عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-26-2013, 09:27 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي



النوع الثاني / مقومات الأداء .

اعلم – سلمك الله – أن الإمام أو الخطيب إذا أعد نفسه علماً وعملاً بتحقيق ظاهر أمره وباطنه فإنه ينتقل إلى مرحلة جديدة في أعماله الدعوية ، وهي مرحلة مخالطة الناس والاحتكاك بهم فيتعين عليه في هذا المقام أن يحسن الأداء في إمامتهم في الصلاة ، وفي خطابهم على المنبر أو في المحاضرات والدروس .

وللنجاح في هذا المقصد عليه أن يحقق مقومات الأداء النافع الصحيح ، وذلك من جهتين :

الجهة الأولى / تحقيق مقاصد الخطاب الدعوي .

الجهة الثانية / أسلوب إيصال الحق إلى المخاطبين .

أما الجهة الأولى / تحقيق مقاصد الخطاب الدعوى .

إن مقاصد الخطاب الدعوي للدعاة الربانيين هو ما لاقى مقاصد الرسل والأنبياء في خطابهم أممهم وأقوامهم ، وذلك ينبني على أصلين عظيمين اتفق عليهما كل الرسل والأنبياء ، وهما :

( الإيمان بالله ) وما يتبعه من الإيمان بالرسالة ، و ( الإيمان باليوم الآخر ) .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان

أحدهما : تعريف الطريق الموصلة إليه وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه .

الثاني : تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم الذي لا ينفد وقرة العين التي لا تنقطع .
وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول ومبنيان عليه فأعرف الناس بالله أتبعبهم للطريق الموصل إليه وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه " (الصواعق المرسلة : 1/152) .

فقاعدة الإصلاح الكبرى تتضمن أمرين :

الأمر الأول/ هو: (الإيمان بالله) ويشمل : الأمر والنهي من حيث إفراد الله بهما توحيداً، وتجريد الرسول بهما إتباعاً، والتزام طريق الصحابة بهما فهماً .

والأمر الثاني/ هو: (الإيمان باليوم الآخر) ويشمل الثواب والعقاب، والنعيم والعذاب .

وهذان الأمران من حيث الإجمال وردا في كثير من نصوص الكتاب والسنة ، منها :

• قوله – تعالى - :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}( )

• وقوله - تعالى -:{ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }( )

• وقوله – تعالى -:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}( )

وكذلك هي دعوة كل الرسل والأنبياء :

 فقال – عن إبراهيم - :{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}( ).

 وقال – عن شعيب - :{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ}( ).

  1. فواجب الأئمة والخطباء في دعوتهم تعليم الناس حقيقة الإيمان بالله – تعالى – والبداية ببيان حقه على العباد وهو إفراده بالعبادة ، وبيان معنى كلمة التوحيد التي اشتملت على هذا المعنى لأن أهم الواجبات، وأعظم الأصول، هو توحيد الله – تعالى – ، قال – سبحانه –:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }[الأنبياء: 25]، وقال :{ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون }[النحل: 2].

" وتوحيد الله، وإخلاص الدين له في عبادته، واستعانته، في القرآن كثيرا جدا، بل هو قلب الإيمان، وأول الإسلام وآخره " (مجموعة الفتاوى:1/70).

ولذلك فمن امتلأ قلبه به، وذاق حلاوته، فأنست به نفسه، وأنشرح له صدره، سيكون هذا الأصل العظيم هو منطلق دعوته، ومبدأ وعظه.

"ولهذا كان المحققون على أن الشهادتين أول واجبات الدين، كما عليه خلص أهل السنة"(مجموعة الفتاوى:1/76).

وأكد هذا المعنى الإمام ابن باز – رحمه الله – حيث قال:" الصواب ما ذكره المحققون من أهل العلم: أن أول واجب هو شهادة أن لا إله إلا الله علما وعملا، وهي أول شيء دعا إليه الرسل، وسيدهم وإمامهم نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – أول شيء دعا إليه أن قال لقومه: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا).

ولما بعث معاذا – رضي الله عنه – إلى اليمن، قال له: ( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله )؛ ولأن التوحيد شرط لصحة جميع العبادات، كما يدل عليه قوله – تعالى -:{ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون }[الأنعام: 88]
"(من تعليقه على فتح الباري:1/70).

ثم عليهم أن يبينوا حق النبي – صلى الله عليه وسلم – في الطاعة والمتابعة ، ويحذروهم من البدع والمحدثات ، وأن شرط قبول الأعمال موافقة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، كما ثبت عن عائشة رَضِي الله عنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " ( مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ) .

ومما ثبت عنه أنه يقول في خطبه : " أمَّا بَعْدُ ، فَإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ الله ، وَخَيرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ بِدْعَة ضَلالَةٌ " ( مسلم ) .

ويبين لهم الأصول العظام في دين الإسلام مما يتعين عليهم معرفته والعمل به .

ويتوصل إلى هذه المقاصد باستعمال الترغيب والترهيب وذكر الوعد والوعيد ، وبيان الثواب والعقاب حتى تنزجر النفوس المعرضة ، وتنشط النفوس المقبلة .

ويصل بهم بحادي الشوق إلى جنات النعيم ، ويسوقهم بسياط الخوف إلى مستقر السعداء ، ويمنعهم به عن التخلف أو الخروج عن ركب الأبرار .

قال العلامة صديق حسن خان في (الموعظة الحسنة بما يخطب في شهور السنة) : " اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده – صلى الله عليه وسلم – من ترغيب الناس وترهيبهم ، فهذا في الحقيقة هو روح الخطبة الذي لأجله شرعت " (نقلاً عن الأجوبة النافعة ص/53) .

وقال – أيضاً - : " وكان – صلى الله عليه وسلم – يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين .

ويذكر معالم الشرائع في الخطبة والجنة والنار والمعاد ، فيأمر بتقوى الله ، ويحذر من غضبه ، ويرغب في موجبات رضاه ، وقد ورد قراءة آية ، ففي حديث مسلم : ( كان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ، ويذكر الناس ويحذر )
" (نقلاً عن الأجوبة النافعة ص/56 – 57 ).

وأما الجهة الثانية / أسلوب إيصال الحق إلى المخاطبين .

اعلم – وفقك الله - أن غرض الإمام والخطيب إيصال الحق إلى المدعوين وتحقيق هدايتهم ، وهذا المقصد يقتضي سلوك الأساليب النافعة ، والبيانات الواضحة ، والطرق الحكيمة .

وسنبين أهم الأساليب المطلوب منهم سلوكها لتحقيق مقاصد الدعوة الشرعية :

1) من جهة الاستهلال :

الخطيب الموفق هو الذي يستهل خطبته ويفتتح كلامه بما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يفتتح به خطبه ، وهي خطبة الحاجة : " إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره . . . " الحديث . كما رواه مسلم وغيره من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه - .

وقد عد الألباني – رحمه الله – من البدع " اعراض الخطباء عن خطبة الحاجة : " إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره . . . " وعن قوله – صلى الله عليه وسلم – في خطبه : " أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله " (الأجوبة النافعة ص/ 69) .

وعليه أن يحرص على السنة في كل فقرات خطابه ، فإن الله يكسو كلامه من هيبة النبوة ما يجعله ينفذ إلى القلوب ، ويستقر فيها .

وعليه فليحذر من البدع القولية والعملية التي يفعلها بعض الخطباء ، ومنها :

قيام الإمام عند أسفل المنبر يدعو .

تباطؤه في الطلوع على المنبر .

مواظبة الخطباء يوم الجمعة على قراءة حديث في آخر الخطبة دائماً ، كحديث : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " .

تكلف الخطيب رفع الصوت في الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – فوق المعتاد في باقي الخطبة .

سكتات الخطيب في دعائه على المنبر ليؤمن عليه المؤذنون .

الترنم في الخطبة .

رفع الخطيب يديه في الدعاء في غير الاستسقاء .

التزام ختم الخطبة بقوله – تعالى - : { إن الله يأمركم بالعدل والإحسان } ، أو بقوله : { اذكروا الله يذكركم } .

2) من جهة الألفاظ :

ينبغي له اختيار لغة الخطاب المشتملة على العبارة الواضحة ، والأسلوب البين الذي يفهمه المخاطبون ، مع العناية بجمال الكلمة من جهة التراكيب العذبة ، والمفردات الجزلة دون تكلف السجع ؛ فإن من البيان لسحراً .

وليجتنب الكلمات العامية ، واللحن في الكلام ، والمفردات الغريبة ، والجمل المعقدة .

تنبيه : ممكن أن تستعين على بلوغ هذا المقصد بأن تجعل لك ( كراسة ) تقيد فيها ما يمر بك من جمل أدبية ، وعبارات عذبة ، ومفردات جزلة .

3) من جهة الإلقاء :

إن طريقة مخاطبة الناس لها شأن كبير في أسر قلوبهم وتنبيه الغافل منهم ، فحزم الخطيب ، ونبرات صوته المتناسقة ، ووقفاته المتعاقبة ، وتأنيه في الأداء حتى تستجمع قلوبهم مقصوده من الكلام بلا تماوت في إخراج الكلمات يبعث على السآمة ، ولا عجلة مفرطة تفوت المقصود ، وتوتر الأذهان .

فيعلو صوته حين يقتضي المقام علو الصوت كذكر الساعة ، والنار ، والقبر ونحوها ، فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرِنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى" (صحيح ، الإرواء : 608 ).

وإذا كان في مقام تعليم كرر الكلام حتى يفهم عنه متوسطاً بلا تكرار ممل ، ولا عجلة لا يفهم معها الكلام .

فقد " كَانَ ابْنُ السَّمَّاكِ يَعِظُ النَّاسَ يَوْمًا فَطَوَّلَ ، فَلَمَّا فَرَغَ دَخَلَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ عَاقِلَةٌ ، فَقَالَ لَهَا : كَيْفَ رَأَيْتِ كَلامِي ؟ فَقَالَتْ : حَسَنٌ لَوْلا أَنَّكَ تُكَرِّرُ وَتُرَدِّدُ كثيرا . فَقَالَ لَهَا : إِنَّمَا أُكَرِّرُ وَأُرَدِّدُ حَتَّى يَفْهَمَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ . فَقَالَتْ لَهُ : إِلَى أَنْ يَفْهَمَهُ مَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ قَدْ نَسِيَ مَنْ قَدْ فَهِمَهُ . فَعَجِبَ مِنْ حُسْنِ قَوْلِهَا أَوْ فِطْنَتِهَا " (المجالسة وجواهر العلم : 4/264) .

وهنا تنبيهات مهمة ، منها :

أن يكون مؤمناً بما يقول ، ملتزماً بالشريعة ما أمكنه حتى يأخذ قوله موقعه اللائق به من قلوب سامعيه لصدقه وإيمانه .

لا يليق به أن يقلد الخطباء المشهورين في طريقة الأداء والنبرات واللهجة حتى كأنه نسخة ثانية منه ؛ لأن ذلك يزري به .

يجهد نفسه أن تكون خطبته بلا ورقة ، لأن هذا أدعا لانتباه الناس إلى كلامه وتأثرهم به .

4) من جهة مواقفه :

إن المنبر أو كرسي المحاضرات ليس سجناً يقيد الخطيب والمحاضر ، فكثير منهم لا يحسن إدارة المسجد أثناء الخطبة أو المحاضرة ، والمطلوب منه أن يمتاز بالنباهة ، وحسن البديهة ، ومعالجة المواقف الطارئة بحنكة وذكاء .

فليس هو بآلة كشريط صوتي لا يتفاعل مع الأحداث حوله ، وكأنه آلة تسرد على الناس برهة من الوقت مجموعة من النصائح ، ثم ينزل .

بل المطلوب منه : أن يكون جريئاً ، موطناً نفسه على معالجة ما يطرأ من المواقف أثناء خطبته ، متصفاً بالعلم والحكمة والحلم والرفق والشجاعة والصبر .

فقد كان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إذا عرضت له حاجة أو سأله سائل قطع خطبته وقضى الحاجة وأجاب السائل ثم أتمها وكان إذا رأى في الجماعة فقيراً أو ذا حاجة أمر بالتصدق وحرض على ذلك " ( الأجوبة النافعة ص/ 58 ) .

5) من جهة الدليل :

يجب عليه أن يتحرى في خطابه ذكر الدليل حتى يتلقنه المخاطبون عنه ، وأن يكون من النصوص المحكمة ، والأحاديث الصحيحة ، وإذا كانت المسائل مما يقع فيها الخلاف فيذكر الأقوال الراجحة ، دون المرجوحة فضلاً عن الشاذة .

وإن ذكر التعليلات الواضحة غير المتكلفة فحسن ، وإلا فاكتفاؤه بالدليل هو المقصود.

وعلة المؤمن قال الله *** قال رسوله ومصطفاه

6) من جهة الموضوع :

من مميزات الداعية الناجح ، والخطيب المفوه وحدة الموضوع في خطابه ، فهو لا يشتت أذهان المخاطبين بتنقلاته العشوائية بين المواضيع حتى تطيش أفكارهم وتتبلد أفهامهم . بل يفتتح موضوعه بتمهيد يدل على أصل الموضوع ثم يسترسل في بيان أدلته وشواهده النقلية والعقلية ، ويذكر آثاره ، وثماره ونحو ذلك ، حتى يصرف إراداتهم إلى موضوعه محفزاً هممهم صوبه بحسبه – فعلاً أو تركاً - .

ومما ينبه عليه في هذا الباب أشياء ، منها :

أن يكون مقصد الخطبة موافق لمقصد الأنبياء في الدعوة إلى الله – تعالى – كما سبق بيانه .

أن يتناول القضايا الهامة ، والضرورية في حياة الناس ويعالجها بالطرق الشرعية من الكتاب والسنة منضبطاً بفهم السلف للنصوص .

• قال ابن دقيق – رحمه الله - : " أن الخطيب يستحب له أن يذكر في خطبته ما يتعلق بوقته من الأحكام كذكر النهي عن صوم يوم العيد في خطبة العيد فإن الحاجة تمس إلى مثل ذلك " (إحكام الأحكام : ص/288) .

أن يخاطب الناس بما يعرفون ، ويتجنب من الكلام ما لا تبلغه عقولهم .

أن يترك التحليلات السياسية ، وأخبار القنوات الفضائية ، ولا يتكلم عن موضوع حتى يتثبت من صحته حتى لا يكون هزيلاً في أخباره مروجاً للشائعات فلا يوثق بكلامه .

لا يجوز له أن يجعل المنبر متنفساً لخلافاته الشخصية ، أو يجعل أعواده حلبة صراع مع خصومه فيتحول خطابه من بيان الحقوق الشرعية إلى الظفر بالحظوظ النفسية .

لا يجعل خطابه منصباً على العاطفة فقط ؛ لأن خطاب العاطفة يزول تأثيره بزوال المؤثر ، وإنما المطلوب منه تنويع الخطاب فيستثير عواطفهم ، ويحرك عقولهم حتى يستقر قوله في قلوبهم .

7) من جهة التأثير :

إن أعظم ما يؤثر في القلوب ويقودها إلى علام الغيوب هو الوحي من كلام الله – تعالى – وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، كما قال – تعالى – واصفاً القرآن :{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}، وكقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} ، وقوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} ، وقوله: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ, وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}

والمقصود من هذه الهداية ما قاله الشنقيطي – رحمه الله - : " ومعلوم أن المراد بالهدى في هذه الآية الهدى الخاص الذي هو التفضل بالتوفيق إلى دين الحق، لا الهدى العام، الذي هو إيضاح الحق " ( أضواء البيان : 1/ 38) .

فينبغي للداعية الرباني انتقاء القصص القرآني ، والنبوي لإثارةِ عزائم المدعوين ، واستنهاضِ هممهِم .

وقد ثبت عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان – رضي الله عنها – قالت : " ما أخذت { ق والقرآن المجيد } إلا من لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس " ( رواه مسلم ) .

قال العلامة صديق حسن خان – رحمه الله - : " وكان محافظته – صلى الله عليه وسلم – على هذه السورة اختياراً منه لما هو أحسن في الوعظ والتذكير ، وفيه دلالة على ترديد الوعظ في الخطبة " ( نقلاً عن الأجوبة النافعة ص/58 ) .

وقد عد الألباني – رحمه الله – تحت عنوان : ( بدع الجمعة ) : " اعراضهم عن التذكير بسورة ( ق ) في خطبهم مع مواظبة النبي – صلى الله عليه وسلم – عليه " ( الأجوبة النافعة ص/ 69 ) .

8) من جهة الوقت :

ثبت عن عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – يقول : " إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه " (رواه مسلم) .

قال العلامة صديق حسن خان – رحمه الله - : " أي مما يعرف به فقه الرجل . وكل شيء دل على شيء فهو مئنة . وإنما كان قصر الخطبة علامة على ذلك ، لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني ، وجوامع الألفاظ ، فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة ، ولذلك كان من تمام رواية هذا الحديث : " فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة ، وإن من البيان لسحراً " .

والمراد من طول الصلاة الطول الذي لا يدخل فاعله تحت النهي ، وقد كان - صلى الله عليه وسلم – يصلي الجمعة بـ ( الجمعة ) و ( المنافقين ) ، كما عند مسلم عن ابن عباس .

وعن النعمان بن بشير – رضي الله عنهم - : " كان – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ) "

وذلك طول بالنسبة إلى خطبته ، وليس بالطول المنهي عنه .

وعند جمع الأدلة والمقارنة بينها يتبين أن الصلاة على الهدي النبوي تتراوح بين : ( 20 – 25 ) دقيقة ، والخطبة بين ( 15 – 20 ) دقيقة .

وقد تنقص أو تزيد شيئاً قليلاً ، وليس المقصود الجمود عند وقت معين لكن المطلوب بلوغ الغرض المطلوب من تعليم الناس وتذكيرهم .

تنبيهات : ذكر الألباني – رحمه الله – تحت عنوان : ( بدع الجمعه ) من : ( الأجوبة النافعة ص/ 70- 73 ).:

مبالغتهم في الإسراع في الخطبة الثانية .

جعل الخطبة الثانية عارية من الوعظ والإرشاد والتذكير والترغيب ، وتخصيصها بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – والدعاء .

إطالة الخطبة ، وقصر الصلاة .

9) من جهة مظهره :

يستحب للخطيب التجمل بأحسن حلة ، والتزين بأبهى ملبس من غير خيلاء ولا طلب شهرة ؛ لكون النبي – صلى الله عليه وسلم – يتجمل في الجمع والأعياد وللوفود ، ولأن الله جميل يحب الجمال .
ولأن المظهر ينبئ عن مخبر العبد وباطنه .

وليحذر بعض المظاهرالبدعية في ملبسه وما يتعلق به وقد عد الألباني – رحمه الله – من ذلك جملة منها :

التجمل والتزين له ببعض المعاصي كحلق اللحية ، ولبس الحرير والذهب .

المواظبة على لبس السواد من الإمام يوم الجمعة .

تخصيص الاعتمام لصلاة الجمعة وغيرها .

لبس الخفين لأجل الخطبة وصلاة الجمعة .

اعتماد الخطيب على السيف في خطبة الجمعة .


( يتبع . . . ) - إن شاء الله - .


رد مع اقتباس