....قَالَ المُصَنِّفُ : «اعْلَمْ أَنَّ الإِعْرَابَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : عَلَى الرَّفْعِ ، وَالنَّصْبِ ، وَالجَرِّ ، وَالجَزْمِ» .
....(الشَّرْحُ) : الإِعْرَابُ ــ اصْطِلَاحًا ــ : هُوَ التَّغْيِيرُ فِي حَرَكَةِ آخِرِ حَرْفٍ مِنَ الكَلِمَةِ ـ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا ـ ؛ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ المَعَانِي المُخْتَلِفَةِ .
....وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ : الرَّفْعُ ، وَالنَّصْبُ ، وَالجَرُّ ، وَالجَزْمُ .
....فَلَوْ قُلْتَ : (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا) ، فَرَفَعْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (زَيْد) وَنَصَبْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (عَمْرو) : فَإِنَّكَ أَرَدْتَ بِهَذِهِ العِبَارَةِ أَنَّ (زَيْدٌ) ـ بِالرَّفْعِ ـ هُوَ الضَّارِبُ ، وَ(عَمْرًا) ـ بِالنَّصْبِ ـ هُوَ المَضْرُوبُ .
....وَلوَ عَكَسْتَ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ ، فَقُلْتَ : (ضَرَبَ زَيْدًا عَمْرٌو) ، فَنَصَبْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (زَيْد) وَرَفَعْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (عَمْرو) ؛ فَإِنَّكَ أَرَدْتَ بِهَذِهِ العِبَارَةِ أَنَّ (زَيْدًا) ـ بِالنَّصْبِ ـ هُوَ المَضْرُوبُ ، وَ(عَمْرٌو) ـ بِالرَّفْعِ ـ هُوَ الضَّارِبُ .
....وَبِهَذَا اخْتَلَفَ المَعْنَى فِي الجُمْلَتَيْنِ لاخْتِلَافِ أَوَاخِرِ حَرَكَةِ الحُرُوفِ فِيهَا ، فَهَذَا هُوَ الإِعْرَابُ ؛ وَهُوَ تَمْيِيزُ المَعَانِي المُخْتَلِفَةِ ؛ مِنْ فَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ ــ وَغَيْرِهَا مِنَ أَبْوَابِ النَّحْوِ ــ .
....وَهَذِهِ التَّسْمِيَاتُ لِلْحَرَكَاتِ الأَرْبَعِ هِيَ لأَوَاخِرِ الحُرُوفِ مِنَ الكَلِمَاتِ .
....أَمَّا الحَرَكَاتُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الأَحْرُفِ فِي أَوَّلِ الكَلِمَةِ وَأَوْسَطِهَا فَتُسَمَّى بِـ: الفَتْحِ ، وَالضَّمِّ ، وَالكَسْرِ ، وَالسُّكُونِ .
....فَإِذَا أَرَدْتَ ضَبْطَ كَلِمَةِ (جَعْفَرٍ) فِي قَوْلِكَ : (جَاءَ جَعْفَرٌ) ؛ تَقُولُ : (جَعْفَرٌ : بِفَتْحِ الجِيمِ وَسُكُونِ العَيْنِ وَفَتْحِ الفَاءِ) ، وَلَا تَقُولُ : (بِنَصْبِ الجِيمِ وَجَزْمِ العَيْنِ وَنَصْبِ الفَاءِ) ؛ لأَنَّهَا ضَبْطٌ لِأَوَّلِ الكَلِمَةِ وَأَوْسَطِهَا ، أَمَّا فِي إِعْرَابِهَا فَتَقُولُ : (جَعْفَرٌ) بِالرَّفْعِ ؛ تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الحَرْفَ الأَخِيرَ مِنَ الكَلِمَةِ هُوَ بِالضَّمِّ ، وَهُوَ الرَّاءُ ، فَإِذَا أَرَدْتَ ذِكْرَ عَلَامَةِ الرَّفْعِ قُلْتَ : هِيَ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الحَرَكَاتِ الأُخْرَى .
....قَالَ المُصَنِّفُ : «فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا الأَسْمَاءُ وَالأَفْعَالُ ، وَالخَفْضُ لِلأَسْمَاءِ خَاصَّةً دُونَ الأَفْعَالِ ، وَالجَزْمُ لِلْأَفْعَالِ خَاصَّةً دُونَ الأَسْمَاءِ ، فَإِعْرَابُ الأَسْمَاءِ : رَفْعٌ وَنَصْبٌ وَخَفْضٌ ، وَلَا جَزْمَ فِيهَا ، وَإِعْرَابُ الأَفْعَالِ : رَفْعٌ وَنَصْبٌ وَجَزْمٌ ، وَلَا خَفْضَ فِيهَا» .
....(الشَّرْحُ) : وَهَذِهِ الحَرَكَاتُ الأَرْبَعُ لَيْسَتْ عَامَّةً لِكُلِّ كَلِمَةٍ ــ مِنَ اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ ــ ، وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ كُلُّ حَرَكَةٍ بِكَلِمَةٍ دُونَ أُخْرَى :
....فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ يَكُونَانِ فِي الأَسْمَاءِ وَالأَفْعَالِ .
....أَمَّا الأَسْمَاءُ فَكَقَوْلِكَ : (السَّمَاءُ صَافِيَةٌ) وَ(إِنَّ السَّمَاءَ صَافِيَةٌ) ؛ فَـ(السَّمَاء) اسْمٌ ، وقَدْ صَحَّ رَفْعُهَا وَنَصْبُهَا فِي المِثَالَيْنِ .
....وَأَمَّا الأَفْعَالُ ؛ فَكَقَوْلِكَ : (زَيْدٌ يَكْتُبُ) وَ(زَيْدٌ لَنْ يَكْتُبَ) ؛ فَـ(يَكْتُب) فِعْلٌ ، وَقَدْ صَحَّ رَفْعُهُ وَنَصْبُهُ فِي المِثَالَيْنِ .
....وَأَمَّا الجَرُّ فَيَخْتَصُّ بِالأَسْمَاءِ ؛ كَقَوْلِكَ : (ذَهَبَ زَيْدٌ إِلَى المَدْرَسَةِ) ؛ فَـ(المَدْرَسَةِ) اسْمٌ قَدْ صَحَّ جَرُّهَا ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا لِلْفِعْلِ .
....وَأَمَّا الجَزْمُ فَيَخْتَصُّ بِالأَفْعَالِ ، وَهَذَا كَقَوْلِكَ : (زَيْدٌ لَـمْ يَذْهَبْ إِلَى المَدْرَسَةِ) ، فَـ(يَذْهَبْ) فِعْلٌ ، وَقَدْ صَحَّ جَزْمُهُ ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِلأَسْمَاءِ .
....وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ :
....ـ فَإِنَّ الأَسْمَاءَ يَقَعُ فِيهَا الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالجَرُّ ، وَلَا يَقَعُ فِيهَا الجَزْمُ .
....ـ وَالأَفْعَالَ يَقَعُ فِيهَا الرَّفْعُ وَ النَّصْبُ وَالجَزْمُ وَلَا يَقَعُ فِيهَا الجَرُّ .
....هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالإِعْرَابِ ؛ أَيْ : بِالكَلِمَاتِ الَّتِي تَتَغَيَّرُ حَرَكَةُ أَوَاخِرِ حُرُوفِهَا .