عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-03-2015, 07:47 PM
محمود الصرفندي محمود الصرفندي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: الأردن - السعودية - مصر
المشاركات: 511
افتراضي

عارضة الأحوذي في نقض شبهات عبد الحميد العربي
- حول اتهامنا بمحبة أهل البدع ونصرتهم -

-
الحلقة الأولى
-
الحمد لله رب العالمين ؛ وبعد :

- إيقاظ -

فإن من أعظم أساليب قطاع الطريق على طلاب الحقائق : النسبة ؛ وهي على مقامين : المقام الأول : نسبة المخالف للمستقبح ، المقام الثاني : نسبة الموافق للمستملح ؛ فإنهم يقابلون حجاج أهل السنة والجماعة بالنسبة الشنيعة ، والأوصاف الفظيعة غاية تنفير الأسماع عن الحق في سائر الأصقاع ، فإذا ما ذكر اسم المحق ومقالته ذكرت المعايب ، وطرزت المثالب !

فالمقام الأول : نسبة المحاور المقابل لهم إلى سيء المقالات ، وعظيم المآخذات ، ونبزه بالألقاب السيئات ، وعدها أئمة العلم من سمات أهل البدع فــ {{ انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا }} ؛ وقد تظافرت نصوص الأئمة في بيان هذا وتكاثرت ، فجمع ابن درباس الشافعي - رحمه الله - المتوفي : [ عام 622 هـ ] عيونها في جزء مفرد سماه بــ " تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة " ، وذكره : ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 5 / 111 ) وقال عنه : " ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه يزعم أنه صحيح على رأيه الفاسد " .

والمقام الثاني : نسبة المبطل المجادل مقالته إلى السلف الصالح ، وتقلدها عن الأئمة الأعلام من غير توثيق حكايته ، وشهادة كبار العلماء لمواقف أداها ، أو مقالات كتبها ، ونحوها من سائر تطبيقات غلاة المقلدين في أبواب العلم ؛ كما يقع هذا من أرباب أهل البدع مقابلة لحجاج أهل السنة ، فيذكرون مقالاتهم وينسبونها - أحيانا - لمن يعظمه الناس من السلف والأئمة ، ولهذا قيل : أكثر ما يحى عن الأئمة ما لا حقيقة له ، وانتشرت البدع في الأمصار بهذا الأسلوب الخارج من العجاف الضعاف عن مقاومة جبهات أهل الحق !

وتم الحديث بتوسع - ولله الحمد - حول : المقام الثاني في مقالتي المسماة بــ : [ رفع اللائمة عمن لاءم : ( وفق ) بين آثار الأئمة ] في حلقتها الأولى - والثانية قادمة قريبا - مناقشا عبد الحميد العربي في مراشقته الظالمة ، وبهتانه العظيم بكوني مهاجما لآثار الأئمة من السلف العدول .
واليوم : أقف مجددا مع إطلاقاته الشنيعة حول مقالتي : [ اللمع في نقض تعليقات الأخ عبد الحميد العربي حول الموقف من أهل البدع ] بكوني كما قال عبد الحميد : ( ... وهو منهمك بقوة في إبراز جانب حب أهل البدع على بغضهم، ويسعى إلى إظهاره .. ) !

تنبيه : كما ترون فليس عند الأخ المذكور أي نقاش علمي ، غير : الاتهام !


فلماذا اتهمني بهذا ؟!
(منهمك بقوة في إبراز جانب حب أهل البدع على بغضهم، ويسعى إلى إظهاره )

