عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 03-21-2010, 11:05 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,070
افتراضي

* جَدَعَ الحلالُ أنفَ الغَيْرَةِ .

- قال المَيْدانيُّ : قاله - صلى الله عليه وسلم - ليلة زُفّتْ فاطمةُ إلى عليٍّ - رضي الله تعالى عنهما - . وهذا حديثٌ يُروى عن الحجّاج بنِ مِنْهال يرفَعُه(1) .

- قال في " صُبْح الأعْشَى " :

ومن النادر الغريبِ ما ذكره الشيخُ شِهابُ الدِّين محمودٌ الحلبيُّ في حُسن التوسل في الكتابة إلى شخص في تزويجِ أمِّه وهو هذه المُكاتبةُ :

- إلى ( فُلانٍ ) جعله اللهُ مِمّن يُؤثرُ دينَه على الهوى , وينوي بأفعالِه الوقوفَ مع أحكام اللهِ - تعالى - فإنّما لكلِّ امْرىءٍ ما نوى , ويعلمُ أنّ الخيرَ والخِيرةَ فيما يَسّرَهُ اللهُ من سُنّةِ نبيِّهِ , وأنّ الشرَّ والمكروهَ فيما طوى , نعرضُ له بأمر لا حرجَ عليه في الإجابةِ إليهِ , ولا خللَ يلحَقُهُ به في المُروءَةِ ؛ وهل أخلَّ بالمُروءَةِ مَنْ فعلَ ما حضَّ الشرعُ المُطَهّرُ عليه .

وأظهرُ الناس مُروءَةً مَنْ أبلغَ النفسَ في مَصالِح حَرَمِه عُذْرَها , وَوَفى مِن حقوقِ , أخَصِّهِنّ بِبِرِّهِ , كلَّ ما علمَ أنّ فيهِ بِرَّها .


وإذا كانت المرأةُ عورةً ؛ فإنّ كمالَ صَوْنِها فيما جعلَ اللهُ فيهِ سَتْرَها , وصلاحَ حالِها فيما أصلحََ اللهُ به في الحياةِ أمرَها , وإذا كانت النساءُ شقائقُ الرجال في باطن أمر البشريةِ وظاهرهِ , وكان الأولى تعجيلُ أسبابِ العِصْمةِ , فلا فرق بين أول وقتِ الاحْتياجِِ إلى ذلك وآخره , وما جدعَ الحلالُ أنفَ الغَيْرَةِ إلا لِيزولَ شَمَمُ الحَمِيَّةِ ، وتنزلَ على حُكْم اللهِ فيما شرعَ لعبادِه النفوسُ الأبيَّةُُ , ويُعلمَ أنّ الفضلَ في الانْقيادِ لأمرِ اللهِ , لا في اتّباعِ الهوى بعضْلِ الوَلِيَّةِ .

وإذا كان بِرُّ الوالدةِ أتمَّ , وحقها أعَمَّ , والنظرُ في صلاح حالِها أهمَّ , تعيّنَتِ الإجابةُ إلى ما يَصْلُحُ به حالُها , ويَسْكُنُ إليه بالُها , ويتوفّرُ به مالُها , ويَعْمُرُ به فِناؤُها , ويَحصُلُ به عن تقلُّد المِنَنِ استغناؤُها , وتحملُ به كُلفةَ خَدَمِها عنها , وتدفعُ به ضروراتٍ لا بُدّ لذواتِ الحِجابِ والحِجالِ منها , ويصفو به سَتْرُ الإحْصانِ والحَصَانةِ عليها , ويظهرُ به سِرُّ ما أوجبهُ اللهُ لها من تَتَبُّعِ مواقعِ الإحْسانِ إليها .


وقد تقدّمَ من ساداتِ السّلفِ مَنْ تولّى ذلك لوالدتِه بنفسِهِ , واعْتَدّهُ من أسبابِ بِرِّ يومِه , الذي قابلَ به ما أسْلَفَتْهُ إليه في أمْسِهِ ؛ علماً منهم أنّ استكمالَ البرِّ مِمّا يُعْلي قَدْرَ المَرْءِ ويُغلي .


وقد أجاب زيدُ بنُ زَيْنِ العابدينَ هشاماً لمّا سأله لِمَ زَوّجْتَ أمّكَ بعدَ أبيكَ ؟ فقال : لتُبَشّرَ بآخرَ مثلي .

لا سِيّما والراغبُ إلى المَولى في ذلك مِمّن يُرغبُ في قُرْبِه , ويُغبطُ على ما لديه من نِعَمِ ربِّه , ويُعَظّمُ لاجتماع دُنياهُ ودِيِنِه , ويُكَرُّمُ لِيُمْنِ نَقِيبَتِهِ(2) , وجودِ يمينِه , ويُعلمُ أنّ العقيلةَ(3) تَحُلُّ منه في أمْنَعِ حَرَمٍ , وتَسْتَظِلُّ من ذَرَاهُ(4) بأضْفى سُتورِ الكرم , معَ ارتفاع حَسَبِهِ , واشتهار نسَبِِهِ , وعُلّو قَدْرِهِ في مَنْصِبِهِ وحالِه وسَبَبِهِ , وأنّه مِمّن يُحسنُ أنْ يَحُلَّ من المَولى مَحَلَّ والِدِه , وأنْ يَتَجَمّلَ مِن ذُرِّيّتِهِ بمَنْ يكونُ في المُلِمّاتِ(5) بَناناً ليدِه , وعَضُداً لساعِدِه ؛ فإن المَرْءَ كثيرٌ بأخيه , وإذا أطْلِقَ عليهِ بحُكم المجاز لفظُ العُمومةِ ؛ فإنّ عمَّ الرجل صِنْوُ(6) أبيه , وأنا أتوقع من المَولى الجوابَ بما يَجْمعُ شملَ التُّقى , ويُعلمُ به أنّه تَخّيّر من البرِّ أفضلَ ما يُنْتقى , ويُتحَقّقُ بفِعلِه أنّ مثلَه لا يُهمِلُ واجباً .

ولأمر ما قال الأحنفُ - وقد وُصِفَ بالأناةِ - : لكنّي أتَعَجّلُ أنْ لا أرُدَّ كُفْؤا خاطِباً .

______________

(1) تَنْسِبُ كُتبُ الأدبِ هذا الكلامَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولم أعثرْ عليه في كُتبِ الحديثِ , فيما استطعته من بحث .
(2)النقيبة : سَجِيَّةُ الرجل وطبعُه . [ المعجم الوسيط ] .

(3)العقيلة : الزوجة الكريمة , والسيدة المُخدّرَة . المصدر السابق .

(4)الذرا - بفتح المُعْجَمَةِ - : ما اسْتُتِرَ به . يقال : أنا في ذرا فلان : في كَنَفِهِ . المصدر السابق .

(5)المُلِمّات : جمع مُلِِمّة , وهي النازلة الشديدة من شدائدِ الدّهر . المصدر السابق .
(6)الصِّنْوُ : النظيرُ والمِثلُ . المصدر السابق .




-------------------------

رد مع اقتباس