أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
33489 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-01-2013, 12:25 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي التعاون الشرعي أصوله وآدابه وثمراته



التعاون الشرعي
أصوله وآدابه وثمراته


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}( )

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}( )

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}( )

أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد() ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.

فقال – تعالى - : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [المائدة : 2] .

وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : " المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً " ، وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ . (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) .

إن التعاون الشرعي على تحقيق مصالح العباد الدينية والدنيوية حقيقته سجية نبل الباعث على الاتصاف بها مكارم الأخلاق لما يتضمنه التعاون من الخلال الزكية والشمائل الندية – محبةً وصدقاً وكرماً وجوداً ورحمةً ورأفةً وشجاعةً وإقداماً - .

وخلق التباذل والتعاضد هو السوق العامرة التي تَنْفُقُ فيها الدعوة الشرعية وتروج ، وبسببه يأنس الناس بحملتها ، ولا تستوحش نفوسهم من نقلتها، كما كان عليه من هو أجود بالخير من الريح المرسلة – صلوات ربي وسلامه عليه - ، فقد وصفته خديجة – رضي الله عنها – فقالت : " كَلاَّ وَاللهِ، مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِين عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " (متفق عليه) .

والتعاون على إعلاء كلمة الله ، وإظهار الدين ونشره وتقريبه إلى الناس – علماً وعملاً ودعوةً - من الجهاد في سبيل الله – تعالى – لما فيه من بذل الوقت والمال والجهد ، كما قال أبو الدرداء – رضي الله عنه - : " من رأى الغدو والرواح إلى العلم ليس بجهاد فقد نقص عقله ورأيه " (جامع بيان العلم وفضله ص/1/76) .

ونفع الخلق من الإحسان إليهم ، ولا يتم إلا بالتداعي والتناصر ، وذلك بسد حاجاتهم وتفريج كربهم ، وتخفييف آلامهم ، والسعي على إزلة ذلك أو تقليله ، كما جاء عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - :" مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى " (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) .

والله – تعالى – قد شرع التعاون بين أهل الإيمان ؛ لإشاعة الخير وتكثيره ، وإزهاق الباطل وتقليله ؛ وجعل ذلك من مقتضى إيمانهم ، فقال – سبحانه - : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة : 71].

وبالجملة فمصالح الدنيا والدين لا تنال إلا بالتعاون الجماعي الشرعي ، وهذا من مقتضى الفطر ؛ لأن الإنسان مدني بالطبع ، لا يعيش إلا في جماعة .

فالخلطة واللقاء ، من مقتضيات فطر الأسوياء ، إلا أنها تشتمل على مصالح ومفاسد ، وتنطوي على قبائح وفوائد ، والموفق من يُخلِّص مصالح الخلطة من مفاسدها ، ويجتنب قبائحها ، وينتقي فوائدها .

وتحرير ذلك على الإجمال في كلام ابن القيم – رحمه الله – حيث قال :

" الاجتماع بالإخوان قسمان :

أحدهما / اجتماع على مؤانسة الطبع و شغل الوقت ، فهذا مضرته أرجح من منفعته ، و أقل ما فيه أنه يفسد القلب و يضيّع الوقت .

الثاني / الاجتماع بهم على أسباب النجاة و التواصي بالحق و التواصي بالصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة و أنفعها ، و لكن فيه ثلاث آفات :

1- إحداها : تزيّن بعضهم لبعض .

2- الثانية : الكلام ، والخلطة أكثر من الحاجة .

3- الثالثة : أن يصير ذلك شهوة ، وعادة ينقطع بها عن المقصود .

و بالجملة فالاجتماع ، والخلطة لَقاح : إما للنفس الأمارة ، و إما للقلب ، والنفس المطمئنة ، والنتيجة مستفادة من اللِّقاح : فمن طاب لَقاحه طابت ثمرته و هكذا الأرواح الطيبة لَقاحها من الملك ، و الخبيثة لَقاحها من الشيطان ، و قد جعل الله - سبحانه - بحكمته الطيبات للطيبين ، و الطيبين للطيبات ، و عكس ذلك " (الفوائد ص/ 51) .

وأما تفصيل حقوق الأخوة الإيمانية ، وبيان الخلطة النافعة المفضية إلى القيام بمصالح الدنيا والأخرة ، والمعينة على القيام بالواجبات الشرعية ، والفروض الكفائية . بل والعينية – أحياناً - ، فهو ما سنبينه في ثلاثة فصول نافعات – بإذن الله – تعالى - .

الفصل الأول / أصول التعاون الشرعي .
ويشتمل هذا الفصل على قسمين :

القسم الأول / أدلة التعاون الشرعي .

دلالة القرآن / قال – تعالى - : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [المائدة : 2] .

قال القرطبي – رحمه الله - : " وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى ؛ أي لِيُعن بعضكم بعضاً ، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى وأعملوا به ، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه ؛ وهذا موافق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الدال على الخير كفاعله" . وقد قيل : الدال على الشر كصانعه "( الجامع لأحكام القرآن : 6/46-47).

دلالة السنة / منها : حَدِيثُ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: «إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً» (متفق عليه) .

قال السعدي – رحمه الله - : " هذا الحديث مشتمل على خبر صادق ، وإرشاد نافع .

أما الخبر ، فإنه – صلى الله عليه وسلم – أخبر أن النقص شامل لأكثر الناس ، وأن الكامل – أو مقاربَ الكمال – فيهم قليل ، كالإبل المائة تستكثرها فإذا أردت منها راحلة تصلح للحمل والركوب ، والذهاب والإياب ، لم تَكَد تجدها .

وهكذا الناس كثير ، فإذا أردت أن تنتخب منهم من يصلح للتعليم أو الفتوى أو الإمامة ، أو الولايات الكبار أو الصغار ، أو للوظائف المهمة ، لم تكد تجد من يقوم بتلك الوظيفة قياماً صالحاً .

وهذا هو الواقع ؛ فإن الإنسان ظلوم جهول ، والظلم والجهل سبب للنقائص ، وهي مانعة من الكمال والتكميل .

وأما الإرشاد ، فإن مضمون هذا الخبر ، إرشاد منه – صلى الله عليه وسلم – إلى أنه ينبغي لمجموع الأمة أن يسعوا ، ويجتهدوا في تأهيل الرجال الذين يصلحون للقيام بالمهمات ، والأمور الكلية العامة النفع
" (انتهى المقصود من بهجة قلوب الأبرار ص/199).

القسم الثاني / من قواعد التعاون الشرعي .

إن التعاون الشرعي مستمد من الشريعة الإلهية ، وأحكامه مستلة منها ، فكل تجمع يخرج عن الضوابط الشرعية ، والقواعد المرعية فهو من المحدثات ومآله إلى الفرقة والاختلاف والشتات ؛ لذلك تعين على كل جماعة أن تنظر في الأصول الشرعية فتنضبط بها ، وتتقيد بأدلتها ، ومن هذه القواعد المهمة :

القاعدة الأولى / الاعتصام بحبل الله مودة وائتلافاً ، وعدم التفرق بغضاً واختلافاً .

قال – تعالى - : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] .

هذه الآية تقرر الأصل الذي تؤسس عليه أمة الإسلام وجماعة الحق ، وهو التمسك بحبله (وحبل الله) اسم يدل على كل ما يكون معه الوصول إلى الله – تعالى - .

فيشمل عهده والقرآن والجماعة ودينه ، وكلها معاني متلازمة .

قال السعدي – رحمه الله - : " وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يَصلُح دينهم وتَصلُح دنياهم ، وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام " (التفسير ) .

فالجماعة المتعاونون يدركون مصالحهم بحبل الله وهو شرعه وكتابه ، ويقومون بذلك بائتلافهم واجتماعهم .

القاعدة الثانية / حرمة التحزب والتعصب في العمل الجماعي المشروع .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " وَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِينَ أَنْ يحزبوا النَّاسَ وَيَفْعَلُوا مَا يُلْقِي بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَلْ يَكُونُونَ مِثْلَ الْإِخْوَةِ الْمُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } .

وَلَيْسَ لِأَحَدِ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَحَدٍ عَهْدًا بِمُوَافَقَتِهِ عَلَى كُلِّ مَا يُرِيدُهُ ؛ وَمُوَالَاةِ مَنْ يُوَالِيهِ ؛ وَمُعَادَاةِ مَنْ يُعَادِيهِ بَلْ مَنْ فَعَلَ هَذَا كَانَ مَنْ جِنْسِ جنكيزخان وَأَمْثَالِهِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَنْ وَافَقَهُمْ صَدِيقًا مُوَالِيًا وَمَنْ خَالَفَهُمْ عَدُوًّا بَاغِيًا ؛ بَلْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَتْبَاعِهِمْ عَهْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؛ وَيَفْعَلُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ؛ وَيُحَرِّمُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ وَيَرْعَوْا حُقُوقَ الْمُعَلِّمِينَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . فَإِنْ كَانَ أُسْتَاذُ أَحَدٍ مَظْلُومًا نَصَرَهُ وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لَمْ يُعَاوِنْهُ عَلَى الظُّلْمِ بَلْ يَمْنَعُهُ مِنْهُ ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ : تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرُك إيَّاهُ } . وَإِذَا وَقَعَ بَيْنَ مُعَلِّمٍ وَمُعَلِّمٍ أَوْ تِلْمِيذٍ وَتِلْمِيذٍ أَوْ مُعَلِّمٍ وَتِلْمِيذٍ خُصُومَةٌ وَمُشَاجَرَةٌ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِ أَنْ يُعِينَ أَحَدَهُمَا حَتَّى يَعْلَمَ الْحَقَّ فَلَا يُعَاوِنُهُ بِجَهْلِ وَلَا بِهَوَى بَلْ يَنْظُرُ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ أَعَانَ الْمُحِقَّ مِنْهُمَا عَلَى الْمُبْطِلِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُحِقُّ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ أَصْحَابِ غَيْرِهِ ؛ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُبْطِلُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ أَصْحَابِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ ؛ وَاتِّبَاعَ الْحَقِّ وَالْقِيَامَ بِالْقِسْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } يُقَالُ : لَوَى يَلْوِي لِسَانَهُ : فَيُخْبِرُ بِالْكَذِبِ . وَالْإِعْرَاضُ : أَنْ يَكْتُمَ الْحَقَّ ؛ فَإِنَّ السَّاكِتَ عَنْ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ . وَمَنْ مَالَ مَعَ صَاحِبِهِ - سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ - فَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْوَاجِبُ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَنْ يَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً مَعَ الْمُحِقِّ عَلَى الْمُبْطِلِ فَيَكُونَ الْمُعَظَّمُ عِنْدَهُمْ مَنْ عَظَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُقَدَّمُ عِنْدَهُمْ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمَحْبُوبُ عِنْدَهُمْ مَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُهَانُ عِنْدَهُمْ مَنْ أَهَانَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِحَسَبِ مَا يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا بِحَسَبِ الْأَهْوَاءِ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ ؛ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ . فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِمْ اعْتِمَادُهُ
" (مجموع الفتاوى : 28/ 15 17 ) .

