أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
6736 139530

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر التاريخ و التراجم و الوثائق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-08-2017, 07:28 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي بُرُوقُ السَّعْدِ مِنْ فوائدِ تَرْجَمَةِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدِ للشيخ عمرالكنزي

عمر الكنزي: بُرُوقُ السَّعْدِ
مِنْ فوائدِ تَرْجَمَةِ
اللَّيْثِ بنِ سَعْدِ (1)

في "سير أعلام النبلاء" (8/144) في تَرْجَمَةِ الإمامِ العَلمِ (الَّليْثِ بنِ سعْدٍ)

قالَ اللَّيْثُ بن سَعْدٍ:
"بَلَغتُ الثَّمَانِيْنَ، وَمَا نَازَعتُ صَاحِبَ هَوَىً قَطُّ."

فَعَلَّقَ الذَّهبيُّ قائلاً:
"قُلْتُ: كَانَتِ الأَهوَاءُ وَالبِدَعُ (خَامِلَةً) فِي زَمَنِ اللَّيْثِ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالسُّنَنُ (ظَاهِرَةٌ عَزِيْزَةٌ)..
فَأَمَّا فِي زَمَنِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، (فَظَهَرَتِ) البِدعَةُ، وَامْتُحِنَ أَئِمَّةُ الأَثَرِ، وَ(رَفَعَ) أَهْلُ الأَهوَاءِ رُؤُوْسَهُم بِدُخُوْلِ الدَّولَةِ مَعَهُم، (فَاحْتَاجَ) العُلَمَاءُ إِلَى مُجَادَلَتِهِم بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ."

وهذا الأثرُ، معَ التَّعليقَةِ (الذهبيَّةِ)، يُبيّنُ ما يلي:

(1) أنَّ آثارَ السَّلَفِ لابُدَّ مِنْ النَّظَرِ إليها بمِنظارٍ يُراعي:
*مَكانَةَ القائلِ، وإمامَتَه، ورِفَعَةَ قَدْرِهِ، وهَيْبَتَهُ..
*زَمانَ القولِ..
*مكانَ القولِ..
*ظُروفَ القوْلِ المُحيطَةِ بِهِ..

ومَنْ لمْ يَفْقَهُ ذلِكَ، ولمْ يُراعِ ما هُنالِكَ؛
كانتْ بعضُ الآثارِ مفْهُومَةً على غيرِ وجْهِها..
مؤثِّرَةً سَلباً-عِنْد التَّطبيقِ-، بخِلافِ أثرِها –إيجاباً- عِنْدَ قولِها

فمَكانةُ (الليثِ) وهيْبَتُه، وإمامَتُهُ؛ كانتْ في الدَّرَجةِ العُليا، والمَرْتبَةِ الأسْمى
-وسيأتي الكلامُ عليها في فائدةٍ أُخرى-
فلا يُقارَنُ ذلِك بحالِ عالِمٍ أو طالبِ عِلمٍ، لم يبلُغْ ذلِك

وزَمانُهُ بِخلافِ زمانِ غيرِهِ، فقد "كَانَتِ الأَهوَاءُ وَالبِدَعُ، خَامِلَةً، وَالسُّنَنُ، ظَاهِرَةً عَزِيْزَةً"
-كما هو لَفْظُ الذَّهبيِّ-
فوْقتُ انتشارِ البِّدعِ، يختَلِفُ الأسلوبُ الدَّعويُّ، عنْ وقتِ خُمولِها وانغِمارِها..
وهذا مؤثِّرٌ في طريقَةِ التَّعاطي مَعَ المَسالِكِ الدَّعويَّةِ

والمكانُ مؤثِّرٌ أيضاً، فمدينةٌ تُرفعُ فيها راياتُ السُّنَّةِ، تختلِفُ الدَّعوةُ فيها، عنْ مدينةٍ تُرَفْرِفُ فيها راياتُ البدعِ والضَّلالاتِ..

في "مسائلِ الإمامِ أحمدَ وإسحاقَ بنِ راهويه" لإسحاقَ بنِ منصورٍ الكوْسجِ:
"قلتُ (الكَوْسجُ): مَنْ يقولُ القرآنُ مخلوقٌ؟
قالَ (أحمدُ): ألْحِقْ بِهِ كُلَّ بَلِيَّةٍ.
قلتُ: يُقالُ له: ك ف ر (مُقطَّعةٌ)؟
قال: إي واللهِ، كُلُّ شرٍّ، وكلُّ بليَّةٍ بهم.
قلتُ: فتُظْهِرُ العداوةَ لهم، أم تُدَاريهم؟
قالَ: أهلُ (خُرَاسان) لا يَقوون بهم. -يقولُ كأنَّ المُداراة-."

فانتشارُ التَّجَهُمِ بِخُراسانَ، كانَ سبباً لتغيُّرِ الحُكمِ في مُعاملةِ أهلِ السُّنَّةِ لهم فيها..
وهذا مِنْ عظيمِ فقهِ الإمامِ أحمدَ..

قالَ ابنُ تيميَّةَ –تعليقاً على كلامِ أحمدَ-
"مجموع الفتاوى" (28/210):
"وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْهُ، مَعَ قَوْلِهِ فِي الْقَدَرِيَّةِ: "لَوْ تَرَكْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ الْقَدَرِيَّةِ؛ لِتَرْكَنَاهَا عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ (الْبَصْرَةِ).".. وَمَعَ مَا كَانَ يُعَامِلُهُمْ بِهِ فِي الْمِحْنَةِ:
مِنْ الدَّفْعِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَمُخَاطَبَتِهِمْ بِالْحُجَجِ يُفَسِّرُ مَا فِي كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنْ هَجْرِهِمْ وَالنَّهْيِ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَمُكَالَمَتِهِمْ، حَتَّى هَجَرَ فِي زَمَنٍ غَيْرٍ مَا أَعْيَانَ مِنْ الْأَكَابِرِ وَأَمَرَ بِهَجْرِهِمْ لِنَوْعِ مَا مِنْ التَّجَهُّمِ."

(2) قدْ يحتاجُ السُّنّيُّ المُتَمَكِنُ منْ العِلمِ بالسُّنَّةِ –مِنْ جِهَةٍ-..
ومِنْ العِلمِ بكيفيَّةِ رَدِّ شُبُهاتِ المُخالفينَ –مِنْ جِهَةٍ أُخرى-؛
مِنْ مُناظَرَةِ أهلِ البِدعِ، رَفعاً لرايةِ السُّنَّةِ، وذَبَّاً عن حياضِها، ودَفعاً عنْ حِماها..
معَ اختلافِ العوامِلِ التي وُجِدتْ في أثرِ (الليثِ)..
فلا يُعابُ عليهِ، أو يُرَدُّ بمثلِ أثرِ الليثِ –وغيرِهِ- في تَرْكِ السَّلفِ لذلِك..
مُراعاةً لِما سبقَ مِنْ ضوابِطَ –كما في كلامِ الذَّهبيِّ-.

بُرُوقُ السَّعْدِ
مِنْ فوائدِ تَرْجَمَةِ
اللَّيْثِ بنِ سَعْدِ (2)

:::::::====:::::::====::::::::

في "سير أعلام النبلاء" (8/157) قَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحِيْرِيُّ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ -وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ إِلَى جَنْبِهِ-:

"خَرَجَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ يَوْماً، فَقَوَّمُوا ثِيَابَه، وَدَابَّتَه، وَخَاتِمَه، وَمَا عَلَيْهِ، ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إِلَى عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَكِنْ خَرَجَ عَلَيْنَا شُعْبَةُ يَوْماً، فَقَوَّمُوا حِمَارَه وَسَرْجَه وَلِجَامَه، ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَماً، إِلَى عِشْرِيْنَ دِرْهَماً."

(1) كانَ الليثُ مِنْ أثْرياءِ العُلماءِ، وكانَ مَعَ ما حَبَاهُ اللهُ بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ؛
كثيرُ الإنْفَاقِ، واسِعُ العَطاءِ، عظيمُ البَذلِ..
يُجْزِلُ في العَطِيَّةِ، ويمْنحُ صِلَةً وهدية

ومَعَ سِعَةِ مالِهِ، قالَ عَنْ نفْسِهِ:
"مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ مُنْذُ بَلَغتُ"
–لِكثْرَةِ إنفَاقِهِ في وجُوهِ الخيرِ، فكانَ لا يحولُ الحَوْلُ على المالِ-

(2) ومِنْ أهْلِ العِلمِ مَنْ كانَ بِخلافِ ذلِك..
فكانَ مِنْهُم الفقيرُ المُتَعفِّفُ –كحالِ شُعبَةَ-

معَ ديانَةٍ مَتينَةٍ، وحُرْمَةٍ وافِرَةٍ
وجَلالَةٍ في النُّفوسِ، وهَيْبَةٍ في الصُّدورِ

يقولُ الكَلِمةَ –جَرْحاً أو تعديلاً-، معَ العَدْلِ والإنصافِ؛
فكأنَّها (أوَامِرُ سُلْطانيَّةٌ) أو (مَراسِيمُ أمِيريَّةٌ)..

لِلآفاقِ تَبْلُغُ، وبينَ النَّاسِ تُنْشَرُ وتُبلَّغُ
لا يستَنكِفُ عالِمٌ أو طالبُ عِلْمٍ مِنْ الأخذِ بِها،
لِفقْرِ صاحِبِها، أو رَثَاثَةِ حالِهِ..

وكانَ شُعْبَةُ إذا أرادَ تَوْكيدَ قوْلِهِ؛
جَعلَ حِمارَهُ وثوْبَه أو دارَهُ صَدقَةً، إنْ كانَ الحقُّ بِخلافِ قوْلِهِ..
إذ لم يكُنْ يملِكُ سواها، فهي عزيزَةٌ عليهِ

ففي "تاريخ بغداد" (10/382) ترجمةِ الشّرْقي القطاميِّ، قالَ شُعبةُ:
"حِمَارِي ورِدَائي في المسَاكينِ صَدقةٌ، إنْ لم يَكُنْ شَرْقيٌّ كَذَبَ علَى عُمَرَ"

وقالَ –في بيانِ كذبِ أبانَ بنِ أبي عياشٍ- كما في "ميزانِ الاعتدالِ"(1/11):
"دَارِي وحِمارِي في المساكينِ صَدَقةٌ، إنْ لم يَكُنْ ابنُ عياشٍ يكْذِبُ"

(3) مِنْ المسائلِ التَّرْبويَّةِ، والأمورِ المَسْلَكيَّةِ
التي ينْبَغي ألَّا تَغيبَ على أهلِ الاستقَامةِ، وطَلبَةِ العِلمِ..

أنَّ العُلماءَ والدُّعاةَ وطَلبَةَ العِلْم، لا يُمكِنُ أنْ يكونوا (مُتطابِقينَ) في طرائقِهم
(مُتمَاثِلينَ) في مَسَالِكِهم..

كأنَّهُم لُعبةٌ، تُخرِجُها آلةٌ –ذاتُ أنموذَجٍ واحِدٍ لا تحيدُ عنْهُ-(!!)
لا فَرْقَ بينَ الأولِ والمائةِ، إلَّا في وقتِ خروجِهِ من هذِهِ الآلةِ..

وهذا أمرٌ مُخالِفٌ لسُننِ اللهِ الكونيةِ
وبِسببِ الخَللِ في تصَوّرِها، والعَطَلِ في العملِ بِها؛
تَضيعُ كثيرٌ من الأوْقاتِ، وتُبَعْثرُ جَمْهَرَةٌ من الجُهودِ
لإرَادةِ البعضِ، الوصولَ لهذا (التطابُقِ) –المُحالُ وقوعُهُ-

فيضَعُ بعضُهم تصوَّراً للداعيَةِ أو العالِم..
بِناءً على:
إعْجابِهِ بسَمْتِ عالِمٍ أو داعيَةٍ، وأسلوبِهِ وطريقَتِهِ
أو مَعرفَتِهِ لطريقِ الاستقامَةِ على يدِهِ
فيُصبِحُ هو الأنمُوذجَ الذي يُقتدى، والمِثالَ الذي يُرتجى

ألا فليُعلمْ أنَّ السَّلَفَ كانَ فيهِم، وفيهِم
تَنوّعاً واختِلافاً..
تبايُناً وتعدُّداً
في "سير أعلام النبلاء" (7/113):
"قالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ مِثْلَ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ!..
فَأَمَّا الأَوْزَاعِيُّ؛ فَكَانَ (رَجُلَ عَامَّةٍ)..
وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ؛ فَكَانَ (رَجُلَ خَاصَّةِ نَفْسِه)..
وَلَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ لَهَا الأَوْزَاعِيَّ -يُرِيْدُ: الخِلاَفَةَ-."

وفي "السير" أيضاً (8/543):
"قالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ:
أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، أَوْ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ؟
فَقَالَ: كَانَ فُضَيْلٌ (رَجُلَ نَفْسِهِ)، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ (رَجُلَ عَامَّةٍ)."

فكانَ فيهِم: الضَّحوكُ المُكثِرُ، والمُتبسِّمُ المُقِلُّ
وفيهِم: المُمازِحُ المُتَبَسِّطُ، والصَّموتُ المُنْقَبِضُ

وكانَ منْهُم: المُداخِلُ للولاةِ –أمراً ونهْياً-، والمُتباعِدُ الذي لا يقْربُ لهُم مَجلِساً
وكانَ منْهُم: مَنْ فُتِحَ لهُ في أبوابٍ من العِلمِ، ومِنْهُم مَنْ لا يُحسِنُ مثلَ ذلِك

ومِنهُم: العالِمُ المُطاعُ الرئيسُ، ومَنْ لا وَجاهَةَ له –لا في عامَّةِ الناسِ ولا خاصَّتِهم-
وهكذا في ضُروبٍ مُتعدِدَةٍ، وألوانٍ شتَّى

فإذا فُتِحَ للداعيةِ أو طالِبِ العلمِ في بابٍ..
ووفِّقَ في طريقٍ ومَسْلَكٍ؛
فلا يُلزِمهُ غيرُه، بِمُحاكاةِ غيرِهِ، أو أنْ يكونَ صورةً مُطابِقةً لِسواهُ

فإذا فُهِمَ ذلك على وجْهِهِ؛ استراحَ النَّاسُ من كثيرٍ من الجَّدَلِ في هذا البابِ.

:::::====:::::::::====:::::::

بُرُوقُ السَّعْدِ
مِنْ فوائدِ تَرْجَمَةِ
اللَّيْثِ بنِ سَعْدِ (3)

🔸▪🔹▪🔸▪🔹▪🔸

في تَرْجَمةِ الليثِ -"سِيَرُ أعْلامِ النُّبَلاءِ"(156/8)-
"قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قَالَ اللَّيْثُ: قَالَ لِي المَنْصُوْرُ: تَلِي لِي مِصْرَ؟
فَاسْتَعْفَيْتُ.
قَالَ: أَما إِذْ أَبَيْتَ، فَدُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ أُقلِّدُهُ مِصْرَ.
قُلْتُ: عُثْمَانُ بنُ الحَكَمِ الجُذَامِيُّ، رَجُلٌ لَهُ صَلاَحٌ، وَلَهُ عَشِيْرَةٌ.
قَالَ: فَبَلَغَ عُثْمَانَ ذَلِكَ، فَعَاهَدَ اللهَ أَلاَّ يُكَلِّمَ اللَّيْثَ."

▪وفَائدَةُ هذَا الأثَرِ، وثَمَرَةُ ذا الخَبرِ:

▪(1) مَا كانَ عَليْهِ السَّلفُ مِنْ التَّباعُدِ عن (السَّلاطينِ)..
وبُغْضِهِم للعَمَلِ معَهُم، والدُّخولِ في قضَاياهُم..

فاللَّيْثُ، امتَنَعَ، وهُو مَنْ هُوَ: حِفْظاً وعِلْماً، مَعْرِفَةً وفَهْمَاً..
وإحَاطَةً بالسِّياسَةِ الشَّرعيَّةِ، والقَضايَا الحُكْميَّةِ..

وهَضْماً لِقَواعِدِ (المَصالِحِ والمَفَاسِدِ)..
وتَرْجيحاً بيْنَ (خَيْرِ الخَيْرينِ) و(شَرِّ الشَّرينِ)..

معَ مَا كانَ مِنْ سلاطِينِ زَمانِهِم مِنْ صلاحِ الحَالِ..
والرُّجوعِ للعُلماءِ، والحِرْصِ على التَّديُنِ –ولوْ في الجُملةِ-، والاهتِمامِ بتَوْليَّةِ أهلِ التُّقَى والعِلمِ..
ومَعَ كُلِّ هذِهِ الأسبَابِ وغيرِها؛ يَمْتَنِعونَ، وفيْ (وزَاراتِهِم) يَزْهَدونَ

▪(2) وكانوا في غَايَةٍ مِنْ الامتِناعِ –لا التَّمَنُّع!!-، فمَهْما رُغِّبوا؛ لمْ يَرْغَبُوا
ومَهْمَا رُجِعُوا؛ لَمْ يَرْجِعوا

ومِنْهُم مَنْ كانَ يَدَّعي الجَنونَ أو الخَبالَ(!!)
ومِنْهُم مَنْ يَهْرُبُ مِنْ بَلَدِهِ ويتَوَارى في الغِفارِ أو الجِبالِ

(حِرْصَاً) على المُبَاعَدَةِ، وتَحَرُّجاً من التِكرارِ والمُعاوَدةِ

ومِنْ شِدَّةِ كَرَاهةِ عُثمانَ الجُذَاميِّ للولايةِ، امتَنَعَ مِنْ كلامِ الليثِ، لأنَّهُ دَلَّ عليهِ..

فيا للهِ العَجَب! مِنْ رَجُلِ صالِحٍ، يُخَاصِمُ مِنْ يَدُلُّ الولاةَ عليهِ لتوليَتِهِ..
ومِنْ (مُدَّعٍى) للإصْلاحِ، يَكادُ يُقَبِّلُ رأسَ مَنْ أشارَ على الحُكَّامِ بتوليَتِهِ..

