أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
4217 100474

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر التاريخ و التراجم و الوثائق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #71  
قديم 04-25-2009, 09:24 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow ابراهيم الحربي،



بسم الله الرحمن الرحيم

ابراهيم بن اسحاق

ابن بشير بن عبد الله بن رستم، ابو اسحاق الحربي، احد الائمة في الفقه والحديث وغير ذلك، وكان زاهداً عابداً تخرج باحمد بن حنبل، وروى عنه كثيراً‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ ابراهيم الحربي، امام مصنف عالم بكل شيء، بارع في كل علم، صدوق، كان يقاس باحمد بن حنبل في زهده وورعه وعلمه،

ومن كلامه‏:‏ اجمع عقلاء كل امة ان من لم يجر مع القدر لم يتهن بعيشه‏.‏

وكان يقول‏:‏ الرجل كل الرجل الذي يدخل غمه على نفسه ولا يدخله على عياله‏.‏

وقد كانت بي شقيقة منذ اربعين سنة ما اخبرت بها احداً قط،

ولي عشرون سنة ابصر بفرد عين ما اخبرت بها احداً قط‏.‏

وذكر انه مكث نيفاً وسبعين سنة من عمره ما يسال اهله غداء ولا عشاء، ‏ بل ان جاءه شيء اكله، والا طوى الى الليلة القابلة‏.‏

وذكر انه انفق في بعض الرماضانات على نفسه وعياله درهماً واحداً واربعة دوانيق ونصف، وما كنا نعرف من هذه الطبائخ شيئاً، انما هو باذنجان مشوي، او باقة فجل، او نحو هذا‏.‏

وقد بعث اليه امير المؤمنين المعتضد في بعض الاحيان بعشرة الاف درهم، فابى ان يقبلها وردها، فرجع الرسول وقال‏:‏

يقول لك الخليفة‏:‏ فرقها على من تعرف من فقراء جيرانك‏.‏

فقال‏:‏ هذا شيء لم نجمعه، ولا نسال عن جمعه، فلا نسال عن تفريقه،

قل لامير المؤمنين‏:‏ اما يتركنا واما نتحول من بلده‏.‏

ولما حضرته الوفاة دخل عليه بعض اصحابه يعوده، فقامت ابنته تشكو اليه ما هم فيه من الجهد وانه لا طعام لهم الا الخبز اليابس بالملح، وربما عدموا الملح في بعض الاحيان‏.‏

فقال لها ابراهيم‏:‏ يا بنية تخافين الفقر‏؟‏

انظري الى تلك الزاوية فيها اثني عشر الف جزء قد كتبتها، ففي كل يوم تبيعي منها جزء بدرهم، فمن عنده اثني عشر الف درهم فليس بفقير‏.‏

ثم كانت وفاته لسبع بقين من ذي الحجة وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي عند باب الانبار، وكان الجمع كثيراً جداً‏.‏

( البداية والنهاية 11/187)
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #72  
قديم 04-25-2009, 09:27 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow عليُّ بنُ المديني

عليُّ بنُ المديني 161 – 234 هـ

للشيخِ عبدِ المحسن العبَّاد

المدرسُ في كليةِ الشريعةِ بالجامعةِ

نسبهُ :

هو علي بنُ عبدِ اللهِ بنِ جعفر بنِ نجيح بنِ بكر بن سعد، هكذا نسبه الخطيب في تاريخ بغداد .

كنيتهُ ونسبتهُ :

كنيته أبو الحسن ، واشتهر بابن المديني – بفتح الميم – وكسر الدال – نسبة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم والنسبة إليها بهذه الصيغة قليلة وأكثر ما ينسب إليها المدني بدون ياء ، وإنما نسب إليها لأن أصله منها كما ذكر ذلك البخاري في التاريخ وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وابن الأثير في اللباب .
وكانت ولادته ونشأته بالبصرة ، ولهذا ينسب إليها فيقال له : البصري ، ويقال له : السعدي من بني سعد بن بكر نسبة إليهم نسبة ولاء وهو مولى عروة بن عطية السعدي كما في تهذيب الأسماء واللغات للنووي .

ولادتهُ :

ولد ابن المديني سنة إحدى وستين ومائة نقله الخطيب في تاريخه عن علي بن أحمد بن النضر وقال الخطيب : " كان مولده بالبصرة " ، وكذا أرخه الذهبي في تذكرة الحفاظ وابن السبكي في طبقات الشافعية.

ابنُ المديني من بيتِ علمٍ :

الإمام ابن المديني أحد أعلام المحدثين الذين اشتهروا بحفظ الحديث ومعرفة علله ، وأبوه وجده من حملة الحديث ونقلته ؛ فأبوه عبد الله محدث مشهور روى عن غير واحد من مشيخة مالك بن أنس ، وجده جعفر بن نجيح روى عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ذكر ذلك الخطيب في تاريخه .

ممن روى عنهم :

سمع الحديث من كثير من المحدثين فرواه عن أبيه ، وحماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، وابن علية ، وأبي ضمرة ، وبشر بن المفضل ، وحاتم بن وردان ، وخالد بن الحارث ، وبشر بن السري ، وأزهر بن سعد السمان ، وحرمي بن عمارة ، وحسان بن إبراهيم ، وشبابة ، وسعيد بن عامر ، وأبي أسامة ، ويحيى بن سعيد القطان ، ويزيد بن زريع ، وهشيم بن بشير ، ومعاذ بن معاذ ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وعبد الله بن وهب ، وعبد العزيز العمى ، والفضل بن عنبسة ، وفضيل بن سليمان ، وغندر ، ومحمد بن طلحة التيمي ، ومرحوم بن عبد العزيز ، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، ومعن بن عيسى ، وأبي النضر ، وهشام بن يوسف ، وعبد الرزاق ، ويوسف بن يعقوب الماجشون ، وأبي صفوان الأموي ، وجعفر بن سليمان ، وعبد العزيز الدراوردي ، ومعتمر بن سليمان ، وجرير بن عبد الحميد ، والوليد بن مسلم ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الوهاب الثقفي ، وأبي الوليد الطيالسي ، وغيرهم ، وكتب عن الشافعي كتاب الرسالة وحملها إلى عبد الرحمن ابن مهدي فأعجب بها ذكره أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء ص 103.

ممن رووا عنه :

روى عنه البخاري ، وأبو داود ، والذهلي ، وإبراهيم بن الحارث البغدادي ، والحسن بن علي الخلال ، وأبو مزاحم سباع بن النضر ، وأبو بكر عبد القدوس الحبحباني ، وأبو بكر بن أبي عتاب الأعين ، ومحمد ابن عمرو بن نبهان الثقفي ، وإبراهيم الجوزجاني ، وحميد بن زنجويه ، وأبو داود الحراني ، ومحمد بن عبد الله ابن عبد العظيم ، ومحمد بن جعفر بن الإمام ، وهلال بن العلاء الرقي ، وعباس بن عبد العظيم العنبري ، وروى عنه سفيان بن عيينة ، ومعاذ بن معاذ وهما من شيوخه ، وأحمد بن حنبل ، وعثمان بن أبي شيبة ، وهما من أقرانه ، وابنه عبد الله بن علي ، وأحمد بن منصور ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي ، وحنبل بن إسحاق ، وصالح جزرة ، وأبو قلابة ، وأبو حاتم والصاغاني ، والفضل بن سهل الأعرج ، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة ، ويعقوب بن شيبة ، وأبو شعيب الحراني ، وأبو الحسين بن البراء ، وصالح بن أحمد بن حنبل ، ومحمد بن علي بن الفضل المديني فستقة ، وأبو خليفة الجمحي ، ومحمد بن يونس الكديمي ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة ، وأبو يعلى الموصلي ، والبغوي ، وعبد الله بن محمد بن الحسن الكاتب ، وآخر الذين رووا عنه موتا عبد الله بن محمد بن أيوب الكاتب ، وأقدمهم شيخه سفيان بن عيينة ، وبين وفاتيهما مائة وثمان وعشرون سنة ذكره الخطيب وهذا من أمثلة السابق واللاحق .

من خرج حديثه :

خرج حديثه البخاري في صحيحه ، وروى عنه فيه ثلاثمائة وثلاثة أحاديث نقل ذلك الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ، وخرج حديثه أبو داود في سننه ، وقد روى عنه البخاري وأبو داود بدون واسطة ، وروى عنه أبو داود أيضا بواسطة ، وخرج حديثه الترمذي والنسائي في سننهما وابن ماجة في التفسير رووا عنه بواسطة .

ثناء الأئمة عليه :

وكان علي بن المديني موضع تقدير كبار المحدثين أثنوا عليه في حفظه وفي علمه وتبحره وبصره في علل الحديث وأثنوا عليه بوجه عام .

فمن الثناء عليه بوجه عام :

قال أبو حاتم الرازي : " وكان أحمد لا يسميه إنما يكنيه تبجيلا له " قال : "وما سمعت أحمد سماه قط ".
وقد بلغ مبلغا عظيما قال فيه عباس العنبري : " كان الناس يكتبون قيامه وقعوده ولباسه وكل شيء يقول ويفعل " .
وقال البخاري : " ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني " .
وقال النسائي : " كأن الله خلق علي بن المديني لهذا الشأن " .
وقال النووي : " وأجمعوا على جلالته وإمامته وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره " .
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال : " وأما علي بن المدين فإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي مع كمال المعرفة بنقد الرجال وسعة الحفظ والتبحر في هذا الشأن بل لعله فرد زمانه في معناه " .
وقال ابن حجر في تقريب التهذيب : " ثقة ثبت إمام " .

حفظهُ :

وكان علي بن المديني من الحفاظ المبرزين قال فيه الذهبي : " حافظ العصر وقدوة أرباب هذا الشأن " ، وقال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة : " الحافظ المبرز " ، وقال الخطيب في تاريخه : " هو أحد أئمة الحديث في عصره والمقدم على حفاظ وقته " .

علمهُ :

ومن ثناء الأئمة عليه في علمه قول عبد الرحمن بن مهدي : " ابن المديني أعلم الناس " . وقول أبي عبيد القاسم بن سلام : " انتهى العلم إلى أربعة : أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له ، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه ، وعلي بن المديني أعلمهم به ، ويحيى بن معين أكتبهم له " .

بصرهُ بعللِ الحديثِ :

ومن ثناء الأئمة عليه وإشادتهم بمعرفته التامة بعلل الحديث قول أبي حاتم : " كان ابن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل".
وقال ابن حجر في التقريب : " أعلم أهل عصره بالحديث وعلله " .
وقال الذهبي في ا لميزان : " إليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي " .
وقال ابن الأثير في اللباب : " وكان من أعلم أهل زمانه بعلل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
وقال أبو داود : " ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد بن حنبل " .
وفي تارخ الخطيب: سئل الفرهياني عن يحيى بن معين وعلي وأحمد وأبي خيثمة فقال : " أما علي فأعلمهم بالحديث والعلل، ويحيى أعلمهم بالرجال، وأحمد بالفقه، وأبو خيثمة من النبلاء " .
وقال صالح بن محمد : " أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المديني ، وأفقههم في الحديث أحمد ابن حنبل، وأمهرهم في الحديث سليمان الشاذكوني ".

دخولهُ في محنةِ القولِ بخلقِ القرآنِ وأثرُ ذلك وكيف انتهى أمره ..

وكان علي بن المديني رحمه الله ممن دخل في محنة القول بخلق القرآن دخول الخائف على نفسه ولم يصبر كما صبر الإمام أحمد بن حنبل وغيره ، بل هاب الإرهاب والقمع الذي حصل لمن لم يوافق دعاة القول بخلق القرآن إلى ما يريدون ومن أجل ذلك لم يرو عنه بعض المحدثين كالإمام مسلم .

ولكنه تاب وأناب واتضح من قوله وقول غيره أن دخوله لم يكن عن عقيدة ، وإنما كان خوفا على النفس . وقد صرح بذلك عن نفسه وصرح به غيره ، وقد أورد الذهبي علي بن المديني في كتابه الميزان لكون العقيلي أورده في كتاب الضعفاء وأنحى باللوم على العقيلي لذلك وذب عن هذا الإمام وأشاد بذكره والثناء عليه قال في كتابه الميزان ( 3/138) : " أحد الأعلام الأثبات وحافظ العصر ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء ، فبئس ما صنع ، فقال : جنح إلى ابن أبي دؤاد والجهمية وحديثه مستقيم إن شاء الله"، ثم ذكر الذهبي بعض ثناء الأئمة عليه ثم قال : " وقد بدت منه هفوة ثم تاب منها وهذا أبو عبد الله البخاري – وناهيك به – قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني وقال : ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن الديني ، ولو ترك حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق وذكر أناسا آخرين سماهم ، لغلقنا الباب وانقطع الخطاب ، ولماتت الآثار ، واستولت الزنادقة ، ولخرج الدجال ، أفما لك عقل يا عقيلي أتدري فيمن تتكلم ، وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم ولنزيف ما قيل فيهم كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك فهذا مما لا يرتاب فيه محدث " .

وقال الذهبي في الميزان أيضا : " كان ابن المديني خوافا متاقيا في مسألة القرآن مع أنه كان حريصا على إظهار الخير فقد قال ابن أبي خيثمة في تاريخه : سمعت يحيى بن معين يقول : كان ابن المديني إذا قدم علينا أظهر السنة وإذا ورد البصرة أظهر التشيع ثم قال الذهبي: قلت : كان ذلك بالبصرة ليؤلفهم على حب علي رضي الله عنه، فإنهم عثمانية ". انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: " عابوا عليه إجابته في المحنة لكنه تنصل وتاب واعتذر بأنه كان خاف على نفسه "، وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ بعد أن ذكر كثيرا من ثناء الأئمة عليه : " قلت مناقب هذا الإمام جمة لو ما كدرها بتعلقه بشيء من مسألة خلق القرآن وتردده إلى أحمد بن أبي دؤاد إلا أنه تنصل وندم وكفر من يقول بخلق القرآن، فالله يرحمه ويغفر له ". انتهى .
وقد جاء عنه الثناء على الإمام أحمد في صبره في المحنة وقال : " إن الله أعز هذا الدين برجلين، أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة ".
وقال ابن أبي حاتم الرازي في كتاب الجرح والتعديل : " وترك أبو زرعة الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنة وكان أبي يروي عنه لنزوعه عما كان منه " .
وفي تاريخ بغداد أن عباس العنبري روى عنه أنه قال : " قوي أحمد على السوط وأنا لا أقوى " وقال ابن عمار : " ما أجاب إلى ما أجاب ديانة إلا خوفا "، وقال ابن السبكي في طبقات الشافعية : " وكان علي بن المديني ممن أجاب إلى القول بخلق القرآن في المحنة فنقم ذلك عليه وزيد عليه في القول، والصحيح عندنا أنه إنما أجاب خشية السيف " قال ابن عدي : "سمعت مسددا ابن أبي يوسف الفلوسي يقول : قلت لابن المديني : مثلك في علمك يجيب إلى ما أجبت إليه . فقال يا أبا يوسف : ما أهون عليك السيف "، وعنه : " خفت أن أقتل ولو ضربت سوطا واحدا لمت " .

وهكذا نجد أن ابن المديني رحمه الله دخل في المحنة خائفا على نفسه لا معتقدا صحة ذلك كما صرح بذلك عن نفسه وصرح غيره كما في النقول المذكورة وإن دخوله هذا أثر في إعراض بعض المحدثين عن الرواية عنه ولما كان قد تاب واعتذر بأن الذي حمله على الدخول الخوف على نفسه لم يلتفت إلى ما سلف منه كثير من المحدثين فرووا عنه وعلى رأسهم الإمام البخاري الذي شحن صحيحه بالرواية عنه وبلغ جملة ما رواه عنه في الصحيح ثلاثمائة وثلاثة أحاديث .

شيوخهُ يستفيدون منه :

وكما كان ابن المديني يستفيد من شيوخه فهم أيضا يستفيدون منه وقد صرح بعضهم بذلك .
قال شيخه يحيى بن سعيد القطان : " كنا نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا " .
وقال سفيان بن عيينة : " يلومونني على حب علي، والله كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني " .

آثارهُ :

ألف ابن المديني في الحديث مصنفات كثيرة العدد جليلة القدر .
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : " وكان علي أحد أئمة الإسلام المبرزين في الحديث صنف فيه مائتي مصنف لم يسبق إلى معظمها ولم يلحق في كثير منها" .
وقد أورد الحاكم أبو عبد الله في كتابه معرفة علوم الحديث – ص 89 – فهرست مؤلفاته نقله عن شيخه محمد بن صالح الهاشمي قال : " سمعت الشريف القاضي أبا الحسن محمد بن صالح الهاشمي قاضي القضاة يقول: هذه أسامي مصنفات علي بن المديني :

1- كتاب الأسامي والكنى - ثمانية أجزاء .
2- كتاب الضعفاء – عشرة أجزاء .
3- كتاب المدلسين – خمسة أجزاء .
4- كتاب أول من نظر في الرجال وفحص عنهم – جزء .
5- كتاب الطبقات : عشرة أجزاء .
6- كتاب من روى عن رجل لم يره – جزء .
7- كتاب علل المسند – ثلاثون جزءا .
8- كتاب العلل لإسماعيل القاضي – أربعة عشر جزءا .
9- كتاب علل حديث ابن عيينة - ثلاثة عشر جزءا .
10- كتاب من لا يجنح بحديثه ولا يسقط – جزءان .
11- كتاب الكنى – خمسة أجزاء .
12- كتاب الوهم والخطأ: خمسة أجزاء .
13- كتاب قبائل العرب – عشرة أجزاء .
14- كتاب من نزل من الصحابة سائر البلدان – خمسة أجزاء .
15- كتاب التاريخ – عشرة أجزاء .
16- كتاب العرض على المحدث – جزءان .
17- كتاب من حدث ثم رجع عنه – جزءان .
18- كتاب يحيى وعبد الرحمن في الرجال – خمسة أجزاء .
19- كتاب سؤلاته يحيى – جزءان .
20- كتاب الثقات والمثبتين – عشرة أجزاء .
21- كتاب اختلاف الحديث – خمسة أجزاء .
22- كتاب الأسامي الشاذة – ثلاثة أجزاء .
23- كتاب الأشربة – ثلاثة أجزاء .
24- كتاب تفسير غريب الحديث – خمسة أجزاء .
25- كتاب الإخوة والأخوات – خمسة أجزاء .
26- كتاب من يعرف باسم دون اسم أبيه – جزءان .
27- كتاب من يعرف باللقب – جزء .
28- كتاب العلل المفرقة – ثلاثون جزءا .
29- كتاب مذاهب المحدثين – جزءان .

هكذا سردها الحاكم وقد أضفت إليها الترقيم، وبعد فراغه من سياقه قال : "إنما اقتصرنا على فهرست مصنفاته في هذا الموضع ليستدل به على تبحره وتقدمه وكماله". انتهى .
أقول : " وإن مما يؤسف له أن هذه المكتبة الكبيرة لا وجود لها في الوقت الحاضر، بل إن ذكر أسماء هذه المصنفات قليل في كثير من المصنفات فما رأيت أحدا من مؤلفي المصادر التي رجعت إليها في ترجمته - والتي أثبتها في نهاية الترجمة - تعرض لتسميتها اللهم إلا العليمي صاحب المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد المتوفى سنة 928هـ فقد أورد هذا الفهرس الذي سقته هنا عن الحاكم دون أن يشير إلى المصدر الذي استمده منه. ويوجد من آثاره كتاب علل الحديث ومعرفة الرجال مخطوطا في خزانة أحمد الثالث في تركيا وصورته في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالقاهرة رقم 743 فهرس التاريخ .

وفاتهُ :

قال البخاري : " مات علي بن المديني ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين". وقال الحارث بن أبي أسامة وغير واحد : " مات بسر من رأى في ذي القعدة"، وكانت وفاته في يوم الاثنين كما في التاريخ الكبير للبخاري .

ممن ترجم له :

1- ترجم له الحافظ الذهبي في العبر 1-418 والميزان 3-138 وتذكرة الحفاظ 2-15.
2- وابن حجرالعسقلاني في التقريب 2-39 وتهذيب التهذيب 7-349
3- البخاري في التاريخ الكبير 2-3-284
4- الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 11-458
5- الخزرجي في خلاصة تذهيب الكمال 133
6- ابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين 356
7- ابن العماد في شذرات الذهب 2-81
8- السمعاني في الأنساب 516 مخطوط
9- ابن الأثير في اللباب 3-115
10- ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 1-225
11- العليمي في المنهج الأحمد 1-97
12- أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء 103
13- ابن السبكي في طبقات الشافعية 1-266
14- النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1-350
15- ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1-3-193 وفي مقدمته 319
-------
المصدر : مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - العدد 17 - رجب 1392 هـ - ص 12 -20
منقول من موقع معرفة السنن والأثار
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #73  
قديم 04-25-2009, 09:28 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow يوسف بن تاشفين


يوسف بن تاشفين (وقيام دولة المرابطين في المغرب والأندلس) هو يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن ترقنت المصالي الصنهاجي اللمتوني الحميري، أبو يعقوب. أمير المسلمين ومؤسس الدولة المرابطية، وأول من دعي بأمير المسلمين، وباني مدينة (مراكش). ولد في صحراء المغرب، ولما بلغ مرحلة الشباب ولاه عمه أبو بكر بن عمر اللمتوني إمارة البربر، وبايعه أشياخ المرابطين. ورث يوسف بن تاشفين عند تولية قيادة الحركة المرابطية في سنة 463هـ كل النتائج الإيجابية التي حققها قبله في المغرب عبد الله بن ياسين القائد الروحي للمرابطين، وأبو بكر بن عمر. فاتخذ من سجلماسة قاعدة جنوبية لدولته. وبفضله صارت مركز تجمع للصنهاجيين الصحراويين الجنوبيين، وخصوصا من قبائل لمتونة ومسوفة وجدالة، واهتم كذلك بمراكش وسهلها، فاتسع العمران فيها وأصبحت بالفعل عاصمة دولة كبيرة. لما جاء يوسف بن تاشفين تابع مسيرة أسلافه، فبدأ بمحاربة ما تبقى من بقايا المغراويين الزناتيين الذين كانوا يسودون من قبل هذه المنطقة ومن فيها من الصنهاجيين، فمد سلطانه إلى تادلا ووصل إلى أبواب ريف تامسنا وجبال الريف الجنوبية التي كانت موطن البرغواطيين. كما حارب الزناتيين الذين كانوا يسيطرون على حوض وادي سبو. وبهذا امتد سلطان المرابطين فشمل جبال الريف وريف تامسنا ووصل إلى طنجة، وقد اجتهد يوسف أثناء حربه تلك في القضاء على كل الفرق الضالة، وخاصة منها الفرقة البرغواطية، فمحا معالمها وأرسى قواعد الإسلام الصحيحة. وكان هذا العمل الذي قام به ابن تاشفين استمرارا للعمل الذي قام به الأدارسة في سبيل نشر الإسلام السني الصحيح في المغرب الأقصى. بعد ذلك، دخل يوسف بن تاشفين مدينة فاس، فأقدم فيها على إصلاحات هامة، وجعلها مدينة واحدة بعد أن كانت مدينتين، وأدار عليها سورا حصينا، وأكثر فيها من بناء المساجد... كما نجح يوسف بن تاشفين بعد ذلك في التغلب على كل القبائل صاحبة السلطان في هذه النواحي، وخاصة غمارة ومكناسة وغياثة وبني مكود.. ودخل في طاعته شيوخ القبائل في ناحية تلمسان، ثم مد يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين حتى مدينة الجزائر. عقب ذلك تمكن من الاستيلاء على سبتة وطنجة.. وبذلك يكون يوسف قد وحد المغرب الأقصى كله تحت سلطانه من سجلماسة إلى طنجة، بل وصل بحدوده إلى تلمسان والجزائر، وهذه هي المرة الأولى التي يتوحد فيها المغرب الأقصى وجزء كبير من المغرب الأوسط تحت إمرة واحدة. وهكذا أسس دولة كبرى امتدت حدودها بين إفريقية والمحيط الأطلسي، وما بين البحر المتوسط إلى حدود السودان. ولهذا يعتبر يوسف بن تاشفين منشئ المغرب الأقصى الموحد وواضع أساس وحدة بلاد المغرب، وقد أكمل بذلك ما بدأ به الفاتحون العرب. اعتمد يوسف بن تاشفين في تنظيم دولته الواسعة على التنظيم القبلي، أي أنه اعتمد في إقرار الأمن وجباية الأموال على القبائل الصنهاجية السائدة في النواحي، واعتبرها مسؤولة عن ذلك، وأرسل لها القضاة، واجتهد في القضاء على كل محاولة للزناتيين في استعادة السلطان من أي ناحية من نواحي المغرب. وحرص يوسف بن تاشفين، إلى جانب ذلك، على نشر الإسلام السني الصحيح عن طريق الشيوخ والفقهاء الذين كان يرسلهم إلى منازل القبائل ويأمرهم ببناء المساجد والعناية بتحفيظ القرآن وتعلم اللغة العربية. وكانت العادة أن يعهد يوسف في حكومة النواحي وولاية المدن إلى رؤساء من القبائل الصنهاجية التي حملت عبء الدولة المرابطية وهي لمتونة ومسوفة وجدالة، ثم انضمت إليها لمطة وجزولة وتارجا وبعض القبائل الأقل أهمية. وكانت هذه الروح الجهادية العصب الحقيقي الذي استمدت منه الدولة المرابطية قوتها. وكان الانتصار الذي حققه يوسف بن تاشفين في معركة الزلاقة باعثا على مبايعة ملوك الأندلس وأمرائها له، وسموه أميرا للمسلمين، وقد أراد بعض أشياخ المرابطين أن يحملوه على اتخاذ لقب الخليفة فأبى واكتفى بلقب أمير المسلمين. عاد إلى مراكش بعد وقعة الزلاقة فجهز جيشا كبيرا، وفي سنة 481 هـ عبر ابن تاشفين للمرة الثانية البحر في اتجاه الأندلس، فتمكن من الاستيلاء على عدة مدن أبرزها غرناطة ومالقة . ولما تم الاستيلاء على إسبانيا اجتاز ابن تاشفين البحر إلى الأندلس للمرة الثالثة سنة 496 هـ (1103م)، حيث دعا في قرطبة القادة والولاة وزعماء القبائل المغربية إلى اجتماع أعلن فيه توليته العهد إلى ابنه علي الذي كان قد صحبه هذه المرة، وكتبت بذلك وثيقة أشهد عليها المجتمعين فبايعوا عليا، وعاد ابن تاشفين إلى مراكش وخلف ابنه عليا في الأندلس واليا عليها وحاكما بها. استقر يوسف ابن تاشفين بعد ذلك في قصره بمراكش، إلى أن توفي سنة 500 هـ عن عمر ناهز المائة سنة بعد حياة حبلى بالإنجازات والبطولات. ولا شك في أن يوسف بن تاشفين يعد من أعاظم رجالات المغرب الإسلامي الذين كان لهم أثر ملموس في توجيه تاريخه، إذ قام بدور طلائعي في تاريخ المغرب. فقد قاد حركة واسعة لتعريب القبائل البربرية سواء في جنوب المغرب أو في شرقه. كما أسهم بشكل فعال في ترسيخ مبادئ الإسلام في المغرب أولا، ثم في الأندلس بعد ذلك. فإليه يرجع الفضل أولا وأخيرا في إنقاذ الإسلام في الأندلس مما يهدده من أخطار خاصة خلال النصف الثاني من القرن الخامس الهجري. للمزيد يراجع: - محمد عبد الله عنان: عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس – مكتبة الخانجي – القاهرة 1411هـ = 1990م. - حسين مؤنس: تاريخ المغرب وحضارته – العصر الحديث للنشر والتوزيع – بيروت – 1412 هـ = 1992م. - أحمد بن خالد السلاوي: الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ـ دار الكتاب ـ الدار البيضاء ـ المغرب ـ 1954م. - محمد عبد الحميد عيسى: الزلاقة- مجلة الأمة- رئاسة المحاكم الشرعية بقطر- عدد (23) ذو القعدة 1402هـ- سبتمبر 1982م. المصدر : موقع وزارة أوقاف المغرب...
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #74  
قديم 04-25-2009, 09:30 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow طاووس بن كيسان

طاووس بن كيسان


نتحدث اليوم عن عالم من علمائنا عظيم... وتابعي جليل... ورجل عظيم من رجالات التاريخ الإسلامي... عالم اليمن طاووس بن كيسان...

فتح الله عليه فبرع في العلوم الشرعية جميعاً... فله باع كبير في تفسير القرآن... وله قدم راسخة في رواية الحديث... حتى إنه ليقول لأحدهم: إذا حدثتك الحديث فأثبته لك فلا تسألن عنه أحداً...

وفي الفقه كانوا يقولون ما من أحد أعلم بالحلال والحرام من طاووس...

أدرك خمسين صحابياً، ثم صحب عبد الله بن العباس رضي الله عنه حبر الأمة وترجمان القرآن، فنال عنده حظوة ومكانة عالية...حتى كان يدخل على عبد الله بن العباس رضي الله عنه مع خواص الناس... وعالم آخر جليل مثل عطاء يدخل عليه مع العوام!!

وكان يقول فيه عبد الله بن العباس كلمة عظيمة... كان يقول: إني لأظن طاووساً من أهل الجنة!!!...

كان مولى فارسياً، يظن أنه ولد في خلافة عثمان رضي الله عنه، كان جميل الطلعة تاماً، بين عينيه أثر السجود يخضب بحناء شديد الحمرة... مرهف الحس، إذا مر في السوق لا يتحمل أن يرى تلك الرؤوس المشوية، كان يغشى عليه ويظل تلك الليلة أرقاًً!!!...

سلك مسالك الصالحين، وزكّى نفسه حتى ظهر ذلك وبان للناس... ويكفيك كلمة بن عباس لتعلم المقدار الذي وصل إليه...

قال عنه الزهري العالم الجليل: لو رأيت طاووساً علمت أنه لا يكذب...

قال ابن حبان: كان من عباد أهل اليمن ومن سادات التابعين... مستجاب الدعوة

عن عمرو بن دينار قال: حدثنا طاووس ولا تحسبن فينا أحداً أصدق لهجةً من طاووس...

إن تزكية النفس تتم – بعد ترك المنهيات – هي بالإكثار من النوافل والمداومة على الذكر والدعاء... ولقد أخذ عالمنا طاووس بهما... ووصلنا عنه بعض الصور عن عبادته...

كان يجلس بعد صلاة العصر لا يكلم أحداً وابتهل في الدعاء...

وكان لا يترك قيام الليل... ولا ينام في السَحَر حتى ولو كان متعباً... بل كان يتعجب من رجل ينام في هذا الوقت المبارك... أتى طاووس رجلاً في السَحَر فقالوا: هو نائم، قال: ما كنت أرى أن أحداً ينام في السَحَر...

أوجّه هذا التوجيه المبارك – أيها الأخوة والأخوات – إلى نفسي أولاً... ثم إلى قارئ هذه الأسطر، لعلنا نسلك سلوك هذا العابد العالم فلا نترك هذا الوقت المبارك يفلت من أيدينا... وأسأل الله لي ولكم أن يمدنا بمدد من عنده، وقوة من لدنه، حتى نستيقظ في السحر ونخلو بربنا ونكون ممن قال الله تعالى عنهم: (( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون))...

لقد أخذ طاووس بصيب وافر من العبادة حتى أثمرت تلك العبادة شخصية مسلمة متميزة...

حلف إبراهيم بن ميسرة وهو مستقبل الكعبة: ورب هذه البنية ما رأيت أحداً الشريف والوضيع عنده بمنزلة إلا طاووساً...

وهناك قصة قد تكون مصداقاً لهذا الكلام:

حج سليمان بن عبد الملك، فخرج حاجبه ذات يوم فقال: إن أمير المؤمنين قال: ابعثوا إلي فقيهاً اسأله عن بعض المناسك... قال: فمرَّ طاووس فقالوا: هذا طاووس اليماني... فأخذه الحاجب فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: اعفني، فأبى... قال: فأدخله عليه... فقال طاووس: فلما وقفت بين يديه قُلتُ: إن هذا المجلس يسألني الله عنه... فقلتُ: يا أمير المؤمنين إن صخرةً كانت على شفير جُبٍّ في جهنم هوت فيها سبعين خريفاً حتى استقرت قرارها... أتدري لمن أعدها الله؟... قال: لا... ثم قال: ويلك لمن أعدها الله؟؟... قلتُ: لِمَن أشرَكَهُ الله في حُكمِهِ فجار... قال: فبكا لها سليمان...

وإليك بعض كلماته التي بثها بين أصحابه وتلامذته، التي إذا أردنا أن نشرح كل واحدة منها لأخذت منا صفحات وصفحات، ولكني أترك للقارئ المجال أن يتفكر في كلامه ويتخلص منه الفوائد والحكم:

قال طاووس: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه... حتى أنينه في مرضه...

البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه... والشح أن يحب الإنسان أن يكون له ما في أيدي الناس بالحرام لا يقنع...

ألا رجلٌ يقومُ بعشرِ آياتٍ من الليل فيصبح قد كُتِبَ له مائة حسنة أو أكثر من ذلك...

إن أكيس الكيِّس التقيُّ... وأعجز العجز الفجور... وإذا تزوج أحدكم فليتزوج في معدنٍ صالحٍ... وإذا اطلعتم من رجل على عملِ فَجَرَة فاحذروهُ، فإن لها أخوات...

قال طاووس: حلو الدنيا مُرُّ الآخرة... ومُرُّ الدنيا حلوُ الآخرة...

عن عبد الله بن طاووس قال: قال لي أبي: يا بُني صاحب العقلاءَ تُنسَب إليهم وإن لم تكن منهم... ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم... وأعلم أن لكل شيء غاية... وغاية المرء حُسنُ خُلُقِهِ...

قال عطاء: جاءني طاووس، فقال لي: يا عطاء... إياك أن ترفَعَ حوائِجَك إلى مَن أغلقَ دونَكَ بابَهُ، وجعلَ دونَكَ حجاباً... وعليك بطلبِ حوائجِكَ إلى مَن بابُهُ مفتوحٌ لك إلى يومِ القيامة... طلبَ منكَ أن تدعوه، ووعدَكََ الإجابة...

قال أبو عبد الله الشامي: قال أتيت طاووساً فخرج إليَّ ابنُهُ شيخٌ كبيرٌ فقلتُ: أنت طاووس؟ فقال: أنا ابنه... قلتُ: فإن كنتَ ابنَهُ فإنّ الشيخ قد خرف!! فقال: إن العالِمَ لا يخرف... فدخلتُ عليه، فقال لي طاووس: سل وأوجز، قلت: إن أوجزت أوجزت لك، قال: تريد أن أجمع لك في مجلسي هذا التوراة والإنجيل والزبور والفرقان؟؟ قلت: نعم..

قال: خف الله تعالى مخافةً لا يكون عندك شئٌ أخوفَ منه... وأرجِه رجاءً هو أشدُ من خوفِك إياه... وأحبَّ للناسِ ما تحبُ لنفسك...

ولقد حج طاووس بن كيسان أربعين حجة في حياته!!!... حتى أنه توفي وهو يؤدي هذه الفريضة في منى أو مزدلفة!!! ولكنه في مرة قام على صديق له مريض، يرعاه ويخدمه حتى فاته موسم الحج...

هنا نقطة ينبهنا إليها علماؤنا... وهي: هل قيامنا بالحج والعمرة مرات ومرات أمر ممدوح في عصرنا هذا؟؟

علماؤنا يقولون: لا... بل أن تقوم بالحج والعمرة المفروضتين ثم أن تلتفت إلى أمور أخرى ترعاها في مجتمعك وتنفق هذا المال الذي تضعه في حجاتك وعمراتك في إغناء فقير أو تكفل يتيم أو رعاية أرملة أو قضاء دين عن مديون أو دعماً للدعوة الإسلامية أو إنشاء مشروع فيه فائدة لمجتمعك هو أعظم أجراً عند الله... قرر ذلك شيخنا يوسف القرضاوي وأيد ذلك شيخنا محمد سعيد رمضان البوطي...

قد يكون هذا الأمر ممدوح لعالمنا وفقيهنا طاووس لأنه ربما رأى أن هذا أفضل عمل يقوم به، وأنه ليس عليه أي واجب آخر أهم منه، أو ربما لحاجة الناس أن يتعلموا المناسك في الحج... ولكننا نرى أن طاووس قد خدم مريضاً وقام على شؤونه ووضع الحج جانباً، لأن ما قام به هو أهم من حج النافلة... نسأل الله أن يفقهنا في ديننا...

قال أحدهم: مات طاووس بمكة فلم يصلوا عليه حتى بعث ابن هشام بالحرس قال فلقد رأيت عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب واضعاً السرير على كاهله... قال: فلقد سقطت قلنسوة كانت عليه ومزق رداؤه من خلفه – من الزحام- توفي طاووس بالمزدلفة أو بمنى... فلما حُمِلَ أخذ عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب بقائمة السرير فما زايله حتى بلغ القبر... رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #75  
قديم 04-25-2009, 09:31 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow ترجمةٌ مُوجَزةٌ للشيخ عبد الرحمان بن ناصر العدي

ترجمةٌ مُوجَزةٌ للشيخ عبد الرحمان بن ناصر العدي

هو الشَّيخُ عبدُ الرحمنِ بنُ ناصرِ بنِ عبدِ اللهِ السَّعديُّ، يَرْجِعُ نَسَبُه إلى قبيلةِ تميمٍ المعروفةِ، التي كان أكثرُ بطونِها يَسْكُنون نَجْدًا وما حولهَا.

والسَّعديُّ -بفتحِ السِّينِ- نسبةً إلى سعدِ بنِ زيدِ مَناةَ بنِ تَميمٍ، وبعضُ تلامذةِ الشَّيخِ يَرْجِعُ نسبُه إلى عمرِو بنِ زيدِ مَناةَ، وقد يَنْطِقون السينَ مكسورةً.

وبنو سعدٍ هم كعبٌ وعمرٌو -ويُدْعَوْن البُطونَ- والحارثُ وعوافةُ وجُشَمُ ومالكٌ وعبشمس، ويُدْعَوْنَ الأبناءَ.

وفي ذُرِّيَّاتِهم صحابةٌ ورجالٌ مشاهيرُ، منهم:

- الأسودُ بنُ سريعٍ، وله صحبةٌ.

- وقيسُ بنُ عاصمِ بنِ سِنانٍ، ولاَّه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم صدقاتِ قومِه.

- والأخفشُ بنُ قيسِ بنِ معاويةَ المشهورُ بالحِلْمِ والعقلِ.

- والزِّبْرِقانُ واسمُه الحُصَيْنُ بنُ بدرٍ، وله وِفادةٌ.

- وعُرقُوبُ بنُ صَخْرٍ، الذي يقالُ فيه: (مواعيدُ عُرقُوبٍ).

- ومية بنتُ مُقاتِلِ بنِ طلبةَ، صاحبةُ ذي الرُّمَّةِ.

- وعمرُو بنُ الأَهْتَمِ، مِن الخطباءِ المشاهيرِ.

- وأبو بكرٍ الأبْهُريُّ المالكيُّ المشهورُ.

- والسُّلَيْكُ بنُ السُّلْكةِ، نُسِب إلى أمِّه.

- وعبدُ الله بن إباضٍ الخارجيُّ، رئيسُ الإباضيَّةِ.

- وجعفرُ بنُ قريعِ بنِ عوفٍ، المعروفُ بأنفِ النَّاقةِ، لُقِّب بذلك؛ لأن أباه نحرَ ناقةً، فقسَمَها بين نسائِه، وأعْطَى جعفراً رأسَ النَّاقةِ، فأخَذَها بأنفِها، فقيل له، ما هذا؟ فقال، (أنفُ النَّاقةِ)، فلُقِّب بذلك، فكان ولدُه يَغْضَبون مِن ذلك، إلى أن مدَحهم الحُطَيئةُ بقولِه:

قومٌ هم الأنفُ والأذنابُ غيرُهم ومن يُساوِي بأنفِ النَّاقةِ الذَّنَبَا

فصار مدحاً لهم، يَفْتَخِرون به.

ومنهم أميرُ أفريقيةَ من قِبَلِ الشِّيعةِ زيادةُ اللهِ بنُ الأغلبِ، وغيرُهم كثيرٌ ممَّن ذكَرهم علماءُ الأنسابِ كابنِ حزمٍ وغيرِه.

ولادتُه ونشأتُه:

وُلِد بمدينةِ عُنَيْزةَ بالقَصيمِ عام 1307 ه، مات أبَوَاه وهو صغيرٌ، فنشَأ يتيماً عندَ زوجةِ والدِه.

وكانت مَخايلُ الذَّكاءِ تَلوحُ فيه، فتوَجَّه إلى حفظِ القرآنِ، وطلَبَ العلمَ، واجْتَهد في تحصيلِه، ودرَس علوماً متنوعةً على أيدي العلماءِ منهم:

1- الشَّيخُ إبراهيمُ بنُ حَمَدِ بنِ جاسرٍ، ت عام 1338 ه بالكويتِ.

2- الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدِ الكريمِ الشِّبْلُ، ت عام 1343 ه بعُنَيْزة.َ

3- الشَّيخُ صالحُ بنُ عثمانَ القاضي، ت عام 1351 ه.

4- الشَّيخُ محمدُ عبدِ العزيزِ المانعُ، ت عام 1385 ه.

5- الشَّيخُ محمدُ الأمينُ محمودٌ الشِّنْقِيطيُّ، نَزيلُ الزُّبَيْرِ.

وجلَس للتدريسِ، وعُمرُه ثلاثةٌ وعشرون عاماً.

ويَذْكُرُ الزِّرِكْليُّ أنه أولُ مَن أنشأ مكتبةً في عنيزةَ بالقصيمِ سنةَ1358 ه.

مؤلَّفاتُه:

كان الشَّيخُ عارفًا بعلومٍ كثيرةٍ، أشهرُها الفقهُ والتَّفسيرُ، وذكَر الزِّرِكْليُّ أن له نحواً مِن ثلاثين كتاباً، منها:

1. (تيسيرُ الكريمِ الرَّحمنِ في تفسيرِ القرآنِ).

2. (القواعدُ الحِسانُ في تفسيرِ القرآنِ)، وذكَر فيها سبعين قاعدةً.

3. (طريقُ الوصولِ إلى العلمِ المأمولِ مِن الأصولِ)، وهو عبارةٌ عن مختاراتٍ مِن كتبِ الإمامِ ابنِ تيميَّةَ وتلميذِه ابنِ القيِّمِ، وكان المؤلِّفُ - رحِمه اللهُ - شديدَ التَّأثُّرِ بكتبِ هذين الإمامين كما يَظْهَرُ هذا في سائرِ كتبِه.

4. (التوضيحُ والبيانُ لشجرةِ الإيمانِ).

5. (الدُّرَّةُ البَهِيَّةُ في شرحِ التَّائيَّةِ لابنِ تيميَّةَ).

6. (توضيحُ الكافِيَةِ الشَّافيةِ لابنِ القيِّمِ).

7. (الوسائلُ المفيدةُ للحياةِ السَّعيدةِ).

8. (القواعدُ والأصولُ الجامعةُ في القواعدِ الفقهيَّةِ).

وقد قسَم كتابَه هذا إلى قسمين:

الأولُ: في القواعدِ، وأوْرَد فيه ستين قاعدةً وضابطاً.

الثَّاني: في الفروقِ والتَّقاسيمِ.

9. منظومةٌ في القواعدِ الفقهيَّةِ، وشرَحَها.

10. منظومةٌ في السَّيرِ إلى اللهِ تعالى والدارِ الآخرةِ، وشرَحها.

11. منظومةٌ في الفقهِ، نظَم فيها أهمَّ الأحكامِ الفقهيَّةِ على الأبوابِ.

12. رسالةٌ في آدابِ المعلِّمينَ والمتعلِّمينَ.

13. الفتاوَى السَّعديَّةُ، وهي مجموعةٌ مِن الرَّسائلِ والفتاوى للشَّيخِ، جمَعَها بعضُ طُلاَّبِه بعدَ وفاتِه.

وكان يَنْظِمُ الشِّعرَ، وله قصائدُ في أغراضٍ متعدِّدةٍ، وكثيرٌ منها - كما يُقالُ (شعرُ فقيهٍ)، وقصائدُه التي نظَمها متأخِّرًا أجملُ من قصائِده الأولى.

وفاته:

تُوُفِّي الشَّيخُ -رحِمه اللهُ- في جُمادَى الآخرةِ عام 1376ه، بعد مرضٍ لازَمه قُرابةَ خمسِ سنواتٍ، وهو مرضُ ضغطِ الدَّمِ وضِيقُ الشَّرايينِ، ودُفِن بمدينةِ عُنَيزةَ بالقَصيمِ.

المنظوماتُ في القواعدِ الفقهيِّةِ:

لقد نظَم بعضُ العلماءِ جملةً مِن القواعدِ الفقهيَّةِ، وصاغوها في قالبٍ شِعريٍّ، رغبةً في تسهيلِ حفظِها، وتيسيرِ دراستِها، وذلك لأن الأسلوبَ الشِّعريَّ أسرعُ عُلوقاً بالذِّهنِ، وأطولُ بقاءً في الذَّاكرةِ، وذلك بسببِ الوزنِ والقافيةِ، والإيجازِ الذي تَتَّصِفُ به هذه المنظوماتُ.
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #76  
قديم 04-25-2009, 09:32 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow القاضي أبو يعلى


القاضي أبو يعلى

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء، يكنى بأبي يعلى، كان عالم زمانه وفريد عصره وقريع دهره، وكان له في الأصول والفروع القدم العالي. وأصحاب الإمام أحمد له يتبعون ولتصانيفه يدرسون ويدرِّسون، وبقوله يفتون، وعليه يعولون، والفقهاء على اختلاف مذاهبهم وأصولهم كانوا عنده يجتمعون ولمقاله يسمعون ويطيعون، به ينتفعون، وبالائتمام به يقتدون.

وقد شوهد له من الحال ما يغني عن المقال، لاسيما في مذهب الإمام أحمد واختلاف الروايات عنه، مع معرفته بالقرآن وعلومه، والحديث، والفتاوى والجدل، وغير ذلك من العلوم مع الزهد والورع والعفة والقناعة، وانقطاعه عن الدنيا وأهلها واشتغاله بسطر العلم وبثه وإذاعته ونشره.

- وهو شيخ الحنابلة، وممهد مذهبهم في الفروع.

إذا قالوا "القاضي" يعنون به أبو يعلى، ومن ألقابه عندهم أبو يعلى الكبير، وأبو يعلى الصغير هو ابنه.

قال ابن الجوزي: "كان من سادات العلماء الثقات".

قال عنه ابن كثير: "كان إماماً في الفقه له التصانيف الحسان الكثيرة في مذهب أحمد، ودرَّس وأفتى سنين، وانتهت إليه رياسة المذهب وانتشرت تصانيفه وأصحابه، وجمع الإمامة والفقه والصدق وحسن الخلق والتعبد والتقشف والخشوع وحسن السمت والصمت عما لا يعنيه". أ.هـ من البداية والنهاية.

- ولد لتسع وعشرين أو ثمان وعشرين ليلة خلت من المحرم سنة ثمانين وثلاثمائة، وكان أول سماعه للحديث سنة خمس وثمانين وثلاثمائة "وهو في الخامسة من عمره". له شيوخ كثر، أما تلاميذه وأصحابه الذين سمعوا منه الحديث فعدد كثير وجم غفير.

حفظ القرآن وقرأ بالعشر وحج سنة أربع عشرة وأربعمائة.

- قال عنه ابنه أبو يعلى الصغير: "ومن بحث عن أخلاقه وطرائقه وأخباره لم يخف عليه موضعه ومحله، ولو بالغنا لكنا إلى التقصير فيما نذكره من ذلك أقرب إذ انتشر على لسان الخطير والحقير ذكر فضله، سوى ما يضاف إلى ذلك من الجلالة والصبر على المكاره واحتماله لكل جريرة إن لحقته من عدو، وزلل إن جرى من صديق، وتعطفه بالإحسان على الكبير والصغير، واصطناع المعروف إلى الداني والقاصي، ومداراته للنظير والتابع. ولم يزل على طول الزمان يزداد جلالة ونبلاً وعلماً وفضلاً".

وقال أيضاً: "رزقه الله من شرف الأخلاق وكرم الأعراق والمجد المؤثل والرأي المحصل والفضل والفهم والإصابة والعزيمة الصافية والمعرفة الثاقبة والتفرد بكل فضيلة والسمو إلى كل درجة رفيعة من محمود الخصال والزهد والكمال ما يطول شرحه، حتى لم يكن له شبيه في وقته ولا نظير في فهمه ولم تقع أبصار أهل زمانه على مثله، وكانت أفعاله كأخلاقه وأخلاقه كأعراقه".

- وكانت له مواقف جليلة منها ما جرى أيام القائم بأمر الله حين انتشرت بعض التأويلات الفاسدة فكان دحرها على يد القاضي أبو يعلى، والشيخ الزاهد أبو الحسن القزويني.

- وقد تقدم على فقهاء زمانه بقراءته للقرآن بالقراءات العشر، وكثرة سماعه للحديث وعلو إسناده في المرويات، وقد حدث جماعة من الفقهاء ممن كانوا يحضرون مجلس إملائه وهو يملي حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم سجدوا على ظهور الناس في حلق الإملاء لكثرة الزحام.

قال ابنه أبو يعلى الصغير: "ما رأى الناس في زمانهم مجلساً للحديث اجتمع فيه ذلك الجمع الغفير والعدد الكثير، وسمعت من يذكر أنه حرز العدد بالألوف".

- قال فيه تلميذه على بن نصر العكبري لما ولي القضاء:

رفع الله رايـة الإسـلام حين ردت إلى الأجل الإمـام

التقـي النقي ذي المنطـق الصائب في كل حجة وكـلام

بك يا ابن الحسين شدت عرى الدين وقامت دعائم الإسلام

وقد امتدحه بعض أهل العلم فقال:

إن الإمام أبا يعلى فقيههم حبر عروف بما يأتي وما يذر

- توفي في العشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، عن ثمان وسبعين سنة وقد رثى بمراثي كثيرة تدل على منزلته ومكانته وعلمه منها:

لهف نفسي على إمام حوى الـ فضل بصير بالمشكلات علـيم

خلق طاهــر ووجه منـير وطريـق إلـى الهـدى مستقيـم



كـان لدين عدة ولأهل الديـن فـي النائبات خــل حميــم

من يكن للدروس بعــدك أم من بجــدال المخالفيـن يقـوم؟

من لفهم الحديث ولطرقه يستو ضـح منه صحيحـه والسقيــم



من لفصل القضاء إن أشكل الحـ ـكم وضجت بالنازلات الخصوم؟

للاستزادة من ترجمته: انظر طبقات الحنابلة 2/259، الكامل لابن الأثير 10/52، تاريخ السلام للذهبي وفيات سنة 458ه، سير أعلام النبلاء 18/89، دول الإسلام 1/269، المنهج الأحمد 2/354.
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #77  
قديم 04-25-2009, 09:34 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow الشيخ محمد بن إبراهيم


حياة الشيخ محمد بن إبراهيم

نسبه ومولده:

هو العلامة الجليل الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ حسن بن إمام الدعوة محي السنة مميت البدعة الشيخ (محمد بن عبدالوهاب) بن الشيخ سليمان بن علي بن محمد بن أَحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن ؟ بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أَبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم. ثم إلى نزار بن معد بن عدنان.

ولد في مدينة الرياض في (حي دخنة) في 17 من محرم عام 1311هـ بدأَ رحمه الله من صغره في الأَخذ بأَسباب العلم والمعرفة فتلقى القرآن الكريم وهو بين الثامنة والعاشرة من عمره نظرًا على معلمه عبدالرحمن بن مفيريج. وفي السادسة عشرة من عمره أُصيب بالرمد في عينيه فكف بصره، وكانت مدة مرضه سنة. وعلى أثر ذلك حفظ القرآن على عبدالرحمن بن مفيريج عن ظهر قلب، وقد درس فن التجويد فيما بعد.

ثم أخذ في طلب العلم بمختلف فنونه فأَخذ علم ((الفرائض)) عن والده الشيخ إبراهيم – رحمه الله – أولاً ثم عن الشيخ عبدالله بن راشد ومما قرأَ عليه في ذلك أَلفية الفرائض.

وتلقى علم ((العقائد)) عن عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف رحمهما الله تعالى. ومنها في العقائد كتاب التوحيد وأُصول الإيمان وفضائل الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب والدلائل (حكم موالات أهل الشرك) للشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب والعقيدة الواسطية والعقيدة الحموية وكلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية وأَخذ ((الفقه)) عن الشيخ حمد بن فارس أَولاً ثم على الشيخين سعد بن حمد بن عتيق ومحمد بن محمود المتوفي عام 1333هـ ومن كتبه (زاد المستقنع).

وأخذ علم ((العربية)) عن الشيخ حمد بن فارس المذكور آنفًا ومما قرأَ عليه في هذا الفن الاجرومية والمسلحة والقطر والأَلفية.

وفي ((الحديث وعلومه)) قرأَ بلوغ المرام وثلث المنتقى على عمه الشيخ عبدالله ثم أَعاد بلوغ المرام على الشيخ سعد بن عتيق. وعليه قرأ أَيضًا أَلفية العراقي في مصطلح الحديث.

هذا ومن المستفيض أَن الشيخ رحمه الله كان كثير الدأَب على المطالعة في مختلف الكتب وتدريسها فكان هذا مصدرًا ثانيًا غنيًا بتنمية حصيلته العلمية وتوسيع أُفقه أَعانه على ذلك ما عرف عنه من حدة الذكاء ورجاحة العقل.

اشتغاله بالتدريس:

لمس فيه مشايخه الأَلمعية النادرة المبكرة والنجابة الظاهرة فأدركوا أنه الخليفة لهم الذي يمكن أن يطمئن إليه في مجالس العلم فأَوصى عمه الشيخ عبدالله الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بابن أَخيه خيرًا وذكر له ما يتمتع به من المزايا الفذة التي لا تكاد تتوافر إلا في قليل من الرجال الذين وهبهم الله ذكاءً وفطنةً وجلدًا وإخلاصًا. وحين توفي الشيخ عبدالله عام 1339هـ أَخذ ابن أَخيه مجلسه فبدأَ التدريس إلى جانب مشايخه الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولما توفي شيخه سعد بن حمد بن عتيق عام 1349هـ وتوفي قبله الشيخ حمد ابن فارس عام 1345هـ توسع في مجالس التدريس واستقل بأكثرها إلى جانب أعمامه رحمهم الله وغيرهم من أَفاضل العلماء الذين كانوا يقومون بالتدريس على فترات متعاقبة في بعض العلوم.

ولكن ينبغي أن نؤكد أَن نؤكد أَن الشيخ محمد رحمه الله له النصيب الأَوفر في كثرة المجالس وكثرة القاصدين له من طلبة العلم وغزارة العلم وعموم النفع فقد كان يعمر أَكثر نهاره بالتدريس حيث كان يجلس ثلاث جلسات منتظمة، فالأولى بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، والثانية بعد ارتفاع الشمس مدة تتراوح ما بين ساعتين وأَربع ساعات، والثالثة بعد صلاة العصر، وهناك جلسة رابعة لكنها ليست مستمرة وهي بعد صلاة الظهر.

وكل هذه الجلسات كانت تتم في جامع الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب المعروف الآن في (حي دخنه شمال الميدان) ما عدا جلسة الضحى فقد كانت في أول الأمر في هذا الجامع ثم نقلها إلى بيته.

وكان رحمه الله ينقطع بعد المغرب لمطالعة دروس الغد في الكتب التي كانت تدرس بعد الفجر ومنها (الروض المربع) و (سبل السلام) و (شرح ابن عقيل) على أَلفية ابن مالك وما يعين عليها من المراجع.

وفيما يلي عرض للكتب التي كان يقوم رحمه الله بتدريسها:

1- أَولا بعد صلاة الفجر أَلفية ابن مالك مع شرح ابن عقيل وزاد المستقنع مع شرحه الروض المربع وبلوغ المرام والآجرومية والمسلحة وقطر الندى وعمدة الأحكام وأُصول الأحكام والحموية والتدمرية ومخبة الفكر. أَما باقي الكتب فبالتعاقب على فترات مختلفة طيلة أيام تدريسه.

2- بعد شروق الشمس يدرس في العقائد كتاب التوحيد، كشف الشبهات، ثلاثة الأصول، العقيدة الواسطية باستمرار، مسائل التوحيد، مسائل الجاهلية، لمعة الاعتقاد، أُصول الإيمان على فترات، وفي الحديث: الأَربعين النووية، عمدة الأَحكام باستمرار. وفي الفقه آداب المشي إلى الصلاة، وقد يدرس غيرها لكنه نادر.

وبعد الانتهاء من هذه المختصرات تقرأُ المطولات ومنها: فتح المجيد، شرح الطحاوية، شرح الأَربعين النووية، صحيح البخاري، صحيح مسلم، السنن الأَربعة، مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير بدون إستثناء وكل ما جد من كتب السلف والمحققين من العلماء، ولكنها على فترات يتراوح ما يقرأُ منها في اليوم ما بين خمسة وعشرة غالبًا.

3- بعد صلاة الظهر ويدرس فيه: زاد المستقنع بشرحه الروض المربع، بلوغ المرام.

4- بعد صلاة العصر ويدرس فيه كتاب التوحيد وشرحه وقد يقرأُ في مسند الإمام أَحمد أَو مسند ابن أَبي شيبه والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح أَو نحوها.

وقد استمر يزاول التدريس بنشاط لا يفتر وهمة لا تكل إحدى وأربعين عامًا من عام 1339هـ - 1380هـ.

طريقته في التدريس

كان رحمه الله يعطي مجالس العلم حقها من الاحترام والتقدير ويحرص على إيصال الفائدة إلى قرارة قلوب الطلاب معنيًا بتثبيتها حتى إنه ليكاد يغني بشرحه عن مطالعة. وكان رحمه الله إذا هم بالجلوس للتدريس توضأَ إن لم يكون على وضوء بعد صلاة، واستقبل القبلة إذا كانت الجلسة في المسجد ويبدأُ شرحه باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ويمكن تلخيص السمات الظاهرة لطريقته في التدريس في النقاط التالية:

1- يطلب من بعض الطلاب أَن يبدأَ بالبسملة والصلاة والسلام على رسول الله والترحم على المؤلف، ثم يتلوا حفظًا موضوع الدرس إذا كان الكتاب متنًا. ويحرص جدًا على أَن يحفظ جميع الطلاب المنتظمين المتون ولا يرضى بنصف حفظ، ولا ينتقل الطالب من متن إلى متن أَطول منه إلا بعد حفظ الأَول وفهمه، ولذا كان الطالب المجد منهم يتخرج في سبع سنوات.

2- قبل أَن يبدأَ بالشرح يقرأُ هو ما قرأَ الطلاب.

3- يشرع في شرح عبارات المتن بدقة ووضوح.

4- يعرض بعض المسائل ويتكلم عليها.

5- إذا عرض لمسأَلة خلاف ذكر رأْي المؤلف أولاً وأَدلته ثم ذكر رأْي المخالفين كلا على حدة، مع دليله. وكان في ذلك كله يحترم كل ذي رأي من العلماء ولا يذكره بما يسوء، وكان يرجح ما يراه معتمدًا في ذلك على الدليل وأَقوال المحققين، ولم يكن يعرض من الخلاف إلا ما كان ذا جدوى. وقد يصحح أَحد القولين بدون سرد الأَدلة لقصر الوقت أو نظرًا لحال الطالب.

6- كان يلتزم بالموضوع ولا يستطرد إلى مسائل خارجة عنه.

7- كان إذا فرغ من الدرس تلقى أَسئلة الطلاب وأَجاب. وقد يثير هو بعض الإشكالات ليقدح أَذهان الطلاب.

8- يختبر الطلاب فيما شرح لهم في بعض الأَحيان بإِلقاء الأَسئلة عليهم ويعربون متن الأَلفية وشواهدها.

9- فيما يتعلق بالعقائد لم يكن يحرص على ذكر آراء أَهل البدع والإِشراك فإِذا وجد ضرورة لذلك أَو كان المؤلف ذكرها فإِنه يتكلم عليها بتوسع ويشتد في الرد عليهم دون إِفراط.

10- وبالنسبة لقراءة المطولات لم يكن يشرحها عبارة عبارة وإِنما كان يقف عند المهم منها أَو ما يسأَل عنه أَحد الحاضرين.

11- يلزم اللغة العربية في جميع مجالسه العامة.

12- يلتزم الهدوء أَثناء شرحه للمتون أَو تعليقه على المطولات فلا تراه يلتفت أو يشير بيد أو يعبث بشيء.

13- لم يكن يسمح بإِثارة الأَسئلة التافهة أَو الدخول في مناقشات عقيمة.

أخلاقه:

لم يصل رحمه الله إلى ما وصل إليه من مكانة في قلوب الناس بمجرد المصادفة ولكن مرد ذلك إلى توفيق الله عز وجل أولاً، ثم إلى ما كان يتحلى به من أَخلاق فذة التزم بها وحافظ عليها طوال أَيامه. ولا بأس من الإشارة إلى بعض ما نعرفه عنه من الأَخلاق الحميدة فمن ذلك:

1- الحافظة النادرة التي كانت أَقوى سبب في تحصيل ثروة علمية واسعة بنيت على محفوظاته التي علقت بذاكرته أَثناء تعلمه ومطالعاته أَثناء تدريسه، فكانت الأَساس القوي لمقدرته على استنباط الأحكام ومعرفة الأَدلة التي تبني عليها. وقد مر بنا أَنه حفظ بلوغ المرام وزاد المستقنع وغيرهما مما مر ذكره في فصلي شيوخه ؟ بالتدريس. ونزيد هنا أَنه كان يحفظ كثيرًا من القصائد ؟ وكان يصف وهو في أُخريات أَيامه مشاهداته قبل أَن يكف بصره وأَنت على علم أَنه فقد بصره في السادسة عشرة من عمره، وكان يحفظ المتن للقراءة الثالثة وربما الثانية، وكانت المعاملة الطويلة التي تبلغ ثلاثمائة صفحة تقرأُ عليه ثم يملي ما يرى مستحضرًا كل ما مر فيها من الجزئيات، ولم يكن غريبًا منه أَن يدل القارئين على مواضع الأَبحاث في كتبها ذاكرًا رقم الصفحة أَحيانًا ومثل ذلك لا يكون إلا لمن أَتاه الله ذاكرة واعية.

2- وقد رزق من الذكاء ما مكنه من إدراك محفوظاته العلمية عن فهم وبصيرة، وكان يدرك حقيقة ما يعرض عليه من المشكلات فيكشف ما وراءها من الدوافع ببصيرته الفذة ولم يكن ينطلي عليه كيد أَو احتيال. وحياته كلها أَمثلة من هذا النوع لسنا في حاجة إلى الدخول في ضرب الأَمثال لها فأَكثر العارفين به يدركون ذلك ولكن الذي لا يعرفه كثير من الناس أَنه رحمه الله كان يدرك تقدير الوقت بالساعة لا يكاد يخطيء الحقيقة في بضع دقائق مع العلم بأَنه لم يستعمل الساعة في حياته.

3- وكان يطيل التأَمل والتعمق ويبعد النظر فيما يعرض عليه من القضايا التي تجد تباعًا ولم يكن يتعجل الأَمر حتى يمعن في الدرس والتأَمل والنظر في عواقب الأمور فكان يصل بعد ذلك إلى الاستنتاج الدقيق الذي لا يكاد يختلف ولا يخالفه فيه ذو نصف والأَمثلة في هذا المقام كثيرة لكن أَسوق منها مثالين:

أحدهما أَنه سئل عن افتتاح حمام فني فكتب ما نصه:

(لا أرى فتح مثل هذا الحمام في هذا البلد لأَن الضرر سيكون أكبر من النفع، ومثل هذه الأَشياء تكون عادة وسيلة لفساد لم يخطر على بال الذي أَسسها، ومهما حرصت الآن على مراعاة الآداب الشرعية والأَخلاقية فإنك لن تستطيع ذلك في المستقبل بعد فتح هذا الباب).

ثانيهما أَنه سئل ‘ن إنشاء صندوق لسائقي السيارات فقال في الجواب ما نصه:

(إن اقتراح الذين اقترحوا جعل الصندوق مشروعًا خيريًا يحتاج إلى تقييد لأَنه وإن كان طرق الخير مفتوحة أَمام الراغبين إلا أَنه ينبغي معرفة ما وراء ذلك لئلا تكون وسيلة إلى استباحة أَشياء لا تجوز تحت اسم الشيء المسموح).

4- ومن أَخلاقه البارزة الإخلاص في العمل فلم يكن يومًا طالب شهرة ولا باحثًا عن سمعة بل كان عمله كله لله يبتغي ما عنده يجتهد في تحري الحق ويجتهد في الدفاع عن الحق لا يأْخذه في ذلك ضعف ولا يعتريه طمع ولا يعرف عنه أَنه تحدث عن أَعماله على جلالتها وكثرتها.

5- طهارة قلبه فكان لا يحمل ضغينة على من أَساء إليه ولا ينتقم من أَحد ناله بأَذى بل كان ديدنه الصفح والتجاوز بل المحافظة عليهم والدفاع عنهم أَن ينالهم أَحد بما يعرف أَنه باطل.

6- وكان رحمه الله على حظ وافر من الشجاعة وقوة الشكيمة لا يخاف في الله لومة لائم ولا يتردد في إعلان الحق أَيا كان المخاطب به، ودافعه في ذلك مخافة الله وحرصه على أَن يخلص ذمته مما علق به فمكانته ومسئوليته تحتم عليه نبذ التخاذل وكان يكره المتملقين وله في ذلك مواقف حفظها التاريخ.

7- ومن السمات البارزة التي كانت تميزه ما أَتاه الله من هيبة في نفوس الناس وهو أَمر لا يرجع إلى مخافة منه ولكن إلى محبته وإجلاله ومعرفتهم عنه صرامته في الحق يحسب محدثه الحساب الدقيق حتى لا يزل في كلمة أو يخطيء في فكر ومع ذلك فقد كان أنيسًا عند مخالطته أَلوفا لمعاشريه لا يتصف بشيء من الغلظة أو الغضاضة وكان يحسن الفرق بين مجالس الجد والعمل ومجالس الراحة حيث يكون في سفر أو نزهة.

8- وكان يتنزه عن الغيبة والحديث في الآخرين بما يكرهون وعرف بذلك منذ حداثة سنه حتى فارق الدنيا ولم يكن يسمح لأَحد أَن يتحدث في مجالسه بمثالب الآخرين أَو تنقصهم بل كان يقف دون ذلك ويزجر من حاوله.

9- ومما لا يعرفه الكثيرون عنه ما يتصف به رحمه الله من العفة والتورع عن أَخذ ما ليس له أو ما يرى فيه شبهة فكان حريصًا على أَن لا يدخل نفسه في مداخل مشتبهة ولم يعرف انه اشتغل بالبيع أو الشراء لا بالاستقلال ولا بالمشاركة، بل كان مقتصرًا على ما يتقاضاه مقابل عمله بل إنه كان يشغل عدة أَعمال كما هو معروف لا يتقاضى إلا ما كان يأْخذه قبل إحداث هذه الأَعمال ولم يكن يأْخذ انتدابًا مقابل انتقاله إلى مدينة الطائف صيفًا ولم أَعرف عنه أَنه طلب من المسئولين شيئًا يخصه.

10- ومما لا ينكر من أَخلاقه الظاهرة للعيان كراهيته الشديدة للمديح والثناء عليه فما كان يرضى من أحد أن يثني عليه أو يبالغ في مدحه سواء كان ذلك مشافهة أو كتابة. ومن الأَمثلة التي تذكر في هذا المقام ما كتب به إلى أحد الناس ونصه: ملحوظة: كثيرًا ما تكتب في خطاباتك أَلقابًا لا يسوغ ذكرها كقولك شيخ الاسلام ومفتي الأَنام وهذا شيء لا نرضاه.

وكتب في مناسبة أَخرى ما نصه: وما ذكرتم في خطابكم من الثناء نود أَن لا نسمعه فنحن نستغفر الله ونتوب إليه من تقصيرنا وضعفنا نسأَله تعالى أَن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. وكتب لآخر ما نصه: نفيدكم أَنه جاء في خطابكم بعض العبارات مثل قولكم عالم الوجود تلك العبارة التي لا يصدر مثلها إلا عن جاهل.

11- وكان رحمه الله معروفًا بالبذل والسخاء في الحدود التي لا تصل إلى المبالغة المكروهة شرعًا والمؤدية إلى الإسراف وإضاعة الوقت وبالأَخص ما يتعلق بإِكرام العلماء والقضاة وطلاب العلم وذوي رحمه. وكان لا يترك مناسبة مهمة إلا أَقام لها الوليمة الكبيرة ودعاهم.

12- خشيته لله، كان رحمه الله من أَكثر الناس استحضارًا لعظمة الله كثيرًا ما تسمعه يلهج بذكر الله والاستغفار وتغرورق عيناه بالدموع حينما يكون في موقف مناجاة الله أو سمع بعض ما يحرك القلوب، ولقد كان ذلك يتجلى كثيرًا فيما يحييه من الليل بالصلاة التي كان يواضب عليها في إقامته وسفره وقد لا يعرف هذا كثير من الناس الذين لم يتصلوا به وقد صحبته زمنًا طويلاً وهو يقوم ما يقرب من ساعة ونصف آخر الليل لا يترك ذلك.

ولا غرو فقد كان رحمه الله يتحرى في جميع تصرفاته وأَخلاقه الظاهرة والباطنة التأَسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وسلف هذه الأمة رضوان الله عليهم.

الأعمال التي قام بها

عرفنا في مناسبات كثيرة مما مضى في هذه الترجمة أَنه رحمه الله باشر العمل منذ وفاة عمه عبدالله رحمه الله، وقد كان العمل الرئيسي الذي شمل أَكثر أَيام حياته هو (التدريس) وقد تحدثنا عنه في فصل خاص لما له من الأَهمية.

على أنه صاحب التدريس مهمة أُخرى بدأَت دون تنظيم رسمي وهي (الفتوى) فقد كان يشارك فيها حتى توفي الشيخ سعد بن عتيق ثم استقل بها حتى تحولت بآخرة إلى عمل منظم في دار الإفتاء حيث أُنشئت في عام 1374هـ.

وظل رحمه الله يقوم بالفتوى من خلال هذه الدار حتى وافته المنية إلى جانب ما كان يكتبه في هذا الميدان في بيته من فتاوى وردود على بعض الكاتبين في قضايا يرى بثاقب بصيرته أَن السكوت عليها مسئولية أَمام الله.

وإلى جانب هذين الأَمرين هناك أَمر ثالث لا يقل خطرًا عنهما وهو (القضاء) فقد كان رحمه الله يقوم بتمييز الأَحكام التي تحتاج إلى نظره وينظر فيما أُحيل إليه من القضايا بأَمر من ولاة الأمور.

ولما حول القضاء نظرًا لاتساعه إلى رئاسة أُسندت إليه رئاسته في المنطقتين الوسطى والشرقية في عام 1376هـ ثم ضمت إليه المنطقة الغربية بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسن رحمه الله في عام 1378هـ وقد نصت المادة الحادية عشر من نظام هيئة التمييز أن له رحمه الله حق النظر والبت فيما يختلف فيه القاضي وهيئة التمييز.

وإلى جانب ذلك كله ورغم ما كان يحمله إياه من أَعباء فقد تولى (رئاسة المعاهد العلمية والكليات) منذ إنشائها عام 1370هـ.

ووكل إليه الإشراف على (مدارس البنات) منذ افتتاحها في عام 1379هـ وكلف برئاسة (الجامعة الإسلامية) في المدينة المنورة عام 1381هـ. وتولى رئاسة ((مجلس القضاء)) الذي شكل في عام 1388هـ وعقد في حياته مرتين.

وولي رئاسة (رابطة العالم الإسلامي) منذ إنشائها في عام 1379هـ وإمامة جامع حي دخنه وخطابة المسجد الجامع الكبير المعروف الآن (في ساحة العدل بالرياض).

وشكل هيئة تضم كبار العلماء لتكون مرجعًا لبحث ما يحصل من المشاكل العلمية العويصة وتقرير ما يلزم حيالها وللمذاكرة فيما بينهم والتصدي لنشر الدعوة الإسلامية والذود عنها ومحاربة التيارات الجارفة والمباديء الهدامة.

وبعبارة عامة فقد كان له رحمه الله الإشراف التام على جميع الشئون الإسلامية داخل المملكة وخارجها مما يتصل بالمملكة العربية السعودية وتعني بتوجيهه.

ومثل هذا لا يقوم به العالم العادي ولكن من آتاه الله القوة والجلد وإن ذلك ليدل على ثقة الناس وبخاصة أَولياء الأمور في حصافة عقله وسعة علمه ومقدرته الفذة وحاجتهم إليه في كل ما يعرض لهم من المشكلات.

تلاميذه

لا أظن أَن من يعرفه رحمه الله يخفى عليه أَمر الذين أَخذوا عنه العلم واستفادوا منه الفائدة الكبرى. ولا أَظن أَن ذلك يخفى على من عرف المدة الطويلة التي قضاها مشتغلاً بالتدريس فقد مر به أَفواج بعد أفواج ينهلون من علمه ويستنيرون بثاقب نظره وقد انتشروا في أَنحاء المملكة السعودية بين عالم وقاض ومدرس وواعظ وخطيب مسجد ومتفرغ من الأَعمال ولا أَظن أَن الحصر قادر على أَن يأْتي على جميع أَسمائهم لذلك فإني أَكتفي بعرض أَسماء طائفة منهم وهم:

الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء حاليًا

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم صاحب المؤلفات المشهورة

الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد رئيس محكمة هيئة التمييز حاليًا

الشيخ سعود بن رشود قاضي الرياض سابقًا

الشيخ صالح بن غصون عضو هيئة التمييز حاليًا

الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم شقيق المترجم الفرضي المشهور

الشيخ عبدالملك بن إبراهيم شقيقه رئيس هيئات الأَمر بالمعروف في المنطقة الغربية سابقًا

الشيخ عبدالعزيز بن الشيخ محمد نجل سماحته رئيس هيئات الأَمر بالمعروف حاليًا

الشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد نجل سماحته وزير العدل حاليًا

الشيخ عبدالرحمن بن فارس قاضي بمحكمة الرياض حاليًا

الشيخ محمد بن مهيزع قاضي بمحكمة الرياض سابقًا

الشيخ عبدالرحمن بن هويمل قاضي بمحكمة الرياض سابقًا

الشيخ عبدالعزيز بن زاحم قاضي بمحكمة الرياض

الشيخ عبدالرحمن بن سحمان قاضي بمحكمة الدلم

الشيخ عبدالعزيز بن صالح بن مرشد

الأمير محمد بن عبدالعزيز بن سعود آل سعود عضو المجلس الأَعلى للقضاء

الشيخ عبدالله بن عقيل عضو الهيئة الدائمة للافتاء

الشيخ عبدالله بن غديان مدرس بكلية الشريعة

الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين مدرس بكلية أُصول الدين

الشيخ فهد بن حمين مدرس بكلية الشريعة

الشيخ حمود بن عقلاء

الشيخ عبدالرحمن بن فريان

الشيخ زيد بن عبدالعزيز بن فياض

آثاره

لم تكن في حياته رحمه الله فرصة يتفرغ فيها للتأْليف فقد كان إنشغاله بما علمت من الأَعمال التي وصفناها قبل لا تدع فرصة للراحة إذ كان عمله يستمر احياناً إلى الساعة الخامسة ليلاً (بالتوقيت الغروبي) فضلاً عن أَن تدع له فرصة يفرغ فيها ذهنه ويرجع إلى المراجع فيكتب وينشر كما نراه لكثير من أَهل العصر، ولأَنه رحمه الله لم يكن بالشخص الذي يكتب كل ما عن له بل كان كما وصفناه طويل التأَمل شديد المحاسبة لنفسه ومسئوليته تحتم عليه أَن لا يكتب إلا بعد تحر طويل لأَن كلمة منه تعد حجة يتعلق بها العامة والخاصة ومع ذلك فإن حياته لم تخل من كثير من الرسائل والفتاوى التي كتبها في مناسبات مختلفة.

على أَن أَجل أَثر من آثاره هذا الأَثر الكبير الذي نقدمه هذا اليوم والمتمثل في فتاواه التي بلغت (عشرة أجزاء) لو لم يكن له أَثر سواها لكفى به فخرًا لم يصل إليه غيره من أَهل عصره.

ومما ينبغي التنويه عنه من آثاره أَنه اختار أَلف حديث في أَبواب مختلفة.

مرضه الأخير ووفاته

في عام 1389هـ نزل به رحمه الله مرض سافر من أَجله إلى لندن للعلاج فأَقام بها أَيامًا ثم عاد دون أَن يكتب له شفاء فلزم البيت وأَخذ المرض يشتد يومًا بعد يوم ولم يثمر ما بذل له من عناية طبية حتى دخل في غيبوبة تامة انتهت به إلى الوفاة في 14-9-1389هـ.

وكان طيلة مرضه يكثر من ذكر الله والاستغفار حتى أخذته الغيبوبة. وقد صلي عليه في المسجد الجامع الكبير مع صلاة الظهر أَم الناس فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وحضر الصلاة جمع جم ضاق بهم المسجد على سعته وصلى كثير منهم خارج المسجد وانسدت الطرق بالسيارات والمشاة ولم يكن بين وفاته والصلاة عليه إلا ساعتان وتبعه المصلون إلى مقبرة العود حيث ووري هناك. تغمد الله شيخنا برحمته وسدد خطى خلفائه ونفع بعلومه وجعل عملنا خالصًا لوجهه إنه سميع قريب مجيب.

محمد بن عبدالرحمن بن قاسم

22 ربيع الأَول 1399هـ - الرياض

منقول من سحاب
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #78  
قديم 04-25-2009, 09:37 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow أبو الحسن االأشعري


التعريف بالامام وذكر أبرز المصادر التي ترجمت له :

(أما أبو الحسن االأشعري) فهو: علي بن اسماعيل ابن اسحاق ابن سالم بن اسماعيل بن موسى الأشعري ، ولد سنة ستين ومئتين من الهجرة النبوية ، ترجمة أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر الدمشقي في كتابة "تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري" والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" وابن خلكان في وفيات الأعيان ، والذهبي في "تاريخ الإسلام" وابن كثير في "البداية والنهاية" وطبقات الشافعية والتاج السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" وابن فرحون المالكي في "الديباج المذهب في أعيان أهل المذهب" ومرتضي الزبيدي في "اتحاد السادة المتقين بشرح أسرار غحياء علوم الدين" زابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب في أعيان من ذهب" وغيرهم.

عمن أخذ الأشعري العلم والكلام:

دخل هذا الامام بغداد وأخذ الحديث عن زكريا بن يحيى الساجي أحد أئمة الحديث والفقة وعن أبي خليفة الجمحي وسهل بن سرح ومحمد بن بعقوب المقيء وعبدالحمن ابن خلف البصريين ، وروى عنهم كثيراً في تفسيره ((المختزن)) وأخذ علم الكلام عن شيخة زوج أمه أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة ، ولما تبحر في كلام الاعتزال وبلغ فيه الغاية كان يورد الأسئلة على استاذه في الدرس ولايجد فيها جواباً شافياً فتحير في ذلك فحكي عنه أنه قال: وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم ونمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر ، فقال لي رسول الله صلى الله علية وسلم ((عليك بسنتي)) فانتبهت !! ، وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار ، فأثبته ةنبذت ما سواه ورائى ظهري ، قال أبوبكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب الغدادي المتوَفى سنة 463هـ في الجزء الحادي عشر من تاريخه المشهور صفحة 346هـ (( أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية ، والخوارج وسائر أصناف المبتدعة... إلى أن قال : وكانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله تعالى الأشعري فجزهم في أقماع السمسم.

أبو الحسن الأشعري يناهظ شيخة الجبائي فيفحمه!!!

قال ابن فرحون في الديباج: (( أثنى على أبي الحسن الأشعري أبو محمد بن أبي زيد القيرواني وغيره من أئمة المسلمين اهـ)) وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات الجزء الثاني صفحة 303 ومما بيض به أبو الحسن الأشعري وجوه أهل السنة النبوية وسود به رايات أهل الاعتزال والجهمية ، فأبان به وجه الحق الأبلج ولصدور أهل الايمان والعرفان أثلج مناظرة كما قال ابن خلكان: (( سأل أبو الحسن الأشعري أستاذه أبا على الجبائي عن ثلاثة إخوة ؛ كان أحدهم مؤمناً براً تقيلً والثاني كان كافراً فاسقً شقياً ، والثالث كان صغيراً ، فماتوا فكيف حالهم؟ ، فقال الجبائي : أما الزاهد ففي الدرجات أما الكافر ففي الدركات ، وأما الصغير فمن أهل السلامة فقال الأشعري: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ ، فقال الجبائي: لا !!؛ لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بعطائه الكثير وليس لك تلك الطاعات ، فقال الأشعري: فان قال ذلك التقصير ليس مني ، فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة ، فقال الجبائي: يقول البارئ جل وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك ، فقال الأشعري: فلو قال الأخ الأكبر يا إله العــــالمي كما علمت حاله فقد علمت حالي ، فلم راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي !!!

وقال ابن العماد (( وفي هذه المناظرة دلالة على أن الله تعالى خص من شاء برحمته’ واختص آخر بعذابه)) اهـ.

ثناء السبكي، على أبي الحسن الأشعري

وقال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعيه الكبرى: ((أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد ابن حنبل وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمة الله واحدة لاشك في ذلك ولا ارتياب وبه صرح الأشعري في تصانيفه وذكره غير مامرة من أتن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه)) اهـ.

وفضائل أبي الحسن الأشعري ومناقبه أكثر من أن يمكن حصرها في هذه العجالة ، ومن وقف على تواليفه بعد توبته من الاعتزال –رأى أن الله تعالى قد أمده ؛ فاالمالكي يدعي أنه مالكي ؛ والشافعي يزعم أنه شافعي ، والحنفي كذلك. قال ابن عساكر: لقيت الشيخ الفاضل رافعاً الحمال الفقيه ، فذكر لي عن شيوخه أن أب الحسن الأشعري كان مالكياً فنسب من تعلق اليوم بمذهبه وتفقه في معرفة أصول الدين من ســـائر المذاهب –إلى الأشعري لكثرة تواليفة وكثرة قراءة الناس لها.

وقال ابن فروك: توفي أبو الحسن الأشعري سنة 324هـ

رجوع أبي الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى عقيدة السلف:

قال الحافظ مؤرخ الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر الدمشقي المتوفى سنة هـ في كتابه ((التبيين)) قال أبو بكر اسماعيل بن أبي محمد بن اسحق الأردي القيرواني المعروف بابن عزره: إن أبا الحسن الأشعري كان معتزلياً وإنه أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنة وكان لهم إماماً، ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوماً ، فبعد ذلك خرج إلى الجامع بالبصرة فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة ، وقال: معاشر الناس إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي حق على باطل ولا باطل على حق ، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه ، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده، كما انخلعت من ثوبي هذا ،وانخلع من ثوب كان عليه، ورمى به ودفع الكتب إلى الناس ؛ فمنها كتاب اللمع وغيره من تواليفه الآتي ذكر بعضها قريبا إن شاء الله : فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها وانتحوها ، واعتقدوا تقدمة واتخذوه إماماً حتى نسب مذهبهم إليه فصار عند المعتزلة (ككتابيٍ أسلم وأظهر عوار ما تركه فهو أعدى الخلق إلى أهل الذمة) ، وكذلك أبو الحسن الأشعري أعدى الخلق إلى المعتزلة ؛ فهم يشنعون علية وينشنعون علية وينسبون إليه الأباطيل ، وليس طول مقام أبي الحسن الأشعري على مذهب المعتزلة مما يفضى به إلى انحطاط النمزلة بل يقضي له في معرفة الأصول بعلو المرتبة ويدل عند ذوي البصائر له على سمو المنقبة ؛ لأن من رجع عن مذهب كان بعواره أخبر وعلى رد شبه أهله وكشف تمويهاتهم أقدر ، وتبيين ما يلبسون به لمن يهتدي باستبصاره أبصر ، فاستراحتة من يعيره بذلك كاستراحة مناظر هرون بن موسى الأعور ؛ وقصته أن هارون الأعور كان يهودياً فأسلم وحسن إسلامة ، وحفظ القرآن وضبطه وحفظ النحو ، وناظره انسان يوماً في مسألة فغلبه هرون فلم يدر المغلوب ما يصنع فقال له: أنت كنت يهودياً فأسلمت فقال له هرون فبئس ما صنعت فغلبه هرون في هذا .

واتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن الأشعري كان إماماً من أئمة أصحاب الحديث ، ومذهبه مذهب أصحاب الحديث ؛ تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة ، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة سبفاً مسلولاً ومن طعن فيه أو سبه فقد بسط لسان السؤ في جميع أهل السنة ، ولم يكن أبو الحسن الأشعري أول متكلم بلسان أهل السنة وإنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف، فزاده حجةً وبياناً، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهباً انفرد به وليس له في المذهب أكثر من شرحه كغيرة من الأئمة.

وقال أبوبكر بن فورك: رجع أبو الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى مذهب أهل السنة سنة300هــ

وممن قال من العلماء برجوع الأشعري عن الاعتزال أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان الشــافعي المتوفى سنة681هــ ؛ قال في ((وفيات الأعيان)) الجز الثاني صفحة 446: كان أبو الحسن الأشعري معتزلياً ثم تاب. ومنهم عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير القرشي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 774هـ ؛ قال في البداية والنهاية الجزء الحادي عشر صفحة187:((إن الأشعري كان معتزلياً فتاب منه بالبصرة فوق المنبر، ثم أظهر فضائح المعتزلة وقبائحهم)) ومنهم شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشافعي الشهير بالذهبي المتوفى سنة 748هـ؛قال في كتابه ((العلول للعلى الغفار)):(( كان أبو الحسن أولا معتزلياً أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلماً للسنة ، ووافق أئمة الحديث ، فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن ولزموها لأحسنوا ولكنهم خاضوا كخوض حكماْ الأوائل في الأشياء ومشوا خلف المنطق فلا قوة إلا بالله)) ، وممن قال برجوعه تاج الدن أبو نصر عبدالوهاب بن تقي الدين السبكي الشافعي المتوفى سنة771هــ قال في طبقات الشافعية الكبرى ، الجزء الثاني صفحة 246هــ : أقام أبو الحسن على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إماماً فلما أرادة الله لنصرة دينة وشرح صدره لإتباع الحق غاب عن الناس في بيته، وذكر كلام ابن عساكر المتقدم بحروفه ومنهم برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي المتوفى سنة 799هــ قال في كتابه (( الديباج المذهب في أعيان علماء المذهب)) صفحة193: "كان أبو الحسن الأشعري في ابتداء أمره معتزلياً ، ثم رجع إلى هذا المذهب الحق ، ومذهب أهل السنة فكثر التعجب منه ، وسئل عن ذلك ، فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فأمره بالرجوع إلى الحق ونصره ، فكان ذلك والحمد لله تعالى .

ومنهم السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى ؛ قال في كتابه ((إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار احياء علوم الدين)) الجزء الثاني صفحة 3 قال: "أبو الحسن الأشعري أخذ الكلام عن شيخ أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة ، ثم فارقه لمنام رآه ، ورجع عن الاعتزال وأظهر ذلك إظهاراً ، فصعد منبر البصرة يوم الجمعة ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن وإن الله لايُرى في الدار الآخرة بالأبصار وإن العباد يخلقون أفعالهم وها أنا تائب من الغعتزال معتقداً الرد على المعتزلة ، ثم شرع في الرد عليم والتصنيف على خلافهم ، ثم قال: قال ابن كثير: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال أولها حال الاعتزال التي رجع عنها ولا محالة والحال الثاني إثبات الصفات العقلية ؛ وهي الحياة والعلم ، والقدرة ، والارادة ، والسمع ، والبصر ، والكلام . زتأويل الخبرية كالوجة واليدين والقدم والساق ونحو ذلك، الحال الثالث إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف وهي طريقته في الإنابه التي صنفها آخراً.

وبهذه النقول عن هؤلاء الأعلام ثبت ثبوتاً لاشك فيه ولا مرية أن أبا الحسن الأشعري استقر أمره أخيراً بعد أن كان معتزلياً على عقيدة السلف التي جاء بها القرآن الكريم وسنة النبي الكريم عليه أزكى الصلاة والتسليم.

صحة نسبة(( الابانة في أصول الديانة))

ثبوت نسبة الابانة في إلى أبي الحسن الأشعري والرد على من أنكر ذلك وزعم أنها مدسوسة: وقبل البحث في صحة نسبة هذا الكتاب إلى أبي الحسن الأشعري نذكر نبذة قليلة من تواليفة التي ألفها بعد توبته من الاعتزال ، فنقول: قال الحافظ ابن عساكر في كتابه ((تبيين كذب المفتري)) ذكر ابن حزم الظاهري أن لأبي الحسن الأشعري خمسة وخمسين تصنيفاً ، ثم قال: ترك ابن حزم من عدد مصنفاته أكثر من مقدار النصف ، وبعد ذلك سردها ، فقال : منها كتاب اللمع ، وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سماه بكتاب (( كشف الأسرار وهتك الأستار)) ومنها تفسيره المختزن ؛ وهو خمسمئة مجلد لم يترك فيه آية تعلق بها بدعي إلا أبطل تعلقه بها ، وجعلها حجة لأهل الحق ، وبين المجمل وشرح المشكل ونقض فيه ما حرفه الجبائي والبلخي في تفسيريهما ومنها الفصول في الرد على الملحدين والخارجين على الملة كالفلاسفة والطبائعيين والطبائعيين والدهريين وأهل التشبيه ومنها مقالات المسلمين استمعب فيه جميع اختلافهم ومقالاتهم وذكرها الحافظ ابن عساكر بأسمائها وموضوعاتها في كتابه التبيين من صفحة 128 إلى صفحة 136 ، وقد أطلعت أنا الجامع لهذه الرسالة على ثلاثة من الكتب المذكورة ، وهي مطبوعة: اللمع، والابانة ، والمقالات الاسلامية ، وقال ابن عساكر في صفحة28 من التبيين: وتصانيف أبي الحسن الأشعري بين أهل العلم مشهورة معروفة وبالجادة والاصابة للتحقيق عند المحققين موصوفة ، ومن وقف على كتابه المسمى بالإبانة عرف موضعه من العلم والديانه ، ثم قال في صفحة 152: فإذا كان أبو الحسن كما ذكر عنه من حسن الاعتقاد مستصوب المذهب عند أهل المعرفة بالعلم والانتقاد يوافقه في أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد ، ولا يقدح في معتقده غير أهل الجهل والعناد فلا بد أن نحكي عنه معتقده على وجهه بالأمانة ، ونتجنب أن نزيد فيه أو ننقص منه تركاً للخيانة لتعلم الحقيقه حاله في صحة عقيدته في أصول الديانة ؛ فاسمع ماذكره في أول كتابه الذي سماه بالإبانة ونذكر ما يأتي في آخر الرسالة إنشاء الله تعالى ثم قال في صفحة 171 في جملة أبيات نسبها لبعض المعاصرين له:

لو لم يصـنف عـمـره *** غير الإبــانة واللـمـع

لكفـى فكيـف وقـد *** تفنن في العلوم بما جمع

مجموعة تربى على المئتـ *** ين ممــا صـنـع

لم يـأل في تصنيفتهـا *** أخذاً بأحسن ما استمع

فهدى بـها المـسترشد *** يـن ومن تصفحها انتفع

تتلـى مـعـاني كتبـه *** فوق المنابر في الجمع

ويـخـاف من إفحامه *** أهل الكنائس والبيع

فهو الشجا في حلق من *** ترك المحجة وابتدع

وممن عزا الإبانة إلى أبي الحسن الأشعري الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي المتوفى في سنة 458هــ ؛ قال في كتاب (( الاعتقاد الهداية إلى سبيل الرشاد)) في باب القول في القرآن صفحة31 ؛: ذكر الشافعي رحمه الله الله مادل على أن مانتلوه من القرآن بألسنتنا ونسمعه بآذاننا ، ونكتبه في مصاحفنا يسمى كلام الله عز وجل وان الله عز وجل كلم به عباده بأن أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم وبمعناه ذكره أيضاً علي بن إسماعيل في كتابه الإبانة وقال في صفحة 23 من الكتاب المذكور آنفاً: قال أبو الحسن علي بن إسماعيل في كتابه ؛ يعني الإبانة فإن قال قائل حدثونا أتقولون إن كلام الله عز وجل في اللوح المحفوظ قيل له نقول ذلك ؛ لأن الله قال (( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ)) ، فالقرآن في اللوح المحفوظ وهو في صدور الذين أوتوا العلم ‘ وهو بالالسنة قال تعالى: (( لاتحرك به لسانك)) والقرآن مكتوب في مصاحفنا في الحقيقة محفوظ في صدورنا في الحقيقة محفوظ في صدورنا متلو بألسنتنا في الحقيقة . مسموع لنا في الحقيقة كما قال تعالى: ((فأجره حتى يسمع كلام الله)) ثم قال في صفحة 26 بعد سرد الأدلة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق: وقد احتج علي ابن إسماعيل الأشعري رحمة الله بهذه الفصول اهـ من نسخة مخطوطة يرجع تاريخ خطها إلى سنة1086هـ[وهي محفوظة لدى الأخ اسماعيل الأنصاري طبعت في مصر قريباً].

وممن ذكر الإبانة وعزاها لأبي الحسن الأشعري الحافظ المعروف بالذهبي قال في كتابه (( العلو العلي للغفار)) صفحة278 قال الأشعري في كتاب (الابانة في أصول الديانة) له في باب الاستواء: فإن قال قائل: (الرحمن على العرش استوى) الى آخر مافي الابانة . ثم قال: وكتاب الابانة من أشهر تصانيف أبي الحسن الأشعري شهره الحافظ ابن عساكر واعتمد عليه ونسخة بخط الامام محيي الدين النواوي وذكر الذهبي عن الحافظ أبي العباس أحمد بن ثابت الطرقي أنه قال : ونقل عن أبي علي الدقاق أنه سمع زاهر بن أحمد الفقيه يقول : مات الاشعري رحمة الله ورأسه في حجري فكان يقول شيئاً في حال نزعه: لعن الله المعتزله موهوا ومخرقوا اهـ كلام الذهبي.

وممن نسبها إلى أبي الحسن الاشعري ابن فرحون المالكي ؛ قال في كتابه الديباج صفحة 193: إلى صفحة194 ولأبي الحسن الأشعري كتب منها كتاب اللمع الكبير واللمع الصغير وكتاب الابانه في أصول الديانةاهـ.

وممن عزاها لأبي الحسن الأشعري أبو الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089هـ؛ قال في الجزء الثاني من كتابه؛(( شذرات الذهب في أعيان من ذهب)) صفحة 303، قال أبو الحسن في كتابه الابانة في أصول الديانة وهو آخر كتاب صنفه. وعليه يعتمد أصحابه في الذب عنه عند من يطعن عليه ، ثم ذكر فصلاً كاملاً من الابانه .

وممن عزاها لأبي الحسن الأشعري السيد مرتضى الزبيدي قال في ((إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين)) في الجزء الثاني صفحة2 قال: صنف أبو الحسن الأشعري بعد رجوعة من الاعتزال الموجز؛ وهو في ثلاث مجلدات كتاب مفيد في الرد على الجهمية والمعتزلة ومقالات الاسلاميين وكتاب الابانة، وقد تقدم حكاية عن ابن كثير أن الابانة هي آخر كتاب صنفه أبو الحسن الأشعري.

وممن ذكر أن الابانة تأليف أبي الحسن الأشعري أبو القاسم عبدالملك بن عيسى بن درباس الشافعي قال في رسالته (( الذب عن أبي الحسن الاشعري)) : إعلموا معشر الاخوان أن كتاب الابانة عن أصول الديانة، الذي الفه الامام أبو الحسن علي بن إسماعيل الاشعري هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده وبه كان يدين الله سبحانه وتعالى بعد رجوعه من الاعتزال بمن الله ولطفه ، وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف مافيه فقد رجع عنها وتبرأ إلى الله سبحانه منها وكيف وقد نص فيه على أنه ديانته التي يدين الله سبحانه بها: وروي أثبت أنه ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضين وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين ، وأن مافيه هو الذي يدل علية كتاب الله وسنة رسولة صلى الله علية وسلم ، فهل يسوغ أن يقال إنه رجع عن هذا إلى غيره فإلى ماذا يرجع أتراه يرجع عن كتاب الله وسنة نبي الله خلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون وأئمة الحديث المرضيون وقد علم أنه مذهبهم ، ورواه عنهم؟؟!! هذا لعمري ما لا يليق نسبته إلى عوام المسلمين وكيف بأئمة الدين أوهل يقال:: إنه جهل الأمر فيما نقلة عن السلف الماضين مع افنائه جل عمره في استقراء المذاهب وتعرف الديانات ، هذا مما لا يتوهمه منصف ، ولا يزعمه إلا مكابر مسرف ، وقد ذكر الابانه واعتمد عليها وأثبتها عن الامام أبي الحسن الأشعري وأثنى عليه بما ذكره فيها وبرأه من كل بدعة نسبت إليه ، ونقل منها إلى تصنيفه جماعة من الأئمة الأعلالم من فقهاء الاسلام وأئمة القراء وحفاظ الحـــديث وغيرهم.

وذكر ابن درباس طائفة من الذين قدمنا ذكرهم وزاد الحافظ أبا عباس أحمد بن ثابت العراقي ، وذكر عنه أنه قال في بيان مسألة الاستواء من تأليفه رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي علو الله على العرش وتأويل الاستواء إلى أبي الحسن الأشعري ، وما هذا بأول باطل إدعوه وكذب تعاطوه ، فقد قرأت في كتابه الموسم بالابانه عن أصول الديانة أدلة من جملة ما ذكرته على اثبات الاستواء ، ومنهم الامام الاستاذ الحافظ أبو العثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني ، ذكر عنه أنه ما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا بيده كتاب الابانه لابي الحسن الأشعري ويظهر الاعجاب بها ، ويقول مالذي ينكر على من هذا الكتاب شرح مذهبه( هذا قول الامام أبي عثمان وهو من أعيان أهل الأثر بخرسان).

ومنهم امام القراء أبو علي الحسن بن علي بن ابراهيم الفارسي ذكر الامام أبا الحسن الأشعري رحمة الله عليه، فقال: ولهكتاب في السنة سماه كتاب الابانه صنفه ببغداد لما دخلها وذكر ابن درباس أنه وجد كتاب الابانة في كتب أبي الفتح نصر المقدسي-رحمه الله ببيت المقدس وقال رأيت في بعض تآليفه في الاصول فصولا منه بخطه.

ومنهم الفقيه أبو المعالي مجلى صاحب كتاب الذخائر في الفقة ، قال ابن درباس أنبأني غير واحد عن الحافظ أبي محمد المبارك بن علي البغدادي ونقلته أنا من خطه في آخر كتاب الابانه قال نقلت هذا الكتاب جميعه من نسخة كانت مع الشيخ الفقيه مجلى الشافعي أخرجها في مجلدة فنقلتها وعارضت بها وكان رحمه الله يعتمد عليها وعلى ماذكره فيها ويقول لله من صنفه ويناظر على ذلك من ينكره وذكر ذلك لي وشافنى به وقال: هذا مذهبي وإليه أذهب نقلت هذا في سنة 540هـ بمكة وهذا آخر مانقلت منخط ابن الطباخ .

وذكر فيمن غزاها إلى أبي الحسن أبا محمد بن علي البغدادي نزيل مكة قال ابن درباس شاهدت نسخة من كتاب الابانة بخطه من أوله إلى آخلره ، وهي بيد شيخنا الإمام رئيس العلماء الفقيه الحافظ العلامة أبي الحسن بن المضل المقدسي ونسخت منها نسخة ، وقابلتها عليها بعد أن كنت كتبت نسخة أخرى مما وجدته في كتاب الامام نصر المقدسي ببيت المقدس ولقد عرضها بعض أصحابنا على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراءاً إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس فأنكرها وجحدها وقال : ماسمعنابها قط ولاهي من تصنيفه واجتهد آخر في إعمال رويته ليزيل الشبهة بفطنته ، فقال بعد تحريك لحيته لعله ألفها لما كان حشوياً ، قال ابن درباس فمادريت من أي أمر به أعجب أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في تصانيفه من العلماء أومن جهله بحال شيخة الذي يفتري عليه بانتمائه إليه واشتهاره قبل توبته من الاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها، فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة فكيف يكونون بحال السلف الماضين وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والحدثين وهم لايلوون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم وهم والله بذلك أجهل وأجهل كيف لا وقد قنع بعض من ينتمي منهم إلى أبي الحسن الأشعري بمجرد دعواه وهو في الحقيقة مخالف لمقالة الأولى ، وكان خلاف ذلك أحرى به وأولى لتستمر القاعدة وتصير الكلمة واحدة اهـ (كلام ابن درباس رحمه الله).

وممن ذكر بالابانه ونسبها إلى أبي الحسن الأشعري تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن عبدالسلام الشهير بابن تيمية المتوفى سنة 728هـ؛ قال في الفتوى الحموية الكبرى صفحة72: قال أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه الابانة في أصول اليانة ، وقد ذكر أصحابه أنه آخر كتاب صنفه وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه فقال: فصل في ابانة قول أهل الحق والسنة وذكر مافي أول كتاب الابنة بحروفه وسيأتي ذكره إن شــــاء الله قريباً.

وممن عزاها إلى أبي الحسن الأشعري شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي الدمشقي المتوفى سنة 751هـ قال في كتابه اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية الطبعة الهندية صفحة111: قال شيخ الاسلام ابن تيمية ولما رجع الأشعري من مذهب المعتزلة سلك طريق أهل السنة والحديث وانتسب إلى الامام أحمد بن حنبل كما في كتبه كلها والموجز والمقالات وغيرها ثم قال ابن القيم: وأبو الحسن الأشعري وأئمة أصحابه كالحسن الطبري وأبي عبدالله بن المجاهد والقاضي أبي بكر الباقلاني متفقون على اثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في القرآن كالاستواء والوجه واليدين وعلى ابطال تأويلها وليس للأشعري في ذلك قولان أصلاً ولم يذكر أحد عن الأشعري في ذلك قولين ولكن لاتباعه قولان في ذلك ولأبي المعالي الجويني في تأويلها قولان: أولها في الارشاد ورجع عن تأويلها في رسالته النظامية وحرمه ، ونقل اجماع السلف على تحريمه وأنه ليس بواجب ولا جائز ، ثم ذكر ابن القيم قول أبي الحسن الأشعري إمام الطائفة الأشعرية ، ثم قال: نذكر كلامه فيما وقفنا عليه من كتبه كالموجز والابانة والمقالات وقال ابن القيم في قصيدته النونية التي سماها الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية الطبعة المصرية صفحة 68 والأشعري قال تفسير استوى بحقيقة استولى من البهتان:

هوقول أهل الاعتزال وقول أتبـ ـاع لجهم وهو ذو بطلان

في كتبه قد قال ذا من موجز وابانة ومقالة ببيان

وقد قال في صفحة 69 من الكتاب المذكو آنفاً:

وحكى ابن العلم أن الله فو ق العرش بالايضاح والبرهان

وأتى هناك بماشفى أهل الهدى لكنه مرض العميان

وكذا علي الأشعري فإنه في كتبه قد جاء بالتبيان

من مؤجز وابانة ومقالة ورسائل للثغر ذات بيان

وأتى بتقرير استواء الرب فو ق العرش بالايضاح والبرهان

وأتى بقرير العلو بأحسن التقر ير فانظر كتبه بعيان: اتنهى

قلت هذه نقول الأئمة الأعلام التي تضمنت بالصراحة التي لا ينتطح عليها عنزان أن كتاب الابانة ليس مدسوساً على أبي الحسن الأشعري كما زعمه الأغمار من المقلدة بل هو من تواليفه التي ألفها أخيراً واستقر أمره على مافيها من عقيدة السلف التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية.

عقيدة أبي الحسن الأشعري

وبعد هذا رغبت أن أتحف القارئ بقطعة من عقيدة هذا الامام التي رجع إليها وذكرها في ابانته ؛ أذكرها بفصها ونصها ليظهر لكل منصف قرأها يفهم أن أبا الحسن الأشعري تاب من التعطيل والتأويل كما أنه ليس بممثل بل هو مثبت ومعتقد كل ما أخبر الله به عن نفسه في كتابه أو أخبر به عنه نبيه عليه الصلاة والسلام من غير تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل ؛ فأقول قال أبو الحسن الأشعري في ابانته: (باب في ابانة قول أهل الحق والسنة) فإن قال لنا قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة ، فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا عليه السلام وما رُويا عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون، ولما خالف قوله مخالفون لأنه الامام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ورفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من امام مقدم وجليل معظم مفخم وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاءوا من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لا نرد من ذلك شيئاً وأن الله عز وجل إله واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق وأن الله يبعث من في القبور ، وأن الله مستو على عرشه كما قال (الرحمن على العرش استوى) وأن له وحهاً كما قال: ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) وأن له يدين بلا كيف كما قال ( لما خلقت بيدي ) وكما قال ( بل يداه مبسوطتان ) وأن له عينين بلا كيف كما قال ( تجري بأعيننا ) وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً وأن لله علماً كما قال (أنزله بعلمه) وكما قال ( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ونثبت أن لله قوة كما قال: ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) ونقول إن كلام الله غير مخلوق وأنه لم يخلق شيئاً إلا وقد قال له كن كما قال (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير وشر إلا ما شاء الله وأن الأشياء قبل أن يفعله ولا يستغني عن الله ولا يقدر على الخروج عن علم الله عز وجل وأنه لا خالق إلا الله وأن أعمال العبد مخلوقه لله مقدرة كما قال: (خلقكم وما تعملون) وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً وهم يخلقون كما قال: ( أفمن يخلق كمن لا يخلق) وكما قال (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) وهذا في كتاب الله كثير وأن الله وفق المؤمنين لطاعته ولطف بهم ونظرلهم وأصلحهم وهداهم وأضل الكافرين ولم يهدهم ولم يلطف بهم بالآيات كا زعم أهل الزيغ والطغيان ولو لطف بهم وأصلحهم لكانوا صالحين ولو هدادم لكانوا مهتدين وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أرد أن يكونا كافرين كما علم وخذلهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره وإنا نؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره ونعلم أن ما أخطأنا لم يكن ايصيبنا وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا بالله كما قال عز وجل ونلجئ أمورنا إلى الله أي نثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه ونقول إن كلام الله غير مخلوق وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر وندين بأن الله تعالى يُرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقول : إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنه كما قال عز وجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) وأن موسى عليه السلام سأل الله عز وجل الرؤية في الدنيا وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكا فعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا و ندين بأن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبة كالزنى والسرقة وشرب الخمور كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرين ونقول إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنى والسرقة وما أشبههما مستحلا لها غير معتقد لتحريمها كان كافراً ، ونقول إن الاسلام أوسع من الايمان وليس كل إيلام ايمان ، وندين الله عز وجل بأنه يقلب القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل وأنه عز وجل يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله علية وسلم ونديد بأن لا ننزل أحداً من أهل التوحيد والمتمسكين بالايمان جنة ولا نار اً إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، وترجوا الجنة للمذنبين ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين ونقول إن الله عز وجل يخرج قوماً من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً لما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض وأن الميزان حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق وأن الله عز وجل يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين. وأن الايمان قول وعمل يزيد وينقص . ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدل عن عدل حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وندين بحب السلف الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه عليه السلام ونثني عليهم بما أثنى الله به عليهم ونتولاهم أجمعين ، ونقول إن الإمام الفاضل بعد رسول الله صلى الله علية وسلم أبو بكر الصديق رضوان الله عليه إن الله أعز به الدين وأظهره على المرتدين وقدمه المسلمون بالامامة كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة وسموه أجمعهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه وإن الذين قاتلوه قاتلوه ظلماً وعدواناً ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافتهم خلافة النبوة ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ونتولى سائر أصحاب النبي صلى الله علية وسلم ونكف عما شجر بينهم وندين الله بأن الأئمة الأربعة خلفاء راشدون مهديون فضلاً لا يوازيهم في الفضل غيرهم ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول هل من سائل هل من مستغفر وبسائر ما نقولوه وأثبتوه خلافاً لما قال أهل الزيغ والتضليل ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا وسنة نبينا وإجماع المسلمين وما كا في معناه: ولا نبتدع في دين الله مالم يأذن لنا ولا نقول على الله ما لا نعلم ونقول إن الله عز وجل يجيء يوم القيامة كما قال (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) وأن الله عز وجل يقرب من عباده كيف شاء كما قال: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد). وكما قال: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وغيره. كما روي عن عبدالله بن رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج. وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافاً لمن أنكر ذلك ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والاقرار بإمامتهم وتضليل من رأى الخروج عليهم وإذا ظهر منهم ترك الاستقامة وندين بانكار الخروج بالسيف وترك القتال في الفتنة ونقر بخروج الدجال كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر ونكير ومنكر ومسائلتهما المدفونين بقبورهم. ونصدق بأن في الدنيا سحرة وسحراً. وأن السحر كائن موجود في الدنيا. وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وتوراتهم ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان وأن من مات وقتل فبأجله مات وقتل وأن الأرزاق من قبل الله يرزقها عباده حلالاً وحراماً. وأن الشياطان يوسوس للانسان ويسلكه ويتخبطه خلافاً لقول المعتزلة والجهمية كما قال الله عز وجل: (الذين يأكلون الربى لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) وكما قال: (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس) ونقول إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله عز وجل بآيات يظهرها عليهم. وقولنا في أطفال المشركين أن الله يؤجج لهم في الآخرة ناراً ثم يقول لهم اقتحموها كما جاءت بذلك الرواية، وندين الله عز وجل بأنه يعلم ماالعباد عاملون وإلى ماهم صائرون. وما كان ومايكون ومالا يكون أن لو كان كيف يكون وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعته ومجانبة أهل الهوى. ((انتهى بحروفه))

هذا مجمل عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري التي استقر أمره عليها بعد أن أقام على مذهب الاعتزال أربعين عاماً. ذكره في أول كتابه الإبانة وفصله باباً باباً فراجها إن شئت تجد ما يشفي ويكفي. فتأمل أيها الأخ المنصف هذه العقيدة ما أوضحها وأبينها وعترف بفضل هذا الإمام العالم الذي شرحها وبينها وانظر سهولة لفظها فما أفصحه وأحسنة. وكن ممن قال الله فيهم( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) وتبين فضل أبي الحسن الأشعري واعرف إنصافه واسمع وصفه للإمام أحمد ابن حنبل بالفضل لتعلم أنهما كانا في الاعتقاد متفقين وفي أصول الدين ومذهب السنة غير مفترقين، ولعمري إن هذه العقيدة ينبغي لكل مسلم أن يعتقدها ولا يخرج عن شيء منها إلا من في قلبه غش ونكد، ونسأل الله تعالى الثبات عليها ونستودعها عند من لا تضيع عنده وديعة. والحمد لله وبنعمتة تتم الصالحات وصلى الله وسلم على نبينا محمد معلم الخيرات وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تجزى فيه الحسنات.
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #79  
قديم 04-25-2009, 09:39 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين


كان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، وأستاذاً بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم ، وإماماً وخطيباً بالجامع الكبير بمدينة عنيزة .

مولده :

ولد في مدينة عنيزة في 27 رمضان عام 1347 هـ

نشأته :

حفظ القرآن الكريم في صغره ثم اتجه إلى طلب العلم على يد ( فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ )

الذي يعتبر شيخه الأول حيث لازمه وقرأ عليه التوحيد والتفسير والسيرة النبوية والحديث والفقه وأصول الفقه والفرائض ومصطلح الحديث والنحو والصرف واستفاد كثيراً من شيخه الذي كان على قدر كبير من العلم والعمل والزهد والورع والتواضع ورحابة الصدر ، كما تأثر بنهجه السليم وطريقته المتميزة في التدريس وعرض العلم وتقريبه للطلبه .

أما شيخه الثاني ، فقد كان ( سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ ) مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء ، الذي قرأ عليه صحيح البخاري وبعض رسائل شيخ الإسلام بن تيميه وبعض الكتب الفقهية .

أعماله و نشاطه العلمي :

منذ أن توفي فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ عام 1376 هـ وشيخنا ـ رحمه الله ـ يتولى إمامة الجامع الكبير بعنيزه والتدريس فيه بالإضافة إلى التدريس في كليتي الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الإمامة محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم .

ولشيخنا نشاط كبير وجهود مشكورة موفقة في مجال الدعوة إلى الله والتدريس والتأليف والإفتاء وكتابة الرسائل وإلقاء المحاضرات العامة النافعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي وفي مختلف المدن بالمملكة العربية السعودية بأسلوب متميز بالحكمة والموعظة الحسنة وتقديم منهج حي للسلف الصالح

فمن أعماله رحمه الله :

بدأ التدريس منذ عام 1370هـ في الجامع الكبير بعنيزة على نطاق ضيق في عهد شيخه عبد الرحمن السعدي وبعد أن تخرج من المعهد العلمي في الرياض عين مدرساً في المعهد العلمي بعنيزة عام 1374هـ.

وفي سنة 1376هـ توفي شيخه عبد الرحمن السعدي –رحمه الله- فتولى بعده إمامة المسجد بالجامع الكبير في عنيزة والخطابة فيه والتدريس بمكتبة عنيزة الوطنية التابعة للجامع والتي أسسها شيخه في عام 1359هـ.

ولما كثر الطلبة وصارت المكتبة لا تكفيهم صار يدرس في المسجد الجامع نفسه واجتمع إليه طلاب كثيرون من داخل المملكة وخارجها حتى كانو يبلغون المئات وهؤلاء يدرسون دراسة تحصيل لا لمجرد الاستماع – ولم يزل مدرساً في مسجده وإماماً وخطيباً حتى توفي –رحمه الله-.

استمر مدرساً بالمعهد العلمي في عنيزة حتى عام 1398هـ وشارك في آخر هذه الفترة في عضوية لجنة الخطط ومنهاج المعاهد العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وألف بعض المناهج الدراسية.

ثم لم يزل أستاذاً بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم بكلية الشريعة وأصول الدين منذ العام الدراسي 1398-1399هـ حتى توفي –رحمه الله-.

درّس في المسجد الحرام والمسجد النبوي في مواسم الحج وشهر رمضان والعطل الصيفية.

شارك في عدة لجان علمية متخصصة عديدة داخل المملكة العربية السعودية.

ألقى محاضرات علمية داخل المملكة وخارجها عن طريق الهاتف.

تولى رئاسة جمعية تحفيظ القرآن الكريم الخيرية في عنيزة منذ تأسيسها عام 1405هـ حتى وفاته –رحمه الله-

كان عضواً في المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للعامين الدراسيين 1398 - 1399 هـ و 1399 - 1400 هـ.

كان عضواً في مجلس كلية الشريعة وأصول الدين ورئيساً لقسم العقيدة فيها.

كان عضواً في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منذ عام 1407هـ حتى وفاته –رحمه الله-

وكان بالإضافة إلي أعماله الجليلة والمسؤوليات الكبيرة حريصاً على نفع الناس بالفتوى وقضاء حوائجهم ليلاً ونهاراً حضراً وسفراً وفي أيام صحته ومرضه –رحمه الله تعالى رحمة واسعة-

كما كان يلزم نفسه باللقاءات العلمية والاجتماعية النافعة المنتظمة المجدولة فكان يعقد اللقاءات المنتظمة الأسبوعية مع قضاة منطقة القصيم وأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عنيزة ومع خطباء مدينة عنيزة ومع كبار طلابه ومع الطلبة المقيمين في السكن ومع أعضاء مجلس إدارة جمعية تحفيظ القران الكريم ومع منسوبي قسم العقيدة بفرع جامعة الإمام بالقصيم.

وكان يعقد اللقاءات العامة كاللقاء الأسبوعي في منزله واللقاء الشهري في مسجده واللقاءات الموسمية السنوية التي كان يجدولها خارج مدينته فكانت حياته زاخرة بالعطاء والنشاط والعمل الدؤوب وكان مباركاً أينما توجه كالغيث من السماء أينما حل نفع.

أعلن فوزه بجائزة الملك فيصل العالية لخدمة الإسلام للعام الهجري 1414هـ وذكرت لجنة الاختيار في حيثيات فوز الشيخ بالجائزة ما يلي:-

أولاً : تحليه بأخلاق العلماء الفاضلة التي من أبرزها الورع ورحابة الصدر وقول الحق والعمل لمصلحة المسلمين والنصح لخاصتهم وعامتهم.

ثانيا ً : انتفاع الكثيرين بعلمه تدريساً وإفتاءً وتأليفاً.

ثالثاً : إلقائه المحاضرات العامة النافعة في مختلف مناطق المملكة.

رابعاً : مشاركته المفيدة في مؤتمرات إسلامية كبيرة.

خامساً: اتباعه أسلوباً متميزاً في الدعوة إلى الله بالمملكة والموعظة الحسنة وتقديمه مثلاً حياً لمنهج السلف الصالح فكراً وسلوكاً.

كان –رحمه الله- على جانب عظيم من العلم بشريعة الله سبحانه وتعالى عمر حياته كلها في سبيل العلم وتحصيله ومن ثم تعليمه ونشره بين الناس يتمسك بصحة الدليل وصواب التعليل كما كان حريصاً أشد الحرص على التقيد بما كان عليه السلف الصالح في الاعتقاد علماً وعملاً ودعوة وسلوكاً فكانت أعماله العلمية ونهجه الدعوي كلاهما على ذلك النهج السليم.

لقد آتاه الله سبحانه وتعالى ملكة عظيمة لاستحضار الآيات والأحاديث لتعزيز الدليل واستنباط الأحكام والفوائد فهو في هذا المجال عالم لا يشق له غبار في غزارة علمه ودقة استنباطه للفوائد والأحكام وسعة فقهه ومعرفته بأسرار اللغة العربية وبلاغتها.

أمضى وقته في التعليم والتربية والإفتاء والبحث والتحقيق وله اجتهادات واختيارات موفقة، لم يترك لنفسه وقتاً للراحة حتى اذا سار على قدميه من منزله إلى المسجد وعاد إلى منزله فإن الناس ينتظرونه ويسيرون معه يسألونه فيجيبهم ويسجلون إجاباته وفتاواه.

كان للشيخ –رحمه الله- أسلوب تعليمي رائع فريد فهو يسأل ويناقش ليزرع الثقة في نفوس طلابه ويلقي الدروس والمحاضرات في عزيمة ونشاط وهمة عالية ويمضي الساعات بدون ملل ولا ضجر بل يجد في ذلك متعته وبغيته من أجل نشر العلم وتقريبه للناس.

ومن نشاطه وجهوده العلمية :

1- باشر التعليم منذ عام 1370هـ إلى آخر ليلة من شهر رمضان عام 1421هـ (أكثر من نصف قرن) رحمه الله رحمة واسعة. فالتدريس في مسجده بعنيزة يومي بل انه يعقد أكثر من حلقة في اليوم الواحد في بعض أجزاء السنة.

التدريس في المسجد الحرام والمسجد النبوي في مواسم الحج ورمضان والعطل الصيفية.

التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

التدريس عن طريق الهاتف داخل المملكة وخارجها عن طريق المراكز الإسلامية.

2- إلقاء المحاضرات العامة المباشرة والدروس في مساجد المملكة كلما ذهب لزيارة المناطق.

3- الجانب الوعظي الذي كان أحد اهتماماته وقد خصه بنصيب وافر من دروسه للعناية به وكان دائماً يكرر على الأسماع الآية الكريمة "واعلموا أنكم ملاقوه" ويقول "والله لوكانت قلوبنا حية لكان لهذه الكلمة وقع في نفوسنا".

4- عنايته بتوجيه طلبة العلم وارشادهم واستقطابهم والصبر على تعليمهم وتحمل أسئلتهم المتعددة والاهتمام بأمورهم.

5- الخطابة من مسجده في عنيزة وقد تميزت خطبه –رحمه الله- بتوضيح أحكام العبادات والمعاملات ومناسباتها للأحداث والمواسم فجاءت كلها مثمرة مجدية محققة للهدف الشرعي منها.

6- اللقاءات العلمية المنتظمة والمجدولة الأسبوعية منها والشهرية والسنوية.

7- الفتاوى وقد كتب الله له القبول عند الناس فاطمئنوا لفتاواه واختياراته الفقهية.

8- النشر عبر وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة ومن خلال الأشرطة لسهولة تداولها والاستماع اليها.

9- وأخيراً توجت جهوده العلمية وخدمته العظيمة التي قدمها للناس في مؤلفاته العديدة ذات القيمة العلمية ومصنفاته من كتب ورسائل وشروح للمتون العلمية طبقت شهرتها الآفاق وأقبل عليها طلبة العلم في أنحاء العالم وقد بلغت مؤلفاته أكثر من تسعين كتاباً ورسالة

ولا ننسى تلك الكنوز العلمية الثمينة المحفوظة في أشرطة الدروس والمحاضرات فإنها تقدر بآلاف الساعات فقد بارك الله تعالى في وقت هذا العالم الجليل وعمره نسأل الله تعالى أن يجعل كل خطوة خطاها في تلك الجهود الخيرة النافعة في ميزان حسناته يوم القيامة تبوءه منازل الشهداء والصالحين بجوار رب العالمين.

ملامح من مناقبه وصفاته الشخصية:

كان الشيخ رحمه الله تعالى قدوة صالحة ونموذجاً حياً فلم يكن علمه مجرد دروس ومحاضرات تلقى على أسماع الطلبة وإنما كان مثالاً يحتذى في علمه وتواضعه وحلمه وزهده ونبل أخلاقه.

تميز بالحلم والصبر والجلد والجدية في طلب العلم وتعليمه وتنظيم وقته والحفاظ على كل لحظة من عمره كان بعيداً عن التكلف كان قمة في التواضع والأخلاق الكريمة والخصال الحميدة وقدوة عمله وتعبده وزهده وورعه وكان بوجهه البشوش اجتماعياً يخالط الناس ويؤثر فيهم ويدخل السرور إلى قلوبهم تقرأ البشر يتهلل من محياه والسعادة تشرق من جبينه وهو يلقي دروسه ومحاضراته.

كان رحمه الله عطوفاً مع الشباب يستمع إليهم ويناقشهم ويمنحهم الوعظ والتوجيه بكل لين وأدب.

كان حريصاً على تطبيق السنة في جميع أموره.

ومن ورعه أنه كان كثير التثبيت فيما يفتي ولا يتسرع في الفتوى قبل أن يظهر له الدليل فكان إذا أشكل عليه أمر من أمور الفتوى يقول انتظر حتى أتأمل المسألة، وغير ذلك من العبارات التي توحي بورعه وحرصه على التحرير الدقيق للسائل الفقهية.

لم تفتر عزيمته في سبيل نشر العلم حتى أنه في رحلته العلاجية إلي الولايات المتحدة الأمريكية قبل ستة أشهر من وفاته نظم العديد من المحاضرات في المراكز الإسلامية والتقى بجموع المسلمين من الأمريكيين وغيرهم ووعظهم وأرشدهم كما أمهم في صلاة الجمعة.

وكان يحمل هم الأمة الإسلامية وقضاياها في مشارق الأرض ومغاربها

وقد واصل –رحمه الله تعالى- مسيرته التعليمية والدعوية بعد عودته من رحلته العلاجية فلم تمنعه شدة المرض من الاهتمام بالتوجيه والتدريس في الحرم المكي حتى قبل وفاته بأيام.

أصابه المرض فقبل قضاء الله فتميز بنفس صابرة راضية محتسبة، وقدم للناس نموذجاً حياً صالحاً يقتدي به لتعامل المؤمن مع المرض المضني، نسأل الله تعالى أن يكون في هذا رفعة لمنزلته عند رب العالمين.

كان رحمه الله يستمع إلي شكاوى الناس ويقضي حاجاتهم قدر استطاعته وقد خصص لهذا العمل الخيري وقتاً محدداً في كل يوم لاستقبال هذه الأمور وكان يدعم جمعيات البر وجمعيات تحفيظ القرآن بل قد من الله عليه ووفقه لجميع أبواب البر والخير ونفع الناس فكان شيخناً بحق مؤسسة خيرية اجتماعية وذلك بفضل الله يؤتيه من يشاء.

وفاته :

توفي رحمه الله يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ مخلفاً خمسة من البنين هم عبد الله وعبد الرحمن وإبراهيم وعبد العزيز وعبد الرحيم، جعل الله فيهم الخير والبركة والخلف الصالح.وصلى على الشيخ في المسجد الحرام بعد صلاة العصر يوم الخميس السادس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ الآلاف المؤلفة وشيعته إلي المقبرة في مشاهد عظيمة لا تكاد توصف ثم صلى عليه من الغد بعد صلاة الجمعة صلاة الغائب في جميع مدن المملكة و في خارج المملكة جموع أخرى لا يحصيها إلا باريها، ودفن بمكة المكرمة رحمه الله.

بعد عمر ملأه علماً وتعليما وإرشادا ، فعظمت مصيبة المسلمين بفقده ...

وقد رؤي الشيخ في رؤيا مؤخراً : أنه يدعو دعاءً حاراً لمن رفع دروسه العلمية إلى الموقع

رحم الله الشيخ برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته ، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء على ما قدم ... اللهم آمين .
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #80  
قديم 04-25-2009, 09:41 AM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,665
Arrow الإِمَامُ الآجُرِّي؟

مَنْ هُوَ الإِمَامُ الآجُرِّي؟

اسمه ونسبه:

هو الإِمَامُ الْحَافِظُ الثَّبْتُ النِّحْرِيرْ، وَبَحْرُ الْعِلْمِ، صَاحِبُ السُنَّةِ الأَثَريّ، الزَّاخِرُ بِالْفَضْلِ الْغَزِيرْ، المُحدِّثُ الفقيه القدوة أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، الآجُرِّيُّ الْبَغْدَادِيُّ.

و(الآجُرِّي) بفتحٍ أوله ممدود، وضم الجيم وكسر الراء المشددة، نشبةٌ إلى قريةٍ من قرى بغداد يقال لها (الآجُرّ)، ودَرْبُ الآجُرِّ مَحَلَّةٌ كَانَتْ بِبَغْدَادَ مِنْ مَحَالِ نَهْرِ طَابِقٍ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، سَكَنَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعَلِمِ، وَهُوَ الآنَ خَرَابٌ قَالَهُ يَاقٌوتٌ الحَمَوِيَ فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ.

مولده ونشأته:

نَشَأَ بِدَرْبِ الآجُرِّ بِبَغْدَادَ، نَشْأَةَ مَنْ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور، فَبَكَّرَ إِلَى مَجَالِسِ عُلَمَاءِ بَلْدَتِهِ وَهُوَ يَتْلُو: اللَّهُمَّ بَارَكَ لِي فِى الْغُدُو وُالْبُكُور؛ وَلازَمَ الْحِشْمَةَ وَالْوَقَارَ وَالْوَرَعَ الْمَتِين، وَسَلَكَ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ سُنُنَ السَّادَةِ السَّالِفِين، وَجَدَّ فِي الْقِيَامِ فِى جَوْفِ الدَّيَاجِي قَانِتَاً، يَتْلُو بِلِسَانِ التَّذَلُّلِ وَالاعْتِذَارِ وَالرَّجَا:

اتَّخِذْ طَـاعَةَ الإِلَهِ سَـبِيلاًً=تَجِدِ الْفَوْزَ بِالْجِنَانِ وَتَنْجُو

وَاتْرُكْ الإِثْمَ وَالْفَوَاحِشَ طُرَّ=يُؤْتِكَ اللهُ مَـا تَرُومُ وَترْجُو

وَسَمِعَ وَهُوَ حَدَثٌ يَافِعٌ أَبَا مُسْلِمٍ الْكجِّيَّ الَّذِي فَاقَ مُحَدِّثِي عَصْرِهِ، وَأَقرَّ لَهُ بِالإِمَامَةِ وَالصَّدَارِةِ أَبْنَاءُ دَهْرِهِ؛ فَحَصَّلَ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ الْحَدِيثَ بَالأَسَانِيدِ الْعَوَالِي، وَتَفَرَّد عَنْ أَقْرَانِهِ وَذَوِيهِ بِأَوْسَاطِ الْمَعَالِي.

تَصَدّى رِجَالٌ فِي الْمَعَالِي لِيُدْرِكُوا=مَـدَاكَ وَمَـا أَدْرَكْتَهُ فَتَـذَبْذَبُوا

وَرُمْتَ الَّذِي رَامُوا فَأَذْلَلْتَ صَعْبَهُ=وَرَامُوا الَّذِي أَذْلَلْتَ مِنْهُ فَأَصْعَبُوا

ثُمَّ صَحِبَ بَعْدَهُ أَئِمَّةً تُشَدُّ إِلَيْهِمْ الرِّحَالُ وَيُقْصَدُونَ، مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانَاً وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، فَلازَمَ أَبَا بَكْرٍ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيَّ أَوْحَدَ الْحُفَّاظِ الرُّفَعَاءِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ بِهِمَّتِهِ عَنْهُ إَلَى بَيْضَاءَ وَلا صَفْرَاءَ، حَتَّى وَعَى صَدْرُهُ وَخَزَنَتْ دَفَاتِرُهُ مَا لَدِيهِ، وَحَمِدَ عِنْدَ إِيَابِهِ السُّرَى وَالإِدْلاجَ إِلَيْهِ.

وَزَاحَمَ بِرُكْبَتَيْهِ أُلُوفَ الْحَاضِرِينَ مَجَالِسَ أَبِي مُحَمَّدٍ يَحِيَى بْنِ صَاعِدٍ حَامِي جَنَابِ الشَّرْعِ مِنْ الَحَدِيثِ الْمُفْتَرَى، وَالذَّائِدِ عَنْ السُّنَّةِ وَنَاصِرِهَا نَصْرَاً عَزِيزَاً مُؤَزَّرَا، فَقَرَّبَهُ مِنْهُ وَأَدْنَاهُ، وَأَمْلَى عَلَيْهِ فَوَائِدَ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا سِوَاهُ، وَمَا بَرِحَ يَرْتَحِلُ فِى الأَمْصَارِ يَطْلُبُ الْمَزِيد، حَتَّى حَوَى مِنْ الْحَدِيثِ وَالآثَارِ فَوْقَ مَا يُرِيد، وَلِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ:

وَمَا لِي حَـالَةٌ أَرْجُـو بَقَاهَا=سِوَى التَّشْمِِيرِ فِي طَلَبِ المَعَالِي

نَظَرْتُ فَلَمْ أَجِـدْ شَيْئَاً بِعَيْنِي=مِنْ الدُّنْيَا يَزِيـدُ عَلَى خِلالِي

أّقَامَ وَحَدَّثَ بِبَغدادٍ قَبْلَ سَنَةِ ثَلاَثِينَ وَثَلاَثُمَائِة (330 هـ)، وَقَدْ سَأَلَ الله أَنْ يَرْزُقَهُ الإِقَامَةَ بِهَا سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مُجَاوِراً ثَلاثِينَ عَاماً حَتَى كَانَتْ وَفَاتُهُ بِهَا؛ َصَارَ شَيْخَهَا وَمُفِيدَ حُجَّاجِهَا وَالْقَاطِنِين، عَلَى خُلُقٍ أَرَقَّ مِنْ النَّسِيمِ، وَمُحَيَّا تَعْرِفُ فِيهِ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، وَغَـدَتْ مَجَالِسُهُ بِكُبَرَاءِ أَهْلِ الْعِلْمِ صَبَاحَاً مُشْرِقَاً، وَأَمْسَتْ أَوْقَاتُهُ غَيْثَاً بِالْخَيْرَات مُغْدِقَاً، وَأَذَاعَ أَرِيجَ ثَنَاءِهِ مِسْكُ اللَّيْلِ وَكَافُورُ الصَّبَاح، وَخَجَلَ عِنْدَ ذِكْرِهِ كُلُّ مُنَاظِرٍ مُعَانِدٍ وَكَبْشٍ نَطَّاح، وَوَضَحَ بُرْهَانُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتُعُوِّذَ مِنْ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس، وَنَادِي لِسَانُ الْحَقِّ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيَؤُمْ النَّاس.

وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ (280 هـ) بِبَغْدَادٍ، وَقِيلَ سَنَةَ (264 هـ).

شيوخه:

من تتبع مؤلفاته -رحمه الله-، يرى أن له مشايخ كثيرون، كما ذكره غير واحد من المؤرخين. ومن شيوخه:

• أبومسلم الكجي أو الكشي إبراهيم بن عبدالله (ت292هـ)

• أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه أبوالعباس القطان (ت304هـ)

• أبو شعيب الحداني.

• خلف بن عمرو العكبري.

• أبوخليفة الفضل بن حباب.

• المفضل بن حباب الجندي أبوسعيد الحافظ (ت308هـ)

• هارون بن يوسف بن زياد.

• قاسم بن زكريا المطرز البغدادي (ت305هـ)

• أبوبكر بن أبي داود عبدالله بن سليمان بن الأشعث السجستاني (ت316هـ)

• أحمد بن يحيي الحلواني.

• جعفر بن محمد بن الحسن أبوبكر الفريابي ثم التركي ( ت301هـ)

وغيرهم خلق كثير منهم عبد الله بن عباس الطيالسي وحامد بن شعيب البلخي وأحمد بن سهل الأشناني المقرئ، ومن نظر في كتب الإمام الآجري خاصة الشريعة و تحريم النرد والشطرنج والملاهي وقف على جم غفير غير هؤلاء.

تلاميذه:

نجد بتتبع المصادر التاريخية أنَّ له الكثير من التلاميذ، منهم:

• أبو نُعيم أحمد بن عبدالله الحافظ الأصبهاني، صاحب الحلية (ت 404هـ).

• محمد بن الحسين بن المفضل القطَّان.

• أبوالحسن الحمامي.

• عبدالرحمن بن عمر بن النحاس.

• علي بن أحمد المقرىء.

• محمود بن عمر العكبري.

• أبوالحسين علي بن محمد بن عبدالله بن بشران.

• أبوالقاسم عبدالملك بن محمد بن عبدالله بن بشران البغدادي (ت403هـ(.

وقد ذكر الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ وذلك في الصفحة السادسة والثلاثون بعد المائة التاسعة أنه روى عنه خلق كثير في مكة المكرمة من الحجاج والمغاربة.

مكانته العلمية ومصنفاته :

اتفق المؤرخون على إمامته في الفقه والحديث مع صلاحه وورعه وزهده.

قال الذهبي: الإمام المحدث القدوة، شيخ الحرم الشريف، كان صدوقا خيرا عابدا صاحب سنة واتباع، وقال في العلُوّ: كان الآجُرِّي أثرياً حَسَنَ التصانيف.

قال الخطيب: كان الآجُرِّي ثقةً صدوقاً ديناُ، له تصانيف.

وقال السيوطي: كان عالماً عاملاً صاحب سنة، دينا ثقة.

وقال ابن مفلح الحنبلي: كان من الفقهاء والكبار.

وقال ياقوت: كان ثقة، صنف تصانيف كثيرة، حدث ببغداد، ثم انتقل إلى مكة فسكنها إلى أن مات.

وقال النديم: الفقيه، أحد الصالحين العُباد، كان مقيما بمكة.

مذهبه: كان سلفياً أثرياً محارباً للتعصب المذهبي، وهذا شيءٌ جليٌ واضحٌ في كتبه، وقد تنازع المؤرخون على أي مذهب تفقَه، فمنهم من يقول أنه تفقه على مذهب الشافعي انظر الوفيات لابن خلكان وطبقات الشافعية، ومنهم من يقول أنه تفقه على مذهب أحمد بن حنبل انظر طبقات الحنابلة وشذرات الذهب.

مُصنفاته:


-1 الأربعين في الحديث.

له نسخة مخطوطة في المكتبة الظاهرية 4 ( ق49 – 80(

وله نسخة أخرى قطعة منها في مجموع 27- (ق34-45(

(فهرس المكتبة الظاهرية ص2 (

وذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ ص936.

والتاج السبكي في طبقات الشافعية 3/149.

-2أخبار عمر بن عبدالعزيز.

مخطوط بالمكتبة الظاهرية بدمشق رقم المجموع 30(ورق 1 : 22(

وله صورة في مكتبة الجامعة الإسلامية رقم106.

(فهرس مخطوط الظاهرية / ص2)؟

-3 أخلاق حملة القرآن.

ذكره ابن خير الأشبيلي من " فهرس ما رواه عن شيوخه " ص185 .

-4أحكام النساء.

ذكره ابن النديم في " الفهرست " ص215 .

-5أخلاق العلماء.

وقد طبع هذا الكتاب طبعتين:

- الطبعة الأولى بالقاهرة 1931م.

- الطبعة الثانية بطابع النصر الحديثة بالرياض نشر وتوزيع إدارة البحوث العلمية والإفتاء بتحقيق الشيخ إسماعيل الأنصاري.

-6 التصديق بالنظر إلى الله عز وجل وما أعده لأوليائه.

مخطوط وله نسختان في المكتبة الظاهرية:

أ- من مجموع 21 (ق185-200(

ب- نسخة من آخرها ورقتين في مجموع 116 (ق114-118(

-7الشريعة.

طبع هذا الكتاب في القاهرة سنة 1369 بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي وأعادت طبعه مرة أخرى أخيراً دار الكتب العلمية ببيروت.

-8 الغرباء من المؤمنين.

في وصف حالهم وواجب المسلم في رعايتهم:

مخطوط في الظاهرية رقم4572 (ق48-63(

-9 أدب النفوس.

مخطوط وله نسخة في المكتبة الظاهرية، برقم مجموع حديث 248 (23-29) وغيرها من الكتب الأخرى النافعة.

وله العديد من المصنفات الأخرى منها: " النصيحة" وينقل عنها ابن مفلح صاحب الفروع في الفروع اختياراتٍ حسنة، وله " الثمانين " و " أداب العلماء " و "مسألة الطائفين" و" التهجد" و" فرض العلم" و " صفة قبر النبي صلي الله عليه وسلم" و" مختصر الفقه" و "تحريم النرد والشطرنج" و "ذمُّ اللواط" وذكر بعض المؤرخين أنَّ مؤلفاته تزيد عن هذه التي ذكرت بكثير.

*تأريخ وفاته:

اتفق المؤرخون على وفاة الإمام الآجري في سنة ستين وثلاثمائة (360هـ) بمكة المكرمة.

ونقل التقي الفاسي من "العقد الثمين" عن العلامة ابن رشيد أنه قال في رحلته: " قرأت بخط شيخنا الخطيب الصالح أبي عبدالله بن صالح ما نصه أنه وجد بخط أبي جعفر أحمد بن محمد بن ميمون الطليطلي ما نصه: سألنا أبا الفضل محمد بن أحمد الزاز متى توفي الآجري؟ قال: " توفي -رحمه الله- يوم الجمعة أول يوم محرم سنة ستين وثلاثمائة بمكة المكرمة ودفن فيها وكان قد بلغ من العمر ستاً وتسعين سنة أو نحوها".

قال: وكان يدعو كثيراً ألا تبلغه سنة ستين، فما مضى من أول يوم من السنة إلا ساعة حتى توفي -رحمه الله تعالى-.

**

__________________________________

المصادر:

1- ترجمته في كتاب الشريعة الذي نشرته دار البصيرة.

2- الكوكب الدري في ترجمة الإمام أبي بكر الآجُرِّي الذي نشره أبو الأشبال الهواري في سحاب السلفية.

3- ترجمته في كتاب أخلاق حملة القرآن الذي نشرته دار الكتب العلمية.

4- ترجمته في كتاب أخلاق العلماء الذي أصدرته الدار المصرية اللبنانية.

5- ترجمته في موقع جامع الحديث النبوي، أشمل موسوعة لكتب السنة النبوية.

6- ألف بين جميع هذه التراجم التي ذكرت على عجالة: لقمان بن أبي القاسم الأنصاري.
[/color]
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:45 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.