أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
34603 107599

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-28-2013, 11:31 PM
محمد نوفل محمد نوفل غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 324
Post عاصِمة: اسْتَدِلَّ ثُمَّ اعْتَقِدْ، أم قاصمة: اعْتَقِدْ ثُمَّ اسْتَدِلّ؟

عاصِمة: اسْتَدِلَّ ثُمَّ اعْتَقِدْ، أم قاصمة: اعْتَقِدْ ثُمَّ اسْتَدِلّ؟
مِن أبرز سِمات منهج أهل السُّنَّة: التجرُّد التامّ في تحصيل الحقِّ وطلبِه وتحقيقِه، دونَ هوى أو عصبيَّة، وذلك باستفراغ الجهدِ في تمحيصِ مُفرَداتِ الأدلَّةِ، حتى ينقادَ أصحابُ هذا المنهجِ إلى الحقِّ، فلا يحتجُّون بالاختلافِ لتسويغِ أقوالهِم واختياراتِهم!!

فقد أصبحَ الخلافُ في المسائلِ مَعدوداً في حُجَجِ الإباحةِ، حتَّى صارَ في مِثلِ هذا الزَّمانِ الاعتماد في جَوازِ الفِعلِ كونه مختلَفاً فيهِ بَيْنَ أهل العِلمِ؟!(1)

والحقُّ -والحقُّ يُقال-: إنَّهُ لا يُعترَضُ على الأدلَّةِ بِخلافِ المُخالِف؛ فإنَّ الأدلَّةَ هي الَّتي تُبْطِلُ ما خالَفَها مِن الأقوالِ، ويُعْتَرَضُ بها على مَن خالفَ موجبها، فتُقَدَّمُ على كُلِّ قَوْلٍ اقتَضَى خِلافَها.

وعلى هذا كلمةُ علماءِ الأمصارِ في شَتَّى البُلدانِ والأعصارِ.

يَقُولُ الحافظُ ابنُ عبد البَرِّ -رحمهُ اللهُ- في «جامع بيانِ العِلْمِ وفضلِه»(2/299): «الاختلافُ ليسَ بحُجَّةٍ عندَ أحدٍ عَلِمْتُهُ مِن فُقهاءِ الأُمَّةِ، إلّا مَن لا بَصَرَ لَهُ، ولا معرفة عندَه، ولا حُجَّة في قولِهِ».

وقال شيخُ الإسلام -رحمهُ اللهُ- في «مجموعِ الفتاوَى»(26/202-203): «وليس لأحدٍ أن يحتجَّ بقول أحدٍ في مسائلِ النِّزاعِ؛ وإنَّما الحُجَّة: النصّ والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلَّةِ الشرعيةِ، لا بأقوالِ بعضِ العلماءِ؛ فإنَّ أقوالَ العلماءِ يُحْتَجُّ لها بالأدلّة الشرعيَّةِ، لا يُحتجُّ بها على الأدلَّةِ الشرعيَّةِ».

فحذارِ -يا رعاكَ اللهُ-: أنْ تُقْبِلَ على مسائلِ الخلافِ دونَ أنْ تتجرَّدَ مِن هوَى الانتصارِ للقولِ الَّذي تَميلُ إليه قَبْلَ الاستدلالِ واستفراعِ الوُسْعِ في مُطالعةِ أدلَّةِ الأقوالِ الأخرى؛ لأن ذلكَ قد يكونُ صارفاً لك عنِ الإنصافِ والانقيادِ للحقِّ، وقد يكونُ ذلك سبباً في تحريفِ وتأويلِ النُّصوصِ على ما تعتقدُ، وهذا شأنُ أهلِ البدعِ الَّذين جعلُوا الأدلَّةَ الشرعيَّةَ مَنظوراً فيها مِن وراءِ ذلكَ.

قَالَ الشاطِبيُّ -رحمهُ اللهُ- في «الاعتصام»(3/133-بتحقيقي): «ولِذا؛ سُمِّيَ أهلُ البدعِ أهل الأهواءِ؛ لأنهم اتَّبَعوا أهواءَهم، فلمْ يأخُذُوا بالأدلَّةِ الشرعيَّةِ مأخذَ الافتقارِ إليها والتعويلِ عليها، حتى يَصْدُرُوا عنها، بل قدَّموا أهواءَهُم، واعتمدُوا على آرائِهم، ثُمَّ جَعَلُوا الأدلَّةَ الشرعيَّةَ منظوراً فيها مِن وراءِ ذلكَ»(2).

فأهلُ الأهواءِ والبدعِ يعتقدونَ الأمرَ، ثُمَّ يطلبونَ الدليلَ عليهِ، ولا يريدونَهُ إلَّا موافقاً لِمَا يعتقدونَ، فإنْ جاءهم بما يُخالِفُ ما اعتقدوهُ؛ نَبَذُوهُ وَلَجُّوا في مقاومتِه، وإنْ أدَّى ذلك إلى جَحْدِ العَقْلِ بِرُمَّتِهِ(3)، فأكثرُهم يعتقدُ فَيَسْتَدِلُّ، وقَلَّما تَجِدُ بينهم مَن يَتسَدِلُّ لِيَعْتَقِدَ!!

يقولُ الشيخُ العلَّامةُ الفقيهُ محمدُ بنُ صالحٍ العُثَيمِين -رحمهُ اللهُ- في «القولِ المُفيد»(2/819): «وِمن ذلك بعضُ المقلِّدين يَفْهَمُ النُّصوصَ على ما يُوافقُ هَواهُ؛ فَتجِدُهُ يُحمِّلُ النُّصوصَ مِن الدّلالاتِ ما لا تَحتَمِلُ، كذلكَ -أيضاً- بعضُ العَصِرِيِّين يُحمِّلونَ النُّصوصَ ما لا تَحْتَمِلُهُ؛ حتَّى توافقَ ما اكتشفَهُ العِلْمُ الحديثُ والفَلَكُ وغيرُ ذلكَ.

كُلّ هذا مِن الأمورِ التي لا يُحْمَدُ الإنسانُ عليها؛ فالإنسانُ يجبُ أنْ يَفْهَمَ النُّصوصَ على ما هي عليه، ثُمَّ يكونُ فَهْمُهُ تابِعاً لها، لا أنْ يُخْضِعَ النصوصَ لِفَهْمِهِ أو لِمَا يعتقدُهُ.

ولهذا يقولونَ: استدلّ ثُمَّ اعتقِدْ، ولا تعتقدْ ثُمَّ تستدلّ؛ لأنَّك إذا اعتقدتَ ثُمَّ اسْتَدْلَلْتَ رُبَّما يَحْمِلُكَ اعتقادُك على أن تُحَرِّفَ النُّصوصَ إلى ما تعتقدُه، كما هو ظاهرٌ في جميع المِلَلِ والمذاهبِ المُخالِفَةِ لما جاء به الرسولُ -عليه الصلاة والسلام-، تَجِدُهُم يُحَرِّفُونَ هذهِ النُّصوصَ لِتُوافقَ ما هُم عليهِ، والحاصلُ أنَّ الإنسانَ إذا كانَ لهُ هوًى؛ فإنَّهُ يُحمِّلُ النُّصوصَ ما لا تَحْتَمِلُهُ مِن أجلِ أنْ تُوافِقَ هَوَاه».

فالمُتَعَيَّنُ: التَّحَرِّي عن الحقِّ بِكُلِّ تجرُّدٍ وإنصافٍ، والنَّظر في الأدلَّةِ بحِكمةٍ، وحُسْن تأمُّلٍ، مع الحرصِ على بُلوغِ الغايةِ مِن تحصيلِ الحقيقةِ المنشودةِ، دونَ استصحابِ مآرِب مخصوصة أو حاجات مُعَيّنة؛ كما نَبَّهَ إلى ذلكَ العلماءُ المعتبَرونَ؛ حيثُ أبانُوا أنَّ المنهجَ العلميَّ هو: (استدلّ ثُمَّ اعتقِدْ) وهي مِن محاسِنِ كلامِهم -رحمهمُ اللهُ-(4).

لأنكَ إذا اعتقدتَ ثُمَّ اسْتَدْلَلْتَ؛ فإنَّك تبحثُ عَمَّا يُؤَيِّدُ اعتقادَك، لا عن الحقِّ!!

فالاعتقادُ قبلَ الاستدلالِ يَحْمِلُ صاحِبَهُ على تلمح أدلة القولِ الَّذي يذهبُ إليهِ ويَنْصُرُهُ ويهواهُ، والإغماض عَمَّا يعارِضُهُ مِن الأدلَّةِ، وتأويلها التأويلات الفاسدة، والتكلف في الرَّدِّ على مَن أوْرَدَهَا.

مع أنَّ المطلوب «إذا ورد عليك خِطابٌ بلسانٍ أو هجمت على كلامٍ في كتابٍ، فإياكَ أن تقابلَه مقابلةَ المغاضَبةِ الباعِثَةِ على المغالَبَةِ قَبْلَ أنْ تتيقَّنَ بطلانَهُ ببرهانٍ قاطعٍ.

وأيضاً لا تُقْبِلْ عليه إقبالَ المُصَدِّقِ به المستحسنِ إيَّاهُ قَبْلَ عِلْمِكَ بصِحَّتِه ببُرهانٍ قاطِعٍ؛ فَتَظْلِم في كِلَا الوجهَيْنِ نَفْسَك، وتَبْعُد عن إدراكِ الحقيقِة، ولكنْ أقْبِلْ عليهِ إقبالَ سالمِ القلبِ عن النزاعِ عنه والنزوع إليه، لَكِنْ إقبالَ مَن يريدُ حَظَّ نفسِه في فَهْمِ ما سَمِعَ ورأى، فالتزيُّد بِهِ عِلماً، وقبوله إنْ كان حَسَناً، أو ردّه إن كان خطأً، فمضمونٌ لك إذا فَعَلْتَ الأجر الجزيل، والحمد الكثير، والفضل العميم»(5).

يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ -رحمهُ اللهُ- في «مجموعِ الفتاوَى»(3/62-63): «فعلى كُلِّ مؤمنٍ أنْ لا يتكلَّمَ في شيءٍ مِن الدِّينِ إلَّا تَبَعاً لِمَا جاءَ به الرسولُ، ولا يتقدَّمَ بَيْنَ يديه، بلْ يَنْظُرُ ما قال، فيكون قولُه تَبَعاً لِقولِه، وعِلْمُهُ تَبَعاً لِأمرِه، فهكذا كان الصحابةُ وَمن سَلَكَ سبيلَهم مِن التابِعِين لهم بإحسانٍ وأئمَّة المسلمين.

فلهذا؛ لمْ يكنْ فيهم مَن يُعارِضُ النصوصَ بمَعْقُولِه، ولا يُؤَسِّسُ دِيناً غير ما جاءَ به الرسولُ، فمِنهُ يتعلَّمُ وبه يتكلَّمُ، وفيهِ ينظرُ ويتَفَكَّرُ، وبه يستدلُّ، فهذا أصلُ أهلِ السُّنَّةِ».

نَعَمْ، أهلُ السُّنَّةِ قد وَطَّنُوا أنْفُسَهُم على قَبُولِ الحقِّ والانقيادِ له، فَهُمْ مستعدُّون لِتَقَبُّلِ النتائجِ عندَ ظُهورِها، يَقِفُونَ عندَ الحقِّ أينَ كان موضعُهُ، ويَدُوروُنَ معه حيث دارَ بأدلَّتِه وأصولِه وفُروعِه، لا يَتَعَصَّبُونَ لِرَأْيِ الرجالِ، ولا يَتَعَلَّقُونَ بالعناوينِ والأسماءِ.

يقولُ الخطيبُ البغداديُّ -رحمهُ اللهُ- في «الفقيهِ والمتفقِّه»(2/112): «فينبغِي لِمَنْ لَزِمَتْهُ الحُجَّةُ، ووُضِعَتْ له الدّلالَةُ أنْ ينقادَ لها، ويصيرَ إلى مُوجِباتِها؛ لأنَّ المقصودَ مِن النَّظَرِ والجَدَلِ طلبُ الحقِّ، واتباعُ تكاليفِ الشَّرعِ، وقالَ اللهُ -تعالى-: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزُّمَر:18]».

ومِنْ هذا المُنْطَلَقِ يقولُ ابنُ حَزْم -رحمه الله- في «الإحكام»(1/23-دار الحديث): «وهكذَا نقولُ نحنُ اتِّباعاً لِربِّنا -عزَّ وجَلَّ- بَعْدَ صِحَّةِ مَذاهبِنا، لا شَكّاً فيها ولا خوفاً مِن أنْ يأتِيَنا أحدٌ بما يُفسِدُها، ولكنْ ثقةً منَّا بأنَّهُ لا يأتي أحدٌ بما يعارضُها بهِ أبداً؛ لأنَّنا -ولله الحمدُ- أهلُ التَّخليصِ والبحثِ، وقطع العُمُر في طَلَبِ تصحيحِ الحُجَّةِ واعتقادِ الأدلَّةِ قبلَ اعتقادِ مَدلولاتِها، حتَّى وُفِّقْنَا -ولله تعالَى الحَمْدُ- على ما ثلج اليقين، وتَرَكْنَا أهلَ الجَهْلِ والتقليدِ في رَيْبِهِم يتردَّدُون.

وكذلكَ نَقُولُ فيما لمْ يَصِحَّ عندنا حتى الآن، فنقولُ مُجِدِّينَ مُقِرِّينَ: إنْ وَجَدْنَا ما هو أَهْدَى منهُ اتَّبَعْنَاهُ، وتَرَكْنَا ما نَحنُ عليه».

والحِرصُ عَلى الحقِّ وإيثارُه على ما سواهُ يحتاجُ إلى عملٍ قلبيٍّ في إرادةِ الحقِّ ومُحبِّيه، وإلى عِلْمٍ بالأدلَّةِ الشرعيَّةِ؛ وطريقة إثباتها وسُبُل الاستدلال منها؛ فإنَّ فسادَ الإرادةِ والجهل بالأدلَّةِ مانِعَانِ مِن قَبُولِ الحقِّ والعملِ بهِ(6).

يقولُ الشيخُ عبدُ الرحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعْدِيُّ -رحمهُ اللهُ- في «توضيحِ الكافية»(28): «أعظمُ الأخلاقِ الجميلةِ الواجبةِ -خُصوصاً في هذا المَقامِ-: هو التمسُّكُ بكتابِ الله وسُنَّةِ رسولِهِ، وأنْ يكونَ هذا الأمرُ هو قاعدة العبدِ وآخيته التي يرجعُ إليها ويَرُدُّ ما تنازع فيه المُتنازعونَ إليه؛ فما وافَقَهُ: فهو الحَقُّ المقبولُ، وما ناقَضَهُ: هو الباطلُ المردودُ، ومَا لا يَعْلَمُ موافقتَه لمناقضتِه: وَقَفَ فيه حتَّى يتبيَّنَ أمْرَهُ.
فإذَا بنى العبدُ أقوالَهُ وعلومَه ونظرَهُ ومناظرَتَهُ على هذا الأصلِ؛ أفْلَحَ وأَنْجَحَ، وكان على ثقةٍ مِن أمْرِه، ويقينٍ مَن براهينه، لكنْ لا يَصْلُحُ هذا ولا يَتِمُّ إلَّا لِمَنْ كانَ عارِفاً بالأدلَّةِ الشرعيَّةِ.

وأَمَّا الجاهِلُ: فما يُفسِدُهُ أكثرُ مِمَّا يًصْلِحُهُ، فعليهِ أنْ يتعلَّمَ لِيَتَكَلَّمَ».

وقال ابنُ القَيِّمِ في «زادِ المعاد»(14/246) -في مَعْرِضِ تقريرِه لمسألةٍ فقهيَّةٍ-: «ولكنّ هذا كلُّه عَمَلُ مَن جَعَلَ الأدلةَ تَبَعاً للمذهبِ، فاعتقدَ ثمَّ استدلَّ، وأمَّا مَن جَعَلَ المذهبَ تَبَعاً للدَّليلِ، واستدلَّ ثمَّ اعتقدَ لَمْ يُمْكِنْهُ هذا العملُ».

نَعَمْ، مَن أَعْمَلَ قاعدةَ أهلِ السُّنَّةِ (استدلّ ثمَّ اعتقدْ) لمْ يجعل للبِدَعِ والفسادِ مسلكاً أنْ تحيطَ بِه مِن كُلِّ مكانٍ، ويصبح أعمى عن الحقِّ، يقودُه جُهَّالٌ لا نصيبَ لهم إلَّا سنواتٍ قَضَوْهَا في ترتيباتٍ، ومعالجةِ أساليبَ ووسائلَ دونَ الوقوفِ مع الوحيِ -العقيدةِ والسُّنَّةِ-، وجَعْلِهِ حَكَماً على الأشخاصِ والأعمالِ والترتيباتِ والهيئاتِ والجمعيَّاتِ والأعرافِ والسياساتِ والأذواق والعادات والمألوفات والمصالحِ.
ولا يَقْوَى على هَذَا إلَّا مَن كَانَ شَبْعَانَ رَيَّانَ مِن النُّصوصِ الشرعيَّةِ، ومعرفةِ طرقِ العلماءِ في إثباتِها والاستدلالِ بها، على الوجهِ الذي جاءتْ به الرُّسُلُ -عليهم السلام-.

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ في «منهاجِ السُّنَّةِ النبويَّة»(7/61): «فما جاءتْ بهِ الرُّسُلُ عن الله فهو سُلطانٌ؛ فالقرآنُ سُلطانٌ، والسُّنَّةُ سُلطانٌ، لكنْ لا يُعرفُ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم- جاءَ به إلا بالنَّقلِ الصادقِ عن الله، فكلّ مَن احتجَّ بشيءٍ منقول عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم- فعليهِ أنْ يَعلمَ صحتَهُ، قَبْلَ أنْ يعتقدَ موجبه ويستدلَّ به، وإذا احْتَجَّ به على غيرِه فعليهِ بيان صحتِه، وإلَّا كان قائلاً بلا عِلمٍ، مُسْتَدِلّاً بلا عِلم.

وإذا عَلِمَ أنَّ في الكُتُبِ المصنَّفةِ في الفضائِلِ ما هو كَذِبٌ صارَ الاعتمادُ على مُجرَّدِ ما فيها؛ مثل الاستدلالِ بشهادةِ الفاسقِ، الذي يُصَدَّقُ تارةً ويُكَذَّبُ أخرى، بل لو لمْ يَعْلَمْ أنَّ فيها كذباً؛ لمْ يُفِدْنَا عِلْماً حَتَّى نَعْلَمَ ثِقَةَ مَن رَوَاهَا.

وَبْيَنَنا وبَيْنَ الرسولِ مِئُونَ مِن السِّنِين، ونحنُ نَعْلَمُ بالضرورةِ أنَّ فيما يَنْقُلُ النَّاسُ عنهُ وعنْ غيرِهِ صِدْقاً وكَذِباً.

وقد رُوِي عنهُ أنَّهُ قالَ: «سيُكْذَبُ عَلَيَّ»(7)، فإنْ كان هذا الحديثُ صِدْقاً: فلا بُدَّ أنْ يُكْذَبَ عليه، وإنْ كان كَذِباً: فقد كُذِبَ عليهِ.

وإنْ كان كذلك؛ لمْ يَجُزْ لأحدٍ أنْ يَحْتَجَّ في مسألةٍ فرعيَّةٍ بحديثٍ حتى يُبَيِّنَ ما بهِ يَثْبُتُ، فكيفَ يَحْتَجُّ في مسائلِ الأصولِ التي يَقْدَحُ فيها خِيارَ القُرونِ وجماهيرَ المسلمين وساداتِ أولياءِ الله المُقَرَّبِين، بحيث لا يَعْلَمُ المُحْتَجُّ به صدقَه؟».
الهوامـش:

(1) كان أحمد بن يحيى، المعروف بابن الراوندي: إذا جادل في حكم السماع احتج على مخالفيه بوقوع الخلاف في هذه المسألة، وهكذا..
وحكى شيخ الإسلام -رحمه الله- في «مجموع الفتاوى»(11/507) عن أبي عبد الرحمن السلمي في مسألة السماع عن ابن الراوندي، أنه قال: «إنه اختلف الفقهاء في السماع، فأباحه قوم، وكره قوم، وأنا أوجبه وآمر به»!!
ومقصده -عامله الله بعدله- تنغيص الدِّين وأهله، وإفساد جماعته، والحرص على أن لا يجتمعوا على كلمة سواء بينهم.
وكانت اليهود تقول للمسلمين: «لا يفسدن عليكم هذا كتابكم، كما أفسد أبوه علينا التوراة...».
انظر «المنتظم»(3/108)، و«البداية والنهاية»(10/374)، و«تحريم آلات الطرب»(ص164)، و«الصوارف عن الحق»(ص91).

(2) انظر تقرير هذا -أيضاً- في: «مجموع الفتاوى»(10/568 و28/133)، و«جامع الرسائل»(2/205-207)، و«نقض المنطق»(ص154).

(3) وذلك أن فيه إبطال منفعة العقل، وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها، ويمشي في الظلمة، فالمقلد راض أن يغبن عقله، وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لما قال في «منهاج السنة»(5/281): «فإن التقليد لا يورِّث إلا بلادة».
وانظر: «مداواة النفوس»(ص74)، و«المناظرات الفقهية»(ص37)، و«الرسالة الباهرة»(ص21).

(4) انظر: «أوابد الأشياخ»(ص45) لحمزة بن فايح الفتحي.

(5) «مداواة النفوس»(ص84) لابن حزم.

(6) انظر: «فقه الحوار مع المخالف في السنة النبوية»(ص56).

(7) قال ابنُ المُلَقِّن في «تذكرة المحتاج»(48): «هذا الحديث لم أرَهُ كذلك».
وقال الزّركشي في «المعتبر»(85): "لعلَّهُ مرويٌّ بالمعنى مِن حديثِ أبي هريرةَ في «مُسلم»؛ قال رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم-: «سيكونُ في آخرِ الزَّمانِ دجّالُون كذّابُون، يأتونَكُم مِن الأحاديثِ بِما لمْ تسمعُوا أنتُم ولا آباؤُكم، فأيَّاكُم وإيَّاهُم لا يُضِلُّوكم ولا يَفتِنُوكُم».
وقال العِراقيُّ في «تخريج أحاديث المنهاج»(47): «لا أصلَ له هكذا».
نقلًا عن كتاب: «الإمام الألباني وجماعة التبليغ»(ص12-19)
تأليف: فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان –حفظه الله-
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-29-2013, 12:24 AM
أبو بدر محمد نور أبو بدر محمد نور غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
الدولة: صومالي ، مقيم في الإمارات
المشاركات: 201
افتراضي

إن هذه القاعدة الفاسدة قد تعدت أهل البدع حتى صار من أهل السنة من يعمل بها :
فتجده يستدل ليضلل فلان بدليل فإذا أخفق ذلك الإستدلال انتقل إلى آخر رجاء أن ينفع هذا الدليل الثاني فإذا انكشف بحث له عن زلة فإن لم تجد اتهمه بما ليس فيه .... فإلى الله المشتكى



وتعرف مستخدمي هذه القاعدة بأنهم يستدلون بالعام والمجمل والواهي من الآيات والأحاديث والآثارويتركون الصحيح الصريح ويبررون أقوالهم وأفعالهم بمبررات غير صحيحة وتجدهم يتناقضون ويستدلون بما هو حجة عليهم يحسبونه لهم ويلوون أعناق النصوص .




قال عن هذه القاعدة العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"....ولهذا قال العلماء كلمة طيبة ، قالوا : يجب على الإنسان أن يستدل ثم يبني ، لا أن يبني ، ثم يستدل.
لأن الدليل أصل والحكم فرع ، فلا يمكن أن يُقلب الوضع ، ونجعل الحكم الذي هو الفرع أصلاً ،والأصل الذي هو الدليل فرعاً.
ثم أن الإنسان إذا اعتقد قبل أن يستدل ولم تكن عنده النية الحسنة صار يلوي أعناق النصوص من الكتاب والسنة إلى ما يعتقده هو ، وحصل بذلك البقاء على هواه ، ولم يتبع الهدى." اهـ

["لقاء الباب المفتوح"]
__________________

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-29-2013, 07:20 PM
محمد نوفل محمد نوفل غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 324
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو بدر مشاهدة المشاركة
إن هذه القاعدة الفاسدة قد تعدت أهل البدع حتى صار من أهل السنة من يعمل بها :
فتجده يستدل ليضلل فلان بدليل فإذا أخفق ذلك الإستدلال انتقل إلى آخر رجاء أن ينفع هذا الدليل الثاني فإذا انكشف بحث له عن زلة فإن لم تجد اتهمه بما ليس فيه .... فإلى الله المشتكى



وتعرف مستخدمي هذه القاعدة بأنهم يستدلون بالعام والمجمل والواهي من الآيات والأحاديث والآثارويتركون الصحيح الصريح ويبررون أقوالهم وأفعالهم بمبررات غير صحيحة وتجدهم يتناقضون ويستدلون بما هو حجة عليهم يحسبونه لهم ويلوون أعناق النصوص .




قال عن هذه القاعدة العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"....ولهذا قال العلماء كلمة طيبة ، قالوا : يجب على الإنسان أن يستدل ثم يبني ، لا أن يبني ، ثم يستدل.
لأن الدليل أصل والحكم فرع ، فلا يمكن أن يُقلب الوضع ، ونجعل الحكم الذي هو الفرع أصلاً ،والأصل الذي هو الدليل فرعاً.
ثم أن الإنسان إذا اعتقد قبل أن يستدل ولم تكن عنده النية الحسنة صار يلوي أعناق النصوص من الكتاب والسنة إلى ما يعتقده هو ، وحصل بذلك البقاء على هواه ، ولم يتبع الهدى." اهـ

["لقاء الباب المفتوح"]
جزاك الله خيرًا -أخي الكريم- على هذا النقل الطيب المبارك..
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-29-2013, 10:33 PM
أبو بدر محمد نور أبو بدر محمد نور غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
الدولة: صومالي ، مقيم في الإمارات
المشاركات: 201
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد نوفل مشاهدة المشاركة
<B>
جزاك الله خيرًا -أخي الكريم- على هذا النقل الطيب المبارك..

</B>
وإياك أخي الفاضل
__________________

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-04-2013, 03:42 PM
عمر 1991 عمر 1991 غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2012
الدولة: القاهرة مصر
المشاركات: 483
افتراضي

جزاك الله خيراً
وحبذا لو اجتهد في جمع النصوص التي وردت عن أئمة البدع - أشاعرة صوفية معتزلة خوارج أو حتى أقوال علمانية معاصرة - في التصريح برد النصوص المخالفة للأصول العقلية
وذلك إثراءً للموضوع
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-19-2014, 01:07 AM
السلفي السطائفي السلفي السطائفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: سطيف حرسها الله من كل مكروه
المشاركات: 167
افتراضي

للتذكير
أين كانت مدفونة كل هاته الزلات يأهل اليمن
أم هي إنتظار إنتهاء مدة الصلاحية
وفق الله مشايخ اليمن في ردع المشاغبين الصغار
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:49 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.