عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 12-24-2017, 06:55 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

من مصادر التشريع التبعية بعد الكتاب والسنة

1. الإجماع

الإجماع :
من مصادر التشريع التبعية بعد الكتاب والسنة، ودليل من أدلة الأحكام، ثبت بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، تعرف في مظانها، من كتب أصول الفقه المختلفة.

الإجماع لغة : العزم والتصميم على الشيء. أجمعت أمري : أي : عزمت وصمَّمْت على فعله.

واصطلاحًا : [هو اتفاق المجتهدين من الأمة الإسلامية في عصرٍ من العصور بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم – على حكمٍ شرعيّ]. [الشوكاني ص 63] و [المستصفى 1/ 110].

ولا بد أن يكون إجماع العلماء مستندًا إلى أدلة من الكتاب والسنة، فإذا قُطِع بِإجماعهم وجب الرجوع إليه ولم تحلَّ مخالفتهم.

أنواع الإجماع

إجماع صريح : وهو إجماع الأمة، ويدخل في هذا التعريف إجماع علماء الأمة وسائر الأمة.
قال شيخنا الألباني رحمه الله – تعالى - : [ويسميه هؤلاء العلماء "بما هو معلوم من الدينِ بالضرورة"، فما كان معلومًا من الدين بالضرورة، يشترك فيه كل الأمة لا فرق كما ذكرنا بين عالم وغيره .وهذا الإجماع إذا جحده مسلم أو أنكره يعتبر خارجًا عن الملة، خارجًا من الدين.

إجماعٌ نظري : وهو جمع أقوال العلماء الذين تكلموا في المسألة في عصر مُعيَّن فهذا الأمر مستحيل لا يمكن تحقيقه واقعيًا، وهذا سهل إن شاء الله تصوره، ذلك لأن العلماء في كل قطر ومصر كما نعلم جميعًا متفرقون، فمَنِ الذي يستطيع أن يتصل بكل فردٍ من أفراد العلماء ويأخذ آرائَهُم فيجدها كلها متفقة بعضها مع بعض ؟.

هذا أمرٌ مستحيل تحقيقه؛ ولذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله كما ذكر ذلك ابنه عبدالله بن أحمد في كتابه مسائل الإمام أحمد : [وما يدريك ؟ من أدّعى الإجماع فقد كَذب وما يدريه لعلهم اختلفوا]، يشير إلى عدم إمكانية الإجماع لو وقع؛ لأنه يقول : [وما يدريك]، من أدّعى الإجماع فقد كَذب.

لذلك جنح بعض العلماء المُنصِفين إلى عدم التلفظ بلفظة الإجماع إلا إذا كان بالمعنى الأول، وهو المعلوم من الدين بالضرورة فيقول بدل إجماع " اتفق العلماء "، وهذا لا يعني أن كل عالم تكلم في هذه المسألة أولًا، ثم طابق كلام بعضهم بعضًا ثانيًا؛ وإنما الأقوال التي نُقِلتْ عن هؤلاء العلماء يوافق بعضها بعضًا؛ ولذلك فيقال في هذه الحالة : [اتفق العلماء]. يعبِّر عنه بعض العلماء بالمتفق عليه بين العلماء، ولا يسمونه إجماعًا.

من تلك الإجماعات إجماع منطقة معينة أو بلدةٍ خاصة من تلك المنطقة، كإجماع أهل المدينة مثلًا.
فالإمام مالك رحمه الله يَعْتَدُّ بإجماع أهل المدينة دون أي إجماع آخر. ذلك لأن المدينة كما نعلم جميعًا كان مقر واستقرار الدعوة الإسلامية في عهد الرسول عليه السلام والخلفاء الراشدين، فكان موئل ومجمع العلماء من كافة أقطار البلاد من الصحابة وغيرهم.

ولذلك فالإمام مالك رحمه الله يرى أن ما أجمع عليه علماء المدينة خاصة من الصحابة والتابعين الذين هو أدركهم في عهده هذا هو الإجماع؛ لكن الحقيقة التي يلحظها الباحث، بل يلمسه لمسَ اليدِ أن مع كون هذا الإجماع دائرته ضيقة جدًا، أي المدينة وليس العالم الإسلامي كله، يستدرك العلماء على الإمام مالك الكثير من الإجماعات التي ادعاها من أهل المدينة، ويقولون له : قد خالف هذا كثير من علماء المدينة بل سيد التابعين ألا وهو سعيد بن المسيب رحمهم الله – تعالى -.

فإذن هذا الإجماع المصغر والذي هو حجة الإمام مالك رحمه الله دون بقية الائمة، هذا الإجماع نفسه لم يمكن إثباته فكيف يمكن إثبات إجماع الأمة في سائر أقطار البلاد الإسلامية ؟.
ومن هذه الأنواع إجماع أهل الكوفة وهذا يحتج به الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه، ويقال فيه ما قيل في الإجماع السابق، ألا وهو إجماع أهل المدينة أي : أنه ينتقض بكثير من الأقوال التي تخالف الإجماع المُدَّعى.

