أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
16483 | 103191 |
#1
|
|||
|
|||
مفهوم قصر الخطبة وطول الصلاة - الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم
مفهوم قصر الخطبة وطول الصلاة هذه مسألة مهمة يغفل عنها عدد من الخطباء ليس بالقليل ، ألا وهي مسألة قصر الخطبة وطول الصلاة ، فالناس فيها بين الإفراط والتفريط إلا من رحم الله ، فبعضهم يطيل إطالة مملة فيخالف بذلك السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وآخرون يقصرونها قصراً مخلاً بحيث تقل فائدتها المرجوة منها ، وسبب ذلك هو عدم فهم الحديث الوارد في هذه المسألة فهماً صحيحاً . قال أبو وائل : خطبنا عمار فأوجز وأبلغ . فلما نزل قلنا : يا أبا اليقظان ! لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست – أي أطلت قليلاً ! – فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه – أي علامة – فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة ، وإن من البيان سحراً )) رواه مسلم (1) . وقد كره الشافعي إطالة الخطبة فقال : " وأحب أن يكون كلامه – أي الخطيب – قصداً بليغاً جامعاً.. وإذا فعل ما كرهت له من إطالة الخطبة، أو سوء الأدب فيها.. الخ"(2). وقال ابن حزم : " ولا تجوز إطالة الخطبة " (3) . اهـ . وقال النووي رحمه الله : المراد من الحديث أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلاً يشق على المأمومين . (4) اهـ . وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر بن سمرة قال : كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً (5) . قال النووي رحمه الله : أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق (6) .اهـ . وقال أيضاً : يستحب تقصير الخطبة للحديث المذكور وحتى لا يملوها ، قال أصحابنا : " ويكون قصرها معتدلاً ولا يبالغ بحيث يمحقها (7) .اهـ . وقال الحافظ ابن حجر : " قوله ( قصداً ) القصد : الوسط ، أي لا قصيرة ولا طويلة " (8) . اهـ . وقال ابن القيم : " وكان صلى الله عليه وسلم يقصر في خطبته أحياناً ويطيلها أحياناً بحسب حاجة الناس ، وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة " (9) . اهـ . وقال الحافظ ابن حجر : " وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة ، وعلى مدح الإطناب في مقام الخطابة بحسب المقام " (10) . اهـ . وقال الحسين العمراني : " ويستحب أن يقصر الخطبة . قال الشافعي في القديم : يخطب بقدر أقل سورة ولم يعين . وقد بينه في الأم فقال : أن يأتي بالألفاظ الواجبة التي ذكرناها " (11) .اهـ . وقال في الإنصاف : " ويقصر الخطبة . هذا بلا نزاع . لكن تكون الخطبة الثانية أقصر . قاله القاضي في التعليق . والواقع كذلك " (12) . اهـ . قال أبو محمد : شهدت ابن معدان في جامع قرطبة قد أطال الخطبة ، حتى أخبرني بعض وجوه الناس أنه بال في ثيابه وكان قد نشب في المقصورة (13) . قلت : لعل ابن حزم أراد بما أورده عن ابن معدان أثر البعد عن السنة وعدم تطبيقها وذلك بسبب إطالة الخطبة ، خلافاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم . وقد ذكر الحافظ ابن حجر عن الحكم ابن أبي عقيل الثقفي أنه كان نائباً عن ابن عمه الحجاج بن يوسف ، وكان على طريقة ابن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة حتى يكاد الوقت أن يخرج ، وقد أورد أبو يعلى قصة يزيد الضبي وإنكاره على الحكم هذا الصنيع (14) . اهـ . قلت : ولأجل أن نصل إلى تحديد تقريبي من حيث فهم معنى طول الصلاة وقصر الخطبة بالتوقيت العصري ، فأقول وبالله التوفيق : إنك لو قرأت في صلاة الفجر مثلاً بالجمعة والمنافقين قراءة متأنية ؛ لأخذت الصلاة منك ما لا يقل عن عشر دقائق إن لم تصل إلى خمس عشرة دقيقة ، وقد جربت ذلك فوجدته كذلك ، وهذا كله إذا قرأت حدراً مع ركوع الصلاة وسجودها ؛ فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ينفذ أمر ربِّه { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } سورة المزمل ، آية : 4 وكان يطيل الركوع والرفع منه ، والسجود والجلوس بين السجدتين ، ويقول راوي الحديث: حتى يقول القائل إنه نسي (15) ، فإذا كان الأمر كذلك فقد تصل الركعتان بالنسبة لمن أراد أن يطبق صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عشرين دقيقة أو ما يقاربها على الأقل ، فيكون قصر الخطبة بالنسبة إلى الصلاة أقل من عشرين دقيقة أو يقاربها . هذا على سبيل المثال . وإلا فخير الأمور الوسط كما قال جابر بن سمرة – رضي الله عنه – في الحديث السابق . ومما يؤكد ما مضى ، هو ما أخرجه ابن شيبة من طريق طاوس قال : " أول من خطب قاعداً معاوية حين كثر شحم بطنه (16)" . وهذا الأثر مرسل يعضده ما رواه سعيد بن منصور عن الحسن قال : " أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان ، وكان إذا أعيى جلس ولم يتكلم حتى يقوم ، وأول من خطب جالساً معاوية (17) " . وروى عبدالرزاق عن معمر عن قتادة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يخطبون يوم الجمعة قياماً ، حتى شق على عثمان القيام فكان يخطب قائماً ثم يجلس ، فلما كان معاوية خطب الأولى جالساً ثم يقوم فيخطب الآخرة قائماً " (18) . فيفهم من هذه الروايات كلها أن الخطبة ليست قصيرة جداً كما يظن البعض ، لأنها لو كانت كذلك لما احتاج عثمان رضي الله عنه إلى أن يجلس فيها جلسة غير الجلسة التي بين الخطبتين ، ولما احتاج معاوية رضي الله عنه أن يجلس كذلك في الخطبة الأولى . فدلَّ ذلك على أن الخطبة وسط بين القصر والطول . قلت : فالعجب كل العجب من بعض الخطباء الموصوفين بالعلم كيف يطيلون الخطبة حتى يتجاوز بعضهم ثلاثة أرباع الساعة أو أقل قليلاً ؟ ولربما قال الناس ليته سكت . ومن هنا يظهر الفقه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث . ولقد صدق ابن مسعود رضي الله عنه حينما قال : إنكم في زمان قليل خطباؤه كثير علماؤه ، يطيلون الصلاة ، ويقصرون الخطبة ، وسيأتي عليكم زمان ، كثير خطباؤه ، قليل علماؤه .. الحديث . قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (19) . اهـ . ولقد أحسن الشيخ على الطنطاوي حينما تحدث عن عيوب الخطبة في زماننا فقال : " من عيوبها هذا التطويل ، وهذا الإسهاب ، حتى لتزيد الخطبة الواحدة أحياناً على نصف ساعة ، مع أن السنة تقصير الخطبة وتطويل الصلاة ، وألا تزيد الخطبة على سورة من أوساط المفصل ، وكذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولا خير فيما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم (20) . اهـ . تنبيه : هنا إشكال يتعلق بهذه المسألة وهو : هل المراد بالحديثين السابقين من ذكر طول الصلاة وقصر الخطبة متعلق بخطبة الجمعة مع صلاتها فقط ؟ بحيث يفهم منه أن ركعتي صلاة الجمعة ينبغي أن تكونا أول من الخطبة ، أو يفهم منه أن صلاة الجمعة تكون طويلة بالنسبة لعموم صلوات الجمع ، والخطبة تكون قصيرة بالنسبة لعموم خطب الجمع ، لا أن الخطبة تكون أقصر من صلاة الجمعة بخصوصها ؟ أو أن المراد طول صلاة الرجل مطلقاً بحيث تشمل كل الصلوات وقصر خطبة الرجل في الجمعة ؟. فالجواب : أن الأمر يحتمل هذا وهذا . قال الشوكاني : وظاهر الأمر بإطالة الصلاة في هذا الحديث – يعني حديث عمار – المخالفة لقوله في حديث جابر بن سمرة : كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً (21) . اهـ . وقال النووي : لا مخالفة ؛ لأن المراد بالأمر بإطالة الصلاة بالنسبة إلى الخطبة لا التطويل الذي يشق على المأمومين (22) .ا هـ . وقال الحافظ العراقي : " أو حيث احتيج إلى التطويل لإدراك بعض من تخلف . قال : وعلى تقدير تعذر الجمع بين الحديثين يكون الأخذ في حقنا بقوله ؛ لأنه أدل ، لا بفعله ؛ لاحتمال التخصيص " (23) . اهـ . وقال الشوكاني : " وقد ذكرنا غير مرة أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ، مع عدم وجدان دليل على التأسي في ذلك الفعل بخصوصه وهذا منه " (24) . اهـ . قلت : ولم أقف على ما يدل صراحة بأن المراد صلاة الجمعة مع خطبتها . فيحتمل أن يكون المعنى : إن طول صلاة الرجل في أي صلاة ، وقصر خطبته مئنة من فقهه ، لا أن ركعتي الجمعة تكونان أطول من الخطبة ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ثبت عنه عند مسلم في صحيحه أنه قرأ سورة ( ق) كاملة في الخطبة (25) ، ومما لاشك فيه أن قراءتها ترتيلاً يجعلها أطول من ركعتي الجمعة إذا لم يقرأ فيها إلا بسبح والغاشية ، وقد يستأنس لذلك بما ذكره القرطبي رحمه الله عن الفراء في قوله تعالى : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } قال الفراء : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ } أي ما يكون من عمره {وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } بمعني معمر آخر ، أي ولا ينقص الآخر من عمره إلا في كتاب ، فالكناية في { عُمُرِهِ } ترجع إلى آخر غير الأول ، وكنى عنه بالهاء كأنه الأول ، ومثله قولك : عندي درهم ونصفه أي نصف درهم آخر " (26) اهـ . فتفسير القرطبي هذا مع قول الفراء فيما إذا كان اللفظ واحداً كقوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } فكيف بحديث قصر الخطبة وطول الصلاة فهو من باب أولى ، فيكون المعنى على الحديث السابق : طول صلاة الرجل في جميع صلواته ، وقصد خطبته في الجمعة مئنة من فقهه لا أن الخطبة تكون أقصر من صلاة الجمعة لذاتها ، هذا ما ظهر لي . والعلم عند الله تعالى . (1) انظر : صحيح مسلم ( 2/ 594 رقم 869 ) . (2) انظر : الأم ( 1 / 344 ) . (3) انظر : المحلى ( 5 / 60 ) . (4) انظر : شرح النووي ( 6/ 159 ) . (5) انظر : صحيح مسلم ( 2/ 591 رقم 866 ) . (6) انظر : شرح النووي لمسلم ( 6/ 159 ) . (7) انظر : المجموع ( 4 / 358 ) . (8) انظر : التلخيص الحبير ( 2/ 64 ) . (9) انظر : زاد المعاد ( 1 / 191 ) . (10) انظر : فتح الباري ( 11 / 404 ) . (11) انظر : الأم ( 1/ 187 ) ، البيان ( 2/ 580 ) . (12) انظر : الإنصاف ( 5/ 242 ) . (13) انظر : المحلى ( 5 / 60 ) . (14) انظر : الفتح ( 3 / 48 ) . (15) ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه : كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وركوعه ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء . وفي حديث أنس رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل قد نسي ، وبين السجدتين حتى يقول القائل قد نسي . انظر الحديثين في : صحيح البخاري كتاب الأذان ( حديث 820 ، 821 ) وصحيح مسلم ( 1/ 344 رقم 471 ) . (16) انظر : مصنف ابن أبي شيبة ( 2/ 21 ) . (17) انظر : فتح الباري ( 3 / 64 ) . (18) انظر : مصنف عبدالرزاق ( 3 / 187 ) . (19) انظر : مجمع الزوائد ( 2/ 417 ) . (20) انظر : فصول إسلامية ص ( 124 ) . (21) انظر : نيل الأوطار ( 3 / 282 ) . (22) انظر : شرح النووي ( 6 / 226 ) . (23) انظر : نيل الأوطار ( 3 / 282 ) . (24) انظر : المصدر السابق . (25) انظر : صحيح مسلم ( 2/ 595 رقم 872 ) . (26) انظر : تفسير القرطبي ( 14 / 291 ) شرح الطحاوية ص 94 .
__________________
. دائما الشيخ مشهور يردّد ليكن شعارك : " نحن طـــلـــبـــة نـــجـــاة قـــبـــل أن نـــكـــون طـــلـــبـــة عـــلـــم " . |
|
|