أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
13735 103800

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 09-12-2013, 05:31 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس السادس

(5)

توحيد الإلهية : إفراد الله بالعبادة .

معاني المفردات :

[الإلهية] في اللغة : مأخوذة من ( الإله ) .

و ( إله ) بمعنى : ( مألوه ، أي: معبود ) .

فهي على وزن ( فِعَال ) بمعنى : ( مفعول ) . مثل : ( كتاب ) بمعنى : ( مكتوب ) .

و ( المألوه ) بحق : هو الذي يستحق أن يعبد .

قال ابن فارس – رحمه الله - : " (ألَه) الهمزة واللام والهاء أصل واحد، وهو التعبُّد. (فالإله) : ( الله – تعالى - )، وسمّيَ بذلك لأنّه معبود .

ويقال تألّه الرجُل، إذا تعبّد. قال رؤبة:

للهِ دَرُّ الغانِياتِ المُدَّهِ *** سَبَّحْنَ واستَرْجَعْنَ مِن تَأَلُّهِي
"

(معجم مقاييس اللغة: 1/132) .

ولما كان المعبود بحق هو رب العالمين وحده لا شريك له تعين له – سبحانه - اسم يدل على هذا المعنى وهو : ( الله ) . فالله : اسم علم على المعبود بحق .

فالإلهية : صفة الله – تعالى – دالة على استحقاقه العبادة وحده .

فتوحيد الإلهية هو اعتقاد انفراد الله – تعالى – باستحقاق العبادة ، فكل من سواه لا يستحق العبادة، وإن عبد بسبب جهل عابديه وظلمهم .

قال ابن منظور – رحمه الله - : " ( الإلَهُ ) : ( الله - عز وجل - ) .
وكل ما اتخذ من دونه معبوداً ( إلَهٌ ) عند متخذه ، والجمع آلِهَةٌ .
(والآلِهَةُ) : ( الأَصنام ) سموا بذلك لاعتقادهم أَن العبادة تَحُقُّ لها ، وأَسماؤُهم تَتْبَعُ اعتقاداتهم لا ما عليه الشيء في نفسه
" (لسان العرب:13/476) .

والكلمة الدالة على هذا النوع من التوحيد هي : ( لا إله إلا الله ) ، فهي تعني : لا معبود بحق إلا الله .

ولما كان ( الإله ) هو ( المعبود ) تعين علينا معرفة التعبد كي لا نصرف منه شيء لغير الله – تعالى - .

وهو ما نبيته في المفردة التالية :


[العبادة] : اسم يدل على تذلل ومحبة لمعظم أوجبه جلاله وجماله .

فيشترط في العبادة أمران :

الأول/ غاية المحبة : وهي ما امتزجت بجمال المحبوب مثمرة رجاءه وطاعته .

الثاني/ غاية الذل : وهو ما امتزج بإجلال المخضوع له مثمراً خوفه والكف عن نواهيه .

ولهذا قال ابن القيم – رحمه الله - :

وعبادة الرحمن غايةُ حبه *** مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائرٌ *** ما دار حتى قامت القطبان


فالمحبة التي هي ركن العبادة هي التي أوجبها جمال المحبوب المثمر لطاعته ورجائه .

والذل الذي هو ركن العبادة هو ما أوجبه جلال المخضوع له المثمر لتعظيمه وخوفه .

فكل من تعظمه القلوب : (محبة لجماله) ، (وخضوعاً لجلاله) وتصرف له الأقوال والأعمال فهو إله معبود يُرجى رغبةً ويُخاف رهبةً .

فإن كان أهلاً للجمال الموجب للمحبة تعظيماً ، وأهلاً للجلال الموجب للخضوع ذلاً فهو : ( الإله الحق ) الذي تقصده القلوب عند الرغبة والرهبة .

وإن لم يكن أهلاً لذلك فهي : ( الآلهة الباطلة ) التي لا تضر ولا تنفع .


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 09-17-2013, 10:29 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس السابع

وهنا سؤال عظيم من أهم ما يكون :

قال السعدي – رحمه الله - : " سؤال مهم : إذا كانت حقيقة العبادة ولبها مبنية على غاية الحب مع غاية الذل، وقد يوجد من المخلوق للمخلوق حب وذل ، أو يوجد أحدهما .

فما الفرق بين ما يتعلق بالمخلوق ولم يبلغ رتبة العبادة وبين حقيقة العبادة المبنية على الأصلين المذكورين ؟

الجواب :

- وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب - : اعلم أن هذا سؤال عظيم ، له شأن عظيم ، ولا يُعرف سر العبودية وحقيقتها ، بل لا يُعرف التوحيد كله إلا بمعرفة الفرق بين الحب والذل الذي هو عبادة ، وبين الحب والذل الذي ليس بعبادة، ومعرفة الفرق بين الأمرين : هو أعظم فرقان يفرق به بين الأمور المتباينة والألفاظ المتشابهة والمعاني التي بينها من الفرق أعظم مما بين السماء والأرض .

وبيان ذلك أن الحب والذل لله – تعالى – هو عبادته وكل قول وفعل واعتقاد اشتمل عليه الدين ، فالتعبد به لله – تعالى – مقرون بحب الله – تعالى – والذل له ، الذي حقيقته : الانقياد لشرع الله ، تصديقاً لأخباره ، وتقرباً إلى الله بذلك التصديق المشتمل على العلم والمعرفة ، النافع للقلوب الموصل لها إلى أجل غاية ، وأعظم مطلوب، وامتثالاً لأمره ، واجتناباً لنهيه ، تقرباً إلى الله وطلباً لمرضاته ونيل ثوابه العاجل والآجل بفعل المأمور ، واجتناب المحظور .

فطلب التقرب إلى الله في ذلك هو حقيقة الحب ، بل هو ثمرة الحب؛ لأن العابد لله لما أحب ربه طلب السعي بكل ما يقربه إليه ، ويدنيه منه . وذلك السعي والعمل هو الانقياد الذي هو ثمرة الذل والتعظيم للرب ، بل هو القوة المعنوية التي عزم عليها المؤمن ، وهي التزامه العام لطاعة الله ورسوله ، بتصديق الخبر .

وطاعة الأمر ، هي : حقيقة الحب والذل ، حيث قال المؤمنون : {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} .

فكل ما قاموا به من الدين وما عزموا عليه والتزموه منه فإنه من آثار الحب والذل ، فهذه آثار العبودية .

وثمرتها : القيام بالدين كله ، علماً وعزماً وعملاً ونيةً .

ولا بد أن يكون هذا الحب والذل ناشئين عن معرفة بأسماء الله وصفاته ، وأن له كمال الأسماء ، وعظيم الصفات التي هي جميع صفات الكمال ، ونهاية الجلال والجمال ، وهي صفات الإلهية ونعوتها .

فالله هو المألوه ذلاً وحباً ، وتوابع ذلك لما له من هذا الكمال الذي يختص به ، فلا يشاركه في ذلك مشارك .

فجميع محامده التي ذكرها في كتبه ، ونطقت بها رسله هي صفات ألوهيته ، التي ألهه المحبون المتذللون لأجلها ، وعبدوه بسببها . فعرفوا ما له من العظمة والكبرياء ، والمجد والجلال ، فخضعوا وذلوا . وما له من الجمال والكرم والرحمة والجود والإحسان ؛ فامتلأت قلوبهم من محبته ، وفاضت ألسنتهم بالثناء عليه ، وانقادت جوارحهم طلباً لقربه ورضاه وثوابه .

وعرفوا ما له من العدل والحكم ، ووضع الأشياء في مواضعها وإيقاع العقوبات المتنوعة بأنواع المخالفين ؛ فخافوا ورهبوا وحذروا من معاصيه . وحيث وقعت منهم على وجه الغلبة ، بادروا بالتوبة ، والخروج من تبعتها .

وعرفوا ما له من الفضل العظيم والرحمة السابغة ، وأنواع الألطاف . فاشتاقوا إلى كرمه ، وسعوا لتحصيل ثوابه وجوده ، وهانت عليهم المشقات ، لما عرفوا أنها تفضي بهم إلى أجل الكرامات ، وأفضل الثواب .

وعرفوا – مع ذلك – أنه لا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يدفع السيئات إلا هو ، وأن جميع النعم الظاهرة والباطنة كلها منه ، وأن كل شر وعقوبة اندفعت عنهم فبدفعه وحفظه وأنه الرب على الحقيقة ، كما أنهم هم العبيد المماليك على الحقيقة ، ليس لهم من أنفسهم إيجاد ، ولا إمداد ، ولا إعداد .

فهم الفقراء إليه في جميع أمورهم في خلقهم وخلق جوارحهم الظاهرة والباطنة ، وفي رزقهم وتدبيرهم ، وأنهم مماليك محض ، وليس لهم شيء ، ولا منهم شيء ، بل كل ما حصل لهم من منافع أو دفع مضار ، فمن الله .

فلما عرفوا ربهم وعرفوا أنفسهم ذلوا وخضعوا لله واشتاقوا إلى كل ما يقربهم منه ، وما يسترحمون به إلههم ومعبودهم في حوائجهم المضطرين إليها في جميع اللحظات .

فتبين وظهر أن الحب والذل الذي هو عبودية لله ، وتأليه له ، لا يشابهه غيره ، ولا يلتبس بسواه ، في أسبابه وموجباته . فإنه حب وذل ، اقترن بالقيام بالدين ، وبحسب حال صاحبه ، واقترن بمعرفة الله وما له من النعوت العظيمة ، التي اختص بها ، وتوحد بها ، واقترن بمعرفة العبد بنفسه ، وأنه عبد مملوك مضطر غاية الاضطرار إلى عبودية ربه ، وإلى تأليهه لشدة ضرورته ، وتوقف سعادته على ذلك ، ولكونه مستحقاً عليه لازماً له ، من حيث إنه عبد مملوك ، مأمور منهي .

فكما أن المعبود المألوه ، ليس كمثله شيء في جميع أوصافه ، وكماله ، فالعبادة المتعلقة به لا يشبهها شيء .

ولهذا كلما قويت هذه الأمرو في العبد ، وكان أكمل لتوحيده ، وأبلغ في عبوديته لله .

فتمام التوحيد بتمام الإخلاص لله في الاعتقاد والقول والعمل ، وبتمام معرفته لله – تعالى – إجمالاً وتفصيلاً ، وتأصيلاً وتفريعاً . وكلما ضعفت منه هذه الأمور ، ضعف توحيده .

ولهذا كان الشرك في الربوبية ، والشرك في الإلهية ، والشرك في العبودية ، والشرك في أسماء الله وصفاته وأفعاله ، منافياً كل المنافاة للعبودية التي هي غاية الحب ، مع غاية الذل ؛ لأن من زعم أن لله شريكاً في ربوبيته وتدبيره ، أو أنه له سمي أو مثيل في صفات كماله ، فقد أشرك بربوبية الله ، وساوى غير الله بالله ، بل ساوى المخلوق بالخالق ، والمُعَبَّد المدبَّر ، بالرب المدبر . ونفى خصائص ألوهية الله – تعالى – التي حقيقتها تفرده بجميع الكمال .

ومن أشرك في عبوديته وإخلاصه ، بأن صرف نوعاً من عبوديته لغير الله – تعالى - ، فقد نقص توحيده ، وأفسد دينه الذي هو الإخلاص المحض {ألا لله الدين الخالص} [الزمر:3] .

فأي حب وأي ذل يشتبه بهذا أو يقاربه ، إلا حب وذل هو عبودية لغير الله ، وشرك به ؟

وهي المحبة الشركية الصادرة من المشركين التي مضمونها تسوية آلهتهم برب العالمين ، في الذل والتعظيم والحب .

ولهذا يقولون في وسط جهنم ، معترفين بشركهم ، نادمين أشد الندم ، شاهدين بغاية ضلالهم : {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:97-98] .

ومع أن هذا شرك في توحيدهم ، فإنهم لا يساوون المؤمنين في حبهم وتعظيمهم ؛ قال الله – تعالى - : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ }[البقرة: 165] .

فظهر ببيان حقيقة العبودية الفرق العظيم بين حب العبادة وتعظيمها ، وبين الحب الطبيعي وتوابعه .

والحب الطبيعي تابع لبعض مراد النفس والشهوات المتباينة التي تبقى ببقاء ذلك المراد ، وتزول بزواله .

وأما الذل الطبيعي فهو ناشئ عن خوف من عقوبة مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة . وقد يجتمع الأمران في تعلقهما بالمخلوق ، فيحب غيره ويعظمه ويذل له لما يرى له عليه من حق أبوة أو إحسان أو نحوهما .

وذلك الحب والذل تابع لذلك الحق الذي فعلهما لأجله ، مع علمه أن المعظم المحبوب له مخلوق مثله ، ناقص مثله ، فقير مثله في جميع أحواله ، وأنه لا يملك له نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً .

وأما حبه لأولياء الله وأصفيائه ، فهو حب تابع لحبه لله ، لأنه لما رأى محبة محبوبه لهم ، لما قاموا به من مراضيه – أحبهم لله ، ولهذا تقوى هذه المحبة بسبب قوة العبودية والتوحيد .

فنسألك – اللهم – حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يبلغنا إلى حبك ، ونعوذ بوجهك الكريم أن نشرك مخلوقاً في الحب معك ، وأن نساويه فيك في شيء من الأمور التي اختصصت بها ، وانفردت باستحقاقها .

ونسألك – اللهم – أن تجعل جميع ما أحببناه من قوة وصحة وعافية وأهل ومال وولد وأصحاب وغيرهم معيناً لنا على محابك ومقويا لنا على طاعتك وأن ترزقنا من الإخلاص الكامل ما يأتي على ذلك أجمع بأن تجعل نياتنا وسعينا في عباداتنا وعاداتنا طريقاً لنا إلى الوصول إليك وأن تعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنك جواد كريم "

(الفتاوى السعدية : 22-29) .


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 09-22-2013, 04:58 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس الثامن

العبادة لها اطلاقان :

تطلق ( العبادة ) ، ويراد بها معنيان :

المعنى الأول/ ( التعبد ) : - وهو فعل العبد - ، فنعرفها بأنها : تعظيم الله محبة وذلاً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه .

المعنى الثاني/ ( المتعبد به ) : - وهو اسم ذات العبادة - ، فنعرفها بأنها : " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة " .

ففي الإطلاق الأول ( التعبد ) يقصد به الوصف الذي يقوم بالعبد فيسمى تلبسه به عبادة فكونه يعظم الله محبةً وذلاً بالشريعة التي جاءت بها الرسل فهو في عبادة .

وفي الإطلاق الثاني ( المتعبد به ) يقصد به اسم ذات الشيء الذي شرع الله للعباد تعظيمه به من الأقوال والأعمال ، كالصلاة والصيام .

وسيأتي – إن شاء الله – مزيد تفصيل له في التعاريف القادمة .

المعنى العام :

هذا هو النوع الثاني من أنواع التوحيد، وهو إفراد الله بما يجب له ويختص به من حقوق الإلهية ؛ لكمال أوصاف ربوبيته ، وعدم المشارك له – سبحانه - فيها .

و (حقوق الإلهية) معناها : انفراده – تعالى – بالتعظيم – حباً وذلاً – لكمال جماله وجلاله .

ونبين حقيقة هذا النوع من التوحيد في مسائل :

المسألة الأولى/ ( وجوب الإلهية لله – تعالى - ، وانفراده بها ).

إن لله – تعالى – الجمال المطلق ، والجلال التام اللذان يبعثان القلوب على حبه – تعالى – ورجائه وخوفه .

وصفات الجمال : هي كل صفة تبعث في القلب محبة الموصوف بها ورجائه ، كالرحمة ، والمغفرة ، والبر ، والكرم . . . إلخ .

وصفات الجلال : هي كل صفة تبعث في القلب الخضوع للموصوف بها وخوفه ، كالكبرياء ، والعظمة ، والجبروت ، والقهر . . . إلخ .

وهذه الأوصاف واجبة لله – تعالى - ؛ لأنها معاني الربوبية ، وقد سبق بيان وجوبها لله ؛ لضرورة وجوب الخالق لهذا العالم ، وسبق بيان اختصاصه بها ؛ لضرورة الواقع الذي له نظام متسق واحد دال على مدبر واحد ، فكذلك ما يلزم من هذه الأوصاف يكون واجباً له – سبحانه - ، ومختص به .

