أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
30311 81299

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-11-2013, 08:22 PM
نجيب بن منصور المهاجر نجيب بن منصور المهاجر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 3,045
Lightbulb عفواً دكتور الخنة أخطأت هدي السلف !

عفواً دكتور الخنة أخطأت هدي السلف
الشيخ فيصل بن قزار الجاسم حفظه الله
نقلت المقال عن الموقع الرسمي للشيخ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وحبه أجمعين وبعد، فقد وقفت على مقال لأخينا الدكتور فهد الخنة في جريدة الوطن بتاريخ 27/1/2011 تحت عنوان «هدي سلف الأمة» فوجدته قد جانب الصواب في كثير من القضايا التي أثارها في مقاله، كما وقع عفا الله عنه في خلط بين بعض الأمور الشرعية حيث لم يتفطن إلى الفرق بين صورها فلم يهتد مثلاً للفرق بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين الصبر على جور الولاة، كما وقع في أخطاء تاريخية، واستشهد في بعض الأحايين بما يدل على نقيض قصده وعكس تصوّره.

وما كنت أحب الخوض في هذه المسائل ولا الكتابة فيها لولا أن الدكتور قد تكلم فيها من منظور شرعي كما يظن، فخشيت من التباس هذه الأمور على الناس لا سيما من مثل الدكتور الخنة.

وتتبع جميع ما وقع فيه الدكتور من أخطاء يطول، كما أن بعض المسائل تحتاج إلى بسط ليس هذا موضعه، وحسبي أن أشير إشارة إلى بعض هذه الأخطاء نصحاً للمسلمين.

فمن أخطائه أنه حصر ما استفاضت فيه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بالصبر على جور الولاة بترك الخروج عليهم فقط، وأما الجهر بالإنكار عليهم في المجالس والمحافل العامة بما يحصل به إيغار الصدور، وشحن القلوب، وتأليب العامة وتهييجهم فلا ينافي عنده ما أُمرنا به من الصبر على جور الولاة، وهذا لا ريب في بطلانه، ففرقٌ بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين نقد الحاكم والطعن عليه، ولمزه والتهوين من طاعته، واستخدام أسلوب «إياكِ أعني وافهمي يا جارة»، فهذه الأمور ليست من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هي نوع من الخروج على الولاة بالقول، وهو خلاف ما جاءت به الأحاديث، ومنها ما رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم سترون بعدي أثرة –أي استئثاراً بالدنيا- وأموراً تنكرونها» فقالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم»، فأمرهم بأن يسألوا الله حقهم إذا مُنعوه، ولم يأمرهم بأن يأخذوا حقهم بالقوة، ولا بوسائل الضغط والتهييج، وإنما أمرهم أن يلتفتوا إلى الله حينئذٍ، ومنها أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يُبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه»، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يستجب السلطان للنصح، أن يجهر به على الملأ، ويصيح بعيبه ولمزه. وقال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: آمر إمامي بالمعروف؟ قال: (إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه، ولا تَعِب إمامك). وقال الإمام أحمد لما شكى إليه الفقهاء بأن القول بخلق القرآن وإنكار الصفات قد أصبح يُدرّس في كتاتيب الصبيان، وقالوا له: إنا لا نرضى بإمامته ولا بسلطانه، فقال: (عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تنزعوا يداً من طاعة).

ولا يعني هذا السكوت عن المنكر إذا أمر به الحاكم، أو رضيه، بل يجب عند القدرة إنكاره بالقول، وتحذير الناس من هذا المنكر بدون أن يُتخذ هذا المنكر وسيلة للطعن في الحاكم ولمزه وعيبه والتهوين من أمره، أو إضعاف مكانته في القلوب، لأن هذه الأمور تُشيع الفوضى والفساد، وتدعو إلى الخروج، ولم يزل المسلمون ينكرون المنكرات بغير هذه الطريق الثورية، ولم يزل أهل الكويت يناصحون ولاتهم ويقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير هذه الطرق المستحدثة.