تنبيهان مهمان يفهمان من كلام شيخ الإسلام – رحمه الله - :

التنبيه الأول / أن النصوص التي تدعوا إلى البيعة ، وتأمر بالتزام الطاعة والجماعة ، مثل ما رواه مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما - قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : " مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً "، ونحوه . ليس المقصود منها الشيخ أو رئيس العمل الجماعي ونحوهما . بل المقصود : السلطان المسلم .

ومما يدل عليه قول الإمام أحمد – رحمه الله – في " مسائل ابن هانئ ": رقم (2011) عن معنى قوله – صلى الله عليه وسلم - : " من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية " ، فقال : " تدري ما الإمام ؟ الذي يجتمع المسلمون عليه كلهم .
يقول : هذا إمام ، فهذا معناه
" انتهى .

التنبيه الثاني / أن المقصود بجماعة المسلمين التي يأثم المسلم بتركها والخروج عليها هي جماعة المسلمين المجتمعين على بيعة سلطان مسلم ، وليس المقصود بها جماعة من المسلمين اجتمعوا على عمل شرعي ، فإن القول بهذا الأخير يفضي إلى التفرق والتنازع والاختلاف والله يقول { وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }[الروم : 31 - 32] .

قال السعدي – رحمه الله – في تفسيره : " وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق بل الدين واحد والرسول واحد والإله واحد.

وأكثر الأمور الدينية وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة، والأخوة الإيمانية قد عقدها اللّه وربطها أتم ربط، فما بال ذلك كله يُلْغَى ويُبْنَى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية أو فروع خلافية يضلل بها بعضهم بعضا، ويتميز بها بعضهم عن بعض؟
فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان وأعظم مقاصده التي كاد بها للمسلمين؟
وهل السعي في جمع كلمتهم وإزالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الأصل الباطل، إلا من أفضل الجهاد في سبيل اللّه وأفضل الأعمال المقربة إلى اللّه؟
" انتهى .

القاعدة الثالثة / تناط المصالح بمن يصلح لها على قدر الوسع والطاقة .


قال السعدي – رحمه الله – في كتابه القواعد الحسان في تفسير القرآن (ص/129) - : " القاعدة السادسة والخمسون: تحال المصالح على قدر الوسع والطاقة.

يرشد القرآن الكريم المسلمين إلى إقامة جميع مصالحهم، وأنه إذا لم يكن حصولها من الجميع فليشتغل بكل مصلحة من مصالحهم من يقدر على القيام بها، وليوفر وقته عليها لتقوم مصالحهم، وتكون وجهتهم جميعاً واحدة.

وهذه من القواعد الجليلة ومن السياسة الشرعية الحكيمة، فإن كثيراً من المصالح العامة الكلية لا يمكن اشتغال الناس كلهم بها، ولا يمكن تفويتها، فالطريق إلى حصولها ما أرشد الله عباده إليه، قال تعالى في الجهاد والعلم اللذين هما من أعظم مصالح الدين
:{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ }[ التوبة: 122 ]، فأمر أن يقوم بالجهاد طائفة كافية وبالعلم طائفة أخرى، وأن الطائفة القائمة بالجهاد تستدرك ما فاتها من العلم إذا رجعت.

وقال تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }، [ آل عمران: 104 ]، وقال تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى }، [ المائدة: 2 ]، وقال: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }، [ التغابن: 16 ]، وقال تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }، [ الشورى: 38 ]، إلى غير ذلك من الآيات الدالات على هذا الأصل الجليل والقاعدة النافعة، وبقيام كل طائفة منهم بمصلحة من المصالح تقوم المصالح كلها، لأن كل فرد مأمور أن يراعي المصالح الكلية، ويكون سائراً في جميع أعماله إليها، فلو وفق المسلمون لسلوك هذه الطريق لاستقامت أحوالهم وصلحت أمورهم وانجابت عنهم شرور كثيرة، فالله المستعان " انتهى .

القاعدة الرابعة / مراتب المحاسبة قبل البدء بالعمل حتى يكون صحيحاً مقبولاً .


قال ابن القيم – رحمه الله - : " قال الحسن - رحمه الله -:" رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى ، وإن كان لغيره تأخر " .

وشرح هذا بعضهم ، فقال :" إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهم به العبد وقف أولاً ونظر : هل ذلك العمل مقدور له أو غير مقدور ولا مستطاع .

فإن لم يكن مقدورا لم يقدم عليه وإن كان مقدوراً وقف وقفة أخرى ونظر :

هل فعله خير له من تركه أو تركه خير له من فعله ، فإن كان الثاني تركه ولم يقدم عليه وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة ونظر :

هل الباعث عليه إرادة وجه الله عز و جل وثوابه أو إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق فإن كان الثاني لم يقدم عليه وإن أفضى به إلى مطلوبه ؛ لئلا تعتاد النفس الشرك ويخف عليها العمل لغير الله فبقدر ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى حتى يصير أثقل شيء عليها وإن كان الأول وقف وقفة أخرى ونظر :

هل هو معان عليه وله أعوان يساعدونه وينصرونه – إذا كان العمل محتاجا إلى ذلك - أم لا؟ فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه كما أمسك النبي – صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار وإن وجده معاناً عليه فليقدم عليه فإنه منصور ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال وإلا فمع اجتماعها لا يفوته النجاح .

فهذه أربعة مقامات يحتاج إلى محاسبة نفسه عليها قبل العمل فما كل ما يريد العبد فعله يكون مقدورا له ولا كل ما يكون مقدورا له يكون فعله خيرا له من تركه ولا كل ما يكون فعله خيرا له من تركه يفعله لله ولا كل ما يفعله لله يكون معانا عليه فإذا حاسب نفسه على ذلك تبين له ما يقدم عليه وما يحجم عنه
" (إغاثة اللهفان : 1/ 82) .

(يتبع . . . ) - إن شاء الله .


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-01-2013, 01:10 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي



الفصل الثاني / آداب المتعاونين .

معنى الأدب :

قال ابن القيم – رحمه الله - : " فالأدب : اجتماع خصال الخير في العبد " (مدارج السالكين : 2/375) .

فانقطاع الخير عن العبد سببه فوات العلم والأدب عنه ، وقد أحسن من قال :

لَيْسَ الْيَتِيمُ الَّذِي قَدْ مَاتَ وَالِدُهُ *** إنَّ الْيَتِيمَ يَتِيمُ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ


أهميته :

" يقال : مثل الإيمان كمثل بلدة لها خمسة حصون : الأول من ذهب ، والثاني من فضة ، والثالث من حديد ، والرابع من آجر ، والخامس من لبن ، فما زال أهل الحصن يتعاهدون الحصن من اللبن لا يطمع العدو في الثاني ، فإذا أهملوا ذلك طمعوا في الحصن الثاني ثم الثالث حتى تخرب الحصون كلها .
فكذلك الإيمان في خمسة حصون : اليقين ثم الإخلاص ثم أداء الفرائض ثم أداء السنن ثم حفظ الآداب ، فما دام العبد يحفظ الآداب ويتعاهدها فالشيطان لا يطمع فيه ، فإذا ترك الآداب طمع الشيطان في السنن ثم في الفرائض ثم في الإخلاص ثم في اليقين والله أعلم
" (الآداب الشرعية : 2/606 – 607) .

وقد روى الخطيب البغدادي – رحمه الله – بسنده عدداً من الآثار عن السلف في بيان أهمية الأدب عندهم وتقديمه على كثير من العلم ، فقال :

عن مالك ابن أنس قال: قال ابن سيرين : كانوا يتعلمون الهَدْيَ كما يتعلمون العلم .

قال مالك : وبعث ابن سيرين رجلاً ، فنظر كيف هَدْيُ القاسم وحالُه
" .

وعن محمد بن الشهيد قال : قال لي أبي : يا بني ايت الفقهاء والعلماء ، وتعلم منهم ، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم ؛ فإن ذلك أحب إلي لك من كثير من الحديث " .

وعن ابن المبارك قال : قال لي مخلد بن الحسين : نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث " (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع :1/80) .

وقد أجاد بعض المربين ، فقال :

خير ما ورَّث الرّجال بنيهم ... أدبٌ صالحٌ وحسن الثّناء
هو خيرٌ من الدََّنانير والأو ... راق في يوم شدَّةٍ أو رخاء
تلك تفنى والدِّين والأدب الصَّ ... الح لا تفنيان حتَّى اللِّقاء
إن تأدَّبت يا بنيّ صغيراً ... كنت يوماً تعدّ في الكبراء


وقد أجمل الصَّرْصَرِيُّ هذه الآداب في مقطوعة من شعره – نذكرها – ثم بعد ذلك نفصلها ونزيد عليها ما هو مناسب للمقام :

قال الصَّرْصَرِيُّ – رحمه الله - :

لَا تَلْقَ حَادِثَةً بِوَجْهٍ عَابِسٍ *** وَاثْبُتْ وَكُنْ فِي الصَّبْرِ خَيْرَ مُنَافِسِ
فَلَطَالَمَا قَطَفَ اللَّبِيبُ بِصَبْرِهِ *** ثَمَرَ الْمُنَى وَانْجَابَ ضُرُّ الْبَائِسِ
وَعَلَيْك بِالتَّقْوَى وَكُنْ مُتَدَرِّعًا *** بِلِبَاسِهَا فَلَنِعْمَ دِرْعُ اللَّابِسِ
وَتَتَبَّعْ السُّنَنَ الْمُنِيرَةَ وَاطَّرِحْ *** مُتَجَنِّبًا إفْكَ الْغَوِيِّ الْيَائِسِ
وَاغْرِسْ أُصُولَ الْبِرِّ تَجْنِ ثِمَارَهَا *** فَالْبِرُّ أَزْكَى مَنْبِتًا لِلْغَارِسِ
وَاطْلُبْ نَفِيسَ الْعِلْمِ تَسْتَأْنِسْ بِهِ *** فَالْعِلْمُ لِلطُّلَّابِ خَيْرُ مُؤَانِسِ
لَا تُكْثِرَنَّ الْخَوْضَ فِي الدُّنْيَا وَكُنْ *** فِي الْعِلْمِ أَحْرَصَ مُسْتَفِيدٍ قَابِسِ
فَالْمَالُ يَحْرُسُهُ الْفَتَى حَيْثُ التَّوَى *** وَالْعِلْمُ لِلْإِنْسَانِ أَحْفَظُ حَارِسِ
وَإِذَا شَهِدْت مَعَ الْجَمَاعَةِ مَجْلِسًا *** يَوْمًا فَكُنْ لِلْقَوْمِ خَيْرَ مُجَالِسِ
أَلِنِ الْكَلَامَ لَهُمْ وَصُنْ أَسْرَارَهُمْ *** وَذَرْ الْمِزَاحَ وَلَا تَكُنْ بِالْعَابِسِ

الأدب الأول / الإخلاص .

قال – تعالى - : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5] .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " فَالدِّينُ الْحَنِيفُ هُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ . وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي تَرْجَمَتْهُ كَلِمَةُ الْحَقِّ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ : " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " (مجموع الفتاوى : 9/319) .

قال – أيضاً - : " وَأَمَّا الْإِخْلَاصُ فَهُوَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ إذْ " الْإِسْلَامُ " هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ " (مجموع الفتاوى : 10/14) .

فكل تعاون لا يقوم على أساس التقوى (الإخلاص) ، فهو إلى الزوال والانهيار آيل ؛ لأن ما كان لله – تعالى – دام واتصل ، وما كان لغيره انقطع وانفصل .

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ " (متفق عليه) .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " وَهَذَا الْأَصْلُ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ وَبِحَسَبِ تَحْقِيقِهِ يَكُونُ تَحْقِيقُ الدِّينِ وَبِهِ أَرْسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ وَإِلَيْهِ دَعَا الرَّسُولُ وَعَلَيْهِ جَاهَدَ ؛ وَبِهِ أَمَرَ وَفِيهِ رَغَّبَ ؛ وَهُوَ قُطْبُ الدِّينِ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ رَحَاهُ . وَالشِّرْكُ غَالِبٌ عَلَى النُّفُوسِ . وَهُوَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ " وَهُوَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ " وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ :" قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ . كَيْفَ نَنْجُو مِنْهُ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ : أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً إذَا قُلْتَهَا نَجَوْتَ مِنْ دِقِّهِ وَجِلِّهِ ؟ قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ " .

وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصًا وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدِ فِيهِ شَيْئًا ".

وَكَثِيرًا مَا يُخَالِطُ النُّفُوسَ مِنْ الشَّهَوَاتِ الْخَفِيَّةِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهَا تَحْقِيقَ مَحَبَّتِهَا لِلَّهِ وَعُبُودِيَّتِهَا لَهُ . وَإِخْلَاصِ دِينِهَا لَهُ كَمَا قَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ : يَا نَعَايَا الْعَرَبِ إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ . قِيلَ لِأَبِي دَاوُد السجستاني : وَمَا الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ ؟ قَالَ : حُبُّ الرِّئَاسَةِ .

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي زَرِيبَةِ غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْحِرْصَ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ فِي فَسَادِ الدِّينِ لَا يَنْقُصُ عَنْ فَسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْجَائِعَيْنِ لِزَرِيبَةِ الْغَنَمِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ ؛ فَإِنَّ الدِّينَ السَّلِيمَ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْحِرْصُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا ذَاقَ حَلَاوَةَ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُقَدِّمَهُ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ السُّوءُ وَالْفَحْشَاءُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } فَإِنَّ الْمُخْلِصَ لِلَّهِ ذَاقَ مِنْ حَلَاوَةِ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ عُبُودِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ وَمِنْ حَلَاوَةِ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ مَحَبَّةِ غَيْرِهِ إذْ لَيْسَ عِنْدَ الْقَلْبِ لَا أَحْلَى وَلَا أَلَذَّ وَلَا أَطْيَبَ وَلَا أَلْيَنَ وَلَا أَنْعَمَ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ الْمُتَضَمِّنِ عُبُودِيَّتَهُ لِلَّهِ وَمَحَبَّتَهُ لَهُ وَإِخْلَاصَهُ الدِّينَ لَهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْجِذَابَ الْقَلْبِ إلَى اللَّهِ فَيَصِيرُ الْقَلْبُ مُنِيبًا إلَى اللَّهِ خَائِفًا مِنْهُ رَاغِبًا رَاهِبًا
" (مجموع الفتاوى :10/214 - 215) .

وقال ابن القيم – رحمه الله - : " العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه " (الفوائد ص/ 49) .

الأدب الثاني / الصدق .

إن ( الصدق ) من الأوصاف التي هي ركن في قيام التعاون الشرعي ، لأنه القاعدة التي ينبني عليها اجتماع أهل الإيمان ، فعدمه يفضي إلى (تصدع البناء)، (وتفرق الأفراد)، (وتبدد الجهود)، (وحصول الثغرات) ، وجماع ذلك الفشل وذهاب الريح .

قال – تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ }[الصف : 2 - 4] .

فصف القتال هو واحد من صور العمل الجماعي الذي يطلب فيه التلاحم والتعاضد ، ربطه بالصدق للدلالة على أن قيام الاعمال الجماعية على أتم الوجوه يتوقف على صدق الأفراد في القول والعمل ؛ لأنها علامة صحة الإيمان .

أضف إلى ذلك أن الصادق تلقى عليه هيبة وجلالة ، تجعل الموافق محباً له ، متلمساً رضاه ، وتجعل المخالف مجلاً له ، حذرا منه . وبهذا تنجح الأعمال العامة ، بوجود المعاضد ، وبالسلامة من الحاقد ، فبمحبة الموالفين يتحقق المطلوب ، وبرهبة المخالفين يندفع المكروه .

قال ابن القيم رحمه الله: "والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه، ويكسوه برقعاً من المقت يراه كل صادق، فسيما الكاذب في وجهه يُنادى عليه لمن له عينان، والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة، فمن رآه هابه وأحبه، والكاذب يرزقه الله إهانة ومقتاً، فمن رآه مقته واحتقره" (إعلام الموقعين : 1/122) .

وسبيل التعاون على البر هو الصدق كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إن الصدق يهدي إلى البر" فدل ذلك على " أَنَّ الصِّدْقَ أَصْلٌ يَسْتَلْزِمُ الْبِرَّ " قاله شيخ الإسلام .

فبالتحلي بالصدق تتحقق كل المقاصد الشرعية ؛ لأنه داعية إلى كل جزء من أجزاء البر لا يتخلف شيء من عمل البر ألبتة عن الصادق، كما جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً . وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً " (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " وَلِهَذَا كَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا أَمَرَ بَعْضَ مُتَّبِعِيهِ بِالتَّوْبَةِ وَأَحَبَّ أَنْ لَا يُنَفِّرَهُ وَلَا يُشَعِّبَ قَلْبَهُ أَمَرَهُ بِالصِّدْقِ . وَلِهَذَا كَانَ يَكْثُرُ فِي كَلَامِ مَشَايِخِ الدِّينِ وَأَئِمَّتِهِ ذِكْرُ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ حَتَّى يَقُولُوا : قُلْ لِمَنْ لَا يَصْدُقُ : لَا يَتَّبِعْنِي . وَيَقُولُونَ : الصِّدْقُ سَيْفُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَمَا وُضِعَ عَلَى شَيْءٍ إلَّا قَطَعَهُ وَيَقُولُ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ وَغَيْرُهُ : مَا صَدَقَ اللَّهَ عَبْدٌ إلَّا صَنَعَ لَهُ وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ " (مجموع الفتاوى : 10/11) .

الأدب الثالث / العلم .

العلم هو أساس كل عمل ، فلا يصح العمل إلا أن يسبقه العلم وإلا كان العامل منحرفاً عن مقصوده ، وضالاً عن طريقه ، فلا بد للمتعاونين على الخير من علم يميز الأعمال ويبين النافع منها من غيره .

قال عمر – رضي الله عنه - : " تفقهوا قبل أن تسودوا " (البخاري معلقاً:1/29).

فهبني عذرت الفتى جاهلاً فما العذر فيه إذا المرء شاخا

تخرج الأمة بالعلم من الجهالة والضلالة , ولا يكون أفرادها من أهل العماية والغواية , فبه يحسنون تدبير الأمور, ويجنبون أمتهم أليم الشرور , إذ من ثماره العمل والتقوى وبهما تحمد العقبى .

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت فإن تولت فبالأشرار تنقاد


فالعلم رفعة وسناء ، ومجد وشموخ ، وهو سلطان قاهر ، وحجة غالبة ، فإذا حكَّم المتعاونون بينهم العلم ، وُفقوا وهُدوا .

وحقيقة العلم ، كما قال السعدي – رحمه الله - : " فهو الذي تقوم عليه الأدلة والبراهين ، فكل ما دخل في هذا الحد الجامع قيل له علم ، فيدخل في ذلك العلوم التي يتوسل بها إلى الدين وإلى الدنيا وإلى كل مقصود وحقيقة .

ولكن النافع من هذا ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – من الكتاب والسنة
" (الرياض الناضرة ص/196) .

فلهذا حرص السلف – رضي الله عنهم – عليه ، كما قال الحسن بن علي-رضي الله عنه-لبنيه ولبني أخيه -: " تعلموا العلم فإنكم صغار قوم ، وتكونون كبارهم غداً , فمن لم يحفظ منكم فليكتب. (صحيح مختصر جامع بيان العلم وفضله,ابن عبد البر:ص/106).

ومما جاء في فضله ما رواه مسلم في صحيحه (1/559),برقم: (817):" أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر-رضي الله عنه- بعسفان, وكان عمر يستعمله على مكة , فقال: من استعملت على أهل الوادي, قال: ابن أبزى ,قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا , قال فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله – عز وجل - ، وإنه عالم بالفرائض , قال عمر - رضي الله عنه - أما إن نبيكم – صلى الله عليه وسلم - قد قال : " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ، ويضع به آخرين " .

تعلم فليس المرء يولد عالما وليس اخو علم كمن هو جاهل.
وان كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل.


الأدب الرابع / الصبر .

قال ابن حبان – رحمه الله - :" الصبر جماع الأمر , ونظام الحزم ، ودعامة العقل ، وبذر الخير , وأساس الطاعات , وحيلة من لا حيلة له " (مختصر روضة العقلاء: ص/119).

وهو : " واجب بإجماع الأمة " (مدارج السالكين :2/125).

اعلم – وفقك الله - أن من أمتن القواعد التي تبنى عليها المعالي ، والمكارم هي قاعدة الصبر ، ولا يقوى عليه إلا الفحول من الرجال ، والأئمة من المصلحين .

قال ميمون بن مهران:" ما نال عبدٌ شيئاً من جنس الخير – من نبي أو غيره - إلا بالصبر " (مختصر روضة العقلاء :ص/119).

وقال علي ابن أبي طالب – رضي الله عنه - : " الصبر مطية لا تكبو " (مدارج السالكين : 2/131).

إني رأيت في الأيام تجربة *** للصبر عاقبةٌ محمودةُ الأثر
وقل من جد في شيء يحاوله *** فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر


قال ابن قيم - رحمه الله -: " فإن بقوة الصبر على المكارة في مراد المحبوب يعلم صحة محبته , ومن ههنا كانت محبة أكثر الناس كاذبة ؛ لأنهم كلهم ادعوا محبة الله –تعالى - فحين امتحنهم بالمكارة انخلعوا عن حقيقة المحبة , ولم يثبت معه إلا الصابرون , فلولا تحمل المشاق وتجشم المكارة بالصبر لما ثبتت صحة محبتهم , وقد تبين بذلك إن أعظمهم محبة أشدهم صبراً " (مدارج السالكين:2/134)

وقال – أيضاً - : " يا مخنت العزم أين أنت والطريق طريق تعب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورمى في النار الخليل ، واضجع للذبح اسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ، ولبث في السجن بضع سنين ، ونشر بالمنشار زكريا ، وذبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضر أيوب ، وزاد على المقدار بكاء داود ، وسار مع الوحش عيسي ، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد – صلى الله عليه وسلم - تزها انت باللهو واللعب " (الفوائد ص/ 42) .

ومن صور تفاني السلف الكرام ، وتمام صبرهم في طلب المعالي ما قصه ابن عباس - رضي الله عنهما – بقوله : " لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاب، قلت لشاب من الأنصار: يا فلان: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنتعلم منهم فإنهم كثير، فقال: العجب لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الأرض من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قال: فتركت ذلك، وأقبلت على المسألة، وتتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده قائلاً، فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح على وجهي، حتى يخرج، فإذا خرج، قال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالَك؟ فأقول: بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أسمعه منك، فيقول: فهلا بعثت إليّ حتى آتيك، فأقول: أنا أحق أن آتيك.
فكان الرجل بعد ذلك يراني وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتاج الناس إليّ، فيقول: كنتَ أعقلَ مني
".

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ : رَحِمَهُ اللَّهُ

فَمَنْ هَجَرَ اللَّذَّاتِ نَالَ الْمُنَى *** وَمَنْ أَكَبَّ عَلَى اللَّذَّاتِ عَضَّ عَلَى الْيَدِ
وَفِي قَمْعِ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ اعْتِزَازُهَا *** وَفِي نَيْلِهَا مَا تَشْتَهِي ذُلُّ سَرْمَدِ
وَلَا تَشْتَغِلْ إلَّا بِمَا يُكْسِبُ الْعُلَا *** وَلَا تُرْضِ النَّفْسَ النَّفِيسَةَ بِالرَّدِي
وَفِي خَلْوَةِ الْإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ أُنْسُهُ *** وَيَسْلَمُ دِينُ الْمَرْءِ عِنْدَ التَّوَحُّدِ
وَيَسْلَمُ مِنْ قِيلٍ وَقَالَ وَمِنْ أَذَى *** جَلِيسٍ وَمِنْ وَاشٍ بَغِيضٍ وَحُسَّدِ
فَكُنْ حِلْسَ بَيْتٍ فَهْوَ سِتْرٌ لِعَوْرَةٍ *** وَحِرْزُ الْفَتَى عَنْ كُلِّ غَاوٍ وَمُفْسِدِ
وَخَيْرُ جَلِيسِ الْمَرْءِ كُتْبٌ تُفِيدُهُ *** عُلُومًا وَآدَابًا وَعَقْلًا مُؤَيِّدِ
وَخَالِطْ إذَا خَالَطْت كُلَّ مُوَفَّقٍ *** مِنْ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ التُّقَى وَالتَّسَدُّدِ
يُفِيدُك مِنْ عِلْمٍ وَيَنْهَاكَ عَنْ هَوًى *** فَصَاحِبْهُ تُهْدَ مِنْ هُدَاهُ وَتَرْشُدْ
وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ إنْ قُمْت عَنْهُ وَاَلْ *** بَذِيِّ فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِي
وَلَا تَصْحَبْ الْحَمْقَى فَذُو الْجَهْلِ إنْ *** يَرُمْ صَلَاحًا لِشَيْءٍ يَا أَخَا الْحَزْمِ يُفْسِدْ
وَخَيْرُ مَقَامٍ قُمْت فِيهِ وَخَصْلَةٍ *** تَحَلَّيْتَهَا ذِكْرُ الْإِلَهِ بِمَسْجِدِ
وَكُفَّ عَنْ الْعَوْرَا لِسَانَك وَلْيَكُنْ *** دَوَامًا بِذِكْرِ اللَّهِ يَا صَاحِبِي نَدِي
وَحَصِّنْ عَنْ الْفَحْشَا الْجَوَارِحَ كُلَّهَا *** تَكُنْ لَك فِي يَوْمِ الْجَزَا خَيْرَ شَاهِدِ
وَوَاظِبْ عَلَى دَرْسِ الْقُرَانِ فَإِنَّهُ *** يُلَيِّنُ قَلْبًا قَاسِيًا مِثْلَ جَلْمَدِ
وَحَافِظْ عَلَى فِعْلِ الْفُرُوضِ لِوَقْتِهَا *** وَخُذْ بِنَصِيبٍ فِي الدُّجَى مِنْ تَهَجُّدِ
وَنَادِ إذَا مَا قُمْت فِي اللَّيْلِ سَامِعًا *** قَرِيبًا مُجِيبًا بِالْفَوَاصِلِ يَبْتَدِي
وَمُدَّ إلَيْهِ كَفَّ فَقْرِك ضَارِعًا *** بِقَلْبٍ مُنِيبٍ وَادْعُ تُعْطَ وَتَسْعَدْ
وَلَا تَسْأَمَنَّ الْعِلْمَ وَاسْهَرْ لِنَيْلِهِ *** بِلَا ضَجَرٍ تَحْمَدْ سُرَى السَّيْرِ فِي غَدِ
وَكُنْ صَابِرًا لِلْفَقْرِ وَادَّرِعْ الرِّضَى *** بِمَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ وَاشْكُرْهُ وَاحْمَدْ
فَمَا الْعِزُّ إلَّا فِي الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَى *** بِأَدْنَى كَفَافٍ حَاصِلٍ وَالتَّزَهُّدِ
فَمَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ الْكَفَافُ فَمَا *** إلَى رِضَاهُ سَبِيلٌ فَاقْتَنِعْ وَتَقَصَّدْ


وبالجملة فهذه الفضائل لا تدرك إلا بالصبر ، فعض عليه بالنواجذ .

قال – تعالى - : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ } [النحل : 127] .

قال الشنقيطي - رحمه الله -: " ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالصبر، وأنه لا يمتثل ذلك الأمر بالصبر إلا بإعانة الله وتوفيقه؛ لقوله: {وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} " (أضواء البيان:2/468).

الأدب الخامس / الرفق .

الرفق هو زينة الأعمال الجماعية ، فإنه سير بتؤدة فإذا تَوَّجَه العبد بالحكمة ، فجعل الإقدام والإسراع في محله ، والتأخر والإبطاء في موضعه ، بلغ الداعية مقصوده .

قال ابن حبان – رحمه الله - : " الواجب على العاقل لزوم الرفق في الأمور كلها ، وترك العجلة والخفة فيها ؛ إذ الله – تعالى – يحب الرفق في الأمور كلها .

ومن منع الرفق منع الخير ، كما أن من أعطي الرفق أعطي الخير ، والعاقل يلزم الرفق في الأوقات ، والاعتدال في الحالات ، وما لم يصلحه الرفق لم يصلحه العنف
" (الروضة ).

الرفق أيمن شيء أنت تتبعه *** والخرق أشأم شيء يقدم الرجلا
وذو التثبت من حمد إلى ظفر *** من يركب الرفق لا يستحقب الزللا


وجاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – جملة من الأحاديث تدل على فضله منها :
عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه " (متفقٌ عَلَيْهِ) .

وعنها : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ، وَيُعْطي عَلَى الرِّفق ، مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ " (رواه مسلم) .

