عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-02-2013, 11:00 PM
محمد خشان محمد خشان غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 143
افتراضي القول الصواب في ذكر من نزلت فيه (عبس وتولى) بالعتاب..

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , نبينا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد , وعلى آله وأصحابه أجمعين , وبعد ..

فلا يخفى على كل مسلم صادق ما لنبينا – صلى الله عليه وسلم – من المقام المحمود , والمنزلة السامية الرفيعة في قلوب المسلمين أجمعين , كيف لا يكون الأمر كذلك وهو الذي بعثه الله رحمة للعالمين , ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وهو الذي أشرقت الدنيا بدعوته , وأضاءت الأرض ببسبه بالهدى والتوحيد بعدما كانت غارقة في الجاهلية الشرك وأوحاله , وهو الذي أنقذنا الله به من دركات الشرك والباطل , فهدانا به إلى أنوار الحق وهو الذي بذل كل جهد في نجاة هذه الأمة من النار , فجزى الله نبينا وحبيبنا خير ما جزى نبيا عن أمته .
ولا يخفى أيضا أن حفظ مقام النبوة أن تمس أو يُـقـدح فيها بباطل هو من أوجب الواجبات وأعلاها , ولا يقول بخلاف ذلك إلا أحد رجلين :

* رجل جاهل لم يعرف مقام نبيه – صلى الله عليه وسلم – , فهو جاهل يُعلم .

* أو رجل حاقد زنديق يبطن النفاق , فهذا يهمل ولا كرامة .

وهنا ينبغي التنبه إلى الفرق بين القدح في مقام النبوة , وبين الكلام على عصمة الأنبياء عليهم السلام , فمن ظن أن من ينفي عصمة الأنبياء في أبواب دون التبليغ عن الله , أقول : من ظن أن كلامه من جنس القدح في مقام النبوة فقد خلط بين الأمور , ولم يُهد للصواب , فالقدح أساسه الزندقة , ودفينة السوء , ونفي العصمة – في إطار عقائد أهل السنة – هو من باب الدلائل , والمباحث النصية , والاجتهادية التي دلت عليها الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة .

ولبيان ما سبق فقد جمعت بعض المباحث المتعلقة بهذا الباب , خصصتها بسورة " عبس " حيث سمعت بعض الدكاترة – وفقنا الله وإياه لمراضيه – يقول أن سورة عبس إنما نزلت في الوليد بن المغيرة , حيث لا يستقيمُ أن تكون نزلت في حق النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ في ذلك انتقاص لمقام النبوة, كذا قال – هداه الله – أو كلاما معناه .
وقد جمعت هذه المادة على وجه الإختصار , حيث إن هذا المقام ليس مقام تفصيل وتطويل,فهذه القضية هي من المقررات عند أهل السنة ،وعلماء التفسير .

وختاما إني لأرجو من الله حسن الثواب والقبول, كما أرجو من الله أن يتسع صدر المناقَش لهذا المباحثة، والتي أردت فيها النصيحة والفائدة, والتنبيه على خطر الخروج على طريقة أهل السنة في تقرير الأقوال والمسائل.

وقد انتظم الكلام في هذه العجالة على فصول :

* أولها : ثبوت صحة سبب نزول الآية،وأنها نزلت في ابن أم مكتوم , وثبوت سبب النزول في مثل هذه الموارد مما يوجب القطع , والجزم بالتعيين .

* ثانيها : إتفاق بل إجماع أهل التفسير على أنها نزلت في ابن أم مكتوم لما عبس النبي – صلى الله عليه وسلم – في وجهه .

* ثالثها : ذكرُ طائفة من كلام أئمة التفسير في أن " عبس وتولى " إنما أنزلت في ابن أم مكتوم لما عبس النبي – صلى الله عليه وسلم – في وجهه .

* رابعها : بيان أن سياق الآيات في " عبس " إنما كان عتابا لطيفا للنبي , مع إجلال له – عليه الصلاة والسلام – .

* خامسها : ذكر بعض الآثار في أن الذي عبس هو نبينا – صلى الله عليه وسلم – .

* سادسها : رد الدعوى بأن السياق في قوله تعالى (( قُتل الإنسان ما أكفره )) يؤيد أنها نزلت في الوليد بن المغيرة .


ا
لمطلب الأول
ثبوت صحة سبب النزول , وأنها إنما نزلت في ابن أم مكتوم

لا يخفى أن معرفة سبب نزول الآية هو من أقوى الطرق للوقوف على معناها , يقول الإمام السيوطي – رحمه الله – كما في " الإتقان في علوم القرآن " ((1/82)) : عند كلامه على فوائد معرفة أسباب النزول , قال رحمه الله :

ومنها الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال , قال الواحدي : لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان سبب نزولها , وقال ابن دقيق العيد : بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معناي القرآن , وقال ابن تيمية : معرفة سبب النزول يُعيْن على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب . اهــ

ويقول الإمام الشاطبي – رحمه الله – كما في "الموافقات" ((4/146)) : معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن والدليل على ذلك أمران :

والوجه الثاني : وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقعٌ في الشبه والإشكالات , ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الإختلاف وذلك مظنة وقوع النزاع . اهــ

إذا تقرر ذلك , فليُعلم أنه قد ثبت في صحيح السنة أن سبب نزول " عبس " هو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كلح بوجهه , وأعرض عن ابن أم مكتوم , حينما كان مشغولا بدعوة صناديد قريش رجاء إسلامهم .

فقد روى الإمام الترمذي – رحمه الله – ((5/402)) برقم ((3331)) قال : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثني أبي قال : هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : أنزل } عبس وتولى { في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني , وعند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من عظماء المشركين فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعرض عنه ويقبل على الآخر, ويقول : أترى بما أقول بأسا , فيقال : لا , ففي هذا أنزل . اهــ

قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء ((4/244)) رجاله رجال الصحيح , وقال الشيخ الألباني في " صحيح سنن الترمذي " ((صحيح الإسناد)) , ورواه ابن حبان – رحمه الله – برقم (( 1769//ص 438 موارد)) قال : أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا عبدالله بن عمر الجعفي حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به .
قلت : ورجال إسناده ثقات .

ورواه الحاكم في " المستدرك " ((2/514)) قال – رحمه الله – : حدثنا علي بن عيسى الحيري ثنا الحسين بن محمد بن زياد ثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ثنا أبي عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة – رضي الله عنها – به ..

قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه , فقد أرسله جماعة عن هشام بن عروة , وقال الحافظ الذهبي : وهو الصواب . اهــ

ورواه الطبري في " تفسيره " ((30/64)) بنفس إسناد الترمذي السابق .

وكذا الواحدي في " أسباب النزول " ((845)) وغيرهم – رحم الله الجميع – من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : " أنزل عَبَسَ وَتَوَلَّى في ابن أم مكتوم الأعمى , أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني , وعند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجل من عظماء المشركين , فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعرض عنه , ويقبل على الآخر ويقول : أترى بما أقول بأسا , فيقال : لا . ففي هذا أنزل " .

وأورده مُحدّث اليمن الشيخ مقبل بن هادي – رحمه الله – في كتابه " الصحيح المسند من أسباب النزول " ص 267.

ورواه أيضا الإمام مالك – رحمه الله – في " موطئه " – مرسلا – ((1/203)) قال – رحمه الله – : عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : أنزلت عبس وتولى في عبدالله بن أم مكتوم جاء إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , فجعل يقول : يا محمد استدنيني , وعند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجل من عظماء المشركين , فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يعرض عنه ويقبل على الآخر , ويقول : يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأسا , فيقول لا والدماء ما أرى بما تقول بأسا , فأنزلت } عبس وتولى أن جاءه الأعمى { .



المطلب الثاني
ذكر من نقل الإجماع والإطباق والإتفاق من المفسرين على أن الذي عبس هو نبينا صلى الله عليه وسلم

اتفق أئمة التفسير على أن " عبس وتولى " إنما نزلت عتابا للنبي – صلى الله عليه وسلم – حينما عبس في وجه ابن أم مكتوم , وإليك طائفة من كلام من نقل الإجماع والإتفاق والإطباق .

* يقول الشيخ عطية محمد سالم كما في " تتمة أضواء البيان " ((9/27)) :
قوله تعالى :" عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى " (عبس : 2) .

سبب نزول هذه السورة ( بإتفاق المفسرين ) أنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بدعوة صناديد قريش فأتاه ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى وقال :" أقرئني يا رسول الله وعلمني مما علمك الله " وكرر ذلك فلم يتفق ذلك وما هو مشتغل به صلى الله عليه وسلم وم يرجوه مما هو أعظم فعبس وتولى عنه منصرفا لما هو مشتغل به . اهــ .

