عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 04-18-2021, 01:38 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس الخامس




وعَن عُبادةَ بنِ الصَّامت -رضي اللهُ-تعالى-عنه-: أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «أتاكُمْ رَمضانُ، شَهْرُ بَركةٍ يَغْشَاكُم اللهُ فِيهِ، فَينزل الرَّحمة، ويَحُطُّ الْخَطايا، ويَسْتَجِيبُ فيهِ الدُّعاءَ، يَنْظُرُ اللهُ -تَعالى- إلى تَنافُسِكُمْ فِيهِ، وَيُباهِي بِكُمْ مَلَائِكَتَهُ، فَأَرُوا اللهَ مِن أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ» [«مجمع الزَّوائد» للهيثمي، وقال: رواه الطَّبراني].
وهذا الحديث -الحقيقة- الإمام نور الدِّين الهيثمي -في كتابه «مجمع الزَّوائد»- أشار إلى ضَعفه بأنَّ فيه أحد الرُّواة الذين لا يُعرَف لهم ترجمة، وهذه -إلى حدٍّ- إشارة توهينٍ وتمريض.

وعن أبي هريرةَ-رضيَ اللهُ عنهُ- قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إنَّ اللهَ- تباركَ وتَعالَى- فَرَضَ صِيامَ رَمَضانَ عليكم، وسَنَنْتُ لَكُمْ قِيامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقامَهُ إِيمانًا واحْتِسابًا؛ خَرَجَ مِن ذُنوبِهِ كَيَومِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [رواه النَّسائي].
وهو -أيضًا- في «مُسند» الإمام أحمد، وفي «سُنن» ابن ماجه -وغيرهما-، وفيه راوٍ ضعيف، وفيه -أيضًا- انقِطاع، وعدم سماع أحدِ الرُّواة من شيخِه.
أنبِّه -ههُنا- إلى نُقطة: أنَّ الأحاديث الضَّعيفة التي تتكلَّم عن أصلٍ عامٍّ ثابت؛ لا مانِع مِن ذِكرها؛ لكن: مع التَّنبيه إلى ضعفِها، أو روايتها بطريقةٍ فيها التَّوهين.
ونقول كما قال العالِم الجليل الإمام سعيد بن المسيب -رحمهُ الله- قال: «في الحديثِ الصَّحيح غُنيةٌ عن الحديث الضَّعيف».

وليس في قيامِ رَمضان حدٌّ مَحدود؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ لم يُوَقِّتْ لِأُمَّتِه في ذلك شَيْئًا، وإنَّما حثَّهم على قيامِ رَمضانَ، ولم يُحدِّد ذلك بِركعاتٍ معدودة.
المقصود؛ أي: من قول النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-.
أمَّا مِن فِعله؛ فحديث السَّيدة عائشة واضح -وهو في «الصَّحيحين»-: قالت -رضي الله-تَعالى-عنها-: «ما زادَ رَسولُ الله ﷺ فِي رَمضانَ وَلا غَيرِه عَلى إِحدَى عَشْرةَ رَكعةً»، وسيأتي مزيدُ بيانٍ في هذا الباب.

ولما سُئل ﷺ عن قِيامِ اللَّيلِ قال: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ؛ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» [رواه البخاري، ومسلم].
أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ في «الصَّحيحين»، والحديثُ عن ابنِ عُمر -رضيَ اللهُ عنهما-.
هذا الحديثُ يَستَدلُّ به كثيرٌ مِن أهل العلم على أنَّ صلاةَ الليل لا حدَّ لها.
والذي يَنشرح له صدري -في هذا الحديث-: أن هذا الحديث يدلُّ على الكيفيَّة ولا يدلُّ على الكميَّة، يدلُّ على كيفيَّة صلاةِ الليل أنَّها ركعتان ركعتان، ولا يدلُّ على كميَّتها بأنَّها تزيد أو تَنقص على إحدى عشرة ركعة أو أقل أو أكثر.
دلَّ ذلكَ عَلى التَّوسِعةِ في هذا الأمرِ، فمَنْ أَحبَّ أن يُصلِّيَ عِشرينَ رَكعةً ويُوتِر بِثلاثٍ؛ فلا بأسَ.
هذا اختِيار الشَّيخ، واختيار عددٍ ليس بالقليل مِن أهل العلم، وهو اختِيارٌ نحترمُه؛ وإن كنَّا نقول: الأفضلُ هديُ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ «وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ» -عليه الصَّلاة والسَّلام-.

ومَن أَحَبَّ أن يُصلِّيَ عشرَ ركعاتٍ ويُوتِر بِثلاثٍ؛ فلا بأس، ومَن أَحَبَّ أن يُصلِّيَ ثَمانِ رَكَعاتٍ ويُوتِرَ بِثلاثٍ؛ فلا بَأسَ، ومَن زادَ على ذلك أو نَقَص عَنه؛ فلا حَرَج عليه.
هذا -كلُّه- على معنى ما ذكرناه؛ مِن أنَّ من العلماء، أو كثيرًا من العلماء -حتى نكونَ دقِيقِين، ومُتكلِّمين بالأمانة-..كثيرًا مِن أهل العلم مَن يقولُ بالزِّيادة.
لكن: الشَّيخ -رحمهُ الله- ماذا قال -بعد أن ذكرَ هذه الأقوال-؟ قال:

والأفضَلُ: ما كان النَّبيُّ ﷺ يَفعلُهُ -غالبًا- وهو: أن يَقومَ بِثمانِ رَكَعات، يُسلِّم مِن كُلِّ ركعتَيْن ويُوتِر بِثلاثٍ، مع الْخُشوعِ والطُّمأنينةِ وتَرتِيلِ القراءةِ؛ لِما ثَبَتَ في «الصَّحيحَين».
يعني: عند البخاري ومسلم.

عن عائشةَ -رضيَ اللهُ عنهُا- قالت: «مَا كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَزيدُ في رَمَضانَ -ولا في غَيرِهِ- على إِحدَى عَشرَةَ رَكعةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا».
هذا الذي يُفضِّله سماحةُ الشَّيخ ابن باز، ولا شكَّ أنَّه الأفضل.
والحديث يقول -وقد كرَّرنا هذا-والحمد لله-في هذا اللِّقاء-أكثر من مرَّة-، وذكرناه في كثيرٍ من مجالسِنا-أكثر من مرَّة-: «وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ».
الحافظ ابن حَجر العسقلانيُّ -رحمهُ الله- في كتابه «فتح الباري» -الذي هو أعظمُ شرحٍ -إلى الآن- موجود بين أيدي النَّاس في شرح «صحيح البخاري»، يقول: «وفي الحديث دلالةٌ على أنَّ صلاتَه ﷺ كانت متساويةً في جميع السَّنة».
وقال في موضع آخر-بعد أن روَى حديثَ عائشة أمِّ المؤمنين -رضي الله-تعالى-عنها، وأرضاها-هذا الذي قُلناه: «ما زادَ رَسولُ الله ﷺ فِي رَمضانَ وَلا غَيرِه عَلى إِحدَى عَشْرةَ رَكعةً»-، قال: «وعائشةُ أعلمُ بحالِ النَّبي ﷺ ليلًا مِن غيرِها»؛ لأنَّ المسجدَ كان بجانبِ حُجرات الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- وأبياتِه؛ فهي خبيرةٌ بذلك -رضي الله-تعالى-عنها، وأرضاها-.
وهذه -الحقيقة- قرينة زائدة، تُرجِّح روايتَها على غيرِها.

وفي «الصَّحيحين» عنها -رضيَ اللهُ عنهُا-: «أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يُصَلِّي مِن اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعاتٍ يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثْنَتَينِ، ويُوتِرُ بِواحِدَةٍ».
هذا حديث في «الصَّحيحين» علَّق عليه الإمامُ ابنُ القيِّم يقول -في «زاد المعاد»-: وفي «الصَّحيحين» عن القاسم بن محمد سمعت عائشة -رضي اللهُ عنها- تقول: «كانت صلاة رسول الله ﷺ مِن اللَّيلِ عَشْرَ ركعات، ويُوتِر بِسَجدةٍ، ويَركَعُ ركعتَي الفجر، وذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً».
إذن: الثَّلاث عشرة ركعة لا تُعارِض الإحدى عشرةَ ركعة؛ لأنَّ الرَّكعتَين الزَّائدتَين هما ركعتا الفجر، وفي لفظٍ آخر عُدَّت ركعتا سُنَّة العشاء
وهذا اللَّفظ لمسلم.
ولفظ البخاري -من نفس الطَّريق-: «كان النَّبي ﷺ يُصلِّي من اللَّيل ثلاثَ عشرةَ ركعةً؛ منها: الوترُ ورَكْعَتا الفَجر».




انتهى المجلس الخامس
رد مع اقتباس