{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   المنبر الإسلامي العام (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   بشرى لأهل الشام المقاتلين أهل الفتن في آخر الزمان (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=59854)

ابو همام محمد السلفي 07-06-2014 06:06 PM

بشرى لأهل الشام المقاتلين أهل الفتن في آخر الزمان
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بشرى لأهل الشام المقاتلين أهل الفتن في آخر الزمان
قال النبي-صلى الله عليه و سلم- " يكون في آخر أمتي قوم يعطون من الأجر مثل ما يعطى أولهم ؛ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر , يقاتلون أهل الفتن "
أخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في " المعرفة والتاريخ " ( 1 / 293 ) ، ومن طريقه البيهقي في " دلائل النبوة " ( 6 / 512 ) ، وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " (6 / ص 3147 / 7245 ) , وابن وضاح في " البدع والنهي عنها " ( رقم 223 - ط .م ابن تيمية ) ، أو ( ص 85 ط . دار صفا ) ، والبخاري في " التاريخ الكبير " ( 5 / 276 ) من طرق عن حماد بن زيد وسفيان الثوري , عن عطاء بن السائب قال : سمعت عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي يخطب على منبر الكوفة قال : حدثني من سمع النبي - صلى الله عليه و سلم - يقول : فذكره .
وهذا إسناد صحيح ؛ لولا عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي ، ويقال : ابن الحضرمي ، فلم يذكر البخاري من الرواة عنه إلا عطاء , ومثله ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 5 / 304 / 1442 ) ، ومثلهما ابن حبان في " الثقات " ( 5 / 100 / 4042 ) ، لكنه قال في " مشاهير علماء الأمصار " ( 1 / 123 / 958 ) :
" من خيار التابعين " فمثله حسن الحديث -إن شاء الله تعالى- .
ثم إن جهالة الصحابي لا تضر كما هو مقرر في علم المصطلح ، أما عطاء بن السائب فقد أُمِن تخليطه من رواية سفيان وحماد عنه ، وقد أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 1 / 286 - 287 ) من طريق مسدد في " المسند" عن خالد بن عبد الله الطحان , نا عطاء بن السائب قال : سمعت عبد الرحمن الحضرمي -أيام ابن الأشعث- يخطب ؛ وهو يقول : يا أهل الشام ؛ أبشروا ! فإن فلاناً أخبرني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فذكره .
وفي الآخر قال : " وأنتم منهم " .
و طريق مسدد أورده كل من الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية " ( 18 / 316 / 4476 ) ، و البوصيري في " إتحاف الخيرة " ( 10 / 256 – 257 / 9924 ) ، و سكتا عنه .
و زاد نسبته ابن الأثير في " أسد الغابة " ( 6 / 460 ) إلى ابن منده .
و خالد بن عبد الله الطحان ممن سمع من عطاء بعد الاختلاط !
و أخرجه أحمد في " المسند " ( 27 / 137 ) و ( 308 / 241 ) ، ومن طريقه عبد الغني المقدسي في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ( رقم 92 ) ، من طريق سفيان مختصراً .
وقال الهيثمي في " المجمع " ( 7 / 200 ) :
" رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب سمع منه الثوري في الصحة، وعبد الرحمن بن الحضرمي لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح " ، و نحوه ( 7 / 211 ) .
أقول: قد عرفه ابن حبان وأثنى عليه , ولعله من أجل ذلك جود إسناده العلامة الإمام الألباني -رحمه الله- في " سلسة الأحاديث الصحيحة " ( 4 / 275 / 1700 ) وبوب له: " فضل من ينكر المنكر في آخر الزمان " -لكن دون هذه الزيادة-.
و لجملة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قد أشار إليه العلامة الألباني في المصدر المشار إليه -آنفاً-، وإنما أخرجته -هاهنا- من أجل الزيادة التي في آخره " ويقاتلون أهل الفتن " وهي زيادة حسنة مليحة -إسناداً ومعنى- على شرط الإمام الألباني -رحمه الله- . و صححه لغيره المعلق على "المطالب العالية " ، و قد أورده الحافظ في كتاب "الفتوح" تحت باب :
" باب بقاء الإسلام إلى أن يأتي أمر الله " و أورد تحته أحاديث الطائفة المنصورة ، ثم أعقبه بها ، و أورده ابن عساكر عند باب :
" باب ما روي في أن أهل الشام مرابطون وأنهم جند الله الغالبون ".
فقه الحديث :
حوى هذا الحديث فوائد عظيمة لو شرحت لطال بها المقام، وقد كنت خرجته منذ فترة - لأجل الزيادة التي فيه-، وأعددته لأنشره في هذا المنتدى؛ لكن حال دونه أمور وشواغل! حتى أذن الله -تعالى- بذلك لمناسبة كانت سبباً في ذلك, وهي طنطنة يرددها معاشر من ( خذلنا أو ناوأنا ) ! زعمًا منهم : أنهم يحذرون من الفتن و نحن نحذر منهم !؟؟ وبالتالي فهم يحذرون من فتننا !؟؟
وبداهة؛ -كما هو معلوم- فإنهم اختلقوا لكل من خالفوه -و لا أقول خالفهم-! لقباً أطلقوه عليه -لاصقا لمسمى الفتنة-فقالوا: فتنة المأربي وفتنة الحلبي وفتنة مشهور وفتنة عرعور وفتنة المغراوي ووو ...، فهذه هي حقيقة الفتنة عندهم!؟على مذهب : رمتني بدائها وانسلت !
-وكأنهم سلموا هم منها- !؟ أو السلامة منها قد ضمنوها و لا يسقط فيها إلا من خالفهم في رأيهم !؟ وهم على ما هو مشهور عنهم من التدليس والتلبيس والكذب والبغي والظلم والعدوان فإنهم لا يستطيعون إثبات ذلك واقعا ؛ لاضطرابهم فيه ! فضلاً على أن يثبتوه شرعا ! فكان هذا الحديث -و ما سيأذكره من مهمات فقهه التي تمس لها الحاجة-التي تقطع كل ما تعودناه - صباح مساء- من اللجاجة ، بإذن الله تعالى.
فأقول : بأن هذا الحديث الصحيح -ولله الحمد- رد على هؤلاء الذين أثاروا الفتن باسم محاربة الفتن !؟ لصراحته في أن الطائفة المنصورة بالشام هي أقوم الجهات محاربة للفتن وأصحابها؛ على مختلف صنوفها وشتى ألوانها , وهو الذي دل عليه سبب ورود الحديث؛ وقول عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي في خطبته -على منبر الكوفة- , " يا أهل الشام : أبشروا ! فإن فلانا أخبرني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : فذكره " .
وفي الآخر قال : " وأنتم منهم " .
وقول أبي الْبَخْتَرِيِّ-وهوالطائي- له :" أَخْطَأَتِ اسْتُكَ الْحُفْرَةَ " ! لا يلتفت إليه؛ لأمرين :
الأول : أنه قد شذ بذلك , ولا نعلم من وافقه في تلك الجموع على مخالفته واعتراضه !
ثم إن اعتراضه -مجمل- لا ندري ما وجهه منه !؟
والثاني : أن الراوي أدرى بمرويه من غيره , ومن علم حجة على من لم يعلم , ثم إن بشارته لأهل الشام -لا لأهل الكوفة- !؟
و الثالث : أنه كان مع ابن الأشعث في خروجه على الحجاج ، و كان من أهل الكوفة ، و كان الحجاج قد أقبل بالجيوش الشامية لقتال أصحاب ابن الأشعث ، و الحديث فيه تأييد للحجاج - في الظاهر- ! و لذلك قال أبو البختري ما قال لأنه لا يؤيد مذهبه ! و إن كانت مقولته ليس فيها اعتراض على أصل الحديث و إنما على فقه ابن الحضرمي لمخالفته رأيه في الخروج ! و هو اعتراض مغلوط !؟
وقد يقال : بأن قوله : " وأنتم منهم " رأي ، وقد يكون رأيا له ؟
فيقال : بأنه -ولئن كان رأياً- فهو فقه مقرون بدليل , وقد سبق في سبب الورود , وهو أدرى بفقه الحديث من غيره -كما سبق- ، فهو رأي قد أدلى بدليله وبرهانه , فليس رأياً مجرداً قاله- بل هو منصوص عليه- , وله شاهدان قويان -جداً - وهما :
الشاهد لأول
الأول : قوله : -صلى الله عليه وسلم- " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " .
أخرجه أبو داود ( 1 / 388 - 389 )، و الحاكم ( 4 / 450 ) ، و أحمد ( 4 / 429 و 437) و غيرهم ، و صححه الحاكم و الذهبي و الألباني كما في " السلسلة الصحيحة " (4 / 602/ 1959) .
فقد جاء تحديد هذه الطائفة المقاتلة على الحق أنها في الشام , كما في حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- الذي أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " (5067 ) قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ». ولذلك لما روى معاوية -رضي الله عنه- قوله : " لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم , حتى يأتي أمر الله و هو ظاهرون على الناس " . أخرجه مسلم ( 6 / 53 ) و أحمد ( 4 / 101 ) ، و زاد " فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال : يا أمير المؤمنين سمعت معاذ بن جبل يقول : "و هم أهل الشام" ، وهذا لم يقله بمجرد الرأي، و لذلك قال معاوية -رضي الله عنه- بعده - و رفع صوته - : هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول : "و هم أهل الشام" , و هو عند البخاري في "الصحيح" (3641 و 7460 ).
وقد فسر الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب والإمام الألباني وغيرهم بأن المراد بأهل الغرب هم أهل الشام .
قال شيخ الإسلام في " المجموع " ( 28 / 289 - 290 ) :
« والنبي -صلى الله عليه وسلم- تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية فغربه ما يغرب عنها وشرقه ما يشرق عنها؛ فإن التشريق والتغريب من الأمور النسبية إذ كل بلد له شرق وغرب، ولهذا إذا قدم الرجل إلى الإسكندرية من الغرب يقولون سافر إلى الشرق، وكان أهل المدينة يسمون أهل الشام أهل الغرب ويسمون أهل نجد والعراق أهل الشرق كما في حديث ابن عمر قال: "قدم رجلان من أهل المشرق فخطبا" وفي رواية "من أهل نجد"،ولهذا قال أحمد بن حنبل: أهل الغرب هم أهل الشام؛ يعني: هم أهل الغرب، كما أن نجدًا والعراق أول الشرق وكل ما يشرق عنها فهو من الشرق وكل ما يغرب عن الشام من مصر وغيرها فهو داخل في الغرب، وفي الصحيحين إن معاذ بن جبل قال في الطائفة المنصورة: "وهم بالشام" فإنها أصل المغرب، وهم فتحوا سائر المغرب كمصر والقيروان والأندلس وغير ذلك » .
وينظر " المجموع " ( 4 / 273 - 275 ) ، وقال ( 4 / 275 ) :
« والنبي -صلى الله عليه وسلم- ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائما إلى آخر الدهر وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة وهذا الوصف ليس لغير الشام من أرض الإسلام فإن الحجاز التي هي أصل الإيمان نقص في آخر الزمان منها العلم والإيمان والنصر والجهاد، وكذلك اليمن والعراق والمشرق .
وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان ومن يقاتل عليه منصورا مؤيدا في كل وقت، فهذا هذا ، والله أعلم » .
قال الإمام الألباني -رحمه الله- في " السلسة الصحيحة " ( 2 / 690 تحت رقم 965): " و اعلم أن المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل الشام لأنهم يقعون في الجهة الغربية الشمالية بالنسبة للمدينة المنورة التي فيها نطق -عليه الصلاة و السلام- بهذا الحديث الشريف ، وإذا عرفت هذا ففي الحديث بشارة عظيمة لمن كان في الشام من أنصار السنة المتمسكين بها والذابين عنها , والصابرين في سبيل الدعوة إليها , نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم , وأن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء صاحبها محمد -صلى الله عليه وسلم- " .
أقول : وليس من شك أن مدرسة الإمام الألباني -رحمه الله- في هذا العصر -وعلى رأسها صاحبها- هي أقوم جهات الطائفة المنصورة قياماً بالحق , ودفاعاً عن السنة , وصدعا بهما، ليس مانعهم من ذلك هيبة مخالف , ولا مداهنة مؤالف , قد شهد لهم بذلك كل منصف من بأقطارها -في مشارق الأرض ومغاربها- .
نقول هذا؛ مطمئنة به نفوسنا , ساكنة إليه قلوبنا، متتبعين أنفاس نبينا -صلى الله عليه وسلم- ، غير ملتفتين لقالات طارت ومقالات سارت مشرقة -غير مشرقة-! وتنادت لذلك بدون برهان ولا بينة .
سارتْ مشرقةً وسرتُ ( مغرباً ) ... شتان بين مشرّقٍ و ( مغرّبٍ ) !
فمن لنا بعد تزكية نبي الجرح والتعديل -صلى الله عليه وسلم- لهم , هل يسمع فيهم جرح معاشر العقلاء !؟
بل؛ فمن لنا بعد تزكية رب العالمين-جل وعلا- لهم وتكفله بهم , كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة؛ جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق، قال ابن حوالة : خر لي يا رسول الله -إن أدركت ذلك-؟ فقال: عليك بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم؛ فإن الله توكل لي بالشام وأهله .
وكان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث التفت إلى ابن عامر فقال : ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه!
والله الذي لا إله إلا هو : لم يأخذنا في هذا عصبية لهم , لا تملقاً بغير حق لهم، و ليس بنا حمية جاهلية تجاههم ، و لا تحالفا -حزبيا مقيتا- معهم ضد غيرهم أو مخالفهم .
و -والله الذي لا إله إلا هو- , لو نطق الوحي بأن الطائفة المنصورة -التي هي ظاهرة بالحق- في بلاد غيرها لقلنا به، بل لو عُلق في أرض غير الأرض التي نعيش فيها لما أبطأنا عن ذلك [1].
يتبع ...

[1] ـ هذا مع علمنا أنها ليست محصورة فيهم كما - لعلي-سأوضحه -إن شاء الله تعالى- فيما بعد .

عاصم عبد القادر 07-07-2014 03:41 AM

بارك الله فيك ..

وبانتظارك .

ابو همام محمد السلفي 07-09-2014 01:44 PM

و ما ذاك؛ إلا لأن كلمات الله تعالى الشرعية و الكونية ستكون في آخر الزمان بالشام ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في " المجموع " ( 27 / 43 - 44) : " وقد دل الكتاب والسنة وما روى عن الأنبياء المتقدمين -عليهم السلام- مع ما علم بالحس والعقل وكشوفات العارفين! أن الخلق والأمر ابتدأ من مكة -أم القرى- فهي أم الخلق، وفيها ابتدأت الرسالة المحمدية التي طبق نورها الأرض، وهى جعلها الله قياما للناس إليها يصلون ويحجون ويقوم بها -ما شاء الله- من مصالح دينهم ودنياهم، فكان الإسلام في الزمان الأول ظهوره بالحجاز أعظم، ودلت الدلائل المذكورة على أن ملك النبوة بالشام والحشر إليها، فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر وهناك يحشر الخلق والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام، وكما أن مكة أفضل من بيت المقدس فأول الأمة خير من آخرها وكما أنه في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام كما أسرى بالنبي-صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فخيار أهل الأرض في آخر الزمان ألزمهم مهاجر إبراهيم -عليه السلام- وهو بالشام، فالأمر مساسه كما هو الموجود والمعلوم " .
و قال -أيضا- ( 27 / 49 ) : " ولا ريب أن ظهور الإسلام وأعوانه فيه بالقلب واليد واللسان أقوى منه في غيره وفيه من ظهور الإيمان وقمع الكفر والنفاق مالا يوجد في غيره ".
و قال -أيضا- ( 27 / 506 - 508 ) و هو يعدد فضائل الشام : " وأيضا ففيها الطور الذي كلم الله عليه موسى والذي أقسم الله به في سورة الطور وفي" التين والزيتون وطور سينين "
وفيها المسجد الأقصى .
وفيها مبعث أنبياء بنى إسرائيل وإليها هجرة إبراهيم وإليها مسرى نبينا ومنها معراجه و بها ملكه وعمود دينه وكتابه وطائفة منصورة من أمته وإليها المحشر والمعاد كما أن من مكة المبدأ فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض والشام إليها يحشر الناس كما في قوله: " لأول الحشر" نبه على الحشر الثاني؛ فمكة مبدأ ، وإيليا معاد في الخلق و-كذلك- في الأمر، فإنه أسري بالرسول من مكة إلى إيليا ، ومبعثه ومخرج دينه من مكة ، وكمال دينه وظهوره وتمامه، حتى مملكة المهدي بالشام ، فمكة هي الأول والشام هي الآخر في الخلق والأمر في الكلمات الكونية والدينية .
ومن ذلك؛ أن بها طائفة منصورة إلى قيام الساعة التي ثبت فيها الحديث في الصحاح من حديث معاوية وغيره : "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة" وفيهما عن معاذ بن جبل قال :" وهم في الشام" ، وفي " تاريخ البخاري" مرفوعا قال :" وهم بدمشق" ، وفي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " لا يزال أهل المغرب ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة " .
قال أحمد بن حنبل: أهل المغرب هم أهل الشام ، وهم كما قال لوجهين :
أحدهما: أن في سائر الحديث بيان أنهم أهل الشام .
الثاني: أن لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل مدينته في أهل المغرب هم أهل الشام ومن يغرب عنهم كما أن لغتهم في أهل المشرق هم أهل نجد والعراق فإن التغريب والتشريق من الأمور النسبية، فكل بلد له غرب قد يكون شرقا لغيره، وله شرق قد يكون غربا لغيره، فالاعتبار في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- بما كان غربا وشرقا له حيث تكلم بهذا الحديث -وهي المدينة- .
ومن علم حساب الأرض كطولها وعرضها علم أن حران والرقة وسيمسياط على سمت مكة وأن الفرات وما على جانبيها بل أكثره على سمت المدينة بينهما في الطول درجتين فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة وما كان شرقيها فهو شرقي المدينة .
فأخبر أن أهل الغرب لا يزالون ظاهرين، وأما أهل الشرق فقد يظهرون تارة ويغلبون أخرى وهكذا هو الواقع فإن جيش الشام ما زال منصورا وكان أهل المدينة يسمون الأوزاعي إمام أهل المغرب ويسمون الثوري شرقيا ومن أهل المشرق " .
ودليل استقرار الكلمات الكونية و الشرعية بالشام نصوص كثيرة من الكتاب و السنة كما نوه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ، من أشهرها قوله -صلى الله عليه وسلم- : " إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام " .وهذا هو الشاهد الثاني –كما سيأتي- .
وقوله -صلى الله عليه وسلم- : " ورأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة قلت: ما تحملون؟ قالوا: نحمل عمود الإسلام أمرنا أن نضعه بالشام، وبينا أنا نائم رأيت كتابا اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تخلى من أهل الأرض! فأتبعت بصري فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام " . و كلاهما صحيح مخرج في " فضائل الشام ودمشق للربعي" للعلامة الألباني .
هذا؛ مع أننا لا نعتقد العصمة في آحاد أفرادها، لا بلسان المقال و لا بلسان الحال، وواقعنا قد أملى عليكم أحاديث ليست بالأكاذيب -بل نقول بأن آحادهم من قد يكون فيه بغي وظلم , قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في " المجموع " ( 4 / 274 ) جامعاً بين قوله -صلى الله عليه وسلم- " لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله " وبين قوله -صلى الله عليه وسلم- : " لعمار " تقتلك الفئة الباغية " . وقد كانت هذه الفئة من الشام، قال : " ومن هو ظاهر فلا يقتضي أن لا يكون فيهم من فيه بغي ومن غيره أولى بالحق منهم بل فيهم هذا وهذا .
وأما قوله "تقتلهم أولى الطائفتين بالحق" فهذا دليل على أن عليا-رضي الله عنه- ومن معه كان أولى بالحق إذ ذاك من الطائفة الأخرى، وإذا كان الشخص أو الطائفة مرجوحا في بعض الأحوال لم يمنع أن يكون قائما بأمر الله وأن يكون ظاهرا بالقيام بأمر الله عن طاعة الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- ، وقد يكون الفعل طاعة وغيره أطوع منه .
وأما كون بعضهم باغيا في بعض الأوقات -مع كون بغيه خطأ مغفورا أو ذنبا مغفورا- فهذا -أيضا- لا يمنع ما شهدت به النصوص؛ وذلك أن النبي-صلى الله عليه وسلم- أخبر عن جملة أهل الشام وعظمتهم ولا ريب أن جملتهم كانوا أرجح في عموم الأحوال ".
وعلى ضوء هذا التأصيل أقول قولاً ليس يخفى إلا على حاقد: بأن الطائفة المنصورة اليوم بالشام- والتي هي مدرسة الإمام الألباني- لم تبغ على مخالفيها الذين حملوا راية الجرح والتجريح! -التي استحلت بها أعراض العلماء والدعاة, بل وفرقت كلمة السلفيين في مشارق الأرض ومغاربها !- وحسبهم في ذلك اجتماعهم في هذه المسائل الكبار- التي كثر فيها النزاع و الأخذ و الرد- مع بقية إخوانهم من هذه الطائفة -من غير بلاد الشام- , وائتلافهم معهم قولاً واحدًا، وكان على رأسهم في أرض الحرمين محدث المدينة النبوية الشيخ العلامة عبد المحسن العباد -حفظه الله-، وسماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , وفضيلة الشيخ الكبير صالح الفوزان , وفضيلة العالم الوزير الشيخ صالح آل الشيخ ، وغيرهم من نجوم الدعوة السلفية الذين عرفوا بها كالشيخ عبد الكريم الخضير , والشيخ صالح السحيمي , والشيخ إبراهيم الرحيلي ,و الشيخ صالح السدلان، والشيخ عبد المالك رمضاني, والشيخ عبد الرزاق البدر والشيخ عبد العزيز الريس , والشيخ خالد العنبري وغيرهم كثير وكثير -مما أعلم و مما لا أعلم-.
وهم؛ وإن ردوا على من خالفهم -ظهوراً بالحق- فلا يتجنون ولا يظلمون، وإن خطئوا لا يسقطون ولا يسفهون -علماً حقاً، وأدباً جماً- لا ينكر ذلك إلا حاقد, ولا يجحده إلا حاسد !
بدليل أنهم قاموا في وجه فتنة -الغلو- في التكفير، و ما ترتب عنها من تخريب و تدمير، ثم إنه ليزال موقفهم الحاسم الجازم تجاه فتنة -الغلو- في التضليل و التبديع، و ما هو مترتب عنها من أثر سلبي ظاهر-لكل منصف- على واقع الأمة و الدين، لم نسمع منهم تسارعا إلى تبديع و لا تهافتا على تكفير، و لا تعطشا لهما في حق مخالفيهم -مع كثرتهم وتكاثرهم- لا في كبير و لا في صغير! اللهم؛ إلا أن يكفروا من كفره الله و رسوله ، و يبدعوا من بدعه الله و رسوله.
فمن رماهم بظلم أو بغي لأجل محاربتهم لهذا النوع من الفتن و قتالهم لأهلها فقد بغى عليه و أجحف ، و تعسف و ما أنصف ! و إلا؛ فبالله عليكم : كيف يكون المبدَّع المكفَّر المهجور هو الظالم الباغي العادي على غيره ؟ و النبي -صلى الله عليه وسلم- برأهم جملة من الكفر و البدعة و أثبت لهم الإيمان و السنة و أنهم المقاتلون لأهل الفتنة .
هذا قول -مجمل- أزيده فأقول :
معاشر العقلاء !
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة " . فهذا كذلك يلتقي مع حديث " لا يزال أهل الغرب .." كما نبه على ذلك -كذلك- العلامة الألباني في " السلسلة الصحيحة "( 6 /ق 2 / 850 تحت رقم : 2857 ) ، وقد أخبر مع ذلك على دوام هذه الطائفة بالشام , وهذا عام يشمل عموم أهل الشام , ويشمل الطائفة المنصورة فيهم , ففساد هذه الطائفة بالشام , فساد للأمة -جميعاً- وقد برأها النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفساد الذي هو مادة الفتن و وقودها، فلئن رمتم إفسادها و تصييرها فتنة بين الناس! فلقد أبعدتم ! و لحديث الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- عارضتم و كذبتم !؟ و للأمة أهلكتم !؟
و ما أمركم إلا كما قال ربنا –تبارك وتعالى- : " لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ " [التوبة : 48 ] ، فابتغاء الفتنة بالطائفة المنصورة بالشام بتصييرها فتنة على الأمة معارضة ظاهرة لخبر النبي-صلى الله عليه وسلم- و أمره الذي برأها من ذلك ، و قلب لحقائق الأمور!؟ لاسيما وظهورها بأمر الله حتم واقع ما له من دافع -شرعا و واقعا- و لو كره المناوئون!
ففي هذا الحديث مع ما سبق تأكيد على أن الفساد و إن طرأ على كثير من أهل الشام فإنه لا تزال منهم طائفة ظاهرة بالحق قوامة بالعدل، لا يضرها من خالفها و لا من ناوأها و لا من كذبها أو خذلها.
وقد بوب له الحافظ ابن عساكر في "تاريخه" : " باب نفي الخير عن أهل الإسلام عند وجود فساد أهل الشام " ، و رواه بلفظ :" إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال " .
فلا يزال الخير و النصر في هذه الأمة ما دامت هذه المدرسة السلفية قائمة بالحق الذي معها ظاهرة به غير مغلوبة عليه ، و إن المريدين لإسقاطها ليريدون إهلاك الأمة و هم لا يشعرون! و سيأتيهم نبأ ما هم عليه يتواصون !
و إلا؛ فبالله عليكم ! أخبرونا من هم رموز الطائفة المنصورة التي أخبر النبي-صلى الله عليه وسلم- ديمومتها بالشام بعدما نسفتم -بظنكم- مدرسة الشيخ الإمام الألباني-رحمه الله-؟! -إمام أهل السنة بلا منازعة ، و رأس طائفة أهل الحديث بدون مماحلة- ؟
ولا إخال أنه يخفى الأثر المحمود للعلامة الإمام الألباني-رحمه الله- على العالم الإسلامي أجمع، سواء في الجانب الديني الدعوي أم في الجانب السياسي الدولي، و لا أظن أن منصفا من نفسه يغمط هذا الحق لطلابه من بعده .
لاسيما؛ و هذه الأحاديث الواردة في حق الطائفة المنصورة عامة من حيث الزمان ، مخصوصة -واقعا- من حيث المكان ؟
والمقصود؛ أن قيام هذه الطائفة بالقتال على الحق، و تبشير النبي -صلى الله عليه وسلم- لها بظهورها -مصابرةً و رباطًا- على غيرها، -سواء من الملل أو النحل-، قاهرين لهم ، دائم لا يقطعه عداء مناوئ، و لا تسقطه شناعة مخالف، و أن هذا التبشير المختصة به إنما هو لعظم بلائها و جهادها فكان تسلية لها، و تثبيتًا لحقها ، و تبكيتا لمخالفها، ألا؛ فليخسأ أهل الفتن !
يتبع ...

ابو همام محمد السلفي 08-20-2014 05:22 PM

]قبل تمام ما أردت إتمامه لابد من التنبيه على أمرين فاتني التنبيه عليهما آنفا ، فأما :
الأول : أن الذي قاله معاذ -رضي الله عنه- صح -ولله الحمد- مرفوعًا إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/2/248)، ويعقوب بن سفيان في " المعرفة " (2/296- 297) بإسناد واحد قالا- والسياق ليعقوب-، ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (1/528) أن أبا هريرة وابن السمط كانا يقولان:لا يزال المسلمون في الأرض حتى تقوم الساعة، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « لا تزالُ من أمَّتي عِصابةٌ قوَّامةٌ على أمْرِ الله عزّ وجلّ، لا يضرُّها من خالفَها؛ تقاتلُ أعداءها، كلما ذهبَ حربٌ نشِبَ حربُ قومٍ آًخرين، يزيغُ اللهُ قلوب قوم ليرزقَهم منه، حتى تأتيهم الساعةُ، كأنّها قطعُ الليلِ المظلمِ، فيفزعونَ لذلك؛حتّى يلبسُوا له أبدانَ الدُّروع، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: همْ أهلُ الشّامِ، ونكَتَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بإصبعِه؛ يومئُ بها إلى الشّامِ حتّى أوجَعها !» .
وصحح إسناده العلامة الإمام الألباني -رحمه الله- في " السلسلة الصحيحة" (3425) و بوب له بقوله " بشرى لأهل الشام المؤمنين " و هذا من دقائق تبويباته .
و الثاني : أن حديث : " إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال " ، ضعيف -بهذا السياق- كما في " تخريج أحاديث فضائل الشام " ( ص 17 رقم 5 ) . و إنما الصحيح بلفظ " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، .." الحديث .
الشاهد الثاني
و هو قوله -صلى الله عليه وسلم- : " ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام " و في لفظ " وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام " ، و في هذا دليل على أن سلامة الشام من الفتن إنما هو بسبب قيام الطائفة المنصورة -بها- بقتال أهل الفتن، و قتل الفتن و وئدها؛ الذي هو حقيقة القتال على أمر الله -جل و علا- و الظهور به، و هو الذي فسره حديث الباب و قول النبي-صلى الله عليه وسلم- " يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " ، فهي صفة كاشفة مقدَّمة تبين حقيقة قتال أهل الفتن ، و قتال فتنتهم التي تتم بها سلامة بلاد الشام من الفتن، و طرحها لأهل الفتن ، و ما ذاك إلا لأن حقيقة الفتنة تأتي من قبل ترك واجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و السكوت على الباطل و مداهنة أهله ، فهذه هي حقيقة مقاتلة هذه الطائفة على أمر الله -عز وجل- بأن لا يكون لأهل الفتن في بلاد الشام صولة و لا لفتنتهم جولة ! و ليس هذا الخير مقصورًا عليها فحسب ؛ بل يتعداه إلى غيرها من بلاد الإسلام ما إذا وجد من يمد لها يد التعاون و القتال، أو يكون صورة عنها في جنس ذلك كما سيأتي -إن شاء الله- الحديث عن ذلك .
وقد جاء في أثر خُرَيْمَ بْنَ فَاتِكٍ الْأَسَدِيَّ قال :" أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ، وَلَنْ يَمُوتُوا إِلَّا هَمًّا أَوْ غَيْظًا أَوْ حُزْنًا"
أخرجه أحمد ( 3 / 498) ،و الفسوي في " المعرفة و التاريخ" ( 2 / 173 ) ،و ابن عساكر في" تاريخ دمشق " ( 1 / 286 ) ، وابن أبي عاصم في " الآحاد و المثاني" ( 2 / 288 / 1048 ) بإسناد صحيح ، و رواه ابن حبان في " الثقات" ( 4 / 10 ) ، و نعيم بن حماد في " الفتن " ( 1 / 235 / 658 )، وابن أبي عاصم في " الآحاد و المثاني" ( 2 / 288 / 1049 ) ،و ابن عساكر في" تاريخ دمشق " ( 1 / 285) من طريق بقية موقوفًا -كذلك- ، وروي مرفوعًا و لا يصح كما في " سلسلة الأحاديث الضعيفة "( 1 / 68 / 13 ) ، و لا يبعد أن يكون مثله مما لا يقال بالرأي، واحتج به شيخ الإسلام -رحمه الله- كما سيأتي .
قال المناوي في "فيض القدير" ( 3 / 86 - 87 ): « يعني هم عذابه الشديد يصبه على من يشاء من العبيد .... في إشعاره إيذان بأن أهل الشام قد رزقوا حظا في سيوفهم ، وشاهده ما رواه الخطيب في "التاريخ" [ ( 1 / 52 )] : "أن عمر كتب إلى كعب الأحبار : اختر لي المنازل فكتب إليه : بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال السخاء: أريد اليمن، فقال حسن الخلق: أنا معك، وقال الجفاء: أريد الحجاز، فقال الفقر: وأنا معك، وقال البأس: أريد الشام، فقال السيف: وأنا معك، وقال العلم: أريد العراق، فقال العقل: وأنا معك، وقال الغنى: أريد مصر، فقال الذل : وأنا معك، فاختر لنفسك" » .
فلا يمكن أن يظهر أهل الفسق والفجور والبدع , على أهل الطاعة والإيمان والعمل الصالح في بلاد الشام ما دامت طائفته المنصورة قائمة بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ساعية في الواجب الذي يتحقق به الإيمان؛ وهو تحقيق العمل الصالح؛ والذي لا يتحقق إلا بإصلاح النفس من جهة، وإصلاح الغير من جهة أخرى ، وهذه هي أمارة النجاة من الفتنة والسلامة من الهلاك كما قال تعالى : " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " [ هود : 117].
فالهلاك الكلي للشام لا يكون لديمومة أهل الإصلاح فيهم , وقد يكونون في جهة دون جهة منها ، وقد يكونون متفرقين في نواحي شتى، ولذلك فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ألا إن الفتن إذا وقعت فالإيمان بالشام " ليس بالضرورة أن يكون في سائر بلاد الشام على حسب الحد الجغرافي لها الذي وقع فيه الخطاب النبوي , فقد يكون الأمان من الفتنة في ناحية منها وقد يكون في ناحيتين , والذي أملاه علينا الواقع -اليوم- أنّ عمّان البلقاء عاصمة الأردنّ التي تحتضن مدرسة إمام أهل الحديث والسنة الإمام الألباني -رحمه الله- هي أسعد نواحي بلاد الشام بالأمن والأمان دون غيرها، و هذا أمر يعلمه القاصي و الداني، و الموالي و الشانئ ، لاسيما وقد صرح بعض أولياء أمور هذه البلاد بأن الإمام الألباني -رحمه الله- كان صِمَام أمان لها.
وهذا الأمان الذي تسعد به بلاد الأردنّ هو الذي سينطلق منه -إن شاء الله تعالى، و بإذنه- عز الإسلام وأهله، وعز أهل السنة وأهلها , وترفع به راية الجهاد في سبيل الله على الوجه الذي يحبه الله تعالى ويرضاه .
وهذا كما كان لهذا الإمام فهو لتلاميذه وأبناءه من بعده، فلما أن أراد بعض أهل الفتن -منها- كغلاة التكفير من جهة ، وجماعة الإخوان المسلمين من جهة؛ من إثارة الفتن و زعزعت الأمن بالمظاهرات والانقلابات وقفت في وجههم هذه المدرسة؛ حتى خمدت فتنتهم وطفئت نارهم ، مصداقاً لقول ربنا -تبارك وتعالى- : " كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ " [المائدة : 64 ] . و قوله -صلى الله عليه وسلم- : " تقاتل أعداء الله كلما ذهبت حرب نشبت حرب قوم آخرين " .
ومصداقاً للخبر -السابق- : " وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ " .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مدرسة الإمام الألباني -رحمه الله- هي الطائفة المنصورة التي بشر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، والظاهرة على غيرها لقتالها أهل الفتن ،
وهذا الأمن والأمان الذي تنعم به بلاد الأردنّ أو عمّان -البلقاء-هو الذي سيكون منه -إن شاء الله تعالى- سناء هذه الأمة، وسينطلق منه عز الإسلام وأهله، وعز أهل السنة وأهلها، وترفع به راية الجهاد في سبيل الله على الوجه الذي يحبه الله تعالى ويرضاه ، وهو الذي سيكون منه مدد تحرير دمشق الشام وتطهير فلسطين والقضاء على شر فتنة على وجه الأرض؛ ألا وهي فتنة المسيح الدجال وجيوشه من اليهود والرافضة والخوارج ، كما جاءت بذلك التباشير النبوية .
وما ذاك؛ إلا لأن الجهاد في سبيل الله لا يمكن انطلاقه الانطلاق المحمود المتفائل له بالنصر ، المرجو منه السناء إلا من أرض آمنة تمكن له تحقيق عدته و توفير شروطه المقومة لنهوضه النهوض الذي يحقق غرضه و هدفه، لاسيما تحقيق العدتين؛ الإيمانية و المادية ، فهو -ابتداء- فتح يفتح الله تعالى به على من جاهد بالقرآن والسنة، و لمن علم الله تعالى منه الصدق في النية، ودون ذلك فبابه -الذي هو بابه- مقفل في وجه الأمة ! فجهاد القلم واللسان مقدم على جهاد السيف والسنان؛ فهو لبنة أساس له، ومنطقه الذي ينطق به وبصره الذي يبصر به .
ولذلك؛ فإن من شم أنفه رائحة فقه الجهاد الشرعي علم أنه قائم على جهاد القلم واللسان، والسنة والقرآن، وأنه لولا هذا الجهاد لما راح جهاد السنان وما جاء !
يتبع ...
[/font][/size]

ابو همام محمد السلفي 08-20-2014 05:48 PM

بعض التعليقات التي لم أتمكن من إضافتها للمقال :
1 ـ قلت عند قولي " و ما ذاك إلا لأن حقيقة الفتنة تأتي من قبل ترك واجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و السكوت على الباطل و مداهنة أهله " :
مع التنبيه أن القيام بهذا الواجب يكون وفق شروطه المعتبرة ، و ضوابطه المقررة ، و إلا ؛ فالإخلال بشيء من ذلك سواء من حيث التصور أو التطبيق من أسباب الفتن ، و أصحابه من أهل الفتن !
2 ـ قلت عند أثر كعب الأحبار الذي رواه الخطيب :
و من طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق" ( 1 / 353 ) ، و رواه -كذلك- ( 1 / 352 – 353 ) من طريق يزيد بن هارون عن سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن سليمان بن يسار و قال : وفي إسنادي حكاية يزيد بن هارون عن سفيان وفي التي تليهما أيضا غير واحد من المجاهيل وحكاية ابن عائشة منقطعة فلا يحتج بشيء من ذلك، و قد أورده تحت باب " ذكر ما ورد في ذم أهل الشام وبيان بطلانه" مع أن الوارد في أهل الشام لا يقتضي ذمهم به ؛ بل المدح ،كما ألمح إليه المناوي -رحمه الله- .

ابو همام محمد السلفي 08-23-2014 12:40 PM

ولذلك , كانت الطائفة المنصورة بالشام, أقوم الجهات قياماً به -وهو الذي دل عليه لفظ ( القتال )-و كانت أسعد الناس به ، ذلكم؛ أنها هي التي ستقاتل المسيح الدجال وجيوشه من الخوارج و اليهود كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ".
وبانضمام الحديث الآخر له يكون المعنى "لا تزال طائفة من أهل الغرب ظاهرين حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " .
ومعلوم أن قتال المسيح الدجال -المذكور في هذا الحديث- أي: هو قتاله بالسيف والسنان على ظاهر الحديث، لكن مقتضاه ولازمه يدل على أن هناك قتالاً معنوياً يكون بين يديه , وهو قتال القلم واللسان، وهو داخلفي عموم معنى هذا الحديث، وما مقاتله الطائفة المنصورة على مر التاريخ -لاسيما الشامية- لأهل الفتن إلا قتال لفتنته ، لاسيما وقد صح عن النبي -صلى الله عليهوسلم- قوله : " وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا -صغيرة ولا كبيرة- إلا لفتنة الدجال" [1]وما فتن العصر الحاضر إلا من فتنته، أو استحرار القتل في هذه الأمة إلا أكبر إرهاصة على موعد خروجه !
وأعظم قتال له على وجه التاريخ هو قتال الأنبياء والرسل له- عليهم الصلاة و السلام-لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " ما من نبي إلا حذر أمته المسيح الدجال" [2]كما أن أعظم قتال له كان قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- له وأصحابه معه، ثم لأمته من بعده . فقد حذر أمته منه ما لم يحذر مثله نبي من الأنبياء ، و وصفه لهمما لم يصفه أحد قبله ، وما ذاك إلا لأنه خارج في هذه الأمة لا محالة [3],ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أرأف وأرحم نبي لقومه وأحرص ما يكون عليهم كما قال تعالى : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"[ التوبة : 128] ، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: " ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه" ، و لذلك كان أبو ذر -رضي الله عنه- يقول :" لقد تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يتقلب في السماء طير إلا ذكرنا منه علماً ".
ومن شدة قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسيح الدجال وتحذير أمته منه قال بعض الصحابة : " حتى ظنناه في طائفة من النخل " و حتى قال :" إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا" .
ولذلك قد بلغت أحاديثه مبلغ التواتر كما صرح بذلك غير واحد من أهل العلم , وستأتي كلمة متسعة لهذا المعنى عند الحديث عن قتال الطائفة الشامية لفتنة الخوارج ، وبراءتها من الخروج والتكفير ، والإرجاء والتقصير .
و قد وجدت لما ذكرت شاهدًا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقرر هذا المعنى حيث قال في " بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة" ( ص 483 ) :
«والدجال ينزل الله إليه عيسى بن مريم فيقتله فيقتل مسيح الهدى -الذي قيل أنه الله!-مسيح الضلالة -الذي يزعم أنه الله!-، ولما كانت دعواه الربوبية ممتنعة في نفسها لم يكن ما معه من الخوارق حجة لصدقه؛ بل كانت محنة وفتنة يضل الله بها من يشاء ويهدي من يشاء كالعجل وغيره، لكنه أعظم فتنة، وفتنته لا تختص بالموجودين في زمانه بل حقيقة فتنته الباطل المخالف للشريعة المقرون بالخوارق، فمن أقر بما يخالف الشريعة لخارق فقد أصابه نوع من هذه الفتنة، وهذا كثير في كل زمان ومكان، لكن هذا المعين فتنة أعظم الفتن،فإذا عصم الله عبده منها -سواء أدركه أو لم يدركه- كان معصوما مما هو دون هذه الفتنة، فكثير يدعون أو يدعى لهم الإلهية بنوع من الخوارق دون هذه ، وآخرون يدعون النبوة، وآخرون يدعون الولاية أو المهدية أو ختم الولاية أو الرسالة أو المشيخة ! وقد رأيت من هؤلاء طوائف » .
و قال بغية المرتاد "( ص 514 ) :
« وقد ثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه أمر أصحابه بهذا التعوذ خارج الصلاة -أيضا-، وقد جاء مطلقا ومقيدا في الصلاة، ومعلوم أن ما ذكر معه من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات أمر به كل مصل إذ هذه الفتن مجرية على كل أحد ولا نجاة إلا بالنجاة منها فدل على أن فتنة الدجال كذلك ولو لم تصب فتنته إلا مجرد الذين يدركونه لم يؤمر بذلك كل الخلق مع العلم بأن جماهير العباد لا يدركونه ولايدركه إلا أقل القليل من الناس المأمورين بهذا الدعاء، وهكذا إنذار الأنبياء إياه أممهم حتى أنذر نوح قومه، يقتضي تخويف عموم فتنته وإن تأخر وجود شخصه حتى يقتله المسيح بن مريم -عليه السلام-» .
والمقصود ؛ أن الطائفة المنصورة أينما وجدت في ناحية من نواحي الشام كان أهل الفتن في تلك الناحية مقهورين مذلولين قد كتبت عليهم الذلة والصغار ؛ لقتال أنصار السنة لهم ، كما دل عليه الأثر السابق،ولذلك قال شيخ الإسلام كما في " المجموع" ( 27 / 269 ) : « ومن ذلك أن منافقيها لا يغلبوا أمر مؤمنيها ،كما رواه أحمد في"المسند" في حديث وبهذا استدللت لقوم من قضاة القضاة وغيرهم في فتن قام فيها علينا قوم من أهل الفجور والبدع الموصوفين بخصال المنافقين لما خوفونا منهم فأخبرتهم بهذا الحديث، وأن منافقينا لايغلبوا مؤمنينا » .
ومن تمام صغار أهل الأهواء والبدع والفتن في الشام حيث وجدت الطائفة المنصورة وجد جهادها : خروجهم منها إلى العراق -التي هي منبع الشر والفتن- كما قال-صلى الله عليه وسلم-: " بها الزلازل و الفتن ، وفيها يطلع قرن الشيطان "[4] .
ودليل خروج أهل الفتن إليها . ما رواه أحمد في " لمسند" ( 5 / 249 ) و غيره عن أبيأمامة -رضي الله عنه- قال: " لا تقوم الساعة حتى يتحول أشرار الناس إلى العراق، وخيار أهل العراق إلى الشام " .و في إسناده ضعف ، لكن له شواهد يتقوى بها ، تراها مخرجة في كتاب شيخنا أبي عبيدة " العراق " ( ص 241 و ما بعد / التهذيب ).
وانتقال أهل الأمن والأمان والصلاح من العراق إلى الشام ؛ إنما يكون حيث يكون الأمن والأمان، والأمن والأمان بالشام يكون حيث وجود الطائفة المنصورة التي تحقق ذلك كما هو معلوم - بداهة- .
ونزول أهل الأمن والأمان بالشام يستوجب على الشام حفظهم ورعايتهم؛ لأنهم المصدر الرئيس في قوتها حيث تكثر الفتن وتتجمع عليهم الأمم ،كما بدت ظاهرة في قضيتي فلسطين -قديماً- ، ودمشق الشام -حديثاً-، و ستشتد مع مرور الزمان ، كما قد بدت-مما أعلمه- معالم انتقال خيار أهل العراق إلى الشام -وبالضبط إلى عمّان- .
وهذا الاهتمام الإلهي، ثم النبوي بالشام وأهله -لاسيما آخر الزمان- يستوجب على كل صادق الاهتمام به والعناية به-كما سيأتي الحديث عن ذلك في كلمة خاصة -إن شاء الله تعالى- .
وهذا استطراد تقديمي بين يدي فوائد حديث الباب وشاهديه - التي أردتها- سال بها القلم عقب شاهديه المذكورين، وجملة المراد من الشاهدين أمران :
الأول :ثبات القتال الشرعي لأهل الغرب ؛ مما يدل على أن فقه ابن الحضرمي إنما هو مقرون بدليل غيبي لا على رأي اجتهادي .
بل إني أقول -ها هنا- بأن حديث الطائفة المنصورة وحده كفيل بالتدليل على أن قتالها إنما هو لأهل الفتن فقوله -صلى الله عليه وسلم-: : " يقاتلون على أمر الله " ، و أمر الله: شرعه ، و هو الإسلام الحق المصفى الذي هو عمود الإسلام الذي انطلق نوره من مكة والمدينة وعمد به إلى الشام ،وأضاءت منه قصوره ، وليست الفتن -التي هي الأهواء والبدع- من أمر الله ، فكل ما هو غير ( أمر الله ) فهو من الفتن .
فإن الحديث قد دل بظاهره على أن قتال هذه الطائفة إنما هو لأهل الفتن من أهل الأهواء والبدع , سواء في الداخل أم الخارج، لتحفظ ( أمر الله تعالى ) وشرعه ، فكأنه -صلى الله عليه وسلم-قال : "يقاتلون على أمر الله أهل الفتن " ، وبداهة المعنى المراد ( قتالهم ) محذوف,فهو كما أنه لغة فصيحة فهو كذلك من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-. ولذلك ؛ كانالأمر :
الثاني :إنما هو تحصيل حاصل، وتقرير لذلك، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: : " ألا وإن الفتن إذا وقعت , فالإيمان بالشام لا تزال ... " فالحديث ظاهر على سلامة العصابة الشامية من الفتن،ولازم سلامتها أن تكون مقاتلة لها أينما كانت، ووجه الاستشهاد والاستدلال ظاهر جداً ،لا يكاد يخفى على فهم سليم ، و الله أعلم .
يتبع ...

[1] ـ أخرجه أحمد (5/389) ، وابن حبان(1897) من حديث حذيفة ابن اليمان -رضي الله عنه- بإسناده صحيح كما قال العلامة الإمام الألباني -رحمه الله- في " قصة المسيح الدجال" ( ص 51 ) .

[2] ـ رواه جمع من الصحابة ،و هو مخرج في " قصة المسيح الدجال" ( ص 60 – 65 ) .

[3] ـ و قد ورد في ذلك أحاديث ، تنظر في " قصة المسيح الدجال" .

[4] ـ ينظر " السلسلة الصحيحة "(5 / 302 / 2246 ) .

عمربن محمد بدير 08-24-2014 01:22 AM

أحسنت
وبوركت

ابو همام محمد السلفي 08-24-2014 03:15 PM

]و فيك بارك الله أخي الفاضل
و شكرا على مرورك .

ابو همام محمد السلفي 09-25-2014 04:56 PM

بشرى لأهل الشام المقاتلين أهل الفتن في آخر الزمان 5
وفي جملة ما سبق من الأحاديث فوائد كثيرة من الحري ذكرها و التنبيه عليها تعميمًا للفائدة، و إتمامًا للخير ، ومنها :
1 - أن قيام هذه الطائفة بواجب قتال أهل الفتن؛ سواء قتال القلم واللسان أم قتال السيف والسنان فيه دليل على حملها لسيف الجرح والتعديل , وقيامها به إذ لا يتصور مقاتلتها أهل الفتن إلا بالطعن فيهم والإجهاز عليهم ؛ هذا هو مقتضى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والتحذير من أهل الفتن .
وتقلدها لسيف الجرح والتعديل ورفعها لرايته إنما كان بطريق النص لا بطريق الاجتهاد , كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- " يقاتلون على أمر الله " وقوله : " يقاتلون أهل الفتن " وهذا كما أنه من أعظم المناقب كذلك فإنه من أعظم المهام . فكلمات الله تعالى الشرعية اقتضت أن يكونوا حاملي راية الجرح والتعديل في سائر الأمصار , فهو أمر دائم فيهم , من الظهور والنصرة , وأكمل ما يكون في آخر الزمان -الذي لا نشك بأننا نحن أبناؤه- , لا سيما عند اشتداد الفتن , وارتفاع المحن ، فهذا من لوازم ظهورهم وانتصارهم على غيرهم؛ سواء من الداخل أم الخارج , إذ لا يمكن الظهور والانتصار إلا بقتال ولا يتصور القتال إلا بسلاح وهو تسليط قواعد وأصول الجرح والتعديل على المخالفين و إعمالها فيهم بعدل ورحمة , وهذا ما يدل عليه -أيضاً- الخبر السابق , " أهل الشام سوط الله في الأرض " فسوط الله هو ألسنة هذا العلم المشروع و المصلت على المخالفين من أهل الفتن في الأرض , فهو هبة ربانية لهم ، و منحة إلهية تختصهم ، وهم ثابتون على أمر الله -عز وجل- يدافعون عنه ويقاتلون كل من خالفه من أهل البدع والفجور والفتن ، ولئن طغوا عليهم فلا يضرهم ذلك، أو خذلهم من خذلهم؛ فلا التفات منهم لذيالك -إلى قيام الساعة-, وتمكن الخلافة الراشدة بأرض الشام .
وبقاء هذا العلم فيهم ماضٍ مستمر منذ نطقت شفتا نبي الجرح والتعديل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذه الأحاديث , ولذلك فإن أهل العلم على مر التاريخ يحتجون بهذه الأحاديث على أهل الفتن , سواء كانوا من أهل الشام أم من غيرهم ، ومن ذلك ما سبق عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقبله الصحابي الجليل معاوية -رضي الله عنه- .
فهذه الأحاديث حجة في مواطن الاختلاف بالجملة , سواء كان المخالف من أهل البدع أم كان حتى من أهل السنة وأبناء الطائف المنصورة ..
بل إن هذه الأحاديث سواء في حصر الطائفة المنصورة بالشام أم في غيرها , ما سيقت إلا لأجل حسم النزاع والاختلاف في الأمة ؛ لما كان أمر الاختلاف لازمًا لها ؛ كما قال تعالى : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" [ هود : 118 - 119] ، ولا شك أن الطائفة المنصورة من جملة من رحم الله ؛ ذلكم وأن الاختلاف وإن كان ولا بد لازمها ؛ إلا أنها مرحومة بتحاكمها إلى الكتاب والسنة ؛ و إناطة خلافها إلى نصوص الوحي المعصومة , فمنها تصدر ومنها ترد , وعليها تعتمد . هذا شأن كل من كان مستمسكًا بالحق مدافعًا عنه ، و لذلك قال الإمام ابن المبارك في تفسير هذه الآية : ( أهل الحقّ ، ليس فيهم اختلاف) [1]. يعني الاختلاف الذي يضر كما قال الامام الحسن البصري : ( أما أهل رحمة الله ؛ فإنهم لا يختلفون اختلافًا يضرُّهم ) [2]. و هذه هي حقيقة الجماعة التي عناها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث الافتراق المشهور، و لذلك كان الإمام قتادة يقول : ( أهل رحمة الله: أهل جماعة ؛ وإن تفرقت دورهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة ؛ وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم ) [3].
ولما كانت هذه الطائفة لا يمكنها أن تسلم في بعض الأحايين من شيء من النزاع , فإنه قد جاء حسمه بحصر الطائفة المنصورة بالشام ؛ وهو حصر تمييزي لا حصرٌ قصري ؛ بحيث تنتفي الطائفة المنصورة في غير الشام ؛ فهذا باطل ! ولو كان ذلك لما قامت حجة الله تعالى على خلقه , فهذا فيه دليل على أنه لا يمكن خلو الأرض من قائم لله بحجة , وهذا أمر تقريره من بدهيات الأمور ، وضرورية علمه تغني عن تقريره .
ولذلك؛ فإنه قد جاء تفسير حديث الطائفة المنصورة , بأنهم أهل الحديث والأثر على لسان غير واحد من أئمة أهل السنة [4], وكل هؤلاء من أهل الحديث يطلق عليهم أئمة الجرح والتعديل ؛ بالمعنى العام الشرعي لا بالمعنى الاصطلاحي؛ إذ كانوا جميعهم يذب عن حياض الإسلام والسنة , ويقاتل عنها , و لا يكون ذلك إلا بجرح كل من خالف أمر الله تعالى وتعديل كل من وافق أمره -سبحانه- , إذ كان هذا لا يختص به أئمة الجرح والتعديل بالمعنى الاصطلاحي؛ فتفسير عصابة الطائفة المنصورة , بأنهم أهل الحديث , يدخل فيهم كما هو معلوم -بداهة- علماء الجرح والتعديل المختصين بنقد الرواة في عصر الرواية وغيره، ويدخل فيهم من لم يكن متخصصاً بذلك - ممن يذب عن السنة ويطرح البدعة وأهل البدعة , وهذا معلوم بالاتفاق , وبدليل أن نقد أهل البدع ومقالات أهل الأهواء , ليس مختصاً بعلماء الجرح والتعديل , وإنما هو لعامة علماء أهل السنة والجماعة أو أهل الحديث والسنة .
فهذه هي حقيقة علم الجرح والتعديل بمعناه الشرعي الكامل وأنه ليس بمنحصرٍ في علم الجرح والتعديل بمعناه الاصطلاحي , ففرق بين الإطلاق الشرعي الذي جاءت به النصوص الشرعية , وبين الإطلاق الاصطلاحي الذي اصطلح عليه بين أئمة أهل الحديث في زمن الرواية .
لذلك ؛ كان سادة هذا العلم بعد الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة و السلام- هم أصحاب النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؛ كأبي بكر , و عمر , و عثمان , و علي و غيرهم ؛ ممن ذب عن دين الإسلام , وعن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ؛ وبدليل أن مسألة نقد الرواة لأجل الحفظ والضبط في العصور المتأخرة لم تكن على مثل ما كانت عليه -تماماً- في عصر الرواية , وذلك لاستقرار حفظ الرواة في بطون الكتب وأمهات التصانيف .
و على ذلك ؛ فإن علم الجرح والتعديل بمعناه الشرعي أوسع بكثير من علم الجرح والتعديل بمعناه الاصطلاحي ، فهذا الأخير إنما هو جزء من معناه العام ، و نبالة الإمام في هذا الأخير لا يعني أنه أنبل ممن قام بشقه الآخر -من الفقه و الاستنباط ونقد المتون و النظر في المقاصد و المحافظة على الموارد- وأفضل منه , بل لعل العكس هو الأقرب للصواب , ذلكم ؛ أن علماء أهل الحديث و السنة قسمان كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه " الوابل الصيب " ( ص 62 - ط . دار العقيدة ) :
" ( قسم حفاظ ) ؛ معتنون بالضبط والحفظ والأداء كما سمعوا ، ولا يستنبطون ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه .
وقسم معتنون بالاستنباط واستخراج الأحكام من النصوص و التفقه فيها .
فالأول : كأبي زرعة وأبي حاتم وابن وارة ، وقبلهم كبُندار ومحمد بن بشار وعمرو الناقد وعبد الرزاق ، وقبلهم كمحمد بن جعفر -غُندر- وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم من أهل الحفظ والاتقان والضبط لما سمعوه من غير استنباط وتصرف واستخراج الأحكام من ألفاظ النصوص .
( والقسم الثاني ): كمالك والشافعي والأوزاعي وإسحق والإمام أحمد بن حنبل والبخاري وأبي داود ومحمد بن نصر المروزي ـ وأمثالهم ممن جمع الاستنباط والفقه إلى الرواية ـ فهاتان الطائفتان هما أسعد الخلق بما بعث الله تعالى به رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم الذين قبلوه ورفعوا به رأسا "اهـ.
ولا شك أن الطائفة الثانية أفضل من الطائفة الأولى لضمها على الطائفة الأولى علم الدراية؛ وهو علم الفقه والاستنباط [5]، وهناك طائفة ثالثة؛ وهي طائفة الأشقياء الذين لا رواية لهم ولا دراية ولا رعاية , وهؤلاء الطبقات الثلاثة هم الذين ورد ذكرهم في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ.... الحديث "[6].
قال ابن القيم : ( ص 62 ) :
" فالطبقة الأولى : أهل رواية ودراية [7].
والطبقة الثانية : أهل رواية ورعاية ، ولهم نصيب من الدراية بل حظهم من الرواية أوفر .
والطبقة الثالثة : الأشقياء لا رواية ولا دراية ولا رعاية . " إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا " [ الفرقان : 44 ] " .
وتكلم -رحمه الله- عن هاتين الطبقتين ؛ فقال : ( ص 6 - 61 ) :
" فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس بالنسبة إلى الهدى والعلم ثلاث طبقات :
( الطبقة الأولى ) : ورثة الرسل وخلفاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وهم الذين قاموا بالدين علمًا وعملًا ودعوةً إلى الله عز و جل ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهؤلاء أتباع الرسل -صلوات الله عليهم وسلامه- حقًا ؛ وهم بمنزلة الطائفة الطيبة من الأرض التي زكَت فقبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير فزكَت في نفسها وزكا الناس بها وهؤلاء هم الذين جمعوا بين البصيرة في الدين والقوة على الدعوة ولذلك كانوا ورثة الأنبياء -صلى الله عليهم وسلم- الذين قال تعالى فيهم: " وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ " [ ص : 45 ] أي: البصائر في دين الله -عز و جل-؛ فبالبصائر يُدرك الحق ويُعرف، وبالقوى يُتمكن من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه .
فهذه الطبقة كان لها قوة الحفظ والفهم في الدين والبصر بالتأويل ففجرت من النصوص أنهار العلوم واستنبطت منها كنوزها ورزقت فيها فهمًا خاصًا كما قال أمير المؤمنين على ابن أبي طالب -رضي الله عنه- وقد سئل : هل خصكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشيءٍ دون الناس ؟ فقال : " لا ؛ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ؛ إلا فهما يؤتيه الله عبدًا في كتابه "[8].
فهذا الفهم ؛ هو بمنزلة الكلأ والعشب الكثير الذي أنبتته الأرض ، وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن :
( الطبقة الثانية ) : فإنها حفظت النصوص وكان همها حفظها وضبطها فوردها الناس وتلقوها منهم فاستنبطوا منها واستخرجوا كنوزها واتجروا فيها وبذروها في أرض قابلة للزرع والنبات ووردها كل بحسبه " قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ "[ البقرة : 60] ، وهؤلاء هم الذين قال فيهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " نضَّر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "[9].
و لذلك ؛ كان الأئمة الكبار الألباني وابن باز وابن عثيمين و الهلالي والوادعي والعباد وغيرهم داخلون في زمرة أئمة الجرح والتعديل بمفهومه العام ؛ وإن لم يطلق عليهم ما اصطلح من المعنى الخاص. بل هم أفضل من غيرهم ممن أطلق عليه المعنى الاصطلاحي لكونهم جمعوا بإزاء نقد أهل البدع والباطل والمنكر ؛ الفقه في الدين والاستنباط ومعرفة الأحكام , والقيام بواجب الدعوة فيما تحتاجه الأمة والثبات في النوازل التي نزلت بالأمة , وتصريفهم لها إلى أفضل خير يعلمونه لها , واجتمعت عليهم الأمة , واعترف كثير ممن خالفهم بفضلهم بخلاف من قيل بأنه من أهل الجرح والتعديل -بالمفهوم الخاص-![10] وهذا معلوم بالاتفاق ، لا يخالف فيه إلا أهل الشقاق !
ولذلك ؛ لما كان الإمام الألباني -رحمه الله- أحد أئمة الجرح والتعديل في هذا العصر ورأس الطائفة المنصورة في هذا العصر -الشامية أو غيرها- و لما كان قد تملى علماً وفقهاً و دعوةً ودفاعاً عن الإسلام والسنة ؛ كان هو الذي قلد الشيخ ربيعاً -سدده الله ؛وختم له بالحسنى- وسام ( حامل الجرح والتعديل ) -لما كان سوطه موجهاً لأهل الأهواء والبدع لا لأهل السنة-! ولو لم يكن الشيخ الألباني إماماً في هذا الفن لما صح له إعطاء هذا الوسام ؛ إذ كان فاقد الشيء لا يعطيه ، ولولا شهادة الإمام الألباني-و بتأييد تلامذته له- للشيخ ربيع بهذه الشهادة -في وقتها- لما راح الشيخ ربيع وما جاء !
فعاد الأمر إلى الطائفة المنصورة بالشام , وأنهم هم حاملو راية الجرح والتعديل بحق وبعدل , و المقَلَّد لها شرعًا هو من له الحق بأن يقلد القلادة الاصطلاحية ، والذي قلدهم هذه الراية الشرعية هو نبي الجرح والتعديل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو تقليد وحيّ لا تقليد بشري اجتهادي ؛ قد يصيب وقد يخطئ , وهو المستفاد من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " يقاتلون على أمر الله " " ويقاتلون أهل الفتن " ، وأثر " سوط الله في الأرض ينتقم بهم ممن يشاء من عباده " ، فهذه هي حقيقة علم الجرح والتعديل الشرعي النافذ ، وتقليد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للطائفة الشامية إياه ، فمن قدم القلادة الاصطلاحية على القلادة الشرعية فقد تقدم بين يدي الله و رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
لذلك ؛ فلا بد من التفرقة بين من شهد له الوحي بحمل الراية وهي الراية الشرعية , وبين من شهد له العالم بحمل الراية عن رأي له -وهي الراية الاصطلاحية- , وأنى للشهادة البشرية أن تقارن بالشهادة الإلهية الوحيية , فضلاً على أن تقارعها !
وهذا الأخير ؛ يدل بدوره على براءة مدرسة الإمام الألباني من الجرح المسقط , وهذا لتعديل نبي الجرح والتعديل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها وتزكيته إياها ، وهذا بإخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببقاء طائفة منصورة بالشام تقاتل على أمر الله وتذب عن دينه و وحيه، وشهادات الواقع أدلت بأنه لا يعرف بالشام اليوم طائفة أقرب إلى مراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقصده من مدرسة الشيخ الألباني -رحمه الله- وهذا قد يحكم به ذوو الإنصاف من كل مصر .
ولذلك ؛ فكل من رام اسقاطها جملة فقه رام محالاً وعارض ظواهر النصوص الشرعية الثابتة في دوام الطائفة المنصورة بالشام ، مع ما اكتنفها من شهادات أهل العلم والإيمان من أن مدرسة الشيخ الإمام الألباني هي أولى الطوائف قيامًا بالحق وبالعدل في الشام ، وأدناها بمراد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و مقصوده .
وعليه ؛ فإن هذا المعارض الجارح لها ! جارح للنصوص من جهة وجارح للشخوص -بغير حق-من جهة أخرى؛ إذ كان معارضاً للأدلة الثابتة من جهة , ومعارضاً للأئمة من حيث فقههم لها من جهة أخرى , فكان الأحق بالجرح المسقط وأولى الناس به ؛ مع انتباهي الشديد بأني لا أتكلم على أعيان أشخاص وإنما أتكلم على المناهج بالعموميات , ولا أتكلم بالظنيات وإنما أتكلم بالمسلمات واليقينيات , وهذا واضح .
وإذا كانت الطائفة المنصورة بالشام عدلها الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبرأها من الجرح ، وأخبر بأنها قائمة بالحق وبالعدل وظاهرة به على غيرها؛ اقتضى ذلك أن سياطها أو حُسامها الذي به تقوِّم غيرها -تجريحاً أو تعديلاً- قائماً كذلك على الحق من جهة وعلى العدل من جهة أخرى ، ولولا ذلك لما أثنى عليها نبي الجرح والتعديل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخبر ببقائها و استمرارها إلى أن يقاتل آخرها المسيح الدجال .
بل إن اعتدالها في مسائل الجرح والتعديل والحكم على المقالات والرجال والطوائف بالعدل والقسط ، بعد تحري الصواب والحق هو الذي ضمن لها دوام البقاء على الجادة والاستمرارية بالظهور عبر مرور الزمان , سواء في الشام أم في غيره .
فالاعتدال والوسطية هما شعار الصمود والظهور , كما أن الإفراط أو التفريط هما شعار الانحطاط والسقوط .
واعتدال هذه الطائفة بالشام في مسائل الجرح التعديل -وهي من الأحكام الفرعية- , دليل على اعتدالها في الأحكام العملية التكليفية , وهو بذاته دليل على اعتدالها في المسائل العقدية الغيبية السمعية ,وأنه لولا كمال الإيمان الواجب الذي وفقت له لما حظيت بكماله في الأحكام العلمية أو الأحكام القضائية . هذا مقتضى ما تدل عليه دلائل الخطاب من قوله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( قوامة بالحق ) أو ( قائمة بأمر الله ) أو ( تقاتل أعداء الله ) أو ( يقاتلون على الحق ) .
و ما ذاك ؛ إلا لأن سلامة الفروع دليل على سلامة الأصول ،إذ يستحيل أن تكون الفروع يانعة طيبة ثمارها و أصلها الذي يمدها بذلك فاسد خبيث ، كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « ألاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ؛ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ ». " [11]. فكمال الإيمان الواجب و المستحب لا يمكن تحققهما إلا إذا تحقق أصل الإيمان ، بل لا يتصوران إلا بتحققه و وجوده .
و شهادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للطائفة الشامية بالأمن -كما جاء في بعض الروايات- ، و بالإيمان المطلق -بالجملة- عند حلول الفتن ؛ دليل على تحقيقها أصل الإيمان و كماله -واجبه أو مستحبه- سواء ذلك في الأقوال أم في الأعمال ،لاسيما العصابة التي تكون مع نبي الله عيسى -عليه السلام- و المهدي الذي بشر به النبي -عليه الصلاة و السلام- كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِى أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنَ النَّارِ عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ ، وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- » [12] .
و لا شك أن مسائل الجرح و التعديل من مسائل الأحكام الاجتهادية [13]باتفاق الأمة [14]، و هي بذاتها من مسمى الإيمان ؛ إما من الأقوال -وهو الغالب- ، و إما من الأعمال -و هو قليل- [15]، وإثبات نبي الجرح والتعديل الإيمان للطائفة المنصورة بالشام وتأكيده لها دليل على اعتدالها في أحكام الجرح والتعديل ؛ إذ لا يمكن أن يثنى عليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتحقيق الإيمان وهم على غير اعتدال في هذه المسائل والأحكام .
وهذه المسائل التي هي من الأحكام ؛ إنما هي داخلة في كمال الإيمان الواجب ، فليست هي من أصول الإيمان ولا هي من كماله المستحب .
وثناء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها بالإيمان المطلق يدل على تحقيقها لأصل الإيمان من جهة ولتحقيقها كماله الواجب من جهة أخرى . ولا يتصور تحقق الكمال الواجب والمستحب إلا إذا تحقق أصله الذي هو مدد لهما ، وصح أساسه الذي هو موردٌ لهما ؛ هذا من جهة .
ومن جهة أخرى , فإن ثناء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على العصابة الشامية بإثبات الإيمان لها إنما هو ثناء على الغاية , فتحقق الإيمان غاية شرعية واجبة بالطلب , وهي حكمة الخلق ، بينما أحكام الجرح والتعديل إنما هي داخلة في جملة الوسائل الواجبة لحماية الشريعة، وإنما وجبت بوجوب حفظ الشريعة . وثناء نبي الجرح والتعديل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على العصابة الشامية بتحقيق غاية الإيمان يقتضي بالضرورة تحقيقهم لوسيلته ؛ فسلامة الوسيلة من سلامة الغاية كما أن سلامة الغاية لا يمكن أن تتصور إلا بسلامة الوسيلة .
فدل هذا على سلامة العصابة الشامية في هذه الأحكام القضائية -بالمعنى الشرعي لا بالمعنى الاصطلاحي- وأنه لولا ذاك لما أثنى عليها من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى . ممل يدل على اعتدالها في هذه الأحكام من جهة , وعلى عدالتها من جهة أخرى , وأنها بريئة من غائلتيْ -الإفراط والتفريط- .
ويقوي هذا جيداً , و يبين حقيقة وظيفة هذه الطائفة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآخر : « يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ؛ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ »[16].
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في " مفتاح دار السعادة " ( 1 / 435 – 436 - ط . دار ابن خزيمة ) : " فهذا الحمل المشار اليه في هذا الحديث هو التوكيل المذكور في الآية فأخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن هذا العلم الذي جاء به يحمله عدول أمته من كل خلف حتى لا يضيع ويذهب .
وهذا يتضمن تعديله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحمله العلم الذي بعث به، وهو المشار اليه في قوله " هذا العلم" ، فكل من حمل العلم المشار اليه ؛ فلا بد وأن يكون عدلاً .
ولهذا اشتهر عند الأمة عدالة نقلته وحملته اشتهارا لا يقبل شكًا ولا امتراء. ولا ريب أن من عدله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يُسمع فيه تجريح، فالأئمة الذين اشتهروا عند الأمة بنقل العلم النبوي وميراثه كلهم عدول بتعديل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولهذا لا يقبل قدح بعضهم في بعض .
وهذا بخلاف من اشتهر عند الأمة جرحه والقدح فيه كأئمة البدع ومن جرى مجراهم من المتهمين في الدين؛ فانهم ليسوا عند الأمة من حملة العلم .
فما حمل علم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا عدلٌ ، ولكن قد يغلط في مسمى العدالة، فيظن أن المراد بالعدل من لا ذنب له، وليس كذلك، بل هو عدلٌ مؤتمنٌ على الدين ، وإن كان له ما يتوب إلى الله منه ؛ فإن هذا لا ينافي العدالة كما لا ينافي الايمان والولاية " ا ه .
ولا شك أن الطائفة المنصورة بالشام من أقوم الجهات دفاعاً عن الحق , فنفيها لتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين هو حقيقة القتال على أمر الله -عز وجل- وحقيقة القيام عليه -قلباً وقالباً- ؛ وهذه هي حقيقة علم الجرح والتعديل بمعناه الشرعي لا الاصطلاحي , وهذه هي تزكية نبي الجرح والتعديل لهذه الطائفة ؛ وأنهم عدول لا يسمع فيهم جرح . ولا يؤثر فيهم قدح ؛ لاسيما عند اشتهار روادها عند القاصي والداني , وثناء غيرهم من أفراد الطائفة المنصورة المتفرقة في سائر الأرض عليهم وتزكيتهم لهم .
وهذا لا يعني براءة أفرادها من الخطأ والزلل ؛ وإنما يعني نفي الترك والطرح والاسقاط لهم ، و أن الحق مجموع في جملتهم ؛ لا يكاد يعزب عنهم ، وهذا واضح -إن شاء الله-.
وهذا المنهج في الاستدلال بالعام مما جرى عليه عمل السلف ، وأمثلته كثيرة ، من ذلك ما قاله محمد بن احمد بن يعقوب بن شيبة : " رأيتُ رجلاً قدَّم رجلاً إلى اسماعيل بن إسحاق القاضي، فادعى عليه دعوى ، فسأل المدعى عليه ؛ فانكر ! فقال للمدعي : ألك بينة ؟ قال : نعم ؛ فلان وفلان . قال: أما فلان؛ فمن شهودي وأما فلان؛ فليس من شهودي ! قال : فيعرِفه القاضي ؟ قال : نعم . قال : بماذا ؟ قال : أعرفه بكَتْبِ الحديث ! قال : فكيف تعرفه في كَتْبِه الحديث ؟ قال : ما علمت إلا خيرًا ، قال: فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال :" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله " فمن عدله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولى ممن عدلته أنت ، فقال : قم فهاته ؛ فقد قبلت شهادته "[17].
فكيف إذا وردت في هذه العصابة أحاديث خاصة في عدالتهم وفضلهم وشرفهم , لاسيما مع تأخر الزمان وعند تقلب الأحوال ؟!
وهذا الثناء النبوي بالإيمان عند نزول الفتن باقٍ مستمر , فأينما وقعت الفتن وإن كانت بالشام وجدت العصابة الشامية ظاهرة بالحق وبالعدل ؛ لا يتمكن أهل الباطل من أن يعلوهم ويظهروا عليهم ؛ وإن كانوا هم السواد الأعظم ، وهذا إذا دل على شيء , فإنما يدل على أن ذلك علم من أعلام نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- , وأنها لن تتبدل أو تتغير , ومآل تحقق أصل الإيمان فيهم وكماله يقود إلى فائدة أخرى ؛ وهي :
يتبع ...


[1] ـ أخرجه ابن جرير في " تفسيره " ( 15 / 533 ) .

[2] ـ المصدر السابق ( 15 / 536 ) .

[3] ـ المصدر السابق ( 15 / 533 ) .

[4] ـ وانظر كلامًا على ذلك ماتعًا ، و في بابه رائعًا للعلامة الإمام الألباني-رحمه الله- في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " تحت رقم ( 270 ) .

[5] ـ و لكل صادق أن ينظر إلى من قيل فيهم بأنهم متخصصون في علم الجرح و التعديل هل عندهم من فقه الدراية بله الرعاية من شيء ؟! بل فليرونا من رجالاتهم الذين يتمسحون بهم ؛ ممن لهم حظ من علم الرعاية هل يجدون من أحد ؟!

[6] ـ أخرجه البخاري ( 79 ) ، ومسلم ( 2283 ) من حديث أبى موسى –رضي الله عنه-.

[7] ـ و هم القسم الثاني ، فلا تخلط بين الطبقة و القسم !

[8] - أخرجه البخاري في " صحيحه "( 6517 ) و غيره .

[9] ـ أخرجه أحمد ( 5 / 183 ) و غيره بإسناد صحيح ، كما في " السلسلة الصحيحة" ( 404 ) .

[10] ـ هذا ؛ مع ما ظهر لكل صادق على وجه الأرض ما هو منطوٍ تحت هذه العباءة من خير أو شر !

[11] ـ أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599) من حديث النُّعمانِ بنِ بشيرٍ -رَضي الله عنهُما- .

[12] ـ أخرجه النسائي (3175 )، و أحمد ( 5 / 278 ) و صححه العلامة الإمام الألباني -رحمه الله- في " السلسلة الصحيحة- (1934 ) .

[13] ـ قال شيخ الاسلام في " إقامة الدليل " ( 1 / 423 ) : " وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ هَذَا مَجْرُوحٌ مُتَّهَمٌ فِي رِوَايَتِهِ وَتَرْجَمَتِهِ فِي كُتُبِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ تَرْجَمَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَتَجْرِيحُ حُكَّامِ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيل لَهُ مَشْهُورٌ " ا ه .

[14] ـ قال الإمام المنذري -رحمه الله- في " جواب أسئلة في الجرح و التعديل " ( ص 83 ) : " واختلاف هؤلاء [ المحدثين ] كاختلاف الفقهاء ؛ كل ذلك يقتضيه الاجتهاد .... " ، و ينظر " العلل الصغير " للإمام الترمذي ( 5 / 756 - الملحق بـــ " سننه " ) ، و رفع الملام " لشيخ الاسلام ( ص 7 ) ، و كتاب شيخنا " منهج السلف الصالح " ( ص 224 – 227 ط . الثانية ) .

[15] ـ قَال أبو بكر البرقاني في " سؤالاته" ( الترجمة 519 ) : " قلت للدارقطني : نابل -صاحب العباء- ثقة ؟ فأشار بيده ؛ أن لا " . وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عنه -يعني : فرقد بن يعقوب السبخي- فحرك يده كأنه لم يرضه " ينظر " تهذيب التهذيب " ( 8 / 236) ، و ينظر لهذا المبحث " شفاء العليل " ( ص 324 - 325 و 535 - 539 ).

[16] ـ الحديث له طرق كثير لا تخلو من ضف و قواه بمجموع طرقه و شواهده جماعة من أهل العلم ،ينظر " مشكاة المصابيح " ( رقم 248 ) و تعليق العلامة الألباني عليه .

[17] ـ " شرف أصحاب الحديث " ( 57 ) .

عادل الخياري 09-26-2014 12:43 AM

حقا إن لم يكونوا هم أهلها والذّابّون عنها فمن..؟!
 
ما شاء الله لاقوة إلاّ بالله..! بارك الله لك في علمك يا أباهمّام..! ورفع همّتك وقوّى على الحقّ حجّتك..لقد والله متّعتنا بمقالاتك النّافعة..
وأقول مقرّا معترفا بالفضل لأهل الفضل : أنا من بين الألوف من المسلمين الجزائريين الذين ما عرفوا دعوة الحقّ بكمالها وصفائها إلاّ عن طريق الإمام الشاميّ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ورضي عنه ومن ورائه طلاّبه وورثته بحقّ إن شاء الله حفظهم المولى وسدّد خطاهم.


الساعة الآن 05:33 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.