إجماع سكوتي : هو أن يتكلم عالمٌ من علماء المسلمين المجتهدين، ويبدي رأيه في محضر فيسكتون، يظنون صحته لكونه من عالمٍ فاضلٍ تكلم ولم يعقب عليه أحدٌ صراحة باعتراف أو إنكار.

وفي رأي علماء الأصول أن الإجماع السكوتي هو أضعف الإجماعات؛ لأنه قد يتكلم المتكلم بقولٍ ويكون هناك في المجلس من يرى خلافه؛ ولكن يرى من المصلحة أن لا يتكلم بخلاف ما سَمِعَ من باب درء المفسدة الكبرى من المفسدة الصغرى.

هذا الإجماع يمكن أن تطمئن إليه النفس وتتقبله بشرط أن يتبع سبيل المؤمنين، ولا يخالف نصًّا من كتاب الله – تبارك وتعالى -، أو من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال الله عز وجل - : {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرا} [سورة النساء 115]. ا هـ. [سلسلة الهدى والنور، رقم الشريط (070).

2. القياس

القياس :
ثبتت حجيته بأدلة كثيرة من نصوص الكتاب والسنة والإجماع، لما فيه من اعتدال الشيء بنظيره، فنظير الحق حق، ونظير الباطل باطل.
عمل السلف بالقياس عند وجود النص دون إنكار. فيُعْدَل إليه إذا فُقِدَ النص، فهو أصل يُرْجَعُ إليه إذا تعذّر غيره، ولا يصار إليه إلا لضرورة.

القياس الصحيح : أطلق القياس في اللغة على : التقدير والمساواة، تقدير شيء بشيء.
يقال : قست القماش بالذراع، وقست الأرض بالميل، أي قدَّرْتُهُا، ثم شاع استعمال القياس في التسوية بين الشيئين الماديَّيْن أو المعنَوِيَّيْن.
القياس المادي : قياس جلي ظاهر بيِّن، كأن تقول : قست طول الثوب بطوله، وعرضه بعرضه.
والقياس المعنوي : هو قياس خفي، كشبه الولد جده، "نزعه عرق"، وكأن تقول : فضل فلان لا يقاس به فضل الآخرين، وعلم فلان لا يقاس به علم فلان.
والقياس اصطلاحًا : هو إلحاق مسألة لا نص على حكمها بمسألة ورد النص بحكمها في الحكم الذي ورد به النص لتساوي المسألتين في علة الحكم؛ فهذا الإلحاق يسمى : قياسا.

للقياس أربعة أركان : الأصل، والفرع، والعلة، والحكم.

الأصل :
وهو ما ورد النص بحكمه (من القرآن أو السنة) ويسمى المقيس عليه.

حكم الأصل : وهو الحكم الذي ورد به النص ودلت عليه الآية الكريمة، أو الحديث النبوي الشريف في المقيس عليه.

الفرع : هي المسألة التي لم يرد نص بحكمها، ويراد إلحاقها بالمقيس عليه، وتسمى الفرع أو المقيس.

العلة : وهو الوصف الموجود في الأصل، الذي شرع الحكم من أجله، وبناء على وجوده فيه، وهو الحامل للمجتهد أن يثبت حكم الأصل للفرع لوجود نفس الوصف (أو العلة) فيه.
أمثلة على القياس :

1.
يحرم البيع إذا نوديَ للصلاة من يوم الجمعة حتى تقضى الصلاة، لقول الله – تعالى - : ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ غ‍ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَï´¾ [سورة الجمعة 9 – 10].
ويقاس عليه في الحكم : الإجارة، والرهن، والنكاح في هذا الوقت؛ لوجود نفس العلة فيها جميعا، وهي الانشغال عن صلاة الجمعة.

2. حكم شرب الخمر : التحريم لورود النص بذلك، وعلة الحكم الإسكار، فكل نبيذ فيه هذه العلة يكون حكمه التحريم أيضًا قياسًا على الخمر. لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (ما أسكر كثيره فقليله حرام). (حديث صحيح) (صححه الألباني) رواه أبو داود في سننه، كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر، رقم 3681]. ورواه [الترمذي في الأشربة باب "ما أسكر كثيره فقليله حرام" رقم : 1865].

3. قتل الوارث مُورِّثه : حكمه حرمانه من حقه من الميراث هو حكم الأصل، وعلة الحكم : هو استعجال تحصيل الحق قبل حلول وقت سببه، بسبب خاصٍّ محظورٍ شرعًا، فكان الجزاء من جنس العمل، دلَّ عليه القاعدة الأصولية : (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه).

4. ومثله : قتل الموصى له للموصي هو المقيس أو الفرع، وفي نفس علة الأصل فيأخذ حكمه.
وعملية إلحاق الموصى له القاتل بالوارث القاتل في الحرمان من الحق؛ وتسمى هذه العملية بالقياس.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس