أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
3225 | 151323 |
#1
|
|||
|
|||
هل يدل فعل العالم على مذهبه؟
بسم الله الرحمن الرحيم.
لما زار علماؤنا فلانا وفلانا، قال بعض الناس فِعْلهم هذا لا يدل على شيء حتى يصرحوا، وقال بعضهم بل فِعلهم يدل على فساد منهج الغلاة في النقد. وليس غرضي من هذا نصرة أحدهما (وإن كان الثاني أسعد بالظاهر)، وإنما غرضي-إن شاء الله- تدارس العلم؛ لذلك نظرت إلى المسألة من حيث كليتها، في مطلبين. المطلب الأول:الدراسة التأصيلية. قال الشاطبي: الاقتداء بالأفعال الصادرة من أهل الاقتداء يقع على وجهين: الأول: أن يكون المقتدى بأفعاله معصوما (وهذا خاص النبي ، والإجماع) الثاني: أن يكون المقتدى بأفعاله غير معصوم، وهم ثلاثة أضرب: 1- أن ينتصب بفعله ذلك لأن يُقتدى به قصدا. كأوامر الحكام ونواهيهم، وأعمالهم في مقطع الحكم. 2- يتعين بالقرائن أنَّ قصدَه بالفعل التعبد، والاهتمام بشأنه دِينًا وأمانة. 3- أن لا يتعين هل فعله لقصد دنيوي ولا أخروي. (1) فالمعصوم والحاكم وحالة الشك لا تعلق لها بمسألتنا، ويتجه الكلام إلى فعل العالم الواقع على جهة التعبد والديانة، قال الشيخ بكر أبو زيد: "طرق معرفة مذهب المجتهد مِن "فعله" الذي فعله تعبداً على سبيل التأسي والاقتداء بصاحب الشرع أو لتعليم السنن". (2) ففعل العالم في هذه الحالة مذهب له؛ "لأَن من شرط المجتهدِ: الوَرَعَ، والعالم الفقيه المتأهل الوَرِع يَبْعُدُ أَن يفعل ذلك إلا على سبيل المتابعة للهدي النبوي". (3) واعترض بعضهم بأن الفعل محتمل، فلا يدل على مذهب الفاعل؛ لأنه "إذا لم يكن معصوما تطرق إلى أفعاله الخطأ والنسيان والمعصية قصدا، وإذا لم يتعين وجه فعله فكيف يصح الاقتداء ؟". (4) والجواب: - أن "الاحتمال لا يخرجها أن تكون دينا، ونحن إنما نريد إثبات الجواز للفعل في نسبتنا ذلك إليه، فإذا ثبت ذلك كان ما ذكرناه سالما". (5) - وأن "غلبة الظن معمول بها في الأحكام، وإذا تعين بالقرائن قصده إلى الفعل أو الترك -ولا سيما في العبادات، ومع التكرار أيضا، وهو من أهل الاقتداء بقوله؛ فالاقتداء بفعله كذلك. (6) - وقد يقال: إن الاحتمال الوارد على الفعل وارد على القول، فلا وجه للتفريق. والراجح -والله أعلم- أن فعل العالم يدل على مذهبه؛ لأن ورعه يجبهه عن السفاسف، قال الشيخ بكر: وهو الحق. (7) وقد أفرد د.عياض بن نامي المسألة في كتاب تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال. المطلب الثاني: الدراسة التطبيقية. سأذكر مُثلا عامة لأفعال العلماء أُخذ منها مذاهبهم، ثم أردفها بأفعال أُخذ منها الجرح أو التعديل. 1- قال ابن القاسم: ورأيت مالكا إذا أصابه التثاؤب يضع يده على فيه وينفث في غير صلاة، قال: ولا أدري ما فعله في الصلاة. (8) 2- قال مطرف: ورأيت مالكاً يعطي قرابته من زكاته. (9) 3- قال سعيد بن منصور: "رأيت مالكاً يطوف وخلفه سفيان الثوري كلما فعل مالك شيئاً فعله يقتدي به". (10) 4- بيع الباقلاء والجوز واللوز في قشره غرر لا يجوز عند الشافعي، قال ابن تيمية: "مع أنه قد اشترى في مرض موته باقلاء أخضر فخُرِّج ذلك له قولا واختاره طائفة من أصحابه". (11) 5- وقد ذكر ابن حامد جملة من أفعال أحمد ثم قال: "ونظائر هذا مذهب له بمثابة جوابه بذلك". (12) ومن أفعالهم في الجرح والتزكية: 1- قال يحيى بن يحيى الليثي: "كنا عند مالك، فاستؤذن لعبد الله بن المبارك بالدخول، فأذن له، فرأينا مالكا تزحزح له في مجلسه، ثم أقعده بلصقه، وما رأيت مالكا تزحزح لأحد في مجلسه غيره". (13) فاستدلوا بفعل مالك على مكانة ابن المبارك. 2- قال أبو مصعب: "رأيت مالك بن أنس طرد عَبد المَلِك لأنه كان يتهم برأي جهم".(14) فاستدلوا بفعل مالك على سقوط عبد الملك بن عبد العزيز. والأمثلة أكثر من هذا. والعلم عند الله تعالى ــــــــــــــــــــ الهوامش: (1) الموافقات: 5/302، وما بعدها بتصرف. ويلاحظ أن الشاطبي يتحدث عن تخريج المذهب من الفعل، ثم الاقتداء به في ذلك. (2) المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد: 1/258. (3) المصدر نفسه: 1/258. (4) تهذيب الأجوبة لابن حامد، ص: 45، الموافقات (مشهور): 5/314. (5) تهذيب الأجوبة، ص: 47. (6) الموافقات (مشهور): 5/315-316. (7) المدخل المفصل: 1/259. (8) المدونة: 1/190. (9) الجامع لمسائل المدونة: 4/171. (10) ترتيب المدارك: 1/78. (11) القواعد النوارنية، ص: 121. (12) تهذيب الأجوبة، ص: 45. (13) سير أعلام النبلاء: 8/420.
__________________
والسلام أبو محمد البهناسي |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|