أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
85530 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-19-2019, 09:44 PM
د. عماد البعقوبي د. عماد البعقوبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: العراق
المشاركات: 42
افتراضي خطبة فرض الزكاة وزكاة الزروع والثمار

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة
فرض الزكاة وزكاة الزروع والثمار:

الخطبة الأولى:

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله صلَّى الله وسلّم تسليما كثيرا عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وأهل السنّة إلى يوم الدين... [ إلخ خطبة الحاجة ].

أمّا بعد:

فإبراء للذمة وأداءً للنصيحة، أذكركم بفريضة الزكاة التي تساهل بها كثير من المسلمين فلم يخرجوها على الوجه المشروع مع عظم شأنها، أردت أن أبيِّن منزلة هذه العبادة العظيمة، والفريضة المحكمة، والركن الثالث من أركان الدين..

فاعلموا عباد الله أنَّ الزكاة فريضة من فرائض الإسلام وهي أحد أركانه، وأهمُّها بعد الشهادة والصلاة، وقد دلَّ على وجوبها كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وإجماع المسلمين، فمن أنكر وجوبها فهو كافر مرتدٌّ عن الإسلام فإن تاب وإلا قتله إمام المسلمين أو من ينيبه ويكون قتله حدًّا، ومن بخل بها أو انتقص منها شيئا فهو من الظالمين المستحقِّين لعقوبة الله عزَّ وجلَّ قال الله جلَّ وعلا: { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَللهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ( ).

وقد قرنها الله جل وعلا في كتابه في ثلاثة وثمانين موضعا منها قوله سبحانه وتعالى: { وأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ } ( ).
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ } ( ).
وقال تعالى: { وَرَحْمَتِيْ وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِيْنَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةِ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } ( ).
وقال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } ( ).

وأمَّا أدلَّة وجوبها من السنَّة النبويَّة المطهَّرة فكثيرة جدا منها ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( بني الإسلام على خَمْس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً )) ( ).

ومنها عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: (( إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ )) ( ).

وكذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِياً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: (( تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا )) ( ).

وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( ما من صاحب ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )). قيل يا رسول الله فالإبل قال: (( ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاعٍ قرقرٍ أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحداً تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مرَّ عليه أولاها رُدَّ عليه أُخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )). قيل يا رسول الله فالبقر والغنم قال: (( ولا صاحب بقرٍ ولا غنمٍ لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاعٍ قرقرٍ لا يفقد منها شيئاً ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مرًّ عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )) ( ).

وأمَّا الإجماع فقد أجمع المسلمون على وجوب ادائها وفرضيتها، فلا مسوغ ولا عذر ولا وجه لمن بخل بها، وقصر في أدائها، فكما أن الصلاة فرض من الله فرضه عليك أيها المسلم فكذلك الزكاة هي فرض من الله فرضه عليك، فلا تكوننَّ ممن يؤمن ببعض ويكفر ببعض..

فعلى المسلم كلَّ مسلم وجبت عليه أن يحافظ عليها كما يحافظ على الصلاة، وأن يؤدِّيها فهي حقُّ الله تعالى، وأن تجود نفسه بما عنده؛ لأنَّ الذي بيديه إنَّما هو مال الله تعالى استودعه عند بعض عباده لينظر كيف يعملون فيه.
وها نحن في موسم الحصاد وقد أنعم الله على اهل هذه البلدة بعم وعظيمة، وصب عليهم خيرا كثيرا، وآتاهم رزقهم ضعف ما كان يأتيهم، فلؤدِّ المسلم حق الله فيما آتاه، وليطب بها نفسا، ولا يبخل بها، وليفرح في ادائها، ولينشرح بها صدره فإنها قربة، وطهور له، ورحمة، ولا يغترَّ بجمع الأموال ومنع حقِّها، فهو سيتركها ويرحل عنها ليس معه إلا عمله.

قال أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاَثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ )) ( ).
ولله در القائل: البسيط
أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها
وَدورُنا لِخرابِ الدَهرِ نَبنيها

واعلموا عباد الله أن من البخل بها ومنعها هو اعتداء على الله وعلى عباده، وممَّا يسبب العقوبة في الدنيا بالخوف وفقد الأمن، والجوع وقلة البركة، وخراب الديار وغير ذلك، وأما في الآخرة فما توعد الله على ترك فريضة بعد التوحيد مثل ترك الزكاة، فالوعيد في تركها عظيم، وأنواع العذاب التي خوفنا الله بها من ترك الزكاة في كتابه وخوفنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثير..

منها قول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ * } [التوبة: ٣٤ - ٣٥ ].

ومنها قول الله جل وعلا: { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل: ١١٢ ].

ومنها قصة أصحاب الجنة التي قصها الله علينا قال الله تعالى: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ } [ القلم: ١٧ - ٣٢ ].

فأصحاب البستان عزموا على حرمان المساكين من الصدقة فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بخلاف قصدهم، قال العلامة ابن كثير: [هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وأعطاهم من النعمة الجسيمة، وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة، ولهذا قال تعالى: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ } أي: اختبرناهم { كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ } وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه { إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } أي: فيما بينهم ليجذُنَّ ثمرها ليلاً لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء { وَلَا يَسْتَثْنُونَ } أي: فيما حلفوا به، ولهذا حنثهم الله في أيمانهم فقال تعالى: { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ } أي: أصابتها آفة سماوية { فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ }.

ومن السنة عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ، لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قَطُّ، وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَسْتَنُّ عَلَيْهِ بِقَوَائِمِهَا، وَأَخْفَافِهَا، وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ، لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ، وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِقَوَائِمِهَا، وَلَا صَاحِبِ غَنَمٍ، لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ، وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا، وَلَا صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يَفْعَلُ فِيهِ حَقَّهُ، إِلَّا جَاءَ كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ، فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ، فَيُنَادِيهِ: خُذْ كَنْزَكَ الَّذِي خَبَأْتَهُ، فَأَنَا عَنْهُ غَنِيٌّ، فَإِذَا رَأَى أَنْ لَا بُدَّ مِنْهُ، سَلَكَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَيَقْضَمُهَا قَضْمَ الْفَحْلِ » قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلَ: ثُمَّ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا حَقُّ الْإِبِلِ؟ قَالَ: « حَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا، وَإِعَارَةُ فَحْلِهَا، وَمَنِيحَتُهَا وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ » [ رواه مسلم ].

أحبتي في الله نحتاج أن نغمض عيننا قليلا عن الدنيا وزينتها ومتاعها، ونفتح عيننا على الأخرة؛ لنرى أن ما نبخل به ونجمعه إنما هو قطعة من النار ندخرها لنحترق بها، وعذاب ندخره لأنفسنا، فليتق الله كل مسلم، وليجعل غايته ومكسبه ومطلبه الدار الباقية، ولا تغره الدار الفانية، فكم من مصل معنا صلى العام الماضي وسمع التذكير بالزكاة، واليوم ترك ما جمع وأفضى إلى ما قدم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله مستحق الحمد والحمد لله أهل أن يعبد وأهل أن يحمد أحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه لا احصي ثناء عليه كما هو سبحانه أثنى على نفسه..
والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، المبعوث رحمة للعالمين وحجة على الخلق أجمعين وعلى أزواجه وذريته وآله وصحبه أجمعين..
وبعد:
أحبتي في الله إن قضية الزكاة قضية تعبدية، وتقوى وتقرب إلى الله عز وجل، فلا مكان فيها للنفس وحظوظها، ولا للدنيا وغرورها، بل ينبغي أن تكون خالصة لوجه الله لا يتبعها منٌّ ولا أذى، ولا يخالطها طمع أو محاباة، وأعظم من ذلك التحايل على شرع الله، هذا من أعظم الذنوب، ومن أمبر الجرأة على الله تعالى، وهو من أعمال اليهود والمنافقين، فلا يجوز للمسلم أبدا أن يتحايل على إخراج زكاته، أو يتهرَّب ويصطنع الحيل لذلك، فهذا من المحرمات، ولا يجوز بأي وجه من الوجوه، فليتقِ الله من فعل ذلك، فإنه إن كذب على الناس فكيف يكذب على الله: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء: 142 ].
لذلك يحرم على المسلم أن يفر من أداء الزكاة بأي وسيلة كانت؛ لأن ذلك من الحيل المحرمة في الشرع، وقد نعى الله سبحانه وتعالى تحيل اليهود لانتهاك المحرمات فقال تعالى: { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [ الأعراف: 163 ].
وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: « لا ترتكبوا ما ارتكبت يهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل » رواه ابن بطة في إبطال الحيل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي وغيره تارة ويحسنه تارة وقال الشيخ الألباني: [ وحسن إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير ].
وممَّا يتعلق بزكاة الزروع والثمار، وممَّا يكثر السؤال عنه والحاجة إليه هو مسألة تكاليف الزرع، وقد فصل في هذه المسألة سماحة الشيخ ضياء الدين الصالح وفقه الله وحفظه ونفع به، فسأنقل نصل فتواه ففيها تفصيل كاف وواف في المسألة:
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد اجمع الفقهاء على وجوب الزكاة في الزروع والثمار يوم حصاده، وجمهور الفقهاء على ان نصابها خمسة أوسق، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه:《 ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة 》، والوسق ستون صاعاً، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، والصاع النبوي يعادل نحواً من ( ٢١٥٦ غراماً )على خلاف؛ فيكون النصاب ستمائة وسبعة وأربعين كيلو غراماً تقريبا، ويجب فيما سقي بماء السماء أو الماء الجاري على الأرض الذي لا يحتاج في نقله إلى كلفة العُشر، ونصف العُشر فيما سقي بالنواضح، أو المكائن واحتاج في نقله إلى كلفة، لقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري وغيره :((فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ)) ومعنى عثريا: ما يشرب من غير سقي إما بعروقه أو بواسطة المطر والسيول والأنهار وهو ما يسمى بالبعل.
وأما ما ينفقه الفلاح من ماله على البذر والسماد والحرث والتنقية والحصاد وغير ذلك من التكاليف والنفقة على الزرع ؛ فقد اختلف العلماء في خصمها مِن الزرع المُزَكَّى قبل إخراج زكاته على ثلاثة اقوال :
القول الاول: أنها لا تخصم من المحصول، ويجب عليه إخراج زكاة الجميع؛ وهو قول أكثر أهل العلم ومنهم الائمة الأربعة المتبوعين ، وهو مذهب ابن حزم الظاهري حيث قال في المحلى : (لا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سُنَّة ثابتة،... وهذا قول مالك والشافعي وأبى حنيفة وأصحابنا).
قال الكمال بن الهمام – رحمه الله تعالى-في فتح القدير: (وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر لا يحتسب فيه أجر العامل ونفقة البقر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤونة، فلا معنى لرفعها).
وقال ابن عابدين -رحمه الله تعالى- في رد المحتار:(يجب العشر - فيما سقت السماء -، ونصفه - فيما سقي بالنضح - بلا رفع أجرة العمال ونفقة البقر، وكري الأنهار، وأجرة الحافظ، ونحو ذلك).
وقال ابو الوليد الباجي المالكي- رحمه الله تعالى- في شرح الموطأ: (وعلى رب الزيتون والحيوان أن يحتسب في ذلك بما استأجر منه، وبما علف وأكل فريكا من الحب، لأن الزكاة قد تعلقت به بعد بدو صلاحه، ووجب عليه تخليصها بماله، فما استأجر به على تخليصها منه، فهو من حصته).
وقال الامام النووي –رحمه الله تعالى- في المجموع:( قال أصحابنا: ومؤونة تجفيف التمر وجذاذه وحصاد الحب وحمله ودياسه وتصفيته وحفظه وغير ذلك من مؤونة تكون كلها من خالص مال المالك لا يحتسب منها شيء من مال الزكاة بلا خلاف).
وقال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله تعالى- في المغني: (والمؤونة التي تلزم الثمرة إلى حين الإخراج على رب المال، لأن الثمرة كالماشية، ومؤونة الثمرة والماشية ورعيها والقيام عليها إلى حين الإخراج، على ربها كذا هاهنا).
القول الثاني: أن المؤونة تخصم من رأس مال المحصود، وتخرج الزكاة عن الباقي إن بلغ نصاباً، وهذا قول عطاء بن أبي رباح كما ذكر الامام النووي في المجموع حيث نقل قوله: (تكون المؤونة من وسط المال لا يختص بتحملها المالك دون الفقراء، لأن المال للجميع فوزعت المؤونة عليهم)، وهو اختيار القاضي ابي بكر ابن العربى المالكي، قال في عارضة الأحوذي على شرح الترمذي: )اختلف قول علمائنا، هل تحط المؤونة من المال المزكى، وحينئذ تجب الزكاة -أي في الصافي- أو تكون مؤونة المال وخدمته -حتى يصير حاصلاً- في رب المال، وتؤخذ الزكاة من الرأس -أي من إجمالي الحاصل؟ فذهب إلى أنه الصحيح أن تحط وترفع من الحاصل، وأن الباقي هو الذي يؤخذ عُشره، واستدل لذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "دعوا الثلث أو الربع"، وأن الثلث أو الربع يعادل قدر المؤونة تقريباً، فإذا حسب ما يأكله رطباً، وما ينفقه من المؤونة تخلص الباقي ثلاثة أرباع، أو ثلثين، قال: ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب).
القول الثالث: أن النفقة على الزرع إن كانت ديناً يسقطها مالكه منه قبل احتساب الزكاة، لأنه من مؤنة الزرع، وبهذا قال ابن عباس –رضي الله عنهما-، وقال عبد الله بن عمر–رضي الله عنهما-: يحتسب بالدينين جميعا، ثم يخرج مما بعدهما).
يعني رأي ابن عمر يخصم الدين الذي انفقه على الزرع والذي انفقه على اهله، فقد روى أبو عبيد في كتاب الأموال بسنده عن جابر بن زيد قال في الرجل يستدين فينفق على أهله وأرضه: قال ابن عباس: (يقضى ما أنفق على أرضه)، وقال ابن عمر: (يقضى ما أنفق على أرضه وأهله)، وقال ابن عباس: (يقضي ما أنفق على الثمرة ثم يزكِّي ما بقى).
وكذلك روى أبو عبيد عن مكحول أنه قال في صاحب الزرع المدين: )لا تؤخذ منه الزكاة حتى يقضى دينه، وما فضل بعد ذلك زكّاه، إذا كان مما تجب فيه الزكاة(.
وقد نقل ابن قدامة في المغني قول الامام أحمد: ( "من استدان ما أنفق على زرعه، واستدان ما أنفقه على أهله، احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله".
ولعل وجهة نظرهم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- جعل الزكاة على الزروع والثمار التي تُسقى بماء السماء العُشر، أما التي تُسقى بتعب ومصاريف للسَّواقي والماكينات وغيرها فالزَّكاة نصْف العشر. وهذا مايقابل المؤونة من الخارج من الزرع.
المفتى به: هو ما ذهب اليه جمهور العلماء في القول الاول من أن التكاليف والمؤنة لا تخصم من المحصول، ويجب عليه إخراج زكاة الجميع ، وهذا القول هو الأوفق لحاجة الفقراء والمساكين، كما وان الشرع قد فرق بين ما سقي بكلفة وبين ما سقي بدونها كما مر ذكره في بداية الفتوى ، تقديرا للتكاليف والمصروفات، ولو كانت هذه تُخصَم من الزكاة لأغنى ذلك عن هذا التفريق.
ويمكن الاخذ بعين الاعتبار رأي من قال أن النفقة على الزرع إن كانت دَيناً يسقطها مالكه منه قبل احتساب الزكاة ، كما في القول الثالث ، وهو قول اثنين من فقهاء الصحابة ، ولاسيما اذا كان الدَين كثيرا وربما يستغرق كل المحصول او اكثره.
واما اخراج القيمة النقدية بدلا من المحصول، فالراجح فيها: هو جواز إخراج القيمة النقدية بدلا من العين المزكاة للحاجة والمصلحة . والله تعالى اعلم ".
اللهم وفقنا إلى ما تحب وترضى وارنا الحق حقا ووفقنا لاتباعه وارنا الباطل باطلا واعنا على اجتنابه.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يا غفور يا غفار يا رحيم.
اللهم احفظ بلدنا وسائر بلاد المسلمين اللهم اجعلها بلادا آمنة مطمئنة مدفوعا عنها الغلا والوبا والفتن والمحن والشرور، اللهم احفظ هذه البلدة واجعلها آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان وسائر بلاد المسلمين اللهم بارك فيها وفي أهلها وانزل عليهم بركات من عندك يا ارحم الراحمين يا ذا الفضل العظيم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
د.عماد.البعقوبي.الدايني

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:06 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.