عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-15-2021, 12:48 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس الثَّاني



واجْتهدوا في التَّناصُح بينكُم والتَّعاوُن على الْبِرِّ والتَّقوى، والتَّواصي بالأمرِ بِالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكر.
كأنَّه يقول: التَّواصي بالحقِّ والصَّبر لا يكونُ بتسليكِ الأمور دون الوقوف أمرًا ونهيًا عليها، كما أنَّ الأمرَ والنَّهي لا ينفي ولا يمنع وُجود التَّواصي بالحق والصَّبر واستمرار الأخوة.
لأنَّ بعض النَّاس ماذا يفعل؟
بعضُ النَّاس بسبب الأمر والنَّهي؛ تراهُ يُقاطع غيرَه ويَهجرُه!
هذا مَسلك غير صحيح، وغير جيِّد.

والدَّعوةِ إلى كلِّ خيرٍ؛ لِتفوزوا بِالكرامةِ والأجرِ العظيم.
أسأل الله العظيمَ أن نكونَ من أهلِ الكرامة والأجر العظيم والفوز الكبير عند ربِّنا -سُبحانه وتعالى- العليِّ الكبير.

وفي الصِّيام فوائد كثيرةٌ، وحِكَمٌ عظيمة؛ منها:
تطهيرُ النَّفسِ وتَهذيبُها وتَزكِيَتُها مِن الأخلاقِ السَّيِّئةِ والصِّفاتِ الذَّميمةِ.
ذكرنا -في مجلسِ أمسِ- حديثَ النَّبي ﷺ: «رُبَّ صائمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ».
إذَن: لا تَظن -أيُّها المسلم- أنَّ الصيام -فقط- هو امتناع عن الطَّعام والشَّراب.
ولا يأتينا إنسانٌ مُلحِد -أو حَداثي، أو عَقلاني- ليقول: ما دام الصِّيام المقصود به التَّهذيب -وليس الامتِناع عن الجوع والعطش-؛ فأنا أهذِّب نفسي بطريقة أخرى!
هؤلاء مُبطِلون، وهؤلاء مُبطِلون!
تهذيب النَّفس يكون بإقامتِها على جادَّة الحق بالصِّيام في هذا الشَّهر العظيم؛ لذلك: ختم الله آيات الصِّيام بقولِه: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾؛ فالتَّقوى هي أعظمُ ما يرجو العبدُ ربَّه به في هذا الشَّهر الكريم؛ صِيامًا، وقيامًا، وقراءةَ قُرآن، وأذكارًا، واستِغفارًا، وصلاةً على النَّبي ﷺ، وصدقةً، وجُودًا، وإحسانًا-؛ هذا -كلُّه- لا شَّك ولا ريب- يُورِّث الإنسان هذه النَّفسَ الطيِّبةَ الزَّكيَّة.

تطهيرُ النَّفسِ وتَهذيبُها وتَزكِيَتُها مِن الأخلاقِ السَّيِّئةِ والصِّفاتِ الذَّميمةِ -كالأَشَرِ والْبَطَرِ..
(الأَشَر): الْمَرَح الزَّائد الذي يُخرج الإنسانَ عن حدِّ الاعتِدال.
(الْبَطَرِ): الطُّغيان بالنِّعمة والْغُرور بها والسُّلوك بها مَسلَكًا غيرَ شرعي، والله -تعالى- يقول: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾؛ يعني: طَغَت في معيشتِها.

..-كالأَشَرِ والْبَطَرِ والْبُخلِ-، وتعويدُها الأخلاقَ الكريمةَ -كالصَّبرِ والْحِلمِ، والْجُودِ والكَرَم-، ومُجاهدةُ النَّفس فيما يُرضِي اللهَ..
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.

فيما يُرضِي اللهَ ويُقرِّب لديهِ.
أسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن نكونَ من الْمُقرَّبين لله -عزَّ وجلَّ- فيما نقومُ به مِن طاعات وعباداتٍ وعِلمٍ وتعليمٍ وتَعلُّم، وما ذلك على اللهِ بعزيز.

ومِن فوائد الصَّوم:
أنَّه يُعرِّفُ العبدَ نفسَه وحاجَتَه وضَعفَه وفَقْرَه لِرَبِّه، ويُذَكِّرُه بِعظيمِ نِعَمِ اللهِ -تَعالى- عليه، ويُذَكِّرُه -أيضًا- بِحاجةِ إخوانِه الْفُقَراء؛ فيوجبُ لهُ ذلك شُكرَ اللهِ -سُبحانهُ وتَعالى- والاستِعانةَ بِنِعَمِهِ على طاعتِه، ومواساةَ إِخوانِهِ الفقراءِ والإِحسانَ إليهم.
لأنَّ العبادات تفتحُ أنوارُها أنوارَ بعضٍ، ويَفتحُ خيرُها خيرَ غيرِها -ممّا يدلُّ عليها ويُشير إليها-.
فإيَّاك أن تظنَّ أن العبادات حقول متباعدة؛ العبادات شيءٌ واحد؛ كالحقل الكبير الذي فيه أزهار متنوِّعة، وفاكهة متعدِّدة، تتناولُ هذا وذاك وذيَّاك بما يُرقيك ويُرَقِّيك أعظم وأعظم صِلة بالله -عزَّ وجلَّ- واستجابةً لأمرِه وأمرِ رسولِه -عليه الصَّلاة والسَّلام-.

وقد أشارَ اللهُ -سُبحانه وتَعالى- إلى هذه الفوائدِ في قولِه- عزَّ وجلَّ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ فأوضح -سُبحانه- أنَّه كَتَبَ علينا الصِّيامَ لِنتَّقِيَهُ -سُبحانهُ-؛ فدَلَّ ذلك: على أن الصِّيامَ وَسيلةٌ لِلتَّقوى.
يقول الإمامُ البغويُّ -في كتابه في التَّفسير -الكتاب الشَّهير-: «مَعالِم التَّنزيل»- يقول: «لأنَّ الصَّوم وَصلةٌ إلى التَّقوى؛ لما فيه من قهر النَّفس وكسْر الشَّهوات».
هذا هو أثرُ الصَّوم في نفسِ المؤمن، وفي دينِه وتقواه، وعِلمه وعَملِه.

والتَّقوى: هي توحيدُ اللهِ- سُبحانهُ-، والإيمانُ به وبِرَسولِهِ وَبِكُلِّ ما أخبرَ اللهُ بهِ ورَسولُهِ، وطاعَتُهِ ورسولِهِ بِفِعلِ ما أَمَرَ وتَركِ مَا نَهَى عنهُ -مِن: إخلاصٍ لله- عزَّ وجلَّ-، ومَحبَّةٍ، ورَغبةٍ ورَهْبة-؛ وبذلك يتَّقي العبدُ عَذابَ اللهِ -تَعالى- وغَضَبَه.
هنا أختمُ هذه المقدِّمة الأولى بكلمةِ الإمام التَّابعي الجليل طَلْق بن حبيب -رحمهُ الله-تعالى-، قال: «التَّقوى: عَملٌ بِطاعة الله على نورٍ من الله؛ ابتِغاءَ مَرضاة الله، واجتنابٌ لِمعصية الله على نورٍ من الله؛ خِيفَةَ عِقاب الله».
هذه كلماتٌ مبارَكات نُورانيَّات مِن سماحة أستاذِنا الكبير الشَّيخ عبد العزيز بن باز -رحمهُ الله-تعالى-..






انتهى المجلس الثَّاني
رد مع اقتباس