عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 11-08-2014, 12:35 AM
ابو همام محمد السلفي ابو همام محمد السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 193
افتراضي

و ثمة تنبيهان مهمان زيادة على ما تفضل به الشيخ عبد العزيز العتيبي -وفقه الله- :
الأول :ما قال البوصيري في " الزوائد " ( 3 / 23 / 2225) على الرواية المرفوعة :
" رواه مسدد وأحمد بن حنبل والبيهقي بسند ضعيف، لضعف محمد بن أبي ليلى، لكن لم ينفرد به فقد تابعه عليه صالح بن أبي صالح بن حي ".
أقول : و صالح بن أبي صالح ، صوابه (صالح بن صالح ) ثقة ثقة - كما قال الإمام أحمد-، و هذا يوهم بأن الإسناد علته مقتصرة على ابن أبي ليلى فحسب ! و ليس كذلك ! فإن فيه داود بن علي الهاشمي ؛ و فيه كلام -كما سيأتي- .
و متابعة صالح بن صالح التي أشار إليها البوصيري قد أخرجها ابن عدي في " الكامل " ( 3 / 554 ) من ترجمة داود بن علي الهاشمي ، من طريق ابْنُ عُيَينة، عنِ ابْنِ حَيٍّ عن داود بن علي بن عَبد اللَّهِ -به- .
لكن ؛ وقع عنده : " لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ يَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ " ليس فيه الأمر بذلك كما يوهمه إطلاق البوصيري !
ثم رواه ابن عدي بسياقة الأمر من طريق سُفيان، عَن داود بن عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ -به- .
فهذه متابعة قوية من سفيان لابن أبي ليلى عليه ، و هي الأولى بالقبول مما ذكره البوصيري إذا ما سلم الاسناد من سقوط ابْنِ حَيٍّ منه ؛ و إلا فثمة اضطراب واقع ، و قد أشار إليه ابنُ عَدِي بقوله : قَالَ الْعَبَّاسُ -وهو عَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ شيخ شيخه- :
وَغَيْرُ سُفْيَانَ يَقُولُ : " بن حَيٍّ، عنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى -يعني عن داود- " !
و على هذا ؛ فالاختلاف فيه على أوجه :
1 - ابْنُ عُيَينة، عنِ ابْنِ حَيٍّ عن داود بن علي بلفظ : " لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ يَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ " .
2 - ابْنُ عُيَينة، عن داود بن علي بلفظ : " صوموا قبله يومًا وبعده يومًا " .
3 - وَغَيْرُ سُفْيَانَ بنُ عُيَينة يَقُولُ : بن حَيٍّ، عنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عن داود بن علي بلفظ : " صوموا قبله يومًا وبعده يومًا " .
4 - وغير أولئك يقول : عنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عن داود بن علي -كذلك- بدون ذكر ابن حَيٍّ .
و إذا ما قلنا بأن الجمع الرابع متابع لابن عيينة عن داود بن علي فإننا لا ندري من هم الجمع الثالث الذين خالفوا سفيانا في إسناده ! و لا يمكننا أن نقول بأن ابن عيينة أسقط ابن حَيٍّ بينه و بين داود بن علي و الواسطة معروفة -وهي ثقة-، أو أن سفيانا تارة رواه بالواسطة و تارة بدونها ؛ لأنه ممن روى عن داود بن علي ، و ذلك لأن متن الوجهين ؛ الأول و الثاني متباين جدًا ! فلا يسعفنا هذا ؛ إلا أن نقول بأن هذا من الأمثلة الجيدة للحديث المضطرب الذي لا يمكن التوفيق بين أوجه اختلافه ، و الذي هو قسم من أقسام الحديث الضعيف ، و الله أعلم .
و هناك وجه خامس -وهو الصواب- ؛ و هو : ابن عيينة، عن عمرو، سمع عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: " صوموا التاسع والعاشر ، وخالفوا اليهود " .
أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (664) ، و سعيد بن منصور في " سننه " كما في " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 468 ) من طريقين عن ابن عيينة به .
و قد رواه غير عمرو بن دينار كما أشار الشيخ عبد العزيز-وفقه الله- .
فهذه خمسة أوجه اختلف فيها عن ابن عيينة أصوبها الأخير الموقوف عن ابن عباس-رضي الله عنهما - ، و هو الذي رجحه الشيخ الألباني في تعليقه على " صحيح ابن خزيمة ".
و لو سلم الحديث المرفوع من الاضطراب فإنه يبقى معلاً بـ (داود بن علي ) فقد ترجمه الذهبي في " الميزان " ( 2 / 13 ) و قال : " ليس بحجة " .
و نقل عن ابن معين قوله فيه :
" أرجو أنه لا يكذب، إنما يحدث بحديث واحد، هكذا روى عثمان بن سعيد، عن ابن معين " .
و هذه إشارة من ابن معين إلى تضعيفه دون التوهين الشديد له ، و قد أشار إلى ذلك البزار في " مسنده " ( 11 / 394 ) بقوله فيه : " وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ كَانَ فِي نَسَبِهِ عَالٍ وَلَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لا يتوهم عليه إلاَّ الصدق، وَإنَّما يكتب حديثه ما لم يروه غيره ".
و قد ذكره ابن حبان في " الثقات " (6 / 281 )، و قال ابن ماكولا في " الاكمال " ( 4 / 259 - 260 ) : "خرج إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة حديثه في «كتاب الصلاة» من «صحيحه»، وكذلك الحاكم أبو عبد الله ".
و هذه إشارة منه إلى تمشية حديثه ؛ لاسيما و أنه نقل عن ابن عدي قوله :
" وعندي أنه لا بأس برواياته عن أبيه عن جده، فإن عامة ما يرويه عن أبيه عن جده ".
و مثله الحافظ العراقي في " تخريج أحاديث الإحياء " (2 / 778 ) ، و كذا الحافظ ابن عبد الحق بسكوته عن الروايات السابقة في كتابه " الأحكام الوسطى " ( 2 / 245) .
أقول : و لا يمكن في هذه الحال تقوية شأنه بإخراج ابن خزيمة و الحاكم له ، و كذا ذكر ابن حبان له في " الثقات " -و كلهم متساهل كما هو معلوم- في مقابل من وهنه من أهل العلم كابن معين و البزار ، لاسيما و قد قال فيه ابن حبان -نفسه-: " يخطئ " !
و قد حمل ابن عدي قول ابن معين فيه : " إنما يحدث بحديث واحد " على حديث عاشوراء هذا، بينما جزم الذهبي في " تاريخ الاسلام " ( 3 / 642 ) على أنه عنى الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ فِي الدُّعَاءِ و قال : " تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْهُ وَلَيْسَ بِذَاكَ، وَقَيْسٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنَّهُمَا لا يَحْتَمِلانِ هَذَا الْمَتْنِ الْمُنْكَرِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ ".
فحمل نكارته عليه ، و لذلك قال في " الميزان " : " ليس بحجة " ، و قال عقب كلامه السابق في " التاريخ " :
" وَفِي الْخُلَفَاءِ وَآبَائِهِمْ وَأَهْلِهِمْ قَوْمٌ أَعْرَضَ أَهْلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَنْ كَشْفِ حالهم خوفاً من السيف والضرب، وما زال هَذَا فِي كُلِّ دَوْلَةٍ قَائِمَةٍ يَصِفُ الْمُؤَرِّخُ مَحَاسِنَهَا وَيُغْضِي عَنْ مَسَاوِئَهَا، هَذَا إِذَا كَانَ الْمُحَدِّثُ ذَا دِينٍ وَخَيْرٍ، فَإِنْ كَانَ مَدّاحًا مُدَاهِنًا لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْوَرَعِ بَلْ رُبَّمَا أَخْرَجَ مَسَاوِئَ الْكَبِيرِ وَهَنَاتِهِ فِي هَيْئَةِ الْمَدْحِ وَالْمَكَارِمِ وَالْعَظَمَةِ فَلا قَوَّةَ إِلا بِاللَّهِ. وَكَانَ دَاوُدُ هَذَا مِنْ جَبَابِرَةِ الأُمَرَاءِ لَهُ هَيْبَةٌ وَرِوَاءُ، وَعِنْدَهُ أَدَبٌ وَفَصَاحَةٌ، وَقِيلَ: كَانَ قَدَرِيًّا ".
و هنا ثلاث تنبيهات فرعية قبل أن أنتقل إلى التنبيه الثاني :
1 - قول الحافظ العراقي في " تخريج أحاديث الاحياء " ( 2 / 778 ) في داود بن علي :
" واحتج به مسلم، وخرَّج له الأربعة "؛ فوهم محض ! إذ لم يخرج له مسلم شيئًا ، و لا من الأربعة إلا الترمذي ، و أخرج له البخاري في " الأدب المفرد " .
2 - قول الإمام الذهبي في " الميزان " ( 2 / 13 ) بعدما أورد له حديث عاشوراء :
" وروى الحسن بن حي، عن داود نحوًا من هذا ".
أقول : كذا قال ! و الصواب أنه : أبوه صالح بن صالح بن حي ، كما قال البوصيري -آنفًا- ، بدليل أن الثوري إنما يروي عنه لا عن ابنه كما في " تهذيب الكمال " ( 13/ 54 - 56 ) ، بل كان سفيان الثوري سيء الرأي في الْحَسَن بْن حي كما في " تهذيب الكمال " -أيضًا- ( 6 / 180) ، و هو من أقرانه .
3 - و ذكر الذهبي في ترجمته -أيضًا- عن المحاملي أن داود هذا يقول بخلق القرآن ! و الصواب أن داود بن علي هذا إنما هو الظاهري ، صاحب مذهب أهل الظاهر ، و ليس هو بداود بن علي الهاشمي كما في ترجمته من " تاريخ الخطيب " ( 9 / 342 ) ، و قد ذكر المحقق أن هذا لم يذكر إلا في النسخة ( ه ) وحدها ! و الظاهر أنه سبق نظر من ناسخ هذه النسخة ؛ لأنه بعد ترجمة الهاشمي تأتي عقبها ترجمة الظاهري ، والله أعلم .
الثاني : قول شيخنا الفاضل أبي عبد الرحمن حسين العوايشة -حفظه الله- في كتابه المبارك " الموسوعة الفقهية " ( 3 / 260 ) :
« وفي الحديث"صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود؛ صوموا قبله يوماً، أو بعده يوما ".
و قال في الحاشية: " أخرجه الطحاوي و البيهقي و سنده صحيح، وانظر " صحيح ابن خزيمة " ( 2095 ) » .
أقول : و هذا ذهول منه شديد ! و الذي أخرجه الطحاوي و البيهقي و سنده صحيح إنما هو الموقوف عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ، و مصححه هو العلامة الألباني -رحمه الله- ، و ذهول شيخنا ظاهر لمن تأمله -إن شاء الله- .
و هذا الذهول قد أوقعني في الفتيا بهذا الحديث الضعيف برهة من الزمن ! إلى هذا العام ! حتى وقفت قبل يومين أو ثلاثة على فائدة الشيخ عبد العزيز العتيبي -وفقه الله- و جزاه الله خيرًا فكانت حافزًا لي على النظر فيه و التأكد من درجته ، فكانت هذه الصفحات نافلة على أصل الفائدة التي أفاد بها الشيخ عبد العزيز العتيبي فجزاه الله خيرًا مرةً أخرى .
هذا ؛ و قد بوب الإمام ابن خزيمة -رحمه الله- على الحديث بقوله : " بَابُ الْأَمْرِ بِأَنْ يُصَامَ قَبْلَ عَاشُورَاءَ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا مُخَالَفَةً لِفِعْلِ الْيَهُودِ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ"
و ظاهر الأمر -لو صح الحديث- أنه يكون للوجوب ،و قد عرضه علي بعض الإخوةلما كنت أعتقد صحته، فأجبت أنه -هاهنا- إنما يدل على الاستحباب بناءً على أن الأصل لا يزيد على الفرع ، كما هو مقرر في علم الأصول ، و لما راجعت المسألة لمامًا وجدت شيخ الاسلام ينقل عن أهل العلم الاستحباب في كتابه " الاقتضاء " ، ثم لما تبين لي ضعف هذا الحديث فلا حجة فيه ، و يبقى حكم مخالفة اليهود بضم التاسع أو الحادي عشر على الاستحباب ، بناء على أن الأصل في أفعاله -صلى الله عليه و سلم- الندب لا الوجوب ، و يعضده أن الإمام ابن خزيمة –نفسه- لم يفهم من الأمر الوجوب ، بدليل الباب الذي أعقبه بعده بقوله : " بَابُ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ التَّاسِعِ مِنَ الْمُحَرَّمِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- " ، و الله أعلم .
و لا يفوتني -هاهنا- أن أنبه بأن الشيخ الألباني-رحمه الله- قد حكم بنكارة السياقة المرفوعة الأخرى بلفظ : ( لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده . يعني يوم عاشوراء ) كما في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (4297 ) ، و الحمد لله رب العالمين.
رد مع اقتباس