أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
47462 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 07-29-2011, 12:18 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي [ تفريغ ] خطبة جمعة : حال السلف في رمضان - سلطان العيد ( بي دي إف )

بسم الله الرحمن الرحيم


حَالُ السَّلَفِ في رَمَضَانَ *

[خَطبة جُمعة]

للشَّيخ سُلطانِ العِيد
-حَفظهُ اللهُ-

[تفريغ : أم زيد]
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ القَوِيُّ الْعَزِيزُ، فَضَّلَ -جَلَّ وَعَلَا- بَعْضَ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ؛ فَجَعَلَ لَيْلَةَ القَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَأَقْسَمَ بِالعَشْرِ -عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ-، وَجَعَلَ صَوْمَ عَرَفَةَ مُكَفِّرًا لِلذُّنُوبِ وَالخَطِيئَاتِ، وَمَا مِنْ هَذِهِ المَوَاسِمِ الفَاضِلَةِ مَوْسِمٌ إِلَّا وَلِلهِ فِيهِ نَفَحَاتٌ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ اغْتَنَمَ الشُّهُورَ وَالأَيَّامَ وَالسَّاعَاتِ، وَتَعَرَّضَ لِنَفَحَاتِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
خَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اطْلُبُوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَبِّكُمْ؛ فَإِنَّ للهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ»، قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: «كَانَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَقُولُ: إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِزَانَتَانِ، فَانْظُرُوا مَا تَضَعُونَ فِيهِمَا»، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ يَقُولُ: اعْمَلُوا لِأَنْفُسِكُمْ -رَحِمَكُمُ اللهُ- فِي هَذَا اللَّيْلِ وَسَوَادِهِ؛ فَإِنَّ المَغْبُونَ مَنْ غُبِنَ خَيْرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالمَحْرُومَ مَنْ حُرِم خَيْرَهُمَا؛ فَأَحْيُوا أَنْفُسَكُمْ بِذِكْرِ اللهِ؛ فَإِنَّما تَحْيَا القُلُوبُ بِذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-».
عِبَادَ اللهِ: مَنْ عَرَفَ الجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا؛ رَغِبَ فِيهَا وَزَهِدَ فِي الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا الزَّائِلِ.
عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا إِلَى دَارٍ لَا يَمُوتُ سُكَّانُها، وَلَا يَخْرَبُ بُنْيَانُهَا، وَلَا يَهْرَمُ شَبَابُها، وَلَا يَتَغَيَّرُ حُسْنُهَا، هَوَاؤُهَا النَّسِيمُ، وَمَاؤُهَا التَّسْنِيمُ، يَتَقَلَّبُ أَهْلُهَا فِي رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، وَيَتَمَتَّعُونَ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الكَرِيمِ، {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَا عِبَادَ اللهِ: أَبْشِرُوا بِرَحْمَةِ اللهِ وَفَضْلِهِ وَجُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ أَقْبَلَ، شَهْرُ الرَّحْمَةِ وَالغُفْرَانِ وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ.
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: «إِذَا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَانْبَسِطُوا فِيهِ بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ مُضَاعَفَةٌ»، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ -غَفَرَ اللهُ لَهُ-: الصَّائِمُ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ فِي عِبَادَةٍ، وَيُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ فِي صِيَامِهِ وَعِنْدَ فِطْرِهِ، فَهُوَ فِي صِيَامِهِ صَائِمٌ صَابِرٌ، وَفِي لَيْلِهِ طَاعِمٌ شَاكِرٌ، {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
فِي رَمَضَان تُقْبِلُ القُلُوبُ إِلَى بَارِئِهَا -جَلَّ وَعَلَا-، وَبِالصِّيَامِ تَذِلُّ النُّفُوسُ لِرَبِّهَا، وَتَسْهُلُ عَلَيْهَا الطَّاعَاتُ وَالقُرُبَاتُ.
كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ صَائِمًا فَوُضِعَ فَطُورُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَمِعَ سَائِلًا يَقُولُ: (مَنْ يُقْرِضُ المَرِيَّ الوَفِيَّ الغَنِيَّ -جَلَّ جَلَالُهُ-؟)، فَقَالَ ذَاكَ الصَّائِمُ: (أَنَا، أَنَا العَبْدُ المُعْدَمُ مِنَ الحَسَنَاتِ)، فَقَامَ فَأَخَذَ الإِنَاءَ، فَخَرَجَ بِهِ إِلَى السَّائِلِ، وَبَاتَ هُوَ جَائِعًا!! سَلَامٌ مِنَ اللهِ وَرَحَمَاتٌ عَلَى تِلْكَ النُّفُوسِ المُؤْمِنَةِ المُخْبِتَةِ.
فَالصِّيَامُ يَشْفَعُ لِلْعَبْدِ عِنْدَ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، يَقُولُ: «يَا رَبِّ! مَنَعْتُهُ شَهَوَاتِهِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ»، وَهَذَا لِمَنْ حَفِظَ صَوْمَهُ وَخَافَ رَبَّهُ، فَأَمَّا مَنْ ضَيَّعَ صَوْمَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِمَّا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيْهِ؛ فَجَدِيرٌ أَنْ يُضْرَبَ بِهِ وَجْهُ صَاحِبِهِ وَيَقُولَ لَهُ: «ضَيَّعَكَ اللهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي»!
أَبْشِرُوا -مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ المُخْبِتِينَ-؛ فَهَذِهِ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ فِي هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ لِأَجْلِكُمْ قَدْ فُتِحَتْ، وَنَسَمَاتُهَا عَلَى قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ قَدْ نَفَحَتْ، وَأَبْوَابُ الجَحِيمِ كُلُّهَا لِأَجْلِكُمْ مُغْلَقَةٌ، وَأَقْدَامُ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ أَجْلِكُمْ مُوثَقَةٌ، فِي هَذَا الشَّهْرِ يَفُكُّ اللهُ مَنْ أَسَرَهُ إِبْلِيسُ، قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ -غَفَرَ اللهُ لَهُ-: قَالَ إِبْلِيسُ: أَهْلَكْتُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ بِالمَعَاصِي فَقَطَعُوا ظَهْرِي بِالاسْتِغْفَارِ؛ فَأنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ.
عِبَادَ اللهِ: اسْتَقْبِلُوا هَذَا الشَّهْرَ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالانْكِسَارِ وَالاسْتِغْفَارِ، حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ، وَتَفَكَّرُوا فِي أَحْوَالِكُمْ وَمَآلِكُمْ، أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ (المَوْتِ).
كَانَ السَّلَفُ يَجْتَهِدُونَ فِي إِتْمَامِ العَمَلِ وَإِتْقَانِهِ، ثُمَّ يَهْتَمُّونَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهِ، يَخَافُونَ أَنْ يُرَدَّ، وَهَؤُلاءِ هُمُ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ، قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «كُونُوا لِقَبُولِ العَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَامًا مِنْكُمْ بِالعَمَلِ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ}؟»، قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوادٍ: «أَدْرَكْتُهُمْ يَجْتَهِدُونَ فِي العَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِذَا فَعَلُوهُ؛ وَقَعَ عَلَيْهِمْ الهَمُّ: أَيُقْبَلُ مِنْهُمْ أَمْ لَا؟!».
يَا أَرْبَابَ الذُّنُوبِ العَظِيمَةِ: التَّوْبَةَ التَّوْبَةَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الكَرِيمَةِ، فَمَا مِنْهَا عِوَضٌ وَلَا لَهَا قِيمَةٌ، مَنْ يُعْتَقُ فِيهَا مِنَ النَّارِ؛ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
يَنْبَغِي لِمَنْ يَرْجُو العِتْقَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَسْبَابٍ تُوجِبُ العِتْقَ مِنَ النِّيرَانِ، وَهِيَ مُيَسَّرَةٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ -وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ-.
وَمِنْهَا: التَّوْبَةُ وَالاسْتِغْفَارُ، قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: «أَكْثِرُوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَتَى تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ»، وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ! عَوِّدْ لِسَانَكَ الاسْتِغْفَارَ؛ فَإِنَّ للهِ سَاعَاتٍ لَا يَرُدُّ فِيهِنَّ سَائِلًا»، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ -غَفَرَ اللهُ لَهُ-: «قُولُوا كَمَا قَالَ أَبُوكُمْ آدَمُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ}، وَقُولُوا كَمَا قَالَ نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ}، وَقُولُوا كَمَا قَالَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}، وَقُولُوا كَمَا قَالَ ذُو النُّونِ: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ}»، كَانَ بَعْضُ السَّلَفُ إِذَا صَلَّى صَلَاةً اسْتَغْفَرَ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِيهَا كَمَا يَسْتَغْفِرُ المُذْنِبُ مِنْ ذَنْبِهِ.
عِبَادَ اللهِ: أَنْفَعُ الاسْتِغْفَارِ مَا قَارَنَتْهُ التَّوْبَةُ، فَمَنِ اسْتَغْفَرَ بِلِسَانِهِ وَعَزْمُهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى المَعَاصِي بَعْدَ هَذِا الشَّهْرِ المُبَارَكِ؛ فَصَوْمُهُ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ، وَبَابُ التَّوْبَةِ عَنْهُ مَسْدُودٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا. قَالَ كَعْبٌ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَى العِصْيَانِ؛ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ».
عِبَادَ اللهِ: لَا تَتَعَلَّقْ قُلُوبُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ المَعَاصِي، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ، {إِن يَّعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُّؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}. فوا أَسَفَا عَلَى زَمَانٍ ضَاعَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ! وَيَا حَسْرَتَاهُ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي جَنْبِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
اللهُ أَكْبَرُ! يُقَالُ لِأَهْلِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ يَوْمَ القِيَامَةِ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ}، طَالَما تَعِبَتْ أَبْدَانُهُمْ مِنَ الجُوعِ وَالقِيامِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، كَفُّوا جَوَارِحَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَرَتَّلُوا كِتَابَهُ تَرْتِيلًا، وَاسْتَعَدُّوا لِمَا أَمَامَهُمْ، {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ - وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، صِيَامٌ بِالنَّهَارِ، وَقِيَامٌ بِاللَّيْلِ، وَصَبْرٌ عَلَى طَاعَةِ اللهِ فِي أَيَّامٍ قَلَائِلَ، فَإِذَا هُمْ قَدْ أَمِنُوا مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَ، وَبِالحُورِ الحِسَانِ فِي خِيَامِ اللُّؤْلُؤِ يَتَنَعَّمُونَ، كَانُوا يَفْرَحُونَ بِاللَّيْلِ إِذَا أَقْبَلَ لِيَفُوزُوا بِمُنَاجَاةِ المَلِكِ العَلَّامِ، وَبِالنَّهَارِ إِذَا جَاءَ لِأَنَّ الصِّيَامَ للهِ وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِهِ؛ {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ}.
فَيَا أَيُّهَا الغَافِلُ المُفَرِّطُ: رَبِحَ القَوْمُ وَخَسِرْتَ، وَسَارُوا إِلَى اللهِ مُسْرِعِينَ وَمَا سِرْتَ، وَقَامُوا بِالأَوَامِرِ وَضَيَّعْتَ مَا بِهِ أُمِرْتَ؛ تَذَكَّرْ قَوْلَ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: { يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ - الَّذِينَ آمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ - ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ - يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، إِذَا اشْتَدَّ خَوْفُ جَمِيعِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ نُودُوا بِهَذِهِ الآيَةِ، فَيَرْفَعُ النَّاسُ رُؤُوسَهُمْ فَيَقُومُ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانَوا مُسْلِمِينَ، وَيُنَكِّسُ الكُفَّارُ رُؤُوسَهُمْ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُؤْمِنِينَ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ}؛ فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وَعَظَ كَعْبٌ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لِجَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَزَفْرَةً مَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌ مُرْسَلٌ إِلَّا خَرَّ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي! لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي».
عِبَادَ اللهِ: أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا خَيْرًا، كِدُّوا وَاجْتَهِدُوا فِي طَاعَةِ اللهِ فِي هَذَا الشَّهْر الكَرِيمِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّنَا رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، يَقْبَلُ تَوْبَةَ المُذْنِبِينَ، وَيُعْظِمُ الأَجْرَ لِلْمُحْسِنِينَ، يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ إِذَا أَنَابَ إِلَيْهِ، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، البَشَائِرُ فِي هَذَا المَوْسِمِ العَظِيمِ كَثِيرَةٌ؛ فَأَبْشِرُوا -عِبَادَ اللهِ- بِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ؛ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
أَبْشِرُوا بِالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، فَنَسْأَلُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يُعْتِقَ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ.
أَبْشِرُوا بِالأَجْرِ العَظِيمِ مِنَ الرَّبِّ الكَرِيمِ؛ فَإِنَّ الصِّيَامَ مِنَ الصَّبْرِ، وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- يَقُولُ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ خُتِمَ لَهُ بِصِيامِ يومٍ دَخَلَ الجَنَّةَ». أَبْشِرُوا بِفَضْلِ وَأَجْرِ القِيَامِ فِي رَمَضَانَ؛ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وَأَبْشِرُوا بِلَيْلَةٍ خيرٍ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، يَقُولُ فِيهَا الخَلِيلُ المُصْطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، وَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَأَمِّلُوا خَيْرًا، وَاجْتَهِدُوا فِي طَاعَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ، وَاغْتَنِمُوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ حُلُولِ الأَجَلِ وَمُفَارَقَةِ دَارِ العَمَلِ، {وَأَنْفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ - وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، وَمَع هَذَا الفَضْلِ العَظِيمِ مِنَ الكَرِيمِ المَنَّانِ؛ فَلْيَحْذَرِ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُبْعَدِينَ المَطْرُودِينَ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الكَرِيمِ أُنَاسٍ حَلَّ بِهِمْ سَخَطُ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا-، أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ»؟! هَا أَنْتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا تُبْتَ وَلَا أَنَبْتَ، وَلَا نَدِمْتَ وَلَا اسْتَغْفَرْتَ، وَمَا تَعَرَّضْتَ لَنَفَحَاتِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، ذُنُوبُكَ هِيَ هِيَ؛ بَلْ قَدْ زَادَتْ فِي شَهْرِ العِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ؛ فَأَيْنَ الحَيَاءُ وَالخَوْفُ مِنَ اللهِ عِنْدَ ذَاكَ الَّذِي يَسْمَعُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ رَبُّهُ فِي رَمَضَانَ، أَوْ يُطْلِقُ بَصَرَهُ فِي اللَّذَّاتِ المُسْتَقْذَرَةِ، أَوْ يَلْبَسُ وَيَأْكُلُ وَيَبِيعُ الحَرَامَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟! أَقْوَامٌ مَا خَافَتْ وَلَا وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، يُمَنِّي أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ بِالعِصْيَانِ بَعْدَ انْقِضَاءِ رَمَضَانَ، يَصُومُ أَحَدُهُمْ عَمَّا أَحَلَّ اللهُ مِنَ المَآَكِلِ وَالمَشَارِبِ، ثُمَّ يُقْدِمُ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ؛ فَأَيُّ تَنَاقُضٍ هَذَا؟!
مَا شُرِعَ الصِّيَامُ إِلَّا لِحَكَمٍ عَظِيمَةٍ؛ مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ اللهُ بِقَوْلِهِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
اعْلَمْ -أُخَيَّ- أَنَّكَ مَيِّتٌ وَمُنْتَقِلٌ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ إِلَى حُفْرَةٍ مُوحِشَةٍ، لَا يُنْجِيكَ مِنْ أَهْوَالِهَا إِلَّا العَمَلُ الصَّالِحُ وَالإِقْبَالُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، أَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنْ جُثَى جَهَنَّم مَعَ مَنْ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}؟! أَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا عَنِيدًا مُبَارِزًا للهِ بِالعِصْيَانِ { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ - مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ - يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}؟! إِنْ كُنْتَ لَا تَرْضَى -وَهَذَا الظَّنُّ بِكَ-؛ فَلَا تُطِعِ الهَوَى، وَلَا تُمَكِّنْ عَدُوَّ اللهِ إِبْلِيسَ مِنْ نَفْسِكَ، حَاسِبْ نَفْسَكَ، وَتَخَيَّلْ وُقُوفَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَحِيدًا فَرِيدًا عُرْيَانًا حَافِيًا، تَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْكَ فَلَا تَرَى إِلَّا مَا قَدَّمْتَ، وَتَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْكَ فَلَا تَرَى إِلَّا مَا قَدَّمْتَ، وَتَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْكَ فَإِذَا نَارُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَفِي هَذِهِ اللَّحَظَاتُ المُفْزِعَةُ طَرَقَ سَمْعَكَ صَوْتُ الجَبَّارِ -جَلَّ جَلَالُهُ- فَسَأَلَكَ عَمَّا قَدَّمَتْ يَدَاكَ، {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى - يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي - فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ - وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}؛ فَإِلَى مَتَى الغَفْلَةُ؟ إِلَى مَتَى؟! إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الأَجَلُ؟!! وَعِنْدَهَا تَقُولُ: {رَبِّ ارْجِعُونِ - لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}، فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ لَا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ، وَأَنَّى لَكَ بِالأَوْبَةِ؟! {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}.
فَيَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ بَابَ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ، مَنْ تَابَ إِلَى رَبِّهِ تَابَ عَلَيْهِ وَقَرَّبَهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ، يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى - قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.

فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّها .. مَنازِلُنَا الأُولَى وَفِيهَا المُخَيَّمُ
وَحَيَّ عَلى السُّوقِ الَّذِي فِيهِ يَلتَقِي الْـ .. مُحِبُّون ذَاكَ السُّوقُ لِلقَوْمِ يُعْلَمُ
فَلِلهِ مَا فِي حَشْوِها مِنْ مَسَرَّةٍ .. وَأَصْنَافِ لذَّاتٍ بِهَا يُتَنَعَّمُ
وَللهِ أَفْرَاحُ المُحِبِّينَ عِندَمَا .. يُخاطِبُهُم مِنْ فَوقِهِمْ ويُسَلِّمُ
وَللهِ أَبْصَارٌ تَرَى اللهَ جَهرَةً .. فَلا الضَّيْمُ يَغْشَاهَا وَلَا هِيَ تَسْأمُ
وَصُمْ يَومَكَ الأَدْنَى لَعَلَّكَ فِي غَدٍ .. تَفُوزُ بِعِيدِ الْفِطْرِ وَالنَّاسُ صُوَّمُ
وَإِنْ ضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ بِأَسْرِهَا .. وَلَمْ يَكُ فِيهَا مَنْزِلٌ لَكَ يُعلَمُ
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّها .. مَنازِلُنَا الأُولَى وَفِيهَا المُخَيَّمُ

كَانَ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ، إِنِّي عَلَيْكُمْ شَفِيقٌ، صَلُّوا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لِوَحْشَةِ القُبُورِ، وَصُومُوا فِي الدُّنْيَا لِحَرِّ يَوْمِ النُّشُورِ، وَتَصَدَّقُوا مَخَافَةَ يَوْمٍ عَسِيرٍ»، وَكَانَ الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ يُكْثِرُ الصَّوْمَ حَتَّى ذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: لِمَ تُعَذِّبُ جَسَدَكَ؟ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّما أُرِيدُ رَاحَتَهُ». لَـمَّا حَضَرَ المَوْتُ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ جَعَلَ يَبْكِي، قِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: «مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ المَوْتِ، وَلَا حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى ظَمَأِ الهَوَاجِرِ، وَعَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فِي الشِّتَاءِ»، وَحَضَرَتِ الوَفَاةُ أَحَدَ الصَّالِحينَ فَجَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا، وَبَكَى بُكَاءً عَظِيمًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ فقَالَ: «مَا أَبْكِي إِلَّا عَنْ أَنْ يَصُومَ الصَّائِمُونَ للهِ وَلَسْتُ فِيهِمْ، وَيُصَلِّيَ المُصَلُّونَ للهِ وَلَسْتُ فِيهِمْ، وَيَذْكُرَهُ الذَّاكِرُونَ وَلَسْتُ فِيهِمْ؛ فَذَاكَ الَّذِي أَبْكَانِي»، وَدَعَا قَوْمٌ رَجُلًا إِلَى طَعَامِهِمْ، فقَالَ: «إِنِّي صَائِمٌ»، فَقَالَوا: أَفْطِرْ اليَوْمَ، وَصُمْ غَدًا؛ فَقَالَ: «وَمَنْ يَضْمَنُ لِي أَنْ أُدْرِكُ غَدًا!»، كَانَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: «أَلَّا إِنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ وَلَكِنْ مِنَ الكَذِبِ وَاللَّغْوِ وَالبَاطِلِ»، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: «إِذَا صُمْتَ؛ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ مِنَ الكَذِبِ وَالمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ»، وَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الجُوعُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ». خَرَّجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَرْفُوعًا: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ الإِكْثَارُ مِنَ العِبَادَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ؛ فَإِنَّهُ مَوْسِمٌ فَاضِلٌ، قَالَ ابْنُ القَيِّمِ -غَفَرَ اللهُ لَهُ-: وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الإِكْثَارُ مِنْ أَنْوَاعِ العِبَادَاتِ، فَكَانَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُدَارِسُهُ القُرْآنَ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ إِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، يُكْثِرُ فِيهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالإِحْسَانِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ وَالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالاعْتِكَافِ، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُؤْمِنِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ جَاءَتِ النُّصُوصُ بِفَضْلِ الصِّيَامِ وَعِظَمِ أَجْرِ أَهْلِهِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ اللهَ خَصَّ الصَّائِمِينَ بِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ؛ فَقَدْ خَرَّجَ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالَ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ فِيهِ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أحدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ»، زَادَ النَّسَائِيُّ فِي آخِرِهِ: «وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا».
وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ الصَّوْمَ جُنَّةٌ مِنَ الشَّهَوَاتِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؛ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّوْمَ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-: «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا العَبْدُ مِنَ النَّارِ، وَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، قَالَ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» خَرَّجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ». وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّوْمَ سَبِيلٌ إِلَى الجَنَّةِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَأَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. خَرَّجَهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّوْمَ يَشْفَعُ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّي! مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ فِي النَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيُشَفَّعَانِ» خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ. وَمِنْهَا: أَنَّ أَجْرَ الصَّائِمِ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمِ صَوْمِ أَحَدِكُمْ؛ فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَسْخَطُ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؛ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّوْمَ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» مَرْفُوعًا: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ»؛ فَلِلَّهِ الحَمْدُ وَالِمنَّةُ.
أَمَّا شَهْرُ رَمَضَانَ فَلَهُ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ -وَللهِ الحَمْدُ-؛ مِنهَا: أَنَّهُ شَهْرُ القُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ أُنْزِلَ فِيهِ؛ كَمَا قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}. وَمِنْهَا: فَتْحُ أَبْوَابِ الجِنَانِ، وَغَلْقُ أَبْوَابِ النِّيرَانِ، وَتَصْفِيدُ الشَّيَاطِينِ، كُلُّ ذَلِكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَكِ؛ قَالَ رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ -وَفِي رِوَايَةٍ: أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَفِي أُخْرَى: أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ-، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» خَرَّجَهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: «وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ». وَمِنْهَا: أَنَّ فِيهِ لَيْلَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؛ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ». وَمِنْهَا: غُفْرَانُ الذُّنُوبِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ» خَرَّجَهُ الإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ. وَمِنْ فَضَائِلِهِ: العِتْقُ مِنَ النَّارِ -أَجَارَنَا اللهُ مِنْهَا-؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ للهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِنَ الذُّنُوبِ العِظَامِ الفِطْرَ فِي رَمَضَانَ دُونَ عُذْرٍ؛ فَإِنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَصَاحِبُهُ مُتَوَعَّدٌ بِالعَذَابِ الأَلِيمِ؛ قَالَ أَبُو أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ» أَيْ: عَضُدَيَّ «[فَأَتَيَا] بِي جَبَلا وَعْرًا ، فقَالَا: اصْعَدْ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ شَدِيدٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟ قَالَا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ انْطَلَقَا بِي، فَإِذَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ» وَالشِّدْقُ: جِانِبُ الفَمِ «مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ فَقِيلَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ فِي «الكُبْرَى»، وَالحَاكِمُ، وَهُوَ فِي «الصَّحِيحِ المُسْنَدِ» لِلعَلَّامَةِ الوَادِعِيِّ.
فاللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلادِ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنَا فَيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.


مِن هنـا لسماع الخطبة صوتيًا



______________
* بعد أن انتهيتُ من تفريغِ الخُطبة، وشرعتُ في ضبطِها؛ عثرتُ عليها -قدرًا- مُفرَّغةً في موقع الشَّيخ سلطان العيد، ولكنْ تحت عنوان (رمضان: توبة وإنابة) ( من هنـا )، لكنها غير مضبوطة. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
والخُطبة موجودة صوتيًّا في موقع الشيخ سلطان العيد في (الصوتيات - الرقائق) بعنوان: (حال السلف في رمضان).
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
تفريغات أم زيد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:27 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.