عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 03-17-2013, 02:02 AM
شاكر بن خضر العالم شاكر بن خضر العالم غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: فلسطين
المشاركات: 613
افتراضي

حلقــ (1)ــة
قال المصنِّف-رحمه الله-:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ لله الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا‏،‏ وأَشْهَدُ أَن لا إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا‏،‏ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وأَصَحْابِهِ وَسَلَّمَ تسليمًا مَزِيدًا‏.
قوله (بسم الله الرحمن الرحيم):
البداءَةُ بالبسملةِ اقتداءٌ بالكتاب العزيز، وكذلك التثنيةُ بعدها بالحمدِ، فإن الكتابَ مبدوءٌ بالبسملةِ ومثنًّى فيه بالحمد، وكذلك اقتداءٌ بمراسلاتِ النبيِّ-صلى الله عليه وسلم-، فإنّها مفتتحةٌ بالبسملةِ.
وما رُوِيَ من أنّ كلَّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدَأُ فيه بـ (بسم الله) فهو أقطع أو أجذَم، وفي بعضها بـ (الحمد لله)، وفي بعضها بـ (ذكر الله)، فلا يصحُّ منه شيءٌ-على الصحيحِ-خلافاً لمن حسَّنَ شيئاً من ذلك.
والذين يثبتونَ هذه الروايات مختلفون في الجمعِ بينها، فإنَّ من بدأ بالبسملةِ لم يكن بادئاً بالحمد، ومن بدأ بالحمدِ لم يكن بادئاً بالبسملةِ، وأضبطُ ما يُقَالُ في الجمعِ عند من يعملُ بها: أنّ البدءَ بالبسملةِ حقيقيٌّ، فلا يتقدّمها شيءٌ مطلقاً، والبدءُ بالحمدِ نسبيٌّ إضافيٌّ، فالحمدُ هو الأوّلُ بالنّسبةِ لما يأتي بعدَه من الكلام.
و(الباء) في (بسم) للاستعانة.
وقد استشكَلَ بعضُهُم إقحامَ ذكر (الاسمِ) فيها طالما هي للاستعانةَ، فإنّ الاستعانةَ تكونُ بـ (الله) لا باسمِهِ!
وعنه جوابان:
الأوّل: أنّ الاستعانةَ باللهِ تكونُ بذكرِ اسمِهِ-أو أسمائِهِ-.
الثاني: أنّ (الاسم) ذُكِرَ للتّفريقِ بينَ التَّيَمُّنِ-وهو التبرُّكُ-واليمين! فلو قيل: (باللهِ الرحمن الرحيم) لالتبست باليمين.
والجارُّ والمجرور متعلِّقانِ بمحذوفٍ، يُقَدَّرُ فعلاً، خاصًّا، متأخِّراً.
وفائدةُ تقديرِهِ فعلاً، أنّ الأصلَ في العملِ-بمعناه النحويِّ-الأفعال، على خلافٍ: فقد قيل: الأصلُ المصدر، ومن فائدةِ تقديرِهِ فعلاً-أيضاً-: دَلالَةُ الفعلِ على الحدوثِ والتّجدُّدِ والتكرار، فكأنكَ تقول: كلّما كتبتُ؛ كتبتُ باسمِ اللهِ مستعيناً به.
وقيل: يُقَدَّرُ المحذوفُ اسماً لا فعلاً، وبه قال طائفةٌ منهم شيخُ الإسلامِ، والأمرُ في هذا قريبٌ سهلٌ، فبكلٍّ من التقديرينِ وردَ أشرفُ الكلام، فمن كون متعلّق الجارِّ والمجرورِ اسماً قولُه تعالى: (باسمِ الله مجراْها ومرساها)، ومن كونِهِ فعلاً قولُه تعالى (اقرأ باسمِ ربِّك الذي خلق).
وفائدةُ تقديرِهِ خاصًّا كونُه أدلَّ على المقصود، فلا يُحتاجُ معه إلى استفصالٍ.
وفائدةُ تقديرِهِ متأخِّراً: حصولُ الابتداءِ الحقيقيِّ باسمِ الله، وبذلك يقع تمامُ التبرُّكِ به، وأيضاً: إفادَةُ الحصرِ، فإنّ (الجارَّ والمجرور) حقُّهما التأخير، فتقديمهما يفيدُ الحصر، والحصرُ المقصودُ هو حصرُ ما يُسْتَعَانُ به على إيقاعِ هذا الفعلِ الخاصِّ؛ في اللهِ-عزّ وجلّ-وحدَه.
والنُّكْتةُ في حذفِ المتعلّق: مناسبتُه لكلِّ مقام.
(الله):
لفظُ الجلالَةِ، مشتقٌّ على الصحيح، واختُلِفَ في مبدأ اشتقاقِهِ، فقيل:
من أَلَهَ يَأْلَهُ أُلُوهَةَ وإِلَاهَةً وأُلُوهِيَةً، بمعنى عبدَ يعبدُ عبادةً.
ومنه قول القائل:
لله درُّ الغانياتِ المُدَّهِ *** سبَّحْنَ واستَرْجَعْنَ من تألُّهِي
وقيل: من لاهَ يَلِيْهُ لَيْهًا، أي: استترَ واحتجَب، لأنّه-تباركَ وتعالى-محتجبٌ عن خلقِهِ.
ومنه قولُ القائل:
لاهَتْ فما عُرِفَتْ يوماً بخارجةٍ *** يا ليتَهَا برَزَت حتى عرفناها
وقيل: من أَلَه، أي: ارتفع..ومنه سمِّيَت الشمسُ إِلَاهَةً، قال بعضُهم:
تروَّحْنَا من الدَّهْنَاءِ عصراً***وأعجَلْنَا الإلَاهَةَ أن تغيبَا
وقيل: من أَلِهَ إليه إذا التجَأَ، ومنه قولُ القائل:
أَلِهْتُ إليكم في أمورٍ تهمُّنِي *** فأَلْفَيْتُكُمْ فيها كِراماً أَمَاجِدَا
وقيل غيرُ ذلك.
والراجحُ الأوّل، والصحيحُ أنّ كلَّ ما قيلَ سواهُ من المعاني إنّما مشتقٌّ منه وراجعٌ إليه، لا أنّه من أصلِ الوَضْع، والله أعلم.
(الرحمن الرحيم): اسمان كريمانِ دالَّانِ على اتّصافِ اللهِ-تباركَ وتعالى-بصفةِ الرّحمةِ، واختُلِفَ فيما ينصرفُ إليهِ معنى كلٍّ منهما عند الجمعِ بينهما كما هاهنا، فقيل (الرحمن): الذي وسعت رحمتُه كلّ شيءٍ في الدنيا، و(الرحيم): الذي يختصّ برحمته المؤمنين في الآخرة.
وفرَّقَ ابن القيّم بينهما بأنّ (الرحمن) هو الدالُّ على الصّفةِ القائمةِ بالذّات، و(الرّحيمُ) دالٌّ على صفةِ الرحمةِ عند تعلُّقها بالمرحومِ.
و(الرحمن) و(الرحيم) في البسملةِ نعوتٌ لاسمِ الجلالةِ، وقد استُشْكِلَ هذا، إذ أنّ (الرحمن) واردٌ في كتابِ الله ورودَ الاسمِ العلم، (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن)، فكيفَ يُنْعَتُ به وهو عَلَم؟
والجواب: أنّه يُنْعَتُ به باعتبارِ ما فيه من الوصفيّة، ولا تنافي بين علميّتِهِ ووصفيّته..وإلّا فلفظُ الجلالةِ نفسُه فيه العَلَمِيَّةُ والوصفيَّةُ، إلّا أنّه غلبت عليه العلميّة حتى جَرَت عليه بقيّة الأسماءِ أوصافاً وأخباراً.
وأصحابُ هذا الاستشكالِ يقولون: إنّ (الرحمن) في البسملةِ بَدَلٌ، أو عطفُ بيان، وردَّهُ السُّهَيْلِيُّ، فقال إنّ البَدَلَ فيه ممتنع، وكذلك عطفُ البيان، لأنّ لفظ الجلالةِ لا يفتقرُ إلى بيانٍ، فإنّه أعرفُ المعارِفِ، ولهذا قالوا: (وما الرحمن؟)، ولم يقولوا: (وما الله؟)!
وفي البسملةِ خلافٌ معروفٌ من جهةِ كونِهَا من القرآن عموماً، أمّ من كلِّ سورةٍ، أم ليست من القرآن أصلاً، وفي ذلك خمسةُ أقوالٍ معروفةٍ تُطْلَبُ من مظانِّهَا.
(الحمدُ لله):
الحمدُ: الإخبارُ بمحاسنِ المحمودِ، وذكر أوصافِ كمالِهِ، مع المحبّة والتعظيم.
وتفسيرُ الحمدِ بالثناءِ فيه ما فيه وإن اشتهَر، فإنّ الثناءَ هو تكرارُ الحمدِ، لأنّه من التثنيةِ، وليس هو الحمد.
والألفُ واللامُ في (الحمد) للاستغراق، فدلَّ على أنّ الحمدَ كلَّه لله.
(رسولَه):
الرسولُ: إنسانٌ ذكر، أوحى الله إليه بشرعٍ وأمره بتبليغه.
وفُرِّقَ بينه وبين النبيِّ، بأنّ النبيَّ هو من أوحِيَ إليهِ بشرعٍ ولم يؤمر بتبليغِهِ.
هذا قول الجمهور.
وقالت طائفةٌ منهم شيخ الإسلام: أنّ الرسولَ هو من أرسله الله إلى قومٍ كفّارٍ مكذّبين، والنبيُّ أرسله الله إلى قومٍ مؤمنين بشريعةٍ رسولٍ قبلِهِ، فيتابعُهُ عليها، ويحكمُ بينهم بها.
واللفظانِ بينهما شيءٌ من التناوُبِ في كتابِ الله، لأنَّ كلًّا من النبيِّ والرسولِ قد وقعَ إرسالُه، كما قال تعالى: (وكم أرسلنا من نبيٍّ في الأولين* وما يأتيهم من نبيٍّ إلا كانوا به يستهزئون).
ويَرِدُ على قولِ الجمهور: استبعادُ أن يوحيَ الله-عز وجلّ-إلى فَرْدٍ من خلقِهِ وحياً لا يكون فيه هدىً ولا منفعةً لغيرِه، وإنّما ينتهي بموتِهِ، ويدلُّ لهذا الاستبعادِ ما صحّ من أنّ النبيَّ يأتي يومَ القيامَةِ ومعه الرّجل، والنبيّ ومعه الرجلان، والنبيّ ومعه الرّهط، والنبيّ وليس معه أحد..ففيه أنّ الأنبياء قد بلّغوا، ودَعَوْا، واستُجِيبَ لهم.
ويَرِدُ على قولِ شيخِ الإسلام: آدمُ-عليه السلام-، فقد صحّ أنّ آدم كان نبيًّا مُكَلَّماً، ولم يكن متابعاً لشريعةِ أحدٍ قبلِهِ بالاتّفاق.
فالله أعلم.
وقد قيلَ بنبوّة النساء، والجمهورُ على خلافِهِ، ولم يأتِ القائلون بنبوّة النساء بدليلٍ ناهضٍ، بل قد نُقِلَ الإجماعُ على خلافِ ما ذهبوا إليه.
(بالهدى ودين الحق):
الهدى: العلمُ النافع.
ودين الحق: العمل الصالح.
وكلّ ما جاء به النبيُّ-صلى الله عليه وسلّم-لتحقيق كمالِ العبوديّة لا يخرجُ عنهما.
(ليظهره على الدين كلِّه):
إشارةٌ إلى قوله تعالى (هو الذي أرسل رسولَه بالهدى ودين الحقّ ...) الآية.
(وكفى بالله شهيدا):
أي: على صِدْقِ رسولِهِ وصحّةِ ما جاء به، كقوله تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ *لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ*ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ).
(وأَشْهَدُ أَن لا إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ):
قوله (أشهد أن لا إله إلا الله): شهادةُ الإسلام، ومفتاحُ دارِ السّلام، ومعناها: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله.
ومعنى (أشهد): أُخْبِرُ بلساني بما أعتقدُ بقلبي، مع الإقرارِ والإذعان.
وقوله (وحدَه) توكيدٌ للاستثناءِ (إلّا الله).
و(لا شريكَ له) توكيدٌ لنفيِ الإلهيةِ عمّا سوى الله.
(إقراراً به): مصدرٌ مؤكِّدٌ لمعنى الفعلِ (أشهدُ).
و(توحيداً): مصدرٌ مؤكِّدٌ آخر.
والمعنى ظاهر.
(وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرسولُه):
عبدُه: هو من أشرف أوصافِ النبيِّ-صلى الله عليه وسلّم-في كتابِ الله، وُصِفَ به في مقاماتٍ متعدِّدَةٍ، في مقامِ الدُّعاءِ (وأنّه لمّا قامَ عبدُ اللهِ يدعوهُ)، ومقامِ الإسراءِ (سبحانَ الذي أسرى بعبده)، ومقامِ الوحيِ (فأوحى إلى عبدِهِ ما أوحى).
(صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً مزيداً):
صلاةُ الله على رسوله هي ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، هذا هو المشهور عن أبي العالية.
وقيل: مغفرته، وقيل: رحمته، وردّهما ابن القيم في (جلاء الأفهام) بما لا مزيدَ عليه.
(آله وأصحابه): سيأتي الكلام على هذه الحروف لا حقاً.
والله أعلم.
__________________
للتواصل العلمي

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس