أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
66664 84880

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام > مقالات فضيلة الشيخ علي الحلبي -حفظه الله-

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 07-28-2011, 05:13 PM
علي بن حسن الحلبي علي بن حسن الحلبي غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,679
افتراضي التقريب لمفاتيح المَخْرَج القريب مِن محنةِ (الأردن) الحبيب ..



التــــقـــــريـــــب


لمفاتيح المَخْرَج القريب
مِن محنةِ (الأردن) الحبيب ..

*****



الحمدُ لله حقَّ حمدِه، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّهِ وعبدِه، وعلى آلهِ وصحبِه، وَوَفْدِه.

أما بعد :

فقد جاءَت نصوصُ القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ في مدح (الصلاحِ)، و (الإصلاحِ)، -والثناءِ على أهلهما-، وذَمِّ (الفسادِ)، و (الإفسادِ)- والقَدْحِ بأصحابِهِما-: كثيرةً، وفيرةً....

فلا يَكرهُ (الصلاحَ)، و (الإصلاحَ) إلا مريضُ القلبِ، مخرومُ العدالةِ...
ولا يُحِبُّ (الفسادَ)، و (الإفسادَ) إلا عليلُ النفسِ، مكلومُ الكرامةِ...

وقد كَثُرَ الكلامُ على هذا الموضوعِ -بِشِقَّيْهِ- وحولَهُ -جدًّا-فِي بلادِنا الأُرْدُنِّيَّةِ- منذُ أكثرَ من نصفِ عامٍ؛ حتى غدا على لسانِ الكبير والصغير، والقليل والكثير، والمأمور والأمير...

والمُطالَبَةُ بتحقيقِ الإصلاحِ، ونَبْذِ الفَسَادِ -مِن حيثُ هما- أمرٌ مشروعٌ محمودٌ، وشأنٌ فاضلٌ مرغوبٌ؛ بل صَنِيعٌ واجِبٌ مطلوبٌ؛ لأنّ بهما تمامَ نجاحِ المجتمعِ -كُلِّهِ-، وكمالَ نُضْجِ الأُمَّةِ -جميعِهَا-.

وأقولُ -ابتِداءً-:
لا أحدَ يُنْكِرُ، أو يُشَكِّكُ، أو يُجادِلُ في وجودِ (فساد)، و (مفسدين) -في أيّ مُجتمع ودولة-وعلى مستوياتٍ عدَّة-سواءٌ منها العربية ، أو الإسلامية، أو الغربية-!
وهو فسادٌ-وللأسف-عامٌّ ، يشاركُ فيه - ولا يكادُ يسلمُ منه-: المسؤول ، والمواطن ، والتاجر ، والموظف , و و و ...

وهذا -لا شكّ- مِمَّا يُصَعِّبُ طرائِقَ استئصالِ أسبابه بالسرعةِ التي يُطالِبُ بها -ويتنادى إليها- المُطالبون بالإصلاح-وإن كانت الرغبةُ بأن يكون ذلك في أعجلِ وقت ، وأسرعٍ أوان-!

فالإصلاحُ الحقيقيُّ الجادُّ يحتاجُ إلى جهود متضافرة ، وأنفُس متوافقة ، وأوقات كافية ؛حتى يتحقّقَ ، أو يتحقّقَ بعضُه..

وما نراهُ، ونسمعُهُ، ونُعايِنُهُ فِي بلدِنا المُبارك (الأُرْدُنّ) -مِمَّا هو ذو صلةٍ بهذا الموضوعِ- ليسَ أكثرُهُ على النَّسَقِ المَرْجُوِّ في أسالِيبِ المُطالَبةِ بِتحقيقِ هذا الإصلاح عَلى الوجهِ المَرْضِيِّ المشروعِ؛ وذلكَ مِن وجوهٍ عِدَّةٍ، أهمُّها اثنان:

الأول: أنَّهُ حصلَ -وَيحصُلُ- بسببِها صِراعاتٌ وَمُناكفاتٌ، وشَدٌّ وَجَذْبٌ بينَ فِئاتٍ مِن الشعبِ -بعضِها مع بعض-مِن جهةٍ-، وبينَ المُطالبينِ بالإصلاحِ مع الدَّولةِ-مِن جهةٍ أُخرى-؛ رُغْمَ الادِّعاءِ (المُتَكَرِّر!) بِسِلْمِيَّةِ تِلْكُمُ الفَعالِيَّات! والْحَرَاك -كما يقولون-!!

وما الحربُ الإعْلاَمِيَّةُ الشرسةُ والمُسْتَعِرَةُ التي تكاد تُوصِل-إن لم تكن أوصلت!-إلى درجة الاحتقان!! بَل الاحتِكاكاتُ والصِّدَاماتُ- المُتَكَرِّرَةُ -جَرَّاءَ ذلك-، والَّتي نَتَجَتْ عنها بعضُ دماءٍ، وفِتَنٌ، ومَحِنٌ: عَن المُراقِبِ -أَيِّ مُراقِبٍ- بِبَعِيدَة!

وما جرى -قريباً-من (اشتباك)بين رجال الأمن والدرَك-من جهة-، والمعتصمين-وما تعرّض له عددٌ من الصحفيّين-من جهة أخرى- لا يستطيع أحدٌ التهوينَ منه ! أو غضَّ الطرْف عنه!!

ورجل الأمن مواطنٌ.. ورجل الدرَك مواطنٌ..والصحفي مواطنٌ..والمطالِب بالإصلاح مواطنٌ....

وفي أمثال العرب المشهورةِ-ذات العبرة والعِظة-قولُهم:(قال الحائط للمسمار: لـِمَ تشقّني؟ قال: سل من يدقّني!)...

والحمدُ -كله-لله -تعالى-أنه لم يقعْ إلى الآن قتلٌ، أو موتٌ ؛ وإلا..فالمصيبة أعظمُ...

ناهِيك عن مُمارساتِ جَلْدِ الذَّات-عَلى اعتِبارِ الانتِماءِ الحقيقِيِّ للوطن!-، وإيقاعِ مجموعِ الأُمَّةِ بشماتةِ الأعداء، وتربُّص الخُصُوم -وما أكثرَهم- داخلياً وخارجياً-!

الثاني: أنَّها مُطالَباتٌ عامَّةٌ، غامضةٌ؛ مُبْهَمَةٌ، تتضمَّنُ -وللأسف- ألواناً مِن السَّلبِيَّةِ فِي التَّعَامُلِ والتَّعاطي مع الواقِع المعاش، والحالِ المَطلوبِ-عَلى حَدٍّ سَوَاء-؛ إلاَّ فِي صورَةٍ واحِدَةٍ أَضْحَتْ نَمَطِيَّةً مُتكرِّرَةً!! هي: (المظاهرات!)، و(الاعتِصامات!)، و (الإضرابات!) -بِما تحملُهُ مِن أصناف الشِّعَارات وأشكالها -وَالَّتي لا تكادُ تُعبِّرُ إلاَّ عنِ الذَّات!-!!

وكأَنَّ تلكم (الفعاليات!) صارَت أمراً مقصوداً لذاتِهِ! وليسَ وسيلَةً -كَمَا يُدَّعَى- لغاية!!!

ومِن بابِ الإنصَاف، وتقريبِ الحقائِق أقولُ -مِن واجبِ المُواطَنةِ الصالحةِ، والمشاركة الجادة في (الإصلاح)-الحق- ، والمُراقبَةِ المُصْلِحَة- لا ناطقاً رسمياً عن الدولة! ولا مُحامياً عنها!! ولا مُدافعاً عن مواقفها!!!-:

قد طالب المنادون يالإصلاح –خلالَ الشهورِ الستةِ الأخيرةِ-بمطالبات مُتعددة ، وأمور عدّة ؛ فهل أعرضت الدولةُ عن المشروع مِن مطالبهم ، والمقدور عليه مِن مطالباتهم؟!

أقولُ –وبحوله-تعالى-أصولُ وأجولُ-:
قد ظهر توجّهٌ جِدِّيٌّ ، وتجاوبٌ حَسَنٌ من جهة الدولة -إلى حَدٍّ ما- مع عدد من مطالبات الداعين إلى الإِصلاح، ونبذ الفساد-؛ وذلك في مواقفَ عِدَّةٍ لا يَسَعُ أحداً إنكارُها -على بعضِ تباطُؤ نتمنّى زوالَ أسبابِه-؛ بما لا يُنكِرهُ مُريدُ إصلاحٍ حقيقيّ .

ولعلّ ما قرّره بعضُ أهل العلم -قديماً- مِن قولهم-:(ما لا يُدرك كله : لا يُترك جله) يُعبّر عن جانب مهمّ لا يجوزُ إغفالُه- بل يجبُ أن تُسلّط عليه الأضواء- من هذا الواقع..

ومع ذلك؛ فقد كان موقفُ الطرَف الآخَر -مِن المُطالبين بالإصلاح-وللأسف- يحملُ حظًّا من السَّلبِيَّة؛ وذلك بعدم التَّجاوُبِ المَرْضِيِّ، أو الاهتِمام الكافي، أو التَّعاوُن البَنَّاء مُقابِلَ هذه المواقِف الجدّية الصَّادرةِ مِن جهةِ الدَّولَة-والتي نؤكّد أننا نسعى إلى ما هو أكبُر-وأسرعُ-منها-...

بل كُنَّا نسمعُ ونقرأ-وَلا نَزَالُ!- قولَ من قالَ - رَفْضاً، وتعبيراً عن عدمِ الرضا بهذه الإجراءات-قليلِها وَكَثِيرِها-:
لا يكفي! لا يكفي!

فأقولُ: نعم؛ لا يكفي! بل نريدُ المزيدَ...
ولكنْ -بربِّكم- ما الذي يكفي -إذن-؟!
وكيفَ -وأينَ- هو؟!
فـ ... لماذا لا تُفَصِّلُون، وتُبَيِّنُون-بأُطُرٍ واضحةٍ -لِمَا لهُ -وَبِهِ- تُطالِبُون-؟!

بل ما الذي يمنعُ المطالبين بالإصلاح -إثراءً لعملية الإصلاح- مِن القيام بشُكر الدولة على هذا التجاوب ، و الشدّ على أيديها ؛ تشجيعاً لها -أكثرَ- على القيام بواجبها المنُوط بها -لزوماً؛ للمُضِيّ قُدُماً -وبثباتٍ-في هذا الطريقِ الإصلاحيِّ الطويلِ-؟!

}وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{...

وإنِّي لأكادُ أجزِمُ: أنَّهُ إذا استمرَّ الواقعُ على هذا الحالِ الجاري -اليومَ- مِن التَّصعيد، والتَّصعيدِ المُضادِّ؛ دون استيعابِ المُطالبِين بالإِصلاحِ -مِن جهةٍ-، والدَّولَةِ -مِن جهةٍ أُخرى- بعضَهمُ البعضَ: فستكونُ النتائِجُ وخيمةً -جِدًّا-؛ وستكونُ الآثارُ مُدَمِّرَةً -جِدًّا-، وحينها: لا ينفعُ الندمُ! ولن يُجدي التأسُّفُ!!

وقد يقال-يومها-:لماذا لم يتكلمْ فُلانٌ؟! ولماذا سكت علانٌ؟!

فكلامُنا –ها هنا-لأنفسنا ولغيرنا-مِن بابِ قولِ ربِّنا -سبحانه-:}قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ{...

وَلَعَلَّ حَالَنا – إذا وقعت الواقعة -وهذا ما لا نرضاهُ ، ولا نتمنّاهُ- يُمْسِي كحالِ بعضِ البُلدانِ العربيَّةِ الَّتي ابتدأت مِحَنُها بِمثلِ ما هُو جارٍ عندنا -اليَوْمَ-! ثُمَّ تطوَّرت، و (تَوَرَّطَت!) إلى ما هُوَ معروفٌ ومكشوفٌ مِن تخلخُلِ الدَّولة، وفُقدان الأَمن، وانتشار الفوضى، وحلول الفتن و .. و ..

وليس يخفى على ذي بصر أن الفوضى وعدمَ الاستقرار هما من أعظم عوامل ازدياد الخلل ، وانتشار الفساد ، وتطاول الفشل...
وليس هذا-بداهةً-سبيلاً-أدنى سبيلٍ-للنظر الإصلاحي المتأنّي ، الذي به يُدرأ الفساد الظالم المتجنّي....

وهذا -هكذا-عكسُ ما يطلبُه - ويريده –الداعي الإصلاحي إلى الحقّ ، بالحقّ!!!

ولعلّ أدلّ دليلٍ على هذا : تلكم الأصواتُ النشازُ التي بدأت تتواردُ مِن وراء الحدود(!)-مستغلةً حالةَ الفوضى التي نعيش بعضَها!-؛ لتنادي بأمور وأمور تقوّض الأمنَ-كلَّه- ، وتهدّد البلدَ-بأكملِه- !!
وهذه -وحدَها-عند التأمُّل- تكفي لمراجعة كثيرٍ من المواقف! وعديدٍ من الشعارات!!

ثمّ :
إن العاقلَ مِن أبناءِ مُجتمعِنا الأردنيِّ يُدرِكُ مدى خُطُورةِ -وآثار- هذا الذي أشرتُ إليه مِن انتشارِ الخلل والفوضى ، وفقدان الأمنِ والاستقرارِ ، و.. و.. -لو حصل شيءٌ مِنهُ -ولاَ أقولُ: كُلُّهُ!-لا قدَّر اللهُ-؛ وذلك بملاحظةِ تنوُّعِ أطيافِ المُجتَمَعِ وأبنائِهِ -شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً...- إلخ!

أرى خَللَ الرَّمادِ وميضَ نارٍ ***** ويُوشِكُ أن يكونَ لَهَا ضِرامُ
فإنّ النارَ بالعُودَيْنِ تُذكى ***** وإنّ الحربَ أوّلُها كلامُ

و..توضيحُ الواضحات من أصعب المشكلات!!

ولعلَّ هذا الحَالَ المُزْرِيَ -نَتِيجَةَ الشَّدِّ وَالجَذْبِ- ما حثّ بعضَ الكُتّاب -مِمَّن كانَ وزيراً فاعلاً، ونائباً لامعاً!- وهو الآن في طَرَف المُطالِبين بالإصلاح!- لِيُعَبِّرَ-وبجُرأةٍ-قائلاً- في الأمسِ القَريب-: (الأُرْدُنُّ في مهبِّ الرِّيح)!!

وَكذا ما قاله آخرُ –في صحيفة حزبية سائرة!-واصفاً الوضعَ الحاليَّ للبلد-في معرِض الثناءِ!- بقوله:(الشارع(!)يتجاوز الخطوط الحمراء!)!!

وهِيَ كلماتٌ (مُعبّرةٌ!) مُزَلْزِلَةٌ إذا تُؤُمِّلَتْ -فِي حاضِرِها ومُستقبلِها!- بِوَجْهَيْهَا الظاهر، والخفيّ!
فَضْلاً عَمَّا لاَ يُسْتَبْعَدُ -أَلبتّةَ-إِذَا تأَزَّمَتِ الأُمُورُ أَكْثَرَ!-لا قدّر الله- مِن التَّهْدِيدِ بـِ (التَّدَخُّل الخَارِجِيّ!) -ضَغْطاً، وَتَوَعُّداً-! أو وقوع (التَّدَخُّل الخَارِجِيّ!) -حَقِيقَةً وفعلاً-!!
وَحِينَئِذٍ.. {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ}، وَ "السَّعِيدُ مَن وُعِظَ بِغَيرِه"!
وهنا سيُقال-ولا بُدّ-: أين دعاوى الحرصِ على دين الأمة ؟! ومزاعمُ المحافظةِ على وطنها؟؟!!

ولقد دَفَعَني هذا النظرُ الواقعيُّ -الذي تأمَّلْتُ فيهِ ما جرى -ولا يزال يجري- في بلدِنا، مقارِناً له بما هو واقعٌ في بعضِ البلادِ العربيَّةِ- إلى المبادرة -والعزم-على المُشاركةِ في إيجادِ بابٍ إلى الحَلِّ الواقعيِّ، وَذَلِكَ بِوضع خُطّة علميّة عمليّة تطبيقيّة؛ للخروج من هذه الأزمة التي (قد) يُراد -أو يحدُثُ- مِن ورائِها أُمورٌ وأمورٌ؛ تخرُجُ عن المُعْلَن منها -ولو بعدَ حيِن!- وهذا ما لا يَأْمَلُهُ كُلُّ إنسان شريف، وكلُّ مواطن نظيف-..

وإن كانت هذه المشاركةُ مني جاءت -حلّاً للإشكال الكبير المواقعينه!- على نسَق قد يُفهم منه مغايرةٌ للنهج الذي سلكته في باب الدعوة إلى الله -سبحانه-على مدار ثلث قرن من الزمان ؛ لكنها- في الحقيقة -إن شاء الله-لا تنقُضه ، ولا تُناقِضُه- ؛ بل هي -والله- منه، وإليه ؛ إذ لا يسكتُ عن هذا الواقع الأليم -مع القُدرة على دفع خطره الجسيم- إلا شيطانٌ أخرسُ لئيم!!

ولولا عِظَمُ الشعور بالمسؤولية ، وشدّةُ مرارة الواقع ، وكِبَرُ أثر المحنة : ما دخلت هذا البابَ، ولا تدخّلت فيه ؛ }لِيقْضِيَ الله أَمرَاً كانَ مَفعُولاً{- ؛ولكنّ سلَفي الجليل في هذا السبيل -من قبل ومن بعد-: هم علماء الأمة الأخيار ؛ و أئمّتنا الأبرار -في حرصهم ، وحدَبهم ، ورعايتهم ، وعنايتهم - بعموم الأمة -كلِّها-جماعاتٍ ، وأفراداً -..

ولعل من محاسن التوفيق الرباني أن يُوافق زمانُ طرحِ هذه المبادرةِ مُفتتحَ شهر رمضان المبارك ؛ فَأْلَ خيرٍ ، ومِفتاحَ أُلْفَةٍ ، وبابَ اجتماعٍ-والمسدّد الله-....

فأقولُ -وباللهِ التيسير-دونَ كلامٍ (سياسيّ!) كثير، ومِن غير تَنْظِير(صحافيّ!) مُثير-:

أولاً: مُطالبةُ المُطالِبين بالإصلاحِ وكشفِ الفساد -وَلاَ أَقُول: المُعارَضَة!- بتوضيح، وشرح، وتَبْيين مطالبهم المشروعة -كافَّةً-؛ مُفَصَّلةً على أتمِّ وجهٍ وبيانٍ؛ دون الاكتفاء بالعُمُومات وَالكُلِّيَّاتِ الفضفاضة ، والَّتي قد لا تزيد البلاءَ إلاَّ بلاءً! وقَد لا تُخرجنا من مأزقٍ إلا إلى ما هو أكبرُ منه! بعيدين -أجمعين- عن المصالح الضيّقة، ومترفّعين -مُحاذِرين- عن الحزبيّات المُمَزِّقَة...

ثانياً: لزومُ اتفاق الجميع -ابتداء- على التمسّك بأصول الحَفاظ على أسس المواطَنة العامة الصالحة المصلِحة ؛ من حفظ مكانة وليّ الأمر السياسية -واقعيّاً- ، ومنزلته العُليا على رأس الدولة -فاعليّةً ؛ لا شكلاً وصورة - فقط!-، وما يتْبعُ ذلك من حفظٍ للأمن ، والمجتمع ، والخدمات، و..و.. -مما سيكون له أكبر الأثر في حفظ كيان الدولة ، والمحافظة على هُويّتها وهيبتها ؛ مما يعود بالفائدة الجُلى على جميع أفراد المجتمع والوطن-إيماناً وأمناً وأماناً- ..

فالتحكّمُ بهذا الأمر الدقيق -أو التأثيرُ فيه- هو سلاحُ الضغطِ الأشدُّ الذي تعتمده تياراتُ المعارضةِ في مُعظم الدول-مما نرجو أن لا نصلَ إليه في بلادِنا- ..

ويلزمُ من الإقرار بهذا –ولا بدّ-: إيقافُ جميع (المظاهرات)، و(الاعتصامات)، و(الإضرابات)؛ حتَّى تظهرَ –من جانب آخر- النوايا الحقيقيَّةُ الصحيحةُ الصريحةُ لدعاةِ الإصلاحِ فيما يطالبون به من تنفيذ الإصلاح الحقيقيِّ ..

فلقد كادت (!) تلكم الفعاليّات تصيرُ -بِما لا يُنْكَر!- العائقَ الأكبرَ، والعقبةَ الكَأْدَاءَ أمام الإصلاح الحقيقي، والأمنِ المُجْتَمَعِي-، وحتَّى تُهيَّأ النفوسُ -جميعُها-من جهة أخرى- للحلِّ الإيجابيّ، والمخرج الصحيح؛ بعيداً عن التأثيرات الانفعالِيَّةِ التي قد تحملُ في طيَّاتِها -وللأسَفِ الشَّدِيدِ- بعضَ معاني الابتِزاز، والاستغلال ؛ فضلاً عمَّا تُنْتِجُهُ مِن تعطيل مصالح المُجتمع والمواطن ، مما قد يوصلنا إلى حدّ تدمير الاقتصاد الوطني-كله-، و الذي سيُرجعنا سنواتٍ- بل عقوداً من السنوات-إلى الوراء ؛ مما سيؤولُ -لا قدّر الله-سبباً قوياً في أن تَدفع جميعُ فئات الوطن وأبنائه ثمن ذلك باهظاً-وبخاصة أجيالَ المستقبل- !

وما تشَنُّجُ -بَل تَخَوُّفُ- عُمومِ المواطنين-اليومَ- مِن مجرَّدِ ذِكْرِ (يومِ الجمعةِ!) المُبَارَكِ -فضلاً عن أحداثِهِ وَمُجرياتِهِ..- بِخَافٍ!
وهذا الوضعُ المطلوبُ -هكذا -بلا شكّ- سيجعلُ جميعَ الأَطْرَافِ شركاءَ (حقيقيِّين) في الحلّ؛ بدلاً مِن حالةِ الاستهلاكِ الإعلاميِّ المثوّر؛ المبنيِّ على الاحتقان الشديد ، وما يُفرزه من صُور الشدِّ والجذبِ -المَمْجُوجَةِ- الَّتي نعيشُها -فِعْلاً وَقَوْلاً!-مِن غيرِ كثيرِ ثمرة؛ بل بكبيرِ مضرَّة-..

ثالثاً: الأُرْدُنُّ بَلَدٌ مِعْطَاء، كَبِيرٌ بَنَّاء؛ فلا يخلو -ولاَ بُدَّ- مِن وُجُودِ وُجوهٍ خَيِّرَةٍ نَبيلةٍ (مُحايِدَة = لا تُحْسَبُ على أيِّ طَرَف)، ذاتِ خِبْرَةٍ وفاعِلِيَّةٍ وتأثير، يتّفقُ الطرفان -المطالِبون بالإصلاح، والدولة- على عددٍ مُنتقىً منهم للقيام بدراسةِ وغربلة تلك (المطالب) -دراسةً مُتأنِّيَةً جادَّة-؛ تُراعى فيها ظروفُ البَلَد، ومصالحُهُ العامَّة، وإدراكُ ما يُمكن إدراكُه منها -واقعِيًّا-؛ لا انتهازيةً ظاهرةً! أَوْ تَعْجِيزاً بَارِداً! أو تهديداً مُبطّناً!!

رابعاً: اختيارُ مجموعة مُنتقاة (مُحايِدَة)-أيضاً -متفق عليها بين الطرفين- من القُضاة النّزيهين، المعروفِ تاريخُهم، والمشهودِ بأَمانتهم وشفافيَّتِهِم؛ ليكونوا هم القائمين بالنَّظَرِ المُسْتَوْفِي، والحُكمِ المُبْرَمِ في ملفَّات الفساد المُحالة إليهم من اللجنة الأولى؛ ويُعْطَوْنَ الوقتَ الكافيَ لإبداءِ أحكامِهِم الحاسِمَة؛ حتى تكونَ النتائجُ في صَالِحِ الأُمَّةِ ومصلحةِ المجتمع؛ بعيدةً عن الإثارةِ والتهييج، ونائِيَةً عن التسارُعِ الذي لا يعودُ على المجتمع بالخير...

ثُمَّ تُرْفَعُ هذه الأحكامُ -جميعاً- إلى الدولة؛ لتقومَ بِواجِبِهَا الفاعِلِ والمؤثِّرِ -في تنفيذِها، والَّذي -بِدورِهِ- سيكونُ المُطَمْئِنَ للمُجتَمَعِ-جميعِه-أكثرَ وأكثرَ- على الجِدِّيَّة الجازِمَةِ في قَمْعِ الفَسَادِ في سبيلِ الإصلاحِ، والمُضِيِّ الحازِمِ في دُرُوبِه؛ مِمَّا أَكَّدَ عليهِ أكثرَ مِن مرَّةٍ ملكُ البلادِ عبدُ اللهِ بنُ الحُسين -حفظه الله ورعاه، وَوَفَّقَهُ إلى مزيدِ هُداه- ؛ محذّراً -في الوقت نفسه-سدّده الله- من إطلاق الاتهامات جِزافاً دون بيّنة ؛ لغايات اغتيال الشخصية ، والنيل من الأبرياء ، وتشويه سُمعة الوطن؛ ممّا هو أصلٌ شرعيٌّ أمين ، منطلِقٌ من قول ربّ العالمين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين )..

خامساً: أن (تُلزَم) الدَّوْلَةُ بِمُطالباتِ الإصلاحِ المُقَدَّمَةِ إليها من قِبَلِ اللجنة الأولى، ثُمَّ تُجَدْوِلَ -ضِمْنَ خطَّةٍ مدروسةٍ- خُطُواتِ الإصلاحِ المنشودِ بجدولٍ زمنِيٍّ واضحٍ، وَمُبَيَّنٍ، وكافٍ-ومِن خِلالِ الإمكانيات المُتاحة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً- حتى تَظْهَرَ -على وجهِ التأكيدِ- طرائِقُ الحلِّ، ويتأكَّدَ الجميعُ مِن التزام السَّعي الدَّؤوبِ في مجالات الإصلاحِ، وقَمْعِ الفَسادِ؛ لِلخروجِ من عنق الزجاجةِ!

... هذا ما أعانني اللهُ -تعالى- على كِتابتِهِ؛ بعد استخارَتِهِ -سُبحانه-، ثم استشارةِ مَن أثقُ بهِ مِن أهلِ العِلْمِ، والفضلِ، والنظر -مِمَّن رَجَحَ عقلُه، وانْضَبَطَ فَهْمُه-وهم كثيرٌ-بحمد الله-؛ لا أَبتَغِي مِن وراءِ ذلكَ -فِي هذهِ الدُّنيا- جزاءً ولا شكوراً؛ إلاَّ دعوةً صالحَةً مِن قَلْبٍ مُخْبِتٍ..}والله على كُلّ شَيء شهيدٌ{...
{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب}..

وإِنِّي لأَرى في هذه المبادرة -إن شاء اللهُ- نقطةً مضيئةً لائحة ، وفُرصَةً مُواتيةً سانِحَة تَضَعُ الحَقَّ في نِصابِهِ، وتَكشِفُ الأدعِياءَ المراوغين-الذين لا يُريدون بالبلدِ خيراً- ، مِن الأولياء الصَّادِقِين- الحَرِيصِين عَلى الوَطَنِ وأَبْنَائِهِ-؛ {لِيَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب} .

وَلِيَعْرِفَ -مِن جِهَةٍ أُخْرَى- عُمُومُ النَّاسِ وَالمُواطِنين فِي المُجتَمَعِ الأُرْدُنِيِّ الرَّحيم -أَو مَنْ يُسَمَّوْن بـ: (الأَكْثَرِيَّة الصَّامِتَة) -حَقِيقَةَ هؤلاء وأولئك-بعيداً عن الزخَم الإعلامي المتوتّر، والمؤثّر -مِن جِهتيه-!!
(فَمَن نَكثَ فإنّما يَنكثُ على نفسِه)..

وَلِيَكُونَ ذَلِكَ -كُلُّهُ-بَعْدُ- سَبَباً مُباشِراً فِي أَن تَعُودَ الأُلْفَةُ إلى بلادِنا، وتَرْجِعَ اللُّحْمَةُ إلى مُجْتَمَعِنا؛ لِنَنْعَمَ -أَكْثَرَ- بِما حَبَانا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِيَّاهُ مِن نعمةِ الأمنِ والأمان، والَّتي نرجو ربَّنا -سُبحانَهُ- أن يُكَمِّلَهَا وَيُجَمِّلَهَا بِكمالِ نعمةِ الدِّينِ والإيمان-والتي هي عمودُ الإصلاحِ الحقِّ وأساسُه-والذي هو-من قبلُ ومن بعدُ- لبّ دعوتنا الصدق، وأساسُ منهج الأنبياء الحقّ؛ انطلاقاً من كتاب الله -تعالى-، وسنة رسوله-عليه الصلاة والسلام-وعلى فهم السلف الصالح-ومنهجهم-رضي الله عنهم-؛الذي ما انفككنا إليه داعين ، وعليه مجتمعين ؛ إصلاحاً للعقائد ، وتصحيحاً للعبادات ، وضبطاً للمعاملات ، وتقويماً للسلوكيّات ..

مع التنبيه-ختاماً-ربطاً بالواقعِ الذي نحن فيه-: إلى ما لا يختلفُ فيه العلماءُ والعقلاءُ-قديماً وحديثاً-مِن أنّ :
المسائلَ المخالِفةَ للشرع - أو المناقِضةَ للهدى - مِن حيث هي-لا تُعامَلُ معاملةَ الأمورِ المعدومةِ -وجوداً وحِسّاً- ؛ وذلك ترجيحاً لأكبر المصلحتين ، ودفعاً لأعظم المفسدتين.

....وهذا هو الفقهُ الرشيد ،والنظرُ السديد -(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد )-...

وأخيراً:
فإنني إذ وصفتُ ما يجري في بلدَنا الأردن-في فاتحة كلامي- بـ (المحنة) ؛فهو -والله-وصفٌ على نفسي شديدٌ!
لكنّ (محنةَ) أيّ مواطن-كيفما كانت-وكيفما كان- هي (محنةٌ) للوطن -كلّه- ...

فالوطنُ هو الأبُ الرؤوف..والمواطنُ هو الابنُ الشفيق...
فأشفِقوا -بربّكم- على أنفسِكم..وارحموا وطَنَكم....
فالواجبُ كبيرٌ ، والمسؤوليّةُ ثقيلةٌ...


(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)...
واللهُ الموفِّقُ، وهو حسبُنا ونعمَ الوكيل، وهو بكلِّ جميل كفيل...





كتبه
علي بن حسن الحلبي الأثري
-عفا الله عنه-
عمَّان
عاصمة( المملكة الأردنيَّة الهاشميَّة)
- حَرَسَها اللهُ-
الخميس: 28- شعبان - 1432 هـ
رد مع اقتباس
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:56 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.