وإنْ كانَ ما يُولَّاهُ مِمَّا (يَعافُهُ) أهلُ العقولِ والألبابِ، و(يَزْهَدُ) فيهِ أهلُ السياسةِ وسائرِ الأحزاب..
مِنْ تِلك (الوزاراتِ) والولاياتِ بَيَّنَةُ الفَسَادِ، ظاهِرةُ الإفسادِ..
مُسَهِّلَةُ طُرُقِ الغِوايةِ، مُيَسِّرَةُ سُبُلِ الفُجورِ والرَّزايا..

▪(3) مِنْ نفَائسِ تقيْيماتِ السَّلَفِ، للعُلماءِ؛
أنَّهُم يُقَدِمونَ –لا أقولُ: المُبْتَعِدَ عَنْ المَناصِبِ، بل- مَنْ يهْجُرُ القَابِلَ للولايةِ والوزارةِ،
عَلى مَنْ لا يهجُرُهُ.. وهذا من عَجيبِ ما اتفَقَ لَهُم..

ففي "النُّبلاء" –ترْجَمةِ وكيعٍ- (144/9):
"قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَوعَى لِلْعِلمِ وَلاَ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ.
قُلْتُ (الذَّهبيُّ): كَانَ أَحْمَدُ يُعَظِّمُ وَكِيْعاً، وَيُفَخِّمُهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَامِرٍ المَصِّيْصِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ: وَكِيْعٌ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ؟
فَقَالَ: وَكِيْعٌ.
قُلْتُ: كَيْفَ فَضَّلتَه عَلَى يَحْيَى، وَيَحْيَى وَمَكَانُه مِنَ العِلْمِ وَالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ مَا قَدْ عَلِمْتَ؟
قَالَ: وَكِيْعٌ كَانَ صَدِيْقاً لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، فَلَمَّا وَلِيَ القَضَاءَ، (هَجَرَهُ)، وَإِنَّ يَحْيَى كَانَ صَدِيْقاً لِمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، فَلَمَّا وَلِيَ القَضَاءَ، (لَمْ يَهْجُرْه) يَحْيَى."

فَفَضَّلَ أحمدُ –وهُو المُدَقِّقُ الوَرِعُ، العالِمُ الفَهِمُ- وكيعاً على يحيى، والحاَمِلُ لَهُ على ذلِك:
أنَّ وكيعاً (هجَرَ) حفصاً –معَ صدَاقتِهِ لهُ قبلُ-، لَمَّا وليَّ القضاءَ –ولم يتَوَلَّ وزارَةً تنشُرُ الفسادَ!-..
في حينِ لم يصْنعْ يحيى مثلَ ذلِك معَ مُعاذٍ..

والعَجيبُ أنَّ حَفْصاً (المَهْجُورَ) مِنْ وكيعٍ، كانَ قدْ حكى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ قالَ: "سَمِعْتُ (حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ) يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا وَلِيتُ القَضَاءَ حَتَّى حلَّتْ لِي المِيتَةُ.
وَمَاتَ يَوْمَ مَاتَ، وَلَمْ يُخَلِّفْ دِرْهَماً، وَخلَّفَ عَلَيْهِ تِسْعَ مائَةِ دِرْهَمٍ دَيْناً."
-كما في "النُّبلاء" (9/26)-
ش
وكانتْ مِنْ ممَادِحِهم العِظامِ، وثناءاتِهُم الجِسامِ، ما قالَهُ أحمدُ في وكيعٍ أيضاً
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: أَيُّمَا أَثْبَتُ عِنْدَكَ، وَكِيْعٌ أَوْ يَزِيْدُ؟
فَقَالَ: مَا مِنْهُمَا -بِحَمْدِ الله- إِلاَّ ثَبْتٌ، وَمَا رَأَيْتُ أَوعَى لِلْعِلْمِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَلاَ أَشْبَهَ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ مِنْهُ، (وَلَمْ يَختَلِطْ بِالسُّلْطَانِ)."

فأينَ (ثَرَى) خَزايا بعضِ الخَلفِ، مِنْ (ثُريَا) فَضَائلِ السَّلفِ..
و(المَخْذولُ)؛ مَنْ خَذَلَهُ موْلاهُ
و(المُعَثَّرُ)؛ مِنْ وَكَلَهُ اللهُ إلى نَفْسهِ وسِواهُ.

🔹🔸🔹🔸🔹🔸🔹🔸🔹

✍(عُمَرُ الكنزيُّ)
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:54 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.