أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
17284 139530

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 05-21-2017, 12:29 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس السادس والثلاثون

والمقصود : أن المشرك " الضال من جعل صدره ضيقاً حرجاً عن معرفته ومحبته كأنما يتصاعد في السماء وليس ذلك في قدرته وأن ذلك عدل في عقوبته لمن لم يقدره حق قدره وجحد كمال ربوبيته وكفر بنعمته وآثر عبادة الشيطان على عبوديته فسد عليه باب توفيقه وهدايته وفتح عليه أبواب غيه وضلاله فضاق صدره وقسا قلبه وتعطلت من عبودية ربها جوارحه وامتلأت بالظلمة جوانحه " ( شفاء العليل : ص / 108 ) .

قال الله – تعالى - : {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125] .
" وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ الْإِعْرَاضُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَمَحَبَّةُ سِوَاهُ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْقَى مِنْهُ، وَلَا أَكْسَفُ بَالًا، وَلَا أَنْكَدُ عَيْشًا، وَلَا أَتْعَبُ قَلْبًا " (زاد المعاد : 2/24 ) .

فالمشرك هو أظلم الناس ، وأكذبهم ، أخسرهم ، وأضلهم . بل هو ميت ، هالك ، مترام في الظلمات لا يجد منفذاً للخروج منها ، كما قال – سبحانه - :{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 122] .

فمن مات على ذلك فقد تقحم المهالك ، وخُتم عليه بالخزي الأبدي ، وما سيأتيه أشد مما كان عليه عقوبة وعذاباً .
وإليك بعضاً من تلك الأحوال الأخروية :

ثانياً / حال المشرك في الآخرة .

إن الأخرة تبدأ بالموت ، وأول أحوال المشرك في الآخرة عند سكرات الموت .

الحال الأولى / عقوبتهم عند نزع أرواحهم بضرب وجوههم وأدبارهم.

قال الله – تعالى - : {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ }[الأنفال: 50 - 51] .

قال السعدي – رحمه الله - : " يقول تعالى: ولو ترى الذين كفروا بآيات الله حين توفاهم الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم وقد اشتد بهم القلق وعظم كربهم، و {الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم، ونفوسهم متمنعة مستعصية على الخروج، لعلمها ما أمامها من العذاب الأليم.
ولهذا قال: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق} أي: العذاب الشديد المحرق، ذلك العذاب حصل لكم، غير ظلم ولا جور من ربكم، وإنما هو بما قدمت أيديكم من المعاصي التي أثرت لكم ما أثرت، وهذه سنة الله في الأولين والآخرين، فإن دأب هؤلاء المكذبين أي: سنتهم وما أجرى الله عليهم من الهلاك بذنوبهم
" (تيسير الكريم الرحمن: ص/ 323).

الحال الثانية / شدة نزع أرواحهم، وتكفينها بثياب أهل النار.

وصف النبي –صلى الله عليه وسلم- حال نزع أرواحهم، فقال: " وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ ".
قَالَ: " فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا" (رواه الإمام أحمد في مسنده برقم: 18534 ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 741).

قوله: (المُسُوح): بضمتين، جمع مِسح، بكسر الميم: كساء معروف، وقال النووي: هو ثوب من الشعر غليظ معروف.
(السَّفود)؛ ضبط بفتح السين، وتشديد الفاء: حديدة يُشوى بها اللحم.

الحال الثالثة / لا تفتح لهم أبواب السماء، وطرح أرواحهم إلى الأرض طرحاً.

قال النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث السابق-: " حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ "، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: " اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ". ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ، فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31]".

الحال الرابعة / جعل قبورهم حفرة من النار يعذبون بها.

قال النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث السابق-: " فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ ".

الحال الخامسة / يضرب على رأسه بمطرقة من حديد تجعل الجبل تراباً.

قال النبي –صلى الله عليه وسلم- مبيناً حال الكافر أول ما يوضع في قبره-: " ثُمَّ يُقَيَّضُ لَه أعْمى أبْكَمُ معَه مِرْزَبَةٌ مِنْ حديدٍ، لو ضُرِبَ بها جبلٌ لصارَ تُراباً، فيضرِبُه بِها ضَربةً يسْمَعُها ما بينَ المشْرِقِ والمغْربِ إلا الثَّقَليْنِ، فيصيرُ تُراباً، ثُمَّ تعادُ فيه الروحُ"(رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم: 3558).
قوله: (مِرْزَبَةٌ) بتخفيف الباء: هي المطرقة الكبيرة.

الحال السادسة / هلعهم عند قيامهم من قبورهم إلى ساحة المحشر.

قال الله –تعالى-: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [51] قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [52]} [يس:51- 52].

قال السعدي –رحمه الله-: " وهذه نفخة البعث والنشور، فإذا نفخ في الصور، خرجوا من الأجداث والقبور، ينسلون إلى ربهم، أي: يسرعون للحضور بين يديه، لا يتمكنون من التأنِّي والتأخر، وفي تلك الحال، يحزن المكذبون، ويظهرون الحسرة والندم، ويقولون: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} أي: من رقدتنا في القبور" (تيسير الكريم الرحمن،ص: 697).

قال ابن كثير –رحمه الله-: " وَهَذَا لَا يَنْفِي عَذَابَهُمْ فِي قُبُورِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بَعْدَهُ فِي الشِّدَّةِ كَالرُّقَادِ" (تفسير القرآن: 6/581).

" وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: إِنَّ الْكُفَّارَ إِذَا عَايَنُوا جَهَنَّمَ وَأَنْوَاعَ عَذَابِهَا صَارَ عَذَابُ الْقَبْرِ فِي جَنْبِهَا كَالنَّوْمِ، فَقَالُوا: يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا؟" (تفسير البغوي: 4/17).

وقال الله –تعالى-: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [42] يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [43] خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [44]} [المعارج:42- 44].

قال القرطبي –رحمه الله-:" قَوْلُهُ تَعَالَى: (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) أَيْ ذَلِيلَةٌ خَاضِعَةٌ، لَا يَرْفَعُونَهَا لِمَا يَتَوَقَّعُونَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أَيْ يَغْشَاهُمُ الْهَوَانُ. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ سَوَادُ الْوُجُوهِ" (الجامع لأحكام القرآن: 18/297).

وقال الله -تعالى-: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ [6] خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ [7] مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [8]} [القمر:6- 8].

قال ابن كثير –رحمه الله-: " {يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} أَيْ: إِلَى شَيْءٍ مُنْكَرٍ فَظِيعٍ، وَهُوَ مَوْقِفُ الْحِسَابِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، بَلْ وَالزَّلَازِلِ وَالْأَهْوَالِ، {خشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} أَيْ: ذَلِيلَةٌ أَبْصَارُهُمْ {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ} وَهِيَ: الْقُبُورُ، {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} أَيْ: كَأَنَّهُمْ فِي انْتِشَارِهِمْ وَسُرْعَةِ سَيْرِهِمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ إِجَابَةً لِلدَّاعِي {جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} فِي الْآفَاقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {مُهْطِعِينَ} أَيْ: مُسْرِعِينَ {إِلَى الدَّاعِي} ، لَا يُخَالِفُونَ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ، {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} أَيْ: يَوْمٌ شَدِيدُ الْهَوْلِ عَبُوس قَمْطَرِير {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ. عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [الْمُدَّثِّرِ: 9، 10]" (تفسير القرآن: 7/476).

الحال السابعة / لا تقبل فيهم شفاعة، ولا ينفعهم أحد.

قال –تعالى-:{ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) }[سورة الشعراء].

ومن مشاهد يوم القيامة التي تنقطع فيها الصلات، ولا تنفع المشركين الشفاعات ما رواه البخاري –رحمه الله- في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَاليَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ ".

" (قترة): سواد الدخان. (وغبرة): غبار ولا يرى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه ولعل المراد هنا ما يغشى الوجه من شدة الكرب وما يعلوه من ظلمة الكفر.
(الأبعد) أي من رحمة الله –تعالى-.
(بذيخ) الذيخ ذكر الضبع الكثير الشعر أري أباه على غير هيئته ومنظره ليسرع إلى التبرء منه. (متلطخ) متلوث بالدم ونحوه]
(تعليق البغا على البخاري: 4/139).

الحال الثامنة / لا يقبل منهم عدل، ولا فدية.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} [آلِ عِمْرَانَ: 91] وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الْمَائِدَةِ: 36] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الْأَنْعَامِ: 70] ، وَقَالَ: {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الْآيَةَ [الْحَدِيدِ: 15].

عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا، وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي" (متفق عليه).

الحال التاسعة / تبرؤ آلهتهم منهم ودخولهم النار معهم صاغرين.

قال –تعالى-: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}[سورة البقرة].

قال ابن باديس –رحمه الله-: " عبرة وتحذير:
يأتي يوم القيامة أولئك الذين كانوا يدعون الملائكة والجن المسلمين وعباد الله الصالحين، ويحسبون أنهم ينفعونهم في ذلك اليوم، فيتبرأ منهم أولئك الذين كانوا يعبدونهم بدعائهم، ويتركونهم في ذلك الموقف العصيب فما أمرّ خيبتهم يومذاك!! وما أعظم حسرتهم! ويا لها من عبرة لقوم يعقلون!
فحذار يا إخواننا من هذه العاقبة السيئة، وهذا الموقف المخزي، فبادروا إلى توحيد الله بالدعاء الذي هو مخ العبادة.
واقتصروا في جانب الصالحين وعلى محبتهم (والترضية) عليهم وسؤال الرحمة لهم والإقتداء بهم فيما كان منهم من طاعة وخير، ولا تعظموهم بما لا يكون إلاّ لله رب العالمين.
والله يبصرنا بالحق ويهدينا إليه، ويجعلنا من حزبه، ويميتنا عليه آمين يا رب العالمين
"(تفسير ابن باديس،ص: 122).

وقال –تعالى-:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)}[سورة الأنبياء].

قال السعدي –رحمه الله-:" أي: إنكم أيها العابدون مع الله آلهة غيره {حَصَبُ جَهَنَّمَ} أي: وقودها وحطبها {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} وأصنامكم.
والحكمة في دخول الأصنام النار، وهي جماد، لا تعقل، وليس عليها ذنب، بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم، فلهذا قال: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} وهذا كقوله تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} وكل من العابدين والمعبودين فيها، خالدون، لا يخرجون منها، ولا ينتقلون عنها.
" (تيسير الكريم الرحمن،ص: 531).

الحال العاشرة / خلودهم في النار أبد الآبدين بلا موت.

تأمل – يا رعاك الله – ( يوم الحسرة ) الذي توعد الله – تعالى – به الغافلين الذي لا يؤمنون؛ لتظهر لك صورة واحدة من مشاهد الآخرة تكشف لك جلية الأمر.
فقد جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: 39]، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] " ( متفق عليه ، واللفظ للبخاري ) .

فتأمل وقع هذه العبارة على أصحابها : (وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ) . ما أشد فزعهم عند سماعها ، وما أكبر حسرتهم ، وما أعظم ندمهم وهي تقرع آذانهم بالقضاء الفصل الذي يقطع كل رجاء يتوهمونه (خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ) .
فلا تسل عندها عن عظم الحسرات والتأسفات والندامات؛ إنه الخسران المبين
.

والمتأمل في هذه العقوبات الشديدة، والأهوال الفظيعة يرد عليه السؤال الآتي:
ما سبب قبح الشرك ، وصيرورته أعظم الذنوب؟
والجواب: أن ذلك بسبب ما أشتمل عليه من القدح بالله –تعالى- والتنقص بجناب الربوبية والإلهية والأسماء والصفات .
قال السعدي – رحمه الله - : "الشرك لا يغفره الله –تعالى- لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بمن هو مالك النفع والضر، الذي ما من نعمة إلا منه، ولا يدفع النقم إلا هو، الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات.
فمن أعظم الظلم وأبعد الضلال عدم إخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته، وصرف شيء منها للمخلوق الذي ليس له من صفات الكمال شيء، ولا له من صفات الغنى شيء بل ليس له إلا العدم. عدم الوجود وعدم الكمال وعدم الغنى، والفقر من جميع الوجوه
" (تيسير الكريم الرحمن، ص: 202).

والأمر والله العظيم يزيد فو *** ق الوصف لا يخفى على العميان
وإذا ذكرت الله توحيداً رأيـ *** ـت وجوههم مكسوفة الألوان
بل ينظرون إليك شزرا مثل ما *** نظر التيوس إلى عصا الجوبان
وإذا ذكرت بمدحة شركاءهم *** يتباشرون تباشر الفرحان
والله ما شموا روائح دينه *** يا زكمة أعيت طبيب زمان




***
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:48 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.