واعلم أنه ما كان خروج قط إلا وكانت هذه الأمور مبادئه، وكل حركات الخروج عبر التاريخ إنما بدأت بعيب الحاكم، والحط عليه لمنكرات وقع فيها، أو لجور حصل منه واستئثار بالدنيا، ثم آلت الأمور إلى الخروج وسفك الدماء، وأما محاولة التفريق بين تأليب العامة وحشد الناس لمنكر وقع، أو ظلم حصل وبين الخروج بالسيف والقتال فهذا من الأوهام الكبيرة، فإن أوّل الخروج إنما يكون بالكلمة والإنكار علناً على الولاة ثم يتبعها جمع الناس وحشدهم باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وباسم رفع الظلم والمطالبة بالحقوق، فدونك قصة مقتل عثمان رضي الله عنه، وخروج الخوارج على علي رضي الله عنه، وفتنة ابن الأشعث، وغير ذلك من الحركات والثورات التي قد سطر التاريخ ويلاتها.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذِكرُ ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير. أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكماً ولا غير حاكم. ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من افتتحه. ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان علناً عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علناً، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه، وقد روى عياض بن غنم الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه».) [مجموع الفتاوى 8/211]

وهذا الذي ذكره الشيخ رحمه الله لا يختلف باختلاف الزمان والمكان كما يظنه الدكتور، بل هو أصل من أصول أهل السنة والجماعة التي خالفوا أهل البدعة والفرقة، وما من كتاب من كتب المعتقد سواءٌ المختصرة أو المبسوطة إلا وتذكر هذا الأصل.

وقد كتب مجموعة من أئمة الدعوة النجدية منهم الشيخ محمد بن عبد اللطيف وسعد بن حمد بن عتيق وعبد العزيز العنقري وغيرهم رسالة لطيفة في السياسة الشرعية وفيها: (وأما ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج على الإسلام، فالواجب فيها: مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس، ومجامع الناس. واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد غلط فاحش وجهلٌ ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نوّر الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح وأئمة الدين). [الدرر السنية 9/119]

ولا أريد أن أستفيض في ذكر أقوال العلماء والأئمة، ومن طلبها وجدها في مظانها.

ومن أوهام الدكتور استشهاده على ما يريد تسويغه من الإنكار العلني والتجميع والحشد للعامة والخطب الرنانة التي تُشيع الفوضى وتُسبب الاضطرابات، بحديث: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»، وهذا عند التأمل عليه لا له، لأن الحديث قيّد كلمة الحق بأن تكون عند السلطان، لا عند العامة بعيداً عنه، ولذلك قال «عند سلطان»، ومن هنا صار أعظم الجهاد لأنه في محضر السلطان وهو قادر على البطش به ومع ذلك قال كلمة الحق ولم يخش إلا الله، ويؤكده الحديث الآخر وفيه: «سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقام فقتله».

وقد تطرق الدكتور لمسألة المظاهرات والاعتصامات وأثنى على من كتب في إباحتها، وهي مسألة قد تكلم فيها العلماء الأكابر ممن لهم قدم صدق في الأمة فأفتوا بحرمتها من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز والألباني وابن عثيمين وصالح الفوزان واللجنة الدائمة للإفتاء، فلا أدري لماذا نترك قول الأكابر إلى من هم دونهم في العلم والفضل، لا سيما في أمرٍ قد يعسر ضبطه ويشق التحرز من مفاسده، أفليس من الأولى بالناصح للأمة أن يُرشدها إلى قول الأكابر في مثل هذه المسائل بدلاً من أن يُعلقهم برأي من هم دونهم، أو برأيه! هذا على سبيل التنزل، وإلا فإن المظاهرات من وسائل الفوضى، وفيها تشبه بالكفار فإنها عنهم أُخذت، ولم يعرف المسلمون هذه الوسائل غير المنضبطة، وظواهر الأحاديث تدل على المنع منها، وقد وقع في عصور الإسلام أنواع من الظلم وسلب الحقوق والاستئثار بالدنيا ومع ذلك ما فزع المسلمون إلى مثل هذه الوسائل الفوضوية، فقد وقع من الولاة قتل للأبرياء واستباحة للدماء والأموال من بعض الولاة ومع ذلك كانت سيرة السلف فيهم معلومة؛ الصبر والنصح والدعوة إلى الله، بل قد وقع ما هو أعظم من ذلك وهو إلزام الناس بأقوال كفرية كالقول بخلق القرآن وإنكار صفات لله تعالى كما كان من بعض خلفاء بني العباس، ومع كل ذلك كانت سيرة الأئمة في تلك الفتن معلومة. وقد كان في مقدور السلف الخروج بمظاهرات، وعمل المسيرات، أو تنظيم اعتصامات وإضرابات، فلما تركوها مع قدرتهم عليها، دل على أن تركها هو السنّة، وأن فعلها مخالفة لطريقهم ومنهجهم، فإنهم لم يتركوا هذه الوسائل مع توفر أسبابها إلا لعلمهم بمفاسدها وعواقبها. فلماذا نتنكب طريقهم إلى طريق غيرهم من الكفار الذين لا شريعة لهم محفوظة تضبط أمورهم.

وقد تعرض الدكتور لحديث النبي صلى الله عليه وسلم -والذي أمر فيه بالسمع والطاعة للولاة وإن وقع منهم جلد للظهر وأخذ للمال- بنوع من الردّ بلا بينة، وهذا نص الحديث: قال عليه الصلاة والسلام: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس». قال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع». رواه مسلم. وقد قال الدكتور: (ولا يقول أحد من السلف ولا الخلف وأهل العلم والفقه والعقل أن على الأمة أن تستسلم للجلد والنهب والسلب من أئمة الجور، بل عليها أن تُقيم أئمة العدل وتنصحهم ..).

ولا أدري ما مقصود الدكتور بهذا الكلام؟ وما معنى عدم الاستسلام لجلد السلطان وسلبه؟ أفيظن الدكتور أنه يجوز للإنسان أن يدفع ظلم السلطان عنه كما يدفع الصائل! فيجوز عنده أن يدفع الإنسان الشرطة بالقوة إذا أرادوا القبض عليه ظلماً، ويكون من باب دفع الصائل!

إن كان الدكتور يريد ذلك، وهو محتملٌ في كلامه، لا سيما أنه قال: (وتتصدى لهم دون الخروج عليهم بالسيف)، فلا شك أنه خطأ كبير، لأن الأمة مجمعة على استثناء السلطان من جواز دفع الصائل والمعتدي.

قال ابن المنذر: (والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذُكِر –أي النفس والمال- إذا أريد ظلماً بغير تفصيل، إلا أنَّ كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره، وترك القيام عليه). [فتح الباري 5/123]

ولو فُتح الباب لدفع ظلم السلطان باليد من باب دفع الصائل لعم الفساد واستشرى.

ثم ذكر الدكتور فهد بعض الأئمة كأمثلةٍ للتصدى على جور الولاة والظلمة فقال: (كما تصدى علماء الأمة وأئمة الهدى رحمهم الله للجور والظلم وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتحملوا الأذى في سبيل الله، كسعيد بن جبير، والإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، وإمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل، وشيخ الاسلام الإمام الرباني ابن تيمية الذي مات مسجوناً لأنه صدع بالحق وعبَّر عن رأيه، وإمامنا الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي حارب البدع والشرك والفوضى).

ونقول للدكتور بأن هؤلاء الأئمة المذكورين إنما تصدوا للبدع والشركيات والأقوال المخالفة للكتاب والسنّة وصبروا على ما نالهم من الأذى في ذلك، ولم يتصدوا لظلم الولاة وجورهم، فلم يُسجن منهم أحد لأنه قال لإمام أو سلطان: أنت أخذت أموال الناس، أو بخست حقهم، أو جلدت فلاناً بغير حق! وإنما أفتوا بما جاء في الكتاب والسنة، فلما أريد منهم أن يقولوا ما يخالف ذلك أبوا وصدعوا بالحق ونشروا الدين الذي أمر الله به، ولم يستجيزوا أن يسكتوا على البدع والشركيات والضلالات لئلا تموت السنن وتحيا البدع. فأين الانتصار لدين الله تعالى وسنّة نبيه من أن تُحرّف، من الانتصار لدنيا زائلة. وهؤلاء المذكورون من أكثر الناس أمراً بالصبر على جور الولاة وعدم نزع اليد من طاعتهم ونصحهم، وترك الطعن والعيب عليهم. ولا أحب أن أسرد نصوصهم في ذلك، ومن أظهر ذلك قصة الإمام أحمد مع خلفاء بين العباس في فتنة خلق القرآن.

نعم سعيد بن جبير على جلالة قدره قد خرج على الحجاج بن يوسف الثقفي في فتنة ابن الأشعث فقتله الحجاج بسبب ذلك، وغاية أمره رحمه الله أن يكون قد اجتهد في خروجه كما اجتهد غيره فأخطأ لمخالفة هذا الفعل للنصوص ولإجماع الأمة، وقد ندم كل من شارك في فتنة ابن الأشعث كالشعبي وغيره، ولا حجة في فعل أو قول يخالف الكتاب والسنّة.

وذِكرُ الدكتور لسعيد بن جبير تناقض منه، لأن تصدي سعيد بن جبير لظلم الولاة كان بالخروج بالسيف، وهو ما أنكره الدكتور في مقاله، فكيف يمدح رجلاً على فعلٍ قد حكم هو ببطلانه وتحريمه!

ومن تناقضات الدكتور أنه تارة يُحرّم الخروج على الحاكم إذا وقع منه ظلم وجور وسلبٌ للأموال، وتارة يُبيح ذلك، فقال: (وأما اذا ابتليت بظالم طاغ لا تستطيع دفع ظلمه الا بفساد عظيم وبلاء شديد كان لها الصبر كضرورة وليس اختياراً أو ندباً مع مثابرتها وسعيها الدؤوب لاقامة العدل ورفع الظلم عنها، وأما ولي الأمر الخارج عن الملة الذي يفتي بكفره أئمة العلم فعزله واجب ان استطاعت الأمة).

ولا ريب أن إباحة الخروج على الطغاة الظلمة محرمٌ ما لم يقعوا في الكفر البواح، لقول عبادة رضي الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان». متفق عليه.

قال الشوكاني: (وظاهر ذلك أنهم إن وإن بلغوا في الظلم إلى أعلى مراتبه، وفعلوا أعظم أنواعه مما لم يخرجوا به إلى الكفر البواح، فإن طاعتهم واجبة حيث لم يكن ما أمروا به من معصية الله). [فتح القدير سورة هود آية 13]

وقد نقل غير واحد الإجماع على ذلك كابن بطال والنووي وابن تيمية وغيرهم كثير.

وقول الدكتور أن الصبر على الظالم الطاغي من باب الضرورة لا من باب الاختيار مخالف للنصوص المستفيضة التي أمرت بالصبر مُطلقاً، لا عند العجز فقط، ولذلك لم تفرّق النصوص بين القادر على الخروج والعاجز عنه، وإنما يُذكر مثل هذا التفريق في حق الحاكم الكافر.

ومن أوهام الدكتور وأخطائه أنه جعل مبايعة الإمام محمد بن عبد الوهاب للإمام محمد بن سعود كانت من باب الضرورة لكون الخليفة العثماني موجوداً آنذاك، فقال: (إمامنا الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي حارب البدع والشرك والفوضى وبايع الإمام محمد بن سعود مع وجود الخليفة للضرورة، ودون الخروج عن طاعته، لأن نجد كانت تعيش حالة فوضى لا يحكمها أحدـ ودافع أئمة الدعوة عن أنفسهم عندما جاءهم إبراهيم باشا وقاتلوه على الرغم من أنه مرسل من قبل خليفة المسلمين، وهدم الدرعية وبعدما خرج عادوا رحمهم الله مرة أخرى وأسسوا دولة التوحيد الثانية فلا أعلم أي منهج سلفي يتحدث عنه هؤلاء الذي لا نرى لهم فيه سلفاً).

وكلام الدكتور يوحي بأن فعل الإمام محمد بن عبد الوهاب كان خروجاً على الدولة العثمانية وإنما فعله من باب الضرورة.

وهذا خطأ بلا ريب، لأن نجد وقراها لم تكن خاضعة للدولة العثمانية ولم تدخلها حامية عثمانية قبل قيام الدولة السعودية الأولى، ولا سلطان لهم عليها، فإن الدولة العثمانية لم تلتفت إلى نجد لأنها كانت صحراء لا أطماع لهم فيها، كل قرية كان عليها أمير مستقل. والإمام محمد بن سعود كان أميراً على الدرعية، فبايعه الإمام محمد بن عبد الوهاب على تبني دعوة التوحيد.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز: (لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية فيما أعلم وأعتقد، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك، بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل… وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى). [دعاوى المناوئين ص237]

وقال المؤرخ عبد الله العثيمين: (ومهما يكن فإن نجداً لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أنها لم تشهد نفوذاً قويّاً يفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة). [«محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره» ص11]

وعجيب أمر الدكتور فهد! يعتبر الدولة العثمانية خلافةً إسلامية لا يجوز الخروج عليها وهي الدولة التي نشرت البدع والشركيات وعمّ التصوف في عهدها بلدان الإسلام، وحاربت التوحيد، وطمست معالمه وقتلت أهله، وفي الوقت نفسه يُبيح الخروج على الظلمة الطغاة على أمور الدنيا وأخذ الأموال!!!

ومن مغالطات الدكتور أنه جعل الحكم بكفر تارك الصلاة كسلاً أمراً يختلف باختلاف الأزمان والأحوال، بينما هو أمر مبني على الأدلة الشرعية، فمَنْ حكم بكفر تارك الصلاة من العلماء فَلِما ترجّح عنده من الأدلة، ولا يختلف هذا الحكم عنده باختلاف البلدان، وكذلك من لم يحكم بكفر تارك الصلاة كسلاً لا يختلف حكمه عنده باختلاف الأزمان والبلدان. ومثل ذلك يقال في بعض المسائل التي ذكرها في مقاله كمسألة الحكم بغير ما أنزل الله، فكل ما جاءت النصوص بالحكم فيه لا يتغير بتغير الأزمان والأماكن، فضلاً عن تركه لما يُسمى بالمصلحة كما ذكره الدكتور في مقاله، فإن المصلحة لا تكون في مخالفة النصوص، بل النصوص جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، وأما أن نُبطل العمل بالنصوص متذرعين بصنم المصلحة فهذا سبيل أهل الزيغ لا أتباع السلف. نعم قد يُترك العمل بشيء من الدين للعجز عنه، لا للمصلحة الموهومة.

ومن أوهامه أنه نسب إلى علماء المملكة الحكم بكفر الحاكم الذي يحكم بالدساتير الوضعية المخالفة للشريعة من غير استحلال، بينما الذي في فتاوى اللجنة الدائمة وفتاوى الشيخ ابن باز يخالف ذلك، إذ الثابت عنهم تكفير المستحل للحكم بغير ما أنزل الله دون من لم يستحل.

وفي النهاية أقول إن تتبع ما ذكره الدكتور فهد من المغالطات في مقاله يطول، وحسبي ما أشرت إليه، وأحب أن أقول لفضيلة الدكتور فهد ولمن تأثر بهذه الأفكار الثورية: اتقوا الله في بلدكم، واحمدوه على ما أنتم فيه من النعمة. والإنسان عليه أن يوازن بين الحسنات والسيئات، بين الخير والشر، والحكم يكون للأغلب منها، أما طلب الكمال فمتعذّر، فإن عمر بن عبد العزيز على جلالة قدره لم يستطع أن يسير بالمسلمين في خلافته بسيرة عمر، ولما أكثر عليه ابنه من ذكر سياسات عمر رضي الله عنه بيّن له بأن عهد عمر يختلف عن عهده، ورعية عمر غير رعيته. وإذا ما قورن الخير الموجود في هذا البلد مع غيره من بلدان المسلمين يجد الإنسان بوناً شاسعاً، لا أقول في الأمور الدنيوية فقط، بل حتى في الأمور الدينية، فالدعوة إلى الله تعالى مفتوحة لا تضييق عليها، وسبل الخير متنوعة، وطرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة، فضلاً عن الأمور الدنيوية والأحوال المعيشيىة التي لا نظير لها، فعلام نترك الطرق السهلة الميسرة ونستعيض عنها بالطرق الوعرة التي لا تُأمن عواقبها. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله يُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه». والتاريخ مليئ بالعبر والعظات، والسعيد من وُعظ بغيره، والشقي من وُعظ بنفسه. وما لا يُدرك كله، لا يُترك كله. وقاعدة الشريعة عند تزاحم المصالح والمفاسد مبنية على دفع أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أدناهما، ودفع المفسدة مُقدّم على جلب المصلحة.

وهذه الأمور الثورية التي تُهيج العامة وتستثيرهم عبر التجمعات التي تتخللها أساليب التحدي والوعيد، وأسلوب الخروج إلى الشوارع دون المجلس الذي ارتضيتموه هي مبادئ الفتن، وأوائل أسباب سقوط الدول، فاستقرأ التاريخ فضيلة الدكتور لتنظر أنه ما من دولة سقطت إلا كانت هذه الأمور هي مبادئ سقوطها. تأمل معي فضيلة الدكتور استخدام بعض الألفاظ مثل لفظ «الأحرار»، وفلان «حر» هذا هو أسلوب الثوريين، فهو يعني أن من خالفهم عبدٌ ذليل! هذه العبارات لها مدلولات خطيرة.

نحن بحمد الله لسنا في دولة يحارب ولاتها الدين ويُضيقون على أهله، وفي الوقت نفسه يُقتّرون على الناس في معايشهم، بل نحن في نعمة عظيمة نرجو دوامها ونسعى في تكميلها وسد خللها بالطرق الشرعية.

الدين بحمد الله محفوظ وقد جاءت النصوص بكل أمور الدين بدءاً من قضاء الحاجة وانتهاءاً بالحكم والسياسة الشرعية، قال تعالى ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾، وقال تعالى ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء﴾، ومن هنا ينبغي أن ننطلق، وإلى هذا الأمر نتحاكم، أما أن نترك ما جاءت به النصوص الشرعية خوفاً من طعن فلان أو لمز فلان، أو لدفع تشمت فلان من العلمانيين أو غيرهم فهذا من المداهنة لا من السياسة الشرعية.

والله أسأل أن يحفظ هذا البلد وسائر بلاد المسلمين وأن يجعله آمناً مطمئناً، وأن يجمع كلمة أهله على الحق والخير، وأن يُصلح الراعي والرعية.

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
__________________
قُلْ للّذِينَ تَفَرَّقُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُم فِي العَالَمِين البَيِّنَة
إنَّ الّذِينَ سَعَوْا لِغَمْزِ قَنَاتِكُمْ وَجَدُوا قَنَاتَكُمْ لِكَسْرٍ لَيِّنَة
عُودُوا إِلَى عَهْدِ الأُخُوَّةِ وَارْجِعُوا لاَ تَحْسَبُوا عُقْبَى التَّفَرُّقِ هَيِّنَة

«محمّد العيد»
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-11-2013, 09:54 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
افتراضي

نسأل الله أن يحمي بلاد المسلمين من الفوضى والفتن وفتنة المظاهرات والاعتصامات..
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:49 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.