النزاع بين الإخوة الأفاضل والأخ عبد الحميد العربي حول : مولاة المبتدع من جهة دون أخرى ، ومن طالع مقالتي : [ اللمع .. ] يعلم بطلان منهج الخوارج والمعتزلة الذي تقلده معاشر غلاة التجريح ، وآثاره العقدية من موافقة الفرق المنحرفة ، والطوائف الكلامية في مسائل علمية عقدية متنوعة ، وقد تبين لجماهير الإخوة تقلب عبد الحميد في هذه المسألة بين النفي والإثبات حتى ظن بعض المحبين تراجعه ؛ فضلا ما تبين من تخليطه بين مسألة الاعتقاد نحو المبتدع والتعامل معه ، ومحايدته عن تقرير قول يقطع فيه القائمين عليه ، الرادين على مقالاته ، الذابين عن منهج الأسلاف ، فطالب الائتلاف يسعى لقتل الاختلاف ؛ فما بال صاحبنا المذكور يترك بيانه منذ البداية ، ويتقلب بين الأقاويل حتى يختلف الناس في مراده وسبب إيراده ، فلا قطع الكلام ولا بينه بما يجمع التوجهات ، وهذا أسلوبه المتبع في سائر مباحثاته كما سأبينه في مقالتي التالية ، المسماة بــ [ كشف المخدرات عما وقع لعبد الحميد في الحوارات ، وتعقبات مليحات على أسلوبه في المناظرات - الكتابية - ] ؛ فانتظره - غير مأمور - على خير ، لتعرف فتلزم .
فطفق بعد مقالتي [ اللمع ] وكأنه يمص الخندريس ، ويكابد مشاق المطارحات ، فخلص إلى اتهام العبد الفقير بالانهماك في إبراز محبة أهل البدع على بغضهم إلى غيرها من الاتهامات العريضة ؛ فصدق قولي فيه : [ ما أكثر دعاويه ، وأقل براهينه ] ، وسيأتيك نقضه - بحول الله تعالى وقوته - ، فتأمل ولا تعجل .


عبد الحميد العربي يجدد تعاليم :
- نسبة المدافع من العلماء بالخصوص إلى مذهب المدافع عنه بالعموم -

وكذلك : فعل صاحبنا الأخ عبد الحميد العربي من نسبة دفاع العبد الفقير عن حق للمبتدع يجب علينا اعتقاده من موالاة نوعية لا كلية ، وترك كتمانه ، ومعاداة نوعية لا كلية : نسبة هذا الدفاع المعين إلى الانهماك بإبراز محبة أهل البدع ... الخ !!
فجدد الأخ المذكور سلوكا قديما في الطعن بأهل العلم المعتدلين ؛ فقد كان علماء الملة وجهابذة الإسلام لا يقبلون ضيم أحد من الناس على مختلف أصنافهم ، وتنوع مراتبهم ، فالحق يقدم على الباطل بغض النظر عن أصحابهما ؛ فمن وافق الصواب وكان محقا في قضية قدم على من جانب المعيار ، فالمظلوم لابد من نصرته ولو كان كافرا - كما في الحديث المشهور مفاده - ؛ فكيف بمن دونه في المقالة ، وأخف منه في النحلة ؟!

فالغالي في إطلاق الأحكام والأسماء ينسب محاوره المدافع عن حق لدى المبتدع - الخصم المشترك بينهما - إلى مقالة : خصمهما ؛ فإذا ما دافع الحاكم العدل عن ظليمة المبتدع - أو قل : الكافر - نسبه المحاور الموافق : إليه ، فيزعم أن الحاكم يميل إلى المبتدع لمجرد نصرته فيما ظلم فيه ؛ وهذا هو تأثير الطبع الفاسد في النفوس ، لا تقبل التخطئة حالا ولا تزعم العصمة لفظا ، ويقال فيها : أرادت بتدسيتها العصمة بالمعنى وإن لم تجري ألفاظها بها ، كما عبر ابن تيمية عمن صرح بالعصمة من الإمامية والإسماعيلية بأنهم أرادوا معنى النبوة وإن لم يصرحوا بها !

فلما سلك أهل السنة طريق الاعتدال ، قام عليهم بعض من لم تكتمل علميته ، ولم تنضج فكرته ، فنسبوا أعلام أعيان السلف إلى بدع لم تخطر ببالهم بمجرد انتصارهم في مسألة ما وافق قائلها الانتساب إلى بدعة شهيرة كالقدر ، أو قال صاحبها بمقالة فرقة ما كالخوارج والمعتزلة والمرجئة وغيرها ؛ فأصبح دفع الظليمة عن المخالف المبتدع وإنصافه سلاحا يجهز فيه غلاة التجريح على كرور السنوات على المعتدلين من أهل السنة ، وتقطع به رقاب رجالات أهل العلم ، فليس لأحد موالاة المبتدع بأي وجه كان ، ولا إنصافه فيما وافق فيه الحق أو دفع النسبة الباطلة عنه ، ولا الإقرار بحقوقه ولو بمجرد اعتقادها بغض النظر عن التعامل بها للعوارض المحكية في مقاصد الشرع !

ولهذه النسبة العديد من النماذج تختلف بواعثها ؛ وسأذكر جملة منها :

النموذج الأول : [ أن كان ابن عمتك ] !
ومن النماذج القديمة في العهد النبوي - وأخرجها البخاري في " صحيحه " برقم : ( 2359 ) - مفادها باعتصار : ذلك الأنصاري الذي خاصم الزبير - ابن عمة رسول الله - في شراج الحرة التي يسقون بها النخل ، فحكم رسول الله - عليه السلام - للزبير ؛ فقال الأنصاري : [ أن كان ابن عمتك ] !

قلت : فنسب الأنصاري مخرج حكم رسول الله - عليه السلام - إلى تأثره بصلته بالزبير ، وما بينهما من قرابة ولحمة نسب ، فجعل الحكم ناتجا عن رابط العلاقة ، وما كان له اعتقاد ذلك ، ولا يظن به إلا الرجوع إلى حكمه - عليه السلام - بعد نزول الآية الشهيرة بالواقعة المحكية .
فعلم : أن من طباع الناس نسبة الحاكم العدل إلى مقالة المحكوم له لما بينهما من رابطة ونحوها ، وهذا يخالف قواعد الترجيح بين المسائل ، ومسالك الاستدالال العلمي عليها .

النموذج الثاني : [ لعلك على مذهبه ] !
وبمثيلها - من نسب الخصم المعاند - :
ما ذكره أبو الكرم خميس بن علي الحوزي - رحمه الله - في " سؤالات الحافظ أبي طاهر السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من أهل واسط " ( 118 ) : [ وبلدينا أبو طاهر بركه بن سنان الحوزي يقول : ناظرت أبا الحسن المغازلي في التفضيل بين مالك والشافعي .
ففضلت الشافعي لأني أنتحل مذهبه وفضل مالكا لأنه كان ينتحل مذهبه ؛ فاحتكمنا الى أبي مسلم الليثي البخاري ففضل الشافعي ، فغضب أبو الحسن وقال : ( لعلك على مذهبه ) !
فقال : نحن أصحاب الحديث ، الناس على مذاهبنا فلسنا على مذهب أحد ، ولو كنا ننتسب الى مذهب أحد لقيل أنتم تضعون له الأحاديث
] .

قلت : فما قاله أبو الحسن المغازلي : [ لعلك على مذهبه ] عين ما يردده غلاة التجريح في عصرنا السافر تجاه المخالفين لهم من أهل العلم في نوع علم أصاب فيه من يبدعه هؤلاء ، أو تنزيل لا يوافق حال المبتدع ، أو إسراف في النقد بما يجاوز العدل ، فينسب غلاة التجريح المدافعين المعتدلين إلى عموم مقالات من يبدعونهم ، وهم أبعد الناس عنها ، وأصرحهم مخالفة لها !


النموذج الثالث : [ ينفي القدر لمبالغته في الإنكار على العصاة المحتجين به ] !
كان الحسن البصري - إمام الواعظين - شديد الإنكار على العصاة في مقارفتهم للفواحش ، ومزاولتهم للمنكرات ، ومجاهرتهم بالسيئات والذنوب كبيرها وصغيرها ، فاحتج عليه جهالهم ممن لا يعرف تعاليم الشرع ولا مسائل الدين : بالقدر على ما فعلوه (!) ؛ فكان ينسب هؤلاء الأغمار إنكاره عليهم الاحتجاج بالقدر إلى نفيه له ، غير مفرقين بين المنازعة على نوع الاستدلال والأصل المستدل به !

وكذلك : غلاة التجريح من أمثال الأخ عبد الحميد العربي ينسب مخالفه في مسألة معينة كالموالاة لأهل البدع من جهة دون أخرى : إلى محبتهم والانهماك بإبرازها وإظهارها مقابل تصغير بدعهم (!) ؛ كأمثال هؤلاء الذين نسبوا الحسن البصري إلى نفي القدر لمبالغته في إنكار احتجاحهم بالقدر ، فكان يرد عليهم بما ينفي نوع استدلالهم فنسبوه إلى نفي القدر مع إثباته له في الحقيقة !

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " منهاج السنة النبوية " ( 3 / 24 - 25 ) : [ وأكثر ما أوقع الناس في التكذيب بالقدر احتجاج هؤلاء به ولهذا اتهم بمذهب القدر غير واحد ولم يكونوا قدرية بل كانوا لا يقبلون الاحتجاج على المعاصي بالقدر كما قيل للإمام أحمد كان ابن أبي ذئب قدريا فقال الناس كل من شدد عليهم المعاصي قالوا هذا قدري ، وقد قيل إنه بهذا السبب نسب إلى الحسن القدر لكونه كان شديد الإنكار للمعاصي ناهيا عنها ] .

ملاحظة : نسب للحسن بعض الناس رسالة في القدر لا تستقيم (!) ذكرها غير ما واحد من أرباب المعتزلة ، وذكروا ما يؤيد مقالتهم من كلماته ؛ كالقاضي عبد الجبار المعتزلي " فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة " ( 215 ـ 223 ) ، وفي " المغني في أبواب التوحيد والعدل " ( 8 / 329 ) ، وابن المرتضى في " المنية والآمل " ( 12 ) ، وغيرهم .
بينما نسبها الشهرستاني في " الملل والنحل " ( 1 / 47 ) على وجه الاحتمال لواصل بن عطاء الذي طرده الحسن من مجلسه واعتزله ، وما أكثر ما كذب المعتزلة على الحسن بشهادتهم - هم ! - ، ونصوص الأعيان من الأماثل التي ساقها عبد الله بن الإمام أحمد في "السنة " وغيره .

وأما ما يتعلق بالكلمات التي حملها الناس على غير مراد الحسن كما ذكر ابن قتيبة في " المعارف " ( 441 ) ، أو العبارات التي قيل أنها قالها وتراجع عنها مما بثه الذهبي في " سيره " ( 4 / 583 ) وغيره ، فهذا يحتاج إلى مبحث منفصل لا مجال له في مقالتي - وكذلك : ما يتعلق بتهمة القدر المتعلقة بابن أبي ذئب وعدم ثبوتها والباعث لرميه فيها مما يحتاج إلى إفراد لا محل له - .
والشاهد من النموذج الثالث : ذكر بعض بواعث نسبة الحسن إلى نفي القدر - من جهة الجاهلين المعتدين - مبالغته في الإنكار على المحتجين بالقدر على المعاصي ؛ فلينتبه لهذا .


وكتب : أبو حيان محمود بن غازي الصرفندي
تاريخ : 15 / 8 / 1436 هـ
الموافق : 3 / 6 / 2015 م
- المدينة النبوية -


يتبع - الحلقة الثانية - في نقض شبهات الأخ عبد الحميد العربي
__________________
{ اللهم إني أعوذ بك من خليلٍ ماكر، عينُه تراني، وقلبُه يرعاني؛ إن رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيّئةً أذاعها }

***

{ ابتسم ... فظهور الأسنان ليس بعورة على اتفاق }
رد مع اقتباس