الفتوى المنيعة
بِسْم الله الرحمن الرحيم
إن الفتوى هي إخبار عن حكم شرعي - قطعي أو ظني - .
والحكم الشرعي بطبيعته منيع فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
والمفتي هو المخبر عن الحكم الشرعي ، فإن كان أهلا لهذا المنصب وموفيا له حقه لم يكن نقله إلا صوابا ولا إخباره إلا صادقا .
فتمنُّع الفتوى عن تسرب الباطل في ثناياها يقوم على أمرين :
الأول / أصول الفتوى المستقيمة .
الثاني / آلة المفتي القويمة .
ومع ذلك فقد تخرج الفتوى ممن هذه صفته وهي مشتملة على شعبة من الباطل ؛ إما تقصيرا ، أو مبالغة في حكم أو خبر .
وكلاهما إما أن يكون :
- ناشئاً عن هوى - لشبهة أو شهوة - .
-أو ناشئاً عن غفلة - لنسيان أو خطأ - .
فالأولى / خبيئة ظلم في قلب المفتي لم يحترس منها .
والثانية / طبيعة جهل في قلبه لم يتنبه لها .
ومن أسباب الترفع عن هاتين الآفتين : النظر في المآل .
أما الأولى / فالنظر إلى مآل العبد الأخروي ، وتيقنه يزرع في المفتي بذرة الوجل التي هي أصل المطهرات القلبية المثمرة لخشية الله .
وأما الثاني / فالنظر إلى مآل الفتوى الدنيوي ، وتمرسه في إدارة المصالح والمفاسد وتمكنه من تصريفها في وجوهها النافعة يزرع في المفتي بذرة الحذر التي هي أصل اليقظة والنباهة المذهبة عنه سِنة الغفلة المثمرة لرسوخه في العلم .
وفي طيات ما سبق مخبئات من التنبيهات والإشارات والتحذيرات يدركها الموفق بإعطاء كل جملة حقها من التأمل ، والتعقل ، والتفكر .
فاللبيب يجعل القليل كثيرا بحسن النظر والتدبير .
والبليد يتفرق عليه أمره ونجاته في جوفه أو بين يديه .
وما التوفيق إلا من عند الله .
***