أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
58913 169036

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-14-2021, 01:24 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي [ تفريغ ] تعليق على " فضل صوم رمضان وقيامه " للشيخ ابن باز - تعليق الشيخ علي الحلبي

بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم
رسالة(*)
«فضل صَوم رَمضان وقِيامه»
لسماحة الشَّيخ العلامة عبد العزيز بنِ باز
-رحمهُ الله وأعلى درجتَه-
(1420 هـ)


تعليق(**)
فضيلة الشَّيخ العلَّامة عليِّ الحلبيِّ
-رحمه اللهُ وأعلى درجتَه-
(1442 هـ)


المجلس الأوَّل




إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ -لَا شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
(1)
مِن عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ بازٍ إلى مَن يَراهُ مِن المسلمين:
يعني: إلى مَن يرى هذا الكتاب، أو هذا الكلام من المسلمين.
والرُّؤية -هنا- المقصود بها: الرُّؤية الْعِلميَّة؛ لأنَّ الرُّؤية نوعان، رُؤية بصريَّة، ورُؤية عِلميَّة.

وفَّقني اللهُ وإيَّاهم لاغتِنام الْخَيرات، وجَعَلني وإيَّاهم مِن الْمُسارِعين إلى الأعمالِ الصَّالحاتِ؛ آمِين.
بعضُ أهلِ العلم -أيها الإخوة- يُحسِّن حديثًا عن النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قال: «إنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ حَسَنَاتٍ؛ أَلَا فَتَعَرَّضُوا لَهَا، وَسَلُوا اللهَ أنْ يَسْتُرَ عَوْراتِكُمْ، وَأَنْ يُؤْمِنَ رَوعَاتِكم».
فنسأل اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيم -جلَّ في عُلاه، وعَظُم في عالي سَماهُ-: أن يَستُر عَوراتِنا، وأن يُؤمِنَ رَوعاتِنا، وأن يُثبِّتَنا على الهدى، وأنْ يُحْسِن خَواتيمَنا؛ بِمَنِّه -تعالى- وكرمِه. والله المستعان.

سَلام عليكُم ورحمةُ اللهِ وبَركاتُه.
أمَّا بَعدُ:
أيُّها المسلمون: فإنَّكم في شهرٍ عظيمٍ مُبارَك؛ ألَا وهُو شَهرُ رَمضانَ: شَهر الصِّيام والْقِيامِ وتِلاوةِ القرآن، شَهرُ الْعِتقِ والْغُفران، شَهرُ الصَّدَقاتِ والإِحسان.
شَهرٌ تُفتَحُ فيهِ أَبوابُ الجنَّات
(2)، وتُضاعَف فيه الْحَسَنات، وتُقال فيه الْعَثرات..
(تُقال فيه الْعَثرات)؛ يعني: يَعفو اللهُ عنها، ويَصْفَح -سُبحانه في عُلاه-.

شَهرٌ تُجابُ فيه الدَّعواتُ، وتُرفَعُ الدَّرَجات، وتُغفَرُ فيه السَّيِّئاتُ، شَهرٌ يَجودُ اللهُ فيهِ -سُبحانَهُ- على عبادِهِ بِأنواعِ الْكراماتِ.(3)
الكرامات خاضَ فيها الكثيرون مِن أهلِ السنة والْمُتصوِّفة، والبعضُ أنْكَرها، والبعضُ غَلا فيها؛ حتى أثبتَ ما لا أصلَ له منها!
كلُّ ذلك بغير علم.
وما أجمل كلمة شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمهُ الله- لما قال: (الكرامةُ: لُزوم الاستقامة)، ثم إذا أكرمك اللهُ -أيُّها العبد- بتوفيقٍ.. بشيءٍ يُعتبَر استثنائيًّا -أو ما أشبه-؛ كما قال الشَّاعر:
وَأَثْبِتَنْ لِلأَوْلِيا كَرَامَهْ ... وَمَن نَفَاها فَانْبِذَنْ كَلامَهْ
نحن مع إثباتِ الكرامات؛ لكن: بِالطُّرق الصَّحيحة، بالأسانيد الصَّحيحة، عند أهل السنة الصحيحة.
أمَّا الخرافات والبدع والكذب -كما يحدث عند بعضِ أدعياءِ الكرامات-؛ فلا.

شَهرٌ تُجابُ فيه الدَّعواتُ، وتُرفَعُ الدَّرَجات، وتُغفَر فيه السَّيِّئات، شَهرٌ يَجودُ الله فيه -سُبحانَهُ- على عبادِهِ بِأنواعِ الْكَرامات،ويُجْزِلُ فيه..
(ويُجْزِلُ فيه)؛ يعني: رب العالمين.

لِأوليائِه الْعَطِيَّات
(الْعَطِيَّات)؛ أي: عَطاء الله -عزَّ وجلَّ-.
وكلمة (الأولياء) كلمة قد يَخاف منها بعضُ النَّاس، و-أيضًا-كما قُلنا- في الكرامات: قد يَغلو فيها آخَرون!
ونحن -دائمًا- نرجو اللهَ أن نكونَ على الوَسَطِ العدْل النَّقي، بَعيدِين عن الْغُلوِّ، وبَعيدِين عن التَّقصير، بَعِيدين عن الإفراط وبَعيدين عن التَّفريط؛ هذا هو العدل.
فنحن عندنا في القرآن الكريم: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} مَن هُم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} هُم الأولياء.
أمَّا الأولياء: بمعنى المجاذيب، الأولياء: بمعنى الجهَلة -الذين لا يَكاد الواحدُ منهم يُتابِع السُّنَّة، أو يُحسِن الكلامَ في السُّنَّة-..؛ أن يُشار إليهم أنَّهم أولياء؟! فَلا.
الْوَلِيُّ: له صفاتُ العدالة، صفات العلم، صِفات الاحترام، صفات التَّوقير.. هذا الذي أمرنا الله -تعالى- به.
والنَّبيُّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- يقول -كما في «صحيح البخاري»-: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا؛ فقد آذنتُه بالْحَرْبِ».
ليس الوليُّ -فقط- هو العالِم الكبير.
كلُّ طائعٍ للهِ فيه قَدرٌ من هذه الْوَلاية؛ لأن الْوَلاية مِن الإيمان، والإيمان يتجزَّأ، يزيد وينقص -كما هو اعتِقاد أهل السُّنَّة-.

شَهرٌ جَعلَ اللهُ -سُبحانه وتعالى- صِيامَهُ أحدَ أركان الإسلام.
لا شكَّ -ولا ريب-: «بُنِيَ الإسْلامُ على خَمسٍ: شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، وإِقامِ الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وصَومِ رَمضانَ، وحَجِّ الْبَيتِ مَن اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا».

شَهرٌ جَعلَ اللهُ -سُبحانه وتَعالى- صِيامَهُ أحدَ أركانِ الإسلام، فصَامَهُ الْمُصطَفى -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-.
لا بُدَّ -هنا- أن أنبِّه إلى فائدة -وقد ذكرتُها في بعضِ التَّغريدات-منذ فترة قريبة-:
للأسف الشَّديد: بعضُ النَّاس -وقد يكونون مِن أهل الفضل- إذا ذكروا النَّبيَّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- نراهم يقولون: (صلَّلْسلم)! هكذا يأكلون الحروف! ويَذهب (لفظُ الجلالة) مِن بين ألسنتِهم وأفواهِهم!
يجب أن تكون الصَّلاةُ على النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- واضحة وبيِّنة وجَلِيَّة؛ حتى ننالَ -إن شاء اللهُ- فضلَ القائمين بهذا الأمر مِن الصَّلاة على النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وهو القائل: «إنَّ أقربَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يومَ القيامةِ: أكثرُكُم عَلَيَّ صَلاةً».

وأَمَرَ النَّاس بِصِيامِهِ، وَأخبرَ ï·؛ أنَّ مَن صامَهُ إيمانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَه مَا تَقدَّم مِن ذَنْبِهِ.
كما في «صحيح البخاري».

ومَن قَامَهُ إيمانًا وَاحتِسابًا؛ غُفِرَله ما تقدَّم مِن ذَنبهِ.
أيضًا؛ الحديثُ في «الصَّحيحين».
(إيمانًا) عرَفنا؛أن تكون مؤمنًا بهذا الذي تقوم به.
وما معنى (الاحْتِساب)؟
يقول الإمام ابنُ حبَّان -في «صحيحِه»-: «الاحْتِساب: قصدُ العبيد إلى بارئِهم بالطَّاعة؛ رَجاءَ الْقَبول».
الاحْتِساب: أن ترجوَ الله -تعالى- قَبولَ عملِك، وهذا في كلِّ أعمال المسلم.
في كلِّ أعمال المسلم يجبُ عليه أن يكون مُحتَسِبًا لله -تعالى-؛ في نومِه، وفي قيامِه، وفي جُلوسِه، وفي سُكوتِه، وفي كلامِه، وفي سائر أمرِه. والله الموفِّق.

شهرٌ فيه ليلة خيرٌ مِن ألفِ شَهر، «مَن حُرم خَيرَها فقد حُرِم».
هي ليلةُ الْقَدر، والقرآنُ الكريم فيه سُورة كاملة بهذا الموضوع.
وأمَّا الحديث: «مَن حُرم خَيرَها فقد حُرِم»؛ عند النَّسائي والإمام أحمد، وهو حديثٌ صحيح.

فَعَظِّموه -رحِمَكم اللهُ- بِالنِّيَّةِ الصَّالحةِ..
النِّيَّةَ النِّيَّة -أيُّها الأحبَّة-!
الحرصُ على النِّيَّة ومعالجتُها والتَّصحيح لها؛ أمرٌ مُهمٌّ -جدًّا- في سائرِ في سائر أعمال المسلم؛ في سائرِ عملِه: يجب عليه أن يُصحِّح نِيَّتَه.
والنَّبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- يقول: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ؛ وإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».

فَعَظِّموه -رحِمَكم اللهُ- بِالنِّيَّةِ الصَّالحةِ والاجتِهاد في حِفظِ صِيامِهِ وقِيامِه..
يعني: ليس المهِم أن تصومَ أو تقوم -وإن كان هذا مُهِمًّا؛ لكن: ليس مُهمًّا وحده-.
لا بدَّ أن يكون في عملِ العبد حِفظٌ لهذا الصِّيام.
لذلك: النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم- ماذا يقول؟
يقول: «رُبَّ صائمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إلَّا السَّهَر».
ما الفارِق بين هذا وذاك؟
ما الفارِق بين الْقَبول وعَدَمه، بين الْكَمال الواجب وعدَمه؟ -لا نريد أن نقول الْبُطلان والرَّد والرَّفض-..
إنَّه حِفظ الْعَمل بـ: الإخلاص لله، والصِّدق مع الله، والتَّسنُّن الصَّحيح، والبعد عن المنغِّصات لهذا اليوم في صيامك وقيامك.. وهكذا.

والمسابقةِ فيه إلى الخيراتِ، والمبادرةِ فيه إلى التَّوبةِ النَّصوحِ مِن جميعِ الذُّنوبِ والسَّيِّئات..
النَّبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- يقول: «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ -فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ- أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرًّةً» أو: «مِئَةَ مَرَّةٍ» -في رواية-.
الصَّحابة قالوا: «كُنَّا نَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ ï·؛ -فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ-: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ) أَكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرًّةً»، وهو مَن؟ وهو رسول الله ï·؛.

واجْتهدوا في التَّناصُح بينكُم والتَّعاوُن على الْبِرِّ والتَّقوى.
واللهِ؛ هذه النَّصيحةُ لا تُقدَّر بِثمن؛ (اجْتهدوا في التَّناصُح بينكُم)!
النَّصيحةُ: هي إخلاصُ الكلمةِ لِلمَنصوح -بِصدقٍ، وحُبِّ الخيرِ لِلغير-.
وهذه مناسَبة: أن يَتناسَى مَن تلبَّس بِالْغُلو والجرح والتَّجريح والطَّعن بِغيرِ عِلم ولا هدًى ولا بصيرة، والنَّقد الْمَبنيِّ على الهوى والقيل والقال -في أكثرِ صُوَره- أن يتوبَ إلى الله، وأن ينسخ هذا الطَّريق مِن رأسِه، وأن يَخرُج منه، وأن يجاهدَ نفسَه على ماذا؟ على النَّصيحة الصَّادقة.
لا مانعَ أن تَنتقِد؛ لكن: انتقِد بِصِدقٍ وبِلِين وبِرِفق {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}.
الكلامُ مِن ربِّ العالمين لرسولِه الكريم في صحبِه الأكرمين -رضيَ الله-تعالى-عنهم وأرضاهم-.
فإذا كان ذلك كذلك؛ فكيف بِمَن دونهم -ممَّن بَعدهم، وممَّن لا يَصلُ إلى غُبار نِعالِهم-من أمثالِنا-، ونحن نترسَّم طريقَهم -فيما نَزعُم!-؛ فما بالُنا نتخيَّر أشياءَ ونَرفُض أشياء، نَقبَلُ أشياء ونَرُدُّ أشياء؟!
«الدِّينُ النَّصِيحة»؛ بمعنى: الِحِرص، وحبُّ الخير للغير، والرَّغبة الصَّادقة في الإصلاح.
بعضُ النَّاس إذا نَصَح لا يَقبل أن يَرجع النَّاصح(4) عن نصيحتِه إلا بالطَّريقة التي هو يُريدُها.
لقد غفَل هؤلاء عن أنَّ النَّصيحة تتجزَّأ كما يتجزَّأ الإيمان -لأنَّها جُزء من الإيمان-..





انتهى المجلس الأوَّل



___________
(*) قال فضيلة الشَّيخ علي الحلبي -رحمه الله-: «وهذه الرسالة كنتُ طبعتُها في البحرين، بعض الجمعيات الإسلاميَّة السلفية في البحرين قامت -ولله الحمد- بِنشرها وطبعِها -قبل بضع وثلاثين سنة؛ يعني: سنة (1417)-بالضبط-.
وألحقتُ بهذه الرِّسالة رسالةً أخرى أنا سمَّيتُها -الحقيقة-؛ بعنوان: «المسائل العشرون مما يحتاجه الصَّائمون»، وهي انتقاءات من فتاوى الشَّيخ ابن باز في مسائلَ مهمَّة يَستفيد منها العامَّة والخاصَّة -إن شاء الله-تعالى-» اهـ.
(**) هذه المجالس -في التَّعليق على رسالة الشيخ ابن باز -رحمه الله- كانت عبر صفحة الأخ رائد رماحة -وفقه الله-على موقع (الفيسبوك)-ضمن سلسلة لقاءات مفتوحة مباشرة-، وكان البدء بقراءة الرسالة والتعليق عليها في (اللقاء التَّاسع عشر) -تحديدًا-، في (السابع والعشرين من شعبان 1441 هـ).
(1) لا تتوفَّر لديَّ الرِّسالة -المطبوعة بإشراف الشَّيخ علي-رحمه الله-، فنسختُها من الشَّبكة (موقع طريق الإسلام)، وقمتُ بِضبطِ ما تيسَّر منها، وتصحيح بعض الأخطاءٍ الطباعيَّة، ولم أرها مُصدَّرةً بخطبة الحاجة -كما قرأ الشَّيخ-رحمه الله-؛ لكن أثبتُها -وفقًا لقراءته-، مع التَّنبيه على وجود فروق يسيرة -قد أنبِّه على بعضِها-.
(2) كذا فيما نسختُه من الشَّبكة، وقرأها الشَّيخ -رحمهُ الله-: (الْجِنان).
(3) قولُه: (..تُرفَعُ الدَّرَجات، وتُغفَرُ فيه السَّيِّئاتُ، شَهرٌ يَجودُ اللهُ فيهِ -سُبحانَهُ- على عبادِهِ بِأنواعِ) هذه الجملة مِن المتن لم يقرأها الشَّيخ -رحمه الله-.
(4) لعلها: (المنصوح).
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-15-2021, 12:48 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس الثَّاني



واجْتهدوا في التَّناصُح بينكُم والتَّعاوُن على الْبِرِّ والتَّقوى، والتَّواصي بالأمرِ بِالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكر.
كأنَّه يقول: التَّواصي بالحقِّ والصَّبر لا يكونُ بتسليكِ الأمور دون الوقوف أمرًا ونهيًا عليها، كما أنَّ الأمرَ والنَّهي لا ينفي ولا يمنع وُجود التَّواصي بالحق والصَّبر واستمرار الأخوة.
لأنَّ بعض النَّاس ماذا يفعل؟
بعضُ النَّاس بسبب الأمر والنَّهي؛ تراهُ يُقاطع غيرَه ويَهجرُه!
هذا مَسلك غير صحيح، وغير جيِّد.

والدَّعوةِ إلى كلِّ خيرٍ؛ لِتفوزوا بِالكرامةِ والأجرِ العظيم.
أسأل الله العظيمَ أن نكونَ من أهلِ الكرامة والأجر العظيم والفوز الكبير عند ربِّنا -سُبحانه وتعالى- العليِّ الكبير.

وفي الصِّيام فوائد كثيرةٌ، وحِكَمٌ عظيمة؛ منها:
تطهيرُ النَّفسِ وتَهذيبُها وتَزكِيَتُها مِن الأخلاقِ السَّيِّئةِ والصِّفاتِ الذَّميمةِ.
ذكرنا -في مجلسِ أمسِ- حديثَ النَّبي ﷺ: «رُبَّ صائمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ».
إذَن: لا تَظن -أيُّها المسلم- أنَّ الصيام -فقط- هو امتناع عن الطَّعام والشَّراب.
ولا يأتينا إنسانٌ مُلحِد -أو حَداثي، أو عَقلاني- ليقول: ما دام الصِّيام المقصود به التَّهذيب -وليس الامتِناع عن الجوع والعطش-؛ فأنا أهذِّب نفسي بطريقة أخرى!
هؤلاء مُبطِلون، وهؤلاء مُبطِلون!
تهذيب النَّفس يكون بإقامتِها على جادَّة الحق بالصِّيام في هذا الشَّهر العظيم؛ لذلك: ختم الله آيات الصِّيام بقولِه: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾؛ فالتَّقوى هي أعظمُ ما يرجو العبدُ ربَّه به في هذا الشَّهر الكريم؛ صِيامًا، وقيامًا، وقراءةَ قُرآن، وأذكارًا، واستِغفارًا، وصلاةً على النَّبي ﷺ، وصدقةً، وجُودًا، وإحسانًا-؛ هذا -كلُّه- لا شَّك ولا ريب- يُورِّث الإنسان هذه النَّفسَ الطيِّبةَ الزَّكيَّة.

تطهيرُ النَّفسِ وتَهذيبُها وتَزكِيَتُها مِن الأخلاقِ السَّيِّئةِ والصِّفاتِ الذَّميمةِ -كالأَشَرِ والْبَطَرِ..
(الأَشَر): الْمَرَح الزَّائد الذي يُخرج الإنسانَ عن حدِّ الاعتِدال.
(الْبَطَرِ): الطُّغيان بالنِّعمة والْغُرور بها والسُّلوك بها مَسلَكًا غيرَ شرعي، والله -تعالى- يقول: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾؛ يعني: طَغَت في معيشتِها.

..-كالأَشَرِ والْبَطَرِ والْبُخلِ-، وتعويدُها الأخلاقَ الكريمةَ -كالصَّبرِ والْحِلمِ، والْجُودِ والكَرَم-، ومُجاهدةُ النَّفس فيما يُرضِي اللهَ..
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.

فيما يُرضِي اللهَ ويُقرِّب لديهِ.
أسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن نكونَ من الْمُقرَّبين لله -عزَّ وجلَّ- فيما نقومُ به مِن طاعات وعباداتٍ وعِلمٍ وتعليمٍ وتَعلُّم، وما ذلك على اللهِ بعزيز.

ومِن فوائد الصَّوم:
أنَّه يُعرِّفُ العبدَ نفسَه وحاجَتَه وضَعفَه وفَقْرَه لِرَبِّه، ويُذَكِّرُه بِعظيمِ نِعَمِ اللهِ -تَعالى- عليه، ويُذَكِّرُه -أيضًا- بِحاجةِ إخوانِه الْفُقَراء؛ فيوجبُ لهُ ذلك شُكرَ اللهِ -سُبحانهُ وتَعالى- والاستِعانةَ بِنِعَمِهِ على طاعتِه، ومواساةَ إِخوانِهِ الفقراءِ والإِحسانَ إليهم.
لأنَّ العبادات تفتحُ أنوارُها أنوارَ بعضٍ، ويَفتحُ خيرُها خيرَ غيرِها -ممّا يدلُّ عليها ويُشير إليها-.
فإيَّاك أن تظنَّ أن العبادات حقول متباعدة؛ العبادات شيءٌ واحد؛ كالحقل الكبير الذي فيه أزهار متنوِّعة، وفاكهة متعدِّدة، تتناولُ هذا وذاك وذيَّاك بما يُرقيك ويُرَقِّيك أعظم وأعظم صِلة بالله -عزَّ وجلَّ- واستجابةً لأمرِه وأمرِ رسولِه -عليه الصَّلاة والسَّلام-.

وقد أشارَ اللهُ -سُبحانه وتَعالى- إلى هذه الفوائدِ في قولِه- عزَّ وجلَّ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ فأوضح -سُبحانه- أنَّه كَتَبَ علينا الصِّيامَ لِنتَّقِيَهُ -سُبحانهُ-؛ فدَلَّ ذلك: على أن الصِّيامَ وَسيلةٌ لِلتَّقوى.
يقول الإمامُ البغويُّ -في كتابه في التَّفسير -الكتاب الشَّهير-: «مَعالِم التَّنزيل»- يقول: «لأنَّ الصَّوم وَصلةٌ إلى التَّقوى؛ لما فيه من قهر النَّفس وكسْر الشَّهوات».
هذا هو أثرُ الصَّوم في نفسِ المؤمن، وفي دينِه وتقواه، وعِلمه وعَملِه.

والتَّقوى: هي توحيدُ اللهِ- سُبحانهُ-، والإيمانُ به وبِرَسولِهِ وَبِكُلِّ ما أخبرَ اللهُ بهِ ورَسولُهِ، وطاعَتُهِ ورسولِهِ بِفِعلِ ما أَمَرَ وتَركِ مَا نَهَى عنهُ -مِن: إخلاصٍ لله- عزَّ وجلَّ-، ومَحبَّةٍ، ورَغبةٍ ورَهْبة-؛ وبذلك يتَّقي العبدُ عَذابَ اللهِ -تَعالى- وغَضَبَه.
هنا أختمُ هذه المقدِّمة الأولى بكلمةِ الإمام التَّابعي الجليل طَلْق بن حبيب -رحمهُ الله-تعالى-، قال: «التَّقوى: عَملٌ بِطاعة الله على نورٍ من الله؛ ابتِغاءَ مَرضاة الله، واجتنابٌ لِمعصية الله على نورٍ من الله؛ خِيفَةَ عِقاب الله».
هذه كلماتٌ مبارَكات نُورانيَّات مِن سماحة أستاذِنا الكبير الشَّيخ عبد العزيز بن باز -رحمهُ الله-تعالى-..






انتهى المجلس الثَّاني
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-16-2021, 01:29 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس الثَّالث






فالصِّيامُ شُعبةٌ عظيمةٌ مِن شُعَبِ التَّقوى، وقُرْبةٌ إلى المولى -عزَّ وجلَّ-، ووَسيلَةٌ قَوِيَّةٌ إلى التَّقْوَى في بَقِيَّةِ شُؤونِ الدِّينِ والدُّنيا.
لأنَّ الآية الكريمة -في آخر آياتِ الصِّيام-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} في جُملة الأشياء، ليس {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} في الصِّيام، التَّقوى لا تكون فقط في الصِّيام دون أن تكون في الصَّلاة، لا تكون في الدُّنيا دون أن تكون في الدِّين، وهكذا.
فالتَّقوى هي نورٌ ساطعٌ على كلِّ مسلم جاء بأسبابِها، وثبتَ على حقائقها.

وقد أشار النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم- إلى بعضِ فوائد الصَّوم في قوله: «يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ؛ مَن اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ؛ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؛ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجاءٌ».
الحديث في «الصَّحيحين» من حديث ابنِ مسعود، والباءَةُ: هي النِّكاح، والْوِجاء: هي الصِّيانة والْحِماية.
هذا معنى الحديث.

فَبيَّنَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: أنَّ الصَّومَ وِجاءٌ لِلصَّائمِ..
كما قُلنا؛ الْوِجاء: الصِّيانة والْحِفظ والسَّتر، وما أشبه ذلك.

ووسيلةٌ لِطهارَتِه وعَفافِه؛ وما ذاك إلا لأنَّ الشَّيطانَ يَجري مِن ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ..
كما في حديثٍ رواهُ البخاري ومُسلم.

والصَّومُ يُضَيَّقُ تلك المجاري.
هذه الجملة مِن حيث المعنى صحيحة؛ لكن: وردت في حديثٍ ضعيف -ينقلُه بعضُ أهل العلم-، والشيخ ابن باز -رحمهُ الله- لم يَذكر الحديثَ الضَّعيف؛ وإنَّما أشار إلى المعنى الصَّحيح.

ويُذَكِّرُ بِالله وعَظَمَتِه؛ فَيُضعف سُلْطانَ الشَّيطانِ، ويُقوِّي سُلطانَ الإيمانِ، وتَكثُرُ بِسبِبِه الطَّاعات مِن المؤمنين، وتَقِلُّ به المعاصي.
كلُّها نتائجُ خيِّرة، وثمراتٌ مبارَكة، وأعمالٌ صالِحةٌ تُنتِجُها تلكم الأعمالُ الصَّالحة، والمقصودُ -هنا- بذلك: الصِّيام-.
لذلك: نرى في شهر رمضان في النَّاس إقبالًا على المساجد، وإقبالًا على الطَّاعات، وإقبالًا على الصَّلوات، وإقبالًا الأعمال الخيِّرات؛ هذا -كلُّه- من توفيق الله -سُبحانه-، ومن بركات هذا الشَّهر الكريم.
ومِن فوائد الصَّومِ -أيضًا-: أنَّه يُطهِّر البدنَ مِن الأخلاطِ الرَّديئةِ.
ما يكون في الإنسان من أمزِجة وطبائع معيَّنة، وأشياء قد تكون صِحيَّة تُزعِجُه.

ويُكسِبُه صِحَّةً وقُوَّةً، اعتَرَفَ بِذلك الكثيرُ مِن الأطباءِ، وعالَجُوا بِه كثيرًا من الأمراضِ.
حتى ألَّف الْغَربيُّون كُتبًا سَمَّوها: العلاج بالصِّيام، هم لا يعرفون صيام شهر رمضان؛ ولكن: يُريدون الصِّيام؛ وهو الامتناع.
لكن المسلم يمتنِع في شهر رمضان عن الطَّعام والشَّراب ويصومُه لله -مُحتَسِبًا-؛ كما قُلنا في المجلس الأوَّل-: «مَن صامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا»؛ أي: «إِيمَانًا» بهذا الفرض الذي فرضَه الله، و«احْتِسَابًا» للأجر عند الله -عزَّ وجلَّ- بِقَبوله.
هذا فَرْق ما بين المؤمن وغير المؤمن في ذلك.
وهنا لا بُد من تنبيهٍ؛ وهو: ما يتعلَّق برمضان في زمن (الكورونا).
رأينا بعضَ المتصدِّرين للفُتيا -ممَّن هم ليسوا أهلًا-أقولُها بِصراحة-؛ قال: رمضان يُضعف الصَّائم؛ وبالتَّالي الأصل: أن لا يَصوم المسلمون في رمضان!
رجل يَحمل لقَبًا وشهادة، وتَستضيفُه الفضائيَّات في بعض البلاد العربيَّة الإسلاميَّة -للأسف الشَّديد-!
وهذا كلام غير صحيح.
أوَّلًا: الأطباء متَّفقون على أنَّ الصَّيام ممَّا يزيد الْمَناعة، وزيادةُ الْمَناعة مِن أعظم الأسباب الواقِية لموضوع (الكورونا)..مِن أعظم الأسباب الواقِية مِن هذا المرض وانتِقاله. هذه نُقطة.
النُّقطة الثَّانية: النَّاس مُختلِفون، قد يكون -هنالك- إنسان مريض، أو إنسان مَناعتُه ضعيفة؛ فهذا يُشخِّصه الأطباء، وما يُفتي به الطَّبيبُ المسلمُ المتمرِّس؛ يُفتِي به العالِم؛ لأنَّ النبيَّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- قال: «لا ضررَ ولا ضِرار».


انتهى المجلس الثَّالث
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-17-2021, 12:50 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس الرَّابع





وقد أخبرَ اللهُ -سُبحانهُ وتَعالى-في كتابِهِ العزيزِ- أنَّهُ كَتَبَ علينا الصِّيامَ كما كَتَبَه على مَن قَبْلَنا.
بِنصِّ القرآن الكريم -كما سيأتي-؛ لكن: أحببتُ أن أقف هنا نُقطة؛ وهي أنَّه -في حُدود ما أعلم-: لم يَثبُت عندنا دليلٌ كيف كان مَن قبلَنا يصومون؛ إلا في حديثٍ واحدٍ: يقول النَّبي ﷺ: «فصْلٌ بين صِيامِنا وصِيام أهلِ الكتاب: أكلةُ السَّحر»؛ يعني: السَّحور.
وهذا فيه بيانٌ لأهميَّة السَّحور، وأنَّ مَن يتهاونُ به؛ فقد أضاع على نفسِه خيرًا كثيرًا.

وأَوضَحَ -سُبحانه وتَعالى- أنَّ المفروضَ علينا هو صِيامُ شَهرِ رَمضانَ، وأخبر نبيُّنا ﷺ أنَّ صِيامَه هو أحدُ أركانِ الإسلامِ الْخَمسة، قال الله -تَعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.
إمَّا أن يكون الشَّهر تِسعةً وعشرين، وإمَّا أن يكونَ الشَّهر ثلاثين -لا أقل من هذا، ولا أكثر من ذاك-.
إلى أنْ قال- عزَّ وجلَّ-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
نسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم؛ أن يوزِعَنا شُكرَ نِعَمه، وأن يُعينَنا على أداءِ أحكامِه وما أمرنا به، وما أمرنا به رسولُه -عليه الصَّلاة والسَّلام-.

وفي «الصَّحيحين»: عن ابنِ عُمَرَ- رضيَ الله-تعالى-عنهما- قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «بُنِيَ الإسْلامُ على خَمسٍ: شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، وإِقامِ الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وصَومِ رَمضانَ، وحَجِّ الْبَيتِ».
هذا الحديث الذي يتكلَّم عن مَباني الإسلام، ومَباني الإسلام: هي أهمُّ ما فيه مِن واجبات وفرائض.
أيُّها المسلمون! إنَّ الصَّومَ عملٌ صالحٌ عَظيم، وثوابُهُ جَزيل، ولا سيَّما صَوم رَمضان؛ فإن الصَّومَ الذي فَرَضَهُ اللهُ -تَعالى- على عبادِه وجَعَلَه مِن أسبابِ الفوزِ لدَيْه، وقد ثبت في الحديث الصَّحيح.
وهذا الحديث -كما سيأتي- مَرويٌّ في «الصَّحيحَين».
أن النَّبي ﷺ قال: «يَقُولُ اللهُ -تَعالى-: كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثالِها إِلى سَبْعِمِئةِ ضِعْفٍ؛ إلا الصِّيامَ؛ فَإِنَّهُ لِي وَأَنا أَجْزي بِه، إنَّه تَرَكَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ عِندَ فِطْرِهِ، وفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ الْمِسْكِ».
هنا كلمة قالها ابنُ حبان في «صحيحه»، يقول: «شِعارُ المؤمنين في القيامة بِصَومِهم، طِيبُ خُلوفِهم أطيبُ من ريح المسك؛ لِيُعرَفوا بين ذلك الْجَمع بذلك الْعَمل، نسأل الله بركةَ ذلك اليوم».
هذا ما يقولُه الإمامُ ابنُ حِبَّان، ونحن نؤمِّن على دُعائه، ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يكونَ لنا نصيبٌ من بركةِ ذلك اليوم.

وفي «الصَّحيح» عن النَّبي ﷺ أنَّه قال: «إذا دَخَلَ رَمضانُ فُتحَتْ أَبْوابُ الْجَنَّة، وَغُلِّقَتْ أَبْوابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ».
و«الصَّحيح» المقصود به -هنا-: البخاريّ ومسلم، والحديث من حديث أبي هُريرة -رضيَ اللهُ عنه-.
والمقصود بـ«الشَّياطِين» -أيُّها الإخوة-: مَرَدَة الجن؛ أي: كِبارُهم -كما في روايةٍ ستأتي-.

وأخرج التِّرمذي، وابن ماجه.
وغيرُهما.

عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قال: « إذا كانَ أوَّلُ لَيْلَةٍ مِن رَمضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وغُلقِّتْ أبوابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْها بَابٌ، وفُتحَتْ أَبْوابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْها بَابٌ، ويُنادي مُنادٍ: يا باغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيا باغَيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَللهِ عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ».
هذا الحديث -أيُّها الإخوة-؛ يقول: «وَللهِ عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»؛ بينما -هنالك- حديثٌ آخر مشهورٌ بين الْوُعَّاظ والعامَّة والدَّهماء: أنَّ «رَمَضان أوَّلُه رحمةٌ، وأوسطه مغفرةٌ، وآخِرُه عِتقٌ من النَّارِ».
وهذا الحديث لا يَصح؛ بل هو مُخالِف لهذا الحديث الصَّحيح.
الحديثُ الضَّعيف يقول: «وآخِرُه عِتقٌ من النَّارِ»، والحديث الصَّحيح يقول: «وَللهِ عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ».
كلمة «عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ» إنَّما هي مِن حيثُ عِلمُ الله -عزَّ وجلَّ-؛ وإلا: لا يَعلمُ أحدٌ -في نفسِه- أن اللهَ كَتبه في النَّار حتى يقول: (اللهمَّ! أعتِقني من النَّار)، وقد ورد أثرٌ عن بعضِ السَّلف في النَّهي عن هذه الكلمة.
لكن: وَرد عن عُلماء آخَرين وأئمَّة آخرين من أئمَّة السَّلف أنَّه قال: (اللهمَّ! إن كنتَ كتبتَني شقيًّا؛ فاكتُبني من أهل الجنَّة أو من السُّعداء) -أو بهذا الكلام-، هذا ورد عن بعض السَّلف.
أمَّا موضوع (أعتِقني من النَّار)؛ كأنَّك تَعلم -من نفسِك- أنَّك أَسِيرُ جهنَّم ثم تُريد أن تُعتَق مِن هذا الأسر.
نحن نُحسِّن الظنَّ بالله -عزَّ وجلَّ-، والنَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم- قال: «إذا سألتمُ اللهَ؛ فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنَّة».



انتهى المجلس الرَّابع
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-18-2021, 01:38 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس الخامس




وعَن عُبادةَ بنِ الصَّامت -رضي اللهُ-تعالى-عنه-: أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «أتاكُمْ رَمضانُ، شَهْرُ بَركةٍ يَغْشَاكُم اللهُ فِيهِ، فَينزل الرَّحمة، ويَحُطُّ الْخَطايا، ويَسْتَجِيبُ فيهِ الدُّعاءَ، يَنْظُرُ اللهُ -تَعالى- إلى تَنافُسِكُمْ فِيهِ، وَيُباهِي بِكُمْ مَلَائِكَتَهُ، فَأَرُوا اللهَ مِن أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ» [«مجمع الزَّوائد» للهيثمي، وقال: رواه الطَّبراني].
وهذا الحديث -الحقيقة- الإمام نور الدِّين الهيثمي -في كتابه «مجمع الزَّوائد»- أشار إلى ضَعفه بأنَّ فيه أحد الرُّواة الذين لا يُعرَف لهم ترجمة، وهذه -إلى حدٍّ- إشارة توهينٍ وتمريض.

وعن أبي هريرةَ-رضيَ اللهُ عنهُ- قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إنَّ اللهَ- تباركَ وتَعالَى- فَرَضَ صِيامَ رَمَضانَ عليكم، وسَنَنْتُ لَكُمْ قِيامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقامَهُ إِيمانًا واحْتِسابًا؛ خَرَجَ مِن ذُنوبِهِ كَيَومِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [رواه النَّسائي].
وهو -أيضًا- في «مُسند» الإمام أحمد، وفي «سُنن» ابن ماجه -وغيرهما-، وفيه راوٍ ضعيف، وفيه -أيضًا- انقِطاع، وعدم سماع أحدِ الرُّواة من شيخِه.
أنبِّه -ههُنا- إلى نُقطة: أنَّ الأحاديث الضَّعيفة التي تتكلَّم عن أصلٍ عامٍّ ثابت؛ لا مانِع مِن ذِكرها؛ لكن: مع التَّنبيه إلى ضعفِها، أو روايتها بطريقةٍ فيها التَّوهين.
ونقول كما قال العالِم الجليل الإمام سعيد بن المسيب -رحمهُ الله- قال: «في الحديثِ الصَّحيح غُنيةٌ عن الحديث الضَّعيف».

وليس في قيامِ رَمضان حدٌّ مَحدود؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ لم يُوَقِّتْ لِأُمَّتِه في ذلك شَيْئًا، وإنَّما حثَّهم على قيامِ رَمضانَ، ولم يُحدِّد ذلك بِركعاتٍ معدودة.
المقصود؛ أي: من قول النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-.
أمَّا مِن فِعله؛ فحديث السَّيدة عائشة واضح -وهو في «الصَّحيحين»-: قالت -رضي الله-تَعالى-عنها-: «ما زادَ رَسولُ الله ﷺ فِي رَمضانَ وَلا غَيرِه عَلى إِحدَى عَشْرةَ رَكعةً»، وسيأتي مزيدُ بيانٍ في هذا الباب.

ولما سُئل ﷺ عن قِيامِ اللَّيلِ قال: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ؛ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» [رواه البخاري، ومسلم].
أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ في «الصَّحيحين»، والحديثُ عن ابنِ عُمر -رضيَ اللهُ عنهما-.
هذا الحديثُ يَستَدلُّ به كثيرٌ مِن أهل العلم على أنَّ صلاةَ الليل لا حدَّ لها.
والذي يَنشرح له صدري -في هذا الحديث-: أن هذا الحديث يدلُّ على الكيفيَّة ولا يدلُّ على الكميَّة، يدلُّ على كيفيَّة صلاةِ الليل أنَّها ركعتان ركعتان، ولا يدلُّ على كميَّتها بأنَّها تزيد أو تَنقص على إحدى عشرة ركعة أو أقل أو أكثر.
دلَّ ذلكَ عَلى التَّوسِعةِ في هذا الأمرِ، فمَنْ أَحبَّ أن يُصلِّيَ عِشرينَ رَكعةً ويُوتِر بِثلاثٍ؛ فلا بأسَ.
هذا اختِيار الشَّيخ، واختيار عددٍ ليس بالقليل مِن أهل العلم، وهو اختِيارٌ نحترمُه؛ وإن كنَّا نقول: الأفضلُ هديُ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ «وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ» -عليه الصَّلاة والسَّلام-.

ومَن أَحَبَّ أن يُصلِّيَ عشرَ ركعاتٍ ويُوتِر بِثلاثٍ؛ فلا بأس، ومَن أَحَبَّ أن يُصلِّيَ ثَمانِ رَكَعاتٍ ويُوتِرَ بِثلاثٍ؛ فلا بَأسَ، ومَن زادَ على ذلك أو نَقَص عَنه؛ فلا حَرَج عليه.
هذا -كلُّه- على معنى ما ذكرناه؛ مِن أنَّ من العلماء، أو كثيرًا من العلماء -حتى نكونَ دقِيقِين، ومُتكلِّمين بالأمانة-..كثيرًا مِن أهل العلم مَن يقولُ بالزِّيادة.
لكن: الشَّيخ -رحمهُ الله- ماذا قال -بعد أن ذكرَ هذه الأقوال-؟ قال:

والأفضَلُ: ما كان النَّبيُّ ﷺ يَفعلُهُ -غالبًا- وهو: أن يَقومَ بِثمانِ رَكَعات، يُسلِّم مِن كُلِّ ركعتَيْن ويُوتِر بِثلاثٍ، مع الْخُشوعِ والطُّمأنينةِ وتَرتِيلِ القراءةِ؛ لِما ثَبَتَ في «الصَّحيحَين».
يعني: عند البخاري ومسلم.

عن عائشةَ -رضيَ اللهُ عنهُا- قالت: «مَا كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَزيدُ في رَمَضانَ -ولا في غَيرِهِ- على إِحدَى عَشرَةَ رَكعةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا».
هذا الذي يُفضِّله سماحةُ الشَّيخ ابن باز، ولا شكَّ أنَّه الأفضل.
والحديث يقول -وقد كرَّرنا هذا-والحمد لله-في هذا اللِّقاء-أكثر من مرَّة-، وذكرناه في كثيرٍ من مجالسِنا-أكثر من مرَّة-: «وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ».
الحافظ ابن حَجر العسقلانيُّ -رحمهُ الله- في كتابه «فتح الباري» -الذي هو أعظمُ شرحٍ -إلى الآن- موجود بين أيدي النَّاس في شرح «صحيح البخاري»، يقول: «وفي الحديث دلالةٌ على أنَّ صلاتَه ﷺ كانت متساويةً في جميع السَّنة».
وقال في موضع آخر-بعد أن روَى حديثَ عائشة أمِّ المؤمنين -رضي الله-تعالى-عنها، وأرضاها-هذا الذي قُلناه: «ما زادَ رَسولُ الله ﷺ فِي رَمضانَ وَلا غَيرِه عَلى إِحدَى عَشْرةَ رَكعةً»-، قال: «وعائشةُ أعلمُ بحالِ النَّبي ﷺ ليلًا مِن غيرِها»؛ لأنَّ المسجدَ كان بجانبِ حُجرات الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- وأبياتِه؛ فهي خبيرةٌ بذلك -رضي الله-تعالى-عنها، وأرضاها-.
وهذه -الحقيقة- قرينة زائدة، تُرجِّح روايتَها على غيرِها.

وفي «الصَّحيحين» عنها -رضيَ اللهُ عنهُا-: «أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يُصَلِّي مِن اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعاتٍ يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثْنَتَينِ، ويُوتِرُ بِواحِدَةٍ».
هذا حديث في «الصَّحيحين» علَّق عليه الإمامُ ابنُ القيِّم يقول -في «زاد المعاد»-: وفي «الصَّحيحين» عن القاسم بن محمد سمعت عائشة -رضي اللهُ عنها- تقول: «كانت صلاة رسول الله ﷺ مِن اللَّيلِ عَشْرَ ركعات، ويُوتِر بِسَجدةٍ، ويَركَعُ ركعتَي الفجر، وذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً».
إذن: الثَّلاث عشرة ركعة لا تُعارِض الإحدى عشرةَ ركعة؛ لأنَّ الرَّكعتَين الزَّائدتَين هما ركعتا الفجر، وفي لفظٍ آخر عُدَّت ركعتا سُنَّة العشاء
وهذا اللَّفظ لمسلم.
ولفظ البخاري -من نفس الطَّريق-: «كان النَّبي ﷺ يُصلِّي من اللَّيل ثلاثَ عشرةَ ركعةً؛ منها: الوترُ ورَكْعَتا الفَجر».




انتهى المجلس الخامس
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-19-2021, 12:33 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس السَّادس





وثبت عنه ﷺ في أحاديثَ أخرى: أنَّه كان يتهجَّد في بعضِ اللَّيالي بأقلَّ مِن ذلك.
ذكرنا أن (التَّهجُّد) و(قيام رمضان) و(قيام اللَّيل) و(التَّراويح) -كلَّها- أسماء مُتعدِّدة لمسمًّى واحد.
وما يَذكُره أهلُ العلم من التَّفريقات -في الحقيقة- تفريقات غير دقيقة، والله أعلم.

وثَبتَ عنه -أيضًا- ﷺ أنَّه في بعضِ اللَّيالي يُصلِّي ثلاثَ عشرةَ ركعةً يُسلِّم مِن كلِّ اثنَتَيْن.
وذكرْنا أن هاتَين الرَّكعتَين إمَّا أن تكونا ركعتَي سُنَّة العشاء، أو أن تكونا ركعتَي سُنَّة الفجر، وأنَّ المنقول عنه -عليه الصَّلاة والسَّلام- في قيام اللَّيل إحدى عشرةَ ركعة.

فدلَّت هذه الأحاديثُ الصَّحيحةُ عن رسولِ الله ﷺ: على أنَّ الأمرَ في صلاةِ اللَّيلِ مُوسَّع فيه -بِحمدِ الله-، وليس فيها حدٌّ محدودٌ -لا يجوز غيرُه-، وهو مِن فَضل الله -تبارَكَ وتَعالى- ورحمتِه وتيسيرِه على عبادِه؛ حتى يَفعلَ كلُّ مُسلمٍ ما يستطيعُ مِن ذلك، وهذا يَعُمُّ رمضانَ وغيرَه.
وقد ناقشْنا -في المرَّة الماضية- هذا الأمرَ -كما تقدَّم-، وفي نفس الوقت أشرنا إلى شيءٍ آخر وهو: أنَّ الشَّيخ ابن باز نفسَه-رحمه الله- قال: الأفضل الوقوف عند ما حدَّه النبي ﷺ مِن حيث فِعلُه.
لا نستطيع أن نقول: (حَدَّه)، الشَّيخ عبد العزيز -رحمه الله- خالَف هذه -ونحن نحترمه-، ولم يَرتض ِكلمة التَّحديد، وإن كان التَّحديد بالقول أمرًا متَّفقًا عليه، لكن الفعل النَّبوي لم يَزِد على إحدى عشرةَ ركعة.
ثم قال الشَّيخ ابن باز -رحمه الله-تعالى- تحت باب (إرشادات وتوجيهات في إتمام الصَّلوات):

وينبغي أن يُعلمَ: أنَّ المشروعَ للمسلمِ في قيامِ رَمضان -وفي سائرِ الصَّلوات- هو الإقبالُ على صلاتِه، والخشوعُ فيها، والطمأنينةُ في القيام والقعود والركوع والسجود، وترتيلُ التِّلاوة، وعدمُ العجلة؛ لأنَّ رُوحَ الصَّلاة هو الإقبالُ عليها بالقلبِ والقالَب، والخشوعُ فيها، وأداؤُها كما شرع اللهُ -بإخلاصٍ وصِدق، ورغبةٍ ورهبةٍ، وحضورِ قلب-؛ كما قال- سُبحانه-: ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُون . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهم خَاشِعُون﴾، وقال النَّبيُّ ﷺ: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاةِ».
أقول: هذا الذي تقدَّم من كلام سماحة الشَّيخ ابن باز -رحمهُ الله- يُشير إلى أمرٍ مُهم -ومهم جدًّا-، وهو: أنَّ الصَّلاة ليس مقصودُها العجلة، وليس مقصودُها التَّكثير من أعداد الرَّكعات -كما يظنُّ بعضُ النَّاس-؛ ولكن: المقصود الأوَّل منها: الخشوع، والخضوع، والطُّمأنينة، وترتيل التِّلاوة، والتفكُّر في مقام العبد بين يدَي ربِّه.
هذا هو المقصود الأوَّل من الصَّلاة.
أمَّا مَن يستعجل بالصَّلاة استعجالًا كثيرًا -جدًّا-؛ يقول: أنا صلَّيت -ما شاء الله-اليوم- عشرين ركعة -أو أكثر، أو أقل-، دون الطمأنينة التي هي رُكن في صحَّة الصَّلاة، ودون الخشوع والخضوع والتفكُّر والتأمُّل والترتيل والتدبُّر، هذا الذي ينبغي أن يكون في صلاة المؤمن.

وقال لِلَّذي أساءَ في صلاتِه.
حديث المسيء صلاتَه معروف عند أهل العلم.
وبعضُ العلماء -المعاصِرين من أهل العلم- لم يَرْتَح لتسمية هذا الحديث بـ(المسيء صلاتَه)؛ ولكن -الحقيقة- أن الأمرَ كذلك، وهذا اصطِلاح، وهذا لا يَنقص قدر هذا الصَّحابي، والصَّحابة من حيث فضل الصُّحبة كلُّهم في مكانة عُظمى، وإن كانوا -من جهة أخرى- مُتفاوِتين في هذا الفضل.

وقال لِلَّذي أساءَ في صلاتِه: «إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ؛ فأَسْبِغِ الوضوءَ، ثم اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثمَّ اقْرَأْ بِما تَيَسَّرَ مَعَكَ مِن القرآنِ.
جاءت رواية أخرى تقول: (الفاتحة)، هذه نقطة مهمَّة؛ لأن بعض العلماء يقول: هذا الحديث يقول (ما تَيَسَّرَ) فليس من شرط القراءة بالفاتحة.
نقول: ما أُبهِم في نصٍّ أو أُجْمِل؛ يُوضَّح ويُفصَّل في نصوصٍ أخرى؛ كلُّها صحيحةٌ عن النَّبي ﷺ.

ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكعًا، ثم ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ قائِمًا، ثم اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلكَ فِي صَلاتِكَ -كُلِّها-».
والحديث في «الصَّحيحين» من حديث أبي هريرة -رضيَ اللهُ عنه-، وهو -أيضًا- مرويٌّ عن غيره -رضي الله-تعالى- عن جميع الصَّحابة الكرام. رضي الله -تعالى- عنهم وأرضاهم.

وكثيرٌ مِن النَّاس يُصلِّي في قيامِ رمضانَ صلاةً لا يَعقلُها ولا يطمئنُّ فيها؛ بل يَنقُرها نَقرًا!
وذلك لا يجوز؛ بل هو مُنكرٌ، لا تَصحُّ معه الصَّلاة؛ لأنَّ الطُّمأنينةَ رُكنٌ في الصَّلاة لا بُدَّ منه؛ كما دلَّ عليه الحديثُ المذكور -آنفًا-.
يقصِد (حديث المسيء صلاتَه).

فالواجبُ الحذرُ مِن ذلك.
وفي الحديث: عنه ﷺ أنه قال: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلاتَهِ» قالوا: يا رسولَ الله! كيفَ يَسرِقُ صَلَاتَهُ؟ قال: «لا يُتِمُّ رُكوعَها ولا سُجودَها».
وهذا الحديثُ رواهُ ابنُ حِبَّان في «صحيحه» -بسندٍ حسن-.

وثبت عنه ﷺ أنَّه أمر الذي نَقَرَ صلاتَه أن يُعيدَها.
كما في حديث رواهُ الإمام أحمد: من حديث عليِّ بن شَيبان الحنفيِّ -رضي الله عنه- قال: قدِمنا على رسول الله ﷺ فصلَّينا معه، فلَمَح بِمُؤخَّر عينِه رجلًا لا يُقيم صُلبَه في الرُّكوع والسُّجود، فقال ﷺ: «إنَّه لا صَلاةَ لِمَن لم يُقِم صُلبَه»؛ يعني: ظهرَه؛ لا بُد أن يكون الظَّهر أشبه ما يكون بالزَّاوية القائمة؛ كما ورد في بعض الأحاديث: أن النَّبيَّ ﷺ ركع، قال الرَّاوي: (حتى لو صُبَّ الماءُ على ظهرِه؛ لاستقرَّ).
اللهمَّ! صلِّ وسلِّم وبارِك على رسول الله محمَّد، وعلى آلِه وصحبِه -أجمعين-.


انتهى المجلس السَّادس
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:17 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.