أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
60955 86507

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-07-2011, 09:24 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي [ تفريغ ] مدخل إلى علم أصول الفقه - علي الحلبي

بسم الله الرحمن الرحيم

مَدخَل إِلى «عِلم أُصولِ الفِقهِ»
محاضرة ضمن الدورة الثامنة لمركز الإمام الألباني
1427هـ - 2006م

لفضيلة الشَّيخ عليّ بن حسنٍ الحلبيّ
-حفظهُ اللهُ-


تفريغ: أم زيد

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أمَّا بَعْدُ:
فهذا -أيُّها الإخوة- لقاؤُنا الأوَّل في هذِهِ الدَّورة المبارَكة، في درسِ «أُصولِ الفِقهِ».
ودرسُنا في «أُصولِ الفِقهِ»؛ سيكونُ موصولًا بِرسالةٍ لطيفةٍ كتبَها مؤلِّفُها؛ ليُيَسِّر فَهْمَ هذا العِلم على طالِبيه؛ ألا وهو: الشَّيخُ عبد الرَّحمن بن ناصرٍ السَّعدي -رحمهُ اللهُ-تعَالى-.
وبين يَدَي هذِهِ الرِّسالة، وهذا البحثِ العِلميِّ؛ لا بُدَّ مِن طرح أمورٍ؛ تكونُ مداخِلَ عِلميَّةً لهذا العِلم، ومسائل أصليَّةً بين يَدَيه.
أمَّا أوَّل ذلِك وأهمُّه: فالإشارةُ إِلى أمرَين مُتضادَّين، مُتعلِّقَين بهذا العلم:
أوَّلُهما: أنَّ هذا العِلم دخلتْ فيه دواخلُ ليست مِنه، واختلطَتْ بِمسائلِه مسائلُ خارجةٌ عنهُ.
هذا الأمرُ الأوَّل، وسيأتي ذِكر بعضِ كلامِ أهل العِلم فيه.
أمَّا الأمرُ الثَّاني: فهو ما يتعلَّق بِدعوى ظاهرُها فيهِ الرَّحمة، وباطِنُها مِن قِبَلِه العذابُ، سَمعناها وقرأناها مِن بعضِ المُعاصِرين مُتَّصلةً بهذا العِلم؛ وهي دَعوى: «تجديد علمِ أُصول الفِقهِ».
وهذه الدَّعوى -مِن حيث هي- قد تكون مقبولةً؛ إذا كان هذا التَّجديدُ صادِرًا من أهلِه، وخارجًا على نَسَق العِلم الصَّحيح، المُشارِ إليه في حديثِ تجديدِ الدِّين -الحديثِ المشهور-: «إنَّ اللهَ يَبْعَثُ على رَأْسِ كُلِّ مائةِ سَنَةٍ مَن يُجدِّدُ لهذِهِ الأمَّة أَمْرَ دِينِها» -أو كَما قال-عليهِ الصَّلاةُ السَّلام-؛ وذلك: بإحياءِ ما اندَرَسَ منه، وبَعْثِ الهِمم في النُّفوس، وما يتَّصِل بذلك.
لكن: إذا كان هذا التَّجديدُ -المدَّعى- صادرًا مِن أناسٍ يُريدون فَرطَ عِقدِ هذا العِلم، ويُريدون التَّبديدَ تحتَ شِعار التَّجديد!
فهذا يكون -حِينئذٍ- أمرًا إدًّا!
وسيأتي ذِكرُ شيءٍ مِن النُّقولِ والبيان في هذا البابِ -أيضًا-.
أمَّا أوَّل ذلك -وهو ما ذكرناهُ مِن أنَّه قد دخل «عِلمَ أُصول الفِقهِ» ما ليس منه-؛ فعِندنا ثلاثُ كلماتٍ؛ وهي كلماتٌ عَزيزاتٌ:
أوَّلها وأخطرُها: كلامُ شَيخ الإسلامِ ابن تَيميَّةَ -رَحمهُ اللهُ- في كتاب «الاستِقامة» -(1/50)-، لمَّا ذَكر أهلَ الكلامِ؛ قال:
«ثم إنَّهم صنَّفوا في «أُصولِ الفِقهِ»، وهو علمٌ مُشترك بين الفُقهاء والمتكلِّمين؛ فبَنَوهُ على أصولِهم الفاسِدة».
فدخل هذا العِلمَ هذِهِ الأصولُ الفاسدةُ؛ لاشتِراك أهلِ الكلام في التَّأليف فيه.
يقولُ الإمامُ الشَّاطبي -رحمهُ اللهُ- في أوائل «الموافَقات»، (1/47-أو نحوها-) يقول:
«كلُّ مسألةٍ مرسومةٍ في أصولِ الفِقهِ لا يَنبني عليها فُروعٌ فِقهيَّة، أو آدابٌ شرعيَّة، أو لا تكون عَونًا على ذلك؛ فوَضْعُها في أصولِ الفِقهِ عاريَّة».
(عاريَّة)؛ يعني: أنَّها مُستعار؛ ليس أصلًا، ولا ثابتًا.
«والذي يوضِّح ذلك» -وهذا كلامُه، وتتمَّة قولِه- «أنَّ هذا العِلم لم يختصَّ بإضافتِه إِلى الفِقه؛ إلا لِكَونِه مُفيدًا له، ومُحقِّقًا للاجتِهاد فيه».
نحنُ عندما نقول: «أُصول الفِقهِ»؛ هذا مُضاف ومُضاف إليه، إذا كان هذا هو أَصلُ ذاك؛ فهل يكونُ الأصلُ مَبتوتًا عما أُضيف إليه؟ أم يكونُ قائمًا عليه، راجِعًا إليه؟
قال: «فإذا لم يُفِدْ ذلك»؛ يعني: أنَّه مُفيدٌ للفِقه، ومُحقِّق للاجتِهادِ فيه، «فإذا لم يُفدْ ذلك؛ فليس بأصلٍ له، ولا يَلزمُ -على هذا- أن يكونَ كلُّ ما انبنَى عليهِ فَرعٌ فِقهيٌّ مِن جُملة أُصول الفِقه»؛ لماذا؟ لأنَّها أُمورٌ ليست مِنه -وإن كتبتْ في المؤلَّفات فيه-.
قال: «وإلا؛ أدى ذلك إلى أن يكونَ سائرُ العُلوم مِن أصول الفِقهِ؛ كعِلم النَّحو، واللُّغة، والاشتِقاق، والتَّصريف، والمعاني، والبَيان، والعَدد، والمساحة، والحديث، وغير ذلِك من العلوم التي يتوقَّف عليها تحقيقُ الفِقهِ، وينبني عليها مسائلُه».
يُشير إِلى أنَّ «علمَ الأُصول» -كما سيأتي شَرحُه- فائدتُه العُظمَى: تحقيقُ الأدلَّة، وتحقيق كيفيَّة النَّظَر فيها، فإذا كانت أيَّة مسألةٍ تخرج عن هذا الأصل، وتُغادرُ هذا الأساسَ؛ فإنَّها -حينئذٍ- ليستْ ذاتَ صلةٍ به، ولا يُقال: (هذِهِ تَنفعه، أو تُفيده)؛ فإنَّ كثيرًا مِن العُلوم تَنفعُ وتُفيد؛ لكن: أن يكونَ لها مِساسٌ قويٌّ، واتِّصالٌ بيِّن، غير أن تكون بعيدةً -مِن جهةٍ-، أو أن تكونَ ذات أثرٍ خفيٍّ -مِن جهةٍ أخرى-.
قال: «وليس كذلك؛ فليس كلُّ ما يَفتَقِرُ إليه الفِقهُ يُعدُّ مِن أُصوله؛ وإنَّما اللازِمُ» الحتمُ، الواجب: «أن كلَّ أصل يُضافُ إِلى الفِقه لا يَنبني عليه فِقهٌ؛ فليس بأصلٍ له»، قال: «وعلى هذا: يَخرجُ عن «أصول الفِقه» كثيرٌ مِن المسائل التي تكلَّم عليها المتأخِّرون، وأدخلوها فيه».
والحقيقة: أن دخول هذِهِ المسائل إِلى هذا العِلم -مِن غير تِلكُم الضَّوابط المرعيَّة، والأصولِ الشَّرعيَّة-؛ جعل هذا العِلمَ جافًّا، وجعل هذا العِلمَ عَسِرًا، وجعلَ هذا العِلمَ غيرَ ذي قابليَّة للاستِفادة منه، والإفادةِ به مِن كثيرٍ مِن الطُّلَّاب؛ فلا نرى مِن المُقبِلين عليه، المُجتمِعين إليه؛ إلا عددًا يسيرًا؛ لأنَّ النَّاس تتخوَّف مِنه، وهو ليس كذلك؛ إذا ضَبطنا أصولَه العِلميَّة الدَّقيقة.
نعم؛ هذِهِ الدَّواخل والزَّوائدُ العاريَّة -الَّتي وصفها الشَّاطبيُّ بهذا الوصف- قد تكونُ هي السَّببَ في ذلك -كلِّه-.
وهناك كلمةٌ أخرى للعلامة طاهِر الجزائريِّ في كتابه: «توجيه النَّظر إِلى أصولِ الأَثَر»..
وطاهِر الجزائري مِن عُلماء هذا العَصر، في أوائلِ القَرن العِشرين، وكان جزائريًّا في أصلِه؛ لكنَّه عاش في دِمشق الشَّام، وفيها انتشر عِلمُه..
يقول: «وقد وقعَت في كُتب أصولِ الفِقهِ مسائلُ كثيرةٌ مَبنيَّة على مجرَّد الفَرْض»؛ يعني: افتِراض كذا، وافتراض كذا، «وهي ليست داخلةً فيه، وكثيرًا ما أوجبَ ذلك حَيرةَ المُطالِع النَّبيه؛ حيثُ يطلبُ لها أمثلةً؛ فيرجعُ -بعد الجدِّ والاجتِهاد- ولم يحظَ بِمثالٍ واحدٍ! فينبغي الانتِباه لهذا الأمر، ولِما ذكرَهُ بعضُ العلماء؛ وهو: أنَّ كلَّ مسألةٍ تُذكَرُ في «أصول الفِقهِ»، ولا يَنبني عليها فروعٌ فِقهيَّة، أو آدابٌ شَرعيَّة، أو لا تكونُ عونًا في ذلِك؛ فهي غيرُ داخلةٍ في «أُصول الفِقهِ»؛ وذلك: أنَّ هذا العلمَ لم يختصَّ بإضافتِه إلى الفِقه؛ إلا لِكونِه مُفيدًا له، ومحقِّقًا للاجتِهاد فيه، فإذا لم يُفِدْ ذلك؛ لم يَكن أَصلًا له».
وهذه الجملة الأخيرة -لعلكم تُلاحِظون- أنَّها -تقريبًا- نفسُ حُروفِ كلمةِ الإمامِ الشَّاطِبي.
وهكذا.. في نصٍّ طويلٍ ودقيقٍ، فيه شيءٌ مِن الإضافة لِما ذَكرهُ الشَّاطبي.
ولقد أ حصيتُ أسماءَ مجموعةٍ مِن الكُتب الَّتي ذَكَرتْ هذِهِ القضيَّة، مُشيرةً إلى أنَّ علم أصولِ الفِقه داخلهُ ما ليس مِنه، بعضُ هذِهِ الكتب تؤيِّد هذا المعنى -بل قد تفتخرُ به-، وبعضُ الكُتب الأخرى تَذكُرُه على سبيلِ النَّقض والرَّدِّ.
مِن ذلك: كتاب «مَدرسة المتكلِّمين، ومَنهجُها في دراسةِ أصولِ الفِقه»، للدُّكتور مَسعود فلوسي، يتكلَّم عن مدرسةِ المتكلِّمين؛ وهي مِن أنواع المدارس الفِقهيَّة المشتهِرة.
وكان في ذهني ذِكرُ مقدِّمة طويلةٍ ذكرَها الشَّيخ العلَّامة عبدُ الرزَّاق عفِيفي في مُقدِّمتِه لكتابِ «الإحكامِ في أصولِ الأحكامِ» للآمِدي، يَذكُر فيها المدارسَ الأُصوليَّة -مدرسة المُتكلِّمين، ومدرسة الحنفيَّة، ومدرسة الشَّافعيَّة-، والفَرق بين كلامِ الإمامِ الشَّافعي وكلامِ الشَّافعيَّة مِن بعدِه؛ لكن: هذا قد يُخرجنا عمَّا نحن فيه -في هذه المحاضرة الأولى الَّتي هي مدخل لهذا العِلم-.
الكِتاب الثَّاني: «آراء المُعتزِلة الأُصوليَّةُ»، للدُّكتور علي الضُّوَيحي؛ هذا -أيضًا- جَمَعَ الآراءَ المبثوثةَ في كُتب الأصول، وهي مِن أفكار المعتزلة، وهي مُندسَّة بين كلامِ أهل الأصولِ.
أيضًا؛ هنالك كتاب: «المسائِل المُشتَركة بين أُصولِ الفِقه وأصولِ الدِّين»، للدُّكتور محمَّد العَروسي، هذا الكاتِب ذَكرَ في مُقدِّمة كتابِه: أنَّ أصلَ الكتابِ كان بعنوان: «ليسَ مِن أُصولِ الفِقهِ»؛ لكنَّه لما رأى أنَّ هذا الأمرَ قد يتوسَّع؛ فاقترحَ على نفسِه أن يُسمِّيَه بهذا الاسم: «المسائِل المُشتَركة بين أُصولِ الفِقه وأصولِ الدِّين».
و«أصول الدِّين» -ها هُنا-؛ ليس المقصود بها أصول الدِّين على منهج السَّلف، وعلى قاعدةِ السُّنَّة؛ وإنَّما أصولُ الدِّين على طريقة المتكلِّمين والفلاسِفة والمَناطِقة -مما ليس عليه دليلٌ، ولا له حُجَّة-في كتابٍ، ولا في سُنَّة-.
وهنالك رسالةٌ مِن كلامِ الإمامِ الصَّنعانيِّ محمَّد بن إسماعيل الأَمِير، صاحِب كتاب «سُبُل السَّلام»؛ وهو أشهرُ كتابٍ له -وإن كانت له كتبٌ كثيرةٌ وأُخرى في كثيرٍ مِن العُلوم-، وهو مِن العُلماء المُجتَهِدين المُتفنِّنين..
له كلامٌ لم يَذكُرْ له عنوانًا؛ لكنَّه -كلَّه- في نقدِ كلامِ أهلِ الأُصولِ الخارِج عن «علمِ الأُصول»، سمَّاه ناشِرُه ومُحقِّقُه: «مزالِقَ الأُصوليِّين».
إذًا: عنوان «مزالِقَ الأُصوليِّين» -في الكتابِ المطبوع المُنتشِر-؛ هذا ليس مِن عنوانِ الصَّنعاني؛ وإنَّما هو مِن وَضعِ وإضافة محقِّقِ كتابِه، وهو عنوان جيِّد؛ لأنَّه يُعبِّر عن مضمون هذا الكتاب.
فذَكَر -في هذا الكتاب- المسائل الَّتي انزلق فيها الأصوليُّون يُخالِفون فيها الكِتاب والسُّنَّة.
وهنالك كتاب: «علم أُصول الفِقه وعلاقتُه بالفلسفة الإسلاميَّة»، للدُّكتور علي جمعة -مُفتي البلاد المصريَّة-الحالي-.
ففي هذا الكتاب: افتِخار بأنَّ لِعِلم أصولِ الفِقه صِلاتٍ قويَّة في الفلسفة وما يتَّصل بها.
وهنالك كتاب: «الأدلَّة العقليَّة، وعلاقتها بالأدلَّة النقليَّة عند الأصوليِّين»، للدكتور محمَّد سعيد منصور.
هذا -أيضًا- ذكَر أنَّ الأُصوليِّين قد توسَّعوا في كثيرٍ مِن المسائل العقليَّة مع كفاية الأدلَّة النَّقليَّة عليها، وقد أيَّد بعضًا مِن ذلك في بعضِ بُحوث كتابه، وردَّ على بعضٍ آخر.
القضيَّة الثَّانية: قضيَّة «التَّجديد في أصول الفِقهِ».
والحقيقة: أنَّ هذِهِ القضيَّة قد طَرَحها غيرُ واحدٍ من المعاصِرين.
وكما قلتُ: إذا نظَرنا إليها النَّظرةَ الشَّرعيَّة المعتبَرة في معنى التَّجديد الشَّرعي بِصُورتِه الشَّرعيَّة؛ هذا مقبولٌ؛ لأنَّه دخل في هذا العِلم كثيرٌ مِن المباحث والأبحاث الغرِيبة عنه، والدَّخيلة فيه.
فأَنْ يُجدَّد هذا العِلم بما تَنضبطُ به أصولُه، ويَرجعُ إِلى سلفيَّتِه، وإلى نقائِه وصَفائِه؛ فهذا مقبول.
لكن: أن يكونَ المقصودُ بـ«التَّجديدِ»؛ الإلغاءَ والتَّبديد والتَّغيير والتَّحويرَ؛ فهذا مِن أكبرِ المصائب.
ورافع راية هذِهِ الدَّعوة الباطِلة: الدُّكتور حسَن التُّرابي، الذي أدَّاه الانحِراف في الأصل إلى انحرافاتٍ في الفرع؛ بل إِلى انحرافاتٍ أُخرى في أصولٍ أخرى!
فألَّف تجديدَ أُصولِ الفِقه، وكان هذا التَّجديدُ المدَّعَى منه، المطلوبُ منه -أو لَهُ- سببًا في انحرافاتٍ عقائديَّة -فضلًا عن انحرافاتٍ فِقهيَّة تلقَّفها مِن ها هُنا، ومِن ها هُنا-!
ولقد قرأتُ في رحلة السُّودان الأخيرة -في بعضِ الصُّحف-: أنها نقلت عن محاضرة للتُّرابي ألقاها قبل خمسٍ وعشرين سنَةً، محاضرة للتُّرابي في جامعة الخرطوم، ألقاها قبل خمس وعشرين سَنة، يقول فيها:
«لا بُدَّ مِن ثورة في تجديد الفِقه وأصول الفِقهِ»!
انظُروا -يا إخواني- كيف أهل البِدع -هؤلاء- يَصبِرون، ويُطِيلون النَّفَس، ولا يَملُّون!! قبل خمس وعشرين سَنة وهو ينفُث هذه السُّموم! الآن: بدأ النَّاس يتسامَعون أقوالَه، وبدؤوا يَنتبِهون إِلى خطرِه!! وهو يغرس ويغرز هذِهِ الأفكار وهذه الضَّلالات العُظمى!
انظروا: من كلامِه في كتاب له بعنوان: «تجديد الفِكر الإسلامي»، يقول:
«إنَّ الصحابة..».. طبعًا: (رضي الله عنهم)؛ هذه لا يعرفها! التَّرضِّي عن الصَّحابةِ أمرٌ لا يوجد في كلامِه! وإذا وُجِد؛ فلعلَّه مِن نقلِ غيرِه!!
يقول: «إنَّ الصَّحابة عاشوا عهدًا للبشريَّة تضعفُ فيه وسائلُ الاتِّصال الماديَّة بين النَّاس، ويَسود فيه طُغيان الفردِ، وعصبيَّات الفِكر»!
الصَّحابة -إذا قُلنا الصَّحابة-؛ فإنَّه العصر الذَّهبي الأنور، عصرُ الإسلامِ والإيمان والإحسانِ، عصرُ النُّور والهِدايةِ والتَّوفيق؛ ليس عصر الجاهليَّة؛ حتَّى يُقال: (طُغيان الفَرد وعصبيَّة الفِكر)!! يتكلَّم عن العصرِ الإسلاميِّ الذي لا يُمكن أن يُسمَّى فيه الفَردُ صحابيًّا إلا فيه -أصلًا-.
ثم يقولُ -داعيًا إلى تجديدِ الفِقه وأُصولِ الفِقه تحت نوازع ودَواعٍ باردة وباطلة-؛ يقول: «لأنَّ الفِقه مؤسَّس على عِلمٍ محدودٍ بِطبائعِ الأشياءِ، وحقائق الكَون، وقوانينِ الاجتِماع»!
كلام [...]، كلام برَّاق! لكن: حقائقُه؛ كَما يُقال: (المعنَى في بَطنِ الشَّاعر)! كلٌّ يقول على ما يُريد، وعلى ما يَهوَى.
ويقولُ: «لأنَّه فِقهٌ تقليديٌّ، لا رَسميٌّ، ولا شعبيٌّ»!!
فكان ماذا؟!!
(فقهٌ تقليديٌّ): هل يقصِد بـ(التَّقليد)؛ يعني: أنَّه قديم؛ أم بـ(التَّقليد)؛ أنَّه يتَّبع المسائلَ بغيرِ دليل؟!
كلٌّ ذلِك خوضٌ وخبطٌ في الأمور؛ لضربِ هذِهِ العلوم.
ويقول: «قد يعلم المرءُ -اليومَ- كيف يُجادِل إذا أُثيرت الشُّبهات في حُدودِ الله؛ ولكن المرء لا يعرفُ -اليومَ-تمامًا- كيف يعبد اللهَ في التِّجارة، أو السِّياسة، أو يعبدُ اللهَ في الفنِّ(!)»..
فن.. تجارة.. سياسة..؛ خليط!!
«كيف تتكوَّن في نفسِه النِّيَّات العقديَّة التي تُمثِّل معنى العِبادة، ثم لا يعرف كيف يعبِّر عنها عمليًّا بِدقَّةٍ»، ويقول: «ولأنَّ أصولَ الفِقهِ مطبوعٌ بأثَر الظُّروف التَّاريخيَّة التي نشأَ فيها».
كلامُه: كلمةُ حقٍّ، وتِسع وتِسعون بالباطلِ؛ ككلام العفاريتِ -والعياذُ بالله-الذين يستَرقون السَّمع!! يأتون بكلمةٍ من الحقِّ يَخلطونَها بتسعٍ وتسعينَ كلمةً مِن الباطِل!!
ولذلك: كان يُكثِر -في محاضراتِه، وفي كتاباتِه، ومقالاتِه- مِن عباراتٍ يُريد لها ما وراءَها؛ مثلًا: الفِقه (التَّقليدي)، عِلم الأُصول (التَّقليدي)، القياس (التَّقليدي)، نِظام الإسلام (التَّقليدي)..!! يعني: هذا كلُّه أشياء مرفوضة؛ طالما أنَّها تقاليد؛ فهي مرفوضةٌ! ثم يعكِس الأمرَ؛ هذا مصطلحٌ يذكرُه على معنى النَّقض والنقد.
ويَذكُر مصطلحًا آخر على معنى الغرس والتَّعميق؛ كالأصول (الواسعة)، القياس (الواسِع)، الاستِصحاب (الواسِع)، الاجتِهاد (الحُرّ)..!! كلمات فضفاضة واسِعة! حرفُها يدلُّ عليها؛ بحيث يتَّسع هذا الاجتهادُ الواسع، والرَّأي الحُر لكلِّ أحد -طالما أنَّه له عقلًا!!-.
لذلك: له كلمةٌ -في بعضِ كتُبِه- يقولُ: «أمَّا المصدرُ الَّذي يتعيَّن علينا أن نُعيدَ إليهِ اعتبارَه -كأصلٍ له مكانتُه-؛ فهو (العقل)»!! جعل العقلَ أصلًا!!
نعم؛ العقلُ أصلٌ في فهمِ النَّص؛ لكنَّه: ليس أصلًا في الحُكمِ على النَّصِّ -كما يُريده هذا المُدَّعي المُبطِل-.
لذلك -مثلًا-: الإجماعُ -عنده- ما هو؟
الإجماع -عندهُ-: هو الرَّأي العامُّ!! الرَّأي العامُّ الإسلاميُّ؛ هو الإجماع! ليس الإجماع هو الشيء المعلوم في كتبِ أصول الفِقهِ؛ من اتِّفاق العُلماء والمجتهدين من أمَّة محمَّد، في عصر مِن الأعصار على مسألةٍ ما، وله تفاصيل؛ لعل الله يُعيننا على ذِكرها -في وقتها-.
هذا الرَّأي العام: يشمل الجاهلَ والعالمَ، يشمل المتخصِّصَ وغير المتخصِّص، المقلِّد والمجتهِد، المبتدعَ والسُّنِّيَّ؛ لأن هذا هو التَّكوين العام للرَّأي العام؛ فالإجماع -حينئذٍ- يكون بالأكثريَّة -كَما هو صُور الدِّيمقراطيَّة-؛ وهذا -كلُّه- مِن الباطل.
هذا المعنى السَّلبي لكلمةِ التَّجديد.
لكنِّي رأيتُ لبعضِ المُعاصِرين كتابةً في «التَّجديد في أصول الفِقهِ» أشار فيها -بكلامٍ مُطوَّل، أذكر لكم رُؤوس عناوينِه-فقط- إِلى نموذج شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة في جُهوده التَّجديديَّة لِعِلم أُصول الفِقهِ.
شَيخ الإسلامِ لم يُؤلِّف كتابًا مُستقلًّا في «عِلم أصول الفِقهِ»؛ لكنَّ له مسائل عامَّة، وأصولًا مُوزَّعة -هنا وهنالك-، جُمعتْ في مجلَّدٍ مِن مجلَّدات «الفَتاوى»، تحت عنوان: «أُصول الفِقهِ»، وليس هو مُؤلَّفًا خاصًّا؛ إنَّما هو قواعد ومسائل ورسائل مُنفردة يَجمعُها عُموم هذِهِ الأبحاثِ، ويجمعُها كتابٌ خاصٌّ بِأصولِه المعروفة، وعلى طريقتِه المعلومة.
فذَكَرَ ستَّة عشرَ أصلًا عامًّا مِن الأُصول التي قام فيها شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة بالتَّجديد في عِلم أُصول الفِقه.
أوَّل ذلك: «اعتِبار الكِتاب والسُّنَّة أساسَ التَّنظير الأصولي ومَدارَه».

وهذا هو الأساس، طالما هو أصول الفِقهِ، والفِقه أوَّل ما يُبنى على ماذا؟ على الكِتاب والسُّنَّة؛ كما قال الإمامُ الذَّهبي تلميذ شَيخ الإسلامِ -وإن كانت اشتُهرت عن ابن القيِّم؛ لكنَّ الحق أنَّها للذَّهبي-:
الفِقـــهُ قـــالَ اللـهُ قـالَ رسولُهُ ... قـال الصَّحابـةُ لَيـسَ بِالتَّـمـوِيـهِ
ما الفِقْهُ نَصْبَكَ لِلخِلافِ سَفاهَـةً ... بَيـنَ الـرَّسُـولِ وبَيـنَ رَأْيِ فَـقِيـهِ
هذا هو الفِقه.
وتحت هذا العنوان: ذَكَر أكثر مِن عشرةِ أوجُهٍ تُؤكِّد هذا المعنى؛ أيضًا: نذكُرها على وجهِ العُموم.
قال: «أوَّلًا: القُرآن والسُّنة فيهما البيانُ الأَوفى لكافَّة أُمور الدِّين».
هذِهِ النقاط العشرة -كلُّها- راجعة للمسألة الأولى؛ وهي: «اعتبار الكِتاب والسُّنَّة أساس التَّنظير الأُصولي ومدارَه».
أولها: «القُرآن والسُّنة فيهما البيانُ الأَوفى لكافَّة أُمور الدِّين».
ثانيًا: «الشَّرع مسائل خبريَّة، ودلائل عقليَّة».
الشَّرع -نفسُه- يتضمَّن المسائل الَّتي يُخبرنا فيها الشَّرع بِالنُّصوص، والمسائل العقليَّة الَّتي لا تتعارضُ مع هذا الأصل، وألَّف في ذلِك شَيخُ الإسلامِ كتابًا عظيمًا سمَّاهُ: «دَرء تَعارُض العَقلِ والنَّقل»، وله عُنوان آخر اسمُه: «مُوافقة صحيحِ المعقولِ لِصحيحِ المنقول».
الثَّالث: «العقلُ الصَّريح، والنَّقل الصَّحيح مُتوافِقان لا يتعارَضان أبدًا»؛ فهذا فرع عن ذاك، وراجع إليه.
رابعًا: «الحقيقة والشَّريعة متوافقتان»؛ ردًّا على الصُّوفيَّة التي ضربت بين الحقيقةِ والشَّريعة، وجعلت بينهما برزخًا يَبغِيان.
ثم ذكر: أنَّه لا غنى عن مُراعاةِ ألفاظِ الشَّريعة؛ لأنَّ الألفاظ قَوالبُ المعاني؛ الشَّرع يُخبرُنا بأمرٍ؛ هل نأخذ هذا المعنى مِن غير اللَّفظ ودلالتهِ اللُّغويَّة؟
ثم ذَكَر أنَّه لا بُدَّ مِن معرفة الحُدود الشَّرعيَّة، والحدُّ -هُنا- المقصود به: (المُصطلَح الشَّرعي)؛ لأنَّ الكلمات لها معنًى لُغويٌّ، ولها معنى شَرعي، ولا يجوز ضرب هذا بذاك؛ وإنَّما هُما يأتلفان ولا يختلفان.
ثم ذَكر: الطَّريقةَ المُثلى لمعرفة معاني الكِتاب والسُّنَّة، وأكَّد على هذا..
شَيخ الإسلامِ ابن تَيميَّةَ -رحمهُ اللهُ-دائمًا- كان يُؤكِّد على لُزوم الطَّريقة المثلى لمعرفة معاني الكِتاب والسُّنَّة.
ثم ذكر أنَّه: «لا تُقبل دَعوَى النَّسخِ إلا بِبيِّنةٍ؛ لئلَّا تُردَّ الأحاديث المحكَمَة».
كثير مِن أهلِ الكلام وأهلِ الرَّأي رَدُّوا المُحكَمات مِن النُّصوص -كِتابًا، وسُنَّةً- بِدَعوى النَّسخ! ودَعوَى النَّسخ -أصلًا- لا تَثبت إلا بِدليلٍ، وهذا الدَّليلُ واعتِبارُه؛ هو اعتبارٌ للكِتابِ والسُّنَّة، وإقامةٌ لحقِّهِما وحظِّهما ومكانتِهِما.
قال: «الإجماعُ لا يَنسخُ النَّصَّ»؛ لماذا؟لأنَّ النصَّ هو الأصلُ، وإنَّما يَنسخهُ نَصٌّ بَيِّن.
بالعكس: الذي يَنسخُ النَّصَّ نَصٌّ آخَر بيِّن؛ أمَّا أن يُقال: هذا إجماع بخلاف النصِّ، أو بنفس النَّصِّ؛ فلا.
وبالتَّالي: فإنَّ ما ذكره الإمامُ التِّرمذيِّ في «نِهاية العِللِ الصَّغير» -في آخِر «سُنَنِه»- مِن: (أنَّ كلَّ ما في هذا الكتاب -أي: «السُّنَن»- معمولٌ به إلا أربعة أحاديث لم يَجرِ العمل عليها)؛ نقدَه أهلُ العِلم كالإمامِ ابنِ رجب وغيرِه مِن أهل العِلم والشُّرَّاح؛ بيَّنوا أنَّ هذِهِ دعوى باطلة؛ نعم: قد يكون قليلٌ من العُلماء ممن عَمِل به؛ لكن: عُمِل به؛ بحيث لم يُهجر ولم يُترك.
ثمَّ ذَكر: أنَّ النُّصوص وافيةٌ بِجُمهور الحوادِث والأفعال الواقعة.
مُجملُ النُّصوص شاملةٌ لمُجمَلِ المسائل، وجُمهورِها، وأكثرِها؛ وبالتَّالي: فإذا خَلَت مسألةٌ مِن نصٍّ؛ فإنَّما يُرجع إِلى معرفة حُكم هذِهِ المسألة إِلى هذِهِ الأصولِ المعتَبرة؛ وهو القياس الصَّحيح الَّذي له شُروطُه وأركانُه -كَما سيأتي-.
ثم ذَكر الفَرعَ الأخير -وهو الحادي عَشر-مِن فُروع المسألةِ الأُولى؛ وهي مسألة اعتِبار الكِتاب والسُّنَّة أساس التَّنظير الأصولي ومَداره-؛ قال:
«طَردُ الأقيِسة..»؛ يعني: التَّوسُّع فيها والاستِطراد بِذِكرها وذِكر القياس والقياس عليهِ؛ «كثيرًا ما يكون جِنايَة على النُّصوص»؛ جِنايَة ظُلمٍ وتعدٍّ على النُّصوص؛ لماذا؟ لأنَّ العقليَّات إذا لم تَنضبط؛ كانت بلاءً على النَّقليَّات؛ لِذلكَ: نرى أهل الرَّأي القُدماء، وأهلَ الحَركة والفِكر المُعاصِرين لا يتعامَلون مع النُّصوص، ولا يتعاملون مع الأدلَّة؛ لماذا؟ لأنهم يُطرِِّدون الأقيِسة العقليَّة بعيدًا عن مَوارِدِها الشَّرعيَّة؛ فيحصلُ منهم ذلِك التَّعدِّي، وتقع منهم تِلكُم الجِنايَة.
هذا -كلُّه- في المسألةِ الأُولى مِن وُجوه التَّجديد الَّتي كان لِشَيخ الإسلامِ مِنها النَّصيب الأَوفى.
ثانيًا: «البَرهنةُ والاستِدلال على القواعدِ والأُصولِ».
ليست كلُّ قاعدةٍ مذكورةٍ مَقبولة؛ لا بُدَّ أن تكونَ قاعدةً مُدلَّلة، مُبرهَنًا عليها، مُؤصَّلًا لها، مُستدَلًّا على ما فيها مِن كلامٍ ومِن بيِّنات.
ثالثًا: «اشتِراط الصِّحَّة في الدَّليل»؛ كَما يقوله العُلماء -وهي مِن الكلماتِ المشهورة-: (إن كنتَ مُدَّعيًا؛ فالدَّليل، وإن كنتَ ناقلًا؛ فالصِّحَّة)، لا تُقبل الدَّعوة مِن غير دليل، ولا يُقبل النَّقل من غير ثُبوت.
فليس كلُّ دليلٍ يُنقل ويُذكر يُقبل؛ بل لا بُدَّ أن يكون صحيحًا.
النُّقطَة الرَّابعة: «اعتِبار أصول الفِقهِ جامعةً لأصولِ الاعتِقاد وأصولِ العَمل».
اعتبار أصول الفِقهِ أصلًا لأصول الاعتِقاد وأصولِ العمل، وسيأتينا كلمة للمؤِّلف الشَّيخ السَّعدي في هذا المعنى؛ لا بأس من التَّعجيل فيها -وذلك في كتابه «بَهجة قُلوب الأبرار»-؛ يقول:
«والفِقه في الدِّين يشمل الفِقه في أصول الإيمان، وشرائع الإسلام والأحكام، وحَقائقِ الإِحسان، فإنَّ الدِّين يَشملُ الثَّلاثةَ -كلَّها-؛ كَما في حديثِ جبريلَ لمَّا سألَ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن الإيمانِ والإسلام والإحسانِ، وأجابه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بِحُدودِها»؛ أي: بتعريفاتِها، «ففسَّر الإيمانَ بِأُصولِه السِّتَّة، وفسَّر الإسلامَ بِقواعدِه الخمس، وفسَّر الإحسانَ بـ«أنْ تَعبُدَ اللهَ كأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَم تَكُنْ تَراهُ [فإنَّهُ] يَراكَ».
قال: «فيدخلُ في ذلِك: التَّفقُّه في العقائِدِ، ومعرفةُ مذهبِ السَّلف فيها، والتَّحقُّق به»؛ أي: بِمذهبِ السَّلف «ظاهرًا وباطنًا، ومعرفةُ مذاهب المخالِفين، وبيان مُخالفَتِها للكِتاب والسُّنَّة.
ودخلَ في ذلِك: عِلمُ الفِقهِ؛ أُصوله وفُروعه، وأحكامُ العبادات، والمعاملات، والجنايات وغيرها.
ودخلَ في ذلِك: التَّفقُّه بِحقائقِ الإيمان، ومعرفةُ السَّيْر والسُّلوكِ إِلى الله الموافقة لِما دلَّ عليه الكِتاب والسُّنَّة».
قال: «وكذلك يدخل في هذا: تعلُّم جميعِ الوسائل المُعِينة على الفِقهِ في الدِّين؛ كعُلوم العربيَّة -بأنواعِها-.
فمَن أراد اللهُ به خيرًا؛ فقَّهه في هذِهِ الأمور، ووفَّقه لها».
هذا -كلُّه- يلتقي هذِهِ النُّقطَة الَّتي ذكرها مَن ذَكرَ وُجوهَ تَجديد شَيخ الإسلامِ ابنِ تَيميَّةَ لأصول الفِقهِ.
ثم قال -وهي النُّقطَة الخامسة-: «القَصدُ إِلى الإِفهام والإِبانة».
إذا كان عِلم أُصول الفِقهِ عِلمًا مُغلَقًا وغامِضًا؛ فما فائدتُه؟!
فمِن أهمِّ مقاصد هذا العِلم: التَّفهيم، أو الإفهام والإبانة.
وأنا أتذكَّر أحدَ العُلماء المَغاربة ممن عاش في دِمشق -في أوائلِ هذا القَرن-أيضًا-، وقد كانت دِمشق -في ذلِك الحين- قِبلةً للعُلماءِ الوارِدين؛ فكان يأتيها الأفغانيُّ، ويأتيها المغربيُّ، ويأتيها التُّونسيُّ، وهكذا مِن سائر بلاد الإسلام؛ حتَّى مِن مِصر، ومِن تركيا؛ وليس حالها كَما هو اليوم! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فهذا العالـِم المغربيُّ كان له درسٌ تحت قُبَّة النَّسر في مسجد بني أُميَّة..
وإذا قيل (قُبَّة النَّسْر)؛ فالمقصود بها: القُبَّة الَّتي كان العُلماء يجلسون تحتها، ويُدرِّسون العلوم بأنواعِها فيها، وشَيخ الإسلامِ ابن تَيميَّةَ -قبل عدَّة قُرون- كان له مجلسٌ فيها، ولا يزالُ هذا التَّقليد سائرًا إِلى فترةٍ قريبةٍ؛ يَتناوب العُلماءُ التَّدريسَ تحت قُبة النَّسر.
فكان هذا العالِم -واسمُه: بدر الدِّين الحسَني- يتمدَّحُه تلاميذُه بأمرٍ عجيب! يقولون: (كان إذا تكلَّم؛ لا يفهمُ عليه أحدٌ)!! يعني: أنه مِن شدَّة مُصطلحاته الغامضة، وعلومه الكثيرة؛ لا يفهمُ عليه أحدٌ!
ما هذا العِلم الذي نتيجتُه جَهل؟!!
علم الكِتاب والسُّنَّة علمٌ نقيٌّ، صفِيٌّ، وكل علم يدلُّ إِلى هذا العلم ويُشير إليه يجبُ أن يكون راجعًا إليه، مَبنيًّا عليه.
لِذلكَ: كان مِن هذِهِ الأصول -المُشار إليها- الَّتي جدَّد فيها شَيخُ الإسلامِ علمَ أصول الفِقهِ: «القصد إِلى الإفهام والإبانة».
والنُّقطَة السَّادسة: «الحرص على نَفع المسلمين».
نعم؛ إذا لم ننشر أصولَ المبادئ الفِقهيَّة والأصوليَّة المنضبطة الصَّحيحة بين عامَّة النَّاس -ليتقدَّموا في العِلم، ويتفهَّموا مداركَه ومدارجَه-؛ لم يكن ذلِك نفعًا لهم، ولا يكون في هذا تحقيق لقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حتَّى يُحبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وأولى النَّاس بذلك: هم العُلماء، وأحرصُ النَّاس على ذلِك: هُم أهل العلم.
النُّقطَة السَّابعة: «الاستِمداد مِن ثلاثة: الكِتاب، والسُّنَّة، وفَهْم سلف الأمة».
كثيرٌ من النَّاس يدَّعون الكِتابَ والسُّنَّة؛ لكنَّ القليلين مَن يدَّعون فَهْمَ السَّلف -فضلًا عن أن يكونوا مِن حمَلتِه وحُماته، وأهلِه ورُعاتِه ودُعاتِه-.
ففَهمُ السَّلف هو الفَيصل والميزان والمعيار بين المحقِّ والمُبطِل.
وليس الأمر كَما يفعلُه البعضُ -والعياذُ بالله- مِن الطَّعن في فِقهِهِم، والغَمز بقَناتِهم -رضي الله عنهم-.
الأمر الثَّامن: «قُوَّة المَشرَب السَّلفي»؛ يعني: التَّركيز والتَّوكيد على هذِهِ النُّقطَة؛ بحيث تتَّضح وتَظهر وتَقوى، لا أن تكونَ على هامشِ القَول، وعلى حاشيةِ الكلام؛ بل لا بُدَّ لها مِن قوَّةٍ تُعلِيها وتُعلِنُها وتَرفعُها.
النُّقطَة التَّاسعة: «الوسطيَّة والاعتِدال والنَّصَفة»؛ أي: الإنصاف.
والوسطيَّة والاعتدال -اليوم-: كلمتان خفيفتان على اللِّسان، قبيحتان في الميزان! وللأسف! لأنَّ كثيرًا مِن أهل الوزنِ لا يَزنونهما بِميزانِ العدل -وهم يتكلَّمون فيها عن العدل-!
كثيرٌ من النَّاس يَقصِدون بـ(الوسطيَّة): التَّوسُّط بين الحقِّ والباطل، والالتِقاء في وسطِ الطَّريق، ولا يَقصِدون الوسط العَدل؛ كَما صحَّ عن النَّبيِّ -عليهِ الصَّلاةُ السَّلام-، وكما وصفَ الله هذِهِ الأمَّة: {وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
وكذلك: كلمة (الاعتِدال)؛ يجب أن يكون المسلمون مُعتدِلين، المسلمون -في الأصلِ- يُمثِّلون الإسلام، والإسلام هو الاعتِدال، مِن غيرِ غُلوٍّ ولا تقصير، مِن غير إفراطٍ ولا تفريط.
نعم؛ قد يقع بعضٌ من المسلمين في بعضٍ مِن الغُلوِّ والتَّقصير، أو الإفراط والتَّفريط؛ فيكون النَّقد لتصرُّفاتِهم -لا للإسلامِ وأحكامِه-مِن حيث هي-.
لِذلكَ: كثيرٌ من دَعاوى الاعتدال يُراد منها التَّعديل، وأنَّى يكون ذلِك في دِيننا الجليل!
كذلك -أيضًا- مِن النِّقاط الَّتي ذكرها -وهي العاشرة-: «الوحدةُ والتَّكامل والاتِّفاق».
فالدِّين لا تَضارُبَ فيه، ومنهجُ الأُصول لا يَضربُ بعضُه بعضًا -المنهج الحق-؛ وإنَّما هو يتكاملُ، {أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}.
كذلك -الحادي عشَر-: «الحريَّة في النَّظر، ومُحاربة التَّعصُّب والتَّقليد».
وكلمة (الحريَّة) -أيضًا- مِن الكلمات الفضفاضة -في هذا الزَّمن-؛ حُريَّة الاعتِقاد، وحُريَّة الفِكر!! وتحت (حريَّة الفِكر) يَدخلون في (حُريَّة الكُفر)!! وحاشا وكلا أن يَكون هذا حقًّا، أو بابًا إليه، أو طريقًا عليه.
(حُريَّة الفِكر) -مِن كلام شَيخ الإسلامِ-؛ أي: أن لا نكونَ مُقلِّدين؛ أي: أن نَرتَبطَ بالأدلَّة، ولا نعيشَ في بوتقةِ الجُمود، وليست الحريَّة المعاصرة الَّتي تجعل الجاهلَ يتكلَّم في أهل العِلم، ويتكلَّم في الدِّين -تحليلًا، وتحريمًا-؛ يقول: (هذِهِ مقاصد الإسلام.. هذِهِ مقاصد الشَّريعة)! وهو لا يَعرف المبادئَ -فضلًا عن الكُليَّات؛ ناهيك عن المقاصدِ والأصول-.
الأمر الثَّاني عشر: «بيانُ الموقِف مِن الطُّرُق الكلاميَّة في أصولِ الفِقهِ»، وقد سبق شيء من ذلِك، وأنها يجب أن تُنبَذَ نَبذَ النَّواة، ولا تُقبَل؛ لأنها هي الَّتي أفسدت وشوَّهت جمالَه.
أيضًا: موقِفُه مِن المنطق، شَيخُ الإسلامِ له كتابان في ذلك: كتاب «نقد المَنطق»، وكتاب «الرَّد على المنطقيِّين»، وألَّف غيرُ واحدٍ رسائل علميَّة خاصَّة حول شَيخ الإسلامِ والمنطق؛ بيَّنوا فيها محاربتَه للمَنطق الذي يجعلُ العقلَ عُمدتَه -بِمعزلٍ عن النَّقل-، والهوى -بِبُعدٍ عن النَّصِّ-.
أيضًا؛ النُّقطَة الرَّابعة عشرة: «العِناية مِن الأصول بما يتأسَّس عليه عملٌ»؛ هذِهِ ككلمة الإمامِ الشَّاطبي.
أمَّا المسائل الأصوليَّة الَّتي لا يَنبني عليها عمل؛ فما فائدتُها؟ وماذا وراءَها؛ إلا شغل الذِّهن بما لا ينفعه، وما لا يُجدي معه!
الخامس عشر: «القُوةُ والوُضوح والشُّمول في علم الأُصول».
وهذا راجعٌ إِلى الدِّين؛ فالدِّين قويٌّ، وواضحٌ، وشامل، ليس فيه خَفاءٌ ولا التِواء، وليس فيه وَهنٌ ولا ضعف، {يا يَحيَى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ}، «المؤمِنُ القَوِيُّ أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ»، والقوَّة -هُنا- تشملُ القوَّتَين: القوَّة الماديَّة والقوة الإيمانيَّة -معًا-.
فكذلك: علم أصول الفِقهِ؛ لا بُد أن يكونَ عِلمًا قويًّا، لا ضعيفًا مُهلهلًا، ولا ناقصًا مبتترًا؛ وإنَّما شامل.
السَّادس عشر: «المُرونة، ومُراعاة رُوح الشَّريعة، وفتح آفاق جديدة في عِلم الأصول».
والمقصود بذلك: عدم الجُمود على كلام المَناطِقة والمتكلِّمة والفَلاسفةِ، لا أن يُتَّخذ من هذِهِ الألفاظ أصلٌ نَضرِبُ به العِلمَ والنَّص؛ إنَّما نُريد مِن هذا: تعظيم النَّص، ورفع لِوائِه، وتعظيم شِعاره ودِثارِه.
والعبارات -نفسُها- نسمعها من التَّحديثيِّين المعاصِرين والذين أطلقنا عليهم: (أهل التَّبديد) -وليسوا أهل التَّجديد-؛ لماذا؟ لأنهم لم يضبِطوا أُصولَهم بالكِتاب والسُّنَّة؛ وإنَّما ضبطوها ورَبطوها بالعُقول والأهواء -وليست حقًّا على السَّواء-.
ولعلكم تَذكُرون في الدَّورة الماضية: كان محاضراتي بعنوان: «مَقاصِد الشَّريعة»، وذكرنا أن كلمةَ «مقاصِد الشَّريعة» كلمةٌ رائعةٌ؛ لكنَّ أكثر مَن يستخدمها -في هذِهِ الأعصُر المتأخِّرة- أناسٌ يُريدون -تحت هذا العنوان الكبير- نقضَ الأحاديثِ، ودِلالةِ الآيات، وهَدْي القُرآن وا لسُّنَّة -تحت عنوان: «مقاصد الشَّريعة»-!
لماذا نُشدِّد على النِّساء في الحجاب، ومَقاصد الشَّريعة فيها السَّعة والمُرونة والشُّمول؟! ذهبنا بالحجاب الشَّرعي!!
لماذا نُشدِّد على النَّاس باللِّحية والثَّوب؟! ذهبنا بِسَمتٍ حسَنٍ مأمورٍ به!!
لماذا نشدِّد على النَّاس في العقيدة، واللهُ -تَعالى- يقول: {لا إِكراهَ في الدِّين}؟!! هكذا نُسَوِّي بين أهل الكتاب وأهلِ الذِّمَّة وأهلِ الحرب -منهم-، والمُرتدِّين..حتَّى قال التُّرابي -نفسُه-وهو مِن دعاة هذه المدرسة التَّبديديَّة-؛ قال: «يجوزُ للنَّصراني أن يَصيرَ مسلمًا؛ كما يجوزُ للمسلم أن يصيرَ نصرانيًّا؛ لا فَرق»!! ويَضرب -بذلك- النُّصوص المتواترة المتضافِرة عن النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- في نقضِ هذا الأصل؛ منها قولُه -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ؛ فاقتُلُوهُ».

أمَّا «أصولُ الفِقه»؛ فقَبْل أن ندخلَ في الدَّرس، ونشرحُ كلمة «أُصول الفِقهِ» -تركيبًا واجتِماعًا-؛ لا بُدَّ أن نَذكُر ما يتعلَّق بالمبادئِ العَشرة الَّتي يذكُرُها العلماء في كلِّ علمٍ، وإن كانت متأخِّرة؛ لكنَّها ذات فائدة، وهي مشهورة للصبَّان -وهو أحدُ العلماء المتأخِّرين-، يقول فيها:
إنَّ مبـــادي كــلِّ فَــنِّ عَشَـــرَهْ ... الحــدُّ والـمـوضـوعُ ثمَّ الثَّمَـرَه
ونِسبــةٌ وفـضـلُــه والـواضِــعْ ... والاسمُ الاستِمدادُ حُكمُ الشَّارِعْ
مَسائِلٌ وَالبَعْضُ بِالبَعضِ اكتَفَـى ... ومَن درَى الجَمِيـعَ حَـازَ الشَّرَفَـا
أمَّا هذا العلم؛ (حَدُّه)؛ فسيأتينا بالتَّفصيل؛ لكن: أنا أذكر كلمة؛ حتى توضَع في الذِّهن.
«أصولُ الفِقه»-باختصار، ومن غيرِ تشغيب وتشتيت-: هو طرائقُ البحثِ العلميَّة في الدَّلائل الشَّرعيَّة.
هذا «علم أصول الفقه»؛ طرائقُ البحثِ العلميَّة في الدَّلائل الشَّرعيَّة.
هذا تعريفٌ مختصَر جدًّا لـ«علم أصولِ الفِقه».
أما التعريف المشتَهر والمتداول؛ فسنذكرُه عندما نشرحُ مقدِّمة المصنِّف لكتابِه -رحمهُ الله-تعالى-.
أمَّا (موضوعُه) -طبعًا نأخذُ الموضوعَ من الحدِّ-: هو الأدلَّة المُوصِلة إلى الأحكام الشَّرعيَّة، وبيان كيفيَّة الاستِنباط؛ كما قُلنا: طرائق البحث العلميَّة في الأدلة الشَّرعيَّة.
أمَّا (ثمراتُه) فكثيرة: تعظيم الكتاب والسُّنَّة، بيان الواجِب والأحكام الخمسة -التي سيأتينا-أيضًا-بيانُها وتفصيلُها-، إفادةُ المسلم وتعريفُه بجُملة أحكامِ الشَّرع.. وهكذا في ثمراتٍ كثيرة.
أمَّا (نسبتُه)؛ أي: نِسبتُه من العُلوم الشَّرعيَّة: فهي نسبة ما يُضاف إلى الشَّيء منه.
عندما نقول: (علومُ الحديث)؛ أي الأشياء التي نتعرَّف بها الحديثَ النَّبوي.
(أصول الفِقه): أي الأصول العِلميَّة التي نَعرِف مِن خلالِها الفقهَ وأدلَّتَه الشَّرعيَّة.
أمَّا (فضلُه): ففضلُه أنَّه شريفٌ بشَرفِ ما يتَّصل به؛ كما يقوله العلماء: (شرفُ العلم بِشرفِ المعلوم)، حتى ورد عن ابنِ عبَّاسٍ -رضيَ الله عنه-؛ كما في ابن كثير في تفسير قولِه -تَعالى-: {وَمَن يُّؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}؛ قال: «معرفةُ ناسِخ القُرآنِ ومَنسوخِه، ومُحكَمِه ومُتشابِهِه، ومُقدَّمِه ومُؤخَّرِه، وحلالِه وحرامِه»؛ وهذا هو «عِلم أُصول الفِقه».
أمَّا (واضِعُه): فهو -في الظَّاهر، وعلى الأرجحِ- الإمامُ الشَّافعي -رحمهُ اللهُ-، في كتابه «الرِّسالة».
وأمَّا (اسمُه): فـ«عِلم أُصول الفِقه».
وأمَّا (استِمدادُه): فالتَّتبُّع والاستِقراء لنُصوص الكِتاب والسُّنَّة واللُّغة، والدلالة العقليَّة الصَّريحة المُوافِقة للأدلَّة الصَّحيحة.
وأمَّا (حُكمُه): ففَرضُ عينٍ على كلِّ مَن يتصدَّر للفُتيا والاجتِهاد، أمَّا المقلِّد؛ فليس فرضًا عينيًّا، وهو بالتَّالي: على مجموع الأمَّة فرض كِفائي.
أمَّا (مسائلُه): فهي المباحث العلميَّة التي يَلتزمُها المجتهِد والباحِث؛ ليَعرفَ بها الأُصولَ والقَواعد التي يُفهَم مِن خلالِها، ويُستنبط عَبْرَها الأحكام الشَّرعيَّة.
وشرَفُه: عائدٌ إلى فَضلِه؛ فإنَّه مَبنيٌّ على كلامِ الله وكلامِ رسول الله؛ وأكرِم بهما شرَفًا! وأعظِم بهما مكانةً!
وفي هذا القَدْر كِفاية.
وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمَّدٍ وآلِه وصحبِه أجمعين.
وآخرُ دعوانا: أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

تفريغ / أم زيد

وقد أرشدني بعضُ الأفاضل إلى تفريغٍ -على الشبكة- للمحاضرة؛ لكني آثرتُ ابتداء التفريغ بنفسي؛ لأنه أسهل من مراجعة تفريغ غيري!
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-07-2011, 07:20 PM
أم سلمة السلفية أم سلمة السلفية غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 1,772
افتراضي

بارك الله لك في هذا الجهد
جعله الله في ميزان حسناتك
__________________
أمُّ سَلَمَةَ السَّلَفِيَّةُ
زَوْجَـةُ
أَبِـي الأَشْبَـالِ الْجُنَيْـدِيِّ الأَثَـرِيِّ
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-08-2011, 01:07 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

شكر الله لك ابنتي الغالية " أم زيد " هذا الجهد الطيب، وبارك الله فيك وعليك وجزاك الله عنا خير الجزاء.

وحفظ الله شيخنا الفاضل " علي الحلبي "، ونفع بعلمه، وأثقل له الموازين في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
تفريغات أم زيد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:31 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.