وعنها : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " إنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ في شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ " (رواه مسلم) .

" وعن ابْنِ الْمُبَارَكِ ؛ قَالَ : سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ حَجَرٍ يَقُولُ : كَانَ يُقَالُ : مَا أَحْسَنَ الْإِيمَانَ يُزَيِّنُهُ الْعِلْمُ ! وَمَا أَحْسَنَ الْعِلْمَ يُزَيِّنُهُ الْعَمَلُ ! وَمَا أَحْسَنَ الْعَمَلَ يُزَيِّنُهُ الرِّفْقُ ! وَمَا أُضِيفَ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَزْيَنَ مِنْ عِلْمٍ إِلَى حِلْمٍ " (المجالسة وجواهر العلم :2/161) .

لو سار ألف مدجج في حاجة *** لم يقضها إلا الذي يترفق


فالتعاون الشرعي يجب أن يضبط بالترفق النبوي ، والقصد القصد تبلغوا المنزل .

فالمطلوب هو بذل الوسع فيما يطيقه العباد ، دون عجلة طائشة ، ودون تهور بارد . بل على العاقل أن يكلف نفسه وجماعته من العمل ما يطيقون .

عليك بوجه القصد فاسلك سبيله *** ففي الجور إهلاك وفي القصد مسلكُ
إذا أنت لم تعرف لنفسك قدرها *** تحمِّلها ما لا تطيق فتهْلِكُ


تنبيه مهم :

احذر (الفشل، والندامة ) نسل التواني والعجز ، فقد قال بعض الحكماء : " نكح العجز التواني فولَّد الندامة " .

قال ابن حبان – رحمه الله - : " العاقل يعلم أن التواني في الأمور كالإفراط في السعي ، فيجتنبهما معاً ، ويجعل لنفسه مسلكاً بينهما " (مختصر روضة العقلاء ص/151) .

الرفق يمن سيلقى اليمن صاحبه *** والخُرْق منه يكون العنف والزللُ
والحزم أن يتأنى المرء فرصته *** والكف عنها إذا ما أمكنت فشَلُ


الأدب السادس / التوادد والتراحم .


إن من أعظم ما يمد التعاون الشرعي بروافد الدوام هو نهر المحبة والوئام ، فإن الله – تعالى – يجعل بين كل مشتركين في شيء من المودة والرحمة ما يناسب ما اشتركا به ، وانظر إلى عمق المحبة بين الآباء والأمهات وبين البنين والبنات .

وكذلك الحال بين الزوجين لما كان الأصل في اجتماعهما الدوام جعل الله بينهما المودة والرحمة ، كما قال – تعالى - : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] .

ومنه اجتماع أهل الإيمان فإن مبناه على المحبة والنصرة ، كما قال – تعالى - : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [التوبة: 71] .

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - :" مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى " (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) .

وفي لفظ : " المؤمنون كرجلٍ واحدٍ إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " ولمسلم بلفظ : " المسلمون كرجلٍ واحدٍ إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله" .

ومعنى:" تداعى له سائر الجسد " أي دعا بعضه بعضاً إلى المشاركة في ذلك " (الديباج للسيوطي:5/521) .

وقال ابن عثيمين – رحمه الله - : " فأنت إذا أحسست بألم في أطراف شيء من أعضائك فإن هذا الألم يسري على جميع البدن كذلك ينبغي أن تكون للمسلمين هكذا إذا اشتكى أحد من المسلمين فكأنما الأمر يرجع إليك أنت " (شرح رياض الصالحين:1/214) .

قال المناوي – رحمه الله - : " (مثل المؤمنين) الكاملين في الإيمان (في توادهم) بشدة الدال مصدر توادد أي تحابب (وتراحمهم) أي تلاطفهم (وتعاطفهم) أي عطف بعضهم على بعض (مثل الجسد) الواحد بالنسبة لجميع أعضائه وجه الشبه التوافق في التعب والراحة (إذا اشتكى) أي مرض (منه عضو تداعى له سائر الجسد) أي باقيه (بالسهر) بفتح الهاء ترك النوم لأن الألم يمنع النوم (والحمى) لأن فقد النوم يثيرها. ولفظه خبر ومعناه أمر أي: كما أن الرجل إذا تألم بعض جسده سرى ذلك الألم إلى جميع بدنه فكذا المؤمنون ليكونوا كنفس واحدة إذا أصاب أحدهم مصيبة يغتم جميعهم ويقصدوا ازالتها " (فيض القدير:2/722).

ولما كانت المودةُ والمحبةُ بين المؤمنين مطلوبةً رغب الشرع بها وبين فضلها ، ومن ذلك :
ما جاء عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أنَّ رَجُلاً زَارَ أَخَاً لَهُ في قَريَة أُخْرَى ، فَأرْصَدَ الله تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً ، فَلَمَّا أتَى عَلَيهِ ، قَالَ : أيْنَ تُريدُ ؟ قَالَ : أُريدُ أخاً لي في هذِهِ القَريَةِ . قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا عَلَيهِ ؟ قَالَ : لا ، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَى ، قَالَ : فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ بَأنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ )) رواه مسلم .

فإشاعة المحبة بين المؤمنين من المقاصد الشرعية ، والواجبات الديانية ؛ لأنه يتوقف عليها صلاح الجماعة المسلمة ، وحفظها ، ودفع المفسدات عنها .

الأدب السابع / التواضع .

إن التواضع مسلك الكبراء ؛ لأنه دال على تمكن صاحبه من الأخلاق الفاضلة ، فلا تستثيره الرعونات ، ولا تزحزحه التطلعات ؛ فهو طالب لرضا ربه ، لا قاصداً حظ نفسه .

قال ابن حبان – رحمه الله - : " لا ترى تائها إلا وضيعاً " .

وقال يحي بن خالد : " الشريف إذا تقرأ تواضع ، والدَّنيء إذا تقرأ تكبر " .

فأعظم ما يفسد التعاون الشرعي هو طلب المتعالي التسلق على أكتاف الجماعة للوصول إلى أغراضه القلبية من طلب العلو ، والاستعلاء .

قال الفضيل بن عياض: " ما من أحد أحب الرياسة إلا (حسد)، (وبغى)، (وتتبع عيوب الناس)، (وكره أن يذكر أحد بخير) " .

وقال عمر - رضي الله عنه - : " تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا له الوقار والسكينة وتواضعوا لمن تعلمتم منه، ولمن علمتوه ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم".

قال الشافعي – رحمه الله - :

أهين لهم نفسي وأكرمها بهم *** ولا تُكْرَم النفسُ التي لا تهينها

قال ابن حبان – رحمه الله - : " الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر . ولو لم يكن في التواضع خَصلة تحمد إلا أن المرء كلما كثر تواضعه إزداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه ألا يتزيا بغيره .

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعاً *** فكم تحتها قوم هم منك أرفع

فالعاقل إذا رأى من هو أكبر سنا منه تواضع له وقال : سبقني إلى الإسلام ، وإذا رأى من هو أصغر سناً تواضع له وقال سبقته بالذنوب ، وإذا رأى من هو مثله عدَّه أخاً ؛ فكيف يحسن تكبر المرء على أخيه " (مختصر الروضة ص/51 – 52) .

الأدب الثامن / التشاور .

قال – تعالى -: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } [آل عمران:159] . وقال – تعال - : { وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ } [الشورى : 38] .

قال السعدي – رحمه الله - : " وهذا يشمل جميع أمورهم الدينية والدنيوية ، الداخلية والخارجية ، العامة والخاصة ، وأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع كمال عقله وسداد رأيه وعلو مكانته ، فقال : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } .

وكان – صلى الله عليه وسام – يشاور أصحابه في كل ما يحتاج إلى المشاورة من دقيق وجليل ، ويأخذ برأيهم المصيب ، وربما ابتدؤه بالرأي الذي يرونه فيرجع إليه إذا اتضح له صوابه ، وإنما كانت المشاورة لها هذا المقام الجليل لما يترتب عليها من المصالح الكلية العامة في الشئون الدينية ، والشئون الدنيوية ، وأمور السياسة وتوابعها
" (الرياض الناضرة ص/62).

وحاجة المتعاونين على البر والتقوى للمشاورة للوصول للهداية إلى مصالحهم المشتركة ؛ فإن من شاور الرجال فقد شاركهم في عقولهم.

وأكثر من الشورى فإنك أن تصب *** تجد مادحاً أو تخطأ الرأي تعذر


وقال علي - رضي الله عنه - : " الاستشارة عين الهداية , وقد خاطر من استغنى برأيه" (الآداب الشرعية: 1/159).

وقال ابن تيمية –رحمه الله-: إنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَا نَبِيَّهُ لِتَأْلِيفِ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ وَلِيَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ وَلِيَسْتَخْرِجَ بِهَا مِنْهُمْ الرَّأْيَ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ : مِنْ أَمْرِ الْحُرُوبِ وَالْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ " (مجموع الفتاوى :28/387) .

وحقيقة المشاورة عند الفتن حسم للنزاع بمناقلة الرأي بين العقول ، كمنخل الدقيق يخرج الصافي دون النخالة .

رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها


فكم جرت علينا الفردية من ويلات , وألحقت بنا من المضرات , فإياك والمتاهات , مسترشداً بأولي الألباب والعقول النيرات , من لزموا شرع الله – تعالى - ديناً , وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم – سبيلاً , فهم مصابيح الهدى ، ومنائر الصلاح .

قال البخاري - رحمه الله - : " وَكَانَتِ الأَئِمَّةُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَشِيرُونَ الأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي الأُمُورِ المُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا، فَإِذَا وَضَحَ الكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ، اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (البخاري:6/2862).

وإن أمر عليك التوى فشاور لبيبا ولا تعصه


" كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَشِيرُ فِي الْأَمْرِ حَتَّى إنْ كَانَ رُبَّمَا اسْتَشَارَ الْمَرْأَةَ فَأَبْصَرَ فِي رَأْيِهَا فَضْلًا " ( الآداب الشرعية:1/324) .

إن اللبيب إذا تفرق أمره فتق الأمور مناظراً ومشاوراً
وأخو الجهالة يستبد برأيه فتراه يعتسف الأمور مخاطراً


" وَقِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَبْسٍ مَا أَكْثَرَ صَوَابَكُمْ ؟ قَالَ : نَحْنُ أَلْفٌ وَفِينَا وَاحِدٌ حَازِمٌ وَنَحْنُ نُشَاوِرُهُ وَنُطِيعُهُ فَصِرْنَا أَلْفَ حَازِمٍ " (الآداب الشرعية:1/323)

الأدب التاسع / التطاوع .

لما كانت المشاورة من المقاصد التي تصلح العمل الجماعي المشترك ، فيما تعددت فيه الأفراد ، ولم يكن في المسألة نص يفصل النزاع تعين قصدها لبلوغ الغرض المطلوب .

أما إذا كان العمل بين اثنين لم يصلح التشاور حلاً للوصول إلى المقصود إذ قد يختلف الاثنان ولا مرجح لرأي أحدهما على الآخر ، فتعين أن يكون هناك طريق آخر ، يسلكه المشتركان ، وقد أرشد له النبي – صلى الله عليه وسلم – إليه وهو (التطاوع) .

حديث أَبِي مُوسى وَمُعَاذٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَدَّهُ أَبَا موسى وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا " (متفق عليه) .

قال النووي – رحمه الله - : " وفيه أمر الولاة بالرفق واتفاق المتشاركين في ولاية ونحوها وهذا من المهمات فإن غالب المصالح لا يتم إلا بالاتفاق ومتى حصل الاختلاف فات " (شرح مسلم :12/41) .

وقال ابن بطال – رحمه الله - : " فيه الحض على الاتفاق وترك الاختلاف لما فى ذلك من ثبات المحبة والألفة ، والتعاون على الحق ، والتناصر على إنفاذه وإمضائه " (شرح صحيح البخاري : 8/247) .

وقال ابن حجر – رحمه الله - : " قوله : (وتطاوعا) أي: توافقا في الحكم ، ولا تختلفا ؛ لأن ذلك يؤدي إلى اختلاف اتباعكما ، فيفضى إلى العداوة ، ثم المحاربة .

والمرجع في الاختلاف إلى ما جاء في الكتاب والسنة ، كما قال - تعالى -
: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] " (فتح الباري : 13/162-163) .

الأدب العاشر / التناصح .

وهذا الأدب يشمل أمرين :

الأول / بذلها بحسن لفظ ونقاء عبارة مع سلامة القلب من التشفي والحسد والتعالي والتكبر فإن هذه العلل من المفسدات التي تذهب نفع النصيحة وتنافي مقصودها .

قال البربهاري – رحمه الله - : " المجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة ، والمجالسة للمجادلة غلق باب الفائدة ".

ومن ذلك الإسرار بالنصيحة فإنه ادعى لقبولها ، كما قال الشافعي رحمه الله : " من وعظ أخاه سراً فقد نصحه و زانه ، و من وعظه علانية فقد فضحه و شانه " .

و من لطيف شعره - رحمه الله - :

تعمّدني بنصحك في انفرادي *** و جنّبني النصيحة في الجماعة
فإنّ النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
و إن خالفتني و عصيت قولي *** فلا تجزع إذا لم تعط طاعة


الثاني / قبول ما ظهر من الحق منها ، وبها ، وتحَمُل ما قد يثقل على قلبه من بيان خطأه وزلته ، بل الواجب عليه الفرح بذلك ، كما جاء عن عمر – رضي الله عنه - : " رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي " (ذكره الدارمي، في رسالة عباد بن عباد الخواص: 1/160).

لا أن يجعل المناصحة عتبة مقاطعة ومصارمة ، وبداية مناكدة ومناكفة ، فهو لا يقبلها لأنفة وكبر ، قد تراكما على قلبه حتى منعاه من سماع الحق وقبوله والانقياد له .

فأنفع ما للعبد هو إماتة النفس وعدم التطلع إلى حظوظها . بل كما قال ابن القيم – رحمه الله – في الفوائد - : " حميتك لنفسك أثر الجهل بها ، فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الخصم عليها " .

وعليه أن يفقه حقيقة النصيحة كما بينه شيخ الإسلام – رحمه الله - : " وَتَعْلَمُونَ أَيْضًا : أَنَّ مَا يَجْرِي مِنْ نَوْعِ تَغْلِيظٍ أَوْ تَخْشِينٍ عَلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالْإِخْوَانِ : مَا كَانَ يَجْرِي بِدِمَشْقَ وَمِمَّا جَرَى الْآنَ بِمِصْرِ فَلَيْسَ ذَلِكَ غَضَاضَةً وَلَا نَقْصًا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ وَلَا حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَغَيُّرٌ مِنَّا وَلَا بُغْضٌ . بَلْ هُوَ بَعْدَ مَا عُومِلَ بِهِ مِنْ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْشِينِ أَرْفَعُ قَدْرًا وَأَنْبَهُ ذِكْرًا وَأَحَبُّ وَأَعْظَمُ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي يُصْلِحُ اللَّهُ بِهَا بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْيَدَيْنِ تَغْسِلُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى . وَقَدْ لَا يَنْقَلِعُ الْوَسَخُ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْخُشُونَةِ ؛ لَكِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ مِنْ النَّظَافَةِ وَالنُّعُومَةِ مَا نَحْمَدُ مَعَهُ ذَلِكَ التَّخْشِينَ "(مجموع الفتاوى :28/53 - 54) .

ملاحظة مهمة :

هناك صنف من الدخلاء على الدعوة - جهلاً أو قصداً – يتوصلون إلى أغراضهم النفسية وأمراضهم القلبية (بالتشهير بالمنصوح)، (وإبراز مثالبه)، (وإشهار معايبه) مستغلين خشونة الناصح في نصحه ، كما بين ذلك شيخ الإسلام – رحمه الله – بقوله : " وَتَعْلَمُونَ : أَنَّا جَمِيعًا مُتَعَاوِنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاجِبٌ عَلَيْنَا نَصْرُ بَعْضِنَا بَعْضًا أَعْظَمَ مِمَّا كَانَ وَأَشَدَّ . فَمَنْ رَامَ أَنْ يُؤْذِيَ بَعْضَ الْأَصْحَابِ أَوْ الْإِخْوَانِ لِمَا قَدْ يَظُنُّهُ مِنْ نَوْعِ تَخْشِينٍ - عُومِلَ بِهِ بِدِمَشْقَ أَوْ بِمِصْرِ السَّاعَةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - فَهُوَ الغالط "(مجموع الفتاوى :28/54) .

الأدب الحادي عشر والثاني عشر/ الشجاعة والسماحة .

من الصفات التي تقيم الجماعة الإسلامية وتمدها بروح بقائها هي شجاعة أفرادها وتفانيهم في سبيل تحصيل مصالح دينهم ودنياهم ، وسماحتهم ببذل أموالهم لإقامة ذلك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وَقَالَ تَعَالَى : { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْبِرَ وَأَنْ يَرْحَمَ وَهَذَا هُوَ الشَّجَاعَةُ وَالْكَرَمُ . وَلِهَذَا يقْرِنُ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ تَارَةً ؛ وَهِيَ الْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّبْرِ تَارَةً .

وَلَا بُدَّ مِنْ الثَّلَاثَةِ : الصَّلَاةِ ؛ وَالزَّكَاةِ ؛ وَالصَّبْرِ . لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ الْمُؤْمِنِينَ إلَّا بِذَلِكَ ؛ فِي صَلَاحِ نُفُوسِهِمْ وَإِصْلَاحِ غَيْرِهِمْ ؛ لَا سِيَّمَا كُلَّمَا قَوِيَتْ الْفِتْنَةُ وَالْمِحْنَةُ ؛ فَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَكُونُ أَشَدَّ ؛ فَالْحَاجَةُ إلَى السَّمَاحَةِ وَالصَّبْرِ عَامَّةً لِجَمِيعِ بَنِي آدَمَ لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ دِينِهِمْ وَلَا دُنْيَاهُمْ إلَّا بِهِ . وَلِهَذَا جَمِيعُهُمْ يَتَمَادَحُونَ بِالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ حَتَّى إنَّ ذَلِكَ عَامَّةُ مَا يَمْدَحُ بِهِ الشُّعَرَاءُ فِي شِعْرِهِمْ . وَكَذَلِكَ يَتَذَامُّونَ بِالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ . وَالْقَضَايَا الَّتِي يَتَّفِقُ عَلَيْهَا بَنُو آدَمَ لَا تَكُونُ إلَّا حَقًّا ؛ كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَدْحِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ ؛ وَذَمِّ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ .
" (الاستقامة : 2/262) .

وكان السلف يمتدحون الإقدام والبسالة ، ويحبون الفروسية والشجاعة فمن ذلك وصية أبي بكر الصديق لخالد بن الوليد : " احرص على الموت توهب لك الحياة " .

وقال خالد بن الوليد : " حضرت كذا وكذا زحفاً في الجاهلية والإسلام ، وما في جسدي موضع إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة بسيف وها أنا ذا أموت على فراشي ، فلا نامت أعين الجبناء " .

وقال حسان بن ثابت – رضي الله عنه - :

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدِّما

ولقد أحسن القائل ، وهو قطري بن الفجاءة – مخاطباً نفسه - :

أقول لها وقد طارت شعاعا ... من الأبطال ويحك لن تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبرا في مجال الموت صبرا ... فما نيل الخلود بمستطاع
وما ثوب الحياة بثوب عز ... فيطوي عن أخي الخنع اليراع
سبيل الموت غاية كل حي ... وداعيه لأهل الأرض داعي
ومن لم يعتبط يسام ويهرم ... وتسلمه المنون إلى انقطاع
وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عد من سقط المتاع


وهنا تنبيه مهم :

قال ابن القيم – رحمه الله - : " وكثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقوة وهما متغايران ؛ فإن الشجاعة هي ثبات القلب عند النوازل ، وإن كان ضعيف البطش .

وكان الصديق - رضي الله عنه - أشجع الأمة بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وكان عمر وغيره أقوى منه ، ولكن برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال ، وهو في ذلك ثابت القلب ، ربيط الجاش ، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم فيثبتهم ويشجعهم
" (الفروسية ص/500) .

وقال السعدي – رحمه الله - : "
حقيقة الشجاعة هي الصبر والثبات والإقدام على الأمور النافع تحصيلها أو دفعها ، وتكون في الأقوال وفي الأفعال ، فأصلها في القلب وهو ثباته وقوته وسكونه عند المهمات والمخاوف ، وثمرته الإقدام في الأقوال والأفعال وعند القلق والاضطراب ، وكماله وزينته أن يكون موافقاً للحكمة
" (الرياض الناضرة ص/43) .

ومن الشجاعة يتولد السخاء والجود والكرم ، فالذي يبذل نفسه يسهل عليه بذل ماله ، وبهما يكون قيام مصالح الدين والدنيا .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " فَلَا تَتِمُّ رِعَايَةُ الْخَلْقِ وَسِيَاسَتُهُمْ إلَّا بِالْجُودِ الَّذِي هُوَ الْعَطَاءُ ؛ وَالنَّجْدَةُ الَّتِي هِيَ الشَّجَاعَةُ ؛ بَلْ لَا يَصْلُحُ الدِّينُ وَالدُّنْيَا إلَّا بِذَلِكَ " (مجموع الفتاوى :28/291) .

الشجاعة الدينية :

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " وكان لأبي بكر مع الشجاعة الطبيعية شجاعة دينية وهي قوة يقينية بالله - عز وجل - ، وثقة بأن الله ينصره والمؤمنين ، وهذه الشجاعة لا تحصل بكل من كان قوي القلب ، لكن هذه تزيد بزيادة (الإيمان) ، (واليقين) ، وتنقص بنقص ذلك " (منهاج السنة :8/62) .

قال السعدي – رحمه الله - : " والشجاعة خلق نفسي ، ولكن له مواد تمده ، فأعظم ما يمده وينميه الإيمان وقوة التوكل على الله وكمال الثقة بالله ، وعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، ويمده – أيضاً – الإكثار من ذكر الله والثناء عليه " (الرياض الناضرة ص/43) .

وقال – أيضاً - : " ومما يمد هذا الخلق الجليل الإخلاص لله وعدم مراءاة الخلق ، فإن المخلص الذي لا يريد إلا وجه الله وثوابه لا يبالي بلوم اللائمين إذا كان في ذلك رضا لرب العالمين فيقدم على قول الحق غير مبال بانتقاد من انتقده في موضوعه أو لفظه أو فصاحته أو عدمها ، لا يعد المدح من الناس شيئاً في جانب قيامه بالحق .

أما المرائي المتزين للناس ، الواقف في همته على مدحهم وذمهم ، فما أسرع خوره في المقامات الرهيبة ، وما أعظم هلعه وهيبته إذا رماه الناس بأبصارهم ، وما أقل ثبوته عند اعتراض المعترضين وذم الذامين
" (الرياض الناضرة ص/47 - 48) .

وقال – أيضاً - : " ويمد هذا الخلق الفاضل – أيضاً – التمرين ، فإن الشجاعة وإن كانت في القلب فإنها تحتاج إلى تدريب النفس على الإقدام وعلى التكلم بما في النفس وإلقاء المقالات والخطب في المحافل ، فمن مرن نفسه على ذلك لم يزل به الأمر حتى يكون ملكة له ، وزالت هيبة الخلق من قلبه فلا يبالي ، ألقى الخطب والمقالات في المحافل الصغار والكبار على العظماء وغيرهم . . . إلخ " (الرياض الناضرة ص/46) .

الأدب الثالث عشر/ الزهد فيما عند الناس ، والزهد في حظوظ النفس .

إن من أجل الأوصاف التي ترفع العبد ، وتكسيه العزة هي استغناؤه عما في أيدي الناس ، وزهده في ذلك ، كما قال جبريل – عليه السلام - للنبي – صلى الله عليه وسلم - : " واعلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ، وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ "(صحيح الترغيب ، رقم :627) .

فتطلع العبد إلى ما في أيدي الناس يوجب مقتهم لهم ، ونفرة القلوب منه ؛ لأنه يزاحمهم على دنياهم ، وينقص ما في أيديهم ، وهذا من أعظم المفسدات للاجتماع الشرعي ؛ لأنه متضمن للتنافي القلبي ومضعف للحب الذي هو عماد الجماعة المسلمة .

وهذه سنة فطرية ، كما قال أيوب السختياني - رحمه الله - :" لا يُقبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان : العفة عما في أيدي الناس ، والتجاوز عما يكون منهم ) .

وقد نبه على هذه الحقيقة النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما صح عنه من حديث أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يَا رسولَ الله ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ ، فقال : " ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ "(رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم :944 ) .

وقال الحجاج لخالد بن صفوان: من سيدُ أهل البصرة؟ فقال له: الحسن البصري، قال: وكيف ذاك وهو مولى؟!، قال: احتاج الناس إليه في دينهم، واستغنى عنهم في دنياهم، وما رأيت أحداً من أشراف البصرة إلا وهو يطلب الوصول في حلقته إليه، ليستمع قوله، ويكتب علمه، قال الحجاج: هذا والله السؤدد ".

وأما الزهد في الحظوظ النفسية فهو داخل ضمن الزهد في الدنيا ، وحقيقة ذلك هو الزهد في الترأس وطلب العلو على الأقران ، والتنافس على الصدارة ، وحب الظهور ، وذلك ناشئ من معرفة النفس والخبرة بعيوبها التي تثمر تواضع العبد وقتل العجب في نفسه .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين :
• بكاؤه على نفسه .
• وثناؤه على ربه .
" ( الفوائد ص/ 31) .

وحقيقة ذلك أن لا ترى نفسك في حال التعاون الشرعي ، بل ترضى من العمل ما توضع فيه لأن غايتك رضا الله ، فتجعل من العمل الجماعي وسيلة للوصول إلى الله ، ولا تجعله مطية للوصول إلى رأس الهرم .

كما وصف النبي – صلى الله عليه وسلم – الاتقياء الأخفياء ، فقال : " طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ " (رواه البخاري).

قال ابن بطال – رحمه الله - : " وفيه ترك حب الرياسة والشهرة ، وفضل الخمول ولزوم التواضع لله بأن يُجْهَل المؤمنُ فى الدنيا، ولا تُعرف عينه فيشار إليه بالأصابع ، وبهذا أوصى - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر – رضي الله عنهما - ، فقال له : " يا عبد الله ، كن فى الدنيا كأنك غريب ".
والغريب مجهول العين فى الأغلب فلا يؤبه لصلاحه فيكرم من أجله ويبجل ، فمن لزم هذه الطريقة كان حريًا إن استأذن ألا يؤذن له ، وإن شفع ألا يشفع
" (شرح صحيح البخاري : 5/84) .

فما أعظمها من نفوس أماتت حظوظها إلا حظاً يعين على طاعة الله – تعالى - ، ولم تطالع أعمالها إلا بنظر المنة الكاملة التامة لله – تعالى - ، فهو النظر الذي يُحْرِق عُجْبَ النفسِ وزهوها .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالإخلاص ، وعن نفسك بشهود المنة ، فلا ترى فيه نفسك ، ولا ترى الخلق " (الفوائد ص/ 57) .

ومن علامة صحة الزهد في حظوظ النفس انكشاف فضائل إخوانك لعين بصيرتك ، فتعرف لذي الفضل منهم فضله ، ومن تمام ذلك أن لا ترى لنفسك على أحد فضلاً .

" وأما رؤية فضل كل ذي فضل عليك : فهو أن تراعي حقوق الناس فتؤديها ولا ترى أن ما فعلوه من حقوقك عليهم فلا تعاوضهم عليها فإن هذا من رعونات النفس وحماقاتها ولا تطالبهم بحقوق نفسك وتعترف بفضل ذي الفضل منهم وتنسى فضل نفسك .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول
: العارف لا يرى له على أحد حقا ولا يشهد له على غيره فضلا ولذلك لا يعاتب ولا يطالب ولا يضارب " (مدارج السالكين :1/523) .

(يتبع . . . ) - إن شاء الله - .




رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-01-2013, 01:23 AM
عزام عبد المعطي الاشهب عزام عبد المعطي الاشهب غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: القــــدس
المشاركات: 953
افتراضي

جزاك الله خيرا...
تسجيل متابعة!
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-01-2013, 01:24 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي



ثمرات التعاون الشرعي .

إن التعاون الشرعي لا يكون إلا مع المخالطة والمعاشرة ، ولا يتم إلا بالتواصل واللقاء . فإن كثيرا من المقاصد الشرعية لا تحصل إلا بالاجتماع ، ولا تدرك إلا بالتآزر .

ولهذا فإن كثيراً من السلف آثروا الخلطة على العزلة ، كما قال القاسمي – رحمه الله - : " وأمَّا أكثر السلف فذهبوا إلى استحباب المخالطة واستكثار المعارف والإخوان ، والتآلف والتحبب إلى المؤمنين ، والاستعانة بهم في الدين ، تعاوناً على البر والتقوى " (تهذيب موعظة المؤمنين ص/131) .

فالتعاون لا يتم إلا بالاجتماع والخلطة ، وبالاجتماع والخلطة تكون الثمار التالية :

1) العلم والتعليم .

وذلك من خلال الدروس و المحاضرات أو المواعظ والمذاكرات التي تقع في اللقاءات والاجتماعات .
فعن عبد العزيز بن أبي حازم قال: قال أبي : " كان الناس فيما مضى من الزمان الأول إذا لقي الرجل من هو أعلم منه قال اليوم يوم غنمي فيتعلم منه ، وإذا لقي من هو مثله قال اليوم يوم مذاكرتي فيذاكره ، وإذا لقي من هو دونه علمه ولم يزه عليه قال حتى صار هذا الزمان فصار الرجل يعيب من فوقه ابتغاء ان ينقطع منه حتى لا يرى الناس أن له إليه حاجة وإذا لقي من هو مثله لم يذاكره فهلك الناس عند ذلك " (الجامع لأخلاق الراوي : 2/276) .

2) الخبرة والحنكة .

قال القاسمي – رحمه الله - : " وأما التجارب فإنها تستفاد من المخالطة للخلق ، ومجاري أحوالهم ، والعقل الغريزي ليس كافياً في تفهيم مصالح الدين والدنيا ، وإنما تفيدها التجربة والممارسة ، ولا خير في عزلة من لم تحنكه التجارب " (تهذيب موعظة المؤمنين ، ص/134) .

3) تطهير النفس من عللها .

ومن ذلك (الكبر) ، فالترفع على الناس يدعو إلى ترك مخالطتهم ومجالستهم ، كما جاء عن سعد بن أَبي وَقَّاص - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ نَفَرٍ ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : اطْرُدْ هؤلاء لا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا ، وَكُنْتُ أنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ . وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلالٌ وَرَجُلاَنِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا ، فَوَقَعَ في نفس رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفسَهُ ، فَأنْزَلَ اللهُ تعالى : { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [ الأنعام : 52 ] رواه مسلم .

وجاء عند ابن ماجة بسياق أتم فقال : " عن أبي سعد الأزدي وكان قارئ الأزد عن أبي الكنود عن خباب في قوله تعالى ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) إلى قوله ( فتكون من الظالمين ) قال جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدا رسول الله صلى الله عليه و سلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه و سلم حقروهم فأتوه فخلوا به وقالوا إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال نعم قالوا فاكتب لنا عليك كتابا قال فدعا بصحيفة ودعا عليا ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبرائيل عليه السلام فقال ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ) ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ) ثم قال ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) قال فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ) ولا تجالس الأشراف ( تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) يعني عيينة والأقرع ( واتبع هواه وكان أمره فرطا ) قال هلاكا قال أمر عيينة والأقرع ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا قال خباب فكنا نقعد مع النبي صلى الله عليه و سلم فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم " (صحيح ابن ماجه ، برقم : 3328) .

قال القاسمي – رحمه الله - : " وأما التواضع فإنه من أفضل المقامات ، ولا يقدر عليه في الوحدة ، وقد يكون الكبر سبباً في اختيار العزلة ، أو مخافة أن لا يوقر في المحافل أو لا يقدم ، أو يرى الترفع عن مخالطتهم أرفع لمحله ، وأبقى في اعتقاد الناس في تعبده وزهده " (تهذيب موعظة المؤمنين، ص/133 ) .

4) التعارف .

إن كثرة اللقاءات مما تزيد في الصداقات ، وتمتن العلاقات . بل وتكسب العبد من الأخوان ما يكونون عوناً له في تحصيل كثير من مصالح دينه ودنياه .

قال ابن حبان – رحمه - : " الواجب على العاقل أن لا يغفل عن مؤاخاة الإخوان وإعداده إياهم للنوائب والحِدثان ، وللتعزي بهم عند الهموم والغموم .

وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : عليك بإخوان الصدق ، فعش في أكنافهم ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعدة في البلاء " .

ما المرء إلا بإخوانه كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة ولا خير في الساعد الأجذم


(مختصر روضة العقلاء ص/72 – 73) .

5) التآلف .

من المجربات عند العباد أن من كان قريباً من العين كان قريباً من القلب ، وذلك لما في التقارب البدني من أثر على تقارب القلوب وألفتها .

قال ابن حبان – رحمه الله - : " ومما يحيي الود دوام لقي الإخوان ، وليس شيء من السرور يعدل صحبتهم ، ولا غم يعدل فقدهم .

وقيل لسفيان الثوري : ما مائ العيش ؟ قال : لقاء الإخوان .

وقال شعبة بن الحجاج : خرج عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – على إخوانه فقال : أنتم جلاء أحزاني " (مختصر روضة العقلاء ص/ 75) .

6) زيادة الأجر ، والقيام بالواجبات الشرعية .

من المعلوم أن كثيراً من أعمال الإيمان لا تتم على جهة الكمال أو ما يقاربه إلا بالتعاون بين المؤمنين ، فالفرد ينقص من عمله ما توقف على الجماعة وبنقص العمل ينقص الإيمان عن درجة الكمل من العباد .

هذا إذا لم يكونوا مأمورين به على سبيل الحتم ، فإذا كان مأمورين به وجب على الكافة فعله والقيام به ، فإن قصروا في ذلك كان نقص إيمانهم الواجب على قدر تقصيرهم .

لا تحقرنَّ صنيع الخير تفعله *** ولا صغير فعال الشر من صِغَرِه
فلو رأيت الذي استصغرت من حسن *** عند الثواب أطلت العجب من كِبَرِه


7) ترويح النفس .

إن هذه القاءات ، وإن تخللها بعض المزاح المباح ، وسماع الطرف المليحة والحكايات المستطرفة فليس ذلك بمخرج لها عن حدود الشريعة بل هو من مقتضياة النفوس ، كما جاء عن أبي جُحَيْفَة وَهْب بنِ عبد اللهِ - رضي الله عنه - ، قَالَ : آخَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبي الدَّرْداءِ ، فَزارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرداءِ فَرَأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ : مَا شَأنُكِ ؟ قَالَتْ : أخُوكَ أَبُو الدَّردَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ في الدُّنْيَا ، فَجاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً ، فَقَالَ لَهُ : كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أنا بِآكِلٍ حَتَّى تَأكُلَ فأكل ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّردَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ ، فنام ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ . فَلَمَّا كَانَ من آخِر اللَّيلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُم الآن ، فَصَلَّيَا جَمِيعاً فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، فَأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( صَدَقَ سَلْمَانُ )) رواه البخاري .

فكان أبو الدرداء يقول : إني لأجم فؤادي ببعض الباطل - أي اللهو الجائز - لأنشط للحق .

وقال علي : " أجموا هذه القلوب ، و ابتغوا لها طرائف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان " .

وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: أريحوا القلوب؛ فإن القلب إذا أُكره عمي .

8) تكميل المروءات ، والرتب العالية .

لا ريب أن التعاون الشرعي ، والعمل لأجل تحقيق المصالح الكلية العامة المشتركة يدل على علو همة ، ونبل سجية ، وهي من أوصاف أهل المروءات .

قال ابن حبان – رحمه الله - : " من لم يكن له همة إلا بطنه وفرجه عُدَّ من البهائم .
والهمة النبيلة تبلِّغ صاحبها الرتبة العالية
".

وقال عبيد الله بن زياد بن ظبيان : " كان خالي يقول لي : يا عبيد الله هِمَّ ، فإن الهمة نصف المروءة " (مختصر روضة العقلاء ص/170) .

فالهمة التي تسمو بصاحبها إلى مراقي العلا ، بحفظ الدين ، وحمايته ، ومناصرته ، والذب عنه لهي من همم أهل المرواءات ، على خلاف من لا يهتم لنقصان دينه ولا يتحرك لحفظه وصيانته فما أقبح فعله ، وما أوضع نفسه .

كما قال الشاعر :

أبني إن من الرجال بهيمة *** في صورة الرجل السميع المبصر
فطن لكل مصيبة في ماله *** وإذا أصيب بدينه لم يشعر


وفي الختام


اسأل الله – تعالى – أن يتقبل مني هذا العمل

ويجعله خالصاً لوجهه

موافقاً لسنة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم - .

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-01-2013, 02:00 AM
محمد المولى محمد المولى غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: العراق
المشاركات: 207
افتراضي

وفقك الله شيخنا وتقبل منك وجزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-01-2013, 01:33 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


آمين
وجزاك الله خيرا
وزادك ربي من فضله

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-01-2013, 02:13 PM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخنا ونفع الله بما تكتب
__________________
قال معالي الشيخ صالح آل الشيخ-حفظه الله-: " فإن الواجب أن يكون المرءُ معتنيا بأنواع التعاملات حتى يكون إذا تعامل مع الخلق يتعامل معهم على وفق الشرع، وأن لا يكون متعاملا على وفق هواه وعلى وفق ما يريد ، فالتعامل مع الناس بأصنافهم يحتاج إلى علم شرعي"
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 07-01-2013, 02:20 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


أخي الفاضل عزام عبد المعطي الاشهب
جزاك الله خيرا ، وعذرا لم أنتبه لمرورك
زادك ربي توفيقاً

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-02-2013, 11:43 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي



بورك فيك أخي الفاضل
أبومعاذ الحضرمي الأثري
وجزاك الله خيراً



رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-02-2013, 11:55 AM
عمارالفهداوي عمارالفهداوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: العراق
المشاركات: 976
افتراضي

بوركت أخي العزيز على هذا المقال النافع الماتع .. نفع الله بك .
__________________
قال شيخنا أبو عبد الله فتحي بن عبد الله الموصلي- حفظه الله ومتَّع به-:
«متى يظهر شيطان الخوارج؟
إذا تزوَّجتْ بِدعةُ التَّكفير بِبدعَةِ الخُروج على جَماعَةِ المُسلِمين وإمامِهِم, واشتَغَلَ العَروسَانِ بالعُرْس, وبَدَأَ الخَوالِفُ في إدارة مَجامِع الفِتَن؛ طاف طائِفٌ بَينَهُم؛ لِيُقدِّم للمَدعُوِّين - الحَماسِيِّين - أَلوانَاً مِن الانحِراف عن العَقيدَة والمَنهَج بحُلية التَّصحيح والبَيان، وعلى طبقٍ مُزَخرَفٍ ظاهِرُهُ الزُّهدُ والوَرع، وباطِنُه الخَرابُ والدَّمار؛ وقَد نُصِبَت الخِيام، وتَزاوَر الخِلَّان، وتَحزَّبَ الأَقران، وبُذِلَت الأَموال، وَوُزِّعَت الأَدوارُ ظنَّاً مِنهُم أَنَّها صَولَةُ الجِهاد!!».
[[ ينظر: ((منهج شيخ الاسلام في كشف بدعة الخوارج)) للشيخ: فتحي الموصلي/ صـ 19]].
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:41 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.