أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
20474 84309

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-12-2017, 11:23 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي حكم ” العمليات الانتحارية أو ما تسمى بالاستشهادية

حكم ” العمليات الانتحارية أو ما تسمى بالاستشهادية أو الفدائية“

(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)

الحلقة (17)


العمليات الاستشهادية من الامور المحدثة التي لا صلة لها بالدين، بل لا يوجد في الأحكام الفقهية الشرعية مسمى “العمليات الاستشهادية” ، والمعهود في الفقه الإسلامي هو القتال أو الجهاد في سبيل الله ، ويقال للمقتول في سبيل الله : ” شهيد” أو: قتل في سبيل الله، نحسبه كذلك والله حسيبه.

أما هذه العمليات فيقال للمقتول فيها: ” منتحر” بدليل أنه قتل نفسه ، ولم يقتله العدو بخلاف الشهيد، والأولى أن يقال عنها: ” العمليات الانتحارية ” وهذا ما يناسبها لغةً وشرعاً.

فإننا لو رجعنا إلى اللغة العربية والاصطلاح الشرعي لوجدنا أن معنى " منتحر " على وزن مفتعل بمعنى فاعل، أي قاتل لنفسه متعمداً لجزع أو خلاصٍ من الدنيا، وإذا رجعنا إلى تعريف " مقتول في سبيل الله " لوجدناه على وزن مفعول بمعنى هناك آخر قتله، ومثله لو قلنا شهيد، على وزن فعيل، صيغة مبالغة من مفعول بمعنى أنه جاهد حتى قتله غيره *في سبيل الله لنيل رضا الله وجنته.

ومن التعريفين نجد الفرق جلياً في الآتي :

أولاً : أن المنتحر لغة على وزن مفتعل بمعنى فاعل، أي قاتل لنفسه، ولذا حكمنا على العمليات الانتحارية بأنها انتحار من هذه الناحية اللغوية، بينما من قُتل في سبيل الله يقال فيه لغةً مقتول على وزن مفعول بمعنى هناك آخر قتله، كما يقال له أيضاً شهيد، على وزن فعيل، صيغة مبالغة من مفعول بمعنى أنه جاهد حتى قُتِل في سبيل الله وصار مقتولاً بفعل فاعل من الأعداء، والفرق واضح جلي من الناحية اللغوية.

ثانياً : أن المنتحر يكون متعمداً قتل نفسه ابتداء ويتأهب لقتل نفسه باختياره، بينما من قتل في سبيل الله لا يتعمد قتل نفسه البتة، وإنما يقاتل في سبيل الله، وقد ينغمس في الكفار بسلاحه لا بنية أن يقتله العدو ولكن بنية قتال العدو فإن قتل فهو شهيد نحسبه كذلك والله حسيبه، بينما من قتل نفسه منتحراً متعمداً وسط العدو فهو قاتلها ولم يقتله العدو، ولذا حكمنا على العمليات الانتحارية بأنها انتحار من هذه الناحية الشرعية.

لكن عند هؤلاء القوم شبهة وهي أنهم يقولون إن قاتل نفسه في العمليات الانتحارية لم يقصدها جزعاً ولا خلاصاً من الموت، وإنما قصد أنه يفدي نفسه ويضحي بها لله وفي الله، فالجواب : ليس من عمل شيئاً بنية حسنة قلنا قد أصاب، فقد يعمل الشخص منا العمل بنية حسنة فيضر غيره بغير قصد، فهل نيته الحسنة حجة له وشافعة له أما أنه محاسب على الجرم الذي لم يقصده؟ مثل شخص حفرَ بئراً على الطريق لأجل أن تكون سبيلاً للشرب، فمر أقوام في طريقهم آمنين فسقطوا في هذه البئر فماتوا أو مات بعضهم، فهل نقول ليس على من حفرها جرم لأن نيته حسنة أم لا بد من محاسبته؟، لا شك أنه لا بد من محاسبته، ومطالبة القضاء بمحاكمته، رغم أنه على نية حسنة، وقد جاء في الأثر الصحيح الذي أخرجه الدارمي وابن أبي شيبة لما أنكر ابن مسعود على الخوارج بعض أفعالهم في المسجد ومعهم حصى، قالوا لابن مسعود : " والله يا أبا عبدالرحمن، ما أردنا إلا الخير، فرد عليهم ابن مسعود بقوله : " وكم من مُريدٍ للخير لن يُصِيبَه، إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حدَّثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهم، وايمُ الله ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم، ثم تولَّى عنهم.

*فقال عمرو بن سلَمة : رأينا عامَّة أولئك الحِلَق يُطاعِنُوننا يوم النهروان مع الخوارج".

وقد اتفق العلماء أن مجرد حسن النية لا يكون مبرراً شرعياً لأي عمل قام على قصد حسن.

فما بالكم والنصوص في باب الدماء شديدة وخصوصاً فيما نحن بصدده، ولا يقول قائل نصوص الانتحار في الكتاب والسنة تختلف صورتها عن حمل متفجرات وعن الانغماس في العدو بالمتفجرات، والجواب : أننا لا ننظر إلى عصر النبوة ونقارنه بعصرنا في المتشابهات، فذاك زمان لا متفجرات فيه ولا طائرات ولا دبابات، لكن النظر في القضايا كما تقدم نظرٌ شرعي لا يستلزم منه اتحاد الصور، فالعلة أن صاحب هذه العمليات الانتحارية يقتل نفسه وكذلك من انتحر يقتل نفسه، فلا يقول لي قائل هات من القرآن والسنة دليلاً على أن المخدرات حرام لأن الاتفاق بين المخدرات والخمر منوط بعلة الاسكار، وهكذا تُبنى المسائل في الفقه الشرعي.

وإليكم بعض الأدلة في حكم من قتل نفسه متعمداً :

جاء في الحديث المتفق عليه ” من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سمًّا فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحسَّاهُ في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدتُه في يده يُجأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً”.

وفي لفظ للبخاري ” ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة “.

وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكيناً فجز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات ، قال تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة “ متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”* الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار" متفق عليه.

وهذه الأدلة تثبت قطعاً أن العمليات الانتحارية عملٌ غير شرعي ، وأن القائم بذلك قاتل لنفسه مستحق للوعيد إلا أن يتغمده الله برحمة منه وفضل.

قال الله تعالى ” وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً “.

وقال سبحانه ” وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ “.

قال البيضاوي في تفسيره (ص444) : “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ” إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمداً"اهـ.

ثم حفظ النفس من الضروريات الخمس ويحرم بالأدلة القاطعة إزهاق الأرواح متعمداً، بينما النكاية بالعدو والجهاد في سبيل الله أمر مندوب، وفي حالة وجوب الجهاد في بعض المواطن فإنه لا يحل إزهاق الروح مقابل النكاية بالعدو، فإن النكاية وقتل بعض الكفار محبب شرعاً بينما حفظ النفس من الضروريات الخمس ومن أوجب الواجبات.

وشئ آخر شرعي وهو : لو اجتمع أمر فيه وعد بثواب الآخرة كالنكاية بالعدو وقتل كافر فأكثر، وآخر فيه تهديد بعذاب أليم كقتل النفس فإننا نقدم العمل بأدلة الوعيد على ادلة الترغيب لأن الوعيد يبني عليه عذاب شديد، وأما الوعد بثواب الآخرة لو تركناه فإنه يحل غيره من الصالحات التي لا تتصادم مع أدلة وعيد النار.

ورغم ما تبين من البيان الشرعي الآنف الذكر بأدلته الصحيحة، وعليه كبار علماء الأمة في العصر الحديث كابن باز والألباني وابن عثيمين والوادعي والفوزان واللحيدان وعبد المحسن العباد والنجمي وغيرهم من كبار العلماء، إلا أن هناك من أهل العلم من أجازها إذا ثبت أن فيها تخفيفاً عن أمة الإسلام ومن ذلك فتوى شيخنا عبد الله الجبرين كما سيأتي، وهناك من أطلق الجواز كالشيخ ابن منيع، وكبعض الدعاة الذين يعتمد على فتاواهم بعض التنظيمات الجهادية [ الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة] ومن هؤلاء المشايخ الشيخ حمود العقلاء والشيخ سليمان العلوان وبعض الدعاة في بعض الأقطار الاسلامية.

والقضية شرعية، وليست قضية أن كل طرف يجمع له بعض الأحاديث والآثار الصحيحة والضعيفة ويحشرها ليقوي ما يوافق هواه أو ما يراه، بل الواجب هو التسليم للشرع، واختيار أسلم القولين وأحوطهما عند الاختلاف، فإن الانتصار للنفس على حساب الشرع دون النظر في عواقب الأمور الدنيوية والأخروية منعطف خطير ينتهي بالضلال المبين، وشئ آخر لا ينبغي لمن خالفك في الترجيح أن تتهمه وتطعن في عرضه وتصفه بأقبح القبائح لكونه رجح وقوى حكماً شرعياً عليه طائفة من كبار علماء الأمة المعتمدين في الفتوى، فليس المسلم بالطعان واللعان ولا الفاحش البذي، ثم المخالف يلزمه أن يناقش الطرح والنصوص لا أن يتقوى بقول فلان وعلان من المشايخ لأن التنازع لا بد أن ينتهي حكمه في نهاية المطاف إلى أدلة الكتاب والسنة لا إلى كلام من خالفهما من المشايخ، ولا إلى مجموعة من الأحاديث والأثار التي هي إما ضعيفة من حيث الرواية أو صحيحة لا تفيد المطلوب، ثم إن حشر الأثار والقصص سواء كانت صحيحة أو ضعيفة الاسناد لا يجوز الاعتماد عليها في قضايا الدماء التي حفظها من الضروريات الخمس، بل لا بد من دليل صحيح من الكتاب والسنة لا يحتمل غيره، فإن احتمل غيره أخذنا بالأحوط والأسلم والأبرأ للذمة فإن الأخذ بالأحوط *علامة من علامات الإيمان والتقوى، وقد كان الصحابة يبتعدون عن مواطن الفتوى إلا ما لا بد منه بخلاف زماننا هذا.

وسأذكر فيما يلي كل ما وقفت عليه من الأدلة التي ذكرها هؤلاء المجيزون سواء كانوا مشايخ أو كانوا شباباً في التنظيمات الجهادية، فإن من العجب العجاب تسرع بعض الشباب الذين يكتبون على الانترنت وبفتون دون أن يتقيدوا بضوابط وقواعد الشريعة، وبعضهم لا يحسن الإملاء|، ناهيكم عن خوضه في مسائل الدماء التي فيها الجمر تحت الرماد، أما غيرهم من المشايخ فعادة ما يستدل بدليل أو اثنين أو ثلاثة ويكتفي معتمداً على ذلك في فتواه كما فعل شيخنا ابن جبرين وابن المنيع وغيرهما.

وإليكم ما قاله هؤلاء المجيزون والجواب على أدلتهم باختلاف مشاربهم سواء كانوا شيوخاً أو شباباً متحمسين، وسأقسم أدلتهم على قسمين :

القسم الأول الأدلة من القرآن الكريم، وهي كالتالي :

الدليل الأول :

قوله تعالى " ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد ".

حيث قال بعضهم : أنزلها عمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال كما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ، كذا في تفسير القرطبي (2 / 361 ).

والجواب : لو تركنا تفسيرها على ما حمله الجمهور من السلف والخلف في باب الجهاد، وقلنا هي محصورة بتفسير عمر وأبي أيوب وأبي هريرة وقلنا هي خاصة على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك، لكان كلامهم بمعنى الانغماس في العدو،* وهذا قول نقوله ونسلم له، ولا نختلف فيه، لكن الانغماس في العدو لا يقتل المنغمس فيه نفسه، وإنما يقتله العدو بخلاف هذه العمليات الانتحارية، فإن الفدائي المنتحر يتعمد قتل نفسه.

ولذا يجوز الحمل على العدو والانغماس فيه في مثل هذا الموضع متى ترجحت مصلحة ظاهرة، بشرط ألا يتعمد قتل نفسه كما يفعل هؤلاء المتعجلون اليوم في العلميات الانتحارية.

قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/166) : "الصحيح جواز إقدام الرجل الواحد على الجمع الكثير من الكفار؛ لأن فيه أربعة أوجه:

الأول : طلب الشهادة ، الثاني : وجود النكاية ، الثالث : تجرئة المسلمين عليهم ، الرابع : ضعف نفوس الأعداء ليروا أن هذا صنيع واحد منهم فما ظنك بالجميع"اهـ

الدليل الثاني :

قوله تعالى : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون".

حيث قال بعضهم : قال ابن كثير رحمه الله : حمله الأكثرون على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله.

والجواب : نعم الآية تحمل على كل مجاهد يقاتل العدو، بشرط ألا يفجر نفسه فإن فعل فهو منتحر.

الدليل الثالث :

قوله تعالى : " واعدوا لهم ما استطعتم من قوة من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".

حيث قال بعضهم : والعمليات الاستشهادية من القوة التي ترهبهم.

والجواب : أن العمليات الانتحارية ليست من القوة المشروعة، بل من الفتنة التي تتسبب في أشر منها، وأيضاً أن فاعلها يقتل نفسه متعمداً.

الدليل لرابع :

قال تعالى في الناقضين للعهود : " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ".

والجواب : أن قاتل نفسه في العمليات الانتحارية لا يشرد بالعدو بل يخيفهم ويقتل منهم فينتقمون في المسلمين بأشر مما فعل كما هو مشاهد وتقدم وسيأتي إيضاح ذلك في مواضع متعددة.

القسم الثاني الأدلة من السنة والآثار وأقوال العلماء، وهي كالتالي :

الدليل الأول :

استدلوا بما أخرجه ابن حبان في السيرة (ص315) : " أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث زيد بن حارثة إلى مؤتة ناحية الشام ، وتجهز الناس معه فخرج معه قريباً من ثلاثة آلاف من المسلمين، ومضى حتى نزل معان من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم، فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون هي التي خرجتم من أجلها- الشهادة -، ولا نقاتل الناس بعدد ولا قوة، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين- إما ظهور، وإما شهادة، فقال الناس : قد والله صدق ابن رواحة، ثم رحلوا، والتقى الناس فاقتتلوا قتالاً شديداً .. فأخذ خالد الراية ودافع القوم وحاشى بهم، ثم انصرف بالناس فنعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قبل أن يجيء خبرهم، وقدم خالد بن الوليد بالمسلمين فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون والصبيان يحثون على الجيش التراب ويقولون : أفررتم في سبيل الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ليسوا بالفرارين ولكنهم الكرارون”.

ولم أجد سندا صحيحاً لحديث : ” ” ليسوا بالفرارين ولكنهم الكرارون”، مع صحة القصة في الجملة.

حيث ادعى هؤلاء المجيزون أن الصحابة أقدموا على القتال طمعاً في الشهادة وهذا تعرض للموت.

والجواب من جهتين :

الأولى : أن الصحابة اقتنعوا برأي ابن رواحة في بداية الأمر ورضيه أميرهم زيد بن حارثه فلما حمي الوطيس ورأى خالد خطر ذلك على المسلمين -وقد انتهت إليه إمرة الجيش- صرف الجيش عن القتال فوافقه المقاتلون وأطاعوا أمره، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقاه وأثنى على هذا الصنيع – وإن كان في صحته نظر – بقوله ” ليسوا بالفرارين ولكنهم الكرارون”.

ولو كان رأي ابن رواحة صائباً لعنف على خالد رضي الله عنه، لكنه عليه الصلاة والسلام شهد لابن رواحة ومن معه من القتلى بالشهادة؛ لكونهم اجتهدوا بما رأوه في أول الأمر.

الثانية : أن الذين قُتِلوا كانوا بسلاح العدو، وأما العمليات الانتحارية فإن القاتل هو المنتحر وليس العدو.

الدليل الثاني :

استدلوا بما أخرجه مسلم في صحيحه (3/1503) من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” مِنْ خيرِ معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيْعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانُه “.

والجواب أن معنى الحديث : أنه يطلب الموت في سبيل الله بحقه المشروع الذي شرعه الله في مواطن القتال لا أنه يتسبب في قتل نفسه.

ولذا قال النووي كما في شرح صحيح مسلم (13/34) : ومعنى يبتغى القتل مظانه يطلبه في مواطنه التي يرجى فيها؛ لشدة رغبته في الشهادة”.

الدليل الثالث :

استدلوا أخرجه أحمد في مسنده رقم (3251) وغيره : " أن علي بن أبي طالب بات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة إلى المدينة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً رد الله مكرهم”.

والجواب أن هذا الحديث : لا يصح بل رواياته كلها واهية ، لا ترتقي إلى درجة الثبوت، وعلى فرض ثبوته كما ادعاه الحافظ في الفتح (7/184) فإنه يجاب عليه : أن علي بن أبي طالب بات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليفتدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، مع احتمال أن قريشاً لن تقتله حتى تتيقن من أن النائم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا عين ما كان من قريش كما في رواية هذا الحديث، على أن علي بن أبي طالب لم ينتحر كما في العمليات الانتحارية.

الدليل الرابع :

استدلوا بما أخرجه البخاري في صحيحه برقم (5686) من حديث أنس –رضي الله عنه- قال: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول : لم تراعوا لم تراعوا ، وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج في عنقه سيف”.

والجواب : أن فيه دلالة على المسارعة لسد الثغور وحماية البلد من العدو وتتبع أمر الغارات، وليس فيه أنه ألقى بنفسه في أحضان العدو.

الدليل الخامس :

استدلوا بأن رسول صلى الله عليه وسلم احتمى بالصحابة يوم أحد ولم ينكر ذلك، ومن ذلك حماية أبي دجانة للرسول بنفسه، ويؤكد ذلك قول أبي طلحة للرسول صلى الله عليه وسلم: " نحري دون نحرك " كما في الصحيحين وغيرهما، وكان يقي رسول الله* بنحره ويتطاول في ذلك، بل دافع عنه حتى شلت يده.

والجواب : أن حماية قادة المعارك أمر مشروع ومطلوب بحيث يكون الحماة في وجه العدو والقائد المحمي خلف الحماة، وهذا شئ آخر لا علاقة له بقتل النفس عمداً، وغايته أن الحامي لقائده عبارة عن شخص مدافع، وعند لقاء العدو فسيقاتله قطعاً ولن يقتل نفسه متعمداً|، ولن يسعى في ذلك إلا أن يبارزه العدو فيقتله أو يرميه عن بُعد.

الدليل السادس :

استدلوا بما أخرجه ابن السكن عن عكاشة الغنمي أنه وقى النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهبت أنفه وشفتاه وحاجباه وأذناه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنت المجدع في الله “.

كذا في الإصابة لابن حجر(4/441) بسند ابن السكن ، وفي إسناده : من لا يعرف ، فلا يصح هذا الحديث.

ولو صح لحمل على ما سبق من الدليل الخامس.

الدليل السابع :

استدل بعضهم بما أخرجه مسلم في صحيحه من قصة أصحاب الأخدود وفيها قوله : " ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك، فأبى، ... إلى قول الغلام للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال : وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل : بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلت قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال : بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس : آمنّا برب الغلام، آمنّا برب الغلام، آمنّا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فخدت وأضرمت النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له اقتحم، ففعلوا حتى أتوا على امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام يا أمّه اصبري إنك على الحق ".

وعند أحمد في مسنده (1/ 310) بإسناد لا بأس به* : " فقال : " يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت".

حيث قالوا :* في هذا الحديث دلالة على أن الغلام أمر بقتل نفسه فداءً للدين، ولم يسم منتحراً، وأن الله أنطق الطفل ليأمر أمه بالاقتحام في النار، ولو كان في قتل النفس للدين أي محظور لنبه النبي عليه الصلاة والسلام أثناء قصَّه القصة للصحابة على هذا المحظور، وقصة الغلام وشرحه للملك بقتل نفسه وكذا إنطاق الطفل إلا آية لبيان جواز هذا الفعل، ثم قالوا : إن المرأة في هذه القصة ومن كان من أهل الأخدود الذين اقتحموا النار لم يُدخَلوا إلى النار بالقوة وبالمعالجة، بل ذهبوا طوعاً حتى دخلوا النار وباشروها.

والجواب : أن هذا شرع من قبلنا وليس بشرع لنا إلا بدليل لأن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع إلا ما دلت عليه القرائن من الكتاب والسنة أنه شرع لنا، وقد دلت القرائن التي سبق بسطها على حرمة قتل النفس بغير حق، وعلى ذلك فإنطاق الصبي باقتحام النار وذهاب المرأة وغيرها ممن ذهب النار طوعاً كما في الحديث الطويل، ومثل ذلك قصة الغلام وشرحه للملك بقتل نفسه، كل ذلك دلالة لما كان في شرع من سبق وليس لما هو في شريعة الاسلام، ثم لا نتمسك بنص هذا الحديث ونقول سكوت النبي عليه الصلاة والسلام وهو يحكي القصة مع عدم بيانه بعد ذكر القصة دليل على إقراره متضمناً الثناء، هذا فهم خطأ واستنباط بعيد يتعارض مع النصوص الشرعية التي تقدم ذكرها، وهي في مسألة عظيمة من الضروريات الخمس التي منها حفظ النفس.

وبذا نقول إن تحريم قتل النفس جاء بأدلة منفصلة عن هذا الحديث، ولا يلزم أن يكون الحكم مبيناً في سياق ذكر قصة كانت في قوم بني إسرائيل.

ثم لا يكون شرع ما قبلنا حجة لنا إلا في مسألتين :

الأولى : إذا وافق شرعنا، والثانية : إذا لم يخالف شرعنا.

ومعنى ذلك أنه لو وافق شرعنا أو لم يخالفه فالحجة في شرعنا الناسخ لما قبله.

قال الله تعالى : " وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ".

وقال تعالى :* " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال* : " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".

وأخرج أحمد في مسنده بسنده عن عبد الله بن ثابت قال : " جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله : إني مررت بأخ لي من قريظة ، فكتب لي جوامع من التوراة ، ألا أعرضها عليك ؟ قال : فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ، قال : فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى - عليه السلام - ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنكم حظي من الأمم ، وأنا حظكم من النبيين".

فهذه أدلة وغيرها كثير تؤكد أن أحكام من قبلنا منسوخة وليست شرعاً لنا، وأن ما وافق شرعنا أو لم يخالفه، دلالة على أن العمل بشرعنا دون غيره.

الدليل الثامن :

استدل بعضهم أخرجه البخاري وغيره في قصة السرية التي أمَّر عليها عاصم بن ثابت حيث " أحاط بهم القوم، فقالوا : لهم انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحداً، قال عاصم بن ثابت أمير السرية، أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصماً في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث : هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة ".

حيث قالوا : الشاهد في الحديث قوله " فجروه وعالجوه فأبى فقتلوه " أي لم يستسلم لهم وينقاد.

والجواب : إنه لم يقتل نفسه ولكنه ثبت وصبر بعدما رأى ما حصل مع ذي قبله، فخشي الغدر فاجتهد رضي الله فكان مصيره القتل من الكفار، فهم من قتلوه، ولم يقصد رضي الله أن يتسبب في قتل نفسه لأنه لا يعلم ما مصيره، إذ ذلك من علم الغيب.

الدليل التاسع :

استدل بعضهم بما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 100)، قال : قال الشافعي رضي الله عنه "تخلف رجل من الأنصار عن أصحاب بئر معونة، فرأى الطير عكوفاً على مقتلة أصحابه، فقال لعمرو بن أمية، سأقدم على هؤلاء العدو، فيقتلوني، ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل، فقتل، فرجع عمرو بن أمية، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً حسناً، ويقال: قال لعمرو : فهلا تقدمت؟".

ثم قالوا : قوله " سأقدم على هؤلاء العدو، فيقتلوني " أي ليس له هدف النكاية بالقوم ولا الدفاع عن أصحابه بل مجرد القتل في سبيل الله.

والجواب : أن هذا حديث ضعيف جداً، وذلك أنه سقط من إسناده من حدث عنه الشافعي، وربما سقط منه أيضاً شيخ شيخ الشافعي، فهو مرسل لا يصح بحال.

الدليل العاشر :

ما أخرجه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".

حيث قالوا : عرَّض نفسه للقتل لأجل كلمة الحق.

والجواب : هذا حديث حسن إن شاء الله، وقد قُتل من كان كذلك مجاهداً في سبيل الله لأجل كلمة الحق، وفيه دلالة على جواز قول الحق أمام السلاطين الظلمة، وليس في الحديث أنه جاء لينتحر في سبيل الله، بل مفاده أنه جاء ناصحاً، والنصيحة من الدين، فمن نصح لدين الله فقتله المنصوح فلا يعني أنه انتحر في سبيل الله، بل قتل مجاهدا وفي قتله مصلحة لدين الله كما قال ابن تيمية وغيره، ولذا فهو ناصح كغيره من الناصحين، وليس كل من نصح السلطان قتله السلطان الظالم، وليس كل من قتله السلطان الظالم جاء متعمداً لأجل يقتل نفسه في سبيل الله.

فكيف نستدل بهذا الحديث على جواز الانتحار في سبيل الله؟!!، " إن هذا لشئ عجاب".

الدليل الحادي عشر :

استدل بعضهم بما أخرجه الترمذي في جامعه برقم (2570) وغيره ، والحديث حسن لغيره إن شاء الله عن أبي ذر –رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ” ثلاثة يحبهم الله ، وذكر منهم فقال : ورجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح الله له”.

والجواب على هذا الحديث : أن فيه جواز الحمل على العدو والانغماس فيه في مثل هذا الموضع متى ترجحت مصلحة ظاهرة، وليس فيه أنه قتل نفسه بنفسه كما في العمليات الانتحارية.

قال النووي في شرح مسلم ( 13 / 46 ) : " فيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء"اهـ

ونقل القرطبي في تفسيره (2 / 364 ) *: " جوازه عن بعض علماء المالكية حتى قال بعضهم : إن حمل على المائة أو جملة العسكر ونحوه وعلم وغلب على ظنه أنه يقتل ولكن سينكي نكاية أو يؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضا، ونقل أيضا عن محمد بن الحسن الشيباني قال : لو حمل رجل واحد على الألف من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو"اهـ

فالانغماس في صفوف العدو جائز للمنغمس لأجل أن يقاتل بسلاحه، وهو أمر محبب شرعاً لمن هو أهل لذلك من أهل الشجاعة والاقدام، بل نقل النووي وغيره الاجماع على جواز ذلك كما سيأتي، وهو يختلف تماماً عن قضية العمليات الانتحارية التي يتأهب الرجل لها وهو يعلم أنه سيقتل نفسه لا محالة *قبل أن يفجر نفسه في العدو.

ومثل ذلك أيضاً يحمل ما يلي من الأدلة الآتية الذكر :

الدليل الثاني عشر :

ما فعله هشام بن عامر الأنصاري كما يُروى عنه أنه لما حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس، وقالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما وتليا قوله تعالى ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله .. ) الآية ، كما في مصنف ابن أبي شيبة ( 5 / 303 ، 322 ) وسنن البيهقي ( 9 / 46 )، وكان ذلك في غزوة كابل.

الدليل الثالث عشر :

حمل سلمة ابن الأكوع والأخرم الأسدي وأبي قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن ومن معه ، وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : " خير رجّالتنا سلمة " متفق عليه.

الدليل الرابع عشر :

حمل أبي حدرد الأسلمي وصاحيبه على عسكر عظيم ليس معهم رابع فنصرهم الله على المشركين، ذكرها ابن هشام في سيرته وابن النحاس في مشارع الأشواق ( 1 /545 )، ولا يصح إسناد القصة.

الدليل الخامس عشر :

ما فعله عبدالله بن حنظلة الغسيل حيث قاتل حاسراً في إحدى المعارك وقد طرح الدرع عنه حتى قتلوه ، ذكره ابن النحاس في مشارع الأشواق ( 1 / 555 )، ولا يصح اسناد القصة.

الدليل السادس عشر :

ما نقله البيهقي في السنن ( 9 / 44 ) في الرجل الذي سمع من أبي موسى يذكر الحديث المرفوع : الجنة تحت ظلال السيوف، فقام الرجل وكسر جفن سيفه وشد على العدو ثم قاتل حتى قتل" واسناد القصة صحيح.

الدليل السابع عشر :

قصة أنس بن النضر في وقعة أحد قال : " واهاً لريح الجنة ، ثم انغمس في المشركين حتى قتل" متفق عليه.

فكل ما تقدم في الفقرات " الثاني عشر وما بعدها إلى السابع عشر"

*يدل على الاقدام والحمل على العدو وليس في أي دليل مما سبق ما يدل على أن المنغمس يتعمد قتل نفسه مقابل أن يقتل جمعاً من الكفار.

قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/166) : "الصحيح جواز إقدام الرجل الواحد على الجمع الكثير من الكفار؛ لأن فيه أربعة أوجه:

الأول : طلب الشهادة ، الثاني : وجود النكاية ، الثالث : تجرئة المسلمين عليهم ، الرابع : ضعف نفوس الأعداء ليروا أن هذا صنيع واحد منهم فما ظنك بالجميع"اهـ

وقال ابن كثير في تفسيره (1/332) : " لما حمل هشام بن عامر بين الصفين أنكر عليه بعض الناس فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة وغيرهما وتلوا هذه الاية ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"اهـ.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (25/ 279)* : " وأما قوله أريد أن أقتل نفسي في الله، فهذا كلام مجمل فإنه إذا فعل ما أمره الله به فأفضي ذلك إلى قتل نفسه فهذا محسن في ذلك كالذي يحمل على الصف وحده حملا فيه منفعة للمسلمين وقد اعتقد أنه يقتل، فهذا حسن وفي مثله أنزل الله قوله: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد"،* ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام،* وقد روى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أن رجلا حمل على العدو وحده فقال الناس ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر لا ولكنه ممن قال الله فيه " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد"، وأما إذا فعل ما لم يؤمر به حتى أهلك نفسه، فهذا ظالم متعد بذلك مثل أن يغتسل من الجنابة في البرد الشديد بماء بارد يغلب على ظنه أنه يقتله، أو يصوم في رمضان صوماً يفضي إلى هلاكه، فهذا لا يجوز فكيف في غير رمضان فقد روى أبو داود في سننه في قصة الرجل الذي أصابته جراحة فاستفتى من كان معه هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا لا نجد لك رخصة، فاغتسل فمات، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " قتلوه قتلهم الله، هلا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال" اهــ

وقال رحمه الله كما في الفتاوى الكبرى (3/554) : " ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر"اهـ

وقال ابن النحاس كما في مشارع الأشواق ( 1 / 540 ) : " وفي الحديث الصحيح الثابت : أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وان غلب على ظنه انه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم ، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون" اهـ.

وقد تقدم معنا أن الحمل هو " الانغماس في صفوف العدو" بحيث لا يقتل المنغمس *نفسه ولا يتعمد ذلك وإنما هو اقدام قتالي يقاتل بسلاحه بخلاف العمليات الانتحارية التي يقتل الفدائي نفسها فيها متعمداً.

الدليل الثامن عشر :

استدل بعضهم بما جاء في الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه: " على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قال على الموت".

والجواب : أن معنى الموت الجهاد في سبيل الله، ولو أدى ذلك إلى الموت بالطريقة الشرعية التي لا انتحار فيها، وليس معنى الموت هنا الانتحار في سبيله كما فهمه بعض هؤلاء.

الدليل تاسع عشر :

استدلوا بالحديث الذي ثبت عند أبي دود وغيره من قصة أبي بصير حيث جاء فيها : " أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد قريشاً يوم الحديبية على أن يرد إليهم من أسلم منهم وقدم إليه، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا : العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة ، فنـزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداًَ، فاستله الآخر فقال : أجل والله إنه لجيد، لقد جربتُ به ثم جربت به، ثم جربت به.

فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة ، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه : لقد رأى هذا ذعراً، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قُتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم،* قال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم؛ فخرج حتى أتى سيف البحر، قال وينقلب منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بـأبي بصير ، فجعل لا يخرج رجل من قريش قد أسلم إلا لحق بـأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم".

حيث فهم بعضهم : أن أبا بصير عرّض نفسه للموت منفرداً مع رجلين من قريش، ثم عرَّض نفسه للموت مع من معه.

قلت : وهذا استدلال لا معنى له، وبعيد جداً لأمرين :

الأول : أن الرجل القوي كأبي بصير يعدل رجالاً بذاته أمام رجلين لا فطنة لهما فأحدهما أعطى سيفه، والآخر فر مدبراً، فلم يعرض أبو بصير نفسه للموت ولا أقدم على جيش جرار، ولو أقدم على جيش جرار، فإنه مقدام شجاع لا منتحر كما تقدم في بعض الأجوبة على بعض الاستدلالات الخاطئة.

ثانياً : أن من التحق بأبي بصير مثل أبي جندل وغيره لم ينتحروا ولا قاموا بعمليات إن انتحارية أمام جيش العدو، وإنما كما تقدم في الحديث أنهم كانوا :" عصابة، ... ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم".

الدليل العشرون :

استدل بعضهم بما أخرجه ابن المبارك في كتاب الجهاد (1/ 88)، والبيهقي في سننه الكبرى (9/ 44) عن ثابت البناني : " أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ترجل يوم كذا [ في بعض الروايات : يوم اليرموك]، فقال له خالد بن الوليد: لا تفعل فإن قتلك على المسلمين شديد، فقال: خل عني يا خالد، فإنه قد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، وإني وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى حتى قتل".

والجواب : أن عكرمة رضي الله عنه هجم على العدو مقاتلاً بسلاحه، ولم يقتل نفسه منتحراً بسلاحه لأجل النكاية بالعدو ونحو ذلك، وهذا من شجاعته وإقدامه وإن كان الأولى ما أشار إليه خالد بن الوليد، الذي كان من حكمته الانسحاب بجيش المسلمين يوم مؤته فأقره النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك كما تقدم في الدليل الأول.

الدليل الواحد والعشرون :

استدل بعضهم بما يُرى من الحكاية يوم اليمامة : " لما تحصن بنو حنيفة في بستان مسيلمة الذي كان يعرف بحديقة الرحمن أو الموت، قال البراء بن مالك لأصحابه : ضعوني في الجفنة - وهي ترس من جلد كانت توضع به الحجارة وتلقى على العدو - وألقوني، فألقوه عليهم، فقاتل وحده، وقتل منهم عشرة وفتح الباب وجرح يومئذ بضعاً وثمانين جرحاً، حتى فتح الباب للمسلمين، ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة ".

والجواب : أنه لا يصح سند بهذا السياق، ولو صح ذلك فإنه إقدام وشجاعة لمقاتلة العدو فقد قاتل بسيفه رضي الله، ومع ذلك لم تصح القصة بهذا بالسياق المذكور، وأصل الأثر مخرج في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (5/236)، ومن طريقه أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2/27) قال الصنعاني : عن معمر عن أيوب عن بن سيرين قال " لقي البراء بن مالك يوم بنى مسيلمة رجلاً يقال له حمار اليمامة، وكان رجلاً طوالاً في يده سيف أبيض، وكان البراء رجلاً قصيراً فضرب البراء رجليه بالسيف فكأنه أخطاه فوقع على قفاه، قال : فأخذت سيفه وأغمدت سيفي"، هذه هي الرواية الصحيحة.

الدليل الثاني والعشرون :

استدل بعضهم بما أخرجه أبو داود في سننه رقم (2512) عن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال : غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس : مه مه، لا إله إلا الله يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب : إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى ” وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد “.

قلت : وهذا أثر صحيح، وفيه جواز الحمل على العدو والانغماس فيه في مثل هذا الموضع متى ترجحت مصلحة ظاهرة، وليس فيه أنه قتل نفسه بنفسه، وقد تقدم معنا كلام العلماء في ذلك فأغنانا عن التكرار.

الدليل الثالث والعشرون، وليس بدليل لهم :

استدل بعضهم بما ذكره ابن جرير الطبري في تاريخه (5/ 194) : " أن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما اصطرع يوم الجمل مع الأشتر النخعي، واختلفا ضربتين، ولما رأى عبد الله أن الأشتر سينجو منه قال كلمته المشهورة : اقتلوني ومالكاً، قال الشعبي: إن الناس كانوا لا يعرفون الأشتر باسم مالك، ولو قال ابن الزبير: اقتلوني والأشتر وكانت للأشتر ألف ألف نفس ما نجا منها شيء، ثم ما زال يضطرب في يد ابن الزبير حتى أفلت منه".

الشاهد : " طلب الزبير رضي الله عنه من أصحابه أن يقتلوه مع الأشتر" حيث قال بعضهم : هذا دليل على جواز قتل النفس لمصلحة الدين إذا اقتضى الحال.

والجواب : أصل هذه القصة في مصنف ابن أبي شيبة (7/534) بسند لا بأس به، وكان قول ابن الزبير في يوم الجمل، وهو يوم فتنة، وقد أخطأ رضي الله عنه بهذه المقولة فلا مسوغ لها شرعاً، وأيضاً كانت في صفوف المسلمين، ولذا انصرف عنه الاشتر بحسن حال، رضي الله عنهم أجمعين.

ولا يجوز الاستدلال بمثل هذه القصة ونحوها من القصص في جواز قتل المسلمين بحجة قول صحابي خالف قوله نصوصاً شرعية قطعية الدلالة، فما حصل بين الصحابة من الفتن والدماء مطروح بين يدي الله، وهو يتولى أمرهم، رضي الله عنهم أجمعين.

الدليل الربع والعشرون، وليس بدليل لهم :

استدلال بعضهم بفتوى الفقهاء بقتل المسلم الذي تترس به الأعداء لمحاربة المسلمين عملاً بالقاعدة الفقهية ” الضرر الخاص يُتَحَمَّل لدفع الضرر العام “.

قال ابن العربي في أحكام القرآن (5/275) : " وإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الإقدام على الكفار مع العلم بكون المسلمين بين أظهرهم وجب جواز مثله إذا تترسوا بالمسلمين".

قلت : إنما قالوا ذلك دفعاً لضرر أكبر على المسلمين، وقد شرطوا في ذلك شرطين :

الأول : عدم قصد قتل من تترس به الكفار، بحيث يكون رمي المجاهدين بقصد قتل الكافرين.

الثاني : إذا خيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا أنهم يُقاتلون.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/540) : وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا أنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم".

قلت : وهؤلاء الخوارج إنما يقتلون أنفسهم مهاجمين لا لدفع ضرر على المسلمين، بل وصل بهم الحال أن يفجروا أحزمتهم الناسفة في صفوف رجال الأمن بالبلاد الإسلامية، ثم تعدى ذلك إلى تفجير أنفسهم بالأحزمة الناسفة في الأسواق بمن فيها من المارة والأطفال والنساء والرجال، ثم صار بعضهم يفجر نفسه وسط المصلين يوم الجمعة داخل المساجد والخطيب يخطب أو يصلي بالناس الذين لا صلة لهم برجال الدولة، فأي جهاد يزعمون؟!!!!

الدليل الخامس والعشرون، وليس بدليل لهم :

قول أحدهم " ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها، وهذا قول أكثر أهل العلم وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد فكلهم قالوا بوجوب القصاص على المتسبب بالقتل قصداً كأن يحفر بئراً ليقع فيها فلان، فوقع فمات.."

والجواب : أنه كلام في غير موضعه لأن هذا الكلام يدين هؤلاء الذين يقومون بالعمليات الانتحارية حيث يتسببون في قتل أنفسهم وربما تسببوا في قتل غيرهم من رجال الأمن في البلاد الاسلامية وبعض الأبرياء من غيرهم، فإذا انغمسوا في عدو في غير المعركة وهذا هو الحاصل اليوم فإن الشر يكون أكثر على المسلمين حيث يقتلون من المسلمين أكثر انتقاماً ويعتقلون أكثر، وربما هدموا منزل أسرة من قام بهذه العملية كما هو الحال في فلسطين، ناهيكم عن تشويه صورة الاسلام والمسلمين وما تلاقيه دولنا والمسلمون في العالم من المضايقات والضغوطات والقتل والاعتقال بسبب طيشان هؤلاء، وهذا كله ملموس، وهو خلاف القاعدة الشرعية المجمع عليها: أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين".

الدليل السادس والعشرون، وليس بدليل لهم :

قول أحدهم : " هذه العمليات المذكورة من النوازل المعاصرة التي لم تكن معروفة في السابق بنفس طريقتها اليوم ، ولكل عصر نوازله التي تحدث فيه ، فيجتهد العلماء على تنـزيلها على النصوص والعمومات والحوادث والوقائع المشابهة لها..." ثم استدل ببعض ما سبق من الأدلة التي أجبنا عليها سابقاً، فأغنانا ذلك عن التكرار.

والجواب : نعم نازلة فتنة، وقد أفتى العلماء بحرمتها وأنها تتعارض مع النصوص الشرعية وأحوال السلف كما تقدم وكما سيأتي مفصلاً من كبار علماء العصر كالألباني وابن باز والعباد والفوزان واللحيدان والنجمي وعلماء اللجنة الدائمة وغيرهم

الدليل السابع والعشرون، وليس بدليل لهم :

احتجاج بعضهم بالأجماع على الحمل على الكافر :

والجواب : قد تقدم معنا الكلام في الحمل على الكافر ويسمى الانغماس، وكررنا مراراً أن المنغمس لا ينغمس في صفوف العدو متعمداً قتل نفسه بحجة النكاية بالعدو وبحجة قتل وجرح بعضهم.

وقد نقل ابن النحاس في مشارع الأشواق ( 1 / 588 ) عن المهلب قوله : قد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد ، ونقل عن الغزالي في الإحياء قوله : ولا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل".

ونقل النووي في شرح مسلم الاتفاق على التغرير بالنفس في الجهاد، ذكره في غزوة ذي قرد ( 12 / 187 ).

والحاصل : أن العمليات الانتحارية انتحار وقتل للنفس وإن كان على حسن نية، لكن الفعل ليس من الشرع كما تقدم، ومن قتل نفسه بهذه الطريقة بقصد قتل مجموعة من جند الكفار المحاربين بناء على من أفتاه بجوازها فهو تحت المشيئة إن كان جاهلاً، والمفتي مسؤول عن فتواه بين يدي الله سبحانه، ثم هذا المنتحر في هذه العمليات المسماة بالعمليات الانتحارية يتسبب في أضرار كثيرة فهو يقتل نفسه ويدفع العدو كما هو مشاهد اليوم ليقتل جمعاً من المسلمين ويعتقل جمعاً آخر وربما اعتقلوا أفراد أسرته وهدموا بيته، ولذا فقد أدى صنيعه الفدائي إلى أشر منه، وقد تقدم معنا في أكثر من مقال أن "القاعدة الشرعية المجمع عليها: أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين".

وقد يقول قائل ما جوابك حول قول الشيخ محمد بن حسان في مقطع مصور بعنوان "بشائر من القدس" من موقعه الرسمي على الإنترنت حيث قال : " فمن فضل الله، سمعنا بالأمس عن عملية كبيرة، كبيرة بكل المقاييس، وتتصور يا أخي سبحان الله! المتاريس والحواجز والسدود والعقبات و.. ومع ذلك ترى ابنًا من أبنائنا .. من أبناء الإسلام وأبناء المسلمين لم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره، شايف الفخر والشرف! يُقَدِّم نفسه لله، كذَّاب من يقول بأنه منتحر، والله يكذب على الله، أي انتحار؟!" اهـ

فالجواب : هذا كلام خالي من الطرح والنصوص وهو كلام وعظي، ولا يصلح مثل هذا الأسلوب من الشيخ محمد وخصوصاً في مسألة كهذه، لأن القضية فقهية لا بد فيها من نصوص شرعية وقواعد فقهية ومناقشة علمية، وما خلا من العلم وأدلته وقواعده فلا يُلتفت إليه".

فإذا قال قائل : قد أجاز ذلك شيخك عبد الله الجبرين؟

فالجواب : نعم أجازه في فتوى صوتية لكنه قال رحمه الله : في فتواه " فلأجل ذلك يعملون هذه الأعمال الانتحارية رجاء أن يخفف اليهود من هذه الأعمال الشرسة على المُسلمين"، والواقع أنهم لا يخففون بل يقتلون وينتقمون أكثر كما أسلفت ولو علم شيخنا رحمه الله بأنه لا يخفف بل يزيد الجرم لأعمل القاعدة المتقدمة المجمع عليها وهي : " أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين" لأنه علق فتواه بتخفيف الشر، والواقع أنهم بعملياتهم الانتحارية لا يخففون بل الأعداء يقتلون وينتقمون أكثر، وبوسائل إجرامية متعددة نتيجةً لهذه العمليات.

فإن قال قائل : وماذا عن فتوى الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع الذي يقول : " العمليات الاستشهادية في سبيل الله من أفضل أبواب الجهاد "؟

فالجواب : أن الشيخ ابن منيع حفظه الله استدل على جواز ذلك بافتتاح حديقة مسيلمة وقد كانت هجوماً للبراء بن مالك من خلال جفنة " ترس" وضعوه فيها* كما تقدم، ثم القصة وما فيها " أنهم وضعوه في الجفنة " لا تصح كما سبق بيان ذلك في باب الأدلة.

وعلى فرض صحتها فهي هجوم لباب الحديقة بطريقة الحيلة ولم يرم نفسه في أوساطهم ليقتل نفسه متعمداً، بل وثب مقاتلاً، وقد كان هجومه بطريقة الجفنة التي هي الترس، بينما هذه العمليات الانتحارية العصرية يثب الشخص فيها وهو متعمد قتل نفسه.

وإليكم أقوال طائفة من كبار علماء العصر في هذه العمليات :

سئل الشيخ عبد العزيز الراجحي كما في فتوى صوتية من خلال شرح كتاب الشرح والإبانة، حيث قال السائل: ما رأيكم في الحركات الاستشهادية الموجودة في الساحة الآن؟

فأجاب بقوله : " والله أنا ذكرت هذا في الدورة .. دورة شيخ الإسلام ابن تيمية، سئلت عن هذا السؤال، وأجبت في الشبكة : أرى أنه ليس بمشروع، الذي ظهر لي من الأدلة أنه ليس بمشروع، وأنه ليس من جنس المبارزة بين الصفين في القتال، وليس من جنس إلقاء الرجل نفسه على الروم، يقولون إن هذا من جنسه وهو ليس من جنسه، أولاً : أن الحركات اللي بيسموها الحركات الاستشهادية ليست في صف القتال، ليست في صف القتال، وإنما هو يأتي إلى أُناس آمنين ويفجر نفسه بينهم، ما هي في صف القتال، والنصوص التي جاءت أن يكون في صف القتال، المسلمون صف والكفار صف، يتقاتلون ثم يُلقي نفسه المؤمن إلى الكفار.

ثانيًا: أن الذي يلقي بنفسه إلى الكفار ما قتل نفسه! قد ينجو! بخلاف الذي يفجر نفسه، هذا منتحر، فجر نفسه.

ثالثًا: أنه ثبت في خيبر أن عامر بن الأكوع لما ضربه اليهودي -هذا في صحيح البخاري- ارتد إليه ذباب السيف، فأصابه، فأصاب رجله، ثم مات، فتكلم ناس من الصحابة وقالوا: إن عامر بن الأكوع أبطل جهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أخيه سلمة بن الأكوع وإذا هو حزين، فسأله، قال: يا رسول الله إنهم يقولون إن عامر بطل جهاده، فقال النبي: "كذب من قال ذلك...فإذا كان الصحابة أَشكَل عليهم كون عامر ارتد إليه ذباب السيف بدون اختياره وقالوا بطل جهاده، فكيف بالذي يفجر نفسه باختياره؟! واضح الاستدلال؟ إذا كان عامر بن الأكوع يرتد إليه ذباب السيف بدون اختياره لما ضربه اليهودي، ولما أصابه قال الصحابة بطل جهاده، *لكن أشكل عليهم، هو لم يقتل نفسه ولم يفجر نفسه، وإنما [ارتد] ذباب سيفه بدون اختياره، وهو مجاهد، ثم مع ذلك قال الصحابة بطل جهاده، فقال النبي: كذب من قال ذلك، فكيف بمن يفجر نفسه؟!"اهـ مختصراً

وقد نقل حفظه الله حرمتها عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كما فتوى مسجلة بصوت الشيخ عبد العزيز الراجحي حول العلميات الانتحارية، حيث قال ” هذه العمليات، سمعت شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله – يفتي بأنها انتحار، وأنه لا يجوز للإنسان أن يضع على نفسه قنابل ويفجرها لأن هذا انتحار وقتل .. وكتب بعض الناس كتابات في هذا، وبرروا هذه العمليات، وقال: إنها تشبه ما جاء في بعض الأحاديث أو من فعل الصحابة أن بعض الصحابة يقدمون على الكفار، ويلقي بعضهم نفسه في جيش الكفار، وكذلك أيضا يفتح الحصون وحده، ويتعرض للخطر، ولكن هذا ليس بظاهر؛ لأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الصحابة أو الصحابي الذي يلقي بنفسه أو يبرز للكفار، إنما هذا في صف القتال، صف القتال، صف المسلمين، وصف الكفرة، فينفذ فيهم، أما العمليات الاستشهادية ما فيه صف قتال أمامكم، ما فيه صف، ثم أيضاً الذي ألقى بنفسه ما قتل نفسه، ولا جعل في نفسه شيئا، ولا عمل شيئاً، ما ضرب نفسه، وما قتل نفسه، وهذا قتل نفسه بفعله، هذا عمل شيئاً يقتل نفسه، وكل هذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يفجر نفسه، ولا أن يقتل نفسه؛ لأنه يعتبر قاتلاً نفسه"اهـ

قلت : قد وجدت فتوى ابن باز منصوصاً عليها بصوته من شريط فتاوى العلماء في الجهاد، وقد ذكرها الحصين في كتابه : " الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية " حيث سأل ابن باز سائل السؤال التالي : ما حكم من يلغم نفسه ليقتل بذلك مجموعة من اليهود ؟

فأجاب بقوله : " الذي أرى قد نبهنا غير مرة أن هذا لا يصلح لأنه قاتل نفسه ، والله يقول تعالى يقول في سورة النساء " ولا تقتلوا أنفسكم "، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح البخاري ومسلم " من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة " يسعى في هدايتهم، وإذا شرع الجهاد جاهد مع المسلمين، وإن قتل فالحمد لله ، أما أنه يقتل نفسه يحط اللغم في نفسه حتى يقتل معهم، هذا غلط لا يجوز أو يطعن نفسه معهم لا يجوز، ولكن يجاهد حيث شرع الجهاد مع المسلمين، أما عمل أبناء فلسطين هذا غلط ما يصلح، إنما الواجب عليهم : الدعوة إلى الله والتعليم والإرشاد والنصيحة من دون هذا العمل" اهـ.

كما ذكر الحصين أيضاً فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حيث قال : " ما وقع السؤال عنه من طريقة قتل النفس بين الأعداء أو ما أسميته بالطرق الانتحارية ، فإن هذه الطريقة لا أعلم لها وجهاً شرعياً، ولا أنها من الجهاد في سبيل الله، وأخشى أن تكون من قتل النفس؛ نعم إثخان العدو وقتاله مطلوب بل ربما يكون متعيناً لكن بالطرق التي لا تخالف الشرع"اهـ

كما ساق أيضاً فتوى *سماحة الشيخ صالح الفوزان حيث أفتى بقوله : " الله جل وعلا يقول : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً، فسوف نصليه ناراً، وكان ذلك على الله يسيراً "، وهذا يشمل قتل الإنسان نفسه وقتله لغيره بغير حق، فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه بل يحافظ على نفسه غاية المحافظة، ولا يمنع هذا أن يجاهد في سبيل الله ويقاتل في سبيل الله ولو تعرض للقتل أو الاستشهاد، هذا طيب أما انه يتعمد قتل نفسه فهذا لا يجوز، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات "كان واحد من الشجعان يقاتل في سبيل الله مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم إنه قتل فقال الناس – يثنون عليه- : ما أبلى منا أحد مثل ما أبلى فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم : هو في النار هذا قبل أن يموت فصعب ذلك على الصحابة كيف مثل هذا الإنسان الذي يقاتل ولا يترك من الكفار أحداً إلا تبعه وقتله يكون في النار، فتبعه رجل وراقبه وتتبعه بعدما جرح ثم في النهاية رآه وضع السيف على الأرض بمعنى : وضع غمد السيف على الأرض ورفع ذبابته إلى أعلى ثم تحامل على السيف ودخل من صدره وخرج من ظهره، فمات الرجل فقال هذا الصحابي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم"، وعرفوا أن الرسول لا ينطق عن الهوى، لماذا دخل النار مع هذا العمل ؟ لأنه قتل نفسه ولم يصبر، فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه"اهـ

كما سأله سائل من خلال فتوى صوتية السؤال التالي : في قوله سبحانه وتعالى : " ولا تقتلوا أنفسكم" هذا نص في مسألة قتل النفس، فما هو المخصِّص لهذه الآية للقول بجواز العمليات الاستشهادية عند من يقول بجوازها؟ مع أن المصلحة لا تقدم على النص، فأجاب بقوله : " يا أخي اللي أفتى بجواز هذا هو اللي يُسأل! أنا ما أفتيت بهذا! هو اللي يُسأل عن دليله وعن شبهته في فتواه، وتخصيص هذه الآية : "ولا تقتلوا أنفسكم" اهـ.

وقال الألباني كما في ( سلسلة الهدى والنور- شريط رقم (760) : "العمليات الانتحارية في الزمن الحاضر الآن كلها غير مشروعة، وكلها محرمة أما أن تكون قربة يتقرب بها إلى الله فهي ليست إسلامية إطلاقاً"اهـ.

وسئل رحمه الله كما في ( سلسلة الهدى والنور- شريط رقم (678)، السؤال التالي : العمليات الاستشهادية أي الانتحارية، تجوز ولا لأ؟

فأجاب بقوله : " لا، ما يجوز "اهـ.

وله فتوى أخرى أجاز فيها العمليات الانتحارية بشرط إذن إمام المسلمين " حاكم الدولة المسلمة " الذي يطبق الشريعة الاسلامية حيث سئل رحمه الله كما في ( سلسلة الهدى والنور- شريط رقم (451) السؤال التالي : " هل يجوز ركوب سيارة مفخخة بالمتفجرات والدخول بها وسط الأعداء وهو ما يسمى الآن بالعمليات الانتحارية؟ مع الدليل، فأجاب بقوله : " قلنا مرارًا وتكرارًا عن مثل هذا السؤال بأنه في هذا الزمان لا يجوز، لأنها إما أن تكون تصرفات شخصية فردية لا يتمكن الفرد عادةً من تغليب المصلحة على المفسدة أو المفسدة على المصلحة، أو إذا لم يكن الأمر تصرفًا فرديًا وإنما هو صادر من هيئة أو من جماعة أو من قيادة أيضًا هذه الهيئة أو هذه الجماعة أو هذه القيادة ليست قيادة شرعية إسلامية، فحينئذ يُعتبر هذا انتحارًا، أما الدليل فمعروف! فيه أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، أنَّ من نَحَر نفسه بأي آلة فهو في جهنم يعذب بمثلها، إنما يجوز مثل هذه العملية الانتحارية -كما يقولون اليوم- فيما إذا كان هناك حكم إسلامي، وعلى هذا الحكم حاكم مسلم، يحكم بما أنزل الله، ويطبق شريعة الله في كل شئون الحياة، منها: نظام الجيش، ونظام العسكر، يكون أيضًا في حدود الشرع، فإذا رأى الحاكم الأعلى -وبالتالي يمثله القائد الأعلى للجيش- إذا رأى أنَّ مِن مصلحة المسلمين إجراء عملية انتحارية في سبيل تحقيق مصلحة شرعية هو هذا الحاكم المسلم هو الذي يُقَدِّرها مستعينًا بأهل الشورى في مجلسه، ففي هذه الحالة فقط يجوز مثل هذه العملية الانتحارية، أما سوى ذلك فلا يجوز) اهـ

وقال ابن عثيمين كما في شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (1/165–166) : ” فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله، ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين؛ كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين، لم ينتفع الإسلام بذلك فلم يُسلم الناس، بخلاف قصة الغلام، وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويُوغر صدره هذا العمل حتى يفتِكَ بالمسلمين أشد فتك، كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفراً أو أكثر فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ولا انتفاع للذين فُجرت المتفجرات في صفوفهم، ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله وأن صاحبه ليس بشهيد، لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولاً ظاناً أنه جائز، فإننا نرجو أن يسلم من الإثم، وأما أن تكتب له الشهادة فلا، لأنه لم يسلك طريق الشهادة”اهـ

كما أجرت جريدة عكاظ السعودية حواراً هاتفياً مع الشيخ صالح بن محمد اللحيدان جاء فيه حسب مصدر الجريدة: " حذّر رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن محمد اللحيدان من مغبة الانتماء لما يُسمى بتنظيم القاعدة الإرهابي، وقال : إن من أيَّد هذا التنظيم أو فكره بعيد عن الخير كله، ثم سئل عن : قتل هؤلاء لأنفسهم انتحارًا بحزام ناسف أو تفجير خشية وقوعهم في قبضة الأمن، ما حكمه? وهل هذا استشهاد في سبيل الله?

فقال: الاستشهاد ليس هكذا! ولكن في أن يقابل الشخص ميادين القتال بين المسلمين والكفار في حال حرب، ثم لو أقدم وهو يعرف حتمًا أنه سيقتل دون أن يقتل أحدًا لا يُجْزَم بأن هذا استشهاد أن يَقتل الإنسان نفسه فمهما فعل لا يقول إنسان يعرف دلالات الكتاب والسنة أن هذا العمل استشهادي، وأن القتيل فيه شهيد! بل إن السنة جاءت صريحة بعظيم إثم من يقتل نفسه, ومن يجعل نفسه في حال يفجرها هو أو تتعرض لأي عارض سيحصل فيه تفجير وقتل فهو داخل في باب قتل الإنسان نفسه" اهـ

وقال الشيخ عبد المحسن العباد في فتوى صوتيه : " العمليات الانتحارية التي تحصل في هذا الزمان فإنها من الواضح المحقق قتل للنفس"اهـ.

وسئل الشيخ أحمد بن يحيى النجمي كما في (الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية 2/52-54)، السؤال التالي : نسمع كثيراً عما يسمى بالعمليات الاستشهادية ” الانتحارية “ وصورتها كالآتي :

يقوم الرجل بوضع قنبلةٍ في ملابسه، وعندما يصل إلى منطقةٍ معينة محددة من قبل الجهات المنظمة لهذه العملية، فإنَّه يقوم بتفجير نفسه قاضياً معه على كل من وجد في هذه المنطقة أو يقوم بقيادة سيارةٍ مليئة بالمتفجرات، وعندما تصطدم السيارة بمكان معين تتفجر وينفجر معها السائق، والسؤال هو : ما حكم من يقوم بهذه العمليات الانتحارية ؛ سواء قصد الانتحار أو لم يقصد، وذلك بهدف إلحاق الضرر بالعدو ؟ فأجاب بقوله : " الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد : تسألون عن حكم العمليات الانتحارية التي وصفتم، وهذه العمليات عملياتٌ محرمة لا يجوز فعلها؛ لأنَّها مبنيةٌ على الخيانة، وعلى أمور خفية يكون فيها تستر على الغادرين، والغدر لا يجوز والخيانة محرمة ؛ حتى ولو كان القصد منه إلحاق الضرر بالعدو ، وحتى لو كان العدو معتدياً وظالماً ، فالله يقول : " وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ"، وجاء في الحديث : " أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك"، فالخيانة منبوذةٌ في الشرع الإسلامي، وممنوعة فيه، وكذلك الغدر أيضاً إذ لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يغدروا بأحد من قادة الكفر ؛ كالوليد بن المغيرة ، وأبي جهل ، وعتبة بن ربيعة وغيرهم.

والمهم : أنَّ هذه العمليات تصدر من قوم جهَّال يجهلون الشريعة، فيعملون أعمالاً مبنية على العاطفة من دون أن ينظروا هل هي مباحة في الشرع أم لا !! فهم يرون ظلم الأعداء وتعسفهم، *فيظنون أنَّ ما عملوه له وجهٌ من الصواب، وليس كذلك، ولعل هناك من يفتيهم بجواز هذه العمليات، إنَّ في ذلك جنايةٌ على سائر المسلمين؛ حيث أنَّ العدو يزداد في العِداء لهم، والظلم والعسف لهم، فانظروا مثلاً العمليات التي حصلت في أمريكا ماذا ترتب عليها من ظلم للإسلام وأهله، واعتداء عليهم !!، فالأفغان فيها الملايين من المساكين الذين ظلموا بسبب تلك الحادثة، وكذلك الفلسطينيون والعراقيون، فنسأل الله أن يبصر المسلمين، ويجنبهم القادة الجاهلين، أمَّا وصف هذا العمل بأنَّه استشهاد، فإنَّه وصفٌ في غير محله، ولما سمع النبي عليه الصلاة والسلام أمَّ العلا وهي تقول لعثمان بن مظعون - رضي الله عنهما - حين مرض ومات : رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام: " وما يدريك أن الله أكرمه، فقُلتُ : لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : أما عثمان فقد جاءه والله اليقين، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، قالت : فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً"،* وقد ورد النهي عن أن يُقال فلانٌ شهيد؛ لأنَّ الشهادة تترتب على الإخلاص، والإخلاص لا يعلمه إلا الله فلا ينبغي أن نصف المنتحرين بأنَّهم شهداء، ولا أنَّ عملهم شهادة، ولكنَّ نرجو لمن مات على التوحيد إذا كان عمله مشروعاً نرجو له الشهادة، مَّا عمل هؤلاء ، فإنَّه عملٌ جاهلي، ولا يصح أن نصف أصحابه بأنَّهم شهداء وبالله التوفيق" اهـ.

*

*مسائل متفرعة

لتمام الفائدة، هناك خمس مسائل مهمة تتعلق ببعض أحكام الباب، وهي كالتالي :

المسألة الأولى : الحمل على العدو " الانغماس أو الانغمار فيه"

وهذا جائز كما تقدم، وقد أكثرنا حوله الكلام وذكرنا أدلته وكلام العلماء فيه، وهو غير العمليات الانتحارية، حيث يجوز أن يتعرض مجاهد أو مجموعة لمقاتلة جيش الأعداء بمواجهتهم بالسلاح حتى وإن غلب في ظنه أو ظنهم أنهم سيقتلون لكن في دفاعهم وهجوهم أو تترسهم بأسلحتهم في المكان الواحد حفظ وسلامة دماء كثير من المسلمين.

وهذا لا يُعد من الانتحار لأنه مواجهة مباشرة بالأسلحة في وجه العدو كثير العدد والعتاد حفاظاً على المسلمين من أن يقتلوا أو تنتهك أعراضهم وتستباح بيضتهم، فتقديم مصلحة الجماعة أولى من مصلحة الواحد والقلة، وعملاً القاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين".

وبناء على قاعدة : " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"

وقاعدة : " لو اجتمعت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما"، وأيضاً قاعدة " الأخذ بأعظم المصلحتين جائز عند دفع أعظم المفسدتين"، وكذلك قاعدة " ارتكاب أخف الضررين للتخلص من أشدهما".

ومثل ذلك قول الفقهاء : ترك مصلحة بقاء الأسير مقدم على جلب مفسدة قتل مئات المسلمين واستباحة أعراضهم.

وقد توسع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في هذا الباب حتى جوَّز الانتحار لمن أسره الكفار إذا كان بانتحاره سلامة غيره من المسلمين، ودفع لكثير من المفاسد التي لو بقيت تضرر المسلمون منها كثيراً، وهذا اجتهاد منه رحمه الله، والتورع في هذا الباب مطلوب ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، ومثل هذه النوازل تقدر بقدرها حسب الزمان والمكان، وللعالم المجتهد عند ظهور مثل هذه العوارض ما يرى أنه يقربه إلى الله، ويدفع به عن المسلمين ما هو أشر وأعظم.

فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في فتاواه (6/207 – 208) : عن ما يلاقيه مجاهدي الجزائر عندما يقعون في الأسر على أيدي الفرنسيين من العذاب والنكال، حتى يعترفوا، ويدلوا على المسلمين، وأسرارهم، فهل لهم أن ينتحروا لكي لا يخبروا بسر المسلمين؟

فأجاب رحمه الله بقوله : " الفرنساويون في هذه السنين تصلبوا في الحرب، ويستعملون (الشرنقات) إذا استولوا على واحد من الجزائريين؛ ليعلمهم بالذخائر والمكامن، ومن يأسرونه - قد يكون من الأكابر - فيخبرهم أن في المكان الفلاني كذا وكذا، وهذه الإبرة تسكره إسكاراً مقيداً، ثم هو مع هذا كلامه ما يختلط، فهو يختص بما يبينه بما كان حقيقة وصدقاً.

جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون: هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة، ويقول: أموت أنا وأنا شهيد - مع أنهم يعذبونه بأنواع العذاب- فقلنا لهم: إذا كان كما تذكرون فيجوز، ومن دليله " آمنا برب الغلام"، وقول بعض أهل العلم : إن السفينة إذا خشي غرق جميع ركابها جاز إلقاء بعضهم.. ، إلا أن فيه التوقف من جهة قتل الإنسان نفسه ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة، هذا فالقاعدة محكمة، وهو مقتول ولا بد" اهـ.


المسألة الثانية : مسألة التترس.

وصورتها : أن يخنبئ أو يحتمي جيش الكفار بمجموعة من المسلمين بحيث يجعلونهم كالترس الواقي لهم من جيس أهل الاسلام.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/540) : وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا أنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم".

وقال ابن قاسم في حاشية الروض ( 4 / 271 ) *:" قال في الإنصاف : وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار، وهذا بلا نزاع"اهـ

قلت : فلا يجوز قتل الترس من المسلمين، وإنما عند الاضطرار إذا خاف الجيش الاسلامي على نفسه من العدو بسبب احتماء العدو بالترس أو كان العدو المتترس بالمسلمين أو أسرى المسلمين يرمي على جيش المسلمين فإنه يجوز مقاتلة الكفار ورميهم بالسلاح بشرط ألا يتعمد المجاهدون الرمي على الترس، فإن أدى ذلك إلى قتل الترس من المسلمين فلا ذنب عليهم لأنهم لم يقصدوا قتلهم.

وليس في هذه المسألة دلالة على جواز العمليات الانتحارية، لأن المجاهدين لا يصوبون الترس ولا يتعمدون قتلهم، ولا يوجد في المسألة شئ اسمه انتحار وإنما ضرورة مقيدة بشروطها في باب الترس، كما تقدم معنا هنا وكذلك أشرت إلى هذه المسألة عند الدليل الرابع والعشرين.

وقد تعدى هؤلاء في التجويز حتى خرجوا عن أحكام الترس وجعلوا مثل ذلك مسوغاً لهم في العمليات الانتحارية.

*

المسألة الثالثة : مفاداة المسلم من باب " إنقاذ المسلم أولى من إهلاك الكافر".

وهذا جائز وهو المشهور عن الفقهاء في باب فداء الأسرى وبه جاءت النصوص، وقال أبو حنيفة : "مفاداة الأسير بالأسير لا تجوز" كما في بدائع الصنائع (7/ 120).

قلت : *الراجح ما ذهب إليه الجمهور من جواز تبادل الأسرى عملاً بما ثبت عند أبي داود وغيره عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني، قال سفيان : والعاني الأسير"، ونحوه من الأدلة،* ولأنّ في المفاداة انقاذ وتخليص المسلم من عذاب الكفّار وفتنتهم، وإنقاذ المسلم أولى من إهلاك الكافر.

*

المسألة الرابعة : اختيار أهون الموت جائز عند غلبة تحققه على قول.

جاء في البحر الرائق: " فإن كان المسلمون في سفينة فاحترقت السفينة, فإن كان غلبة ظنهم أنهم لو ألقوا أنفسهم في البحر تخلصوا بالسباحة، يجب عليهم أن يطرحوا أنفسهم في البحر ليتخلصوا من الهلاك القطعي، وإن استوى الجانبان إن أقاموا احترقوا, وإن أوقعوا أنفسهم غرقوا فهم بالخيار عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاستواء الجانبين، وقال محمد [بن الحسن الشيباني] : لا يجوز أن يلقوا أنفسهم في الماء ; لأنه يكون إهلاكاً بفعلهم"اهـ.

قلت : قول محمد بن الحسن الشيباني أقوى لأن الموت واقع لا محالة، وهو أبرأ للنفس من اختيار طريقة الموت لنفسه إلا إذا غلب الظن في النجاة، فتقدم غلبة الظن.

المسألة الخامسة : حكم فداء الفرد المسلم لإنقاذ الجماعة من الهلاك.

من صور هذه المسألة : ما فعله بعض طلبة العلم في " دماج باليمن " عندما غزاهم الرافضة "الحوثة، حيث كان الطلاب في متارسهم، وكان الحوثة بين الحين والآخر يرمون بعض القنابل على متارس طلبة العلم، القنبلة تلو الأخرى، فإذا وقعت القنبلة في المترس فستقتلهم جميعاً، فيفدي أحدهم نفسه فيجلس عليها بمجرد سقوطها قبل أن تنفجر، فتنفجر تحته ويتعرض للجراح الكثير مقابل أن يسلم الأخرون من الموت والأذى، وقد وقع مثل ذلك بدماج وسألوني عن الحكم فقلت : هو من أعظم الفداء، ولا يكون الفاعل* منتحراً، بل هو مجاهد أخذ بقاعدة : : " لو اجتمعت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما"، وأيضاً قاعدة " الأخذ بأعظم المصلحتين جائز عند دفع أعظم المفسدتين"، وكذلك قاعدة " ارتكاب أخف الضررين للتخلص من أشدهما"، والله أعلى وأعلم، وأعز وأكرم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-12-2017, 11:24 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي قول التكفيريين ” قنوت النوازل واجب شرعي وهو أقل ما يُعان به إخواننا في ساحات الجهاد

قول التكفيريين ” قنوت النوازل واجب شرعي وهو أقل ما يُعان به إخواننا في ساحات الجهاد، فلماذا يُمنع منه في بعض الدول الاسلامية؟”
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (18)

الجواب على هذه الشبهة : أن بعض أهل العلم اشترط إذن ولي الأمر لقنوت النوازل، كما هو المشهور في مذهب الإمام أحمد وغيره كما سيأتي من كلام العلماء، وباعتبار أنه لم يثبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء أنه قُنِتَ في غير المسجد الأعظم في البلد الذي يصلي فيه ولي الأمر، ومن ثم يتعدى القنوت لبقية المساجد بإذنه على قول عند النوازل والمحن، والمسألة اجتهادية فلا نحولها إلى قضية فتنة ومحاربة لمن لا يقنت، حتى أنتم أيها الخوارج منذ بداية ظهوركم في مصر والعراق زمن عثمان بن عفان إلى اليوم لم تقنتوا في كل النوازل، فلماذا هذه الصولة التي ليس وراءها سوى الفتن؟!!، رغم أن حياة النبي عليه الصلاة والسلام وحياة من بعده من الخلفاء الراشدين الأربعة ومن بعدهم إلى يومنا هذا لم تتوقف المحن والنوازل العظام، حيث تتجدد بين الحين والآخر كل سنة أو أكثر، ومع ذلك لم يقنت العلماء والأئمة في مساجدهم على مر الزمن في كل النوازل ولم يلزموا أحداً، لأن المسألة اجتهادية حسب فتوى كبار العلماء في كل بلدة.
وإذا كانت المسألة خلافية والعمل على فتوى معينة لها أدلتها ونظرتها الشرعية القائمة على الدليل في الدولة الفلانية، فإن إلزام الوالي بفتوى تخالف فتوى علماء دولته إلزام ما لا يلزم ، لكوني الوالي يرى فيها الحق باعتبار أن علماء بلده علماء مجتهدون ثقات وأئمة معروفون بالسنة والعلم والورع.
ومن ثم فعلى الناقد أن يكون من أهل العلم، فإذا كان كذلك جاز له أن يناقش مناط هذه المسألة وأدلتها ثم ما رآه مخالفاً لما عليه علماء بلده أو أي قطر إسلامي آخر ناظر عليه وحاور ذوي العلم والبصيرة بالحجة والحكمة دون تدخل مَن ليس من أهل العلم، فإذا ترجح خلاف الفتوى السابقة يقوم أهل الحل والعقد من العلماء برفعها للسلطان، وللسلطان جوابه الذي يطرحه على العلماء إن رأى خلاف الفتوى الجديدة لمصلحة راجحة لا تنافي الشرع المطهر ، ومن هنا يكون المدخل صحيحاً بدلاً من النقد الأجوف العاري من البينات والأدلة الصحيحة الذي يتفوَّه به بعض الشبيبة بدعوى الضغوط والأوامر الرسمية على العلماء.
يقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله :” الذي أراه أن القنوت عند النوازل يتوقف على ولي الأمر كما هو المشهور في مذهب الإمام أحمد …، وكذلك إذا أمر بالقنوت قنتنا، فالأولى في مثل هذا أن يُنتظر أمر الدولة بذلك، إذا أمر به ولي الأمر قنتنا وإلا فلا‍ وبقاء الأمة على مظهر واحد خير من التفرق، لأنه مثلاً: أقنت أنا والمسجد الذي جنبي لا يقنت، أو نحن أهل بلد نقنت والبلاد الأخرى ما تقنت، ففيه تفريق للأمة، وجمع الأشتات من أحسن ما يكون، ولعل بعضكم علم بأمر عثمان – رضي الله عنه في آخر خلافته صار يتم الصلاة في منى، يعني يصلي الرباعية أربعاً ، فأنكر الصحابة عليه ، حتى أن مسعود لما بلغه ذلك استرجع ، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فجعل هذا من المصائب وكانوا يصلون خلفه أربعاً، فقيل لابن مسعود: يا أبا عبد الرحمن: كيف تصلي خلفه أربعاً وأنت قد أنكرت عليه، فقال: ” إن الخلاف شر “([1]) فكون الأمة تكون على حال واحدة أفضل ، لأن طلبة العلم تتسع صدورهم للخلاف ، لكن العامة لا تتسع صدورهم للخلاف أبداً، فالذي أنصح به إخواننا أن لا يتعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، مع أن باب الدعاء مفتوح، يدعو لهم الإنسان في حال السجود بعد التشهد الأخير في قيام الليل، وبين الأذان والإقامة، يعني لا يتعين الدعاء في القنوت فقط، صحيح أن القنوت مظهر عام ويجعل الأمة كلها تتهيأ للدعاء، وتتفرغ له، لكن كوننا نخلي واحداً بهواه ونفرق الناس، هذا ما أرى أنه جيد"([2])اهـ
وسئل الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ فقيل له ” هناك قرارات صدرت من الوزارة مثلاً عدم القنوت في الصلوات، مع أنها ثابتة عند المصائب والمحن ما تعليقكم على ذلك؟
الجواب : كلامي في القنوت يمكن سمعتموه مراراً ونشر في الصحف وفيه قناعة شرعية ظاهرة أدلتها، لكن المخالف لم يأت بدليل ظاهر فيها من السنة، النبي صلى الله عليه وسلم حينما قنت، قنت فقط ومساجد المدنية الأخرى لم تقنت هذا أولاً.
وثانياً: الذي يقنت هو الإمام ونائبه … والأدلة في ذلك ظاهرة، لا يصح إلا بإذن ولي الأمر ، وهناك ثلاث مسائل في العبادات معروفة عند أهل العلم ليست مسألة القنوت فحسب بل قنوت النوازل
المسألة الأولى: إنه لا استسقاء ” طلب الغيث ” إلا بدعوة الإمام الذي يدعو إلى الاستسقاء وهو الإمام أو نائبه، هذا ظاهر في أن الصحابة لم يستسقوا في عهده عليه الصلاة والسلام ولا من بعده إلا بطلب ولي الأمر، مع أن المسألة هي طلب سقيا، هذه يشترك فيها العامة لكن الأمر إذا كان فيه عموم ليس مقتصراً على بعض الأفراد فهذا مناط بولي الأمر، هذا ظاهر الأدلة وأحوال السلف والأئمة.
المسألة الثانية: مسألة الجمعة، إذا أجمع الناس فهل لهم أن يجمعوا في مسجد بدون إذن؟ ليس لهم ذلك.
المسألة الثالثة: القنوت ، قنوت النوازل أيضاً ليس لهم أن يقنتوا إلا بإذن ولي الأمر في ذلك، وهذا ظاهر من حيث الدليل، بل إن الدليل وأنتم راجعوا السنة وانظروا، لا تجدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء أنه قنت غير المسجد الأعظم في البلد، نحن لا نريد أن نجعل المسائل التربوية -أو نقول مسائل الأمة أو نحو ذلك- نجعلها هي التي تُسيِّر عباداتنا، هذه مسائل لها علاج ، لها حمية ، ولها في مكان آخر، لكن العبادات هذه منوطة بأحكام شرعية عبادية لا يجوز أن يُحدث فيها شيء، انظر مثلاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما قنت إلا هو، وفي عهد عمر رضي الله عنه قنت هو، وفي عهد هذا أو هذا قنت بإذنه، هذا لما كانوا في البلد في الحاضرة، أما إذا كانوا في سفر أو كانوا في جهاد أو نحو ذلك فهذه المسألة ترجع لا إلى الأمير الأعظم [ بل ] إلى أمير السفر أو نحو ذلك لكنه في البلد الحاضرة ما فيه شك أن هذه مسألة ظاهرة من حيث الدليل([3])اهـ
ويتبين مما سبق أن هذه المسألة بهذا الحكم المقيد بإذن ولي الأمر لها وجهة نظر من حيث الدليل والمصالح المترتبة، والمسألة كما أسلفت قضية علمية تُدار بين كبار علماء كل بلدة وليست محل نقاش من هب ودب.
وعن كبار العلماء تصدر الفتوى لبلدهم حسب المصالح والمفاسد المترتبة والمبنية على أدلة الشرع وقواعده.
فإذا قامت الفتوى على مثل ذلك ونحوه واعتمدها ولي الأمر أو من خوَّله لزم العمل والانقياد وعدم الخروج على جماعة المسلمين في الدولة الفلانية دفعاً للمفاسد وجلباً للمصالح، ودفعاً للتفرقة وتشتت المسلمين في قضايا تحتمل الخلاف بين العلماء، بغض النظر عن كون الفتوى الفلانية قامت على دليل مرجوح عند الطرف المخالف، لكون ولي الأمر ومن حوله من العلماء اعتمدوا هذا الرأي لمصالح تخفى على عامة الأمة وإن جهلها من جهلها.
ولو فرضنا أنه لا دليل على القول بهذا الشرط فتبقى المصالح المترتبة من اعتبار الشرط لجمع الكلمة على طاعة السلطان ، لأنه إذا أمر بعدم القنوت في نازلة معينة لمصلحة راجحة فإنه يلزم طاعته، لكون الطاعة في ذلك من المعروف لما يترتب من المصالح المستفيضة بأهل بلدته.
قال شيخ الإسلام ” ويسوغ أيضاً أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة خوفاً من التنفير عما يصلح كما ترك النبي عليه الصلاة والسلام بناء البيت على قواعد إبراهيم لكون قريش كانوا حديثى عهد بالجاهلية وخشي تنفيرهم بذلك، ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم، وقال ابن مسعود لما أكمل الصلاة خلف عثمان وأنكر عليه فقيل له في ذلك فقال :” الخلاف شر”([4])اهـ.
قلت : وترك النبي عليه الصلاة والسلام بناء البيت على قواعد إبراهيم أعظم من ترك قنوت النازلة ، لأن الكعبة لما جرفها السيل بناها بعض كفار قريش قبل الإسلام على خلاف قواعد إبراهيم فرأى النبي عليه الصلاة والسلام عدم هدمها وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم خوفاً من التنفير وشتات القلوب مع أنه هو الذي يقول عليه الصلاة والسلام ” ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع “([5]).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : “فالواجب على الرعية وعلى أعيان الرعية التعاون مع ولي الأمر في الإصلاح وإماتة الشر والقضاء عليه ، وإقامة الخير بالكلام الطيب والأسلوب الحسن والتوجيهات السديدة التي يرجى من ورائها الخير دون الشر ، وكل عمل يترتب عليه شر أكثر من المصلحة لا يجوز؛ لأن المقصود من الولايات كلها : تحقيق المصالح الشرعية، ودرء المفاسد، فأي عمل يعمله الإنسان يريد به الخير ويترتب عليه ما هو أشر مما أراد إزالته وما هو منكر لا يجوز له”([6]).
ثم لو عدنا اليوم إلى تطبيق فتوى قنوت النوازل لحملها الكثير على الاستمرار بحجة أن الأمة في نوازل متتالية وخصوصاً في الآونة الأخيرة ، ولو تأمل العاقل في تاريخ العهد النبوي والعهد الراشد والخلافة الأموية والعباسية وما بعدها إلى يومنا هذا لوجد أن النوازل تتابع من ذلك الوقت حتى يومنا هذا على بلاد المسلمين كما تقدم، ولا يعرف عن علماء الإسلام في تلك الأزمنة من أفتاهم باستمرار القنوت لأشهر كثيرة أو سنوات عديدة، وفرقٌ بين زماننا وزمانهم من حيث العلم وفهم الأحداث وإنزال الأدلة في مواضعها الصحيحة، لذا نجد أن بعض العصريين يكررون قولهم النوازل قائمة وليس هناك من يقنت ؟ مع أن الاستمرار في قنوت النوازل على الدوام خلاف السنة لحديث أنس قال : ” قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على رعل وذكوان “([7]).
وعنه رضي الله عنه قال :” قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً حين قتل القُرَّاء فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن حزناً قط أشد منه”([8]).
وهي أطول مدة قنتها رسول الله عليه الصلاة والسلام في حياته، فلماذا اقتصر نبينا عليه الصلاة والسلام على شهر واحد رغم أنه لا دلالة في أن من دعا عليهم آمنوا بالله ودخلوا جميعاً في دين الإسلام، ولا دليل على أن الغزوات ومحن المسلمين توقفت في زمانه، فكيف يمكن القول باستمرارية القنوت اليوم باعتبار أن النوازل مستمرة؟!، وهؤلاء الطائشون يكررون هذه الشبهة وهم لا يقنتون على الدوام في مواطنهم كما علمنا عنهم، فلِمَ إذن الدندنة التي لا داعي لها؟!!!!
ومما لا شك أن السنة بسبب فهم خطأ أو قلة علم، قد يحولها البعض إلى بدعة أو فتنة، لذلك لزم مراجعة واستشارة كبار العلماء قبل إثارة مثل هذه المسائل التي قد تسبب فتنة تضر المجتمع وتفرقه.
والحاصل في هذا الباب : أنه يجب على الدعاة إلى الله وعامة المسلمين عدم إثارة ما يكون سبباً للفتن لفتوى لا تتوافق مع ما يراه البعض، ولا ينبغي أن يقال : إن هذه الفتوى ونحوها صدرت عن هوى أو ضغوط أو الزامات ونحوها مما يتفوّه به بعض المتسرعين.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه أبو داود في سننه رقم (1960) من رواية عبد الرحمن بن يزيد بإسناد صحيح.
[2] محمد بن فهد الحصين، الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية (ص135).
[3] المصدر السابق، الموضع نفسه.
[4] مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/437).
[5] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1218) من حديث جابر.
[6] فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز ، (8 /203) ، مقال بعنوان ” نصيحة الأمة في جواب عشرة أسئلة مهمة “.
[7] متفق عليه.
[8] متفق عليه.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-12-2017, 11:24 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي قول الخوارج : الشهادة في سبيل الله مطلب شرعي

قول الخوارج : الشهادة في سبيل الله مطلب شرعي فلا يلزم من الجهاد تحقيق نَصْرٍ مادي للمسلمين، وإنما يكفي أن ننال الشهادة.
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (19)

الجواب على هذه الشبهة : أن الشهادة في سبيل الله مطلب شرعي قائم بذاته ، وبالفعل لا يلزم من الجهاد تحقيق نصرٍ مادي للمسلمين ، وإنما هي إحدى الحسنين : النصر أو الشهادة ، وهذا أمرٌ مسلم له ، ولكن بشرط ألا يؤدي القتال إلى مفسدة أكبر، وأن يكون منضبطاً بضوابط الشرع، وهذان أمران مهمان ، وهما مفقودان عند هؤلاء المتعجلين، الذين لا خلاف معهم في كون الجهاد سبيلاً لإعلاء كلمة الحق، وإنما الخلاف في ضوابطه وشروطه الصحيحة التي يفتقدونها، وفي فهم الجهاد الشرعي فهماً صحيحاً.
ثم كيف يمكن أن تكفي الشهادة بالمفهوم الضيق الذي ترونه، فهل نضحي بالمسلمين ليكونوا كبش فداء للأعداء دون تكتيك أو ترتيب وفق الشريعة، ثم نقول لأقارب من قتلوا : ” مبارك عليكم شهادة أبنائكم ” يعني نرمي بهم في المجازر مع ظننا الغالب أنهم سيُقتلون، ثم نشهد لهم بالشهادة، هذا والله “فِكْرُ ضيقٌ، كاسد بضاعته، مفلسٌ أهله”.
ثم لو تأملنا في واقع هؤلاء الشباب لوجدنا أنهم مخدوعون بقادة الفكر الخارجي الذي يسفه رواده كبار العلماء وفتاواهم، ويتهمونهم بالجهل وحب الدينار والدرهم والعمالة ونحوها من الألفاظ التي يتنزه عنها العقلاء، حتى جرُّوا الويلات والدهماء على المسلمين ودويلاتهم الصغيرة المفرقة.
ويمكن حصر ضرر هذه الشبهة في محورين :
المحور الأول : ظهور أعظم المفاسد مع احتمال مصلحة مرجوحة.
المحور الثاني : غياب شروط الجهاد الأربعة ” الراية الشرعية، الإمام ، الإذن ، الأهلية”.
فأما المحور الأول : فقد ” جاءت الشريعة عند تعارض المصالح والمفاسد بتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، وباحتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، فمتى لم يندفع الفساد الكبير …. إلا بما ذكر من احتمال المفسدة القليلة كان ذلك هو الواجب شرعاً، وإذا تعين ذلك على هذا الرجل فليس له ترك ذلك إلا مع ضرر أوجب التزامه أو مزاحمة ما هو أوجب من ذلك”([1]).
قال شيخ الإسلام ” القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فانه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد ، فإن الأمر والنهى وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته”([2]).
وقال رحمه الله ” وينبغي أن يُعلم أن الأعمال الصالحة أمر الله بها أمر إيجاب أو استحباب، والأعمال الفاسدة نهى الله عنها، والعمل إذا اشتمل على مصلحة ومفسدة فإن الشارع حكيم إن غلبت مصلحة على مفسدته شَرَعَهُ، وإن غلبت مفسدته على مصلحته لم يشرعه، بل نهى عنه([3]).
وحاصل كلام أهل العلم في ذلك : أنه يجب ترك المشروع إذا كان يؤدي فعله إلى منكر أكبر، ولا شك أن قتال العدو اليوم يؤدي على هذه الحال التي عليها المسلمون اليوم إلى مفاسد كثيرة وإن تعذر القائم بذلك بطلب الشهادة.
فـ” ليس كل سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعاً بل ولا مباحاً ، وإنما يكون مشروعاً إذا غلبت مصلحته على مفسدته ، أما إذا غلبت مفسدته فإنه لا يكون مشروعاً بل محظوراً وإن حصل به بعض الفائدة “([4]).
أما المحور الثاني فيتعلق بغياب شروط الجهاد الأربعة ” الراية الشرعية ، الإمام ، الإذن ، الأهلية” إلا إذا كانوا في دولة كافرة فلهم ان يؤمروا لهم اميرا منهم كما كان الحال في حرب الأفغان على روسيا وبشرط القدرة على الجهاد وألا يؤدي جهادهم إلى اشر منه فيما يغلب عليه الظن، وأن يرجعوا في قضاياهم لكبار العلماء ومشورتهم.
وقد سبق بسط هذه الشروط بأدلتها والكلام عنها في المقال السابق الذي بعنوان : " هل ” الجهاد في هذا العصر فرض عين على كل مسلم؟".
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــ
[1] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4287).
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (28/129).
[3] المصدر السابق (11/623).
[4] المصدر السابق (27/177).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-12-2017, 11:25 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي قول التكفيريين : القول بأن الجهاد هو جهاد الدعوة وليس القتال، فيه تحريف لمعنى الجهاد

قول التكفيريين : القول بأن الجهاد هو جهاد الدعوة والتربية وليس القتال، فيه تحريف لمعنى الجهاد.
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (20) قبل الأخيرة

الجواب على هذه الشبهة : أنه لم يقل أحد من أهل العلم إن الجهاد محصور بجهاد الدعوة وجهاد النفس والتصفية والتربية، وإنما قالوا التصفية والتربية الصحيحة سبيل ممهد لرص الصفوف وجهاد العدو، وبها بدأ الإسلام ولحاجة الأمة إليها اليوم لكن فهمكم لكلام العلماء خطأ- لقلة علمكم وسرعة ردة فعلكم - ولذا جعلكم تحكمون على العلماء بأنهم حصروا الجهاد في التصفية والتربية وهذا فهمكم لا فهم العلماء.
التربية الصحيحة منهج نبوي معتبر ومقدمٌ على جهاد وقتال الكفار، لكن لا يعني تعطيل الجهاد، وقد بدأ بها النبي عليه الصلاة والسلام حيث قام بتربية أصحابه تربيةً إيمانية روحية قبل أن يشرع في الجهاد، وقد قضى في سبيل تربية الأصحاب قبل الشروع في الجهاد ثلاثة عشر سنة، ولم يكتفِ بذلك بل عاش معهم مربياً حتى توفاه الله ، فلما مات عليه الصلاة والسلام وتوالت القرون وتغيرت المفاهيم، كان لزاماً على علماء الإسلام أن يدعوا الناس جميعاً إلى الاقتداء بهذا المنهج النبوي الكريم، فكان من ذلك مقولة بعض علمائنا ” حاجتنا اليوم إلى جهاد الدعوة والتربية أشد من حاجتنا إلى جهاد العدو ” ومعنى ذلك أن تربية النفس وتهذيبها وتعويدها على المنهج النبوي السليم أساس لنجاحنا في بدء جهاد العدو، ولا يعني أن قتال العدو أمر مرفوض؛ إذ لم يقل ذلك أحد من أهل العلم، بل هو فهمُ من لا خلاق له في العلم والإنصاف.
إن القصد من التربية : تصحيح المفاهيم والعقائد وإصلاح ذات البين وجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة والتدرج في الأمور حسب مقتضى التشريع، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يبدأ جهاد العدو حتى حقق ذلك كله، وهذا ما نفتقده في العصر الحاضر، ولا يعني ذلك ألا جهاد حتى يصير إيمان الناس في عصرنا الحاضر وأخوتهم بمثل ما كان عليه الصحابة سواء بسواء، وإنما المقصود تربية وتصفية تؤدي لإمكانية مواجهة العدو وفقاً لشروط الجهاد الشرعية.
قال الزرقاني رحمه الله : “لم يُشرع الجهاد دفاعاً في صدر الإسلام على الرغم من أن الأذى كان يصب على المسلمين من أعدائهم صبًّا ، بل كان الله يأمر بالعفو والصفح ، ومن ذلك قوله سبحانه في سورة البقرة ” وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “([1]) فكانت أمراً صريحاً لهم بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره فيهم من القتال ، ويتضمن ذلك النهي عن القتال حتى يأتي أمر الله ، ثم شرع القتال دفاعاً في السنة الثانية من الهجرة”([2])”اهـ
قال الشيخ عبد العزيز بن باز : " ونبينا عليه الصلاة والسلام لما بعثه الله مكث في مكة بضعة عشر عاماً يدعو إلى الله عز وجل ولم يكن هناك جهاد بالسيف ، ولكنه الدعوة والتبشير بالإسلام ، وقد أنكر قومه دعوته وآذوه وآذوا أصحابه ، ولكنه صبر على ذلك عليه الصلاة والسلام وكان مستتراً بها أولاً ثم أمره الله بالصدع فأظهر الدعوة وصبر على الأذى وهكذا أصحابه ،… وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقرأ عليهم القرآن ويبين لهم ما أشكل عليهم فيتقبلون الحق ويرضون به ويدخلون في دين الله جل وعلا، ثم انتشر الإسلام والدعوة إليه في القبائل والبادية والقرى المجاورة لمكة بسبب الدعوة ، وبسبب ما يسمعونه من الصحابة الذين أسلموا وأجابوا النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج كل عام، يطلب منهم أن يجيبوه وأن يؤوه وأن ينصروه حتى يبلغ رسالة ربه -عليه الصلاة والسلام- فلم يقدر الله سبحانه ذلك إلا للأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم ..، وهكذا المسلمون الذين أسلموا من الحاضرة والبادية نشروا الإسلام بالدعوة ومن جملتهم أبو ذر الغفاري وعمرو بن عبسة السلمي وغيرهما ، ثم شرع الله الجهاد على أطوار ثلاثة : أولاً : أذن فيه، ثم أمروا أن يقاتلوا من قاتلهم ويكفوا عمن كف عنهم، ثم شرع الله الجهاد العام طلباً ودفاعاً ، وهذه الأطوار باقية على حسب ضعف المسلمين وقوتهم فإذا قوي المسلمون وجب عليهم الجهاد طلبا ودفاعا، وإذا ضعفوا عن ذلك وجب عليهم الدفاع وسقط عنهم الطلب حتى يقدروا ويستطيعوا"([3])”.
ومن المعلوم أن المسلمين اليوم ضعفاء والعدو ظاهر عليهم، فهم عاجزون عن مقاتلة العدو فلا تكليف عليهم حتى يقدروا ويستطيعوا ، ولا يتم ذلك إلا بعودتهم إلى سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام ليحتذوا بذلك حذو القذة بالقذة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وإلا كانت أعمالهم وبالاً عليهم.
ثم الجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس. وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى : ” وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ” ([4]) ، وإذا تأملنا هذه الثلاثة لوجدنا أن من يدعو إلى جهاد العدو لا يعمل بمقتضى جهاد النفس والشيطان إذ من مقتضاهما دفع كل ما كان مخالفاً للهدي النبوي الشريف، ومن ذلك ما يدور في أذهانهم من المداخل الشيطانية من تكفيرهم لولاتهم والخروج عليهم وتضليل علماء الأمة والمجتمعات الإسلامية ونحوها من أهواء النفس والشيطان، ومن كان مبتلى بذلك كان عاجزاً عن نصرة الدين ومحاربة الكافرين، لأن من لم يصبر على هوى النفس عجز عن الصبر أمام العدو.
“وذلك لأن الله أمر الإنسان أن ينهى النفس عن الهوى، وأن يخاف مقام ربه، فحصل له من الإيمان ما يعينه على الجهاد، فإذا غلب لكان لضعف إيمانه فيكون مفرطا بترك المأمور”([5]).
والحاصل : أنه لا بد أولاً من تربية المسلمين تربية صحيحة قبل محاربة العدو على أن تكون التربية في كافة النواحي العقدية والشرعية والسلوكية ، فإذا صحت التربية الإيمانية استطعنا أن نتوحد لنحارب عدونا ولو كان سلاحنا دونهم، فالمسلمون اليوم غير قادرين على المواجهة لسوء التربية، ولتفرقهم وبعدهم عن العلم الشرعي الصحيح الذي يكفل لهم السير على المنهج النبوي القويم، وطالما وأننا ضعفاء والعدو ظاهرٌ علينا فإن محاولة مقاتلة العدو ونحن على هذه الحالة المزرية يوقعنا في أعظم المفاسد التي تجلب الويلات على أهل الإسلام لضعفهم ” فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين”([6]).
ولنأخذ مثالاً حياً من واقعنا الأليم :
ما حلَّ بإخواننا المجاهدين في أفغانستان والشيشان وغيرهما من الفشل بسبب سوء تربية كثيرٍ من القادة الأفغان فضلاً عن الجند؛ حيث أصبحوا لقمة سائغة للعدو بعد أن كان الظفر حليفهم لولا عُدولُهم عن المنهج النبوي الكريم واختلافهم فيما بينهم.
سئل سماحة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله السؤال التالي : يقول البعض‏:‏ إن ذهاب ثمرة الجهاد الأفغاني هو نتيجة طبيعية لعدم اعتماد المنهج الصحيح، ما ردكم‏؟
فأجاب : قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ” ‏مَن قاتل لتكونَ كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله‏”‏([7]) ، فما خرج عن هذا الضابط من أنواع القتال فهو ليس في سبيل الله، وبالتالي تكون نتيجته الفشل، وما يحصل عند الأفغانيين الآن لا بد أنه نتيجة خلل حاصل، والواجب عليهم مراجعة أنفسهم والرجوع إلى الحق والاحتكام إلى الكتاب والسّنّة، قال الله تعالى‏:‏ ‏” ‏فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏ “([8]).
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم
ـــــــــــــــــــــ
[1] سورة البقرة ، الآية رقم (109).
[2] مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني (1/73).
[3] فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز (6/15).
[4] سورة الحج، آية (78).
[5] مجموع فتاوى ابن تيمية (10/636).
[6] الصارم المسلول لابن تيمية (2/412-414).
[7] أخرجه البخاري في ‏”‏صحيحه‏”‏ ‏(‏3/206‏)‏ من حديث أبي موسى رضي الله عنه‏.‏‏
[8] المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان (1/250)، والآية رقم (1) من سورة ‏الأنفال‏.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-12-2017, 11:25 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلول المقترحة والتوصيات لولاة الأمر فيما يتعلق بالمتأثرين بالفكر الخارجي

الحلول المقترحة والتوصيات لولاة الأمر فيما يتعلق بالمتأثرين بالفكر الخارجي
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (21) والأخيرة

تكلمت في مقالات سابقة عن شبهات المتأثرين بالفكر الخارجي، وأجبت عن شبهاتهم بما رأيت أنه كافٍ لدحضها، معتمداً على نصوص الكتاب والسنة وكلمات كبار علماء الأمة قديماً وحديثاً، وواقع التكفيريين في القديم والحديث، ويطيب لي في هذا المقال أن أضع بعض الحلول التي يمكن أن تعالج هذا الفكر أو تخفف من انتشاره وحدته، من خلال هذه المقترحات التي أوجهها لولاة الأمر باعتبار أنهم مسؤولون أمام الله عن الرعية باختلاف مشاربهم وأفكارهم :
أولاً : يجب أن يعلم ولاة أمر المسلمين أن الخوارج في العصر الحديث بل وغيرهم من الناس ينقمون عليهم قضايا مهمة لزم ولاة الأمر النظر فيها بعين الاعتبار وإصلاحها وفق الشرع المطهر، وهذه القضايا منها ما هو ملموس عند بعض ولاة الأمر او في دولهم ، بينما البعض الآخر عند ولاة آخرين او في دولهم
، وعلى كل حال فليس ولاة أمر المسلمين او دولهم اليوم على وتيرة واحدة.
وقد كتب لي بعضهم قضايا منكرة، ووصلتني قضايا أخرى من آخرين، ومثل هذه الأمور يجب ألا تخفى على ولاة الأمر، بل يجب عليهم أن يعلموها ويتدارسوها، فمن كان عنده شئ منها او في دولته فيلزمه شرعاً معالجتها على ضوء الكتاب والسنة، فالدنيا قليلة والآخرة خير وأبقى، وعلاج مثل هذه الأمور سبب في كسب حب الرعية لولاتهم، وأيضاً علاج للفكر الخارجي ووأده، أو على الأقل تخفيف حدته، والحيلولة من انتشاره، فإن الخوارج لم يخرجوا في واقع الأمر إلا حميةً للإسلام وأهله بغض النظر عن خطأ خروجهم وقسوة تصرفاتهم، وتتلخص هذه الأمور في التالي :
1- انتشار الفساد وممارسته في الدول الاسلامية على مرآ ومسمع من الولاة.
2- امتلاك بعض التجار شركات الخمور ورخصة بيعها وشربها، والإتجار في المخدرات، ودور الدعارة والقمار ونحوها.
3- وضع برامج تعليمية تربي على النظم العلمانية واللبرالية والأحكام الكفرية.
4- تشجيع الاختلاط والتبرج والمجون والموسيقى وحفلات الرقص والغناء، والعلاقات المحرمة بين الشباب والشابات وتسهيل العلاقة بين الفتيان والفتيات.
5- سنن قوانين تتصادم مع الشريعة الاسلامية، وسن أخرى لحماية الفجور والفسق والفساد والتضييق على أهل الدين في تطبيق دينهم في حياتهم الشخصية كالتضييق على المحجبات والملتحيين وحرمانهم من الوظائف.
6- تطبيق العلمانية قولاً وفعلاً أو مضموناً.
7- السخرية من مظاهر الدين كلباس المرأة واللحية وباقي السنن المعلومة من الدين بالضرورة.
8- الاستيلاء على بعض ثروات المسلمين وتوزيعها بين ذويهم.
9- إعطاء رشاوي عظيمة للكافرين لحماية عروشهم.
10- تمويل بعض الظلمة أو أكثرهم للبقاء على رأس السلطة في بلاد المسلمين.
11- حماية بعض الظلمة للبقاء على رأس السلطة إذا أطيح به.
12- تمويل حملات التدخل العسكري الأجنبي غير المسلم في بلاد المسلمين.
13- خذلان المسلمين إذا داهمهم كافر بالتقتيل والتهجير والتشريد إلا ما شاء الله.
14- صدر مرارا من بعضهم مولاة الأقليات الكافرة أو الأكثرية ضد المسلمين.
15- تمويل ما يشغل الشباب المسلم من نشر المخدرات والخمور، والمهرجانات الموسيقية والغنائية والأفلام الخليعة ونحوها من المحرمات شرعاً.
16- تمويل ما يساهم في تخلف المسلمين والحط من هممهم والسعي في انتكاسهم وتثبيطهم عن الرقي.
17- تمويل الصوفية، والرافضة بل فيهم من يقدم الذبائح للقبور حفاظا على ظاهرة الشرك والغوغاء.
18- تعفين الإعلام بما لا يخفى على الصغير والكبير على المستوى الحكومي وغير الحكومي ومن ذلك وجود بعض القنوات المفسدة ومنهم من يمولها، ومنها قنوات إخبارية سياسية تتعاطف مع القضايا الصهيونية والقضايا التي تضر المجتمع وربما حاربت الاسلام والمسلمين.
19- إنشاء البنوك والمؤسسات والشركات الربوية والترخيص لها.
20- الترخيص لفتح النوادي الليلية والفنادق التي يوجد في بعضها الخمور والمحرمات، وربما الدعارة من زنا وغيره.
21- تعطيل أحكام الشرع كتعطيل الحدود، والأمر بحلق اللحى أو تخفيفها وخصوصاً في مؤسسات بعض الدول العربية، وبالأخص المؤسسة العسكرية.
22- الموالاة لأعداء الله في الظاهر، وتمجيد الديمقراطية والقوميات العربية، ونحوها من القضايا التي حرمها الشرع، وكل ذلك على مرأى ومسمع من ولاة الأمر.
وما سبق أمثلة وما غاب لا يخفى على ولاة الأمر وغيرهم من الشعوب.
ثانياً : يجب على ولاة الأمر تكوين لجنة علمية من العلماء والدعاة المصلحين المشفقين على هذه الأمة لفتح باب الحوار مع أصحاب هذا الفكر، بحيث يُعرف أعضاء اللجنة بالعلم الصحيح والمعتقد السليم والمنهج القويم، ويُعرفون بالرحمة والشفقة، وحب الهداية للمخالفين، واللين في تعاملهم مع المخالف باعتبار أن هؤلاء الشباب إخوانٌ لنا وقعوا في فكر مخالف يحتاج إلى معالج مشفق رحيم بهم، لعل الله أن يهديهم ويصلحهم، فبهدايتهم يحصل خير كبير للأمة وللدول الاسلامية وولاتها، وهم أحوج ما يكونون إلى الرفق، فإن مقابلة العنف بالعنف يولد انفجاراً وردة فعل أعنف، ومقابلة العنف باللين يُولد قبولاً للحق كيما كان.
وفي الحديث: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه»(1)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله»(2)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه»(3)، وقد قيل: «العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قيّمه، والرفق والده، واللين أخوه، والصبر أمير جنوده»(4).
ولذا ينبغي للحكومات الإسلامية أن تخطو بنحو ذلك، بدلاً من استعمال أساليب العنف التي تولد الانفجار وانتشار دعوتهم في صفوف من يدعي الحمية والنصرة، فإنهم يتكاثرون يوماً بعد يوم، ويحصلون على دعم سخي بطرق غير مباشرة من أكثر من جهة، وربما من الأعداء لزعزعة الأمن والاستقرار في الدويلات الإسلامية، فلا تغتروا بطائرات أمريكا التي بغير طيارها ضد تنظيم القاعدة أو داعش أو أنصار الشريعة أو غيرها من التنظيمات في بعض الأماكن دون الأماكن الأخرى، فإن أمريكا لا تلجأ إلى استعمال القوة مع هؤلاء الطائشين إلا عند رجحان مصلحتها.
ثالثاً : ينبغي لولاة الأمر إصدار العفو العام عن المغرر بهم ممن تم القبض عليهم مع عمل تعهد خطي في ألا يعود من ثبتت تهمته.
وقد تكرر العفو من حكومة المملكة حتى أعذروا إلى الله، ثم إلى الناس، وقد كان دواءً نافعاً لبعض الشباب الذين راجعوا أنفسهم وعادوا إلى رشدهم، إلا أن بعض الطائشين ممن شملهم العفو عادوا إلى الفكر حتى تمادوا فيه.
رابعاً : يجب على محققي الأمن والمباحث أن يتعاملوا مع السجناء منهم تعاملاً شرعياً من غير تعنيف، حتى يشعر أصحاب هذا الفكر أن هؤلاء المحققين إخوان لهم، يجمعهم الدين وحب الأمن والاستقرار، حتى يتسبب هذا التعامل الشرعي في عودتهم إلى الجادة.
خامساً : يجب أن يستغل مدراء السجون ومحققوه وأفراده دخول هؤلاء الذين تم القبض عليهم بحسن استقبالهم وإشعارهم أنهم إخوانهم وأن يساعدوهم على المحافظة على الصلاة في وقتها جماعة، وأن يربطوهم بشكل يومي بإدارة التوجيه الديني في السجون وبلجان التوعية مع فتح المجال للسماع لهم لينفسوا عما في صدورهم حول ما يمقتون على الحكومة لمعرفة الداء وموضعه، حتى يتم رفع التقارير للجنة العلمية المكلفة بحوارهم لتوجيههم بطرق صحيحة.
سادساً : في حال استخدمت الدولة كافة الوسائل المتقدمة ومضى عليها فترة زمنية كافية، ولم ينفع مع بعضهم الإحسان واللطف والوعظ، فيلزم إحالة ملفاتهم للمحاكم الشرعية، ثم تُنفذ فيهم الأحكام الشرعية من سجن ونحوه، ولا يعني أن الأحكام إذا ظهرت في المحكومين انعدم الإحسان معهم والتلطف والحوار والتوجيه، بل هذا مطلوب شرعاً حتى وان استمر المتهم في فكره وغيه، فالتعامل الشرعي شيء، وإقامة الأحكام التي تقررها المحاكم الشرعية شيء آخر.
سابعاً : ألا يكون دور اللجان ضد هذا الفكر محصوراً لدى السجون وإدارات الأمن والمباحث، بل لا بد أن يتعدى ليصل كافة الميادين على مستوى الوزارات والهيئات والمساجد والجامعات والمدارس والأندية الشبابية والإعلامية المقروءة والمسموعة، وأن يحذروا من حرية الصحافة في هذا الباب، الذي فيه ” الجمر تحت الرماد” بحيث لا يكتب في هذا المجال من يوقد الفتنة ويشعلها من خلال تقريره الصحفي أو مقاله، بل لا بد من اختيار من يحسن إطفاء الفتنة وإخمادها من الدعاة والصحفيين والكتَّاب بأحسن الأساليب وأرحمها، حتى لا يوغر الصدور ويؤجج الفتن في مجتمعاتنا المحافظة، لأن المغزى من المقال أو التقرير الصحفي معالجة الداء وليس زراعته أو تقويته.
ثامناً : إدخال موضوع خطر الفكر الخارجي ضمن المناهج الدراسية والدورات التأهيلية لكافة أبناء الدولة بأوجز العبارات مدعومة بالأدلة من الكتاب والسنة.
تاسعاً : عمل بعض البرامج المرئية والمسموعة من خلال استضافة بعض الشخصيات التائبة من هذا الفكر، مع إظهار حسن التعامل مع التائب من خلال البرنامج، وأن يكون مقدم البرنامج شخصاً فطناً يحتوي كل من يشاهد أو يسمع برنامجه بحسن تعامله مع الضيف، مشعراً المشاهدين والمستمعين أن أصحاب هذا الفكر إخوان لنا، لولا ما يحملونه من الأفكار التي تتصادم مع الشريعة السمحة، بحيث لا يُظْهِر مقدم البرنامج التحامل على الضيف التائب من خلال برنامجه، بل ينقد بطريقة محببة للنفوس ليكسب التائب والجمهور المشاهد أو المستمع.
وأخيراً أقول :
إن احتواء أصحاب هذا الفكر بشتى الوسائل الصحيحة والحكيمة دليلٌ على نجاح الدولة وولاتها، ولنا في نبي الله هارون عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة، فإنه لمَّا قال لأخيه نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام :” فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ “([5]) أرسى مبدأ احتواء الخلاف وكيفية علاج قضايا الأمة بعيداً عن تدخل الأعداء وسياساتهم الخبيثة القائمة على زرع الفتن والقلاقل بين الراعي والرعية، والله أعلى وأعلم، وأعز وأكرم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
[ تمت هذه الدراسة بحمد الله، ويحق لأي شخص أن يطلب حلقاتها ال21 حلقة مجاناً من خلال المراسلة ].
ـــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة.
[2] أخرجه البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه.
[3] أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة.
[4] بنحوه في: نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد بن علي بن الحسن أبو عبد الله الحكيم الترمذي (3/186).
[5] سورة الأعراف، الآية رقم (150).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-20-2017, 06:42 AM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي سلسلة شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة / للشيخ صادق البيضاني

http://http://www.albidhani.com/koto...takfiriyin.pdfhttp://www.albidhani.com/kotob/httpdocs/kotoub/bidhani/chobohat-takfiriyin.pdf
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:22 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.