كان عبد الله بن المبارك يتجر في البز ويقول لولا خمسة ما تجرت سفيان الثوري وسفيان بن عيينة والفضيل بن عياض ومحمد بن السماك وابن عليه
و كان يخرج يتجر إلى خراسان فكلما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج والباقي يصل به إخوانه الخمسة
فقدم سنة فقيل له :قد ولي ابن عليه القضاء فلم يأته ولم يصله بالصرة التي كان يصله بها في كل سنة
فبلغ ابن علية أن ابن المبارك قد قدم فركب إليه وتنكس على رأسه فلم يرفع به عبد الله بن المبارك رأسا ولم يكلمه فانصرف
فلما كان من غد كتب إليه رقعة بسم الله الرحمن الرحيم أسعدك الله بطاعته وتولاك بحفظه وحاطك بحياطته قد كنت منتظرا لبركة صلتك أتبرك بها وجئتك أمس فلم تكلمني ورأيتك واجدا علي فأي شيء رأيت مني حتى أعتذر إليك منه.
فلما وردت الرقعة على عبد الله بن المبارك دعا بالدواة والقرطاس وقال يأبي هذا الرجل إلا أن نقشر له العصا ثم كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم:
يا جاعل الدين له بازيا ... يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنوناً بها بعدما ... كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها ... عن ابن عون وابن سيرين؟
أين رواياتك في سردها ... لترك أبواب السلاطين؟
إن قلت: أكرهت فذا باطل ... زل حمار العلم في الطين
فلما وقف ابن علية على هذه الأبيات قام من مجلس القضاء فوطىء بساط هارون وقال يا أمير المؤمنين الله الله أرحم شيبتي فإن لا أصبر للخطأ.
فقال له هارون: لعل هذا المجنون أغرى بقلبك
فقال: الله الله أنقذني أنقذك الله
فأعفاه من القضاء فلما اتصل بعبد الله بن المبارك ذلك وجه إليه بالصرة.
وقيل لما ولي ابن عليه صدقات البصرة كتب عبد الله بن المبارك إليه هذه الأبيات فجعل ابن علية يقرأها ويبكي.
طبقات الحنابلة/أبو الحسين ابن أبي يعلى ، محمد بن محمد (المتوفى : 526هـ)