فالإيمان بالربوبية الكاملة يلزم منه الإيمان بالإلهية واستحقاقه وحده العبادة بتعظيم القلوب له - محبةً وذلاً - بفعل ما شرعه على ألسنة رسله .

وقد دل على هذا المعنى قوله – تعالى - :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:21- 22] .

فقوله : { اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } هو أول أمر صريح في القرآن يأمر ( بعبادة الله ) ، فدل على وجوب عبادته – سبحانه - .

وقوله :{ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } فيه بيان السبب الذي لأجله وجبت عبادة الله ، وذلك بذكر الصفة التي كشفت عن هذا المعنى ، وهي ( الخالقية ) ، فيكون تقدير الآية : وجب عليكم عبادة ربكم؛ لأنه خلقكم وخلق الذين من قبلكم .

وقال السعدي – رحمه الله – في بيان معنى الآية : " هذا أمر عام لكل الناس، بأمر عام، وهو العبادة الجامعة، لامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وتصديق خبره، فأمرهم - تعالى - بما خلقهم له، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } .

ثم استدل على وجوب عبادته وحده، بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم، فخلقكم بعد العدم، وخلق الذين من قبلكم، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها، وتنتفعون بالأبنية، والزراعة، والحراثة، والسلوك من محل إلى محل، وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم، وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم، كالشمس، والقمر، والنجوم.

{ وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } والسماء : هو كل ما علا فوقك فهو سماء، ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا : السحاب، فأنزل منه تعالى ماء، { فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ } كالحبوب، والثمار، من نخيل، وفواكه، [وزروع] وغيرها { رِزْقًا لَكُمْ } به ترتزقون، وتقوتون وتعيشون وتفكهون.

{ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } أي: نظراء وأشباها من المخلوقين، فتعبدونهم كما تعبدون الله، وتحبونهم كما تحبون الله، وهم مثلكم، مخلوقون، مرزوقون مدبرون، لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم ولا يضرون، { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أن الله ليس له شريك، ولا نظير، لا في الخلق، والرزق، والتدبير، ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب، وأسفه السفه.

وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة ما سواه، وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته، وبطلان عبادة من سواه، وهو ذكر توحيد الربوبية، المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقراً بأنه ليس له شريك في ذلك، فكذلك فليكن إقراره بأن الله لا شريك له في العبادة، وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطلان الشرك " (التفسير : 44) .

المسألة الثانية / ( إن هذا النوع من التوحيد هو الذي جاءت به الرسل ) .

إن الله – تعالى – خلق العباد لغاية عظيمة، وهي : ( عبادته وحده لا شريك له ) . كما قال – سبحانه - : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات : 56] .

وخلق داراً يحققون فيها هذه الغاية – ابتلاء واختباراً - فيعبدون الله – تعالى – فيها ، وهي: (الدار الدنيا) . ورتب ما في الكون من المنافع والنعم على هذه الغاية التي خلق لها العباد .

فخلق آدم – عليه السلام – وخلق منه زوجه ، ثم بث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، فعبدوا الله – تعالى – وحده لا شريك له .

ولم يزل بنوه على هذا العهد مدة عشرة قرون – أي: ألف سنة – لا يعبدون إلا الله وحده لا شريك له ، حتى كان زمان قوم نوح – عليه السلام - ، أحكم الشيطان الرجيم شباكه فيهم وجعلهم يعبدون غير الله .

فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه قال : " كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام " .

وذلك أنه كان في قوم نوح – عليه السلام – رجال صالحون ، وهم :
( ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر ) ، فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا لهم انصاباً وسموها بأسمائهم ، لأجل أن يتذكروهم بها وينشطوا للعبادة ، ويتأسوا بهم في ذلك ، وليكونوا قدوة للمجتمع كلما ضعفت همم أبنائه حفزتهم انصاب الصالحين إلى الاقتداء بهم في الصلاح والطاعة ، وبقوا على ذلك فترة .

ثم صاروا يعبدون الله عندها ، لطهارة المكان ، ونزاهته ؛ ولأن القرب منهم يبعث في النفس طلب التأسي والاقتداء .

ثم بعد ذهاب أهل ذلك الزمان وذهاب العلماء ونسيان العلم جاءت أجيال جديدة، وجدت أنصاباً معظمة تحبها القلوب وتذل لها النفوس ، وزين لهم الشيطان أن آباءهم ما فعلوا ذلك إلا لأنها تقرب إلى الله – تعالى - .

فصرفوا لها العبادة من : المحبة والخوف والرجاء والدعاء . . . إلى غير ذلك من العبادات زاعمين أنها تقربهم إلى الله .

وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : " قال صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد :

أما (ودٌّ): فكانت لكلب بدومة الجندل.

وأما (سواعٌ) فكانت لهذيل .

وأما (يغوث) فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ .

وأما (يعوق) فكانت لهمدان .

وأما (نسرٌ) فكانت لحمير لآل ذي الكلاع .

أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت
" .

فأرسل الله – تعالى – إليهم نوحاً – عليه السلام – يدعوهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة من سواه ، وأنه لا يستحق العبادة إلا رب العالمين .

قال – تعالى - : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59] .

فكان جواب قومه : {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح : 23] .

فأنت تلحظ أن الصراع الدائر بين نوح وقومه هو في حقوق الإلهية ، نوح – عليه السلام – يقول لهم : { مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } فحق الإلهية والعبادة لا يكون إلا لله – تعالى – وحده .

وهم يرون تعدد الآلهة – لقولهم - : { لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ } فيعتقدون أن غير الله – تعالى – يستحق التعظيم – محبة وذلاً – مع الله .

وهنا أمر ينبغي التنبه له : أن قوم نوح لم يكونوا ينكرون الله . بل كانوا يعرفونه ، لكنهم لم يكونوا يوحدونه . بل يشركون معه غيره .

وذلك أن نوحاً – عليه السلام – خاطبهم بعبادة من يعرفونه ، كما قال – تعالى - : {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ }[نوح : 1-3] .

وأراد منهم افراده – سبحانه – بالعبادة ، كما قال : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ }[هود: 25-26].

فخطابه لهم يدور على التوحيد : { أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ }.

واستمر على ذلك مدداً متطاولة من الزمان ، كما قال – تعالى - : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}[العنكبوت:14] .

وصفهم بالظالمين ؛ لأنهم أعطوا حق الله المحض الذي لا شريك له فيه، ولا يتصور العقل له مشارك فيه، اعطوه لعبيد ضعفاء مثلهم ، وصرفوا لهم العبادات ، { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ }[الأعراف: 194] .

فلا ريب أن يكون الشرك ظلما ؛ لأنه وضع للشيء في غير محله ، كما قال لقمان – العبد الصالح – لابنه :{ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }[لقمان : 13] .



رد مع اقتباس
  #14  
قديم 09-26-2013, 10:13 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس التاسع

وبعد ذلك توالت الرسل – عليهم السلام – يعقب بعضهم بعضاً بالدعوة إلى إفراد الله بالعبادة، وتنزل عليهم الكتب مشتملة على الأدلة والبراهين الموضحة لذلك .

ونبين ذلك في توضيح حقيقتين :

الحقيقة الأولى/ أن تعلم أن الغاية من إنزال الكتب على الرسل والأنبياء كان لأجل إفراد الله – تعالى – بالعبادة، ودلالة هذه النصوص على نوعين:

أ‌- الدلالة المجملة .

منها: قوله – تعالى - :{ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}[النحل:2].

ب‌- الدلالة التفصيلية .

- منها: قوله – تعالى – عن القرآن -:{ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}[هود:1].

- ومنها: قوله – تعالى – عن التوراة - :{وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا}[الإسراء:2].

الحقيقة الثانية/ أن تعلم أن الغاية من إرسال الرسل والأنبياء كان لأجل إفراد الله – تعالى – بالعبادة، ودلالة هذه النصوص على نوعين:

أ‌- الدلالة المجملة .

- منها: قوله – تعالى - :{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25].

- ومنها: قوله – تعالى - :{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36].

ب‌- الدلالة التفصيلية .

- منها: قوله – تعالى – عن إبراهيم الخليل - عليه السلام - : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:26-28].

- ومنها: قوله – تعالى عن هود – عليه السلام - :{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[الأعراف:65].

- ومنها: قوله – تعالى – عن صالح – عليه السلام - :{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:73].

- ومنها: قوله – تعالى – عن شعيب – عليه السلام - :{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:85].

- حتى ختموا بنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي جاء بالكلمة السواء ( لا إله إلا الله ) ، كما قال – تعالى - :{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64].

خلاصة الدعوة المحمدية :

فقد كانت دعوة نبينا – صلى الله عليه وسلم – قائمة على بيان حق الله – سبحانه – بالإلهية التامة التي لا يشاركه فيها أحد غيره ، وتفنيد الشرك وبيان بطلان عبادة الأوثان ، والأصنام ، والأحجار وغيرها .

فقد كانت قريش تعبد اللات والعزى ومناة، كما قال – سبحانه - : { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم:19-20] .

اللات: صخرة منقوشة، وقيل قبر رجل .

العزى: ثلاث شجرات .

مناة: صنم بين مكة والمدينة .

ومعنى عبادتهم لها : أنهم يصرفون لها بعض أنواع العبادة من : المحبة والخوف والرجاء والدعاء والاستعانة والاستعاذة وغيرها ؛ لسببين:

لتقربهم إلى الله .

• والدليل قوله:{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر : 3] .

ولتشفع لهم عند الله .

• والدليل قوله: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } [يونس : 18] .

تنبيه مهم :

اعلم أن المشركين الذين بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – لدعوتهم يقرون أن الله – تعالى – هو الخالق والرازق والمدبر للأمر .

• والدليل قوله : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت : 61] .

سبب وصفهم بالمشركين؛ لأنهم أشركوا مع الله غيره في (العبادة)، مثل: الدعاء.

• والدليل قوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت:65] .

ولما كانت: لا إله إلا الله تعني: لا معبود بحق إلا الله، انكروها .

• والدليل قوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [الصافات: 35] ؛ لأنهم يعبدون مع الله غيره .

الفوائد المنتقاة :

1) (إله) معناه : (مألوه) ، أي : (معبود) .

2) الله : لفظ الجلاله علم دال على الرب المستحق للعبادة وحده .

3) الإلهية : صفة لله – عز وجل - .

4) إن الإلهية حق واجب لله لكمال ربوبيته .

5) إن توحيد الإلهية حق مختص بالله لتفرده بالربوبية .

6) و (حقوق الإلهية) معناها : انفراده – تعالى – بالتعظيم – حباً وذلاً – لكمال جماله وجلاله .

7) الكلمة الدالة على توحيد الإلهية ، هي : لا إله إلا الله ، ومعناها : لامعبود بحق إلا الله .

8) العبادة : حقيقتها أنها اسم يدل على تذلل ومحبة لمعظم أوجبه جلاله وجماله . فلا بد فيها من توفر شرطين :

أ‌- غاية المحبة : وهي ما امتزجت بجمال المحبوب مثمرة رجاءه وطاعته .

وصفات الجمال : هي كل صفة تبعث في القلب محبة الموصوف بها ورجائه ، كالرحمة ، والمغفرة ، والبر ، والكرم . . . إلخ .

ب‌- غاية الذل : وهو ما امتزج بإجلال المخضوع له مثمراً خوفه والكف عن نواهيه .

وصفات الجلال : هي كل صفة تبعث في القلب الخضوع للموصوف بها وخوفه ، كالكبرياء ، والعظمة ، والجبروت ، والقهر . . . إلخ .

9) وبمعرفة الوصفين السابقين يظهر الفرق بين اجتماع المحبة والذل على سبيل الطبيعة، كاجتماعها في الأب، أو السلطان القوي العادل ، وبين المحبة والذل على سبيل الجمال والجلال التي تعبد القلب لمن اعتقد فيه هذه الأوصاف .

فإن كانت فيه بحق فهو الإله الحق ، وإلا فهي الآلهة الباطلة .

10) تطلق ( العبادة ) ، ويراد بها معنيان :

11) المعنى الأول/ ( التعبد ) : - وهو فعل العبد - ، فنعرفها بأنها : تعظيم الله محبة وذلاً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه .

12) المعنى الثاني/ ( المتعبد به ) : - وهو اسم ذات العبادة - ، فنعرفها بأنها : " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة " .

13) إن الغاية التي خلق لأجلها العباد هي افراد الله – تعالى – بالعبادة .

14) أول ما حصل الشرك في قوم نوح لما عظموا تماثيل ونصب الصالحين بعد ذهاب العلماء ونسيان العلم ، وحقيقة الشرك : عبادة غير الله .

15) كل الأنبياء والرسل من نوح فمن بعده كانت أول دعوتهم لأقوامهم : أن لا يعبدوا إلا الله، وبذلك نزلت عليهم الكتب .

16) حقيقة شرك قريش كان في صرف العبادة لغير الله طلباً للقربة والشفاعة، ولم يكن شركهم في الربوبية ، فهم يعلمون أن الله هو الخالق والرازق والمدبر للأمر وحده .



رد مع اقتباس
  #15  
قديم 09-26-2013, 10:39 AM
صلاح الدين الكردي صلاح الدين الكردي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
الدولة: كردستان العراق
المشاركات: 749
افتراضي

جزاك الله خيراً شيخنا الحبيب وبارك فيك
دروس مفيدة وميسرة زادك الله علماً
__________________
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 09-26-2013, 11:43 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


وجزاك الله مثله
أخي الفاضل صلاح الدين
وأحبك الله الذي أحببتنا له
ووفقك الله إلى رضاه



رد مع اقتباس
  #17  
قديم 09-26-2013, 04:05 PM
ابو الحسين الأثري ابو الحسين الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: العراق
المشاركات: 428
افتراضي

موضوع قيِّم ..
بوركت ياشيخ .
__________________

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.



To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 09-26-2013, 09:41 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


وفيك ربي يبارك
أخي الموفق - بإذن الله -
ابو الحسين الأثري
وجزاك الله خيرا
وزادك ربي من فضله


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 09-29-2013, 11:09 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس العاشر

(6)

توحيد الأسماء والصفات : إفراد الله بأسمائه وصفاته .


معاني المفردات :

• [الأسماء] جمع اسم .

وهو في اللغة :مأخوذ من :


1) السمو : وهو العلو .

2) أو : السمة : وهي العلامة .

وحقيقته :
هو عَلَم دل على مسمى يميزه عن غيره .

وفي الشرع :

اسماء الله :
هي كل ما ثبت في الكتاب أو السنة مما يدل على ذات الله متضمناً معنى يقتضي المدح بنفسه .

والدليل قوله – تعالى - : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الأعراف:180].

ضابط الأسماء الحسنى :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (شرح العقيدة الأصفهانية:ص/31) :" الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها وهي التي جاءت في الكتاب والسنة وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها " .

في كلام شيخ الإسلام ثلاثة ضوابط للأسماء الحسنى .

1) أن يثبت في كتاب الله أو سنة الرسول – عليه الصلاة والسلام - .

2) أن يدل على ذات الله ، ومما يدعى به .

3) أن يتضمن الكمال المطلق الذي لا نقص فيه لا احتمالاً ولا تقديراً .

أدلة هذه الضوابط :


الضابط الأول/ (أن يثبت في كتاب الله أو سنة الرسول – عليه الصلاة والسلام - ) .

ودليله : قوله – تعالى - : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 33 ] . ؛ و تسمية الله بما لم يسم نفسه به قول عليه بلا علم، كما قال – تعالى - : { وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }[ طه /110 ].

الضابط الثاني/ ( أن يدل على ذات الله ، ومما يدعى به ) .

ودليله قوله : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } فهو يدل على قصد ذاته – سبحانه – في الدعاء ، وعلق ذلك بالأسماء الحسنى ؛ لأنها هي التي تدل على ذاته المقدسة ؛ لأن حقيقة الاسم العلم هو ما يعين مسماه مطلقاً من غير قرينة . كما قال ابن مالك :

اسم يعين المسمى مطلقا ... علمه كجعفر وخرنقا

الضابط الثالث/ (أن يتضمن الكمال المطلق الذي لا نقص فيه لا احتمالاً ولا تقديراً ) .

ودليله قوله : { الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فالحسنى اسم تفضيل تدل على أن الأسماء أكمل ما يكون في الحسن ؛ لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالاً ولا تقديراً .

تحرير هذا الضابط :

اعلم أن الألفاظ أربعة :

1) ما دل على معنى ناقص لا كمال فيه ، كالعجز والفقر . فهذا لا يجوز أن يسمى الله به، فلا يقال : العاجز ، والفقير – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - .

2) ما دل على النقص في حال وعلى الكمال في حال ، كالمكر والخداع . فهذا لا يسمى الله به ؛ لأن اللفظ يحتمل النقص ، فلا يسمى : الماكر والمخادع .

3) ما دل لفظه على الكمال، لكن معناه يحتمل النقص بالتقدير الذهني ، كالمتكلم والمريد ، فالتكلم صفة كمال ، لكنه قد يتكلم بخير وقد يتكلم بشر ، فلا يسمى الله به ؛ لأن المعنى يحتمل النقص تقديراً ، فلا يسمى: المتكلم والمريد .

4) ما دل على أكمل المعاني مطلقاً، بلا نقص فيها لا احتمالاً ولا تقديراً، وهي : (الحسنى).

• [الصفات] : جمع صفة .

وهي في اللغة : مأخوذة من : " (وصف) الواو والصاد والفاء: أصلٌ واحد، هو تحْليَةُ الشَّيء والصِّفَة: الأمَارة اللاَّزِمةُ للشّيء " (معجم مقاييس اللغة :6/87) .

وقال ابن منظور : " والصِّفةُ الحِلْية " (لسان العرب: 9/356) .

وحقيقتها : ما دلت على معنى يقوم بالذات أو دلت على نعت نعتت به .

وفي الشرع :

صفات الله : هي كل ما ثبت لله في الكتاب أو السنة من النعوت الخبرية، وأكمل المعاني الذاتية أو الفعلية .

والدليل قوله – تعالى - :{ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ }[النحل: 60] .

والمثل الأعلى : أي الوصف الأعلى .

توضيح التعريف :

1) الصفات توقيفية فلا نصف الله إلا بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه .

2) صفات الله الثابتة له متضمنة أقصى ما يمكن من الأكملية .

3) صفات الله تنقسم إلى ثبوتية وسلبية ، والسلبية متضمنة ثبوت كمال ضد الصفة المنفية فعاد الأمر إلى الكمال المطلق الثابت له – تعالى - .

4) الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين :

أ‌- ذاتية : وهي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها، كالحياة والعلم والقدرة .

ب‌- فعلية : وهي التي تتعلق بمشيئة الله فإن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها ، الاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا .

5) الصفات الذاتية تنقسم إلى قسمين :

أ‌- خبرية : وهي ما تثبت عن طريق الخبر فقط ، كاليد والعين والوجه .

ب‌//- /معنوية : وهي ما تثبت عن طريق الخبر مع دلالة العقل ، كالحياة والعلم .

فائدة : الفرق بين الأسماء والصفات .

أولاً/ الأسماء تدل على ذات الله – تعالى – وعلى صفات الكمال التي يتضمنها .
فالعليم : يدل على ذات الله ، ويدل على صفة العلم الكامل الذي لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان الذي يشمل السر وأخفى .

ثانياً/ الصفات تدل على نعوت الكمال القائمه به – سبحانه - ، كالعلم .

فالاسم يدل على شيئين والصفة تدل على شيء واحد .


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 10-01-2013, 11:17 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس الحادي عشر

المعنى العام :

إن هذا النوع من التوحيد هو النوع الثالث والأخير من أنواعه ، وهو من مراتب الإيمان بالله ، وأصل من أصول العلم به – سبحانه – فحقيقة معرفة الله متوقفة على معرفة ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فمن عرف ذلك فقد عرف الله على الحقيقة ، ومن لم يعرف ذلك فلم يعرف ربه – تعالى - .

فالله – تبارك وتعالى – له الأسماء الحسنى ، كما قال – سبحانه : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} التي بلغت في الحسن أكمله ، فلا نقص فيها لا من جهة لفظها ولا من جهة معناها ؛ ولهذا كانت معانيها التي تضمنتها عليا ، وهي أوصاف الله – تعالى - كما قال – سبحانه - :{ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ }[النحل: 60] ، أي: الوصف الأعلى .

وحقيقة هذا النوع من التوحيد :
هو إفراد الله بما يجب له ويختص به من الأسماء والصفات .

وبيان ذلك في مسائل :

المسألة الأولى/
أدلة وجوب الأسماء الحسنى والصفات العلا لله – تعالى - .

إن الله – تعالى – له أسماء وصفات ، وهي واجبة في حقه بدلالة صريح العقول وصحيح المنقول ؛ وذلك من طريقين واجبين :

الطريق الأول / أن نقول : أن الله – تعالى – لما وجب أن تكون له الربوبية الكاملة لزم من ذلك أن تكون له الأسماء الحسنى والصفات العلا .

فالربوبية مستلزمة للأسماء الحسنى والصفات العلا ، ولما كانت الربوبية واجبة لله يمتنع عدمها وجبت له لوازمها ، ومنها الأسماء الحسنى والصفات العلا .

قال – تعالى - :{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } [الزخرف : 9] . فقد أخبروا عن الله – تعالى – باسمين كريمين : (العزيز) و(العليم) .

والذي دلهم عليهما إقرارهم بأن الله خالق السموات والأرض ، إذ يلزم الخالق أن يكون عزيزاً عليماً ، ومما يوضح هذا المعنى قوله – تعالى - :{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12].

قال السعدي – رحمه الله - : " ثم أخبر – تعالى - أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن، وما بينهن، وأنزل الأمر، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق، كل ذلك لأجل: ( أن يعرفه العباد)، ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها، وإحاطة علمه بجميع الأشياء ، فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه وقاموا بحقه، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر معرفة الله وعبادته، فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين، وأعرض عن ذلك، الظالمون المعرضون " ( التفسير ).

الطريق الثاني/ أن المعبود لا تألهه القلوب محبة وحمداً وتعظيماً إلا إذا كان موصوفاً بصفات الكمال – جمالاً وجلالاً – ، فتوحيد الإلهية متضمن للأسماء الحسنى والصفات العلا .

" فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله ونعوت جلاله مع محبته والرضا عنه والخضوع له فلا يكون حامداً من جحد صفات المحمود ، ولا من أعرض عن محبته والخضوع له.

ولهذا ذم الله - تعالى - آلهة الكفار وعابها : بسلب أوصاف الكمال عنها ، فعابها بأنها (لا تسمع)، (ولا تبصر)، (ولا تتكلم)، (ولا تهدي)، (ولا تنفع)، (ولا تضر) .

وقال - تعالى - حكاية عن خليله إبراهيم - عليه السلام - في محاجته لأبيه - : { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً }[مريم: 42] .

فلو كان إله إبراهيم بهذه الصفة والمثابة لقال له آزر وأنت إلهك بهذه المثابة فكيف تنكر علي لكن كان مع شركه يعرف أن الله موصوف بصفات الكمال .

وقال - تعالى - : { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } [الأعراف : 148] . فلو كان (إله الخلق) - سبحانه - كذلك لم يكن في هذا إنكار عليهم واستدلال على بطلان الإلهية بذلك .

وقال - تعالى - في سورة طه عن السامري - : { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا (89)}، ورجع القول هو التكلم والتكليم .

وقال – تعالى – :{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [النحل: 76] . فجعل نفي صفة الكلام موجباً لبطلان الإلهية .

وهذا أمر معلوم بالفطر والعقول السليمة والكتب السماوية أن فاقد صفات الكمال لا يكون إلهاً ولا مدبراً ولا رباً .

بل هو مذموم معيب ناقص ليس له الحمد لا في الأولى ولا في الآخرة وإنما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال التي لأجلها استحق الحمد
" (مدارج السالكين – بتصرف - ) .

المسألة الثانية /
أدلة انفراد الله – تعالى - بأسمائه وصفاته ، وأنها مختصة به وحده .

لقد مر بنا أن الله – تعالى – له الربوبية الواجبة ، التي دلت عليها أدلة الفطر العقلية ، والشرائع الإلهية ، وظهر كذلك اختصاصها بالله فلا شريك له في إيجاد المخلوقات ولا في تدبير أمرها ، فيلزم من هاتين الحقيقتين وجوب التسليم بأنه – سبحانه – له الأسماء الحسنى والصفات العلا التي لا شريك لها فيها ، ولا مثل له ، كما قال – تعالى - : {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}، " معناه: أنه تعالى ليس له نظير ولا مماثل يساميه في العلو والعظمة والكمال على التحقيق " (قاله الشنقيطي في الأضواء) .

وقال السعدي – رحمه الله - : " أي: هل تعلم لله مساميا ومشابها ومماثلا من المخلوقين. وهذا استفهام بمعنى النفي، المعلوم بالعقل. أي: لا تعلم له مساميا ولا مشابها، لأنه الرب، وغيره مربوب، الخالق، وغيره مخلوق، الغني من جميع الوجوه، وغيره فقير بالذات من كل وجه، الكامل الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وغيره ناقص ليس فيه من الكمال إلا ما أعطاه الله تعالى، فهذا برهان قاطع على أن الله هو المستحق لإفراده بالعبودية، وأن عبادته حق، وعبادة ما سواه باطل، فلهذا أمر بعبادته وحده، والاصطبار لها، وعلل ذلك بكماله وانفراده بالعظمة والأسماء الحسنى " (التفسير) .

فأسماء الله وصفاته واجبة له لكمال ربوبيته وخاصة به لعدم المماثل له فيها، وقد جاء التصريح بذلك في كتاب الله .

ومن أدله الاختصاص ، قوله : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، وقوله : { وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ }.

أولاً/ اختصاص الأسماء الحسنى بالله – تعالى - .

إن قوله : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} يفيد أن الأسماء الحسنى خاصة بالله ؛ لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد التخصيص . فقدم {لِلَّهِ} على { الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } لإفادة حصر الأسماء الحسنى لله لا لغيره ، فلا يشاركه فيها أحد .

ومعنى التخصيص : إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه .

فثبت في الآية : حكم (الحنسى)، وهو بلوغ الشيء أكمل الحسن (لأسماء الله) ، ونُفي هذا الحكم عما عداها من الأسماء .

فلاشيء مثلها ، ولا يقاربها لا أسماء الملائكة ، ولا الأنبياء والرسل فضلاً عن غيرها .

وقد جاء التصريح بذلك في آيات منها قوله : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وقوله : {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] .

ثانياً/ اختصاص الصفات العلا بالله – تعالى - .

ويفيد قوله :{ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ }[النحل: 60] . أن وصف الله الأعلى خاص به ؛ لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد التخصيص . فقدم { لِلّهِ } على { الْمَثَلُ الأَعْلَىَ } لإفادة حصر الوصف الأعلى لله لا لغيره ، فلا يشاركه فيه أحد .

فظهر بذلك أن أسماء الله – تعالى – ، وصفاته خاصة به لا يشاركه فيها أحد .



رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:56 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.