اللِّقاء الثاني والخمسون
(14 ذو القعدة 1441)
[ كلمة افتتاحيَّة ]
.. وكما تعوَّدنا أن نلتقي بين حينٍ وآخر مثل هذا اللِّقاء العِلميّ الإيجابي الذي نتعلَّم فيه العلمَ الشرعيَّ ولو على طريقة السُّؤال والجواب، وهي طريقةٌ نبويَّة معلومة معروفةٌ، علَّم جبريلُ بِمثلها نبيَّ الله -صلَّى الله عليه وسلم-، وعلَّم نبيُّ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بِمثلِها صحابتَه الكرام، وعلَّم العلماءُ طُلَّابَهم وأبناءَهم بمثلها -أيضًا- عبرَ العصور والدُّهور.
ونحن نتشبَّه بهذا النَّهج وهذه الطريقة، فالشَّاعر يقول:
إن لم تكونوا مِثلَهم فتشبَّهوا .. إن التَّشبُّه بالكرام فلاحُ
نتشبَّه بأهل العلم الذين تمثَّلوا كتابَ الله وسُنَّة رسولِه -عليه الصَّلاة والسَّلام- في تطبيق هذا النَّهج العلمي ضمن الأصول والقواعد والأُسس، وإن كنا دون ذلك؛ لكن هكذا العلم: أخذ وعطاء، وصبرٌ وبلاء.
أسأل الله -سبحانه وتَعالى- التَّوفيق لنا ولكم جميعًا، والرَّحمة لأهل العلم أجمعين مِن أمواتهم، وأن يحفظ الله -سبحانه وتعالى- أحياءَهم.
[الأسئلة]
1. السُّؤال:
ما حُكم طَقطقة الأصابع في الصَّلاة؟
الجواب:
الصَّواب أنَّه لم يَرِد في ذلك نهيٌ عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ لكن: ورد النَّهيُ في ذلك عن الصَّحابي الجليل عبد الله بن عبَّاس -رضي الله-تعالى-عنه- أنَّه رأى رجلًا يُطقطِق أصابعَه في الصَّلاة فقال: لا أمَّ لك! أتُفرقِع -أو: أتطقطِق- أصابعَك في الصَّلاة؟! كأن ذلك مَلهاةٌ وانشغال عن الصَّلاة والإقبال فيها والخشوع والخضوع مِما يُقلِّل من الأجر المترتِّب على هذه الصَّلاة.
2. السُّؤال:
ما حُكم الدراسة عبر الإنترنت مع أخذ الإجازة؟
الجواب:
ليست العبرة بِنوع الدِّراسة: هل هي دراسة مشافهة؟ هل هي دراسة عبر إنترنت؟ هل هي بإجازة؟ هل هي بغير إجازة؟-؛ ليس هذا هو المعتَبَر في الباب الذي نحن فيه.
الذي يُعتبَر في الباب الذي نحن فيه هو: مَن الذي يُدرِّس؟ وكيف يدرِّس؟
إذا كان الذي يدرِّس من أهل العلم، وتدريسُه تدريسًا عِلميًّا: فهذا نِعمَّا هو! هكذا يكون التَّدريس سواء مُشافهة أو مجالسة أو عبر الإنترنت، سواء أعطاك إجازة أو لم يُعطِك، فالعبرة بالمعلِّم وطريقة تعليمِه، وأن يكون ذا أهليَّة لهذا التَّعليم.
لكن: إذا كان هذا التَّعليم مِن معلِّم ليس بذاك، أو من مدرِّس لا يدرِّس العلمَ على حقيقتِه، أو على وجهِه الصَّحيح؛ فحينئذٍ: ماذا نقول؟
نقول -والحالة هذه- أن الأصل في ذلك هو عدم اعتِبار مثل هذا التَّدريس؛ لأن المدرِّس غير معتبَر وغير كفؤ -فضلًا عن الإجازة الذي سيعطيها-.
واليوم -للأسف الشَّديد- موضوع الإجازات فُتح على مصراعَيه، وفتحت أبوابُه لمن يستحق ومَن لا يستحق، لِمَن يَسوَى ومَن لا يَسوَى! فهذه آفة -في الحقيقة- خطيرة وسيِّئة، وتكلَّم فيها أهلُ العلم، وأنا كنتُ تكلَّمتُ -قبل بضع سنوات- في مجلسَين -أو ثلاثة مجالس- في هذا الموضوع ونَقْدِه وبيان أن قضيَّة الإجازات قضيَّة دقيقة، وينبغي أن تكونَ على الأُسس.
3. السُّؤال:
أصول الرَّد على المُخالِف: كيف تكون؟
الجواب:
الرَّد على المخالِف يكون بحسب مُخالَفتِه، وبحسب نوعِ المخالَفة، وبحسب مَن هو المخالِف، فالنَّاس ليسوا سواء، والأمور المردود عليها ليست سواء؛ وإنَّما الأمر يتعلَّق بالنَّوعيَّة من حيث المردود عليه، ومن حيث ما نَردُّ به عليه في ذلك.
والأمرُ العامُّ: أن لا يتولَّى الرَّدَّ إلا مَن هو أهلٌ له.
الأمر الثَّاني: الأصل أن يكون الرَّدُّ بِرِفق، ولا يُنافي الرِّفقَ القوَّة -ولا أقصد بالقوَّة: العنف-، القوَّة في الجواب، والقوَّة في الاستدلال، والقوَّة في طرح الحُجج والأدلَّة -وما أشبه ذلك-.
نقطة أخرى: أن لا يكون الرَّدُّ على المخالِف الشُّغلَ الشَّاغل -بحيث تُعرَف به، ويُعرَف بك-.
نعم؛ هو مُهمٌّ، حتى الشَّيخ بكر أبو زيد -رحمهُ الله- له رسالة لطيفة سمَّاها "الرَّد على المخالِف من أصول الإسلام"، ونِعِمَّا ما قال! وقد أصاب بذلك! لكن: ضمن الشُّروط العامَّة التي ذكرناها.
هنالك قضايا أخرى:
أن الرَّد ينبغي أن يكون مُستوعِبًا..
أن الرَّد يجب أن يُحيطَ بالمسألة مِن جميع الوُجوه -ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا-.
أيضًا مِن ضمن المسائل التي ينبغي التَنبيه إليها:
عدم التَّكثير من الرَّد؛ لأنه -أحيانًا- قد تردُّ من عشرة وجوه صحيحة لكن فيها ضَعف -أو فيها شيء من الضَّعف-؛ بينما نرى: لو أنَّك رددتَ من ثلاثة وجوه قويَّة قد يُغنيك ذلك عن الوجوه المتعدِّدة.
4. السُّؤال:
ما نصيحتكم بمَن ابتُلي بِداء العُنصريَّة المَقيتَة في حالِه ومَقاله، فيُفاضل بين المسلمين على أساس هذه العنصريَّة؛ بل ويُعادي ويوالي عليها -وما أشبه ذلك-؟
الجواب:
الحقيقة أنا أعتقد أن العنصريَّة مرض نفسي.
لك أن تَفخر بِبلدِك أو بِجنسيَّتِك أو بما أنت عليه..الفخر بذلك شيء، والاحترام له شيء، وتقديرُه شيء، وإيقاع المفاضلة بين النَّاس على ضوء هذا وذاك: شيء آخر!
لا يجوز الخلطُ بين الأمرَين.
العُنصريَّة خُلُق دنيء ما دامت تقوم على التَّفريق والتَّشتيت والتَّقزيم للآخَرين لمجرَّد مثل هذا الأمر.
فلْيتَّق الله -سبحانه وتعالى- كلُّ مَن تلبَّس بمثل هذا البلاء وهذا الدَّاء -شفانا الله وإيَّاكم وإيَّاه-.
5. السُّؤال:
ما الموقف الشَّرعي لما يجري في ليبيا -نسأل الله أن يَعصِم دماءَهم-؟
الجواب:
نقول: نسأل الله أن يَعصِم دماءَهم.
الموقف الشَّرعي لا يحتاج أمثالَنا! يحتاج علماء كِبار اتَّفقت على كلامِهم الأمَّة لِعصمةِ الدَّم الذي يجري بين المسلمين بعضِهم مع بعض، وكثير منه -للأسف- قد يكون فيه شيء من التَّفريق.
نحن لا نَعرف حقيقة ما يجري، يقولون: هؤلاء إخوان.. وأولئك خوارج.. وهؤلاء كذا..!
اللهُ أعلم -يا أخي-!
أنا -شخصيًّا-واللهِ- لا أعرِف!
القضيَّة لها عُمق سياسي، ولها مَصالح دُوَل.. كل هذا على حساب المسلمين ودِمائهم، وليس لها إلا الله -سبحانه وتعَالى-، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
6. السُّؤال:
ما رأيك بالشَّيخ العيد شريفي؟
الجواب:
الشيخ العيد شريفي من شيوخ الجزائر الأفاضل، ولا نُزكِّيه على الله، وهو مِن القلَّة الذين نجَّاهم الله -سُبحانه وتعالى- من الدُّخول في مَعمَعة الجرح والتَّجريح وما أشبه ذلك من أمور أدَّت إلى فتنة كبيرة لا أقول في الجزائر-فقط-؛ بل في كثير من بلدان المسلمين.
ومِن نافلة القول أن نقول بأنَّ الشيخ أبا عبد الباري -حفظهُ الله ورعاه- بَشَر كالبَشر يُخطئ ويُصيب، ويَعلَم ويَجهل.
هذه صارت كأنَّها لازِمة؛ لا بُد أن نقولها في كلِّ أحد، وهي -في الحقيقة- بَدَهيَّة؛ لكن: نحن في زمن يجب أن نُنبِّه فيه على البدَهيَّات، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
7. السُّؤال:
عن كتاب "فقه السّيرة" للشيخ البوطي؟
الجواب:
"فقه السِّيرة" للشيخ البوطي: الحقيقة اعتمد في كثير من مواقع كتابِه على مَرويَّات لا تَصح ولا تَثبُت، ثم بَنى أحكامًا سمَّى كتابَه بها وهي: "فقه السِّيرة"، وقد انتقده شيخُنا في كتاب -طَبَعه قبل أكثر من أربعين سَنة- بعنوان: "الرَّد على جهالات البوطي في فقه السِّيرة"، والكتاب مطبوع وموجود، وننصحُ به.
والشَّيخ البوطي -في الحقيقة-من ناحية أخرى- في آخر عُمره: رأينا له اعتِدالًا في بعض الأجوبة سواء في مدح ابن تيميَّة أو نقد الصوفيَّة حتى نقد الحلَّاج -وما أشبه ذلك-، والمواقف السياسيَّة اللهُ أعلم بِمآله ونهايته فيها، لا نَدخل في القضايا الباطنة التي لا يَعلم مآلَها وحقيقتَها إلا رب العالمين -سبحانه وتعالى-.
8. السُّؤال:
ما رأيكم في قراءة بعض كتب الشَّيخ عبد الفتاح أبو غُدَّة -رحمه الله- ككتاب "صفحات مِن صبر العلماء"؟
الجواب:
إخواني الكرام: الشَّيخ أبو غُدَّة -شِئنا أم أَبَينا- رجل عالِم، ومكث هذا الرَّجل أكثر من ثلاثين سَنة مدرِّسًا في (جامعة الإمام محمد بن سعود) في الرِّياض، ومُختلِطًا مع أهل العلم مِن أهل السُّنَّة، وله ترجمة جيِّدة مطوَّلة للشيخ محمد بن إبراهيم الملقَّب بـ(المفتي الأكبر) وهو أستاذ الشيخ ابن باز وشيخُه.
والظَّاهر أن المرحلة الثَّانية -أعني: هذه التي أشرتُ إليها- غير المرحلة الأولى التي عاشها في بلده الشيخ عبد الفتاح أبو غُدَّة.
وأنا -في الحقيقة- من الحريصين على قراءة كُتب الشيخ أبي غُدَّة -كلِّها-، لا أبالِغ إذا قلتُ: قرأتُها كلَّها، أو -على الأقل- أكثر أكثرِها؛ لما فيها من منفعة؛ لكن: على شيء من الحذر -لا أخفيكم-..على شيء من الحذر؛ لأن الإنسان -مهما تحسَّن وضعُه- لا يستطيع الانسلاخ من جذورِه، وجذورُه تلتقي الشيخ زاهد الكوثري وأفكارَه والدِّفاع عنه و..و.. إلى آخر هذه الأمور.
ومع ذلك نَقول: رحمه الله، رجل عِلم، وانشغالُه بالحديث كان له إيجابيَّاته -فيما نرجو ونظن-، وأسأل الله الرَّحمة لنا ولكم وله ولجميع المسلمين.
9. السُّؤال:
عن (المحفظة الإلكترونيَّة)؟
الجواب:
سمعتُ عنها؛ لكن: لا أعرف ما هي (المحفظة الإلكترونيَّة)، ونحن نقول -كما قال العلماء-: (الحُكم على الشيء فرعٌ عن تَصوُّره).
فأنا لا أستطيع أن أحكم على (المحفظة الإلكترونيَّة) دون أن أعرف حيثيَّاتِها وحقيقَتَها.
10. السُّؤال:
ما حُكم شراء الذَّهب عن طريق البريد: يَستلم المال ويُرسل الذَّهب بنفس اللَّحظة؟
الجواب:
كيف بنفس اللَّحظة؟! هذا لا يمكن تصوُّره! عن طريق البريد بنفس اللحظة!؟ يَستلم المال ويُرسل الذَّهب بنفس اللَّحظة!!؟
هذا شيء غير متصوَّر! أو -على الأقل- أنا لا أتصوَّره!
فإذا كان ذلك كذلك: فهو جائز، إذا كان بِنفس اللحظة؛ لأن الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "الذَّهب بالذَّهب مِثلًا بِمثل، يدًا بِيد، هاءً وهاء"، فإذا حصل ذلك بطريقة معيَّنة -أنا لا أعرفها-: فهذا جائز، يكون بنفس اللحظة يَستلم المال ويُرسل الذَّهب، فإذا كان ذلك كذلك؛ فهو جائز -إن شاء الله-تعالى-.
11. السُّؤال:
نريد أن توضِّح حكم تجارة الإعفاء لسيَّارات المعوَّقين؟
الجواب:
إذا كان ذلك يُرتِّب مصلحة للبائع والمشتري دون أن تترتَّب مفسدة من النَّاحية القانونيَّة؛ فلا بأس -إن شاء الله-تعالى-، مع شرط عدم الاستغلال..بعض النَّاس يَستغل هذا الأمر..نعم؛ لا مانع أن تَربح أو أن تستفيد؛ لكن: دون استغلال "لا يُؤمن أحدُكم حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفِسه".
والله -تعالى- أعلى وأعلم.
12. السُّؤال:
من هو الشيخ عبد الرَّحمن الباني؟
الجواب:
الشيخ عبد الرَّحمن الباني من مشايخ السَّلفيِّين القدماء، ومن تلاميذ شيخنا الشَّيخ الألباني -رحمه اللهُ-تعالى-، وهو رجل تربوي، كتاباتُه قليلة؛ لكن جهودُه التَّربويَّة التَّعليميَّة في الجامعات والمدارس -مِن قبل ومن بعد- كانت حسَنة وجيِّدة ومشهودة -ولا نُزكِّيه على الله-، وقد توفِّي ممكن فوق التِّسعين سَنة -قبل بضع سنوات-، رحمهُ الله -تعالى-.
13. السُّؤال:
عن خير الدِّين وانلي؟
الجواب:
خير الدِّين وانلي من تلاميذ شيخنا الشَّيخ الألباني -رحمه الله- في المرحلة الدِّمشقيَّة، وهو رجل لُغوي، شاعر، له أكثر من ديوان من دواوين الشِّعر، وشِعره يتميَّز بأنه شِعر دَعَوي مَنهجي سهل ويسير، ليس فيه تعقيدات الشُّعراء وألفاظهم -وما أشبه ذلك-.
وقد زار الأردن والتقيتُه -في حياة الشيخ الألباني-رحمه الله-، وفي ذهني أنَّه توفي قبل وفاة شيخِنا.. هذا -الله أعلم- يحتاج إلى تأكُّد أو تأكيد؛ لكن: هذا الذي في ذهني.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.
14. السُّؤال:
ما حُكم تسميع المأموم خلف الإمام؟
الجواب:
يقصد قول المأموم: (سمع اللهُ لمن حمده، ربَّنا لك الحمد).
لأن أكثر النَّاس ماذا يفعلون؟
إذا قال الإمام: (سمع اللهُ لمن حمدَه)؛ يقول: (ربَّنا لك الحمد).
ولكن الأرجح عندي أن المأموم والإمام يقولان الكلام نفسَه: كما أن الإمام يقول -إضافة إلى (سمع اللهُ لمن حمِدَه)-: (ربَّنا لك الحمد)؛ فإن المأموم يقول: (ربَّنا لك الحمد) -إضافة إلى (سمع اللهُ لمن حمِدَه)-على حدٍّ سواء-، هذا هو الأرجح، وإن كانت المسألة -الحقيقة- محتملة وقريبة، والسُّيوطي -رحمه الله- جلال الدِّين السيوطي -الحافظ المصري الشَّهير- له رسالة صغيرة سمَّاها: "القذاذة في تحقيق محلِّ الاستعاذة"، أتى فيها بالنُّصوص، وكما قلتُ هي المسألة محتملة.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.
15. السُّؤال:
هل يجوز سجود المرأة وخمارُها يغطي جبهتَها، هل هذا جائز، أم لا بد من تعرية الجبهة؟
الجواب:
الأصل: تعرية الجبهة.
لكن: إذا كان هذا الغطاء ليس ثخينًا بحيث يمنع من تمكين الجبهة في السُّجود؛ لا بأس.
أمَّا إذا كان ثخينًا يمنع تمكين الجبهة..يعني الآن لو أنَّني سجدتُ هكذا؛ لا مانع؛ لكن إذا كانت هذه الشِّماغ كبعض العمائم -هكذا- ثخينة، يكون قماشها..أو تكون ملفوفة على الجبهة بشيء ثخين وغليظ بحيث يمنع من تمكين الجبهة؛ فهذا لا يجوز.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.
16. السُّؤال:
ما الكتب التي تنصحون بالاستفادة منها، أو العلماء الذين تَنصحون بهم في مجال الدَّعوة إلى الإصلاح وتقرير أصول الدِّين وقواعده العامَّة، والوقوف في وجه المؤامرات والفتن العاصفة؟
الجواب:
مَن حسُنت عقيدتُه وصلح منهجُه؛ فهو -إن شاء الله- على ثباتٍ واستقرار وقوَّة في مواجهة هذه الفتن والعواصف -ماضيها وحاضرِها ومستقبلها-إن شاء الله-.
عليك بكتب شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن قيِّم الجوزيَّة.
عليك بكتب مشايخنا وعلمائنا الكبار: الشَّيخ ابن باز، والشَّيخ الألباني، والشَّيخ ابن عثيمين.
عليك بكتب الشيخ المعلِّمي اليماني والشيخ محمد الأمين الشَّنقيطي.
عليك بكتب هؤلاء العلماء.
ولو عشتُ وعشتَ عمرَنا -كلَّه- والله؛ لن نستطيع أن نُوفِّي هذه الكتبَ حقَّها من الدراسة والتفقُّه والفهم والاستيعاب والمعرفة الشَّاملة الكاملة.
لذلك: أنا أعجب ممن يذهب إلى فلان وعلان مِن المشاهير -ممن مناهجُهم مختلِطة ومختلِفة- ويترك هؤلاء!!
لو أنَّك أنهَيتَ عِلم هؤلاء سواء المكتوب أو المسموع..الآن هؤلاء العلماء لهم تُراث صوتي بمئات المجلَّدات وآلاف الفتاوى، مَن استطاع أن ينتهي من هذه العلوم -كلِّها-..من علوم هؤلاء العلماء المأمونين المأمومين -رحمهم الله-؛ فحينئذ..وانتقل إلى غيرهم؛ لا بأس، لا نُشدِّد.
لكن الواقع: أنَّ الكثيرين قبل أن يَنتهوا..والبعض قبل أن يبدؤوا بِقراءة هؤلاء العلماء ومناهجهم ومؤلَّفاتهم وتُراثهم ينشغل بغير ذلك!
17. السُّؤال:
ما حُكم الصَّلاة بالتَّباعُد؟
الجواب:
ابتداءً: أنا أفتيتُ قبل أن يكون الأمرُ إلزاميًّا من الجهات الصِّحيَّة والجهات المسؤولة في بلاد المسلمين -بل في بلاد العالَم-تقريبًا-أجمع- أفتيتُ بأن هذا (لا يجوز)، وكانت هنالك فتوى مشهورة لشيخنا الشيخ عبد المحسِن العبَّاد -حفظه الله ورعاه-.
لكن: لما صار الأمرُ إلزاميًّا بحيث ارتبط فتحُ المساجد بذلك وإلا فلا تُفتح المساجد؛ حينئذٍ نقول: حالة الاختيار ليست كحالة الاضطرار، وأقصى ما يُقال في موضوع التَّراص أنَّه واجب، لكن هذا الواجب يَسقط بالضَّرورة، وقد أشار إلى ذلك شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله- في بعض فتاويه.
أمَّا ما نسمعُه مِن أنَّ البعض يُفتي بِعدم جواز الصَّلاة في المساجد: هذا الكلام ممكن أن يُقبَل لو كان ذلك شرطًا في صحَّة الصَّلاة، أو رُكنًا في صحَّة الصَّلاة -بحيث لا تَصح الصَّلاة إلا به-.. أمَا وهو -أولًا- واجب -ليس أكثر-، أمَا وأن هذا الواجب إلزامي واضطراري -ليس بالخيار-؛ فلا نُضحِّي بصلاةِ الجماعة من أجل هذا التَّباعُد.
ونسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يدرأَ عنا وعنكم وعن جميع المسلمين البلاءَ والوباءَ وكلَّ داء؛ إن ربي سميع الدُّعاء.
انتهى اللِّقاء الثاني والخمسون
وهذا آخر ما وصلني من لقاءات مفتوحة للشيخ -رحمه الله-
على صفحة الأخ رائد رماحة -وفقه الله- على موقع (الفيسبوك).
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصَّالحات