عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-14-2016, 02:27 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي وجوب التحري في الفتوى. لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تتمــَّــة -

ووسيلة أخرى قد شرعها الله - عزَّ وجل - منذ أن أنزل الله تبارك وتعالى قوله على نبيه {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل 43].
فهذه وسيلة، ذكر الله - عزَّ وجل - بها عباده بأن من كان لا يعلم من المسلمين فعليهم أن يسألوا أهل الذكر، وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الصريح في الآية الكريمة بحديث جابر بن عبدالله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل سريةً فأصيب أحد أفرادها بجراح في بدنه بعد معركة قامت بين المسلمين والمشركين، فلما أصبح به الصباح وقام ليصليَ صلاة الفجر إذا به يرى نفسه قد إحتلم ويجب عليه الغسل، ولكنه بسبب ما أصابه من جراحات كثيرة في بدنه، رأى أنه لابد من أن يسأل أهل العلم لعلهم يجدون له رخصة في ألا يغتسل خشية أن يصيبه ضرر أو هلاك، فسأل من حوله، فقالوا له : لابد لك من الإغتسال، ولأن نفوس أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - كانت نفوساً مؤمنةً مطمئنةً لا يتبعون الهوى، ولو كان في إطاعتهم للحكم الشرعي ما قد يعرضهم للهلاك أو للموت، ولذلك فما كان من هذا الجريح المصاب في سبيل الله إلا أن ائتمر بأمر من أفتاه بأنه لابد له من الإغتسال، فاغتسل فكان عاقبة أمره أن مات !!.

ذلك لأنكم تعلمون أنّ مَن كان في بدنه جراحاتٌ وأصابه الماء البارد وهم في العراء، ليس بالدار في البيت وليس هناك وسائل بتسخين الماء، فصب الماء على بدنه فكان فيه موته، فلما وصل خبره الى رسول - صلى الله عليه وسلم - هاله الأمر!!.. وغضب غضباً شديداً على أولئك الذين أفتوه بأنه لا بد له من الغسل، فدعا على أولئك الذين أفتوا بغير علم قائلاً : (قتلوه قاتلهم الله، قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال) ألا سألوا ؟ هذا هو الشاهد من هذا الحديث الصحيح، وهنا لنا عوده لهذه الجملة، ألا سألوا ؟ بعد قليل.

ثم قال عليه الصلاة والسلام (كان يكفيه أن يضرب ضربة في الأرض ثم يمسح بها كفيه ووجهه فإذا هو طاهر. ففي هذا الحديث مما يتعلق بهذه المقدمة القصيرة إن شاء الله وجوب التحري في الإفتاء للناس وأنه لايجوز أن يفتي أحد بفتوى إلابعد أن يكون على بينة من فتواه وإلا كان إثم فتواه على من أفتاه يعود إلى الذي أفتاه.

ومن هنا نعيد التنبيه الى أن الخروج كما يقال في العصر الحاضر للتبليغ تبليغ الدعوة إنما هو خاص بأهل العلم وليس للجهلة، ولا بالذين هم في الخط الأول في طلب العلم، وإنما يكون الخروج لمن كان عالماً في الكتاب والسنة لكي يتمكن من أن يفتيَ فتوى صادقه وصحيحة مطابقة للكتاب والسنة في ما إذا سئل مسألة تعرَّض لبعض من حوله، وليست تلك المسألة من المسائل المعتاد وقوع الناس فيها، والتي يشترك في معرفتها عادة كل طلاب العلم.

فها أنتم ترون في هذا الحديث أن رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - جرح في سبيل الله واحتلم فوجب عليه الغسل، فسأل من حوله هل يجدون له رخصة في أن لا يغتسل قالوا له : لا بد لك من أن تغتسل فأطاعهم وهو مأجور في طاعته، لأنه قام بالواجب الذي تُرُتِبَ عليه شرعاً ألا هو..فاسألو أهل الذكر.. ولكن الذين سئلوا لم يكونوا من أهل الذكر وأنتم تعلمون أن الذكر في هذه الآيه كمثل قوله تعالى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة النحل 44].
أي : هو القرآن فحينما قال – عز وجل - في الآية الأولى : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} إنما يعني أهل القرآن العارفين بمعاني القرآن وبخاصة ما كان منها من الآيات المتعلقه بالأحكام، ما يجوز وما لا يجوز، مايجب وما لايجب، ونحو ذلك.

هؤلاء الذين ينبغي لهم ان يتصدروا بإجابة الناس عن أسئلتهم، والطرف الاكثر من الأمة المسلمة أولئك الذين يجب عليهم أن يسألوا، فمن قام بالسؤال ولايعلم فقد قام بالواجب الذي أوجبه الله – عز وجل - في الآية والرسول - صلى الله عليه وسلم- في ذاك الحديث.

ومن أفتى بغير علمٍ فلم يقم بالواجب، لأن الإفتاء منوطٌ ومربوطٌ بأهل الذكر وهم أهل القرآن، ولا بد لي بهذه المناسبة أيضاً أن أُذكِّر بأن أهل القرآن في هذه الآية، ليسوا هم حُفاظ القرآن الذين يحفظون القرآن غيباً، ويحسنون قراءته وتلاوته، وعلى حد قوله : {وَرَتِّلِ الْقُرآنَ تَرْتيلا} ليس هؤلاءِ هم المقصودون في هذه الآية، وإنما المقصودون العارفون بهذا الذكر، الفاهمون لمعاني كل الآيات المتعلقه بالأحكام، هؤلاء هم الذين يجب أن يُفتوا إذا ما سُئلوا.

أما الذين يحفظون القرآن غيبًا ويتلونه تلاوةً صحيحة، ولا أقول يتلونه حق تلاوته، لأن معنى حق تلاوته : فهمهُ أولاً فهمًا صحيحًا ثم تطبيقه على نفسه، وعلى من يجوز به تطبيقاً كاملا.


يُتبع - شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس