عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 03-29-2014, 01:59 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي [ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.

[ 6 ]

عودة إلى السنة.

2. ثم قال الشيخ الطنطاوي تفريعاً على ما ذكر في الفقرة الأولى من المقال ، عن الدعاة إلى السنة :


” فكل من استطاع أن يقرأ في البخاري ومسلم ومجمع الزوائد وأن يفتش عن اسم الراوي في التقريب والتهذيب ، وجب عليه الاجتهاد وحرم عليه التقليد “.

أقول : في هذه الكلمة ما يوهم أيضاً خلاف ما عليه الدعاة إلى السنة وإليك البيان :

9. تعريف التقليد وبيان ما يحرم منه وما يجب:

من المقرر عند العلماء أن التقليد هو ” أخذ القول من غير معرفة دليله ” ومعنى ذلك أن التقليد ليس بعلم ، ولذلك جزم العلماء بأن المقلد لا يسمى عالماً (12).

بل نقل الاتفاق على ذلك ابن عبد البر في ” جامع بيان العلم ” (2 / 36 ، 117) وابن القيم في ” إعلام الموقعين ” (3/ 293) والسيوطي وغيرهم من المحققين ، حتى بالغ بعضهم فقال : ” لا فرق بين يهيمة تقلد وإنسان يقلد ” !.

وأطلق بعض الحنفية عليه اسم الجاهل ! فقال صاحب الهداية في صدد الكلام على تولية المقلد على القضاء : ” فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا ، خلافاً للشافعي “ (13).
ولذلك قالوا : إن المقلد لا يجوز له الإفتاء.

فإذا عرف هذا يظهر السبب الذي من أجله حمل السلف على التقيلد والمقلدين وصرحوا بذمه وتحريمه (14)، ذلك لأنه يؤدي بصاحبه إلى الإعراض عن الكتاب والسنة في سبيل التمسك بآراء الأئمة وتقليدهم فيها، كما هو الواقع بين المقلدين، مما هو مشهور عنهم، بل هو ما قرره بعض متأخريهم من الحنفية، فقال الشيخ محمد الخضري في صدد الكلام عن دور التقليد وأهله :

” . . . ولا يستجيز الواحد منهم لنفسه أن يقول في مسألة من المسائل قولا يخالف ما أفتى به إمامه، كأن الحق كله نزل على لسان إمامه وقلبه ! حتى قال طليعة فقهاء الحنفية في هذا الدور وامامهم غير منازع وهو أبو الحسن عبيد الله الكرخي : ” كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ ” وبمثل هذا أحكموا دونهم إرتاج باب الاختيار “(15).

وقد استولى هذا التوجيه الخاطئ على قلوب كثير من المقلدة، لا سيما في الأزمنة المتأخرة ، بحيث صار من المعروف المشهور ردهم السنن الصحيحة اتباعاً للمذهب.

فإذا قيل لأحدهم : هذه المسألة التي ذكرتها خلاف السنة ، بادرك بقوله : أأنت أعلم بالسنة من علماء المذهب ؟! لا يجوز العمل بالحديث لغير المجتهد ! هذا جوابهم جميعاً لا فرق في ذلك بين عاميهم وعالمهم !.

وهم حين يجيبونك بهذا الجواب الذي لا يمكن أن يصدر ممن عرف قدر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأدب معه ، يجهلون أو يتجاهلون أن الحديث الذي لم يأخذ به مذهبهم قد قال به مذهب آخر أو إمام آخر ليس هو دون مذهبهم أو إمامهم.
فالذي ذهب إلى الحديث يكون قد أخذ به وبالمذهب الذي عمل به ، بينما مخالفه إنما يعمل بالمذهب فقط !.

قد يقال : إن المذهب لابد له من دليل ولكنا لا نعلمه، فنقول :إذا كان الأمر كما تقول فكيف يجوز لمسلم أن يترك الدليل الذي عرفه وهو حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لدليل لا يعلمه.

وقد يكون لو علمناه قياساً أو استنباطاً من عمومات أو كليات الشريعة لا ينهض تجاه الحديث إذ لا اجتهاد في مورد النص ، واذا ورد الأثر بطل النظر، واذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ؟.

هذا التقليد الذي هو رد الحديث انتصاراً للمذهب ونحوه هو الذي يحرمه دعاة السنة ، ويدعون المسلمين جميعاً إلى الخلاص منه ، بالرجوع إلى اتباع السنة أينما كانت ، وفي أي مذهب وجدت.

وأما تقليد المسلم من هو أعلم منه حين لا يجد نصاً عن الله ورسوله ، أو حين لا يمكن الفهم عنهما فليس مما نحن فيه ، بل لا يتصور أن يقول بتحريمه مسلم ، لأنه مضطر إليه ، والضرورات تبيح المحظورات ، ولولا ذلك لصار الدين هوى متبعاً -والعياذ بالله تعالى-.

ولهذا ذكر العلماء : ” إن التقليد إنما يباح للمضطر ، وأما من عدل عن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وعن معرفة الحق بالدليل مع تمكنه منه إلى التقليد ، فهو كمن عدل إلى الميتة مع قدرته على المذكى ، فإن الأصل أن لا يقبل قول الغير إلا بدليل إلا عند الضرورة “(16).


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

__________

(12) انظر “الموافقات” للإمام الشاطبي (4 / 293 ) ، و ” الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم ” للمحقق محمد بن إبراهيم الوزير اليماني (1 / 36 – 38).
(13) ومع الشافعي في هذا جمهور العلماء كمالك وأحمد.
قال ابن الهمام في ” شرح الهداية ” (5/456): ” وقولهم رواية عن علمائنا نص محمد في الأصل أن المقلد لا يجوز أن يكون قاضياً، ولكن المختار خلافه ” كذا قال.
وأنا أتساءل : هل الذي اختار خلاف ما عليه الأئمة المجتهدون مجتهد أم مقلد ؟ فإن كان مجتهداً فمن هو وما دليله ؟ وإن كان مقلداً فكيف جاز له أن يترك تقليد الأئمة وهو خلاف مذهبه؟.
ثم قال ابن الهمام : ” واعلم أن ما ذكر في القاضي ذكر في المفتي فلا يفتي إلا المجتهد وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد ، وأما غير المجتهد ممن حفظ أقوال المجتهد فليس بِمُفْتِ ” !.
(14) وقد عقد الحافظ ابن عبد البر باباً خاصاً بين فيه فساد التقليد وبطلانه، والفرق بين التقليد والاتباع، وقد كنت أود نقله لولا أنني رأيت المقال يطول فمن شاء، فليراجعه في ” جامع بيان العلم ” (2 / 109 – 120)، ولابن القيم في ذلك كلام في غاية التحقيق في “الإعلام”.
(15) تاريخ التشريع الإسلامي (338).
(16) إعلام الموقعين (2 / 344.).
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس