عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12-18-2009, 01:46 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

أما بِدع عاشوراء؛ فالحقيقة أنها كثيرة:

منها: تخصيصُ قراءة آيات فيها ذِكر موسى -عليه السلام-.

ومنها: إحداث صلاة، يُسمُّونَها: "صلاة عاشوراء" بين الظهر والعصر.

ومنها: اعتقاد فضل الاكتِحال والاختضاب.

ومنها: أن بعض الناس يؤخِّر الزكاة الواجبة في شهر قبل المحرَّم؛ ليؤديها في يوم عاشوراء -منه-.

ومنها: بعضهم -وهذا موجود في بعض البلاد في هذه الأيام! في بعض البلاد اليمنية إلى هذه الأيام- يضعون دعاءً يُسمُّونه: (دعاء عاشوراء) يكرِّرون فيه: (حسبي الله ونعم الوكيل) سبعين مرة! ثم يضيفون كلمات مِن عندهم، ثم يَقول قائلهم، والمفتري هذا الدعاء، والكاذب فيه، قال: (إن مَن قرأ هذا الدعاء في يوم عاشوراء؛ لم يَمُت في سَنَتِه)! قال: (وهو مِن المجرَّبات التي لا شك فيها)!! هذه (المجرَّبات) يجب أن نضع نقطة الجيم السُّفلى إلى فوق؛ حتى تصيرَ مِن (المخرَّبات)! لأنها ما أنزل الله بها مِن سلطان، وهذا تكذيب لنصِّ كتابِ الله في إثبات الأعمار، والموتِ، وعدم الاستقدام، والاستِئخار.. إلى آخر ذلك.

ومنها: تخصيص زيارة القبور، أو السَّفر إليها، والاجتماع عندها.. وهكذا، هذه كلها من ذلك.

ومنها -أيضًا-وهو أشهرها، وهذا لا يزال إلى هذه الأيام-: التَّوسعة على النَّاس يوم عاشوراء؛ بشـراء الحلويات.. الناس في بلادنا -إلى هذه الأيام- في يوم عاشوراء يتعمَّدون شراء الهرايس والكُنافة.. وغير ذلك مُعتمِدين في ذلك على حديثٍ لا يَصح عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فيه: (أن مَن وسَّع على أهله يوم عاشوراء؛ وسَّع الله عليه السَّنة كلَّها) ولا يصِح ذلك عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.

وبعضُ النَّاس يتوسَّعون في ذِكر هذه التَّوسعة إلى أن تَصل إلى درجة السُّرور، والفَرح، والاحتفال في يوم عاشوراء، وهذه بدعة مِن (بِدَع النَّواصِب)، فكما سيأتينا -بعد قليل- أن الرَّوافض جعلوا يوم عاشوراء يومَ مأتَم، فخالفهم النَّواصب؛ وجعلوا يوم عاشوراء يوم فرح، وسرور، وحُبور!

وهذا باطل، وذالك باطل!

والحمد لله الذي جعلنا مِن أهل السُّنَّة السَّنِيَّة، والطريقة المحمديَّة، والمسالك النبوية، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فنحن لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء؛ وإنما نسير حذو القُذة بالقذة تجاه.. ونحو.. وإلى.. وعلى سُنَّة رسولِ الإسلام -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
وأما أعظم البِدع في يوم عاشوراء: فبدعة الحزن، واللَّطم، والتَّدمية، وضرب الرُّؤوس بالفُؤوس! وغير ذلك مما يُسمُّونه: (التَّطبير)، الرَّافضة تُسمِّيه: (التَّطبير)، وراجعتُ كتب اللغة لأعرف أصلاً لكلمة (التَّطبير)؛ فلم أظفر لها بشيء! -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.

فهذا الذي يفعلونه؛ إنما فعلوه بما ليس له علاقة بأصل يوم عاشوراء والسُّنَّة فيه، وما يتعلق به، ولكن؛ لِكَون الحُسين بن علي -رضي الله عنهما- تُوفي مقتولًا شهيدًا -فـ"الحسن والحُسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة"- مظلومًا في يوم عاشوراء، سَنَة إحدى وستِّين للهجرة.

والقصة في ذلك كثيرة وكثيرة جدًّا.

يقول شيخ الإسلام -نقتبس فقرة-، يقول: "فلما خرج الحُسين" وإن كان بعض الصحابة قالوا له لا تخرج "فلما خرج الحُسين، ورأى أن الأمور قد تغيَّرت" يعني تصوَّر شيئًا؛ فرأى شيئًا آخر! "طلب منهم" أي: ممن ذهب إليهم، وسار معهم "أن يَدَعوه يرجع، أو أن يلحق ببعض الثغور" غير هذه الفتنة التي ابتُلي بها "أو أن يَلحق بابنِ عمِّه يَزيد. فمنعوه هذا وهذا، حتى يُستَأسَر، فأُسِر، وقاتَلُوه، فقاتَلَهُم؛ فقتلوه وطائفةً ممن معه، مظلومًا، شهيدًا -شهادة أكرمه الله بها، وألحقَه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها مَن ظلمه، واعتدى عليه وأوجب ذلك شرًّا بين الناس-".

قال شيخ الإسلام: "فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما مُلحدة منافقة، وإما ضالَّة غاوية، تُظهر موالاتِه وموالاة أهل بيتِه، تتخذُ يوم عاشوراء يوم مَأتَمٍ وحُزنٍ ونِياحة، وتُظهر فيه شِعار الجاهلية؛ مِن لطمِ الخدود، وشقِّ الجُيوب، والتَّعزي بِعَزاء الجاهليَّة".

والكلام الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية كثير، وكثير جدًّا.

قال: "فعارض هؤلاء" الرَّوافض -بحزنهم- "قومٌ؛ إما مِن النَّواصب المتعصِّبين على الحُسين وأهلِ بيته، وإما مِن الجهَّال الذين قابلوا الفاسِدَ بالفاسِد، والكذِبَ بالكَذِب، والشَّرَّ بالشَّر، والبِدعةَ بالبِدعة"! على مذهب: (وداوِني بالتي كانت هِي الدَّاءُ)! البِدعة لا تُنقَض إلا بالسُّنَّة، والكذب لا يُردُّ إلا بالصِّدق، ورحم الله حسَّان بن عطية القائل: ما أحدثَ قومٌ في دينِهم بدعة إلا رفع اللهُ مكانَها سُنَّة، حتى تحيا البِدع وتموتَ السُّنن. فلا حياة للسُّنن إلا بِنشرها، ووأْدِ البدع المضادَّةِ لها. نعم.

ولشيخ الإسلام كلمة أخرى -الكلمة هذه طويلة في كتابه: "مجموع الفتاوى"-، قال في "منهاج السُّنَّة": "وصار الشيطان بسبب قتل الحسين -رضي الله عنه- يُحدِث للناس بدعتَيْن: بدعة الحُزن والنَّوح يوم عاشوراء؛ مِن اللَّطم، والصُّراخ، والبكاء، والعَطش، وإنشاء المراثي، وما يُفضي إلى ذلك؛ مِن سبِّ السَّلف ولعنهم" نعم؛ حتى قال قائلُهم -نعمة الله الجزائري في كتاب: "الأنوار النُّعمانية"- يقول: "أما هذا الإله الذي أرسل نبيًّا خليفته أبوبكر؛ فليس هذا الإله إلهنا، ولا هذا النبي نبيَّنا، ولا هذا الإمامُ إمامَنا"! نحن رضينا! نحن رضينا أن يكون إلهنا غيرَ إلههم؛ لأن إلهنا عدلٌ، حق، لا معبود سواه، ورسوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وخليفته أبو بكر الصِّديق الذي لم يخالفه -في الانضواء تحت رايتِه- أهلُ البيت -قاطبةً-، وزعم الزَّاعمين، وافتراء المفتَرِين، وكذب الكاذِبين في شبهاتهم وترَّهاتهم في نقض هذا الإجماع؛ أوهى مِن أن يُذكر!
ورأيتُ -قريبًا- رسالة طُبعت -جديدًا- للإمام الذهبي، سمَّاها: "المقدمة الزَّهرَا في إثبات الإمامةِ الكُبرى" ردَّ فيها على الرَّوافض في رفضِهم إمامةَ أبي بكر، وتفضليهم عليًّا عليه، بأدلةً تاريخية، وحُججٍ مَرْوِيَّة لا يَسع أحدًا ردُّها.

وقال شيخ الإسلام -يُبيِّن حقيقة هذه الطَّائفة-، يقول: " إن الرَّافضة: ليس لها عقلٌ صَريح، ولا نقلٌ صحيح، ولا دِين مَقبول، ولا دُنيا مَنصورة؛ بل هم مِن أعظم الطَّوائف كذبًا وجهلاً، ودينُهم يُدخل على المسلمين كلَّ زنديق ومرتدٍّ؛ فإنهم يعمَدون إلى خيارِ الأمة؛ يُعادونهم، وإلى أعداء الله -مِن اليهود والنَّصارى والمشرِكين-؛ يُوالُونَهم، ويعمَدون إلى الصِّدق الظاهِر المتواتِر؛ يدفعونه، وإلى الكذب المختَلَق الذي يُعلم فسادُه؛ يُقيمونه! فَهُم كما قال فيهم الشَّعبي -عامر بن شراحيل الشَّعبي-وكان مِن أعلم النَّاس بهم-، قال: "لو كانوا من البهائم؛ لكانوا حُمُرًا، ولو كانوا من الطُّيور؛ لكانوا رَخَمًا" والرَّخَم: طير يُشبه النَّسر، لونه أبيض وأسود مُبقَّع؛ لكنه معروف في أهل الطُّيور بالغَدر والقَذَر! "لو كانوا من الحيوان والبهائم لكانوا حُمُرًا" جمع (حِمار) "ولو كانوا من الطُّيور؛ لكانوا رَخَمًا".

والإمام ابن رجب يقول في "لطائِف المَعارِف": "وأما اتِّخاذ يوم عاشوراء مَأتمًا -كما تفعل الرَّافضة لأجل قتل الحسين-؛ فهو مِن عَمَل مَن ضلَّ سعيُه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه مِن المحسِنين صُنعًا، ولم يأمر الله به، ولا رسولُه باتخاذ مَصائب أيام الأنبياء مأتمًا، فكيف بمَن هو دونهم؟!" هذا كلام أهل العلم.

لذلك: بعضُ آياتِهم ومراجعهم المعاصِرين ماذا يقول؟ وهو محمد حسين فضل الله اللُّبناني، يقول: "عاشوراء لا بدَّ أن تتحرك مع الخطِّ العاطفي، ولكن لا أوافق على الاحتفال بعاشوراء بطريقةِ ضرب الرؤوس بالسُّيوف، وجلد الأجساد بالسَّلاسل الحديديَّة، وأنا قد حرمتُ هذا". يحرِّمه واحد ويفعله ملايين! لأن حتى هذا التَّحريم الذي كتبه في صُحف أهل السُّنة، لا يَبعد أن يكون (تقيَّة)؛ يأمُر بالظاهر في شيء، ويكون حالُه شيئًا آخر! لأن التَّقية كما في كتاب: "الكافي" للكُليني، قال: "التقيَّة أُسُّ دينِنا، فمَن لم يؤمن بالتقية؛ فليس منَّا"!

وأما الأحاديث الموضوعة؛ فالحقيقة فيه عشرات الأحاديث الضعيفة والموضوعة في يوم عاشوراء، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السُّنة" -بعد أن ذكر بعض المَروِيَّات في يوم عاشوراء-: "وكلُّ هذا كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لم يصحَّ في عاشوراء إلا فضل صيامه". أما القيام، والطعام، وغير ذلك؛ مِن الحُزن والفرح والتَّوسعة؛ كل هذا لم يَصح، ولم يثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

نقول هذا -أيها الإخوة!- مُبيِّنين مكانةَ أهل البيت، مكانة عليٍّ، مكانة الحسَن والحُسين وسائر أهل البيت -رضي الله عنهم أجمعين- بالوسطيَّة الشرعيَّة، الراضية المرضيَّة؛ بعيدًا عن غُلو الغالِين، وتقصير المقصِّرين؛ بين الإفراط والتفريط؛ فنحن نُقيم لهم عهدَهم، ولا ننقُض لهم منزلتَهم، بخلاف مَن ظنَّ أنه بغُلوِّه يُقيم لهم الرِّفعة، وهو -في الحقيقة- لا يُقيم إلا لنفسِه البَهت والزُّور والكذبَ مما يرفضُه، وينقضُه أهلُ البيت -كلُّهم- لو كانوا أحياءً، ويرفضُه الأحياءُ منهم في وجودِهم، وفي حياتِهم، وفيما آتاهم الله مِن علمٍ وبيِّنة وبصيرة.

نقول هذا؛ حتى نبيِّن الحقَّ بدرجاتِه، وبأصولِه دون أن تغيِّره الوقائعُ، أو الأحداث، أو المتغيِّراتُ، نقول هذا؛ اعتقادًا جازمًا، وعقيدة حاسمة، لا تَردُّدَ فيها، ولا خَللَ يعتريها، مهما ارتفع المؤشِّر البياني أو انخفض في الصُّحف والجرائد والمجلات، في الأعمال والأفعال وو.. إلى آخره؛ عقيدتنا في هذه المسائل ثابتة، راسخة، حازِمة، حاسِمة لا نغيِّرها إلا تغيَّروا، ولا نبدِّلها إلا إذا هم بدَّلوا.

نسأل اللهَ -تعالى- أن يُثبِّتنا على الحقِّ والهُدى والسُّنَّة والتَّوحيد، وأن يُميتَنا غير خَزايا، ولا نَدامَى، ثابِتين راسِخِين، غير مُغيِّرين ولا مُبدِّلين؛ إنه -سبحانه- وليُّ ذلك والقادرُ عليه، وصلى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.



يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس