أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
55408 169036

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر اللغة والأدب و الشعر - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 07-02-2012, 06:29 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

88.
والنفيُ للوجودِ ثم الصحهْ *** ثم الكمالِ فارْعَيَنَّ الرُّتْبَهْ.

هذه القاعدة توضح أن الأصل في النفي نفي الوجود، فإن تعذر بأن كان الشيء موجوداً، فهو نفي للصحة، ونفي الصحة في الواقع نفي للوجود الشرعي، لأن نفي الصحة يعني نفي الاعتداد به شرعاً، وما لم يعتد به فهو كالمعدوم.
فإذا كان لا يمكن نفي الصحة، بأن كان صحيحاً مع النفي، فهو نفي للكمال.

فقوله: (والنفي للوجود) يعني إذا ورد النفي على شيء فإنه نفي لوجوده (ثم الصحة) ثم: للترتيب يعني إذا لم يمكن نفي الوجود بأن كان المنفي موجوداً فالنفي للصحة (ثم الكمال) يعني إذا لم يمكن نفي الصحة بأن دل الدليل على أن المنفي صحيح كان النفي نفياً للكمال.

قوله: (فارْعَيَنّ الرتبة) ارعين: فعل أمر من المراعاة مؤكد بنون التوكيد، يعني أنك تبدأ أولاً بحمل النفي على نفي الوجود ثم بحمله على نفي الصحة ثم بحمله على نفي الكمال.

ـ إذا قلت: لا خالق إلا الله، فهذا نفي للوجود لأنه ليس هناك أحد يخلق إلا الله عزّ وجل، حتى المشركون الذين أنكروا توحيد العبادة أقرّوا بأن الله هو الخالق.

ـ لا صلاة إلا بوضوء هذا نفي للصحة، لأن الإنسان قد يؤدي أفعال الصلاة بلا وضوء فيكون النفي نفياً للصحة، لكن لو أن أحداً ادعى أنه لنفي الكمال وقال: المعنى: لا صلاة كاملة، قلنا له: لا نحمله على نفي الكمال حتى يتعذر حمله على نفي الصحة.

ـ «لا صلاة بحضرة طعام» [(402)] هذا نفي للكمال، لأن الصلاة موجودة والصحة ثابتة، لأننا نعلم أن هذا الرجل أتى بالصلاة على جميع الشروط والأركان والواجبات، ولم يخل بشيء، لكن لما كانت حضرة الطعام تشغله عن صلاته قال الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - : «لا صلاة بحضرة طعام» أي لا صلاة كاملة، ولا نقول: إنه لنفي الصحة، لأن نفي الصحة يكون لفوات شرط أو لوجود مانع، وهذا غاية ما فيه أنه ينشغل القلب به، وانشغال القلب لا يبطل الصلاة، بدليل أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - حَدَّث أن الشيطان إذا أقيمت الصلاة ولَّى وله ضُرَاط، ثم يرجع يحدِّث المصلّي: اُذْكر كذا، اُذْكر كذا، حتى لا يدري ما صلّى [(403)]. فدل على أن انشغال الفكر لا يوجب بطلان الصلاة.

فإذا جاء النص محتملاً لهذا وهذا، مثل: «لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس» [(404)]، هل المعنى لا صلاة كاملة، أو لا صلاة صحيحة ؟.

نقول: الأصل أن المراد لا صلاة صحيحة، فلا تصح الصلاة في أوقات النهي، إلا صلاة الفريضة، كالمقضية مثلاً، والصلاة التي لها سبب من النوافل على القول الراجح.

وبناء على هذا القول الراجح لو دخل الإنسان المسجد بعد صلاة العصر، فإنه لا يجلس حتى يصلّي ركعتين، لقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلّي ركعتين» [(405)]، فلو ادّعى شخص أن المراد لا صلاة كاملة، قلنا: هذا خلاف الأصل، وكل من يدعي خلاف الأصل فعليه الدليل.

ـ «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» [(406)] هذا نفي للصحة، لا نحمله على نفي الوجود، لأنه قد يوجد من يصلي خلف الصف منفرداً، ولا نحمله على نفي الكمال، لأنه ليس عندنا دليل يدل على صحة صلاة المنفرد خلف الصف، بل ورد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يصلّي وحده خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة [(407)]، تأكيداً للنفي.

وبعض العلماء حمل قوله: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» على نفي الكمال، وقال: لو صلى خلف الصف بلا عذر فصلاته صحيحة، واستدلوا لذلك بدليلين.

الدليل الأول: صحة صلاة المرأة وحدها خلف الصف، قالوا: وما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال، وقد ثبت عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - حين صلى بأنس بن مالك - رضي الله عنه - ومن معه أن المرأة صلت خلف الصف وحدها [(408)] .

__________

ـ[402] انظر: الاختيارات الفقهية ـ البعلي ـ (ص108)، ط: دار العاصمة.
ـ[403] انظر: المختارات الجلية (ص68)، ط: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
ـ[404] انظر: شرح منتهى الإرادات ـ البهوتي ـ (6/182)، ط: مؤسسة الرسالة.
ـ[405] في ص356.
ـ[406] انظر: كتاب «الأصول من علم الأصول» لفضيلة الشيخ المؤلف رحمه الله ص16.
ـ[407] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان (401)، ومسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة (572/89)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
وفيه: «... فليتم عليه» بدل: «... ليبن عليه».
ـ[408] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الاستهام في الأذان (590)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها... (437/129)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #122  
قديم 07-02-2012, 06:37 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

..........................
شرح منظومة أصول الفقه

88
ـ والنفيُ للوجودِ ثم الصحهْ *** ثم الكمالِ فارْعَيَنَّ الرُّتْبَهْ.

الدليل الثاني: أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أدار ابن عباس - رضي الله عنهما - من اليسار إلى اليمين [(409)]. وهو في حال رجوعه من الوراء انفرد عن الصف.

ويجاب عن ذلك: بأن المرأة صلّت خلف الصف وحدها لأنها ليست من أهل المصافة للرجال، بل كلما بعدت عن الرجال فهو أفضل، كما قال النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : «خير صفوف النساء آخرها» [(410)]، فإذا وقفت وحدها فهذا للضرورة.

وأما قضية ابن عباس - رضي الله عنهما -، فإنه لم ينفرد خلف الصف، بل غاية ما هنالك انفراده لحظة مروره لكمال الصلاة.

وظاهر الحديث أنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف ولو لعذر، وقد ذهب إليه بعض العلماء، وقالوا: صلاة الإنسان منفرداً خلف الصف باطلة، ولو كان لعذر.

واختار شيخ الإسلام [(411)]، وكذلك شيخنا عبد الرحمن بن سعدي [(412)] - رحمهما الله - أنه إذا كان لعذر فلا بأس، لأن قوله: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» يدل على وجوب المصافة، والوجوب يسقط بالعجز.

وعلى هذا تكون المصافة في حق هذا الرجل غير واجبة، لأنه عاجز عنها، ولا يشرع له أن يقف بجانب الإمام لأن ذلك مخالف للسنة التي تعتبر شعيرة وهي تقدم الإمام.

وتقدم الإمام له معنى ومغزى، لا مجرد كونه أَمَام الصف، بل حتى يعرف أنه إمام حقيقة؛ فيكون إماماً بالأفعال، وإماماً في المكان ولو تقدم أحد وصلى معه صارا إمامين، وإذا جاء ثالث صاروا ثلاثة أئمة، وهكذا.

ولهذا ليس من المشروع إطلاقاً أن يقف إلى جانب الإمام.

فإذا قال قائل: يجذب أحد الناس ممن أمامه ليصف معه.

قلنا: هذا أدهى وأمر؛ لأن فيه تصرفاً في الغير، واعتداء عليه بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول، وتشويشاً عليه.

ومن مفاسد هذا أيضاً الإخلال بهذا الصف بفتح فرجة فيه، وهي إما أن تبقى مفتوحة، وإما أن يتراصّ الناس فيتحرك كل الصف بدون فائدة.

فهل نقول: إذا كان الأمر كذلك لا تصف مع الإمام، ولا تجذب أحداً ليصف معك، إذاً فلا تصل مع الجماعة ؟.

الجواب: لا، هذا غير صحيح، لأن كونه يوافق الجماعة في الأفعال والاقتداء، ولو صلّى خلفهم وحده، خير من كونه يصلّي وحده لا مع الجماعة، فإنه لو صلّى خلفهم انفرد خلف الصف ولكن لم ينفرد في المتابعة، ولو صلّى وحده لا مع الجماعة، انفرد في الصف والمتابعة، وكلما قلّت المفاسد كان أولى بالمراعاة مما لو كثرت.

مسألة: من ركع دون الصف ودب إلى الصف وهو راكع، فرفع الإمام قبل أن يدخل هذا المأموم الراكع في الصف فما حكمه؟.

والجواب أن نقول: تبطل صلاته.

مسألة: لو أن رجلين جاءا وصلّيا معاً خلف صف فيه فرجة، فما الحكم؟.

والجواب أن نقول: تصح صلاتهما لأنه لا انفراد، ولكن فاتتهما فضيلة إتمام الصف الأول فالأول.

مسألة: رجل ابتدأ صلاته منفرداً خلف الصف، ثم أثناء الصلاة دخل معه آخرون، فهل تبطل صلاته ؟.

الإجابة: إذا ركع ورفع رأسه من الركوع، ولم يدخل أحد معه، بطلت صلاته.

__________

ـ[409] أخرجه البخاري في كتاب الهبة وفضلها، باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج... (2453)، ومسلم في كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبوله توبة القاذف (2770/56)، من حديث عائشة - رضي الله عنها-.
ـ[410] انظر بقية المواضع في: الطرق الحكمية ـ لابن القيم ـ ص294 ـ 295، ط: البيان العربي.
ـ[411] انظر: القواعد الفقهية (3/195)، ط: دار ابن عفان.
ـ[412] انظر: الإنصاف (18/369)، ط: هجر.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #123  
قديم 07-02-2012, 06:43 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

89.
والأصلُ في القيدِ احترازٌ ويَقِلْ *** لغيرِهِ ككشفِ تعليلٍ جُهِلْ.

قوله: (والأصل في القيد احتراز) : يعني أن الشيء إذا جاء مقيّداً فالأصل فيه الاحتراز، لأن هذا هو الفائدة من وجود القيد أن يكون مُخْرِجاً لما لم يَتَحَقَّقْ فيه هذا القيد.

مثال ذلك: قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ}} [النور: 4] فهذا القيد {{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}} يحترز به من غير المحصنات فمن رمي غير محصن فلا حد على القاذف، إنما يعزر لعدوانه فقط، لأن الحد مشروط بقيد الإحْصَان.

ـ وكذلك قوله تعالى: {{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}} [النساء: 92] فإن كلمة مؤمنة قيد للاحتراز من غير المؤمنة هذا هو الأصل.
ـ وكذلك قوله - تبارك وتعالى - : {{وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاََّّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} [النساء: 23] .

عندنا قيدان: الأول في الرَّبائب، والثاني: في النساء.

القيد في الرَّبائب: {{اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ}} والقيد في النساء: {{اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} والأصل في القيد الاحتراز، وعلى هذا فقوله: {{اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} احترازٌ ممن لم يدخل بها، بدليل قوله - تعالى - : {{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}} فصرح بالمفهوم، وعلى هذا فلو أن إنساناً تزوج امرأة، وبقيت عنده خمسة أيام، لكنه لم يجامعها، ثم طلقها، وكان لها بنات من غيره فله أن يتزوج واحدة منهن، لقوله - تعالى - : {{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}}.

وكذلك لو تزوجت بآخر وأتت منه ببنت، فللزوج الأول أن يتزوج هذه البنت لأنه لم يدخل بأمها.

فائدة:

اشتراط الوطء للأم حكمته ظاهرة، لأنه لا تستقر الزوجية استقراراً تاماً إلا بالوطء.

ولهذا اشترط العلماء - رحمهم الله - للإحصان في الزنا أن يكون المحصن قد جامع زوجته [(413)]، وأنه لو عقد على امرأة وخلا بها، وباشرها بغير جماع لم يكن محصناً، فلو زنى بعد ذلك لم يرجم، لأن الاستقرار التام بين الزوجين إنما يكون بالجماع.

بقي عندنا القيد الآخر: {{اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ}} [النساء: 23] فهل هذا احتراز؟. نقول: نعم، الأصل أنه احتراز، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الرَّبِيْبَة لا تَحْرُم إلا إذا كانت في حجر زوج أمها، وإلا فلا تحرم.

ولكن الصحيح أن هذا القيد غير معتبر ولا مفهوم له، كما سيأتي [(414)] بيانه إن شاء الله.
(وَيَقِل لغيره ككشف تعليل جهل) : (يقل لغيره) يعني يقل أن يكون القيد لغير احتراز، ككشف التعليل المجهول، هذا مثال للقليل.

ـ ومثاله في الآية: {{وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ}} [النساء: 23] هذا قيد ولكنه ليس باحتراز، ولهذا لم يذكر الله مفهومه كما ذكر مفهوم قوله: {{اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} [النساء: 23] فدل هذا على أن مفهومه غير معتبر، وأن هذا القيد ليس قيداً يُخْرَجُ به عن الحكم ما خالفه، وإنما الفائدة منه بناءً على الغالب، وإشارةً إلى الحكمة من تحريمها؛ يعني أنها في حجرك كالبنت فكيف تتزوجها؟! بخلاف أمّ الزوجة فإنه بمجرد العقد على امرأة تكون أمّها حراماً.

قوله - تعالى - : {{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}} [البقرة: 21] فقوله: {{الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}} هل هذا قيد معتبر بمعنى أن يكون هناك إله ليس الخالق لنا؟.

نقول: لا، لكن هذا لبيان العلة؛ يعني: أمرناكم أن تعبدوا الله، لأنه خلقكم والذين من قبلكم.

ـ قوله - تعالى - : {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}} [الأنفال: 24] فقوله: {{لِمَا يُحْيِيكُمْ}} هذا القيد لبيان العلة؛ يعني: لا يدعونا - صلّى الله عليه وسلّم - إلا لما يحيينا، وليس قيداً يُخْرج ما إذا دعانا لغير الإحياء، لأنه لا يمكن أن يدعونا الله ورسوله إلا لما فيه الحياة.

ـ قوله - تعالى - : {{وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}} [النور: 33] فإن هذا القيد للتعليل كأنه يقول لا تكرهوهن على البغاء لأنهن يردن التحصن.

الخلاصة: أن الأصل في القيد أنه معتبر وأنه للاحتراز المُخْرِج لما لم يتحقق فيه هذا القيد ولكنه يقل لغير احتراز.

ولو اختلف اثنان في كون القيد احترازياً أو تعليلياً فإن الأصل مع من قال: إنه احترازي، ومن ادعى غيره فعليه الدليل.

_________

ـ[413] رواه أبو داود في كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه رقم (4380)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (2413) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم -.
ـ[414] أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب ثمن الكلب (2123)، من حديث أبي جحيفة - رضي الله عنه - ولفظه: «إن رسول الله نهى عن ثمن الدم...» الحديث.
قال الحافظ: «والمراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير وهو حرام إجماعاً؛ أعني بيع الدم وأخذ ثمنه».
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #124  
قديم 07-02-2012, 06:48 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

90.
وإنْ تَعَذَّرَ اليقينُ فارجِعَا *** لغالبِ الظنِّ تكنْ مُتَّبِعَا.

هذه أيضاً قاعدة مهمة: إذا تعذر اليقين وجب الرجوع إلى غلبة الظن.

فقوله: (وإن تعذر اليقين) أي: صار لا يمكن الوصول إليه.

(فارجعا) الألف عوض عن نون التوكيد، وأصلها فارجعن.

(لغالب الظن تكن متبعاً) : أي تكن متبعاً لما قاله العلماء، وهذه القاعدة يعبر عنها بقولهم: «إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن».

ـ ودليل هذه القاعدة قوله - تعالى - : {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وقوله - تعالى - : {{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}} [البقرة: 185]. ومن اليُسْرِ: البناء على غلبة الظن عند تعذر اليقين.

مثال ذلك: إذا شك في صلاته هل صلى ثلاثاً أو أربعاً ؟ فقد تعذّر عليه اليقين فيرجع إلى غلبة الظن بالتحري لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه» ولأن اليقين قد يتعذّر فيكون الرجوع إلى غلبة الظن ضرورياً.

وإن لم يكن غلبة ظن رجعنا إلى الأصل، وهو البناء على اليقين، وعدم المشكوك فيه، لأن مراتب إدراك المعلومات خمس: علم، وجهل، وظن، وَوَهْم، وشك.

العلم: ما لا يحتمل سواه، مثل أن أَعْلَم أن الواحد نصف الاثنين.
الجهل: وهو ضد العلم، سواء كان جهلاً بسيطاً أو مركباً.
الظن: هو أن أظن الشيء على ما هو عليه في ظني [(415)]، مثاله: رجل كان يطوف بالبيت ومع الزحام والشدة غفل عن عدد الأشواط، فهنا اليقين متعذر، فنرجع إلى غلبة الظن.
الوَهْم: وهو ضد الظن، يعني الطرف المرجوح، فلا يعمل به.
الشك: وهو ما تساوى فيه الأمران.

مثال ذلك:

ـ رجل تيقن عدد الأشواط وأنها سبعة، فهذا رجع إلى اليقين.
ـ رجل آخر طاف وتردد: هل أَكملَ أو لا، ولكن يغلب على ظنه أنه أكمل، فهنا يبني على ظنه على القول الراجح.
ـ رجل يقول: أنا يغلب على ظني أني طفت ستة أشواط، ويمكن أن أكون قد طفت خمسةً، فالوهم هو الخمسة، فهذا لا عبرة به.

أما الشك: فهو ما تردد فيه على السواء، ولم يترجح عنده شيء، فإنه يرجع إلى اليقين الذي هو البناء على الأقل فيأتي بالشوط المشكوك فيه.

لكن هنا يجب أن نرجع إلى القاعدة السابقة، وهي قول الناظم:

وكل معلوم وجوداً أو عدم *** فالأصل أن يبقى على ما قد عُلِم.

فمثلاً: لو شك الإنسان هل أدّى الزكاة أو لا، ولم يتيقن أنه لم يؤدِّها، ولا أنه أدَّاها، لكن غلب على ظنه أنه أدَّاها، فهنا نقول: لا عبرة بغلبة الظن، لأن الرجوع إلى غلبة الظن هنا ينافي قاعدة: أن الأصل في المعدوم العدم، ونقول: يلزمك أن تزكي مالك، لكن له أن يتأنى حتى يتذكر، وإذا فعل ذلك، مع اللجوء إلى الله - تعالى - في طلب الحق، فإن الله - تعالى - ييسره له.

مسألة: هل من هذا ما لو غلب على ظنه أنه أَحْدَث وهو متطهر؟.

والجواب أن نقول: لا؛ لأنه هنا لم يتعذر اليقين، وهو البقاء على الطهارة، فلا يرجع إلى غلبة الظن.

مسألة: هل يرجع إلى غلبة الظن في جميع العبادات إذا تعذر اليقين؟.

والجواب أن نقول: نعم، في جميع العبادات؛ فلو ظن أنه طاف سبعة أشواط فهو كذلك، أو ظن الإسباغ في الوضوء لكفى، أو التطهير في الاستنجاء.

والدليل على هذا حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: «فَلْيَتَحَرَّ الصواب ثم ليبنِ عليه»
[(416)].
_________

ـ[415] انظر: المغني (12/438 ـ 439)، ط: هجر.
ـ[416] أخرجه البخاري في كتاب اللقطة، باب ضالة الإبل (2295)، ومسلم في كتاب اللقطة (1722/1)، من حديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #125  
قديم 07-06-2012, 05:13 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

91.
وكلُّ ما الأمرُ بِهِ يَشْتَبِهُ *** من غيرِ مَيْزٍ قُرعةٌ تُوْضِحُهُ.

هذا البيت يحتاج إلى إعراب:

(كل) : مبتدأ، (ما) : اسم موصول، (الأمر) : مبتدأ (يشتبه) : خبر المبتدأ. والجملة من المبتدأ والخبر صلة الموصول. (من غير ميز) : الجار والمجرور في موضع الحال، يعني حال كونه غير مميز.

(قرعة) : مبتدأ، (توضحه) : خبر قرعة، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر للمبتدأ الأول وهو (كل).

ومعنى البيت : إذا اشتبه شيئان من غير تمييز بينهما، فإننا نرجع إلى القرعة، بشرط ألا تخرج مخرج الميسر؛ فإن خرجت مخرج الميسر فإنها لا تجوز، لأنها تكون ميسراً، أما مع التمييز والترجيح فنأخذ بما ترجح وتميز بدون قرعة.

وهذه القاعدة مأخوذة من الكتاب والسنة:

أما الكتاب: فإن الله تعالى ذكر القرعة في موضعين من كتابه: الموضع الأول في قصة مريم حيث قال: {{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}} [آل عمران: 44].

وأما الموضع الثاني: ففي قصة يونس عليه السلام حينما خرج من قومه مُغَاضِباً، ثم ركب سفينة، فثقلت بهم السفينة فاضطروا إلى أن يلقوا بعض مَنْ فيها، فقاموا بالقرعة، ولهذا قال الله تعالى: {{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ *}} [الصافات: 141] .

وأما السنة فقد جاءت القرعة في ستة مواضع:

منها : قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» [(417)].

ومنها: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها» [(418)] [(419)].

والعلماء - رحمهم الله - طَرَدُوا هذا وقالوا: هذه أمثلة لا تعطي الحصر، فكل ما اشتبه فيه الأمر بدون تمييز، وبدون أن يخرج مخرج الميسر، فإن القرعة تجري فيه.

ومن العلماء من أنكر القرعة مطلقاً وقال: إنها شبيهة بالميسر، لأن الإنسان لا يدري ما حظه. ولكننا نشترط أن لا تخرج مخرج الميسر، فإن خرجت مخرج الميسر منعت.

مثال ما خرجت فيه القرعة مخرج الميسر: رجلان مشتركان في حبوب، والشركة نصفان، فاقتسما هذه الحبوب على ثلث وثلثين وقالا: نريد أن نخرج سهم أحدنا بقرعة، فهذا حرام لا يجوز، لأنه يؤدي إلى أن يكون أحدهما غارماً، والثاني غانماً، فيكون هذا حراماً.

لكن لو قَسَمْنا هذه الحبوب نصفين وقلنا نأخذ بالقرعة جاز؛ لأنه لا تمييز بأن هذا النصف لفلان أو لفلان إلا بالقرعة، ولم تخرج القرعة مخرج الميسر.

ومن أمثلة ما تجري فيه القرعة على وجه جائز: ما لو تشاح رجلان في الأذان، وليس أحدهما المؤذن الراتب، فاستعرضنا أداءهما للأذان ووجدناهما سواء، أو متقاربين، فإننا هنا نُقْرع بينهما، فإن كان أحدهما أرجح من الآخر، إما بالصوت، وإما بالأداء، وإما باختيار الجيران له، فإننا لا نحتاج إلى قرعة؛ لأن أحدهما تميز عن الآخر، واشترطنا في البيت (من غير ميز) ؛ فإن كان لأحدهما تميّز فإنه لا قرعة ويؤخذ بالأفضل؛ لأننا لو أجريناها وخرجت للأدنى، كان ذلك خيانة حيث وَلَّيْنا مَنْ غيرُه أحق منه.

وقد ذكر ابن رجب رحمه الله قاعدة القرعة من أول الفقه إلى آخره في آخر كتابه القواعد على وجه لا تكاد تجدها مجموعة في كتاب آخر [(420)].

مسألة : من شارك آخر في حب، فكان نصفه في السوق ليباع، والآخر في المزرعة، فهل للشريكين إجراء القرعة على ما في السوق، لأن صاحبها سيوفر على نفسه مؤونة نقل الحب الذي في المزرعة إلى السوق؟

والجواب أن نقول: لا يجوز الاقتراع على هذا، ولكن إن تراضيا، فليتنازل أحدهما للآخر بلا قرعة.

مسألة: ما حكم إجراء الإنسان القرعة لنفسه إذا تردد في أمر بعد صلاته الاستخارة، فيجري القرعة كما يفعل البعض بكتابة ما تردد فيه في أوراق، ثم يختار منها؟.

والجواب أن نقول: هذا من باب الاستقسام بالأزلام التي نهى الله عنها، وإنما يستخير ثانية أو يستشير.

_____________

[417] أخرجه مسلم في كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره... (1688/8)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
ـ[418] انظر: الإنصاف (25/555)، ط: هجر.
ـ[419] انظر: الإنصاف (26/470)، ط: هجر.
ـ[420] انظر: كشاف القناع ـ البهوتي ـ (2/204)، ط: دار إحياء التراث العربي.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #126  
قديم 07-06-2012, 06:04 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

92.
وكلُّ مَنْ تَعَجَّلَ الشيءَ عَلَى *** وجهٍ مُحَرَّمٍ فمنعُه جَلا.

(جلا) : أي ظهر.

(كل) : مبتدأ، وخبره جملة (فمنعه جلا) . واقترنت بالفاء لأن (كل) من صيغ العموم، وإذا كان المبتدأ عاماً صار شبيهاً بالشرط في عمومه، فجاز اقتران خبره بالفاء.

وهذا البيت أيضاً من القواعد : أن كل من تعجل شيئاً قبل أوانه، على وجه محرّم، فإنه يعاقب بحرمانه، وذلك لأن نعم الله عزّ وجل لا تنال بمعصيته.

وهذا من حكمة الشريعة، لأنه لو أبيح لإنسان أن يتعجل حقه على وجه محرّم، لانتهكت الحرمات؛ لأن النفوس مجبولة على الطمع والجشع، فإذا منع الإنسان من حق تعجله على وجه محرّم، فإن ذلك يردعه عن فعل المحرّم، وللقاعدة أمثلة:

ـ منها: القاتل لمورثه لا يرثه : فلو أن رجلاً له ابن عم غني، وكان محتاجاً وهو وارث الغني، فقتله من أجل أن يرث ماله، فهذا قد تعجل شيئاً قبل أوانه على وجه محرّم، فيمنع منه لأن أوان إرثه بعد وفاة مُوَرِّثَه، بخلاف ما لو قتل مُوَرِّثَه قصاصاً، فإنه يرثه لأن هذا على وجه مباح.

ـ لو أن رجلاً قتل أباه، ولهذا القاتل أخ، فمن الذي يرث الأب؟ نقول: الابن الذي لم يقتل، ثم إن الابن الذي ليس بقاتل قتل أخاه قصاصاً، فهل يرث أخاه أو لا؟ نقول: نعم يرثه، لأنه قتله بحق وليس على وجه محرّم.

فإن كان القتل خطأً، يعني ليس قصاصاً ولا عمداً، كرجل يقود السيارة بأخ له وحصل حادث، ومات الأخ فهل يرثه أخوه السائق؟ نقول: المشهور من المذهب أنه لايرثه [(421)]، لاحتمال أن يتعمد الإنسان القتل ويقول: إنه أخطأ؛ فسداً للباب، نقول : لا يرث.

والقول الثاني: أنه يرث، لكن لا يرث من الدية، بل يرث من ماله الأول، أما الدية فهي على القاتل، وتكون لبقية الورثة.

فإذا قال قائل : لماذا وَرَّثْتُم قاتل الخطأ؟ قلنا: لأنه لم يتعجل القتل، لكنه حصل بغير اختياره، فلم نمنعه من الإرث.

ـ إنسان أوصى لشخص، قال: إذا مت أعطوا فلاناً خمسة آلاف ريال، ثم إن الموصى له استبطأ موت الموصِي، وهو محتاج لهذه الدراهم، فذهب وقتله فهل يستحق شيئاً من الوصية؟ نقول: لا، لأنه تعجل شيئاً قبل أوانه على وجه محرّمٍ، فيعاقب بحرمانه.

أما من تعجل الشيء على وجه مباح، فإنه لا يعاقب بالحرمان.

ـ لو أن إنساناً فقيراً طلب من غني أن يعجل زكاته ويدفعها إليه، ففعل الغني، فإننا لا نحرم الفقير لأنه تعجلها قبل أوانها، إذ إن تعجلها هنا على وجه مباح؛ لأنه يجوز تعجيل الزكاة لحولين.

وكذلك من تعجل استيفاء دَيْنِه من المدين، على أن يضع له منه جاز ذلك.

وكذلك تعجيل المرأة نفقتها من زوجها مثل ذلك.

وكذلك أن يكون لشخص حق في بيت المال يعطاه كل شهر فيتعجل ذلك قبل حلوله فلا بأس.

مسألة : لماذا لا يرث القاتل خطأ من الدية مع أنه من الورثة؟.

والجواب أن نقول : لأن الدية تلزمه هو، ولا يمكن أن يرث من نفسه.

مسألة : هل يجوز للقاتل خطأ أن يدفع الدية لبقية الورثة مما ورثه هو من مال هذا المقتول القريب له؟.

والجواب أن نقول: نعم، لأنه من ملكه.

مسألة : من قُتِل له قتيل فهل له أن يباشر قتل القاتل في القصاص؟.

والجواب أن نقول : نعم، لأن القتل من حق أولياء المقتول، وهذا إذا حكم القاضي أنه يستحق القصاص فله قتله، لكن عمل الناس اليوم ليس على هذا، بل على أن الذي يتولى القصاص ولي الأمر، لأنهم يخشون من أشياء تقع كالتمثيل أو يقتل أولياء المقتول هذا القاتل بآلة كالة أو ما أشبه ذلك، فرأوا أن يتولى ولي الأمر القصاص بنفسه.

مسألة : من حصل عليه حادث ومات مَنْ معه وكان سبب الحادث تفريط من السائق فهل يرث السائق من مات معه لو كان قريباً له؟.

والجواب أن نقول : لا، إذا ثبت أنه بتفريط من السائق.

___________

ـ[421] أخرجه أحمد (5/218)، وأبو داود في كتاب الصيد، باب في صيد قطع منه قطعة (2858)، والترمذي في كتاب الأطعمة، باب ما قطع من الحي فهو ميت (1480)، من حديث أبي واقد - رضي الله عنه -.
وقال الترمذي: «حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن أسلم». وصحّحه الحاكم على شرط البخاري ووافقه الذهبي.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #127  
قديم 07-06-2012, 06:24 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

93.
وضاعفِ الغُرْمَ على مَنْ ثَبَتَتْ *** عقوبةٌ عليه ثم سَقَطَتْ
94 ـ لمانــــعٍ كسارقٍ مِنْ غيرِ مــا *** مُحَرَّزٍ ومَنْ لضالٍ كَتَما.

هذه القاعدة تعني أن كل من ثبتت عليه عقوبة لتمام شروطها ثم سقطت لمانع فإنها تسقط العقوبة، لكن يضاعف الغرم على فاعل المعصية بحيث يضمن القيمة مرتين.

مثاله:

قوله: (كسارق من غير ما محرز) : يعني لو أن إنساناً سرق مالاً من غير حرز، فهنا لا يثبت عليه القطع وهو العقوبة، لأن من شروط وجوب القطع أن تكون السرقة من حرز، فإذا لم تكن من حرز، فلا يجب قطع السارق، لأن التفريط من رب المال، لكن يضاعف عليه الغرم كما جاء في ذلك حديث عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -[(422)]، وإنما يضاعف الغرم لأنه سرق من غير حرز فوجود المانع وهو كون المال غير محروز منع من القطع.

مثاله : سرق سارق حليّاً من البيت معلقاً على الجدار، فهذا قد سرق من غير حرز، لأن الذهب لا يحرز بمثل هذا، لا بد أن يكون وراء الأغلاق الوثيقة وفي الصناديق.

فنقول : هذا السارق لا تقطع يده، لأنه سرق من غير حرز، لكن يضاعف عليه الغرم، إذا كان هذا الحُلي يساوي عشرة آلاف ريال مثلاً نضمنه عشرين ألفاً، وإذا كان الحُلي موجوداً أخذناه وقلنا عليك عشرة آلاف.

لو قال: اقطعوا يدي ولا تأخذوا مني عشرة آلاف، فإننا لا نفعل ذلك، لأنه لا يملك أن يقطع عضواً من أعضائه، ثم إن هذا العضو يريد أن يجعله عوضاً عن مال، والآدمي الحر لا يُعَوّض عنه بمال، ولهذا نقول: إن الذين يبيعون أعضاءهم كالكلى أخطؤوا من وجهين:

الوجه الأول: نزع الكِلْيَة من أبدانهم.

الوجه الثاني: أخذ عوض عنها، مع أنها جزء من الحر لا تباع.
وإنما قلنا إنهم أخطؤوا من هذين الوجهين، لأن الإنسان لا يمكن أن يتصرف في نفسه إلا بإذن الله. وأين إذن الله أن تُعطي كلية من كليتيك لفلان، ثم إذا أُخِذَتْ هذه الكلية فربما يكون هذا سبباً لتعطيل الكلية الأخرى فتهلك، ولو بقيت الكلية التي أعطيتها فلاناً في مكانها لتساعدت مع الأخرى؛ وإذا تعطلت التي قدرنا أنها بقيت قامت الثانية مقامها، فالأمر خطير.

ثم إن زرعها في المريض ليس مضمون النجاح، قد تزرع ولكن لا تدوم، وأخذها من صاحبها مفسدة محققة، فلا نرتكب مفسدة محققة لمصلحة غير محققة، لكن لو وجد الإنسان هذا العضو مبذولاً، فهنا قد نقول: إنه يجوز أخذه بعوض.

فإن قال قائل: ما تقولون في التبرع بالدم أتمنعونه؟.

قلنا: لا نمنعه؛ لأن الدم ليس جزءاً من الإنسان، بدليل أنه يأتي دم بدله في الحال، فليس كأخذ العضو.
فإن قيل: هل يجوز أن يأخذ عن هذا الدم عوضاً ؟.

قلنا: لا، لأن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - نهى عن ثمن الدم [(423)]، فلا يجوز أخذ العوض عنه.

إذاً السارق من غير حرز لا قطع عليه، ولكن تضاعف عليه القيمة.

وقال بعض العلماء: إن الغرم لا يضاعف إلا في سرقة التمر على رؤوس النخل والكَثَر الذي هو جُمَّارُ النخل [(424)] ، لكن هذه القاعدة تقتضي العموم.

_________

ـ[422] أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء (233)، من حديث ميمونة - رضي الله عنها -.
ـ[423] انظر: شرح ديوان المتنبي ـ لعبد الرحمن البرقوقي ـ (3/151)، ط: دار الكتاب العربي.
ـ[424] المغني (13/281)، ط: هجر. وانظر: الشرح الممتع (1/98)، ط: ابن الجوزي.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:55 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.