أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
53308 151323

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-18-2014, 12:45 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي سلسلة مقال الخطيب ( 46 ) : {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ } .



{ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد :

فقال الله – تعالى – على لسان نبيه يعقوب - عليه السلام – وهو يبعث الأمل بالله في نفوس أبنائه - : { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } .

ولهذا التعليم النبوي سبب جليل ؛ فإن يعقوب – عليه السلام – قد توالى عليه البلاء ، فأول ما نزل به فراق ابنه الذي شغف قلبه حباً ؛ يوسف – عليه السلام – فارقه وهو صغير وانقطعت عنه أخباره حتى مضى على فراقه ما يقارب العشرين سنة .

ثم فجع بابنه الآخر ( بنيامين ) ، وذلك عندما أخذه يوسف – عليه السلام – بالمكيدة الربانية ، كما قال – تعالى - : { كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ } .

ومن هنا بدأ البلاء بالاشتداد على إخوة يوسف ، {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } . وهذا مشهد الاستعطاف عند البلاء ، فطلبوا منه أن يرحم أباه ؛ لأنه شيخ كبير ، ويحبه ، ويشق عليه فراقه . بل قد يتضرر من ذلك ، فقال لهم – قاطعاً رجائهم – : { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ } . فعند ذلك بلغوا مرحلة ( الاستيئاس ) .

وقد بين الله – تعالى – لنا مشهد الاستيئاس الذي طرأ على إخوة يوسف – عليه السلام - ، وهو انقطاع أملهم في تخليص أخيهم من العزيز ، فقال : { فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا } ، أي : انفردوا يناجي بعضهم بعضاً بصوت منخفض ، وقد دخلهم الإحباط واليأس { قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } .

ثم نبههم أخوهم الكبير إلى ضرورة التسليم والرضى بالقضاء والقدر ، والاعتذار إلى أبيهم بذلك ، فقال : { ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } .

ولما كانوا أصحاب سابقة في تضييع يوسف صاروا موضع تهمة عند أبيهم { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا } هذا موقفة منهم بالنسبة لظاهر أمرهم ، وأما بالنسبة لقضاء الله وقدره فما كان منه وهو النبي الكريم إلا التسليم التام لأمر الله ، فقال : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } . و الصبر الجميل هو الصبر الخالي من كل ما ينافي التسليم التام ؛ كالجزع ، والتسخط ، والاعتراض على أمر الله .

وعند تحقيق مقام الصبر الجميل يتولد حسن الظن بالله – تعالى - ، فلذلك قال : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } .

والأنبياء – عليهم السلام – لا يخالفون الفطرة . بل يعملون بمقتضياتها من محبة الولد والحزن على فراقه { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } أي: ساكت لا يشكو أمره إلى مخلوق ، قاله قتادة .

وقال له أبناؤه على سبيل الرفق به والشفقة عليه: { قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ } أي: لا تفارق تَذَكُّر يوسف، { حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا } ضعيف الجسم، ضعيف القوة، { أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ } يقولون : وإن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلاك والتلف.

لكنه بين لهم أن من كمال حسن الظن بالله – تعالى - ، وكمال التعلق به ورجائه : تنشأ في قلب العبد محبة الخلوة بالله - جل في علاه - ، ومحبة مناجاته وبث الشكوى إليه ، { قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } .

ثم بث يعقوب – عليه السلام – في أبنائه روح الأمل بالله – تعالى - ، وحسن التعلق به ورجائه ، فقال : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ } قال السدي : من فرج الله أن يردَّ يوسف { إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } .


فالتفاؤل ، وحسن الظن بالله – تعالى – يبعث على العمل ، ويدعو إلى الجد ، فهو حاد يحدو العبد إلى السعي في تحصيل مصالحه ، ويدعوه إلى الأخذ بكل سبب ولو كان ضعيفاً ؛ لكمال ثقته بالله ، فهو يثق بالله ، ويعتمد عليه لا على الأسباب فلذلك انطلق الأبناء منشرحة صدورهم نحو العزيز ، { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ } .

لقد وصل بهم الحال إلى هذه الصورة البئيسة من الضر والحاجة ، إلا أن سنة الله – تعالى – قد جرت أن إذا بلغ الكرب غايته ، وبلغت الشدة نهايتها أن يأتي الفرج فتنكشف الكروب وتزول الشدة . { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } .

فكشف لهم عن حقيقة حاله بالإشارة والتنبيه ، ففطنوا لذلك { قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } . ثم بين لهم القاعدة التي يؤسس عليها الفرج ، وتستنزل بها الرحمة ، فقال : { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } .

فيا كل مبتلى ، ويا كل مكروب ، ومهموم عليك بتقوى الله والصبر ، فعندها يولد الفرج .

وهنا انكشفت لهم الحقيقة التي غيبها الحسد { قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ } ، فقابلهم يوسف - عليه السلام – بالصفح الجميل ، الخالي من العتاب واللوم { قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }. ولفت نظرهم إلى المهم الآن وهو التعجيل بالبشرى إلى أبيه ، والشوق إلى جمع الشمل { اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }.

فانطلق الأخوة مسرعين { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ } ودنت من مسكن يعقوب – عليه السلام – { قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ } أي : تنسبونني إلى الشيخوخة ، والخرف { قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ } .

ثم انقطع الحوار بظهور الحقائق المغيبة { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .

فما أحوجنا وقد أشتد بنا البلاء ، وتوالت المحن أن نحسن ظنوننا بالله – تعالى - ، ونتأمل الخير ونتطلع إلى الفرج القريب ، ولا نيأس من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .

وهنا عدد من التنبيهات ، والوقفات :

الأولى : قال القرطبي – رحمه الله – في قوله : { إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ } - : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُنُوطَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَهُوَ الْيَأْسُ " ( الجامع لأحكام القرآن : 9/252 ) . وقد جاء في السنة ما يؤكد ذلك فعن ابن عباس – رضي الله عنهما -: " أن رجلا قال : يا رسول الله ! ما الكبائر ؟ قال : الشرك بالله والإياس من روح الله و القنوط من رحمة الله " (صحيح الجامع : 4603 ).
قال ابن عثيمين – رحمه الله - : " المراد بالقنوط : أن يستبعد رحمة الله ويستبعد حصول المطلوب ، والمراد باليأس هنا أن يستبعد الإنسان زوال المكروه " ( القول المفيد : 2/69 ) .

الثانية : كما أنه لا يجوز اليأس من روح الله ، فلا يجوز الأمن من مكر الله ، قال ابن عثيمين – رحمه الله - : " وأما الأمن من مكر الله ، فتجد الإنسان مقيماً على المعاصي مع توافر النعم عليه ، ويرى أنه على حق فيستمر في باطله ، فلا شك أن هذا استدراج " ( القول المفيد : 2/69 ) .
قال – تعالى - : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف : 97 - 99] .

الثالثة : أقبح أنواع القنوط من رحمة الله اليأس من التوبة ، " قال أبو قلابة: هو الرجل يصيب الذنب فيقول: قد هلكت ليس لي توبة فييأس من رحمة الله، وينهمك في المعاصي، فنهاهم الله تعالى عن ذلك " (معالم التنزيل : 1/ 217 ) . قال – تعالى - : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ } [الزمر : 53 - 54] .

الرابعة : إن حسن الظن بالله – تعالى – هو ما اقترن بالعمل الصالح ، فيكون رجاء محموداً ، وإذا خلا من العمل الصالح صار غرورا وأماني كاذبة ، قال – تعالى - : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف : 110] .





رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-08-2014, 07:55 AM
العبيني العبيني غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 7
افتراضي

بارك الله بكم على هذا الطرح
جعله الله في ميزان حسناتك
دمتم بحفظ الله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-11-2015, 12:46 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي



وفيك ربي يبارك
أخي العزيز العبيني
وجزاك الله خيرا وزادك ربي من فضله


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:09 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.