عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 06-29-2010, 04:34 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

الجمع بين:
حديث ‏:‏ ‏(‏لا عَدوَى ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وحديث‏:‏ ‏(‏فرَّ مِن المَجذُوم‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏


وسئل -أيضًا- الشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-:
عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم‏-:‏"‏ لا عَدوى ، ولا طِيرة ،ولا هامَة ، ولا صَفر‏ "‏متفق عليه ‏، وما نوع النفي في الحديث‏؟‏ وكيف نجمع بينه وبين حديث‏:‏‏ " فر مِن المجذوم فِرارك مِن الأسد‏ "‏‏؟‏

الجواب:
‏" ‏العدوى ‏"‏ انتقال المرض من المريض إلى الصحيح ،وكما يكون في الأمراض الحسية يكون في الأمراض المعنوية الخلقية ، ولهذا أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن جليس السوء كنافخ الكير ؛ إما أن يحرق ثيابك ، وإما أنتجد منه رائحة كريهة فقوله ، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏عدوى‏"‏ يشمل العدوى الحسيةوالمعنوية‏.‏

و ‏"‏الطيرة‏"‏ هي التشاؤم بمرئي، أو مسموع ، أو معلوم‏.‏

و ‏"‏الهامة‏"‏ فسرت بتفسيرين ‏:‏
الأول ‏:‏ داء يصيب المريض وينتقل إلى غيره ، وعلى هذا التفسير يكونعطفها على العدوى من باب عطف الخاص على العام ‏.‏
الثاني ‏:‏ طير معروف تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل ، فإن هذهالهامة تأتي إلى أهله وتنعق على رؤوسهم حتى يأخذوا بثأره ، وربما اعتقد بعضهم أنهاروحه تكون بصورة الهامة ، وهي نوع من الطيور تشبه البومة أو هي البومة ، تؤذي أهلالقتيل بالصراخ حتى يأخذوا بثأره ، وهم يتشاءمون بها فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقتقالوا ‏:‏ إنها تنعق به ليموت ، ويعتقدون قرب أجله وهذا باطل‏.‏

و‏"‏صفر‏"‏ فسر بتفاسير‏:‏
الأول ‏:‏ أنه شهر صفر المعروف ، والعرب يتشاءمون به‏.‏
الثاني‏:‏ أنه داء في البطن يصيب البعير، وينتقل من بعير إلى آخر ،فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام‏.‏
الثالث‏:‏ صفر شهر صفر ، والمراد به النسيء الذي يضل به الذين كفروا، فيؤخرون تحريم شهر المحرم إلى صفر يحلونه عاماً ، ويحرمونه عاماً ‏.‏ وأرجحها أنالمراد شهر صفر حيث كانوا يتشاءمون به في الجاهلية والأزمنة لا دخل لها في التأثيروفي تقدير الله - عز وجل -فهو كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر‏.‏

وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين مثلاًمن شهر صفر أرخ ذلك وقال‏:‏ انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير‏.‏ ‏.‏ فهذامن باب مداواة البدعة بالبدعة ، والجهل بالجهل ‏.‏ فهو ليس شهر خير ، ولا شر‏.‏ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال‏:‏ ‏"‏خيراً إن شاء الله‏"‏فلا يقال خير ولا شر بل هي تنعق كبقية الطيور‏.‏

فهذه الأربعة التي نفاها الرسول ، صلى الله عليه وسلم تدل على وجوبالتوكل على الله ، وصدق العزيمة ، وألا يضعف المسلم أمام هذه الأمور‏.‏

وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين ‏:‏
الأولى‏:‏ إما أن يستجيب لها بأن يقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علقأفعاله بما لا حقيقة له‏.‏
الثانية ‏:‏ أن لا يستجيب لها بأن يقدم ولا يبالي ، لكن يبقى فينفسه نوع من الهم أو الغم ، وهذا و إن كان أهون من الأول لكن يجب أن لا يستجيبلداعي هذه الأمور مطلقاً، وأن يكون معتمداً على الله عز وجل‏.‏ وبعض الناس قد يفتحالمصحف لطلب التفاؤل فإذا نظر إلى ذكر النار قال‏:‏ هذا فأل غير جميل، وإذا نظر إلىذكر الجنة قال‏:‏ هذا فأل طيب، وهذا في الحقيقة مثل عمل اهل الجاهلية الذينيستقسمون بالأزلام‏.‏ والنفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفياً للوجود ، لأنهاموجودة ولكنه نفي للتأثير ، فالمؤثر هو الله، فما كان منها سبباً معلوماً فهو سببصحيح وما كان منها سبباً موهوماً فهو سبب باطل، ويكون نفياً لتأثيره بنفسه ولسببيته، فالعدوى موجودة ، ويدل لوجودها قوله ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا يورد ممرضعلى مصح‏)‏ أي لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة ، لئلا تنتقلالعدوى‏.‏

وقوله ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ " فر من المجذوم فرارك من الأسد‏ "‏:
‏"‏الجذام‏"‏ ‏:‏ مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه ، حتى قيل ‏:‏ إنه الطاعون ،فالأمر بالفرار لكي لا تقع العدوى ، وفيه إثبات العدوى لتأثيرها ، لكن تأثيرها ليسأمراً حتمياً بحيث تكون علة فاعلة ، ولكن أمر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بالفرارمن المجذوم ، وأن لا يورد ممرض على مصح، من باب تجنب الأسباب ، لا من باب تأثيرالأسباب بنفسها قال الله-تعالى-‏:‏ {‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ ولا يقال ‏:‏ إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ينكر تأثيرالعدوى ؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لما قال‏:‏ ‏" لاعدوى‏ "‏ قال رجل‏:‏ يا رسول الله أرأيت الإبل تكون في الرمال مثل الظباء فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب ‏؟‏‏!‏ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ " فمَن‏ أعدي الأول "‏ ‏؟‏
فالجواب‏:‏ أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أشار بقوله ‏:‏" فمَن‏ أعدي الأول "‏ إلى أن المرض انتقل من المريضة إلى هذه الصحيحات بتدبيرالله - عز وجل-فالمرض نزل على الأول بدون عدوى بل نزل من عند الله -عز وجل- والشيء قد يكون له سبب معلوم ، وقد لا يكون له سبب معلوم ، وجرب الأول ليس معلوماً إلا أنه بتقدير الله -تعالى- ، وجرب الذي بعده له سبب معلوم ولو شاء الله - تعالى - ما جرب، ولهذا أحياناً تصاب الإبل بالجرب ثم يرتفع ولا تموت ، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية قد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون ، ويسلم آخرون ولا يصابون ، فالإنسان يعتمد على الله ويتوكل عليه .

وقد جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدِم عليه رجل مجذوم فأخذه بيده وقال له‏:‏ ‏"‏ كل ‏"‏ أي من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لقوة توكله -صلى الله عليه وسلم- فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي ‏.‏

وهذا الجمع الذي ذكرنا أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث وادعى بعضهم النسخ ، وهذه الدعوى غير صحيحة؛ لأن من شرط النسخ تعذر الجمع ، وإذا أمكن الجمع وجب لأن فيه إعمال الدليلين ، وفي النسخ إبطال أحدهما ؛ وإعمالهما أولى من إبطال أحدهما لأننا اعتبرناهما وجعلناهما حجة ‏.‏ والله الموفق‏.‏

[فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- [على الشبكة]، المجلد الثاني، برقم (213)].
رد مع اقتباس