{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   منبر الحديث وعلومه (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   دورة تدريس علوم الحديث للشيخ صادق بن محمد البيضاني ( متجدد) (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=72014)

ابوخزيمة الفضلي 09-19-2017 08:19 AM

دورة تدريس علوم الحديث للشيخ صادق بن محمد البيضاني ( متجدد)
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،أما بعد
فهذه سلسلة دورة علوم الحديث الشرعية لشيخنا الشيخ الدكتور صادق بن محمد البيضاني
وستكون على شكل حلقات .(أبو خزيمة الفضلي)
دورة تدريس علوم الحديث

الحلقة (1 )
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
المبادئ الأساسية لعلم مصطلح الحديث

وهي المقاصد المهمة التي تُبنى عليها بعض الحقائق، وقد نظمها الصبَّان بقوله:
إِنَّ مَبَادِئَ كُلِّ فَنٍ عَشَـــرَه الحدُّ والموضوعُ ثم الثَّمـــره
ونسبةٌ وفضلهُ والواضـــعْ والاسمُ واسْتمدادُ حكمُ الشــارعْ

مسائلٌ والبعضُ بالبعض اكتفى ومَن درى الجميعَ حاز الشرفــا
وأقول :
حد " مصطلح الحديث" : العلم الذي يبحث في حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد.
ولذا فهو مقدمة لعلم الحديث الذي ينقسم إلى نوعين :
الأول علم الحديث رواية : وهو علم يختص بنقل الخبر وضبطه وتحرير ألفاظه وتدوينه.
وواضع هذا النوع على المشهور : الحافظ أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، المتوفى عام 124هـ ، حيث جمع سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ودونها بأمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ، لكن كتابه الذي جمعه مفقود ، ثم تلاه أئمة الإسلام كالإمام مالك وعبد الرزاق الصنعاني وابن جريج وغيرهم كثير.
النوع الثاني علم الحديث دراية : وهو علم يبحث في حقيقة نقل الرواية وشرطها ونوعها وحكمها وحال ناقلها وشرطه وأنواع مروياته وفقهها.
وواضع هذا النوع : القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الفارسي الرامهرمزي المتوفى عام 360هجرية ، وقد ألف فيه كتابه الموسوم بـ: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي.
ولتوضيح النوعين السابقين يمكن وضع هذا المثال :
قال الإمام البخاري في صحيحه : حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول : سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :" إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
فسند الحديث يبدأ بالحميدي وينتهي بعمر بن الخطاب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومتن الحديث يبدأ بقوله "إنما" وينتهي بقوله " هاجر إليه".
فعلم الحديث دراية : يبحث في هذا الخبر وأمثاله من حيث نقله بحدثنا وأخبرني وعن وقال وسمعت ونحوها ، وشروط من ينقل أو يروي مثل هذه الرواية من حيث أنه سمعه أو أخذه بالعرض أو الإيجازة، ونوع هذه الرواية من حيث الاتصال أو الانقطاع.
وحكم هذا الخبر هل هو حديث صحيح أو ضعيف.
وحال رجال السند هل هم ثقات أم لا.
كما يناقش شروط التحمل والآداء للرواية وأنواع المرويات من مرفوع وموقوف ومقطوع مع شرح الحديث وفقهه، هذا كله يختص بعلم الحديث دراية.
أما علم الحديث رواية : فيختص بنقل مثل هذا الخبر كما فعل البخاري ، فإنه نقل هذا الحديث عن شيخه الحميدي وضبط لفظه وأودعه كتابه وهذا هو علم الحديث رواية ، فهو يختلف تماماً عن علم الحديث دراية.
موضوع علم الحديث رواية : جمع ما جاء عن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- من الأحاديث مع ضبط ألفاظها ورواياتها.
وأما موضوع علم الحديث دراية فـ: دراسة حال الراوي والمروي.
ثمرة علم المصطلح : تمييز الأخبار الواردة من حيث الصحة والضعف.
نسبته : ينسب هذا الفن إلى علوم الشريعة الاصطلاحية.
فضله : يتمخض فضله في الحفاظ على أحاديث رسول الله –عليه الصلاة والسلام- ، التي بمعرفتها على أسس صحيحة نتوصل إلى فهم الشريعة وشؤونها المختلفة ، وكما يقال : شرف العلم بشرف
المعلوم.
استمداده : من أحوال السند والمتن درايةً ، ومن أقوال وأفعال وتقارير وصفات رسول الله -عليه الصلاة والسلام- روايةً.
حكمه : فرض كفاية ، إن قام به البعض سقط الإثم عن البعض الآخر ، ويتعين عند الانفراد حتى يتميز الصحيح من الضعيف.
مسائله : قواعده المختلفة وقضاياه الحديثية.
وللكلام بقية أستأنفه في حلقة قادمة بإذن الله، وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 09-22-2017 02:21 PM

دورة تدريس علوم الحديث الحلقة (2) بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
 
دورة تدريس علوم الحديث
الحلقة (2)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
تعريفات أولية
هناك بعض المفردات المهمة التي يجب على طالب الحديث أن يعرفها لكونها تتردد عليه كثيراً عند الخوض في غمار هذا الفن، ويمكن ذكرها على سبيل الإيجاز فأقول، وبالله التوفيق :
الحديث لغة : بمعنى الجديد ، ويرد بمعنى الكلام ومنه قوله –تعالى- :" ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً"([1]).
واصطلاحاً : ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ خُلُقية أو خلْقية.
مثال القول :
قوله -عليه الصلاة والسلام- :" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "([2]).
ومثال الفعل :
صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- المنقولة إلينا بواسطة صحابته الكرام -رضي الله عنهم- ، ومن ذلك حديث أبي حميد الساعدي قال : " كنت أحفظكم لصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه .. "([3]).
مثال التقرير :
إقراره -عليه الصلاة والسلام- للصحابة بأكل لحم الخيل([4]) والحمار الوحشي([5]) والضب([6]) من غير إنكارٍ عليهم.
مثال صفاته الخُلقية :
ما جاء في حسن خلقه وأدبه -عليه الصلاة والسلام- ، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك قال : " خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين والله ما قال لي أفٍ قط، ولا قال لي لشيء لِمَ فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا ؟"([7]).
مثال صفاته الخَلْقية :
ما كان مجبولاً عليه من حيث الخِلْقة أو الهيئة، ومن ذلك ما رواه البراء -رضي الله عنه- قال : " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً مربوعاً ، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه"([8]).
والأثر لغة : البقية.
واصطلاحاً : ما أضيف إلى الصحابي أو دونه من أهل القرون المفضلة سواء كان قولاً أو فعلاً ، تقريراً أو صفة خلقية أو خلْقية.
وقيل : مرادف للخبر ، فيطلق على المرفوع والموقوف ، وفقهاء خراسان يسمون الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر.
وسيأتي تعريف الخبر إن شاء الله.
والسنة لغة : الطريقة.
واصطلاحاً : تطلق في الأكثر على ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ، فهي مرادفة للحديث ، وقال بعضهم : تعم الحديث والأثر.
وقد تطلق على ما عليه الكتاب والسنة معاً، أو ما استقر عليه عمل الصحابة، وتارة على ما يقابل البدعة، وعند بعض الفقهاء : على ما ليس بواجب، والمشهور عند المحدثين الأول.
والخبر لغة : النبأ.
واصطلاحاً : يطلق على المرفوع وغيره فيشمل ما أضيف إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ، وما أضيف إلى غيره كالصحابة والتابعين ، وعليه يسمى كل حديثٍ خبراً ، ولا يسمى كل خبرٍ حديثاً.
وخص بعضهم الحديث بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ، والخبر بما جاء عن غيره فيكون الحديث مبايناً للخبر.
وقال آخرون : هو مرادف للحديث.
والأول أصح ما قيل فيه.
والمتن لغة : مأخوذ من المتانة بمعنى الصلابة.
واصطلاحاً : ما ينتهي إليه السند من القول أو الفعل أو التقرير أو الصفة خَلْقية أو خُلُقية.
وسمي بذلك لكون الراوي يقويه بذكر السند.
والسند لغة : مأخوذ من الاستناد بمعنى الاعتماد.
واصطلاحاً : ما اشتمل على رواة الحديث.
وسمي بذلك : لأن الناقل يستند إليه في ذكر المتن.
وهو قسمان : عالٍ ونازل.
فالعالي : ما قلَّ رجال إسناده، فإن قلُّوا إلى رسول الله –عليه الصلاة والسلام- فيسمى بالعلو المطلق، وإن قلُّوا إلى إمام كبير القدر كالإمام أحمد وغيره من الحفاظ فيسمى بالعلو النسبي.
وأما السند النازل : فهو ما كثر رجال إسناده .
وليس مذموماً، ولكن كلما قلَّ رجال السند كان قليل النقد، وهذا غالباً.
فإذا وُجِدَ سند نازل صحيح الإسناد، وآخر عالٍ دونه في الصحة قُدِّم النازل على العالي لأن الاعتبار الصحة ليس غير.
وبذا فالسند غير الإسناد لأن معنى الإسناد : رفع الحديث إلى قائله.
وهو ثلاثة أقسام :
الأول : المرفوع ، ويسمى بالحديث المُسنَد وهو ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء كان قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفة خُلُقية أو خلْقية.
وسمي بذلك لارتفاع شأنه ونسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- .
الثاني : الموقوف : وهو قول الصحابي أو فعله أو تقريره أو صفته.
الثالث : المقطوع : وهو قول التابعي أو فعله أو تقريره أو صفته.
والصحابي هو : مَنْ لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به ومات على ذلك ولو تخللته ردته.
والتابعي : من لقي الصحابي رضي الله عنه مؤمناً ومات على ذلك.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_____
([1]) سورة النساء ، الآية رقم (87).
([2]): أخرجه البخاري في صحيحه ( كتاب الإيمان ، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (1/ 13 رقم 10) واللفظ له ، ومسلم في صحيحه ( كتاب الإيمان ، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل (1/ 65 رقم 41 ) .
([3]) أخرجه البخاري في صحيحه ( كتاب صفة الصلاة ، باب سنة الجلوس في التشهد وكانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرجل وكانت فقيهه (1/ 284 رقم 794 ) من رواية محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي مرفوعاً.
([4]) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ورخص في الخيل" متفق عليه.
([5]) عن أبي قتادة" : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجاً فخرجوا معه فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال ( خذوا ساحل البحر حتى نلتقي ) ، فأخذوا ساحل البحر ، فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة لم يحرم فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أُتَاناً ، فنزلوا فأكلوا من لحمها " متفق عليه.
([6]) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطاً وسمناً وأضباً فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الضب تقذراً ، قال ابن عباس : فأُكِل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراماً ما أُكِل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم" متفق عليه.
([7]) متفق عليه.
([8]) متفق عليه.

ابوخزيمة الفضلي 09-26-2017 06:46 AM

دورة تدريس علوم الحديث

الحلقة (3)

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
درجات رجال الحديث


وتعدادها على المشهور أربع درجات :

الأولى : المُسْنِد وهو راوي الحديث الذي يسند حديثه بذكر السند ممن سمعه إلى نهاية السند.

الثانية : المُحَدِّث : وهو العالم بالحديث روايةً ودرايةً.

الثالثة : الحافظ : وهو المحدث لكنه يزيد عنه بكثرة حفظ الروايات سنداً ومتناً.

الرابعة : الحاكم : وهو من أحاط بجميع الأحاديث روايةً ودرايةً بحيث لا يخفى عليه إلا ما ندر.

وليس من هذه الدرجات الثقة والمجروح ونحوهما وسيأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى عند ذكر مراتب الجرح والتعديل، إذ قد يكون المُسْنِد أو المُحَدِّث أو الحافظ أو الحاكم موصوفاً بنوع جرح مع بقاء درجته العلمية السالفة الذكر.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 09-26-2017 06:51 AM

دورة تدريس علوم الحديث

الحلقة (4 )

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
مراحل تدوين الحديث وعلومه

لقد كان الناس على عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يتلقون الأحاديث منه مباشرةً ، وكان الصحابة آنذاك فريقين قوم يحفظونه عن ظهر قلب وهم الأكثر ، وآخرون يكتبونه ويدونونه في الصحف.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه (كتاب الزهد والرقائق ، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم (4/ 2298 رقم 3004)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه".

قال القاضي [ عياض ]: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأجازها أكثرهم ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف ، واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي ، فقيل هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث :" اكتبوا لأبي شاة" ، وحديث صحيفة علي -رضي الله عنه- ، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات ، وحديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر -رضي الله عنه- أنساً -رضي الله عنه- حين وجهه إلى البحرين ، وحديث أبي هريرة :" أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب " وغير ذلك من الأحاديث ، وقيل إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث ، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن فلما أمن ذلك أذن في الكتابة ، وقيل : إنما نهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ"([1]) اهـ.

ولما مات -عليه الصلاة والسلام- ظل الناس يتناقلونه جيلاً بعد جيل بهاتين الطريقتين حتى ظهرت مدرسة الرأي وبدأ الكذب يظهر في حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- من ضعاف النفوس والمندسين في صفوف المسلمين فخشي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من خطر ذلك فدعا إلى تدوين الحديث النبوي وجمعه في كتاب أو كتب مستقلة ، فتصدر لذلك رجلان حافظان هما أبو بكر ابن حزم ، ومحمد بن مسلم الزهري ، وكان الظفر في هذا الميدان للزهري وذلك في بداية المائة الثانية.

ثم تسابق المحدثون في هذا القرن إلى تدوين كل ما وقفوا عليه من الأحاديث والآثار دون أن يفردوا الأحاديث على حده، بل جمعوا الحديث ممزوجاً بأقوال الصحابة والتابعين.
فظهر في هذا القرن الإمام عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج البصري المتوفى سنة 155هـ وكتابه يُعد بعد كتاب الزهري أول مصنف في علم الحديث واسمه "السنن" ، ثم تلاهما ربيع بن صبيح السعدي البصري من أتباع التابعين المتوفى سنة 160هـ ، ثم صنف سفيان بن عيينة ومالك بن أنس بالمدينة المنورة ، وعبد الله بن وهب بمصر ، ومعمر وعبد الرزاق باليمن ، وسفيان الثوري ومحمد بن فضيل بن غزوان بالكوفة ، وحماد بن سلمة وروح بن عبادة بالبصرة ، وهشيم بواسط ، وعبد الله بن مبارك بخراسان.

وكان مطمح نظرهم ومطرح بصرهم بالتدوين ضبط معاقد القرآن والحديث ومعانيهما ، ثم دونوا فيما هو كالوسيلة إليهما كغريب الحديث والناسخ والمنسوخ والجرح والتعديل ونحوها .

وفي أوائل القرن الثالث : ظهرت فكرة تجريد الحديث الصحيح وإفراده بالتدوين.
فظهر شيخ الإسلام وحسنة الأيام محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هجرية، فألف كتابه الموسوم بـ " الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه" في الحديث الصحيح المجرد، وهو أول من ألف في ذلك ، ثم تلاه تلميذه الإمام مسلم بن الحجاج القشيري المتوفى سنة 261هجرية - فألف كتابه الصحيح حيث حذا فيه حذو البخاري ، ثم تسابق العلماء فأفردوا كتباً كثيرة في الأحاديث وأخرى في الآثار.

ولما جاء القرن الرابع غلب على أعلامه تهذيب تلك الكتب
المؤلفة وتبويبها والاعتناء بها وجمع ما اشتملت عليه من الأحكام والفوائد ونحو ذلك.

ويظهر أن مرحلة تدوين أصول الحديث انتهت بنهاية هذا القرن.

وفي هذا القرن بدأ الاهتمام بوضع قواعد مصطلح الحديث فظهر شيخ الإسلام القاضي أبو محمد الرامهرمزي المتوفى عام 360هجرية وألف فيه كتابه : المحدث الفاصل بين الراوي والواعي.

قال الحافظ ابن حجر : " لكنه لم يستوعب ، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري لكنه لم يهذب ولم يرتب ، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجاً ، وأبقى أشياء للمتعقب ، ثم جاء الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الراوية كتاباً سماه " الكفاية " وفي آدابها كتابه " الجامع لآداب الشيخ والسامع " وقلَّ فن من فنون الحديث إلا وقد صنَّف فيه كتاباً مفرداً ، ثم جاء بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب فجمع القاضي عياض كتاباً لطيفاً سماه " الإلماع إلى أصول الرواية والسماع " ، وأبو حفص الميَّانجي جزءً سماه " ما لا يسع المحدث جهله " إلى غير ذلك من التصانيف التي اشتهرت وبُسِطت واخْتُصِرت إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع لمَّا وَلِي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور " المقدمة" فهذب فنونه وأملاه شيئاً بعد شيء ، فلهذا لم يتناسب وضعه ، واعتنى بتصانيف الخطيب المتفرقة فجمع في كتابه ما تفرق في غيره ، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره ما بين ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومنتصر ومعارض له ومقتصر"([2]).

إلى أن جاء الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني المصري فلخَّص المهم من هذا الاصطلاح مما جمعه في كتابه الحافظ ابن الصلاح مع فرائد ضُمَّتْ إليه وفوائد زيدت عليه في أوراق قليلة هي في نفسها جليلة سماها " نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" ثم شرحها بكتاب سماه " نزهة النظر " ، كما ألف كتاب " النكت على مقدمة ابن الصلاح" وكتباً أخرى في الطبقات والرجال والشروح واهتم اهتماماً بالغاً بعلوم الحديث حتى صار الناس عيالاً عليه في هذه الصناعة إلى يومنا هذا.

وبهذه المقدمة التاريخية الموجزة يتبين أن مراحل تدوين الحديث أو علم الحديث روايةً متقدمة عن مراحل علم الحديث دراية.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
______

([1]) أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي ، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1392هـ (18/ 129).
([2]) ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ، نزهة النظر شرح نخبة الفكر ، مكتبة طيبة ، المدينة ، الطبعة الأولى ، 1404هـ ، (ص16،17) بتصرف.…

ابوخزيمة الفضلي 09-29-2017 01:52 PM

دورة تدريس علوم الحديث

الحلقة (5)

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

شبهة حول الإمام المحدث الزهري:

أثار بعض المستشرقين شبهةً حول تدوين السنة، فقالوا : المؤرخون المسلمون يقولون إن السنة لم تدون إلا في عهد الحافظ محمد بن مسلم الزهري وبين الزهري ومحمد -عليه الصلاة والسلام- أكثر من مائة عام ، فكيف تكون السنة محفوظة والزهري لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- ؟!

والجواب : أنها شبهة داحضة من عدة جهات :

االجهة الأول : أن روايات الزهري كانت سماعاً بواسطة مشايخه التابعين عن الصحابة بالأسانيد المحفوظة ، ولم يرو عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، كما روى عن تابع التابعين ومنهم بعض تلامذته عن التابعين عن الصحابة، وروى عن بعض الصحابة مباشرة لكونه ادرك بعضهم كأنس وسهل وهذا قليل.

الثانية : أن بعض الصحابة كما تقدم في الحلقة الرابعة كانوا يكتبون، ومنهم من يحفظ ، فينقل عنهم التابعيون كتابة أو مشافهة ، وعن التابعين أو تابعيهم أخذ الزهري وغيره، كما روى عن بعض الصحابة مباشرة لكونه ادرك بعضهم كأنس وسهل كما تقدم.

الثالثة : أن الزهري إنما روى بعض مسموعاته ولم يرو أحاديث السنة كلها ، فهناك الكثير من الروايات الصحيحة التي هي عن غير الزهري.

الرابعة : أن الكتاب الذي قيل إن الزهري جمعه مفقود ، ولو كان محفوظاً لما كان هو السنة دون غيره من الأحاديث باتفاق المحدثين.

وهذا يعني أن السنة حفظها أئمة كثيرون ، وتناقلوها كتابةً ومشافهةً بأسانيد متصلة ، وأن الزهري إمام من أولئك الأئمة ، جمع ما وقف عليه من المرويات ولم يجمع سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- كلها ولم يتفوه بذلك إمام معتبر ، فبئس ما قال المستشرقون.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 10-03-2017 07:00 AM

دورة تدريس علوم الحديث الحلقة (6) بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
 
دورة تدريس علوم الحديث
الحلقة (6)

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
طرق جمع الحديث النبوي وأنواع الكتب المؤلفة فيه

استعمل المحدثون أربعة طرق في جمع الأحاديث :

الأولى : جمع الأحاديث وآثار الصحابة والتابعين ممزوجة مع بعضها.

وأرباب هذه الطريقة كثيرون منهم ابن جريج وله كتاب " السنن" ومالك وله " الموطأ " وعبد الرزاق الصنعاني وله " المصنف" وغيرهم.

الثانية : إفراد الأحاديث في كتب مستقلة كمسند أحمد بن حنبل ، وكتب أصحاب السنن الأربعة.

وأصحاب هذه الطريقة لا تخلو كتبهم من ذكر بعض الآثار إلا أنها قليلة بالنظر إلى كثرة الأحاديث.

الثالثة : إفراد الآثار في كتب مستقلة ككتاب السنن لسعيد بن منصور.
إذ أغلب مروياته آثار.

الرابعة : جمع الحديث الصحيح المجرد على حده، ككتاب صحيح البخاري ومسلم.

وهذا بالنظر إلى الجمع والتأليف ، وأما بالنظر إلى التقسيم

والتبويب فلهم أربعة طرق أيضاً :
الأولى : طريقة الأبواب الفقهية وذلك بذكر الأحاديث حسب الأبواب الفقهية كما فعل أصحاب الكتب الستة.

الثانية : طريقة المسانيد ، وذلك بذكر أحاديث كل صحابي على حِدَه بحيث يتقدمهم أعلاهم في الفضل فما دون كتقديم أحاديث العشرة المبشرين بالجنة على غيرهم كما فعل أحمد وأبو يعلى الموصلي والطيالسي في مسانيدهم.

الثالثة : طريقة المعاجم وذلك بترتيب الكتاب على أسماء الصحابة حسب المعجم ، وقد يتقدمهم ابتداء أعلاهم في الفضل فما دون كتقديم أحاديث العشرة المبشرين بالجنة على غيرهم ، ثم حسب المعجم كما فعل الطبراني في الكبير أو بترتيب الكتاب على أسماء الشيوخ كما فعل في الأوسط والصغير.

الرابعة : طريقة الأجزاء ، كإفراد أحاديث صحابي أو مسألة ونحو ذلك ، كصحيفة همام في روايته لأحاديث أبي هريرة ، وككتاب الزهد لابن المبارك ، وجزء الفاتحة للإمام البخاري.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 10-08-2017 01:06 AM

أقسام الخبر باعتبار وصوله إلينا
 
دورة تدريس علوم الحديث
الحلقة (7)

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

أقسام الخبر باعتبار وصوله إلينا
ينقسم الخبر باعتبار وصوله إلينا إلى متواتر وآحاد.

أولاً المتواتر : وهو لغةً من التواتر بمعنى التتابع.
واصطلاحاً : الخبر الذي يرويه جمع عن جمع ، يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب ، ويكون مستند خبرهم الحس كحدثنا وأخبرنا.

وشروطه أربعة :
الأول : أن يكون الإخبار عن علمٍ لا ظن.
الثاني : أن يكون الجمع في كل طبقة من غير حد لعددهم.
الثالث : أن يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب.
الرابع : أن يكون مستند خبرهم الحس كحدثنا وأخبرنا.
فإذا حصلت هذه الشروط أفاد العلم اليقيني.

والتواتر نوعان : لفظي ومعنوي.
فالمتواتر اللفظي : ما تواتر لفظه كحديث " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ".

فإنه رواه نيف وستون من الصحابة منهم العشرة ، والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما.
وحديث " نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها "([1]) فإنه مروي عن نحو ثلاثين صحابياً.

ومنها " إن القرآن أنزل على سبعة أحرف " فإنه مروي عن سبع وعشرين صحابياً ، والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما.
والمعنوي : ما تواتر بمعناه كأحاديث رفع اليدين في الدعاء فقد
ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- نحو مائة حديث فيها " أنه رفع يديه في الدعاء " وهي في قضايا مختلفة ، فكل قضية منها لم تتواتر بعينها ، ولكن القدر المشترك فيها وهو الرفع عند الدعاء متواتر باعتبار المجموع.
وقد ألفت في الأحاديث المتواترة مجموعة من الكتب منها : كتاب الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي ، ومنها كتاب : نظم المتواتر للكتاني.

ثانياً : الحديث الآحاد ، جمع واحد ، وهو لغة : ما يخبر به شخص واحد.
واصطلاحاً : ما كان دون المتواتر كأن يفقد شرطاً فأكثر من شروط التواتر.
وأكثر الأحاديث من سبيل الآحاد ، ولا يلزم منها الصحة فمنها الصحيح وغيره.
وأقسامه ثلاثة : مشهور وعزيز وغريب.
وسيأتي بيانها بمشيئة الله في اللقاء القادم.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
______ا

([1]) أخرجه ابن ماجه بلفظه في سننه (افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم ، باب من بلغ علماً (1/ 86 رقم 236) من حديث أنس بن مالك مرفوعاً ، والحديث أخرجه بمعناه الأربعة إلا النسائي.

ابوخزيمة الفضلي 10-18-2017 03:08 PM

أقسام الحديث الآحاد
 
دورة تدريس علوم الحديث

الحلقة (8)

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

أقسام الحديث الآحاد

ينقسم الحديث الآحاد إلى ثلاثة أقسام، وهي : مشهور وعزيز وغريب.

أولاً : المشهور وهو مأخوذ في اللغة من الشهرة.

واصطلاحاً: ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة ولم يبلغ حد التواتر.

فالحد الأدنى ألا يقل عن ثلاثة في جميع طبقات الرواة ، ولا مانع من الزيادة في بعض طبقات الرواة.

ويسمى عند بعضهم، وخاصة الفقهاء بالمستفيض.

مثال المشهور : حديث " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يَبق عالمٌ اتخذ الناس رؤساً جهالاً ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "([1]).

وهذا المثال باعتبار رجال إسناده ، وأما باعتبار شهرته كحديث منقول فإنه ينقسم عند المحدثين إلى أربعة أقسام :

الأول : مشهور صحيح كالحديث السابق : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلماء "وأمثاله من الأحاديث.

الثاني : مشهور غير صحيح كحديث : " يوم نحركم يوم فطركم "([2]).

الثالث : مشهور بين أهل الحديث وغيرهم كقوله -صلى الله عليه وسلم- "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"([3]) وأمثاله من الأحاديث.

الرابع : مشهور بين أهل الحديث خاصة دون غيرهم كرواية محمد بن عبد الله الأنصاري عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " قنت شهراً بعد الركوع يدعو على رَعْل وذكوان "([4]).

فهذا مشهور بين أهل الحديث ، ومخرج في الصحيح ، وله رواة عن أنس غير أبي مجلز ، ورواه عن أبي مجلز غير التيمي ورواه عن التيمي غير الأنصاري ، ولا يعلم ذلك إلا أهل هذه الصنعة ، وأما غيرهم فقد يستغربونه من حيث أن التيمي يروي عن أنس وهو ها هنا يروي عن واحد عن أنس.

ثانياً : العزيز وهو مأخوذ في اللغة من العزة بمعنى القوة والغلبة والمنعة، وقد يرد بمعنى القلة.

واصطلاحاً : ما رواه اثنان في كل طبقة.

وقد يرويه أكثر من اثنين في بعض الطبقات ، لكن الحد الأدنى ألا يقل عن اثنين في جميع طبقات الرواة.

مثال العزيز : حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من ولده ووالده والناس أجمعين"([5]).

رواه عن أنس قتادة بن دعامة وعبد العزيز بن صهيب ، ورواه عن قتادة شعبة وسعيد ، ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن علية وعبد الوارث ورواه عن كلٍ جماعة.

كما جاء الحديث عن أبي هريرة ، فالحديث عزيز.

وللكلام بقية، سنتكلم من خلالها عن القسم الثالث من أقسام الأحاد، وهو قسم الغريب " الفرد" بإذن الله.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_____
([1]) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو.
([2]) حديث لا أصل له ، قال أحمد : أربعة أحاديث تدور على ألسنة الناس ولا أصل لها عن رسول الله " من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة " ، و " من بُشر بخروج آذار بشر بالجنة " ،
و"يوم نحركم يوم فطركم" ، و " للسائل حق وإن جاء على فرس ". [ بدر الدين أبو محمد محمود
بن أحمد العيني ، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (15/ 89) .
([3]) أخرجه البخاري في صحيحه ( كتاب الإيمان ، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (1/ 13 رقم 10) واللفظ له ، ومسلم في صحيحه ( كتاب الإيمان ، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل (1/ 65 رقم 41).
([4]) متفق عليه.
([5]) متفق عليه.

ابوخزيمة الفضلي 10-21-2017 05:48 AM

القسم الثالث من أقسام الأحاد "الغريب
 
دورة تدريس علوم الحديث
الحلقة (9)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
والغريب لغة بمعنى الفرد.
واصطلاحاً : ما رواه واحد في جميع طبقات الرواة ، ولا مانع من الزيادة في بعض طبقات الرواة.
ويقال له حديث الفرد.
وينقسم من حيث القبول والرد : إلى صحيح وضعيف :
مثال الغريب الصحيح : حديث مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً " السفر قطعة من العذاب "([1]).
ومثال الغريب الذي ليس بصحيح، وهو الغالب على الغريب كحديث علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " من قرأ القرآن واستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار"([2]) .
قال أبو عيسى الترمذي في سننه : " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وليس إسناده بصحيح ، وحفص بن سليمان أبو عمر بَزَّازٌ كوفي يُضعف في الحديث.اهـ
وقد حذر العلماء من الغرائب :
قال مالك : شر العلم الغريب ، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس.
وقال عبد الرزاق : كنا نرى أن غريب الحديث خير فإذا هو شر.
كما ينقسم الغريب ويقال له [ الفرد ] من حيث إسناده إلى : فرد مطلق وفرد نسبي.
فالفرد المطلق : ما ينفرد بروايته عن الصحابي واحد من التابعين كحديث النهي عن بيع الولاء([3]) فإنه تفرد به عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر.
وقد يتفرد به راوٍ عن ذلك المتفرد كحديث شعب الإيمان([4]) فإنه تفرد به أبو صالح عن أبي هريرة ، وتفرد به عبد الله بن دينار عن أبي صالح.
وقد يستمر التفرد في جميع رواته أو أكثرهم، وفي مسند البزار والمعجم الأوسط للطبراني أمثلة كثيرة لذلك.
وفي هذه الحالة يقول أهل الحديث فيه : تفرد به فلان عن فلان.
ومن ذلك أيضاً حديث : " إنما الأعمال بالنيات " فإنه حديث فرد تفرد به عمر -رضى الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ، ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ، ثم عنه يحيى بن سعيد.
والحديث متفق عليه من حديث عمر -رضي الله عنه- .
على أن حديث النية قد جاء عن أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكره الدارقطني وغيره.
ولكن النظر في التفرد من حيث أنه فرد صحيح عن عمر بن الخطاب ولم يصح عن غيره من الصحابة.
والفرد النسبي نوعان :
الأول : ما تفرد بروايته واحد ممن بعد التابعين ولو تعددت الطرق إليه.
ومثاله : حديث " لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه "([5]).
فقد رواه جماعة عن محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وذكره.
فجميعاً انفردوا بروايتهم هذه عنه، ولا يعني هذا أن الحديث ليس له طرق أخرى، بل له طرق أخرى وشواهد كثيرة، وإنما الانفراد من حيث هذه الرواية دون غيرها.
ومن هذا النوع أيضاً : ما انفرد به الثقة خلافاً للأوثق أو الثقات، وكذا ما انفرد به الضعيف خلافاً للثقة، وما انفرد به الوضاع، كل هذا من سبيل الفرد النسبي.
الثاني : ما كان التفرد فيه من حيث الجهة خاصة كقولهم : تفرد به أهل مكة، أو تفرد به أهل اليمن ونحو ذلك.
وهو ضربان :
الأول : ما انفرد به شخص عن أهل بلد أخرى.
مثاله : حديث جابر في قصة الشجوج : " إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه، ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده "([6]).
قال الدارقطني في سننه : " قال أبو بكر ابن أبي داود : هذه سنة تفرد بها أهل مكة وحملها أهل الجزيرة.
لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق وليس بالقوي.أهـ
الثاني : ما انفرد به أهل بلد عن شخص كحديث : " القضاة ثلاثة"([7]).
تفرد به أهل مرو عن عبد الله بن بريدة عن أبيه.
فائدة :
قال الحافظ ابن حجر : إن أهل الاصطلاح قد غايروا بين الفرد والغريب من حيث كثرة الاستعمال وقلته.
فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق.
والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي، وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما، وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون، فيقولون في المطلق والنسبي تفرد به فلان أو أغرب به فلان([8]).أهـ.
ولا يسوغ الحكم بالتفرد إلا بعد الاعتبار.
والاعتبار : هو تتبع الطرق من الجوامع والمسانيد والأجزاء لذلك
الحديث الذي يُظن أنه فرد لِيُعلم هل له رواية متابع أو هل له شاهد أم لا؟.
ومظنةُ معرفة الطرق التي يحصل بها المتابعات والشواهد وينتفي بها التفرد هو كتب الأصول الحديثية كالجوامع والمسانيد والأجزاء، وسيأتي الكلام عن الاعتبار في فصل مستقل إن شاء الله.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
____
([1]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
([2]) أخرجه الترمذي في سننه ( كتاب فضائل القرآن ، باب ما جاء في فضل قارئ القرآن 5/ 171 رقم 2905).
([3]) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء ، وعن هبته " متفق عليه.
([4]) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان" متفق عليه.
([5]) الحديث حسن لغيره ، وقد أخرجه أحمد وغيره ، وخَرَّجَتْه بكافة طرقه وشواهده " الزوجة أم محمد البيضاني حفظها الله " في كتابها " حكم البسملة عند الوضوء " .
([6]) أخرجه أبو داود في سننه ( كتاب الطهارة ، باب [ في ] المجروح يتيمم (1/ 93 رقم 336)، كما أخرجه غيره، والحديث حسن إن شاء الله.
([7]) أخرجه الأربعة في السنن، وهو حديث صحيح.
([8]) ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ، نزهة النظر شرح نخبة الفكر (ص28،29).
**

ابوخزيمة الفضلي 10-25-2017 06:26 AM

أقسام الخبر باعتبار الصحة والضعف
 
دورة تدريس علوم الحديث
الحلقة (10)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

أقسام الخبر باعتبار الصحة والضعف

وينقسم الخبر باعتبار صحة الرواية وضعفها إلى ثلاثة أقسام : صحيح وحسن وضعيف.
فالصحيح والحسن مقبولان ، والضعيف مردود ، وإليك إيضاح ذلك :
أولاً الصحيح : وهو لغة السالم من العلة.
واصطلاحاً : ينقسم إلى قسمين : صحيح لذاته وصحيح لغيره.
فأما الصحيح لذاته : فهو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه ، ولا يكون شاذاً ولا معللاً بعلة قادحة خفية.
ومثاله : ما أخرجه البخاري في صحيحه ، قال حدثنا محمد بن منهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : " خالفوا المشركين ، وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ ، وكان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ"([1]) .
فهذا الحديث صحيح لذاته لتوفر شروط الصحة فيه، وهي :
1ـ اتصال إسناده : فقد سمعه البخاري من شيخه محمد بن منهال، وابن منهال سمعه من شيخه يزيد بن زريع ، وابن زريع سمعه من شيخه عمر بن محمد ، وعمر سمعه من شيخه نافع ، ونافع سمعه من شيخه ابن عمر ، وابن عمر سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-.
فهذا متصل بمجرد أن كل تلميذ سمع من شيخه ما حدَّث به وهكذا إلى منتهاه.
2ـ أن رواته ، وهم رجاله : كلهم عدول وليس في عدالتهم ما يسقطهم عن مرتبة العدالة ؛ لانتفاء كبائر الذنوب عنهم ومفسقات الأمور.
3ـ الضبط : ومعناه أن كل راوٍ أدَّى ما حدث به بمثل ما سمعه لفظاً أو معنى، سواء أدَّاه من حفظه أو من كتابه.
لأن الضبط ضبطان : ضبط كتاب ، وضبط صدر.
4ـ سلامته من العلة القادحة الخفية : كأن يكون أحد الرواة لم يسمعه من شيخه مباشرة وإنما بواسطة ، فدلَّس فيه بإسقاط الواسطة.
5ـ أنه سلم من الشذوذ ، فلم يخالف أحد الرواة الثقات غيره من الثقات في الرواية.
وسيأتي قريباً تعريف الشذوذ والإعلال في الحديث في موضعه مفصلاً إن شاء الله.
وأما الصحيح لغيره : فهو الحسن لذاته إذا اعتضد بمثله ولو بطريق واحد أو شاهد واحد، إذا اختلف مخرجه وكانت رتبة رجاله متقاربة في رتبة مَنْ خَفَّ ضَبْطُه.

ومثاله :
حديث ابن عباس : " أن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتسلت من الجنابة ، فتوضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بفضلها فذكرت ذلك له فقال : "إن الماء لا ينجسه شيء".
أخرجه النسائي في السنن الصغرى ( كتاب المياه ، ولم يبوب للحديث (1/ 173 رقم 325).
وإسناده : حسن.
وله شواهد أخرى تقويه إلى درجة الصحيح لغيره ، وقد جاء بالرواية المشهورة : عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس . الحديث.
ورواية سماك عن عكرمة مختلف فيها والراجح أنها رواية مضطربة.
فإذا علمت ذلك فاعلم أنه اختلف في سماك على أقوال واتهم بأنه يخطئ في حديثه ، وأنه اختلط قبل موته .
وحاصل ما يترجح في حاله : أنه حسن الحديث مالم يكن الحديث من أوهامه أو مما سمع منه بعد الاختلاط أو من روايته عن عكرمة خاصة.
والعبرة وجود المتابع إن تابعه على ماروى وكان مقبول الرواية فذاك .
وأما أن ينفرد به سماك عن عكرمة فلا .
ولكن تابع سماكاً إسرائيل بن يونس بروايته عن عكرمة عن ابن عباس وذكر الحديث .
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه رقم (396).
وإسناده: حسن
وجاء من حديث عائشة وهذا شاهد لحديث ابن عباس.
أخرجه النسائي في السنن الكبرى (1/ 74 رقم 49) من طريق شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الماء لا ينجسه شيء".
والمقدام بن شريح ثقة من رجال مسلم ، وأبوه هو شريح بن هانئ بن يزيد وهو ثقة من رجال مسلم وأهل السنن.
وحديث عائشة حسن لذاته ، فالحديث بهذا الشاهد صحيح لغيره، وبالله التوفيق.
_______
([1]) أخرجه البخاري في صحيحه ( كتاب اللباس ، باب تقليم الأظفار 5/ 2209 رقم 5553).

ابوخزيمة الفضلي 11-25-2017 11:37 PM

دورة تدريس علوم الحديث
الحلقة (11)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
اتماماً لأقسام الحديث من حيث القبول والرد أقول وبالله التوفيق :
ثانياً : الحَسَن.
وهو مأخوذ في اللغة من الحُسْن.
واصطلاحاً : ينقسم إلى قسمين : حسن لذاته ، وحسن لغيره.
فأما الحسن لذاته فهو : الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل الخفيف الضبط عن مثله إلى منتهاه ، ولا يكون شاذاً ولا معللاً بعلة قادحة خفية.
ويلزم فيه ما يلزم في الصحيح لذاته من حيث القبول ، إلا أن فيه رجلاً فأكثر ممن خف ضبطه بخلاف رجال الصحيح لذاته.
ويعرف رجال الحديث الحسن لذاته من جهتين غالباً :
الجهة الأولى : أن يكون فيه راوٍ فأكثر ممن خف ضبطه كأن يقال فيه : لا أعلم فيه بأساً ، أو لا بأس بحديثه ، أو صدوق على اصطلاح الحافظ ابن حجر ، ونحوها من الألفاظ التي لم تبلغ درجة التوثيق التام.
الجهة الثانية : كأن يختلف فيه الأئمة الكبار من علماء الجرح والتعديل ممن لا يعرف عنهم التساهل في الرجال كأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني والبخاري وأحمد ويحيى وشعبة وغيرهم ، فقوم يوثقون ، وآخرون يضعفون، وفي هذه الحالة يمكن الجمع والتوسط في الحكم بجعله حسن الحديث كما فعل الحافظ ابن حجر وغيره من المتأخرين ، بشرط ألا يكون الراوي ممن وثقه قوم وضعفه آخرون لجرح مفسر كمختلط ، أو مخلط في الحديث ، أو سيئ الحفظ ، أو يخطئ في حديثه كثيراً ، أو كثير الغلط ونحوها ، فلا تقبل روايته في ما ذكرنا إلا في الشواهد والمتابعات ، غير أن المختلط ينظر هل السماع قبل الاختلاط أو بعده ، فيقبل ما كان قبله ، وأما ما كان بعده فلا بد له من شاهد أو متابع.
مثال الحسن لذاته :
ما أخرجه مسلم في صحيحه من طريق معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النواس بن سمعان الأنصاري قال : سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم؟
فقال : " البر حسن الخلق ، والإثم ما حاكَ في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"([1]).
حديث حسن لذاته ، ورجاله ثقات سوى معاوية بن صالح حسن الحديث.
وأما الحسن لغيره فهو : الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه أو شواهده ، ولو كان التعدد بطريق آخر أو شاهد آخر إذا اختلف المخرج ، أو بطريقين أو شاهدين فأكثر بشرط ألا يكون الاعتضاد بطرق منقطعة أو معضلة أو معلقة ونحوها من الطرق الشديدة الضعف.
قال المناوي : قالوا : وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر وإن كثرت طرقه ومِنْ ثَمَّ اتفقوا على ضعف حديث " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً "([2])، مع كثرة طرقه لقوة ضعفه وقصورها عن الجبر بخلاف ما خف ضعفه ولم يقصر الجابر عن جبره فإنه ينجبر ويعتضد([3]) اهـ
ولا يعد المرسل مما اشتد ضعفه إذا توفرت شروط قبوله كما
سيأتي على أرجح الأقوال.
وكذا حديث المدلِّس وإن لم يصرِّح بالتحديث ، فهذان مما يُعَدُّ بهما في الشواهد والمتابعات، ما لم يكن المدلِّس ممَّنْ احْتُمِلَ سماعه ، فإن كان كذلك فحديثه حجة.
مثال الحسن لغيره :
حديث البسملة للوضوء فإنه حديث ضعيف، وقد ورد من طرق عديدة وله شواهد متكاثرة بمجموعها يرتقي الحديث إلى الحسن لغيره([4]).
وهذا النوع هو الحسن الذي عرَّفه الترمذي في مقدمة جامعه، فإذا قال في الجامع : حديث حسن فإنه يقصد به الحسن لغيره كما لا يخفى على حذاق هذه الصناعة بخلاف ما لو قال حسن صحيح فللتردد بينهما أو أنه حسن في الجملة لا ينافي الصحة والله أعلم.
وكل هذه الأنواع وهي الصحيح بنوعيه والحسن بنوعيه صالحة للإحتجاج في كافة الأحكام الشرعية ؛ لثبوت رفعها من خلال التتبع في مظان الحديث.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
______
([1]) أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب البر والصلة والآداب ، باب تفسير البر والإثم (4/ 1980 رقم 2553) .
([2]) قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 93) : " أخرجه ] الحسن بن سفيان في مسنده ، وفي أربعينه من حديث ابن عباس ، وروي من رواية ثلاثة عشر من الصحابة ، أخرجها ابن الجوزي في العلل المتناهية ، وبين ضعفها كلها ، وأفرد ابن المنذر الكلام
عليه في جزء مفرد ، وقد لخصت القول فيه في المجلس السادس عشر من الإملاء ، ثم جمعت الإشارة في جزء ليس فيها طريق تسلم مِنْ علة قادحة". اهـ
([3]) المناوي عبدالرؤف ، فيض القدير، المكتبة التجارية الكبرى ، القاهرة ، مصر ، الطبعة الأولى 1356هـ (1/ 41).
([4]) حديث البسلة هو حديث " لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه "
وإليك تخريجه ملخصاً حتى تعرف أيها الطالب الطريقة المثلى في التخريج:
أخرجه أحمد في المسند (2/ 418 رقم 9408) ، وأبو يعلى في مسنده (11/ 293 رقم 6409) والطبراني في المعجم الأوسط (8/ 96 رقم 8080) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 41 رقم 183) وكذا (1/ 43 رقم 195) ، والدارقطني في سننه (1/ 79 رقم 1) ، والحاكم في المستدرك (1/ 245 رقم 518 ، 519 ) كلهم من طريق محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام وذكره.
ومحمد بن موسى هو المخزومي الفطري وهو حسن الحديث لكن هذه الطريق معلة لأن مدارها على يعقوب بن سلمة الليثي ، وليس بحجة كما ذكر الذهبي في الكاشف (2/ 394) وقد صحفه بعض الرواة إلى يعقوب بن أبي سلمة ، والصواب ما أثبتناه كما في لسان الميزان وغيره.
وقال البخاري : لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة ، كذا نقله الحافظ في التلخيص الحبير.
لكن للحديث شواهد ينجبر بها :
الشاهد الأول : عن أبي سعيد الخدري.
أخرجه أحمد في مسنده (3/ 41 رقم 11388، 11389) ، وعبد بن حميد في مسنده (1/ 285 رقم910)، والدارمي في سننه (1/ 187 رقم 691) ، وأبو يعلى في مسنده (2/ 324 رقم 1060، وكذا في (2/ 424 رقم 1221) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 43 رقم 192) ، والدارقطني في سننه (1/ 71 رقم 3 ) ، والحاكم في المستدرك (1/ 246 رقم 520) كلهم من طريق كثير بن زيد الليثي عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".
وفي هذه الرواية علتان :
الأولى: ربيح بن عبد الرحمن وهو مقبول كما في تقريب التهذيب (ص250).
الثانية : كثير بن زيد الليثي ، قال البخاري : في حديثه نظر ، وذكره ابن حبان في الثقات كما في لسان الميزان للذهبي (5/ 302).
الشاهد الثاني : عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.
أخرجه أبو داود في سننه (1/ 25 رقم 101) ، وابن ماجه في سننه (1/ 140 رقم 399) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 12 رقم 15 ، وكذا 1/ 14 رقم 28) ، وأحمد في مسنده ( 5/ 381 رقم 23284 ، وكذا 6/ 382 رقم 27191) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 26 رقم 102) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 43 رقم 193 ، 194) ، والدارقطني في سننه (1/ 72 رقم 5 ، وكذا 1/ 73 رقم 8 ،9) ، والحاكم في المستدرك (4/ 66 رقم 6899 ) كلهم من طريق أبي ثفال ثمامة بن حصين المري عن رباح بن عبد الرحمن بن حويطب عن جدته عن أبيها سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : " لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي ولا يؤمن بي من لا يحب الانصار".
وهذه رواية معلة فيها : أبو ثفال المري ، ورباح بن عبد الرحمن بن حويطب وكلاهما مقبول كما في تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر.
وفي رواية الحاكم قال رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان : حدثتني جدتي أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم.
فأسقط منه ذكر أبيها ، ولذا سكت عنه الذهبي.
وذكر ابن حجر أسماء بنت سعيد في الإصابة (7/ 484) فقال : أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية لها ولأبيها صحبة .اهـ
الشاهد الثالث : عن سهل بن سعد الساعدي
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6/ 121 رقم 5699 ، وكذا في الدعاء ص139رقم 382) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 379 رقم 3781) والحاكم في المستدرك (1/ 402 رقم 992) كلهم من طريق عباس بن سهل الساعدي عن أبيه عن جده عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : " لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر الله عليه ولا صلاة لمن لم يصل على نبي الله في صلاته".
وهذه الرواية يرويها عن عباس ولداه عبد المهيمن وأُبي وكلاهما ضعيف.كما في تقريب التهذيب لابن حجر.
الشاهد الرابع : عن أبي سبرة الجهني .
أخرجه أحمد بن عمرو بن الضحاك في الآحاد والمثاني (2/ 152 رقم 873) ، والطبراني في المعجم الكبير (22 /296 رقم755 ، وكذا في المعجم الأوسط (2/ 26 رقم 1115 ، وكذا في الدعاء ص139 رقم 382) كلهم من طريق عيسى بن سبرة بن أبي سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال : "صعد رسول الله عليه وسلم ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس لا صلاة إلا بوضوء ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ، ولم يؤمن بالله من لم يؤمن بي ، ولم يؤمن بي من لم يعرف حق الأنصار"
ولم أجد من ترجم لعيسى بن سبرة ولا لأبيه سبرة بن أبي سبرة.
كما روي الحديث عن أبي هريرة بزيادة فيه ، أخرجه البيهقي في سننه (1/ 44 رقم 197) ،
والدارقطني في سننه (1/ 71 رقم 2 ) من طريق محمود بن محمد نا أبو يزيد الظفري نا أيوب ابن النجار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : " ما توضأ من لم يذكر اسم الله وما صلى من لم يتوضأ وما آمن بي من لم يحبني وما أحبني من لم يحب الأنصار".
وهذه رواية معلة بمحمود بن محمد الظفري لم يكن بالقوي كما قال الخطيب في تاريخ بغداد (13/ 92).
أما أيوب بن النجار فقد قال البيهقي عقب هذا الحديث : كان أيوب بن النجار يقول : لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثاً واحداً وهو حديث " التقي آدم وموسى " ذكره يحيى بن معين فيما رواه عنه ابن أبي مريم فكان حديثه هذا منقطعاً والله أعلم.أهـ
وبعد هذا التتبع يتبين أن أسانيد البسملة لا تخلو من مقال لكنها بمجموعها تفيد أن الحديث حسن لغيره0
وقد قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 75) : " والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً وقال أبو بكر بن أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله" اهـ

ابوخزيمة الفضلي 11-27-2017 04:08 PM

معنى الحديث الضعيف
 
معنى الحديث الضعيف
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (12)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

اتماماً للدرس السابق في أقسام الحديث من حيث القبول والرد أقول وبالله التوفيق :
ثالثاً : الضعيف.
وهو لغة ضد القوي.
واصطلاحاً : ما فَقَدَ شرطاً من شروط القبول ، كأن يكون راويه سيئ الحفظ ، أو هو منقطع السند ، أو فيه علة قادحة ، ونحو ذلك من موجبات الضعف.
مثاله : حديث " الكيس من دان نفسه ، وعَمِلَ لِمَا بعد الموت ، والعاجز مَنْ أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله"([1]).
وهذا حديث ضعيف.
وسيأتي الكلام عن أنواع الحديث الضعيف في باب أقسام الحديث المردود بإذن الله.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_____
([1]) أخرجه الترمذي في سننه (كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب 25 (4/ 638 رقم 2459) ، وابن ماجه في سننه (كتاب الزهد ،باب ذكر الموت والاستعداد (2/ 1423 رقم 4260 ) كلاهما من حديث أبي يعلي شداد بن أوس.
وفي إسناده : أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي ، قيل اسمه بكير ، وقيل عبد السلام وهو ضعيف ، وكان قد سُرِقَ بيتُه فاختلط كما في تقريب التهذيب.

ابوخزيمة الفضلي 11-27-2017 04:13 PM

مراتب الحديث الصحيح من حيث القوة والثبوت
 
مراتب الحديث الصحيح من حيث القوة والثبوت
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (13)

تنقسم مراتب الحديث الصحيح من حيث القوة والثبوت إلى سبعة مراتب :
الأولى : ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم.
الثانية : ما انفرد به البخاري.
الثالثة : ما انفرد به مسلم.
الرابعة : ما كان على شرطهما ، بمعنى أن اسناد الحديث موجود برمته في كتابيهما.
الخامسة : ما كان على شرط البخاري.
السادسة : ما كان على شرط مسلم.
السابعة : ما كان صحيحاً ولم يخرجه أحدهما.
وفائدة هذه المراتب ترجيح الرواية الأقوى على ما دونها عند ما ظاهره التعارض.
والأصل العمل بكل حديث صحيح ، وقد يكون الحديث أحياناً أقوى صحة من حديثٍ اتفق عليه الشيخان ، وإنما النظر إلى هذه المراتب من حيث الجملة لا من حيث آحاد الروايات.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.م الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

ابوخزيمة الفضلي 11-27-2017 04:34 PM

مصادر الحديث الصحيح
 
مصادر الحديث الصحيح
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (14)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

يمكننا الوقوف على الحديث الصحيح من المصادر التي اشترط أصحابها الصحة، وهما على المشهور مصدران :
الأول : صحيح البخاري.
للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجعفي مولاهم البخاري.
ولد في شوال سنة 194هـ ، وتوفي يوم السبت لغرة شوال سنة 256هـ ، فعاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً.
واسم كتابه كما سماه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه".
وهو أول من جمع الحديث الصحيح المجرد.
الثاني : صحيح مسلم
للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري.
ولد سنة 204هـ ، ومات في رجب سنة 261هـ
وقد حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله ، بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل ، وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ، ولا رواية بمعنى ، وهذا مشهور عن أبي علي النيسابوري والمغاربة.
لكن يجاب عن ذلك أن البخاري اشترط في صحيحه أن يكون الراوي قد عاصر شيخه ، وثبت لقاؤه به ، ولم يشترط مسلم اللقي بل المعاصرة فقط ؛ لاحتمال أنه سمع منه ، ولذا يُقدَّم صحيح البخاري على صحيح مسلم وهذا مذهب الجمهور ، وليس في كلام أبي علي النيسابوري وبعض المغاربة تقديم صحيح مسلم من حيث الصحة على صحيح البخاري ، بل من حيث الصناعة ليس غير.
فيُقدَّم صحيح البخاري على صحيح مسلم من حيث شرط الرجال كما يقدم صحيح مسلم على صحيح البخاري من حيث جمع الطرق وجودة السياق، وهذا أحسن ما يقال في هذا الباب.
وقد قال أحدهم :
تخاصمَ قومٌ في البخاري ومسلمٍ لـديَّ وقالوا أيُّ ذينِ تقـــدِّمُ
فقلتُ لقد فاق البخاري صحـةً كما فاقَ في حُسْنِ الصناعةِ مُسْلِمُ
وقد انبرى على قوة شرط البخاري أمران دلا على تقديمه في الجملة على صحيح مسلم :
الأول : قلة الرجال الذين انتقدوا على البخاري بخلاف ما انتُقِد على مسلم.
الثاني : قلة الأحاديث التي انتقدت على البخاري بخلاف مسلم.
والحاصل أن الأمة اتفقت على تلقي كتابيهما بالقبول ، وأن كتاب البخاري أصح كتابٍ بعد كتاب الله ، ويليه في الصحة كتاب مسلم.
كما يمكن الوقوف على أحاديث صحيحة من مصادر أخرى لم يشترط أصحابها الصحة ومن ذلك : كتب السنن كسنن الترمذي([1]) وأبي داود([2]) ، والنسائي([3]) ، وابن ماجه([4]) والدارمي([5]).والمسانيد كمسند أحمد بن حنبل([6]).
وأبي داود الطيالسي([7]) ، والمعاجم كمعاجم الطبراني الثلاثة الكبير والأوسط والصغير([8]) ، والمستدركات كمستدرك الحاكم([9]) ، والمستخرجات كمستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم([10]) ، والأجزاء ككتاب جزء الفاتحة للإمام البخاري ، والزهد لابن المبارك([11]) ، وغيرها من كتب الأحاديث المسندة ، وذلك بعد النظر في رجالها وصحة اتصال سندها وسلامتها من الشذوذ والعلة.
فإن هذه المصادر لا تخلو من وجود الأحاديث الضعيفة وربما الموضوعة ، إذ لم يشترط أصحابها الصحة.
كما يمكن الوقوف على الحديث الصحيح من خلال البحث في الكتب الموصوفة بالصحة ككتاب صحيح ابن خزيمة([12]) ، وصحيح ابن حبان([13])، ولا تدل شهرتهما بالصحيح على صحة ما فيهما ، فقد اشتملا على الصحيح والضعيف.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_____
([1]) الترمذي هو : الإمام الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي بضم السين خلافاً لمن قال بفتحها نسبة إلى بني سليم قبيلة معروفة ، والترمذي : نسبة إلى ترمذ مدينة قديمة على طرف نهر بلخ ، وقد تُوفي بترمذ أو ببوغ ، وهي قرية من قرى ترمذ على ستة فراسخ منها سنة تسع وقيل : سنة خمس وسبعين ومائتين ، وكتابه مشهور بـ (السنن أو الجامع الصحيح أو الجامع الكبير ) كلها مسميات لكتاب واحد.
([2]) أبو داود هو : الإمام الحافظ سليمان بن الأشعث الأزدي نسبة إلى الأزد قبيلة باليمن ، السجستاني : نسبة إلى سجستان وينسب إليها سجزي أيضاً على غير قياس مدينة بخراسان واسم كتابه (السنن ) ، تُوفي بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين ، قيل : وهو أول من صنف في السنن وفيه نظر ، وقد ذكرنا أوائل من صنف في السنن في المقدمة.
([3]) النسائي هو : الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان ، وقيل : كورة من كور نيسابور والقياس نسوي ، بخراسان ، واسم كتابه (السنن ) والمراد بها ( الصغرى ) فهي المعدودة من الأمهات وهي التي خرج الناس عليها الأطراف والرجال دون ( الكبرى ) خلافاً لمن قال إنها المرادة ، توفي بالرملة بمدينة فلسطين من أرض الشام ودفن بها ، وقيل : إنه توفي بمكة ودفن بها سنة ثلاث وثلاثمائة.
([4]) ابن ماجه هو : الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد ، المعروف بابن ماجه ، وهو لقب أبيه لا جده ولا أنه اسم أمه خلافاً لمن زعم ذلك وهاؤه ساكنة وصلاً ووقفاً ، لأنه اسم أعجمي ، الربعي : نسبة إلى ( ربيعة ) مولاهم ( القزويني ) نسبة إلى قزوين مدينة مشهورة بعراق العجم، واسم كتابه (السنن ) ، توفي بقزوين سنة ثلاث أو خمس وسبعين ومائتين ، وهي التي كملت بها الكتب الستة والسنن الأربعة بعد الصحيحين واعتنى بأطرافها ابن عساكر ثم المزي مع رجالها.
([5]) هو الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن برهام الدارمي السمرقندي ، المتوفى : سنة 255هـ ، قال ابن حجر : وأما كتاب ( السنن ) المسمى : بمسند الدرامي ، فإنه ليس دون ( السنن ) في المرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجة فإنه أمثل منه بكثير ، إلا أن مسند الدرامي كثير الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة والمقطوعة.
([6]) هو الإمام الحافظ الكبير أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال أبو عبدالله الشيباني ، ولد ببغداد سنة 164هـ ، ومات بها سنة 241هـ ، رحل إلى الكوفة والبصرة وبغداد ومكة واليمن والشام والجزيرة وكتب عن علمائها ،أخذ الحديث عن عبدالرزاق الصنعاني هو ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه، كما أخذ عن بشر بن المفضل ، وإسماعيل بن علية ، وسفيان بن عيينة،وجرير بن عبد الحميد، ويحيى بن سعيد القطان،وأبي داود الطيالسي صاحب المسند وجماعة ، وحدث عنه الإمام البخاري ، ومسلم ، وأبو داود صاحب السنن ، والشافعي وخلق كثير.
([7]) هو الإمام الحافظ أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي نسبة إلى الطيالسة التي تجعل على العمائم القرشي مولى آل الزبير الفارسي الأصل البصري الحافظ الثقة المتوفى : بالبصرة سنة ثلاث أو أربع ومائتين ، قيل : وهو أول مسند صنف ورد بأن هذا صحيح لو كان هو الجامع له لتقدمه لكن الجامع له غيره وهو بعض حفاظ خراسان جمع فيه ما رواه ( يونس بن حبيب ) عنه خاصة ، وله من الأحاديث التي لم تدخل هذا المسند قدره أو أكثر ، وقد قيل : إنه كان يحفظ أربعين ألف حديث.
([8]) هو الإمام الحافظ الكبير أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني من طبرية الشام ، ولد بها سنة 260هجرية ، وتوفي بأصبهان سنة 360 هـ ، وله المعاجم الثلاثة وغيرها من المؤلفات.
([9]) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الحاكم الضبي الطهماني النيسابوري : المعروف : ( بابن البيع ) بوزن قيم ، المتوفى : بنيسابور سنة خمس وأربعمائة وهو المعروف ( بالمستدرك على كتاب الصحيحين ) مما لم يذكراه وهو على شرطهما أو شرط أحدهما أو لا على شرط واحد منهما ، وهو متساهل في التصحيح ، واتفق الحفاظ على أن تلميذه البيهقي أشد تحرياً منه ، وقد لخص مستدركه هذا الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز التركماني الفارقي الأصل الذهبي رحم الله الجميع، واعتذر للحاكم عن تساهله بأنه توفي قبل أن يبيض كتابه.
([10]) أبو عوانة هو : الحافظ الكبير يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد النيسابوري ثم الأسفرايني المحدث الشافعي ، المتوفى سنة 316 هـ ، واسم مستخرجه ( المستخرج على صحيح مسلم بن الحجاج) .
([11]) هو الإمام الحافظ الزاهد المجاهد أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي المروزي ، تركي الأب الخوارزمي ، نزيل بغداد ، ولد سنة 118 هـ ، وتوفي بهيت سنة 181هـ ، من تصانيفه ، تفسير القرآن ، الدقائق في الرقائق ، رقاع الفتاوى ، كتاب البر والصلة ، كتاب التاريخ ، كتاب الجهاد ، كتاب الزهد ، كتاب السنن في الفقه وغيرها.
([12]) ابن خزيمة هو الإمام الحافظ أبو عبد الله ، و أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي النيسابوري الشافعي شيخ ابن حبان ، وكتابه مشهور بـ ( الصحيح ) ، توفي: سنة إحدى عشرة وثلاثمائة ويعرف عند المحدثين بإمام الأئمة ، وقد عدم أكثره كما قاله السخاوي، وقد قيل إن أصح من صنف في الصحيح بعد الشيخين ابن خزيمة فابن حبان.
([13]) ابن حبان هو الإمام الحافظ الكبير أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ التميمي الدارمي البستي بضم الموحدة وإسكان السين وفوقية نسبة إلى بُست ، بلد كبير من بلاد الغور بطرف خراسان ، توفي ببست سنة 354هـ ، وكتابه يسمى بـ ( التقاسيم والأنواع ).
وترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد والكشف منه عسر جداً ، وقد رتبه الأمير : علاء الدين أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الإله الفارسي الحنفي الفقيه النحوي المتوفى : بالقاهرة وسماه : (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ) كما أنه رتب (معجم الطبراني الكبير ) على الأبواب أيضاً.

ابوخزيمة الفضلي 01-16-2018 07:25 AM

مسائل متفرقة لا يستغني عنها طلاب الحديث
 
مسائل متفرقة لا يستغني عنها طلاب الحديث
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (15)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

أولاً : حكم العمل بالحديث الصحيح أو الحسن.
يجب العمل بالحديث الصحيح أو الحسن دون تفريق بين كونه متعلقاً بأصول الدين أو بفروعه ، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة ، إذ خبر العدل الواحد (الآحاد) يفيد اليقين على المختار، وهو الذي رجحه ابن حزم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والمحدث أحمد شاكر وغيرهم، وقال ابن القيم : [هو]" قول مالك والشافعي وأحمد وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي" اهـ، ويزداد قوة إذا حُفَّ بالقرائن.

ثانياً : قول المحدثين : هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد ،
هو دون قولهم هذا حديث صحيح أو حسن.
لأنه قد يقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، أو حسن الإسناد ، ولا يصح ؛ لوجود شذوذٍ في متنه ، أو علة ، أو اضطراب ، أو قلبٍ ، ونحوها من الأمور المسقطة للحديث عن درجة القبول.
فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد ، فالظاهر ثبوت الحديث سنداً ومتناً ؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر في هذا الباب ، وكل هذا يعود للقرائن والطرائق التي يستخدمها الحافظ بما يوحي صحة الحديث.
ثالثاً : قول الترمذي في جامعه " السنن" بعد إخراجه الحديث هذا حديث " حسن صحيح".
فيه أقوال أشهرها :
الأول : أنه للتردد فقد يكون حسناً ، وقد يكون صحيحاً ، أو هو بينهما.
الثاني : أنه أعلى من الحسن ودون الصحيح ، بمعنى في درجة الجيد.
الثالث : حسنه قوم ، وصححه آخرون.
الرابع : له إسنادان أحدهما حسن ، والآخر صحيح.
لكن يجاب على هذا أن الترمذي قد يقول : حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وهذا قد يقع منه على السند الواحد ، فكيف يكون له إسنادان أحدهما حسن والآخر صحيح؟.
الخامس : المراد بالحسن المعنى اللغوي لمتنه ، وبالصحيح من حيث السند.
وهذا بعيد لكونه قد يطلق مثل ذلك على السند الضعيف.
وقد يكون حسناً لا ينافي الصحة فقد قال البخاري في حديث السكران المتفق عليه من حديث أنس : حسن ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وأمثلة ذلك عن الترمذي والبخاري وغيرهما كثيرة.
والأولى حتى تطمئن النفس أنه ينبغي للباحث أن يحكم على ما يرويه الترمذي بما يستحق بعد البحث الجاد في الروايات ، ويطرح ما قيل في ذلك من الآراء، ولا يقوي رأياً على آخر ، إذ منه ما قد يكون صحيحاً في مواضع وضعيفاً في مواضع أخرى ، ولم يأت عن الترمذي تفسير لكلامه -رحمه الله- .
رابعاً : تقسيم البغوي أحاديث المصابيح([1]) التي جمعها إلى صحاح وحسان مريداً بالصحاح ما في الصحيحين ، وبالحسان : ما أخرجه أرباب السنن الأربعة مع الدارمي أو بعضهم ، قال بعض المحدثين : هذا اصطلاح خاص لا يعرف عند من سبقه من أهل الحديث، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك المذكور الذي اصطلحه ؛ لأن هذه الكتب تشتمل على الحسن وغيره.
وقيل : قد التزم صاحب المصابيح بيانها ، فإنه قال بعد أن ذكر أنه يريد بـ الصحيح ما في كتب الشيخين وبـ الحسن ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما : " وما كان فيهما من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عن ذكر ما كان منكراً أو موضوعا" اهـ.
هذا لفظه ولا إيراد عليه في اصطلاحه إذ لا مشاحة في الاصطلاح.
لكن بقي أن يُنبه أن هناك أحاديث كثيرة عند أهل السنن صحيحة ، فكيف يقال : ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما حسن ، فهذا مما يخالف ما ذكره البغوي في مقدمة كتاب المصابيح.
خامساً : سنن الترمذي -رحمه الله- أصل في معرفة الحسن وهو الذي أشهره ويوجد متفرقاً في كلام من قبله ، كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما ، وتختلف النسخ منه في قوله حسن أو حسن صحيح ، فينبغي الاعتناء بمقابلة أصلك يا طالب العلم بمجموعة أصول غيرك، وتعتمد ما اتفقت عليه، وقد نص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك.
كما أن من مظان الحديث الحسن سنن أبي داود.
سادساً : قول أبي داود : " ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح".
اختلف العلماء في قول أبي داود " وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح" على أقوال أشهرها:
الأول : أن المقصود بقوله صالح بمعنى صحيح ، وهذا قول ابن رشيد.
الثاني : بمعنى حسن ، وهذا قول ابن كثير والنووي وجماعة.
الثالث : أنه صالح للاعتبار دون الاحتجاج فيشمل الضعيف أيضاً ، وهذا مال إليه السيوطي.
والذي تطمئن له النفس أنه ينبغي للباحث أن يحكم على ما يرويه أبو داود بما يستحق بعد البحث الجاد في الروايات ويطرح ما قيل في ذلك من الآراء ولا يقوي رأياً على آخر إذ منه ما قد يكون صحيحاً في مواضع وضعيفاً في مواضع أخرى ، ولم يأت عن أبي داود تفسير لكلامه -رحمه الله-.
سابعاً : الحديث المتفق عليه غير ما رواه الشيخان.
فقولهم " متفق عليه " بمعنى أخرجه الشيخان عن صحابي بعينه كأن يكون الحديث في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .
وقولهم " رواه الشيخان " بمعنى هو في الصحيحين لكنه ورد في صحيح البخاري عن صحابي غير الصحابي الذي رواه عنه مسلم.

ثامناً : الروايات الواردة صحيحها وضعيفها ، إما أن تكون
رواية الأصاغر عن الأكابر وهو الأكثر ، أو العكس ، أو أقران ، أو برواية السابق واللاحق ، وكل ذلك مرده التاريخ.
وتوضيح ذلك كله في مسائل :
الأولى : رواية الأصاغر عن الأكابر معناها : رواية التلميذ عن شيخه الذي يكبر عنه سناً أو قدراً وتسمى رواية الأبناء عن الآباء.
الثانية : رواية الأكابر عن الأصاغر وهي عكس الأولى ، ومعناها : رواية الكبير في السن أو العلم أو اللقي عمن دونه ، وتسمى رواية الآباء عن الأبناء.
الثالثة : رواية الأقران ، ويسمى بالمُدَبَّج : وهو رواية الراوي عن المساوي له في الأخذ عن الشيوخ أو في السن.
كرواية أبي هريرة عن عائشة إذ كلاهما أقران بالنسبة لأخذهم عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.
الرابعة : رواية السابق واللاحق ، وهو : اشتراك اثنين في الرواية عن شيخ ، وتقدم موت أحدهما بسنوات طويلة.
ومن فوائد ذلك تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب ، وقد أفرده الخطيب الحافظ في كتاب حسن سماه " كتاب السابق واللاحق "
ومن أمثلته : أن محمد بن إسحاق الثقفي السراج النيسابوري روى عنه البخاري في تاريخه ، وروى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر ، وذلك أن البخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين ، ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ، وقيل سنة أربع أو خمس وتسعين وثلاثمائة.
فالبخاري سابق في الرواية عن السراج ، والخفاف لاحق.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_____
([1]) البغوي هو الإمام الجهبذ محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء الشافعي صاحب معالم التنزيل وشرح السنة والتهذيب والمصابيح ويسمى بـ (مصباح السنة أو مصابيح السنة) ، وقد قسَّم الأحاديث في كتابه هذا إلى صحاح وحسان مريداً بالصحاح : ما أخرجه الشيخان أو أحدهما ، وبالحسان : ما أخرجه أرباب السنن الأربعة مع الدارمي ، أو بعضهم وهو اصطلاح له ولم يعين فيه من أخرج كل حديث على انفراده ولا الصحابي الذي رواه ، وعين ذلك الإمام ولي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي بكسر التاء نسبة إلى تبريز من أكبر مدن أذربيجان كذا ذكره ( السمعاني ) ، وغيره بالكسر للتاء والمشهور فتحها في (مشكاة المصابيح ) ، وتوفي البغوي بمدينة مرو الروذ في شوال سنة ست عشرة وخمس مائة.

ابوخزيمة الفضلي 01-17-2018 03:47 PM

الإعتبارات
 
الاعتبارات
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (16)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

ينقسم الحديث في الجملة من حيث القبول والرد إلى صحيح أو ضعيف.
فالأول : المقبول.
والثاني : المردود.
والحسن من قسم المقبول غير أنه أقل صحة من الحديث الصحيح ، وكلاهما حجة اتفاقاً.
وقد عمد المحدثون إلى وضع قاعدة الاعتبارات لبيان أن الحديث الحسن يرتقي بمثله إلى درجة الصحيح ويسمى الصحيح لغيره كما تقدم ، والضعيف الخفيف الضعف يرتقي بمثله إلى درجة الحسن ويسمى الحسن لغيره كما تقدم
، ومن هنا جاءت أهمية الاعتبارات.
ومعنى الاعتبار : ما يتوصل به إلى معرفة درجة الحديث بعد النظر في ما يقويه ، وينقسم إلى قسمين :
الأول : المتابع وهو موافقة الراوي غيره في حديث بعينه.
وهو نوعان :
1ـ متابعة تامة : وهي موافقة الراوي غيره في شيخٍ لهما.
2ـ متابعة ناقصة : وهي موافقة الراوي غيره في شيخ الشيخ وما فوق.
مثال المتابعة التامة : حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى: " إنا فتحنا لك فتحاً مُبيناً " – قال [ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في تفسير هذه الآية ، الفتح ] : الحديبية .
قال أصحابه : هنيئاً مريئاً ، فما لَنا ؟
فأنزل الله : " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تَجري من تَحتها الأنهار".
أخرجه البخاري في صحيحه من طريق شعبة عن قتادة عن أنس به.
ولشعبة متابعة تامة في شيخه قتادة حيث تابعه الحكم بن عبد الملك القرشي عن قتادة عن أنس به.
أخرجه الحاكم في المستدرك.
ومثال المتابعة الناقصة : حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : الشهر تسع وعشرون ليلة ، فلا تصوموا حتى تروه ، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
أخرجه البخاري في صحيحه من طريق عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر به.
ولعبد الله بن دينار متابعة ناقصة في شيخ شيخه " عبد الله بن عمر" حيث تابعه عاصمُ بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر به.
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه.
الثاني الشاهد : وهو ورود الحديث بلفظه أو معناه عن صحابي آخر.
مثال الشاهد : حديث : الطُّهورُ شطْرُ الإيمان .
أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري الحارث بن الحارث -رضي الله عنه- ، وذكر الحديث.
وللحديث شاهدان :
الأول : عن أبي عامر الأشعري -رضي الله عنه- .
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
الثاني : عن صحابي من بني سليم.
أخرجه الترمذي في السنن.
فحديث أبي عامر الأشعري وصحابي من بني سليم يشهدان لحديث أبي مالك الأشعري ، وهذا هو المقصود من الشاهد.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 01-17-2018 03:52 PM

أقسام الحديث المقبول والمردود من حيث العمل
 
أقسام الحديث المقبول والمردود من حيث العمل
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (17)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

نبدأ على بركة الله في هذا الباب بالتالي :

الفصل الأول
أقسام الحديث المقبول
ينقسم الحديث المقبول من حيث العمل به من عدمه إلى خمسة أقسام : المحكم ، والمختلف، والناسخ ، والترجيح بين ما ظاهره التعارض إن لم يُعرف المتقدم من المتأخر ، والتوقف عن الحكم بأحدهما إذا تعذر الترجيح ، وإليك بيان هذه الأقسام :

أولاً : المحكم ، وهو الحديث السالم من المعارضة.
ومثاله : حديث " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"([1]).
فإنه واضح جلي في أن الوضوء شرط لصحة الصلاة ، ولا يتعارض مع غيره من الأدلة.

ثانياً : مختلف الحديث ويسمى مشكل الآثار وهو أن يكون بين الحديثين تنافٍ ظاهراً ، فيجمع بينهما كحديث " لا عدوى ولا طيره "([2]) مع رواية " فِرْ من المجذوم فرارك من الأسد "([3]).

والجمع بين الروايتين :

أن تقول : إنه لا عدوى إلا بإذن الله ، ولكن دفعاً للوسواس نأخذ بالأسباب فنفر من الأمراض التي قد تكون معدية.
أو تقول : لا عدوى مؤثرة بذاتها وطبعها وإنما التأثير بتقدير الله -عز وجل- ، والأخذ بالسبب لا ينافي التوكل على الله .
أو تقول : من خشي العدوى فر منها ولم يقترب ، ومن لم يخش إلا الله توكل عليه ولم يبالِ ، وإن اقترب منها لقوة يقينه أن الله -عز وجل- لا يضيع من لم يخش سواه.
ولا شك أن الجمعين السابقين أولى وأحرى بالعمل والترجيح من الجمع الثالث.
ولا يجوز الجمع بين حديثين : أحدهما صحيح ، والآخر ضعيف.

ثالثاً : الناسخ ، وضده المنسوخ ، وهو كل حديث لم يمكن الجمع بينه وبين معارضه مع علم المتأخر منهما إما بالنص كقوله -صلى الله عليه وسلم- : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"([4]) ، وقوله : " كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدالكم "([5]) ، أو بتصريح الصحابي به كقول جابر كما صح ذلك قال : " كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار "([6]) ، أو بالتاريخ فالأخير ناسخ ، والمتقدم منسوخ كحديث " أفطر الحاجم والمحجوم "([7]) وله في بعض طرقه أنه قال ذلك زمن الفتح وذلك سنة ثمان([8]) ، أو أن يُجْمِعَ العلماء على أنه منسوخ كحديث " من شرب خمراً فاجلدوه ، ثم قال في الرابعة : فاقتلوه "([9]).
والأصل عند أهل العلم : أن الإجماع لا ينسخ لكن يدل على وجود دليل النسخ.
قال النووي : إنه حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه قاله في شرح مسلم([10]) ، وتعقب بأنه لا إجماع إذ قال ابن عمر بالعمل به ، و به قال ابن حزم ، والله أعلم.

رابعاً : الترجيح بين المتعارضين ، إن لم يُعرف المتقدم من
المتأخر. فحينئذ نفزع إلى الترجيح ، ويعمل بالأرجح منهما والأثبت ، كالترجيح بكثرة الرواة أو بصفاتهم العلمية ، أو كون أحدهما أتقن من الآخر أو أحفظ في خمسين وجهاً من وجوه الترجيحات وأكثر كما ذكر أهل العلم.
ومثال ذلك : حديث ابن عباس المتفق عليه : " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج ميمونة وهو محرم".
وقد عارض حديث ميمونة عند مسلم " أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وهو حلال".
فيترجح حديث ميمونة لعدة أمور :

الأول : أنها صاحبة القصة فهي أدرى من ابن عباس بزواجها.

الثاني : أن رواية " أنه تزوجها وهو حلال " جاءت من طرق شتى ، وحديث ابن عباس صحيح الإسناد لكن الوهم إلى الواحد أقرب من الوهم من الجماعة.

الثالث : أنه قد ورد من النهي ما يؤيد قول ميمونة فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- : " لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنكِحُ وَلَا يَخْطُبُ" أخرجه مسلم من حديث عثمان.
وبعضهم جمع غير هذا الجمع ، فقال : يبقى النهي على عمومه ، وزواج ميمونة وهو محرم خاص به -عليه الصلاة والسلام- .
وهذا جمع ضعيف إذ لا قرينة على التخصيص.

خامساً : التوقف عن الحكم بأحدهما ، إذا تعذر الترجيح.
ولا أعرف حديثاً اتفق العلماء فيه على التوقف وعدم الترجيح ، لكون التوقف قد يكون عند آحاد العلماء دون غيرهم إما لنقص علم أو ورع ونحوهما من الموانع التي تمنعه من الفصل في المسألة ، وبالله التوفيق.
_____
([1]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
([2]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
([3]) هو الحديث السابق ، والزيادة عند البخاري في صحيحه ( كتاب الطب ، باب الجذام (5/ 2158 رقم 5380).
([4]) أخرجه مسلم في صحيحه ( كتاب الجنائز ، باب استئذان النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (2/ 672 رقم 977) من حديث بريدة.
([5]) هو الشطر الثاني من حديث بريدة السالف الذكر.
([6]) أخرجه النسائي في السنن الصغرى ( كتاب الطهارة ، باب ترك الوضوء مما غيرت النار (1/ 108 رقم 185) .
([7]) أخرجه الأربعة إلا النسائي ، والحديث صحيح.
([8]) كما في المسند حيث جاء عن شداد بن أوس أنه قال : مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفتح على رجل يحتجم بالبقيع لثمان عشرة خلت من رمضان وهو آخذ بيدي فقال : "أفطر الحاجم والمحجوم " والحديث صحيح ، على شرط مسلم.
([9]) أخرجه أحمد والأربعة ، والحديث صحيح.
([10]) أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي ، ( المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، مرجع سابق (5/ 218).

ابوخزيمة الفضلي 01-18-2018 03:36 PM

أقسام الحديث المردود
 
أقسام الحديث المردود، أولاً : أقسام المردود بسبب السقط
الأول : المعلق
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (18)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

ينقسم الحديث المردود إلى قسمين : مردود بسبب سقط ، ومردود بسبب طعن ، وإليك بيان هذين القسمين :

أولاً : أقسام المردود بسبب السقط.
وهو ما سقط من إسناده راوٍ فأكثر ، وينقسم في الجملة إلى خمسة أقسام :

الأول : المعلق وهو الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر ، كقول الشافعي قال نافع ، أو قال ابن عمر ، أو قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحو ذلك.
وهو غالب في صحيح البخاري، وقليل جداً في صحيح مسلم ، ولا يعد المعلق فيهما من الحديث الذي على شرطهما ، وإنما يذكرانه من باب الشاهد أو الفائدة ونحوهما.
والمعلق من قسم الحديث المردود اتفاقاً إلا أن ما ورد في الصحيحين منه على تفصيل :
فما كان منه بصيغة الجزم كـ قال وروى وشبههما فالظاهر فيه الاتصال.
وما لم يكن فيه جزم وإنما صيغة تمريض كـ رُوي أو في الباب كذا وكذا وما أشبههما مما ليس فيه حكم بصحة ذلك عمن ذكره عنه، فلا نحكم عليه بالاتصال لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الضعيف، وقيل إيرادهما له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله ، فقد قال أبو العباس القرطبي في كتابه " في السماع " : البخاري لا يعلق في كتابه إلا ما كان في نفسه صحيحاً مسنداً ، لكنه لم يسنده ليفرق بين ما كان على شرطه في أصل كتابه وبين ما ليس كذلك" اهـ.
وقال سراج الدين في المقنع في علوم الحديث : على أن البخاري نفسه ذكر مرة التعليق بغير صيغة جزم، ثم أسنده في موضع آخر من صحيحه([1])" اهــ
قلت : وهذا يدل على أن الباحث قد يجد الحديث المعلق موصولاً في موضع آخر من صحيح البخاري أو في السنن أو المسانيد أو المصنفات وغيرها ، وقد تتبعها الحافظ ابن حجر ، وأوصلها في كتابه تغليق التعليق، وعليه فيلزم الباحث النظر في مظان الحديث فيما جزم به الشيخان، وما لم يجزما به حتى يخرج من مواطن الخلاف التي قيلت في هذا الباب، وللكلام بقية، وبالله التوفيق.
_____
([1]) انظر كتاب المقنع في علوم الحديث لسراج الدين عمر بن علي بن أحمد الأنصاري ، تحقيق : عبد الله بن يوسف الجديع ، دار فواز للنشر ، السعودية ، الطبعة الأولى ، 1413هـ ، ( ص73 ).

ابوخزيمة الفضلي 01-19-2018 03:36 PM

الحديث المرسل وأحكامه
 
الحديث المرسل وأحكامه
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (19)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

ما زال الحديث عن أقسام المردود بسبب السقط، وإليكم القسم الثاني الذي بسبب السقط : وهو المرسل.
والمرسل : هو إسقاط من بعد التابعي قائلاً قال رسول الله أو فعل ونحوه ، وهو أولى التعريفات وأتقن ولا يشترط أن يكون المُرْسِل تابعياً كبيراً .
وللعلماء فيه آراء فمالك وأبو حنيفة وبعض الفقهاء والأصولين احتجوا به مطلقاً، وقوم ردوه مطلقاً.
وقال جمهور المحدثين ومنهم الشافعي وهو الذي استقر عليه جماهير المتأخرين من أهل الحديث: إنه ضعيف لاحتمال أن يكون الساقط ضعيفاً إلا إن اعتضد، بشرط أن يكون المُرْسِل من التابعيين الكبار الذي إنْ سَمَّى مَنْ أرسل عنه سمى ثقة، ولم يخالف من شاركه في الرواية .
مضافاً إلى ذلك أن يأتي من وجه آخر مسنداً أو مرسلاً عن غير رجال المُرْسِل الأول ؛ لاحتمال أن تكون روايتهما عن شيخ واحد هو بعينه صاحب الإرسال ليس غير ، وهذا في الجملة مذهب قوي.
قال السيوطي في تدريب الراوي نقلاً عن النووي : فإن صح مخرج المرسل بمجيئه أو نحوه من وجه آخر مسنداً أو مرسلاً أرسله مَنْ أخذ العلم عن غير رجال المُرْسِل الأول ، كان صحيحاً هكذا نص عليه الشافعي في الرسالة مقيداً له بمرسل كبار التابعين ، ومن إذا سمى من أرسل عنه سمى ثقة ، وإذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه ، وزاد في الاعتضاد أن يوافق قول صحابي أو يفتي أكثر العلماء بمقتضاه فإن فُقِدَ شرطٌ مما ذُكِر لم يقبل مرسله.
ويتبين بذلك صحة المرسل وأنهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق رجحناهما عليه إذا تعذر الجمع([1])" اهـ
قلت : يشترط في المسند أن يكون صالحاً في الاعتبارات ، وأما المرسل الآخر فلا بد أن يكون صحيحاً إلى المرسِل، وإلا لا فائدة من اعتضاد المرسَل بالضعيف مثله.
ثم لو صح السند إلى مَنْ أرسله ، وجاء نفسه من وجه آخر مرسلاً ضعيفاً سواء كان خفيفاً أو شديداً فعلة الإرسال لازالت قائمة.
ولا يكون الحديث حسناً لغيره حينها ، ولا يصلح اعتضاده بقول صحابي أو فتوى جمهور العلماء لأنه فقد شرطاً أساسياً لا بد منه ، ولا يشترط في التابعي المرسل أن يكون كبيراً على الصحيح.
ومثال المرسل : حديث "في ديننا أن نجز الشارب وأن نعفي اللحية"
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف
قلت : وهو من مراسيل التابعي الكبير عبيد الله بن عتبة.
كما روي مرسلاً من طريقين آخرين :
الأول : عن يحيى بن أبي كثير.
أخرجه الحارث في مسنده.
وفي إسناده : عبد العزيز بن أبان أبو خالد الأموي الكوفي أحد المتروكين.
الثاني : عن يزيد بن أبي حبيب.
أخرجه ابن جرير في تاريخه.
وفي إسناده : محمد بن إسحاق لا يعتمد عليه في السير وهو في غيرها حسن الحديث إن صرح بالتحديث ، ولم يصرح في هذه الرواية .
وللحديث شاهدان :
الأول : عن أبي هريرة
أخرجه ابن بشران في الأمالي.
وإسناده ضعيف جداً فيه من لا يعرف حاله.
وفيه أيضاً : عصمة بن محمد المديني وهو ضعيف.
الثاني : عن ابن عباس
أخرجه ابن النجار في تاريخه.
ولم أقف على سنده في تاريخ ابن النجار ولا أظن أنه يستقيم سنده عنده، ولم يطبع كتاب التاريخ سوى بعض نسخ ذيله ويغلب على الكتاب أنه مفقود كاملاً حتى الآن ولله العلم من قبل ومن بعد .
والحاصل : أن الحديث حسن لغيره .
فقد اجتمع لنا من مجمل هذه الروايات طريقان : لا بأس بهما :
الأول : من طريق عبيد الله بن عتبة .
وإسناده : صحيح لولا علة الإرسال.
الثاني : من طريق يزيد بن أبي حبيب .
وإسناده : حسن لولا علة الإرسال وعدم تصريح ابن إسحاق .
ولا شك أن هاتين الروايتين ترتقيان بالحديث إلى درجة الحسن لغيره.
وقس أمثال ذلك من الروايات الأخرى في مسألة الحديث المرسل.
ويخرج عن مرسل التابعي مرسل الصحابي : وهو رواية الصحابي حديثاً عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لم يسمعه منه وإنما سمعه من صحابي آخر إما لكونه كان صغيراً أو متأخر الإسلام ونحو ذلك ، فهذا حجة لكون الصحابة عدولاً.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_______
([1]) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف ، مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ، ( 1/ 198 ، 199).

ابوخزيمة الفضلي 01-25-2018 06:41 AM

الحديث المنقطع والمعضل
 
الحديث المنقطع والمعضل
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (20)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
ما زال الحديث عن أقسام المردود بسبب السقط، وإليكم القسم الثالث والرابع الذي بسبب السقط : وهما المنقطع والمعضل.
فالمنقطع : ما سقط من إسناده راو فأكثر على غير التوالي.
وضده الحديث المتصل : وهو ما اتصل إسناده إلى منتهاه ولو كان معنعناً بشرطين :
الشرط الأول : سلامة الراوي من وصمة التدليس.
الشرط الثاني : ثبوت ملاقاته لمن عنعن عنه ولو مرة، ويُكتفى بالمعاصرة على قول مسلم وهو صحيح لاحتمال الأخذ عنه على أن يكونا جميعاً من أهل الرواية.
وإلا كان حكمه حكم المنقطع.

الرابع من أقسام المردود بسبب السقط : المعضل وهو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 01-26-2018 06:46 AM

الحديث المُدَلَّس وأحكامه
 
الحديث المُدَلَّس وأحكامه
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (21)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني:
ما زال الحديث عن أقسام المردود بسبب السقط، وإليكم القسم الخامس والأخير الذي بسبب السقط :
الخامس : المُدَلَّس
وهو قسمان : تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ.
قال الحافظ ابن جماعة في المنهل الروي : فالأول تدليس الإسناد : وهو أن يروي عَمَّنْ لقيه أو عاصره([1]) ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمعه منه، ولا يقول أخبرنا وما في معناه ونحوه بل يقول : قال فلان أو عن فلان أو أن فلاناً قال وشبه ذلك ، ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر.
وهذا القسم من التدليس مكروه جداً ، وفاعله مذموم عند أكثر العلماء ومَنْ عُرِفَ به مجروح عند قوم ،لا تقبل روايته بَيَّنَ السماع أو لم يبينه.
والصحيح التفصيل في ما بَيَّنَ فيه الاتصال بـ: سمعت وحدثنا ونحو ذلك فهذا مقبول ، وفي الصحيحين وغيرهما منه كثير ، وذلك لأن هذا التدليس ليس كذباً ما لم يبين فيه الاتصال ، بل لفظه محتمل فحكمه حكم المرسل([2])، إذا لم يثبت التصريح ولو في رواية أخرى.
وظاهره أن ابن جماعة لا يفرق بين تدليس الإسناد والمرسل الخفي ، والصحيح التفريق.
قال الحافظ في النزهة : "والفرق بين المدلَّس والمرسل الخفي دقيقٌ حصل تحريره بما ذُكِر هنا : وهو أن التدليس يختص بمن روى عَمَّنْ عُرِف لقاؤه إياه ، فأما إن عاصره ، ولم يعرف أنه لقيه ، فهو المرسل الخفي.
ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ، ولو بغير لُقي ، لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه، والصواب التفرقة بينهما([3])اهـ ، ثم أخذ الحافظ يدلل على ذلك.
قلت : والمرسل الخفي وكذا المدلس ينجبر ويعضد بمثله ونحوه في المرتبة إن وجد له شاهد أو متابع ، ما لم يكن المدلِّس ِممَّنْ احْتُمِلَ سماعه فإن كان كذلك فحديثه حجة ، وهو مرتبتان عند الحافظ في طبقاته :
الأولى : مَنْ لم يوصف بذلك إلا نادراً كيحيى بن سعيد الأنصاري.
الثانية : مَنِ احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري ، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة.

فائدة :
قال الحافظ في الطبقات : الثالثة : " مَنْ أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ، ومنهم مَنْ رَدَّ حديثهم مطلقاً، ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي، قلت : والصحيح أنه يحتج به إذا صرح ولو في رواية أخرى كما تقدم.
الرابعة : مَنِ اتُّفِقَ على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء، والمجاهيل كبقية بن الوليد، وهذا في تدليس التسوية، وقد تقبل الرواية بشرط التصريح في كل السند أو جله كما سيأتي بيانه.
الخامسة : مَنْ ضُعِّفَ بأمر آخر سوى التدليس فحديثهم مردود ولو صرحوا بالسماع إلا أن يُوَثَّقَ من كان ضَعْفُه يسيراً كابن لهيعة" اهـ
قلت : والأخذ بهذه المراتب أسلم لطلبة الحديث حتى لا يحصل الخلط.
القسم الثاني : تدليس الشيوخ وهو أن يسمي شيخاً سمع منه بغير اسمه المعروف ، أو يكنيه ، أو ينسبه ، أو يصفه بما لم يشتهر به كي لا يعرف وهذا أخف من الأول.
وتختلف الحال في كراهيته بحسب اختلاف القصد الحامل عليه، وهو إما لكونه ضعيفاً أو صغيراً أو متأخر الوفاة أو لكونه مكثراً عنه فيكره تكراره على صورة واحدة وهو أخفه.
وقد جرى عليه المصنفون وتسامحوا به ، وأكثر الخطيب منه.
إلا أنه لا بدَّ من النظر في هذا الشيخ الذي حصل به التدليس .
والبحث عن اسمه ليعرف حاله ، فإن كان مقبول الرواية قبل حديثه ، وإن كان دون ذلك فمردود ، وينظر هل سمع أم لم يسمع ، ثم يحكم على روايته بما تستحق.
وهناك نوعان من التدليس مشهوران وهما يندرجان تحت تدليس الإسناد:
الأول : تدليس التسوية : وهو إسقاط ضعيف بين ثقتين سواء سمع أحدهما من الآخر أم لا – وأعني أنه عاصره – ومن مشاهير من عرف بذلك الوليد بن مسلم ، وهذا نوع قبيح إلا أنه لا يعد جرحاً للراوي ، ولكن لا تقبل روايته إن كان ثقة حتى يصرح بالتحديث إلى تلميذ طرف الخبر – أي يصرح بالتحديث عن شيخه وشيخ شيخه ، وهكذا إلى منتهاه ما لم يكن الحديث قد جاء من طريق آخر صحيح أو حسن ، فيه التصريح الذي لا يحتمل غيره.
الثاني : تدليس السكوت : وهذا قبيح أيضاً إلا أن الأول أقبح وهذا محتمل.
وتعريفه : أن يحدث الراوي فيقول : مثلاً حدثنا أو أخبرنا فيسكت ثم يقول : فلان وهكذا ، فسكوته قد يفيد أنه تكلم في نفسه بشيئ لا يفيد أنه سمع ممن حدث عنه ، وإنما بواسطة راوٍ آخر ، أو أنه نفى أن يكون حدثه من تفوَّه به عندما قال : حدثنا.
ولتوضيحه كأن يقول الراوي علانيةً حدثنا: فيسكت ، ويقول في نفسه مثلاً ما حدثنا ثم يقول : هشام وهكذا ، ومعناه أنه ما سمع هذا الحديث من هشام ، وإنما سمعه من غيره ، ففيه شيئ من الانقطاع ، وقد يكون سمعه بالفعل إلا أنه يشك فيه بسبب سكوته ، وممن عرف بذلك عمر بن علي بن عطاء المقدمي وهو من رجال الكتب الستة.
قال الحافظ في تهذيب التهذيب : " قال ابن سعد : كان ثقة ، وكان يدلس تدليساً شديداً يقول سمعت وحدثنا ثم يسكت ، فيقول هشام بن عروة والأعمش ، وقال : كان رجلاً صالحاً ولم يكونوا ينقمون عليه غير التدليس، وأما غير ذلك فلا ولم أكن أقبل منه حتى يقول حدثنا.
وقال أبو حاتم : محله الصدق ولولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادة غير أنا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة"([4]) اهـ
وهذا النوع والذي قبله ينبغي أن يتوقف في رواية مَنْ عرف به حتى ظهور الشاهد أو المتابع، والله أعلم
فائدة : هناك تدليسان آخران وهما : تدليس العطف والقطع وكلاهما من تدليس الإسناد أيضاً.
قال الحافظ في الطبقات : " تدليس القطع وهو أن يحذف الصيغة ويقتصر على قوله مثلاً الزهري عن أنس.
وتدليس العطف : وهو أن يصرح بالتحديث في شيخ له ، ويعطف عليه شيخا آخر له ، ولا يكون سمع ذلك من الثاني" اهـ.
انتهت أقسام الحديث المردود بسبب السقط.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_______
([1]) لا يقال : أو عاصره حتى لا يقع الخلط بينه وبين المرسل الخفي ، فالخفي لا تلزم فيه اللقي بخلاف المدلَّس.
([2]) محمد بن إبراهيم بن جماعة، المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي ، تحقيق : محيي الدين عبد الرحمن رمضان، دار الفكر ، دمشق، الطبعة الثانية، 1406هـ ، (ص72).
([3]) ابن حجر العسقلاني ، نزهة النظر شرح نخبة الفكر ، مصدر سابق ، (ص114).
([4]) أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني ، تهذيب التهذيب ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1404هـ ، 1984م ، (7/ 427).

ابوخزيمة الفضلي 01-28-2018 09:46 PM

أقسام الحديث المردود بسبب الطعن في الراوي
 
أقسام الحديث المردود بسبب الطعن في الراوي
مع بيان ما يتعلق بالحديث الموضوع من أحكام
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (22)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني _

بعد أن انتهيت من أقسام المردود بسبب السقط، أشرع الآن في القسم الثاني، فأقول وبالله التوفيق :
ثانياً : أقسام المردود بسبب طعن.
وينقسم إلى عشرة أقسام : خمسة تتعلق بالعدالة وهي كذب الراوي ، وتهمته به ، وفسقه ، وبدعته ، وجهالته .
وخمسة تتعلق بالضبط وهي وَهَمْ الراوي وفحش غلطه وغفلته ومخالفته لمن هو أوثق منه وسوء حفظه.
وأعلاها في التجريح : كذبه، ثم تهمته به، ثم فسقه، وهكذا حسب ما رتبناها آنفاً.

بيان
أقسام الحديث المردود بسبب الطعن
الأول : الموضوع وهو الحديث المصنوع على رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.

وواضعه : كل راوٍ قالوا فيه كذاب أو دجال أو وضَّاع وشبهها من الألفاظ.
ويُعرف الوضع بأمور منها : إقرار قائله أو ركاكة ألفاظه إذ ألفاظ النبوة لها رونق ونور وبلاغة، ولا يتقن ذلك سوى أرباب الحديث وجهابذته.

وسبب الوضع إما عدم الدين كالزنادقة ، فقد قيل : إنهم وضعوا أربعة عشر ألف حديث.
أو انتصار لمذهب كمأمون بن أحمد السلمي الحنفي من أهل هراة خبيث كذاب ، يروي عن الثقات مثل هشام بن عمار ، ودحيم بن اليتيم أحاديث موضوعة فمما حدث عن أحمد بن عبد الله وهو الكذاب الجويباري الحنفي عن عبد الله بن معدان الأزدي عن أنس مسنداً " يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس ، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة وهو سراج أمتي".
أو تقرباً لبعض الرؤساء والخلفاء والأمراء بوضع ما يوافق فعلهم وآراءهم كغياث بن إبراهيم حيث وضع للمهدي في حديث " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر"([1]) فزاد فيه " أو جناح" وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام فتركها بعد ذلك ، وأمر بذبحها ، وقال : أنا حملته على ذلك.
أو غلبة الجهل احتساباً للأجر على زعم الوضاع كما رُوي أنه قيل لأبي عصمة - الملقب بالجامع أي لكل شيء إلا الصدق - من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورةً سورةً ، وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟
فقال : رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعتها حسبة.
أو تكسباً يتكسبون بذلك ويترزقون في قصصهم كأبي سعد المدائني.
أو ليمتحنوا أولادهم، أو ورَّاقين وضعوا لهم أحاديث ودسوها عليهم فحدثوا بها من غير أن يشعروا كعبدالله بن محمد بن ربيعة القدامي.
أو لإقامة دليل على ما أفتوا به بآرائهم فيضعون كذباً ، كما نقل عن أبي الخطاب بن دحية إن ثبت عنه.
أو تفاخراً بوجود غرائب ليست عند غيره فيعمد هذا الصنف بقلب سند الحديث ليرغب في سماعه ونحوها من الأمور المنكرة والمحرمة اتفاقاً ، لكونها كذباً على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- .
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
______
([1]) أخرجه أحمد والأربعة إلا ابن ماجه من حديث أبي هريرة ، والحديث صحيح.

ابوخزيمة الفضلي 02-09-2018 08:16 AM

تعريف الحديث المتروك والمنكر
 
تعريف الحديث المتروك والمنكر
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (23)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
ما زال الحديث عن أقسام المردود بسبب الطعن في الراوي، فأقول وبالله التوفيق :
الثاني : الحديث المتروك وهو حديث الراوي الذي اتهم بالكذب كحديث "إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا معي ، وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأنَّ معي أحد" أخرجه الدارقطني في السنن.
وقال : تفرد به زكريا الوقار وهو منكر الحديث متروك.
فالراوي إذا طعنوا في عدالته وقالوا : متروك ، فحديثه يُسمى بـ : الحديث المتروك.

الثالث : الحديث المنكر وهو حديث الراوي المطعون فيه بفسق أو فحش غلط أو غفلة.
وهو غير المتروك تماماً ، ومثاله حديث " الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ، ولا إضاعة المال ، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يدي الله ، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك" أخرجه الترمذي في جامعه.
وفي إسناده : عمرو بن واقد وهو : منكر الحديث.
لكن قد يطلق على الشخص بأنه منكر الحديث متروك ، فتكون النكارة بسبب فسقه أو فحش غلطه أو غفلته ، ويكون ترك حديثه بسبب أنه اتهم أيضاً بالكذب.
ولذا قال الحافظ في تقريبه : بشر بن نمير القشيري بصري متروك متهم.
وقال عن حمزة بن أبي حمزة الجعفي الجزري النصيبي : متروك متهم بالوضع.
وأمثلة كثيرة غير ما ذكرنا.
فإذا خالف منكرُ الحديث الثقة في حديثه فحديثه منكر ، وحديث الثقة معروف.
سواء كان منكر الحديث أو ضعيفاً مطعوناً بأي طعن من الطعون الأخرى غير وصمة النكارة.

ولتوضيح ذلك بعبارة شاملة نقول :
المنكر : أن يَرْوِيْ الراوي الضعيفُ حديثاً مخالفاً لما رواه مَنْ تقبل روايته ، وتكون النكارة في السند والمتن .

مثالها في السند :
ما أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (2/182) : من طريق حُبيب بضم الحاء المهملة وتشديد التحتية بين موحدتين أولاهما مفتوحة ابن حَبيب بفتح المهملة بوزن كريم أخى حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحجَّ وصام وقَرَى الضيف دخل الجنة" .
قال أبو حاتم : هو منكر، لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً وهو المعروف ([1]).
قلت : ولما كان حُبيبٌ ضعيفاً ، خالف الثقات استحق ما رواه أن يكون منكراً.

ومثاله في المتن :
ما أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط من رواية سليمان بن داود اليمامي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "أحفوا الشوارب ، وأعفوا اللحى ، وانتفوا الآباط وأحدُّوا الفلقتين"([2]).
فالمعروف ما أخرجه مسلم وغيره برواية الثقات دون زيادة : " وانتفوا الآباط ، واحدُّوا الفلقتين" فهي زيادة منكرة.
وقد زادها في المتن : سليمان اليمامي وهو ضعيف ، وخالف غيره من الثقات الذين لم يذكروها.
والمنكر هنا غير ما قيل فيه : منكر الحديث أو يروي المناكير أو له مناكير أو ربما أتى بالمناكير ونحوها ، إذ قد يقال في الرجل الثقة يروي المناكير ولا يعد ذلك جرحاً للراوي وإنما لروايته إن خالفت ما عليه الثقات.
ومثاله : إبراهيم بن المنذر الحزامي
قال الحافظ في التهذيب : " قال النسائي : ليس به بأس.
وقال الساجي : بلغني أن أحمد كان يتكلم فيه ويذمه وكان قدم إلى ابن أبي داود قاصداً من المدينة ، وعنده مناكير.
قال الخطيب : أما المناكير فقلَّما توجد في حديثه إلا أن يكون عن المجهولين ، ومع هذا فإن يحيى بن معين وغيره من الحفاظ كانوا يرضونه ويوثقونه" اهـ
قلت : وهو من رجال البخاري ولذا قبلوا حديثه ، وأخرج له في صحيحه مما لم يُنكر عليه فليتنبه لهذا الأمر.
ومثال آخر : بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أبو بردة من رجال الأمهات الست.
ذكر الحافظ في التهذيب فقال : " قال ابن معين والعجلي ثقة.
وقال أحمد بن حنبل : يروي مناكير ، وطلحة بن يحيى أحب إليَّ منه" اهــ
ومع كل ذلك فحديثه مخرج في الصحيحين.
وقد قال الذهبي كما في الميزان : " ما كل من روى المناكير يضعف".
ويقصد -رحمه الله- حتى يتبين أنه من مناكيره.

وهناك تفصيل دقيق وخلاف يسير نوضحه فوق ما ذكرنا لتمام الفائدة في قولهم في الراوي : منكر الحديث، فأقول وبالله التوفيق :
يستعمله البخاري ويعني به : أنه متهم، ويطلقه على الراوي الضعيف، وعليه درج عامة المتأخرين.
قال السخاوي في فتح المغيث (1/ 373) : " قال ابن دقيق العيد قولهم روى مناكير ، لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه : منكر الحديث ، لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق الترك لحديثه ، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة" اهـ
وأما الإمام أحمد فكثيراً ما يطلق منكر الحديث على الفرد الذي لا متابع له ، فمذهبه غير مذهب المتأخرين ، لأن المتأخرين يعدون ذلك جرحاً في الراوي ، وأحمد يعده مما يحتاج إلى متابع فيما انفرد فيه وإن كان ثقة.
لذا يجب أن يقف الباحث على ألفاظ أئمة الجرح والتعديل ، وأن يحمل أقوالهم على محملها الصحيح حسبَ مقصد المتكلم ، وهذا يعني : حاجة الباحث إلى النَّفَس الطويل.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_______
([1]) ابن حجر العسقلاني ، نزهة النظر شرح نخبة الفكر ، مصدر سابق ، (ص99).
([2]) تُطلق الفلقتان في اللغة على القطعتين من الشئ بعد الفلق، وعند ابن عدي وغيره بلفظ : "وأَحِدُّوا القلفتين" وهو أصح في اللغة كما بيناه في كتابنا شمس الضحى في حكم الأخذ من اللحى.

ابوخزيمة الفضلي 02-22-2018 10:47 PM

تعريف الحديث المعلول أو المعلل
 
تعريف الحديث المعلول أو المعلل
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (24)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
الرابع : الحديث المعلول أو المعلل، والأول أصح ، وهو حديث الراوي الذي طُعِن فيه بالوهم.
ومثاله : ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال : " خرج رسول الله -صلى الله عليه و سلم- وإذا الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال : ما هؤلاء ؟
فقيل : هؤلاء ناس ليس معهم قرآن ، وأبي بن كعب يصلي بهم وهم يصلون بصلاته ، فقال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- : " أصابوا ـ أو نِعْمَ ما صنعوا ".
في إسناده : مسلم بن خالد ، قال الحافظ في التقريب : فقيه صدوق كثير الأوهام.
قلت : فقوله : " صدوق كثير الأوهام " يدل على أنه ضعيف إلا أن يتابع ، وليس له متابعة ينجبر حديثه بها ، ولذا ذكره الحافظ في الفتح 4 / 252 وقال : ذكره ابن عبد البر ، وفيه مسلم بن خالد وهو ضعيف.
وقد يطلق عند بعضهم على : كل حديث تلبس بعلة ذات غموض وخفاء في سنده أو متنه مع أن الظاهر السلامة.
ولهذا النوع أفرد شيخنا مقبل الوادعي رسالة أسماها " أحاديث معلة ظاهرها الصحة" ولم يشترط جمع كل الأحاديث المعلة مما ظاهره الصحة، وقد فاته رحمه الله أكثر مما جمع ، ثم يسر الله أن هذبت كتابه وأدخلته ضمن " الجامع الكبير " وأجبت على كل الروايات المذكورة في كتابه مما هي معلة ومما هي وَهَمٌ منه أو اجتهاد.

ومثال هذا النوع :
حديث " أفرضكم زيد "
أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث أبي قلابة عن أنس " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر " وفيه " وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت " صححه الترمذي والحاكم وابن حبان ، وفي رواية للحاكم " أفرض أمتي زيد " وصححها أيضاً ، وقد أعل بالإرسال ، وسماع أبي قلابة من أنس صحيح إلا أنه قيل لم يسمع منه هذا ، وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي قلابة في العلل ، ورجح هو وغيره كالبيهقي والخطيب في المدرج أن الموصول منه ذكر أبي عبيدة ، والباقي مرسل.
وكما هو معلوم لدى طلبة الحديث أن رواية أبي قلابة عن أنس في الصحيحين ، فظاهر الرواية الصحة ، لكن هذه الزيادة بعينها معلة بالإرسال لكونها محفوظة بعدم سماع أبي قلابة من أنس.
والقاعدة : أن من حفظ حجة على من لم يحفظ.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 02-27-2018 02:43 PM

تعريف الحديث الشاذ وأحكامُه
 
تعريف الحديث الشاذ وأحكامُه
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (25)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

الخامس : الحديث الشاذ ، وهو حديث مَنْ تقبل روايته مخالفاً لما رواه مَنْ هو أولى منه ، إما ضبطاً ، أو عدالةً أو كثرةً مقبولةً.
وقد يكون في السند ، وقد يكون في المتن .
مثال الشذوذ في السند :
ما أخرجه الترمذي وابن ماجه : من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس : " أن رجلاً تُوفي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يدع وارثاً إلا مولى هو أعتقه".
تابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وحماد بن سلمة وغيرهما.
وخالفهم حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة ، ولم يذكر ابن عباس .
قال أبو حاتم : المحفوظ حديث ابن عيينة .
فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط ومع ذلك رجَّح أبو حاتم رواية من هم أكثر عدداً منه.
وعُرِفَ من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه.
ومثاله في المتن :
ما أخرجه أبو داود في سننه والترمذي في جامعه : من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً: " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه".
وقد صححه بعض المتأخرين ، والذي يظهر أنه شاذ.
قال البيهقي : خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا.
فإن الناس إنما رووه من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من قوله ، وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب الأعمش بهذا اللفظ .
وعبد الواحد ثقة ، وإنما ردَّ حديثه لمخالفته حديث الحفاظ كما في تدريب الراوي للسيوطي.

وهنا لا بد من تفصيل بخصوص زيادة الراوي الذي يقبل حديثه.
وذلك كالآتي :
أولاً : إن كانت الزيادة منافية لما رواه الثقات فهي مردودة مطلقاً.
ثانياً : إن كانت الزيادة غير منافية وإنما موافقة إما معنى ، أو مفسرة أو تستقل بحكم فمقبولة من الثقة ما لم يكن ممن يهم أو يغرب كثيراً أو يغلط في حديثه وليس كل من يهم في الحديث أو يغلط أو يغرب ترد روايته ولو انفرد ، وإنما ترد رواية من يهم أو يغلط كثيراً حتى يغلب عليه الغلط على الصواب أو يخالف حديث الثقات ، ولذا حسَّنَ الحافظ ابن حجر حديث القاسم بن عبدالرحمن الدمشقي في السبلة - يعني اللحية - رغم أنه قال : صدوق يغرب كثيراً ، وهذا التحسين إنما هو بالنسبة لكون حديثه لا يخالف ما رواه الثقات لأنه بمعنى حديث ابن عمر " وفروا اللحى " ، ولا يعد ما ذكروا فيه مثل ذلك جرحاً لعدالة الراوي وإنما نقص لضبطه ، إذ هذا الباب باب مهم عند المفاضلة والمخالفة لترجيح الأقوى من الروايات على غيره ، أما ذات الوهم فلا يسلم منه أحد مهما بلغ حفظه إلا أنه يتفاوت من شخص لآخر.
فهذا الإمام الذهبي يرد على العقيلي تضعيفه ابن المديني شيخ البخاري بسبب ما قيل في ابن المديني من الوَهَم أو الانفراد ببعض المرويات.
يقول كما في الميزان (5/ 169) : " أفما لك عقلٌ ياعقيلي ؟ أتدري فيمن تتكلم ؟ وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم ، ولنزيف ما قيل فيهم ، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات ، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك ، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث ، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ، ولا انفرد بما لا يتابع عليه ، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له ، وأكمل لرتبته ، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر ، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها ، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء ، فيعرف ذلك" اهــ
وبهذا فإن حصل شئ من المخالفة في باب الشذوذ فالراجح المحفوظ ، والمرجوح شاذ.
ويجلبنا الكلام ونحن نتحدث عن المخالف في قسم النكارة والشذوذ إلى ذكر هذه المخالفات ، وهي ست : إدراج ، ومزيد على متصل الأسانيد ، وقلب ، واضطراب ، وتصحيف ، وتحريف.
وسيأتي بيان ذلك في الحلقات القادمة بإذن الله.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 02-28-2018 06:56 AM

الحديث المدرج والمزيد في متصل الأسانيد
 
الحديث المدرج والمزيد في متصل الأسانيد
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (26)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
في اللقائين السابقين تكلمت عن المخالف في قسم النكارة والشذوذ، وهذا يجلبنا - كما قلت في اللقاء السابق - للحديث عن بقية المخالفات في علم المصطلح ، وهي ست : إدراج ، ومزيد على متصل الأسانيد ، وقلب ، واضطراب ، وتصحيف ، وتحريف.
وإليك بيانها مفصلة، فأقول وبالله التوفيق :

أولاً : المدرج ، وهو أقسام :
أحدها : ما أُدرِج في الحديث من كلام بعض رواته فيرويه مَنْ بعده متصلاً فيتوهم أنه من الحديث.

الثاني : أن يكون عنده متنان بإسنادين ، أو طرف من متنٍ بسند غير سنده ، فيرويهما معاً بسندٍ واحد.

الثالث : أن يسمع حديثاً من جماعة مختلفين في سنده أو متنه ، فيدرج روايتهم على الاتفاق ولا يذكر الاختلاف.
وتعمدُ كل واحد من الثلاثة حرام ، وقد صنف الخطيب فيه كتابا سماه: "الفصل للوصل المدرج في النقل" فشفى وكفى.

وهذا يعني أن الإدراج يكون في المتن والسند.
مثاله في المتن : حديث أبي هريرة كما في الصحيحين مرفوعاً : " إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء" فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل".
فزيادة " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" مدرجة ، وقد أوصلها بعض الرواة بحديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- .
والصحيح أنها مدرجة من كلام أبي هريرة.
قال ابن القيم في " حادي الأرواح " ( ص 137 ) : " فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي" اهـ
ومثال الإدراج في الإسناد : ما رواه الترمذي عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن واصل ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال " أن تجعل لله نداً وهو خلقك "
فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش لأن واصلاً لا يذكر فيه عمراً بل يجعله عن أبي وائل عن عبد الله.
هكذا رواه شعبة ومهدي بن ميمون ومالك بن مغول وسعيد بن مسروق عن واصل.

ثانياً : المزيد في متصل الأسانيد : وهو ما زيد في سنده رجل فأكثر ، والأصل فيه أنه سُمِعَ بهذه الواسطة ، ومتصل بها وبدونها.
ومثاله :
ما أخرجه البخاري وغيره قال : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بكير عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال : بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعث فقال : " إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما بالنار ، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أردنا الخروج " إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله ، فإن وجدتموهما فاقتلوهما"
فالحفاظ يروون هذا الحديث من رواية سليمان عن أبي هريرة بلا واسطة ، فخالفهم محمد بن إسحاق فرواه في السيرة عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير ، فأدخل بين سليمان وأبي هريرة رجلاً وهو أبو إسحاق الدوسي.
وأخرجه الدارمي وابن السكن وابن حبان في صحيحه من طريق ابن إسحاق ، وأشار الترمذي إلى هذه الرواية ، ونقل عن البخاري أن رواية الليث أصح ، وسليمان قد صح سماعه من أبي هريرة ، فتكون رواية ابن إسحاق من المزيد في متصل الأسانيد.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 03-15-2018 05:50 AM

الحديث المقلوب
 
الحديث المقلوب
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (27)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
ما زال الحديث عن المخالفات التي تطرأ على الحديث سنداً ومتناً، وسنتكلم في هذا اللقاء عن القسم الثالث من المخالفات التي تمت الاشارة إليها، فأقول :

ثالثاً : المقلوب.
ويُؤْتى به غالباً لِيُرَغَّبَ فيه لغرابته ، وهو قسمان :
القسم الأول : أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه آخر في طبقته.
ومثاله كما في تدريب الراوي للسيوطي (1/ 291) : حديث رواه عمرو بن خالد الحراني عن حماد النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً : " إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤوهم بالسلام".
فهذا حديث مقلوب.
قلبه حماد فجعله عن الأعمش فإنما هو معروف بسهيل بن أبي صالح عن أبيه هكذا أخرجه مسلم في صحيحه ( رقم 2167، 2168/نووي) وأحمد في مسنده رقم (10810) من رواية شعبة والثوري وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز الدراوردي كلهم عن سهيل.
قال السيوطي كما في التدريب : ولهذا كره أهل الحديث تتبع الغرائب فإنه قلَّما يصح منها.
وقلب أهل بغداد على البخاري مائة حديث امتحاناً فردها على وجوهها فأذعنوا بفضله" اهـ
قلت : وفي ثبوت هذه القصة من حيث الاسناد عن البخاري نظر.
وقد يكون القلب في المتن كقلب الراوي لفظة أو جملة بخلاف ما رواه من هو أولى منه.

ومثاله في المتن بلفظة :
حديث مسلم في السبعة الذين يظلهم الله : " ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله".
فهذا مما انقلب على أحد الرواة ، وإنما هو "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" كما في صحيح البخاري رقم (1423/ فتح ).

ومثال الجملة : ما أخرجه الطبراني في الأوسط (3 /135 رقم 2715 ) من حديث أبي هريرة مرفوعاً : " إذا أمرتكم بشيء فائتوه ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما استطعتم".
فإن المعروف ما في الصحيحين مرفوعاً : " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم".

القسم الثاني : أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر ، وبالعكس وهذا قد يُقصد به أيضاً الإغراب فيكون كالوضع.
وقد يُفْعَل اختباراً لحفظ المحدث أو لقبوله التلقين.
وقد فعل ذلك شعبة وحماد بن سلمة وأهل الحديث ، ومثله أيضاً ما يُرى عن أهل بغداد أنهم قلبوا على البخاري كما سبق مائة حديث.
قال العراقي كما في التدريب (1/ 294) : في جواز هذا الفعل نظر لأنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثاً ، وقد أنكر حرمي على شعبة لما قلب أحاديث على أبان بن أبي عياش ، وقال : يا بئس ما صنع" اهــ
وقد يقع القلب غلطاً لا قصداً كما يقع الوضع كذلك.
وقد مثله ابن الصلاح بحديث رواه جرير بن حازم عن ثابت عن أنس مرفوعاً: " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني".
فهذا حديث انقلب إسناده على جرير ، وهو ليحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
هكذا رواه الترمذي وأبو داود وأحمد ، والحديث متفق عليه من طريق يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
وجرير إنما سمعه من حجاج فانقلب عليه.
وقد بَيَّنَ ذلك حماد بن زيد فيما رواه أبو داود في المراسيل : عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عنه قال : كنت أنا وجرير عند ثابت فحدث حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه فظن جرير أنه إنما حدث ثابت عن أنس.
ولا شك أن المقلوب من قبيل الحديث الضعيف.
وأما قلب الشيخ السند أو المتن لاختبار طلابه ففيه نظر لكونه خلاف ما عليه واقع المتن أو السند ، مما قد يفضي للعاقبة غير المحمودة .
نعم قد عُرِف عن بعض الأئمة إلا أن التورع في مثل هذه المواطن أولى بأشياخ وطلاب الحديث بخلاف القلب بسبب الغلط فإنه وإن كان مردوداً إلا أنه قد يُعرف السبب ، ولم يكن متعمداً ممن غلط فيه.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 03-23-2018 09:22 PM

الحديث المضطرب
 
الحديث المضطرب
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (28)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

من المخالفات التي تطرأ على الحديث سنداً ومتناً : القسم الرابع، وهو المقلوب، فأقول :

رابعاً : المضطرب
وهو الحديث الذي يُرْوَى على أوجه مختلفة متقاومة من حيث الصحة ، فإن ترجحت إحدى الروايات على الأخرى بوجه من وجوه الترجيح بأن يكون راويها أحفظ، أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك فالحكم للراجح ، ولا يكون حينئذ مضطرباً.
والاضطراب قد يقع في السند أو المتن أو من راوٍ أو من رواة.
والمضطرب ضعيف لإشعاره بأنه لم يضبط.

مثاله في السند :
حديث مجاهد عن الحكم بن سفيان الثقفي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في نضح الفرج بعد الوضوء " أنه بال ثم توضأ ، ونضح فرجه " والحديث أخرجه الأربعة إلا الترمذي.
فقد اخْتُلِف فيه على أقوال كثيرة :
فقيل : عن مجاهد عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه .
وقيل : عن مجاهد عن الحكم بن سفيان عن أبيه .
وقيل : عن مجاهد عن الحكم غير منسوب عن أبيه .
وقيل : عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه .
وقيل : عن مجاهد عن سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان.
وقيل : عن مجاهد عن الحكم بن سفيان بلا شك .
وقيل : عن مجاهد عن رجل من ثقيف يقال له الحكم أو أبو الحكم وقيل : عن مجاهد عن أبي الحكم أو أبي الحكم بن سفيان .
وقيل:عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فهذا الاختلاف بهذا النمط موجبٌ للإضطراب على قول، والصواب : أنه أمكن الترجيح فدل على صحة هذا الحديث.

ومثال الاضطراب في المتن :
فيما أورده العراقي حديث فاطمة بنت قيس قالت : سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الزكاة .
فقال : " إن في المال لحقاً سوى الزكاة ".
أخرجه الترمذي في سننه رقم (659، 660) من رواية شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة.
وأخرجه ابن ماجه في سننه رقم (1789) من هذا الوجه بلفظ : " ليس في المال حقٌ سوى الزكاة".
قال : فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل .
وردَّه السيوطي فقال : لا يصلح مثالاً فإن شيخ شريك([1]) ضعيف فهو مردود من قِبَلِ ضعف راويه لا من قبل اضطرابه ، وأيضاً فيمكن تأويله بأنها روت كلاً من اللفظين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأن المراد بالحق المثبت المستحب وبالمنفي الواجب([2]).
ثم قال : والمثال الصحيح ما وقع في حديث الواهبة نفسها من الاختلاف في اللفظة الواقعة منه -صلى الله عليه وسلم- ففي رواية عند الجماعة : "زوجتكها".
وفي رواية للبخاري : " زوجناكها".
وفي رواية في غير الصحيح : " أمكنَّاكها ".
وفي رواية عند البخاري والنسائي : " ملكتُكها " .
فهذه ألفاظ لا يمكن الاحتجاج بواحد منها حتى لو احتج حنفي مثلاً على أن التمليك من ألفاظ النكاح لم يسغ له ذلك.
ثم قال قلت : وفي التمثيل بهذا نظر أوضح من الأول .
فإن الحديث صحيح ثابت .
وتأويل هذه الألفاظ سهلٌ فإنها راجعة إلى معنى واحد([3]).
قلت : والذي يغلب عليه الظن أن الاضطراب في المتن يمكن دفعه بالتأويل أو الترجيح.
وقد لوحظ ذلك من خلال التتبع لأمثلة المحققين من أهل المصطلح واختلافهم.
فذاك يأتي بالمثال ، وآخر يرده أو يُظْهِرُ التأويل أو الترجيح ونحو ذلك من الدفع والرد ، ولم أقف لأحد على مثال سليم في هذا الباب إلا وعورض بعارض ولا يعني ذلك عدم وجوده بل قد يوجد ولكنه نسبي ، ولذا أعرضت عن ضرب مثال مقطوع فيه لإمكان المعارضة.
بخلاف اضطراب السند فالغالب وجوده وشهرته، والله أعلم.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
___

([1]) شيخ شريك هو أبو حمزة ميمون الأعور ضعفه البخاري وأحمد ويحيى وغيرهم.

([2]) لا يلتفت إلى التأويل طالما والحديث لا يصح ، إنما التأويل فيما ظاهره التعارض بين حديثين فأكثر مما صحَّ سنده.
([3]) انظر تدريب الراوي (1/ 267).

ابوخزيمة الفضلي 03-28-2018 09:00 PM

الحديث المصحف والمحرف وبيان الفرق بينهما
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (29)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

خامساً : المصحف
وهو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير النقط في الكلمة مع بقاء صورته.
مثال التصحيف في الإسناد : ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته من حديث شعبة عن العوام بن مراجم عن أبي عثمان النهدي عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لتُؤَدّنَّ الحقوق إلى أهلها ..".
صحف فيه يحيى بن معين فقال ابن مزاحم بالزاي والحاء فَرُدَّ عليه وإنما هو ابن مراجم بالراء المهملة والجيم.
والحديث في صحيح مسلم من غير رواية عثمان قال : حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسماعيل ( يعنون ابن جعفر ) عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء".
ومثال التصحيف في المتن : ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إليه بإسناده عن زيد بن ثابت " أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتجم في المسجد " وإنما هو بالراء "احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فيها" فصحفه ابن لهيعة لكونه أخذه من كتابٍ بغير سماع ، ذكر ذلك مسلم في كتاب التمييز له.

سادساً : المحرف
وهو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير الشكل في الكلمة مع بقاء صورة الخط فيها.
ومثال ذلك : ما وقع لبعض الأعراب فإنه رأى في كتاب من كتب الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح البخاري " كان يغدو إلى المصلى والعنزة بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه فيصلي إليها".
والعَنَزَة : الحربة ، فظنها بسكون النون ثم روى ذلك بالمعنى على حسب وهمه فقال كان النبي -عليه الصلاة والسلام- :" إذا صلى نُصِبَتْ بين يديه شاة".
وكما يقع التحريف في المتن يقع في الإسناد :
ومثاله في الإسناد : أن تجعل بَشِيراً بفتح الباء وكسر الشين بُشَيراً بضم الباء وفتح الشين.

وبهذا نكون قد انتهينا من المخالفات الست التي هي : الإدراج ، والمزيد على متصل الأسانيد ، والقلب ، والاضطراب ، والتصحيف ، والتحريف، وقد جلبنا لذلك حديثنا سابقاً عن المخالفات التي منها الشذوذ والنكارة، وسنكمل بإذن الله في لقاء الغد الحديث عن ما يتعلق بالحديث المردود بسبب الطعن في الراوي، حيث سنتكلم بإذن الله عن النوع السادس من الطعن في الراوي وهو : " الجهالة".
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

ابوخزيمة الفضلي 03-31-2018 05:35 PM

جهالة الراوي
 
جهالة الراوي
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (30)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

سنتكلم في هذا اللقاء عن جهالة الراوي التي تعتبر طعناً وسبباً موجباً لرد الحديث، وهذا هو النوع السادس من الطعن في الراوي ، فأقول :
السادس : جهالة الراوي
الجهالة سبب من أسباب الطعن في الراوي ، وتنقسم إلى قسمين :
الأول : جهالة مَنْ سُمِّي وهي نوعان :
الأولى : مجهول العين ، وهو ما روى عنه راوٍ واحد ، وليس له وصف يُعرف به ، ولم يوثقه معتبر.
الثانية : مجهول الحال ، وهو ما عرف وصفه ، وروى عنه اثنان فصاعداً ولم يوثقه معتبر ، وهو عند بعضهم بمعنى المستور.
وقيل المستور : المجهول الذي جُهِلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر ، وبه قال ابن الصلاح وغيره.
وأما من حيث الاحتجاج فقد قيل : إن مجهول العين لا يعتضد بغيره بخلاف مجهول الحال ، والذي يترجح هو خلاف ذلك، إذ من قال بالتفريق لم يأت بما يتقوى به مذهبه ، والصواب أنهما يصلحان في باب الشواهد والمتابعات لماذا ؟
لأن النظر إلى حال الراوي لا إلى عينه ، والتفريق بينهما يتلخص في أن مجهول الحال مَنْ عُرِفَتْ عينه بنسب أو أدب أو علم أو ورع أو وصف آخر مما حفظه لنا التاريخ بخلاف مجهول العين فلم يُعرف بأي وصف من هذه سوى أنها عرفت عينه وتلكم الأوصاف لم تزدنا معرفة بحال مجهول الحال فالتفريق بينهما إنما هو من حيث أوصاف لا تعلقَ لها بضبط الراوي وعدالته البته ، فكلاهما من حيث المآل متساويان من ناحية حديثية وهذا المطلوب تقريره .
فكل راوٍ لم يُعرف بجرح أو لم يعدله أحد فهو مجهول ، وروايته تعضد بغيرها من غير تفريق بين العين والحال على المختار.
إلا أن بعض المتأخرين كابن حجر وابن القيم وغيرهما يقبلون حديث مجهول الحال إن روى عنه ثقتان فأكثر ، وبه يقول الشيخ الألباني في مواضع من السلسلة الصحيحة بل وفي عامة كتبه.
ومن ذلك قوله في تمام المنة ( ص 20 ) : " نعم يمكن أن تقبل روايته إذا روى عنه جمع([1]) من الثقات ، ولم يتبين في حديثه ما ينكر عليه وعلى هذا عمل المتأخرين من الحفاظ كابن كثير والعراقي والعسقلاني وغيرهم " اهـ
أما مجهول الحال الذي روى عنه الثقة الفرد مع الضعيف الشديد الضعف فأكثر فلا يُحَسَّنْ حديثه ، ولكن يصلح في الشواهد والمتابعات ؛ لأن رواية الثقة الواحد عنه في حاجة مَنْ يعضدها ، لكي يُحَّسن مع خفيف الضعف ليرتقي إلى الحسن لغيره.
القسم الثاني : جهالة من لم يُسم وهو نوع واحد ويعرف بالمبهم.
والمبهم نوعان :
الأول : موصوف بتوثيق ، كقول الشافعي إذا قال حدثنا الثقة يريد يحيى بن حسان.
فإذا عرف مقصد الراوي بذلك فهو مقام الحجية إذا صح التوثيق فيمن وصف.
الثاني : غير موصوف بتوثيق كقول الراوي حدثني رجل من بني سليم ولم يسمه، فهذا من قسم الضعيف ، والكلام في حاله كالكلام في حال مجهول العين.
إلا أن يكون قد أضافه إلى الصحابة فقال مثلاً : حدثني رجل من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مقبول لأن الصحابة كلهم عدول.
تنبيه : هناك فرق بين المبهم والمهمل عند أهل الحديث فالمبهم ما سبق توضيحه ، والمهمل : أن يروي الراوي حديثاً عن أحد اثنين متفقين في الاسم فقط من كنية أو غيرها ، أو فيه وفي اسم الأب ، أو فيهما وفي اسم الجد ، أو فيهن ، وفي النسبة معبراً عنه بما فيه الاتفاق من غير أن يتميز عن الآخر، كقول وكيع حدثنا سفيان فهذا من المهمل فلا ندري ما المقصود بسفيان هل هو الثوري أو ابن عيينة فكلاهما روى عنه وكيع بن الجراح.
ولمعرفة ذلك يتم البحث والنظر في مظان الحديث حتى يأتي مصرحاً من أصحاب الكتب الأخرى.
فإن لم يجد الباحث أخذ بقاعدة : كل من روى عن متفقي الاسم حُمِلَ من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_____
([1]) تصريحه بالجمع لا ينافي ما قلناه في قبوله الاثنين فأكثر لأن هذه طريقته رحمه الله وطريقة غيره ممن التزموا هذه القاعدة ، وأمثلة ذلك كثير منها ما ذكره في السلسلة الصحيحة (5/437) حيث ذكر رواية للضياء في الأحاديث المختارة فقال : بسنده الصحيح عن ثور بن زيد عن إسحاق بن جابر العدني عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً .
رغم أن في السند إسحاق العدني وهو مجهول حال وقد روى عنه ثقتان عبد الله بن نافع الصائغ وثور بن زيد ومع ذلك صحح الألباني سند الحديث .
ثم قال رحمه الله : فلعله لذلك قال الحافظ : لا بأس بإسناده" اهـ
قلت : وهذا دليل على أن المتأخرين كابن حجر وغيره لا يقصدون بالجمع في هذا الباب الثلاثة فأكثر بل ويثبت بالثقتين أيضاً .
وفي فتح المغيث للسخاوي (1/ 321ـ322) قال " نعم كثرة رواية الثقات عن الشخص تقوي حسن الظن فيه ، وأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون... وعبارة الدارقطني من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته ، وقال أيضاً في الديات نحوه: اهـ


الساعة الآن 07:11 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.