أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
68909 | 89305 |
#1
|
|||
|
|||
الصِّــــــــراط المستقيـــــــم
الصِّــــــــراط المستقيـــــــم
إنَّ المُتَأمِّلَ لِنُصوصِ القرآن الكريم يرى فيها انتظاماً مُعْجِزاً، ويجد فيها ترابطاً دقيقاً، ويتعايش معها -مِن خِلال ذلك كُلِّه- تعايشاً عميقاً. ذلكم أنَّها كلامُ اللهِ -العظيم القيُّوم- لخلقهِ المحتاجين إليه، المُتَضَرِّعين بين يديه: {أَلا يعلم من خلق وهو اللَّطيف الخبير} [الملك:14]. ولقد جاءَت فاتحةُ الكتاب المُباركةُ إعلاناً واضحاً -لا لَبْسَ فيه- لحقيقةِ هذا القرآن الكريم وغايتِه، والسبب الذي مِن أجلهِ خلق اللهُ الخلقَ، وأرسل الرسل، وأنزل الكُتُب . . . ولقد كان لُبُّ الفاتحةِ الكريمةِ ولُبابُها طلبَ الهداية إلى الصراط المستقيم مِن اللهِ العليِّ العظيم: {اهدنا الصِّراطَ المستقيم} [الفاتحة:6]؛ فما قبلها تمجيدٌ وثناء بين يَدَيْها، وما بعدها وَصْفٌ وبيانٌ لها وإليها. . . ولقد وصف اللهُ -تعالى- عبادتَه بكونها صراطاً مستقيماً: {إنَّ اللهَ ربي وربُّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيم} [آل عمران:51]. ووصف الاعتصام بهِ -جلَّ وعلا- صراطاً مستقيماً: {ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم} [آل عمران: 101] . . . ووصف دعوةَ الإسلام -كلَّها- صراطاً مستقيماً: {وإنّضك لتدعُوهم إلى صراطٍ مستقيم} [المؤمنون:73]؛ وجعل -سبحانه- هذه الدعوةَ –هكذا- واجبةَ الاتباع، وإلى الصراط المستقيم نفسهِ {وأَنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه ولا تتبعوا السُّبل فتفرَّق بكم عن سبيله ذلكم وصَّاكم به لعلَّكم تتَّقون} [الأنعام: 153] . . . هذا هو (الصراط المستقيم) عُلُوًّا، وكمالاً، وتماماً . . . هذا هو (الصراط المستقيم) هدايةً، وشمولاً، وعِظماً . . . هذا هو (الصراط المستقيم) سداداً، وإرشاداً، وامتثالاً . . . . . . فَمَن ضَعُفَ عنه، أو وجد نفسَه دونه، أو استدرك حالَه وقد أضحى بعيداً عنه: فَلْيَرجِع . . . وَلْيتُب . . . وَلْيُغَيِّرْ . . . وَلْيُصْلِحْ . . . ولئن كان مُقَصِّراً في الفعلِ والعَمَل، فلا يُقَصِّر في الدعاءِ، والتضرُّع إلى اللهِ، والابتهال إلى جلال مولاه: أن يصرفَ عنه السُّوء، وأن يردَّه إلى الحقِّ المُبين . . . أمَّا أن يُقصِّرَ في الفعل والعمل، وأن يتقاصَرَ عن الدعاء والتضرُّع، وأن يَقْصُرَ (الحقَّ) على نفسه وذاته وهو غارقٌ في النقيض، ومُغرِقٌ في المُضادِّ: فهي الطَّامةُ المُرْجِفةُ بالويل والثُّبور على أذنابها، وأربابها، وأهليها . . . ولو بعد حين! فكُلُّ هذا السُّمُوِّ في حَدِّ (الصِّراط المستقيم)، ومعناه، ودلالتهِ: يَنْأَى بكُلِّ ذي نَصَفَةٍ -بل كُلِّ ذي لُبٍّ- أن يَجُرَّ هذا المعنى الجليل لواقع نفسِه الذليل؛ لَبْساً للحقِّ بالباطل، وتضليلاً للعامَّة والدهماء بالاندِساس وراءَ هذا الاسم المُشرِق الوضَّاء . . . إنَّ (الصِّراط المستقيم) مناقضٌ تمامَ المناقضة للكذبِ والافتراء، والتهويش والتحريش . . . إنَّ (الصِّراط المستقيم) مُغايرٌ ظهراً لِبَطْنٍ للأنانيَّةِ المُرَّة، والذاتيَّةِ القبيحةِ، والشخصيَّةِ الفجَّةِ . . . إنَّ (الصِّراط المستقيم) مُبطلٌ مِن الجُذور لكلِّ التحالُفات السخيفة، والمقاصد غير الشريفة . . . إنَّ (الصِّراط المستقيم) حقٌّ ويقينٌ، وضِدَّه باطلٌ مُستبين . . . فَلْيَتَّق اللهَ (أقوامٌ!) انتسبوا - بلا حقٍّ- إليه، وهم لا (يتجمّعون) –حقيقةً- عليه... وصدق الله -القائلُ-: {أفمن يمشي مكبَّاً على وجهه أهدى أمَّن يمشي سوياً على صراطٍ مستقيم} [الملك: 22] . . . وصدق نبيُّه محمدٌ –صلى الله عليه وسلم- القائل- تنبيهاً على باطلٍ أُلْبِسَ لبوسَ الحقِّ-: « . . . ويسمُّونها بغير اسمها». والله المستعان . . [«مجلة الأصالة» عدد (53) 15/رجب/1427هـ] فضيلة الشيخ علي بن حسن الحلبي
__________________
ابوحمزة تندي هشام البيضاوي المغربي
|
|
|