* يقول الرازي – رحمه الله – في تفسيره " مفاتيح الغيب " (31/50)) :

المسألة الثالثة ( أجمع المفسرون ) على أن الذي عبس وتولى وهو الرسول – عليه الصلاة والسلام – وأجمعوا على أن الأعمى هو ابن أم مكتوم .

* ويقول الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " (( 22/69)) :
( فروى أهل التفسير أجمع ) أن قوما من أشراف قريش كانوا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد طمع في إسلامهم , فأقبل عبد الله بن أم مكتوم , فكره النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يقطع عبدالله عليه كلامه , فأعرض عنه , ففيه نزلت هذه الآية .

* ويقول الإمام الشوكاني – رحمه الله – في تفسيره " فتح القدير " ((5/382)) :

( وقد أجمع المفسرون ) على أن سبب نزول الآية : أن قوما من أشراف قريش كانوا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد طمع في إسلامهم , فأقبل عبدالله بن مكتوم فكره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه فأعرض عنه فنزلت .

* ويقول الدكتور وهبة الزحيلي في "التفسير المنير " ((30/59)) :

( وقد أطبق المفسرون ) على أن الذي عبس هو الرسول – صلى الله عليه وسلم – , والأعمى : هو ابن أم مكتوم , واسمه عبدالله بن شريح بن مالك بن ربيعة الزهري , وقد عاتب الله نبيه على عبوسه في وجه الأعمى , حتى لا تنكسر قلوب أهل الصّفّة أو ليعلم أن المؤمن الفقير خير من الغني , وأن النظر إلى المؤمن أولى وأصلح , وإن كان فقيرا , من النظر إلى غيره , وهو الإقبال على الأغنياء طمعا في إيمانهم , وإن كان فيه نوع من المصلحة أيضا . اهــــ

المطلب الثالث
ذكر طائفة من مقالات أهل التفسير في أن الذي عبس هو نبينا – صلى الله عليه وسلم –


* يقول شيخ المفسرين الإمام الطبري – رحمه الله – كما في تفسيره " جامع البيان " ((30/64)) :
القول في تأويل قوله تعالى :} عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى { .
يعني تعالى ذكره بقوله : ( عَبَسَ ) قبض وجهه تكرها , ( وَتَوَلَّى ) يقول : وأعرض ( أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ) يقول : لأن جاءه الأعمى ... وذُكر أن الأعمى الذي ذكره الله في الآية , هو ابن أم مكتوم , عوتب النبي – صلى الله عليه وسلم – بسببه . اهـــ

ثم ساق الإمام الطبري – رحمه الله – الآثار على هذا القول , وسيأتي ذكر شيء منها .

* وفي تفسير ابن أبي حاتم – رحمه الله – ((12/365)) ما نصه : عن ابن عباس قوله :" (عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) , قال : بينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يناجي عتبة بن ربيعة , وأبا جهل بن هشام , والعباس بن عبدالمطلب , وكان يتصدى لهم كثيرا , ويحرص أن يؤمنوا , فأقبل عليه رجل أعمى يقال له : عبدالله بن أم مكتوم , يمشي وهو يناجيهم , فجعل عبدالله يستقرئ النبي – صلى الله عليه وسلم – آية من القرآن , وقال : يا رسول الله , علمني مما علمك الله , فأعرض عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – , وعبس في وجهه , وتولى وكره كلامه , وأقبل على الآخرين , فلما قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكلمه , وقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – :" ما حاجتك؟ هل تريد من شيء؟ " , وإذا ذهب من عنده , قال:" هل لك حاجة في شيء؟ " وذلك لما أنزل الله تعالى :" أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى " .

* ويقول محيي السنة الإمام البغوي – رحمه الله – كما في تفسيره ص 1382 :
عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى .....

} عَبَسَ { كلح } وَتَوَلَّى { أعرض بوجهه . } أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى { [ أي : لأن جاءه الأعمى ] وهو ابن أم مكتوم , واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي , وذلك أنه أتى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو يناجي عتبة بن ربيعة , وأبا جهل بن هشام , والعباس بن عبد المطلب , وأبيّ بن خلف وأخاه أمية , يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم , فقال ابن أم مكتوم : يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله , فجعل يناديه ويكرر النداء , ولا يدري أنه مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لقطعه كلامه , وقال في نفسه يقول هؤلاء الصناديد : إنما أتباعه العميان والعبيد والسفلة , فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم , فأنزل الله هذه الآيات , فكان رسول الله بعد ذلك يكرمه , وإذا رآه قال : مرحبا بمن عاتبني فيه ربي , ويقول له : هل لك من حاجة ؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما . اهـــ

* ويقول الإمام بن كثير – رحمه الله – كما في تفسيره ((4/629)) :

ذكر غيرُ واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطبُ بعض عظماء قريش، وقد طَمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابنُ أم مكتوم-وكان ممن أسلم قديما-فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه، وودَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ طمعا ورغبة في هدايته. وعَبَس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فأنزل الله عز وجل: } عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى .

* ويقول الطاهر بن عاشور – رحمه الله – كما في تفسيره " التحرير والتنوير " ((30/91)) :

وهذا الحادث سبب نزول هذه الآية من أولها إلى قوله : {بَرَرَةٍ} , وهو ما رواه مالك في الموطأ – مرسلا – عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : أنزلت {عَبَسَ وَتَوَلَّى} في ابن أم مكتوم , جاء إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجعل يقول: يا محمد استدنني ، وعند النبي – صلى الله عليه وسلم – رجال من عظماء المشركين فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يعرض عنه "أي عن ابن أم مكتوم" ويقبل على الآخر، ويقول: "يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأسا" فيقول "لا والدماء ما أرى بما تقول يأسى"، فأنزلت {عَبَسَ وَتَوَلَّى} .

* ويقول ابن جزي – رحمه الله – في كتابه " التسهيل لعلوم التنزيل " ((3/282)) :
سبب نزول صدر هذه السورة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان حريصا على إسلام قريش , وكان يدعو أشرافهم إلى الله تعالى ليسلموا فيسلم بإسلامهم غيرهم , فبينما هو مع رجل من عظمائهم قيل هو الوليد بن مغيرة وقيل عتبة بن ربيعة وقيل أمية بن خلف وقال ابن عباس كانوا جماعة إذ أقبل عبدالله بن أم مكتوم الأعمى , فقال : يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك وهو لا يعلم بتشاغله بالقوم فكره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قطع الأعمى كلامه فعبس وأعرض عنه , وذهب الرجل الذي كان مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنزلت الآية , فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا رأى عبدالله بن أم مكتوم بعد ذلك يقول : مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويبسط له رداءه وقد استخلفه على المدينة مرتين .

* ويقول أبو السعود في تفسيره , والمشهور بــ "تفسير أبي السعود " ((9/107)) :
رُويَ أنَّ ابنَ أمِّ مكتومٍ واسمُه عبدُ اللَّه بنُ شُريحِ بنِ مالكِ بنِ أبي ربيعةَ الفهريُّ وأمُّ مكتومٍ اسمُ أبيهِ أتَى رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – وعندَهُ صناديدُ قريشٍ عتبةُ وشيبةُ ابنا ربيعةَ وأبُو جهل بنُ هشامٍ والعباسُ بنُ عبدِ المطلبِ وأميةُ بنُ خلفٍ والوليدُ بنُ المغيرةِ يدعُوهم إلى الإسلامِ رجاءَ أنْ يسلمَ بإسلامِهم غيرُهم , فقالَ له : يا رسولَ الله أقرئْنِي وعلمنِي مما علمكَ الله تعالَى ، وكررَ ذلكَ وهو لا يعلمُ تشاغلَهُ عليه الصلاةُ والسلامُ بالقوم فكرِه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قطعَهُ لكلامِه وعبسَ وأعرضَ عنه فنزلتْ . فكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يكرمُه ويقولُ إذا رآه : « مرحباً بمن عاتبَني فيه ربِّي » ويقولُ لهُ : « هل لكَ من حاجةٍ » واستخلفَهُ على المدينة مرتينِ .

* وفي تفسير " الكشاف " للزمخشري – رحمه الله – ((4/701)) قوله :

(عبس وتولى )
أتى رسول اللّه – صلى اللّه عليه وسلم – ابن أمّ مكتوم - وأمّ مكتوم أمّ أبيه ، واسمه عبد اللّه بن شريح ابن مالك بن ربيعة الفهري من بنى عامر بن لؤي - وعنده صناديد قريش : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام. والعباس بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة , يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم , فقال : يا رسول اللّه ، أقرئنى وعلمني مما علمك اللّه ، وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم ، فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قطعه لكلامه ، وعبس وأعرض عنه ، فنزلت فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه : مرحبا بمن عاتبني فيه ربى ، ويقول له : هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين ، وقال أنس : رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء .اهــ

* وفي " محاسن التأويل " للقاسمي – رحمه الله – ((9/324)) ما نصه :

روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب ، وكان يتصدى لهم كثيراً ، ويحرص عليهم أن يؤمنوا ، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له : عبد الله بن أم مكتوم ، يمشي وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرئ النبيَّ صلى الله عليه وسلم آيةً من القرآن وقال : يا رسول الله ! علِّمني مما علمك الله , فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه ، وتولى وكرِه كلامه ، وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه , وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك اللهُ بعض بصره وخفق برأسه ثم أنزل الله تعالى :

{ عَبَسَ وَتَوَلَّى } الآيات ؛ فلما نزل فيه ما نزل < أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّمه ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ما حاجتك ؟ هل تريد من شيء ؟ وإذا ذهب من عنده قال : هل لك حاجة في شيء ؟

قال ابن كثير : وهكذا ذكر عروة بن الزبير ومجاهد وأبو مالك وقتادة والضحاك وابن زيد وغير واحد من السلف والخلف ، أنها نزلت في ابن أم مكتوم ، والمشهور أن اسمه عبد الله ، ويقال : عمرو . والله أعلم . انتهى .

وقال الرازي : أجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى هو رسول الله صلوات الله عليه , وأجمعوا أن الأعمى هو ابن أم مكتوم . قال الشهاب : وهو مكيّ قريشي من المهاجرين الأولين . اهــ كلام القاسمي .

* ويقول الشيخ أبو بكر الجزائري كما في تفسيره " أيسر التفاسير " ((5/517)) :

قوله تعالى { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } هذا عتاب لطيف يعاتب به الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فالذي عبس بمعنى قطب وجهه وأعرض هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والأعمى الذي لأجله عبس رسول الله وأعرض عنه هو عبد الله بن أم مكتوم الأعمى أحد المهاجرين ابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين . وسبب هذا العتاب الكريم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مكة يوما ومعه صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل والعباس بن عبد المطلب وأميّة بن خلف يدعوهم إلى الإِسلام مجتهدا معهم يرغبهم ويرهبهم طمعا في إسلامهم فجاء عبد الله بن أم مكتوم ينادي يا رسول الله اقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك مرارا فانزعج لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسوله الله صلى الله عليه وسلم قطعه لحديثه مع القوم فعبس وتولى عنه لا يجيبه ، وما إن عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله حتى نزلت هذه الآيات { عبس وتولى } أي قطب وأعرض .



المطلب الرابع
ذكر برهان على أن قوله تعالى لنبيه "عبس وتولى" إنما نزلت عتابا لطيفاً من الله سبحانه وتعالى لنبيه , مع تعظيم وإجلال له عليه الصلاة والسلام

في قوله تعالى لنبيه " عبس وتولى " فائدة بديعة , ودلالة مليحة إلى تلطف الله سبحانه مع نبيه في الخطاب , حيث ساق العتاب – سبحانه – بصيغة الغائب , فقال " عبس وتولى " , ولم يقل " عبست وتوليت " ولا يخفى عند أهل اللغة والفصاحة الفرق بين السياقين , ثم بعد ذلك وجه – سبحانه – الخطاب بصيغة المباشر بقوله " وما يدريك لعله يزكى " وهذا من أحسن العتاب وأرقه , إذ عاتب بصيغة الغائب ثم عاد بالخطاب المباشر .

وقال السهيلي : وانظر كيف نزلت الآية بلفظ الإخبار عن الغائب , فقال عبس وتولى ولم يقل عبست وتوليت , وهذا يشبه حال العاتب المعرض ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب , فقال وما يدريك لعله يزكى الآية , علما منه سبحانه أنه لم يقصد بالإعراض عن ابن أم مكتوم إلا الرغبة في الخير , ودخول ذلك المشرك في الإسلام إذ كان مثله يسلم بإسلامه بشر كثير فكلم نبيه حين ابتدأ الكلام بما يشبه كلام المعرض عنه العاتب له ثم واجهه بالخطاب تأنيسا له عليه السلام . اهــ

* وجاء في تفسير " اللباب " لابن عادل – رحمه الله – ((1/1203)) ما نصه :

ومع هذا أنزل الله تعالى في حقه : {عَبَسَ وَتَوَلَّى } , بلفظ الإخبار عن الغائب تعظيماً له , ولم يقل : عَبْسَتَ وتولَّيت.

ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيساً له , فقال : " ومَا يُدْرِيكَ " أي : يعلمك " لَعلَّهُ " ابنُ أم مكتوم " يَزَّكَّى " بما استدعى منك تعليمه إياه من القرآن والدين , وإنَّما ذكره بلفظ العمى ليس للتحقير , بل كأنه قيل : إنه بسبب عماه يستحق مزيد الرفق والرأفة . اهــ

* ويقول المفسر الألوسي – رحمه الله – كما في تفسيره " روح المعاني " ((30/39)) :

وفي التعبير عنه عليه الصلاة والسلام بضمير الغيبة إجلال له صلّى اللّه عليه وسلم لإيهام أن من صدر عنه ذلك غيره لأنه لا يصدر عنه صلّى اللّه عليه وسلم مثله كما أن في التعبير عنه صلّى اللّه عليه وسلم بضمير الخطاب في قوله سبحانه وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ذلك لما فيه من الإيناس بعد الإيحاش والإقبال بعد الإعراض والتعبير عن ابن أم مكتوم بالأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلّى اللّه عليه وسلم وتشاغله بالقوم .. اهــ

* ويقول الإمام القرطبي كما في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " ((19/213)) :
الآية عتاب من الله سبحانه لنبيه – صلى الله عليه وسلم – في إعراضه وتوليه عن عبد الله ابن أم مكتوم . اهـــ

المطلب الخامس
ذكر (بعض) الآثار في أن الذي "عبس" هو نبينا عليه الصلاة والسلام

قال الإمام الطبري – رحمه الله – في تفسيره ((30/64-66)) :

* حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثنا أبي، عن هشام بن عروة مما عرضه عليه عروة، عن عائشة قالت: أنزلت( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) في ابن أمّ مكتوم قالت: أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعْرِض عنه، ويُقْبِل على الآخر ويقول: "أتَرَى بِما أقُولُهُ بأسًا؟ فيقول: لا ففي هذا أُنزلت:( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) .

* حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب ، وكان يتصدّى لهم كثيرا، ويَعرض عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أمّ مكتوم، يمشي وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرئ النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن، وقال: يا رسول الله، علمني مما علَّمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبس في وجهه وتوّلى، وكره كلامه، وأقبل على الآخرين؛ فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك الله بعض بصره، ثم خَفَق برأسه، ثم أنزل الله:( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ) ، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّمه، وقال له: "ما حاجَتُك، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيءٍ؟" وإذا ذهب من عنده قال له: "هَلْ لكَ حاجَةٌ فِي شَيْء؟ ..

* حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) عبد الله بن زائدة، وهو ابن أمّ مكتوم، وجاءه يستقرئه، وهو يناجي أُميَّة بن خلف، رجل من عِلْية قريش، فأعرض عنه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيه ما تسمعون:( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) إلى قوله:( فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم استخلفه بعد ذلك مرّتين على المدينة في غزوتين غزاهما يصلي بأهلها.

* حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبيَّ بن خَلَف، فأعرض عنه، فأنزل الله عليه:( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يُكرمه ...

* حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسألته عن قول الله عزّ وجلّ:( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائده يبصر، وهو لا يبصر، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى قائده يكفّ، وابن أمّ مكتوم يدفعه ولا يُبصر؛ قال: حتى عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاتبه الله في ذلك، فقال:( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ... ) .

المطلب السادس
رد الدعوى بأن السياق في قوله تعالى "قتل الإنسان ما أكفره" يؤيد أنها نزلت في الوليد بن المغيرة

قد قيل : بأن قوله تعالى (( قتل الإنسان ما أكفره )) في سورة "عبس" موافق لقوله تعالى في سورة "المدثر" (( ذرني ومن خلقت وحيدا .... إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر* ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر ...)) فقال بحمل ما جاء في صدر سورة عبس , على سورة المدثر والتي تتعلق آياتها بالحديث عن الوليد بن المغيرة في أشهر أقوال المفسرين ..

وهذا – لعمر الله – مجانبٌ للصواب , فكما قيل : إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل , فلا يصح في ميزان العلم أن تترك النصوص الواضحات والأدلة البينات , وما أوردناه من الإجماعات , من أجل لفظ اتحد مع لفظ آخر من آية أخرى,فهذا انحراف شديد في الفهم والاستدلال، فعلى هذا سنضرب الآيات بعضها ببعض , وسنخلط فيها خلطا قبيحا يأباه التحقيق العلمي في هذا الباب , وتأباه بشدة قواعد التفسير وضوابطه , ومما يدل على وقوع هذا الخلط والإضطراب عند قائل هذه المقالة , هو أن يقال له :
إذا كان قوله تعالى : (( عبس وتولى * أن جاءه الأعمى )) خطابا للوليد بن المغيرة , فعلى أي القواعد العلمية ،والبراهين المنطقية نحمل قوله تعالى في الآية التي تليها – مباشرة – : (( وما يدريك لعله يزكى )) فالسياق واحد والموضوع متحد , والعتاب هو هو , لم ينتقل بعد إلى أمر آخر , فإما أن يكون المخاطب في قوله تعالى : ((وما يدريك لعله يزكى)) هو :

* النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو الصواب فيكون هو المخاطب أيضا بما قبلها ((عبس وتولى)) إذ النص لا زال متصلا بالعتب الرقيق ...

* أو يكون المخاطب في قوله تعالى : ((وما يدريك لعله يزكى)) هو الوليد بن المغيرة , حملا لها على ما قبلها , - عند من يقول أن الذي عبس هو الوليد - , إذ السياق لا زال متحدا موضوعيا , وهنا السؤال : هل يصلح أو يستقيم أن يخاطب ربنا الوليد – المشرك – بقول ((وما يدريك لعله يزكى)) !! قطعا لا يستقيم , فلذلك إما أن يكون سياق صدر الآيات ((عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى ..)) خطابا للنبي – صلى الله عليه وسلم – وهو الصواب , أو تكون خطابا للوليد , وبالتالي نجعل النص غير متراكب ولا متماسك , وجل الله أن يقع في كلامه مثل ذلك , وعودا على مسألة الباب
فأقول :

قوله تعالى (( قتل الإنسان ما أكفره )) , ما المقصود بـ ((الإنسان)) في الآية ؟؟ وهل الألف واللام فيها للعهد أم للجنس ؟؟ ...
والجواب :
إما أن يكون المقصود بـ ( الإنسان ) , الإنسان الكافر , أو المكذب خاصة , فهنا يكون الكلام من باب العام الذي أريد به الخصوص ...

أو أن يكون المقصود به جنس الإنسان , بالعموم , ويخرج المؤمن من هذا العموم بدلالة النصوص الكثيرة الأخرى الدالة على رضى الله عن المؤمن , ومحبته له ولعمله , وكلا القولين معتبر , لا يخرج عن حد العلم وقواعده , بخلاف غيره من الأقوال ..

* يقول الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه " إعراب القرآن " ((5/151)) :

قال مجاهد إذا قال الله تعالى : قُتل الإنسان أو فعل به فهو الكافر , ومعنى قتل : أهلك , لأن المقتول مُهلَك , وقيل قتل : أي لعن ما أكفره . اهــ

* ويقول الإمام ابن الجوزي – رحمه الله – في كتابه " تذكرة الأريب في تفسير الغريب " ((2/273)) :

(قُتل) : أي لعن , (الإنسان) : أي الكافر . اهــ
* ويقول الحافظ ابن كثير (4/631) : وهذا لجنس الإنسان المكذب لكثرة تكذيبه بلا مستند , بل مجرد الإستبعاد وعدم العلم . 1هــ

* ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في " تفسير جزء عم " ص64 :
(قتل الإنسان) : قال بعض العلماء : المراد بالإنسان هنا الكافر خاصة , وليس كل إنسان لقوله فيما بعد ( ما أكفره ) , ويحتمل أن يكون المراد بالإنسان الجنس , لأن أكثر بني آدم كفار , كما ثبت في الحديث الصحيح : (( يا آدم , فيقول : لبيك وسعديك , فيقول الله عز وجل : أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار , فيقول : يا رب , وما بعث النار؟ قال : من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين )) فيكون المراد بالإنسان هنا الجنس , ويخرج المؤمن من ذلك بما دلت عليه النصوص الأخرى . اهــ
هذا ما يسر الله جمعه في هذه العجالة , والله الموفق للخيرات .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وأتباعه إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين .

رد مع اقتباس