عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 04-07-2021, 11:48 AM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,071
افتراضي

.
- قول (لو) التي فيها الندم على المقدور، والتي تكون عندَ وقوعِ المصائبِ وحدوثِ المكروه، جاء في الحديث الذي رواه مسلم: (وَإِنْ أَصابك شيءٌ فلا تقلْ لو أَنِّي فعلتُ كان كذا وكذا. ولكن قلْ قَدَرُ اللَّهِ وما شاء فعل فإِنَّ لو تفتحُ عملَ الشّيطان) وذلك لأنها تفتحُ بابَ الاعتراضِ على الأَقدارِ والتسخُّطِ عليها، وتجعل القلبَ متعلقا بالأسباب. ومثل (لو) كذلك قول: (ليت) التي في معناها.
وهذه بخلاف (لو) التي من باب الإِخبار أَو التمني؛ مثلُ قول: لو كنت أعلمُ بقدومِك لأَتيتك، أو: لو أن عندي مالاً لتصدقت. فهذا لا إِشكالَ فيه. قال عليه الصلاة والسلام: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لَما سُقت الهَديَ، ولجعلتها عمرةً). وقال في حديث آخر: (.. ورجلٌ آتاه اللهُ علمًا ولم يُؤْتِه مالًا فهو يقولُ: لو أنَّ لي مالًا لعَمِلْتُ بعملِ فلانٍ، فهو بِنِيَّتِه وهما في الأجرِ سواءٌ..).

- سبُّ الدهر وسبُّ الريح؛ لأن فيهما سبٌّ للفاعل حقيقةً وهو الله تعالى، ولأَن فيهما نسبةَ الفعل لغير الله، لأَن الذي يسبُّ الدهرَ بسببِ سوءِ حالِه، أو يسبُّ الريحَ لتضررِه منها فكأنه بلسانِ الحال ينسِبُ الفعلَ لهما.
قال عليه الصلاة والسلام: (قال اللهُ: يَسُبُّ بنو آدمَ الدهرَ، وأنا الدهرُ بيدي الليلُ والنهار) رواه البخاري. ومعنى (أَنا الدهرُ...) أي أنا أقلب الليل والنهار وخالقهما وما فيهما من حوادث، فمن سبَّهما فقد عاد السب إلي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تَسُبوا الريحَ، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خيرِ هذه الريح وخيرِ ما فيها وخير ما أُمِرت به، ونعوذ بك من شرِّ هذه الريحِ وشر ما فيها وشر ما أُمِرت به) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وليس من السبِّ أن توصفَ الأيامُ أو الريحُ بالشدةِ والقسوةِ؛ لأن هذا من بابِ الإخبار وليس السبِّ، قال الله تعالى عن لوطٍ عليه السلام: {وَقَالَ هَذَا يَومٌ عَصِيبٌ}.

- القيامُ لغيرِ الله على جهةِ التعظيم، قال الله تعالى: {وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ}، ففي القيام تعظيمًا لشخصٍ شيءٌ من الخضوعِ والذُلّ، فلا يَنبغي أَن يُفعل؛ لئلا يكونَ وسيلةً لتعظيمِ المخلوقِ كتعظيمِ الله عز وجل. جاء في الحديث: (مَن أَحبَّ أَن يتمثلَ له الناسُ قياماً فَلْيَتبوأ مقعدَه من النار)، صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد. وهذا كما يَحصلُ عند قدومِ أَحدِ كُبراءِ القوم على مجلسٍ فما أَنْ يَرَوْه يقومُ الجميع قومةً واحدةً لأجلِه، بل ربما لا يَجلسون حتى ينتهيَ إِلى مجلسِه ويجلسَ؛ تعظيما وتوقيرا ومَهابةً، فهذا تعظيمٌ لا يَليقُ بالمخلوق. وكذلك القيامُ للمعلم كما يحصلُ عند أولِ دخوله غرفةَ الدرس يقوم الطلبةُ جميعا، فهذا لا يجوز؛ لأنه قيامُ تعظيمٍ، وفتحٌ لبابِ الغُلُوِّ في الأشخاص، وفيه تأثيرٌ على قلبِ مَن يُقام له، فيدخلُ عليه التعاظمُ والكِبر.
فلا ينبغي القيام لحيٍّ ولا لميتٍ ولا جمادٍ ولا رمزٍ على جهةِ التعظيم والخضوع.
أَما قيام النبيِّ صلى الله عليه وسلم لما رأَى الجَنازةَ فهذا لم يكن من أَجل الميت؛ فإنها كانت جَنازةَ يهوديٍّ، إنما كان للاهتمام بشأنِ الموتِ؛ ولأَن الموتَ يُحرك النفوسَ ويفزعُ القلوبَ؛ لهذا جاء في الحديث عند مسلم: (إِنَّ الموتَ فزَعٌ فإذا رأَيتُمُ الجنازةَ فقوموا)، ثم نُسخ هذا الحكم، فجاء عن عليٍّ رضي الله عنه: (أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قام في الجنائز ثم قَعدَ بَعدُ) رواه أبو داود وإسناده صحيح. ولهذا لا يصح الاستدلالُ به على جواز القيامِ مع الصمتِ حِداداً على ميتٍ، أَو القيامِ صامدا صامتا لا يحرُك ساكنا؛ لأجلِ النشيدِ الوطني وما شابه، فهذه صِفةٌ لا تنبغي إِلا لربِّ العزةِ، قال اللهُ تعالى عن الملائكةِ العِظام الكرام وما يكون من حالهم يومَ القيامةِ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ}.
وجاء في فتوى للجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله رقم (2123):
لا يجوزُ للمسلم القيامُ إِعظامًا لأَيِّ علمٍ وطني أو سلام وطني، بل هو من البدعِ المنكرةِ التي لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وهي منافيةٌ لكمال التوحيد الواجبِ وإخلاصِ التعظيم لله وحدَه، وذريعةٌ إلى الشرك، وفيها مشابهةٌ للكفار وتقليدٌ لهم في عاداتهم القبيحة ومجاراة لهم في غلوهم في رؤسائهم ومَراسيمهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم أو التشبه بهم.انتهى.

أما القيامُ إلى الضيفِ لاسقبالِه أو توديعه، فهذا لا بأسَ به؛ كما قال النبيُّ
صلى الله عليه وسلم للأنصار لما قدم سعدُ بن معاذ: (قُومُوا إِلى سيِّدِكُم)
فَفرقٌ بين القيامِ إِليه والقيام له.
أما القيامُ عند المصافحةِ ممن هم في الملجسِ وليسوا مَعنِيّينَ باستقبالِ الضيف، فاختُلف فيه، وأَجازه الأكثر إِن كان على غيرِ جهةِ التعظيم.
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكره أن يقومَ له أحدٌ، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: (لم يكن شخصٌ أَحبَّ إِليهم من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إِذا رأَوْهُ لم يقوموا؛ لِما يعلمون من كراهيتِه لذلك) رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.
أما أن يكون رجلٌ جالسٌ وحوله أَشخاصٌ قيامٌ تفخيما لشأنه، فهذا مَنهيٌّ عنه. روى مسلم عن عن جابرٍ رضي الله عنه قال: اشتكى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فصلَّيْنا ورَاءَه وهو قاعدٌ وأَبو بكر يُسمِعُ الناسَ تكبيرَهُ، فالتفتَ إلينا فرآنا قياما، فأَشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاتِه قعودا، فلما سلم قال: (إِنْ كِدتُم آنفا لتفعلون فِعلَ فارسَ والروم؛ يقومون على مُلوكِهم وهم قعودٌ، فلا تفعلوا، ائتَمّوا بأئمّتِكم؛ إِنْ صلى قائما فصلوا قياما، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا). فإذا كان هذا في الصلاةِ والقيامُ ركنٌ، ففي غيرِها أَولى. قال النووي: فيه النهيُ عن قِيامِ الغلمانِ والتُبّاعِ على رأسِ متبوعِهم الجالسِ لغيرِ حاجةٍ. انتهى.

وقد جاء النهي عن الصلاة على الجنازة بين القبور، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُصلَّى على الجنائز بين القبور) رواه الطبراني وغيره وقواه الألباني. وصلاة الجنازة وإن كان ليس فيها ركوع ولا سجود، لكن فيها قيام واستقبال فلعل هذا هو علة النهي عنها بين القبور؛ فحتى لا تكون الصورة في الظاهر القيام أمام القبور على هيئةٍ ظاهرُها التعظيم للقبور وإن لم يُقصد ذلك، فمُنعت سدا للذريعة. والله أعلم.

يتبع..
__________________
.
(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)
رد مع اقتباس