عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12-09-2014, 08:21 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


برامج التواصل والنياحة على الوقت والقلب!!
|| مهنّد المعتبي

أرسل لي صديقٌ أعدُّه من مفاخر طلاب العلم رسالةَ بوحٍ وألم عن أثر برامج التواصل عليه، لقد كانت رسالةً مؤلمةً بالنسبة لي جدًا، خصوصًا وأنّ هذه البرامج على عظيم نفعها، وكبير أثرها الذي لا ينبغي إغفاله أو إهماله أو تركه؛ إلا أنّ لها ضريبةً -أو قل ضرائب- على كل مكثر من التعامل بها؛ فمستقلٌّ ومستكثر، وخير الناس من كثر نفعه وقلَّت ضرائبُه!

لا أستطيع أن أخفي ألمي إذا رأيتُ أو سمعتُ طالبَ علم يتألم ويشتكي وربما يندب وينوح الليلَ والنهار من أنَّ برنامج التواصل الاجتماعي (تويتر، واتس أبّ، انستقرام، فيس بوك، آسك، تليقرام، ...) تأكل قلبَه وإخلاصَه، أو تلتهم وقتَه.. فهذا شيءٌ يُشعِرك بأنّ لها سيادةً عظمى عليه، وأنّه أصبح رقيقًا لها، وهذا مع الشكاية العامة مؤلم جدًا، حتى قلتُ: إنّ الجوال هو الصديق اللدود!

لستُ أنسى -إن نسيت- حينما جلستُ مع شيخ جليل قد عمَّ نفعُه، وبوركت جهوده= حينما أدخل يده في جيبه، وأخرج جواله، وقال: هذا عدوٌ صادٌ عن الله!!

لماذا؟
هل المشكلة حقًا في الجوال أو فينا؟!
ولماذا نتعامل معه على أنّه نارٌ تلظّى إن مسستَه أحرقك ولا بدُّ، أو لا تقترب منه؟!

هذه المسألة جديرةٌ بالتأمل في عموم علاقاتنا مع الأشياء بلا تطرُّفٍ..


فيا صديقي:

إن كنتَ في هذه البرامج تدخل وتخرج، وتكتب و(تدردش)، وتمدّ عينيك يمنةً ويسرةً، وتروي نهمتك الاستكشافيَّة في تتبعك الحسابات بلا رؤية واضحة، ولا ضابط يضبط أمرك= فاعلم أنّك قد تحولتَ من صاحب رسالة إلى صاحب هواية أو احتراف، فحُقّ لك النياحة!

يا صديقي:

أتذكر لما جاءت هذه الوسائل كنّا نحاول إقناعك بالدخول فيها والإسهام في المشاركة، ونفع الناس بها.. وكنتَ تتمنّع من ذلك خشية الإشغال، وصدِّك عن مشاريعك الجادّة، فلما اقتنعتَ وقبلتَ الفكرة واستحسنتها= بدأتَ تشارك وتغرِّد -في الأغلب- بالنافع وما له ثمرة، ثم بدأت تجمّ نفسك -ولا بأس بذلك- بأخبار الطرائف والمواقف، ثم شيئًا فشيئًا زادت نسبة (العاديّ) عندك على النافع؛ فأصبحت كثيرٌ من تغريداتك في رحلاتك، ومأكولاتك اللذيذة، وعطوراتك الفاخرة، ولقاءاتِك بالمشاهير.. وغلب ذلك عليك حتى ندمنا على جلسات إقناعك بوسائل التواصل، فليتك بقيت على مشاريعك!

ما المؤلم هنا؟ هل هو منهجك التغريديُّ والانستقراميُّ والواتسابيُّ الجديد؟

لا..

المؤلم هو نياحتك على قلبك ووقتك..
إذن؛ فأنتَ تحولتَ من صاحب رسالة إلى صاحب هواية..

إن كنتَ ترى أنك تنفع الناس من خلال هذه الوسائل، وفي الوقت نفسه ترى أنك مضيِّعٌ لوقتك= فراجع نفسَك..

تخيّل أنك تذهب لرحلة دعوية.. وتقيم برنامجًا مكثّفًا في التعليم والدعوة واللقاءات من الفجر إلى هزيع الليل..
هل ستحدّث نفسك قبل النوم بأنّ وقتك اليوم قد ضاع بأكمله.. أو تعيش سعادةً وحبورًا بما منّ الله به عليك؟!

وأضرب لكل مثلاً آخر..

لو أنّك حددتَ يومًا في الأسبوع للقاء الأصحاب والزملاء في استراحة، وكان من برامج الاستراحة لعب كرة -مثلاً- لمدّة ساعة، فصدّقني لن تشعرَ -إن كنتَ متوازنًا- حين تعود إلى بيتك بالندم أو تأنيب الضمير لأنّ وقتَك ذهبت منه ساعةٌ في اللعب!
لماذا؟
لأنّ هذه الساعة قد اختزلتَها من وقتك بعناية وترتيب، وجعلتَها فسحةً لك ونزهةً واستجمامًا؛ لتعود لجدِّك ومواصلة مشاريعك..

هنا يظهر الفرق..

مشكلة هذه البرنامج؛ القرب من الأنامل التي أصيبت بحكّةٍ في بصماتهما لا يزيل حساسيتها إلا الأنس بهذا البرامج..
هل هذه مشكلة؟
بالتأكيد لا؛ لكنّها خطوةٌ لمشاكلَ عند عدم ضبط النفس، والمسامحة الكبيرة لها..

ختامًا يا صديقي:
لم يردْ فضلٌ في المرابطة في تويتر أو الواتس أب!
شارك، انفع، قدِّم... ثم انصرف راشدًا لشغلك، واستعذ بالله من كلِّ شرٍ يتسلل لواذًا لمعاقل الخير..

وإن أردتَ نصيحةً مني أو اقتراحًا؛ فدونكها خماسية:

١- كن أمير جوالك ولا يكن جوالُك أميرَك.. يطرق عليك بإشعاراته متى شاء!
لا تكن معتَقلاً في (جوانتنامو) الوسائل!

٢- قدّس الوقتَ كقداسة المال أو أشد؛ فهو رأس مالك.. فحينما تراقب مصاريف إنفاقك= راقب مصاريف أوقاتك.

٣- لا تلجأ لفراشك قبل نومك إلا بعد ضبط المنبّه، وإغلاق لوحة المفاتيح.. فإن كنتَ قبيل نومك ستتصفّح (آخر الأحداث) وسيأخذ منك ذلك نصف ساعة مثلاً؛ فانظرها كم ستكون بعد شهر أو عام!

٤- مما جربتُه وانتفعتُ به جدًا..ورأيتُ أثرَه خلال عام ونصف= أنني لا أدخل تويتر إلا بعد تحديد المنبه بـ ٤٥ دقيقة يوميًا إلى ساعة مرةً واحدةً في اليوم -وذلك في أضعف حالات نشاطي- وهذا يجعلك تمر (بالتايم لاين) سريعًا.. فإن دقّ جرس التنبيه فقد انتهت حصّة تويتر، فما فاتك بعدها فصدقني لن تحتاج للبكاء عليه كما ستبكي على نفسك بعد حين!

٥- استعن بالله ولا تعجز، فقد يكون الانهماك في الوسائل عقوبة وإن لم يُرَ أثرها الآن .

__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس