معذرة أيها القراء التصريح مشطوب والتلميح محجوب / عبدالرحمن بن ندى العتيبي..

[خالد بن إبراهيم آل كاملة]

معذرة أيها القراء التصريح مشطوب والتلميح محجوب

عبدالرحمن بن ندى العتيبي



البراءة من الشرك وأهله من أهم ركائز العقيدة الصحيحة، وهي مقتضى شهادة ان لااله الاالله، فهذه الكلمة العظيمة تحمل الاثبات والنفي، اثبات ان الاله الحق المستحق للعبادة وحده هوالله جل جلاله وتسلتزم كلمة التوحيد لا اله الا الله النفي لأي شريك لله في ربوبيته وألوهيته واسمائه وصفاته، فهووحده الخالق الرازق المحيي المميت، وهووحده الاله الحق الذي يجب ان تصرف له جميع أنواع العبادة، وهوسبحانه ليس له مثيل في اسمائه وصفاته قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى]، وقال تعالى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} [مريم]، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الاخلاص].

يجب إعلان البراءة من الشرك

الأنبياء جميعا جاؤوا بالتوحيد وهم على ملة واحدة في الاخبار عن الله واسمائه وصفاته والدعوة الى توحيده، وعدم الاشراك به، وعقيدتهم واحدة في الايمان بالله وملائكته واليوم الآخر والاخبار عن المغيبات، وقد اختلفت شرائعهم في بعض الأحكام، ومما جاء به الانبياء عليهم السلام (اعلان البراءة من الشرك) وهي ملة ابراهيم عليه السلام قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي ابْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ اذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: ٤]، وعلى ذلك النهج سار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا الَيْكَ ان اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)} [النحل]، وقال تعالى {قُلْ إنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)} [الأنعام] 
فقد دعا خير البشر النبي صلى الله عليه وسلم قومه الى توحيد الله وأعلن براءته من معبوداتهم {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} [الكافرون].

التصريح ببطلان المذاهب المنحرفة عن الإسلام

الملل والأديان والمذاهب المخالفة للحق كثيرة وكل فرقة منها تدعي بأنها على الحق وأن ما تؤمن به هو الصواب وهوطريق النجاة وأنّى لهم ذلك قال تعالى {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} [الروم] فالباطل متعدد أما الحق فهو واحد، والباطل يناقض الفطرة ولا يوافق العقل السليم لأن الباطل مبني على الجهل والظن والتخمين والأوهام والأكاذيب، أما الحق فهو موافق للفطرة ولا يصطدم مع العقل فالحق مبني على اليقين المستمد من الوحي المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الحق الذي لايأتيه الباطل وعندما نتكلم عن الباطل ونحذر منه فان البيان يشمل جميع أنواع الملل المخالفة فيكون التوضيح لثالوث النصارى وشركهم وفساد معتقدهم ولتحريف اليهود وخطرهم وضلال البوذية باعتناقهم لعقيدة التناسخ وبيان جهل الشيوعية في الحادها وانكارها لوجود الخالق ومناقضتها للفطرة ولما اتفق عليه العقلاء من ان الكون خلقه خالق عظيم ويشمل التحذير من الشبه التي أثارتها بعض الفرق كما حصل من المعتزلة عندما أثاروا شبهة القول بخلق القرآن، فهذه المذاهب يتناولها الداعية ويبين زيفها ويدحض شبهها حتى يكون عند الأمة حصانة ضدها فلا يجوز لأحد من أفراد الأمة ان ينسلخ من دينه ويعتنق هذه المذاهب ومن عرف التوحيد وعمل به لم يقع في الشرك، وهناك فائدة من تدارس عقائد الفرق المنقرضة لأنه يمكن ان تنشأ فرق بأسماء جديدة وتحمل نفس الشبه السابقة فيستلزم الأمر التحذير المستمرمن المعتقدات الفاسدة.

النصيب الأكبر لمن يعيش في محيطنا
المذاهب الدخيلة على الإسلام كثيرة وهي تحمل ما يخالف المعتقد السليم ونسمع منها الشرك الصريح فتجد الاستغاثة بغيرالله ونسبة علم الغيب الى غيرالله وتقديس الأولياء والأموات ونسبة جلب النفع ودفع الضر لهم والحلف بهم والذبح والنذر عند الأضرحة، وذلك كله شرك لا يرضاه الله وهذه المذاهب هي التي يجب ان يصرف لها النصيب الأكبر من الوقت لبيان بطلانها والدعوة الى تركها واعتناق المذهب الصحيح.

السكوت عن الباطل يساعد على نشره
انكار المنكر من أبواب الدين المهمة ومن قصر في ذلك فهو عرضة لسخط الله وأليم عقابه قال تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 98- 99] ومن أعظم المنكرات الشرك بالله وقتل الأنفس المعصومة وموالاة أعداء الله ومهمة الداعية الصادق الأمر بالمعروف وانكار المنكر في كل مكان وزمان وخاصة عند التمكين، قال تعالى {الَّذِينَ ان مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [الحج]، ولقد أمر الله ببيان الحق للناس وعدم كتمانه قال تعالى {ان الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} [البقرة]، 
وأول من يستفيد من بيان الحق وانكار الباطل هم أتباع الباطل الذين لبس عليهم لجهلهم أو اعتنقوا الباطل اتباعاً لآبائهم دون تفهم أو تعقل أو تمحيص لما هم عليه من ضلال، واذا استمرالسكوت عن الباطل فان ذلك يساعد على نشره واذا قوي فلن يسلم أحد من شره والتاريخ شاهد على ذلك فمتى قويت شوكتهم بدا منهم ما كانوا يخفونه قبل وسعوا في ايذاء المسلمين وافساد معتقداتهم.

التصريح أولى من التلميح
يلجأ من يكتب عن الباطل الى التلميح بانحراف المذاهب الباطلة وقد يصرح بالتحذير من الشرك الذي يقعون فيه ولكن عقول الناس متفاوتة في الفهم فمنهم من لا يتنبه الى التلميح فلا يعلم المقصود فيظن ان الكاتب يتكلم عن فئات لا توجد في الأمة ولذلك يكون التصريح هو الأولى حتى يتضح الحق وتظهر الحجة من غير غبش ويعلم الباطل فيحذر منه الجميع وفي بعض الأحيان يجد الكاتب أنه يمنع من التصريح أو التلميح وقد يجد ان ما كتبه شطب منه وحجب الشيء المهم الذي فيه بيان الباطل والتحذير منه، وذلك الحجب يفقد الموضوع قوته ومدى تأثيره في القارئ فالواجب التصريح بالتحذير من الشرك وانكاره، ومعرفة حق الله وحق نبيه صلى الله عليه وسلم، واحتساب الأجر على الله في الأمربالمعروف والنهي عن المنكر دون أن تأخذ المؤمن في الله لومة لائم {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أن تَخْشَوْهُ} [التوبة: 13]، ومن خشي الله وعمل برضاه ونصر دينه فهو على موعد مع جنة يخلد فيها منعماً {إن الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} [البينة]، نسأل الله ان يجزل المثوبة لكل من ساهم في نشر الحق وابطال الباطل وبذل في ذلك نفسه وماله.

عبد الرحمن بن ندى العتيبي
جريدة الوطن الكويتية
18-12-2011