[9] - رحم الله شيخنا الرافعي حين قال: "مِن مضحكات السياسة إنشاؤها أحزابا، يقومُ بعضُها كما تُغرَسُ الخَشَبَةُ لتكونَ شَجَرَةً مُثمِرَة" !!، انظر كتابه: "كلمة وكليمة" اعتنى به بسام عبد الوهاب الجابي، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، ط1، 1422هـ - 2002م، ص 90.

[10] - قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموعة الرسائل الكبرى (1/239): "وقد أَوعَبَت الأمَّةُ في كلِّ فَنٍّ من فنون العلم إيعاباً، من نوّر الله قلبه هداه لِما يُبَلِّغُه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً" انتهى.
هذا عن الكُتب مع أنها خير جليس، فكيف بالمقاطع اليوتوبية وما فيها من الخلط المشين والتدليس، والحماسة الزائفة والضلال والتلبيس، والله الهادي والمعين، ورحم سبحانَهُ أبا محمد عبد الله بن عمر الخواري الأديب القائل :"وإن ازدياد الأدب عند الأحمق كازدياد الماء في أصول الحنظل، كلّما ازداد ريًّا ازداد مرارة" وهذا شأن كثير ممن هم كالشجرة المرة تسقى بالماء العذب فتزداد مرارتُها، فكيف إذا كانت تسقى بماءٍ آسنٍ كريه، أو على الأقل فيه صفاءٌ وفيه أجونٌ يعتريه، كما هو شأن الشابكة العنكبوتية وما فيها من الخلائط والأشتات الفكرية والعلمية والمنهجية، حتَّى إنَّ المتحكِّمَ في قواه العقلية جرفته بسهولة كأنما جاءته أخذَةُ السِّحر فسلبت منه المدارك، وأطاحت به مهزوما دونَ معارك (!)، ولا أدلَّ على هذه العجائب من تأثر بعض السلفيين بمجموعةٍ من الحثالى والجهلة والشرذمة؛ مِمَّن يعلمون يقينا أنهم يُخرجونَ من الإسلام علماء الأمَّة، ويكفرون أئمَّة الدعوة السلفية النَّقية وشيوخها الأكابر، من الشخصيات الجاهلة، والتنظيمات الباطلة كالدَّواعش، وأضرابهم مِن ذوي الظلم الفاحش، والفهم الطائش، الذين يُلحِقونَ أَيَّما إلحاق؛ أمثال عبد العزيز آل الشيخ والشثري والفوزان، وعبد المحسن العباد والراجحي واللحيدان بالكفر الأكبر والعمالة والنفاق، في أقوالٍ وأحوالٍ مرئيَّة، ومقتطفات مُصَوَّرَةٍ حيَّة، فأين الغيرة الدينية التي تغلبُ على الحماسة العاطفية، فلا تبقي لها في القلب أثرا أو مكانا، بل أين العاطفة نفسُها أصلا تجاه علماء الحق الكبار، وفقهائه الأخيار، أم أنهم مجرَّدُ أُناس يُنظر إليهم كأشباح بلا أرواح، وكمكانة بلا قيمة، وكأعمال بلا آثار (!)، فهل يبقى لمن له أدنى حصاةٍ مِن عقل أيُّ تأثُرٍ بهؤلاء الأشرار، المرجفين في القرى والمدن والأمصار!!!
وتأمَّل في شيء من تاريخ جبهة الإنقاذ الجزائرية لما لَم تَسمع كثيرا من فتاوى العلماء وضربت بجملةٍ منها عرض الحائط كيف كان مصيرها المعلوم عند الله والناس، ولا تنسَ الهالك شكري مصطفى المصري الذي كوَّن في سبعينات القرن الماضي جماعةً التكفير والهجرة ورد عليهم كثير من المشايخ في مؤلفات عديدة، وردودٍ سديدة ومع ذلك لم يرعووا ولم يرجعوا حتى ناظرهم العلامة الألباني رحمه الله رحمة واسعة فرجع منهم الموفق، ومَن بالخيرِ تَحَقَّق، ومَن بَقِيَ تفَرَّقَ وسار إلى سبيل الغي والطغيان، والله المستعان، فالواجب ألا يهدر هذا الميزان الذي أنزله الله تحقيقا للقسط والعدل، فماذا يأتيك من رجلٍ يسُبُّ شيوخَ المسلمين بل العلماء السلفيين العاملين ويصفهم بالرِّدَّةِ والجهل، وهو أجهل من حمار أهله، وأحمقُ من هنبَقَةَ وبَغلِه؛ ويصِفُهم بالعَمالَة، وهو واللهِ حُثَالَة.. وأيَّ حُثالَة، أتبقى معه حينئذ عاطفة تقضي بالثناء عليه ومدحه والإشادة به، فيا لله من سفاهَةِ العقول، وتَفاقُمِ الهَول، وحيرَةِ القُلوب، وشِدَّةِ الكروب، وضحالَةِ الفهم، وتفاهة الفكر، وجهالة الإنسان.

[11] - إنه كالإعجاب بالسَّراب حين يراهُ الرَّائي من بعيد فيظُنُّنُّه ماء زلالا؛ ثُمَّ لمَّا يَقِفُ عليه وتَتَبَدَّى له آثاره ونتائجه لا يجده إلاَّ عناءً ووبالا، ولا يزيد المعجبين إلاَّ عطشا وتعبا، وطيشا وشَغَبا .. وحيرةً وضلالا، والله يُوَفِّي الحساب، ويهدي أولي الألباب، و"مِن ثمارِهم تعرفونَهُم" كما قال عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام، ولقد صدق ابنُ تيمِيَّةَ شيخُ الإسلام؛ حينَ قال-رحمه الله-: "وَقَلَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ ذِي سُلْطَانٍ إِلَّا كَانَ مَا تَوَلَّدَ عَلَى فِعْلِهِ مِنَ الشَّرِّ أَعْظَمَ مِمَّا تَوَلَّدَ مِنَ الْخَيْرِ ... وَغَايَةُ هَؤُلَاءِ إِمَّا أَنْ يَغْلِبُوا وَإِمَّا أَنْ يُغْلَبُوا، ثُمَّ يَزُولُ مُلْكُهُمْ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ عَاقِبَةٌ; ... فَلَا أَقَامُوا دِينًا وَلَا أَبْقَوْا دُنْيَا. وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَا صَلَاحُ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ" انظر "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية" دراسة وتحقيق: محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1406هـ/1986م، (ج4/ص527-528).

[12]- أي بين طرفي الهلال، وفي الصحاح (3/1168): "يقال: جلست وسط القوم بالتسكين، لأنه ظرف، وجلست في وسط الدار بالتحريك، لأنه اسم وكل موضع صلح فيه بين فهو وسط، وإن لم يصلح فيه بين، فهو وسط بالتحريك، وربما سكن وليس بالوجه" أي ليسَ له وجاهَةٌ وقبول.

[13] - وهو العلامة الإمام، شامة بلاد الشام، محدث العصر وفقيه الزمان محمد ناصر الدين الألباني الذي كان شوكة في حلوق المبتدعين، وشجًا (وهو ما نشب في الحلق من غُصَّةِ همٍّ أو عودٍ أو نحوه) على المتنطِّعين، رحمه الله تعالى رحمةً واسعة وعَوَّضَنا فَقْدَه، فإنه كانَ –واللهِ- أُمَّةً وَحدَه، ولا يزالُ الزَّمَن يكشفُ عن هذه الحقيقة ويَجَلِّيها، والأيَّامُ حُبلى بما فيها، ونسأله عز وجل أن يلهمنا ذكره وشُكره، ويديم علينا عفوه وستره، إنه سميع قريب مجيب، ولا أجد إلاَّ أن أُردِّدَ في طائفٍ من الحزن والأسى قولَ الأديب أبي الفضائل محمد بن الفضل العلوي المعروف بابن حاجبِ الباب [البسيط]:
أَستودِعُ اللهَ أحباباً لنا سلفوا *** أفناهمُ حادثاتُ الدَّهرِ والأبدُ.
نُمدّهُــــــم كُــــــلَّ يـــــومٍ من بَقِيَّتِنا *** ولا يؤوبُ إلينا منهُـــــــمُ أحَــــــــــدُ.

[14] - قولُه "فتعلَّقُوا" هذه هي "الفاءُ السَّبَبِيَّةً" في مرآةِ العلمِ نحوًا وإعرابا، ولكنَّها في مرآةِ الواقعِ الفاءُ التي يَحسُنُ أن نسَمِّيها "الفاء التَّسَيُّبِيَّة" هَوًى واضطِرابا (!)، فإنَّهُم لَمَّا لم يقبلوا نوعا معيَّنا من الجرح المنفلت الذي يُسقِطُ بالباطل أهل السُّنة بحق؛ جعلوا ذاك مطيَّةً إلى عدم قبول جنس الكلام في التجريح، فانتقلوا –تقريبا- من كراهية النوع الخاص إلى كراهية الجنس العام، واعتمدوا ذلك مذهبا حسبوه إنصافا ومكسَبا يستوجِبُ الإمساكَ والالتزام، وهذا في جَلِيَّةِ الأمرِ حُسبانُ أهلِ الجفاءِ والظَّلام، وطريقةُ فَهْمِ الضُّعفاء والعوام، بل وصل بهم الأمر إلى الوقوع -تناقُضا- في أفسد مما فروا منه، فارتكبوا –اعتراضا- الجرحَ الأشَدَّ لنقد خصومهم في ردَّةِ فِعلٍ مُعاكِسَةٍ (!!)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى مرضوا بالتَّساهُل الذي أفقدهم الحصانة الفكرية والولاء، والمناعة الأثريَة والبراء؛ حتَّى يقول القائل كأنَّما أصيبوا بـ"ضربَةِ جَرحٍ" هالَتهُم فَقَبَّحَت لهم كُّلَ ما يحوي رائحَةَ الجَرح ولونَه، أو طَعْمَه ومضمونَه، فوسعوا دائرة مساوئهِم وسُخطِهِم، وزعزعوا ما كانَ مِن مبدئهِم وشَرطِهِم؛ تجاريا مع النُّفرَة وعدَمِ الرِّضا، فكان الحُكم الذي قضى بإدخال مَن لا يُرتَضَى حَيِّزَ القبول، وإذا بكثير ممَّن أشبه السلفيين وليس منهم يصولُ في ساحَتِهم ويجول، كأَنَّهُم لا يرَونَه، فهلِ الحِصنَ -عندَئذٍ- يَحمونَه (؟؟)، وَمن يحمي الحِمى وقد ضَرَبَ العَمى (!!)، والله المستعان.

[15] - آهٍ؛ لقد صار حالنا أشبهَ بما قال الشيخ الحكيم الرافعي: "أضيعُ الأُمَمِ أمَّةٌ يختلِفُ أبناؤها، فكيف بمن يختلفون حتى في كيف يختلفون"!!!، انظر "كلمة وكليمة" ص 90.

[16] - ذلك لأنَّ الأمر في الحقيقة "كما يَضُرُّ أهلُ الشَّرِ غيرَهُم إذا عملوا الشَّرَّ؛ يَضُرُّ أهلُ الخير غيرَهُم إذا لم يعملوا الخير" كما يقول الرافعي، وما تمددت رقعةُ الباطلِ وأهلِه على حساب الحقِّ وذويه؛ إلا مِن تخاذلِ أهلِ الحقِّ وتهاونِهم في نصرتِه والدَّعوَةِ إليه، كما هو مستفادُ من القرآن واستقراءِ التاريخ، وصدق الله تعالى الذي قال: {وقل اعملوا فسيرى الله عملَكُم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105]، ومن جميل المناسَبَة البيانية أنَّ الله تعالى نص على هذا الأصل الذي هو أصلُ النجاة؛ في سورة التوبة من جهة، وبعد قوله مباشرَةً -من جهةٍ أخرى- حاثَّا على الرجوع له والأوبَةِ إليه: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104]، وهو عزَّ وجل لم يقل "اعلموا" بل {اعملوا} فلمَّا كانَ العمل لا يقوم إلاَّ بعلم، وكان المراد هو العمل الصَّالح، دلَّ على أنَّ ما يقوم عليه هو العلم الصَّحيح، ومن أسرار البيان الإلهي في سورة "العلق" أنه سبحانه أمر بالعلم فقال: {اقرأ بسم ربِّك الذي خلَق} ثم ختم آخر السورة بقوله: {واسجد واقترب} إشارةً إلى أن العلم في النهايَة هو لأجل العمل، ولمَّا= =كان العمل عملان أحدهما عملٌ نفعه لازم لك لا يتعداك إلاَّ تبعا، وعمَلٌ نفعه متعدٍّ لغيركَ أصالَةً، أمر الله الحكيم بالسجود الذي به صلاح النفس، وأمر بالاقتراب منه عز وجل لأن في مضمون الاقتراب يدخُلُ إصلاح الغير، وذلك تمام الخير والبركة والنَّوال، وقدَّم خصوص السُّجود على عموم التَّقَرُّب لأنَّ صلاح الغير لا يقوم على فساد الذات –من جهة-، ولا يكون فيه بركةٌ ولا إثمار، ولأن هيئة السجود الدالة على الخضوع وتمام العبودية والذل والانكسار بين يدي الواحد القهار –من جهةٍ ثانية- لا تؤدي إلاَّ إلى التقرب من الله تعالى بكمال الولاية والرفعة والانتصار، ولأنَّ النفع المتعدي –من جهة ثالثة- يستعين بالنفع اللازم ليقوى وينسَجم ويُثار، فيبلُغ مراده، وينفَع غَيرَه وبلادَه، وينشُرَ دعوته في مكرَهٍ ومنشطٍ وفي مكوثٍ وركُوب، ويبذُلَها في مكروهٍ ومحبوب، لِيُدرك عالِيَ المطلوب.

[17]- قال الفضيل بن عياض : "من طلب أخاً بلا عيب، بقي بلا أخ !" كما في" جزء شيوخ ابن مهدي" (ص54).

[18]- يقال "عادت جذعة" أي رجع الحال إلى أوَّل أمره ومبدإ ما كان عليه، وانقلبت نهايته إلى بداية، وعاد من جديد، وهي من كنايات العرب الدقيقة عن هذا المعنى، فإنَّ "الجَذَع قبل الثَنيِّ، والجمع جُذْعانٌ وجِذاعٌ، والأنثى جَذَعَةٌ، والجمع جَذَعاتٌ. تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة، وللإبل في السنة الخامسة: أَجْذَعُ" كما في الصحاح للجوهري، مادة: جذع (ج3/ص1194)، والإجذاع وإن اختلَفَ باختلاف سنِيِّ مَا يُوصَفُ به من هذه الأنعام إلاَّ أنه يجتمعُ في كَونِ معناه هو بلوغ الشيء وَقتَهُ، وقولهم: فلانٌ في هذا الأمر جَذَعٌ، إذا كان أخذ فيه حديثاً أي جديدا.
وأمَّا قوله "مع الإعلال" فلا يقصد به زيادة العلة على الموت، إذ ما فائدة العلَلِ مع الفناء، والشاة لا يضرها سلخٌ ولا علةٌ بعد موتها، فإنَّ النُّقَّادَ الحاذِقِين انتقدوا الشاعر حين أوجب على قاطع رأس الأفعى أن يتبع رأسَها الذَّنب، فعابوه بخلو فائدة قطع ذنَبِها وقد انقطع الرأس، والمعنى المراد هنا هو الدعاء بأن تموتَ الفتنة بين السلفيين متأثِّرَةً بعِلَّاتِها كتأثُّر القتيل بجروحه، وذلك أقرب لأن تلفِظَ أنفاسَها واحِدَةً واحِدَة، وتنتهي شيئا فشيئا على وجه التَّدرُّجِ –كما هو سنة الله الكونية- عبر الزَّمن حتى تَقْضِي، والأيَّام دُول، ولله في خلقه شؤون، والحمد لله على كُلِّ حال.


__________________
حفظ مسائل العلم التي قالها أهل العقول لا تجعل ممن استظهرهاعاقلا ان لم يكن ذا عقل
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-22-2017, 11:09 PM
أبو سلمى أبو سلمى غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 252
افتراضي

جزاكم الله خيرا

أسأل الله تعالى أن يجمع شتات كل السلفيين على الحق : في مشارق الأرض ومغاربها.
__________________
وما من كاتب إلا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيئ يسرك في القيامة أن تراه
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-22-2017, 11:20 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
افتراضي

ضربت أعماق قلوبنا
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:38 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.